المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17757 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24
من آداب التلاوة
2024-11-24
مواعيد زراعة الفجل
2024-11-24
أقسام الغنيمة
2024-11-24
سبب نزول قوله تعالى قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون الى جهنم
2024-11-24

Herbert Ellis Robbins
1-1-2018
دور التابعين‏ في اسباب النزول
24-04-2015
مفهوم الجغرافيا السياحية
3-4-2022
التجربة الأردنية في الخصخصة : استنتاجات وتوجهات للمستقبل
29-8-2021
أحتاج سلمان الفارسي على البيعة
10-4-2016
القوي يأكل الضعيف
24-07-2015


تفسير الأية (51-60) من سورة الأنبياء  
  
3717   06:57 مساءً   التاريخ: 13-9-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة الأنبياء /

 

قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55) قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56) وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ  } [الأنبياء: 51 - 60]

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

عطف سبحانه على ما تقدم من قصة موسى وهارون بقصة إبراهيم (عليه السلام) فقال { وَلَقَدْ آتَيْنَا} أي: أعطينا { إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ} يعني الحجج التي توصله إلى الرشد من معرفة الله وتوحيده وقيل: معناه هداه أي هديناه صغيرا عن قتادة ومجاهد وقيل هو النبوة {من قبل} أي: من قبل موسى وقيل: من قبل محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) والقرآن وقيل: من قبل بلوغه {وكنا به عالمين} أنه أهل لإيتاء الرشد وصالح للنبوة {إذ قال لأبيه وقومه} حين رآهم يعبدون الأصنام { مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} والعامل في إذ قوله {آتينا} أي: آتينا رشده في ذلك الوقت والتمثال اسم للشيء المصنوع مشبها بخلق من خلق الله وأصله من مثلت الشيء بالشيء إذا شبهته به واسم ذلك الممثل تمثال وجمعه تماثيل وقيل: إنهم جعلوها أمثلة لعلمائهم الذين انقرضوا وقيل إنهم جعلوها أمثلة للأجسام العلوية والمعنى ما هذه الصور التي أنتم مقيمون على عبادتها.

 وروى العياشي بإسناده عن الأصبغ بن نباتة أن عليا (عليه السلام) مر بقوم يلعبون الشطرنج فقال ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون لقد عصيتم الله ورسوله {قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين} فاقتدينا بهم اعترفوا بالتقليد إذ لم يجدوا حجة لعبادتهم إياها سوى اتباع الآباء { قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} أي: في ذهاب عن الحق ظاهر ذمهم على تقليد الآباء ونسبهم في ذلك إلى الضلال { قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ} معناه: أ جاد أنت فيما تقول محق عند نفسك أم لاعب مازح وإنما قالوا ذلك لاستبعادهم إنكار عبادة الأصنام عليهم إذ ألفوا ذلك واعتادوه { قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ} أي: بل إلهكم إله السماوات والأرض الذي خلقهن وابتدأهن فدل على الله سبحانه بصنعة { وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} ومعنى هذه الشهادة تحقيق الأخبار والشاهد الدال على الشيء عن مشاهدة فإبراهيم (عليه السلام) شاهد بالحق لأنه دال عليه بما يرجع إلى ثقة المشاهدة.

 ثم أقسم إبراهيم (عليه السلام) فقال { وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} أي: لأدبرن في بابهم تدبيرا خفيا يسؤكم ذلك وقيل إنما قال ذلك في سر من قومه ولم يسمع ذلك إلا رجل منهم فأفشاه عن قتادة ومجاهد { بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ} أي: بعد أن تنطلقوا ذاهبين قالوا كان لهم في كل سنة مجمع وعيد إذا رجعوا منه دخلوا على الأصنام وسجدوا لها فقالوا لإبراهيم (عليه السلام) أ لا تخرج معنا فخرج فلما كان ببعض الطريق قال اشتكى رجلي وانصرف { فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا} أي: فجعل أصنامهم قطعا قطعا عن قتادة وقيل حطاما عن ابن عباس.

 { إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ} تركه على حاله ويجوز أن يكون كبيرهم في الخلقة ويجوز أن يكون أكبرهم عندهم في التعظيم قالوا جعل يكسرهم بفأس في يده حتى لم يبق إلا الصنم الكبير علق الفأس في عنقه وخرج { لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ} أي: لعلهم يرجعون إلى إبراهيم فيسألونه عن حال الأصنام لينبههم على جهلهم وقيل لعلهم يرجعون إلى الكبير فيسألونه وهو لا ينطق فيعلمون جهل من اتخذوه إلها وفي الكلام هاهنا حذف تقديره فلما رجع قومه من عيدهم فوجدوا أصنامهم مكسرة { قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ} من هذه الموصولة تقديره الذي فعل هذا بإلهتنا فإنه ظالم لنفسه لأنه يقتل إذا علم به وقيل إنهم قالوا من فعل هذا استفهموا عمن صنع ذلك وأنكروا عليه فعله بقولهم {أنه لمن الظالمين} إذ فعل ما لم يكن له أن يفعله.

 { قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} أي: قال الرجل الذي سمع من إبراهيم قوله {لأكيدن أصنامكم} للقوم ما سمعه منه فقالوا سمعنا فتى يذكرهم بسوء وقيل إنهم قالوا سمعنا فتى يعيب آلهتنا ويقول إنها لا تضر ولا تنفع ولا تبصر ولا تسمع فهوالذي كسرها وعلى القول الأول فإنما قالوا سمعنا فتى وإن لم يسمعوه كما يقال سمعت الله يقول أوسمعت الرسول يقول إذا بلغك عنه رسالة على لسان ثقة صدوق وقوله {يقال له إبراهيم} ارتفع إبراهيم على وجهين ( أحدهما ) يقال له هوإبراهيم والمعروف به إبراهيم وعلى النداء أي يقال له يا إبراهيم عن الزجاج .

_____________________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج7،ص93-95.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ ولَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وكُنَّا بِهِ عالِمِينَ }. اختلف المفسرون في المراد بالرشد ، قيل : انه الاهتداء إلى صالح الدين والدنيا ، وقيل : انه النبوة .

وهذا هو الأرجح بدليل قوله تعالى : { مِنْ قَبْلُ } لأن معناه من قبل الأنبياء الذين جاؤوا بعد إبراهيم ( عليه السلام ) كموسى وعيسى ومحمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) وبدليل قوله :

{ وكُنَّا بِهِ عالِمِينَ } فإنه بمعنى : « اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ » - 124 الأنعام . ان النبوة منحة من اللَّه يختص بها من هو أهل لها ، ولا تكون بالكسب كالايمان والتقوى ، ولذا يقال : كن مؤمنا . كن تقيا . ولا يقال : كن نبيا .

{ إِذْ قالَ لأَبِيهِ وقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ }. هذا سؤال موجه بطبعه إلى كل مسؤول عن أعماله وتصرفاته : كيف تقدسون وتعبدون ما لا يضر ولا ينفع ، وأنتم من ذوي العقول والإدراك ؟ { قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ }. هذا المنطق يلجأ إليه كل من يعجز عن الحجة والدليل ، تقول له :

لم فعلت هذا ؟ فيقول : فعله فلان . ولا جواب له إلا ما قاله إبراهيم لقومه :

{ قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ }. فالضلال لا يستحيل إلى هدى إذا كثر به العاملون .

{قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ }. استبعدوا أن يكون إبراهيم جادا في قوله ، لأن آباءهم منزهون عن الخطأ والضلال لا لشيء إلا لأنهم آباؤهم . .

ولا يختص هذا المنطق بقوم إبراهيم ، ولا بغيرهم من المشركين فكل من قلد غيره تقليدا أعمى فهووعبدة الأصنام سواء { قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ والأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ } . ما أنا بهازل ولا شاك كيف ؟ وهل في اللَّه شك وهزل ؟

وهو خالق السماوات والأرض { وأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ } أشهد بأن اللَّه هو المكوّن والمصوّر ، وأنا على يقين من شهادتي هذه ، ولي عليها الأدلة القاطعة ، والحجج الدامغة .

{ وتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ } لأفعلن بها في الخفاء ما يسوؤكم ، بحيث لا تشعرون إلا وهي مهشمة محطمة ، وتجدر الإشارة إلى أن الأصنام لا تكاد لأنها لا تشعر ، وانما الذين يكادون هم عبدة الأصنام ، وعليه تكون نسبة الكيد إلى الأصنام مجازية لا حقيقية لأنها اتخذت وسيلة للكيد بعبدتها .

{ فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ } . كسر إبراهيم الأصنام وجعلها قطعا متلاشية ، وترك أكبرها ليسأله عبدتها : لما ذا لم يدافع عن الآلهة الصغار ، وهو القوي العزيز ؟ والقصد واضح ، وهو ان يعتبر المشركون بأن هذه الأصنام إذا لم تدفع عن نفسها فهي أعجز من أن تدفع السوء عن غيرها .

{ قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ } . كان الأجدر بهم – لو يشعرون - ان يسألوا : ما ذا فعلت آلهتهم بالذي حطمها ؟ ولكن هذا هو منطق أهل الجهل والتقليد { قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ } . إشارة إلى قول إبراهيم ( عليه السلام ) :

« وتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ » أوقوله : « ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ » .

بعد ان كتبت تفسير الآية 64 من سورة الأنعام ج 3 ص 214 قرأت في الصحف ان الحفريات اكتشفت ( أور ) مدينة إبراهيم الخليل الأولى ، وقد تبين منها ان قومه كانوا يعبدون ثلاثة كواكب : أصغر وأوسط وأكبر . . وعلى هذا يكون الترتيب الذي جاء في القرآن على لسان إبراهيم هو الترتيب المنطقي الذي يطابق الحياة في ذلك العصر . . وهكذا يقدم العلم في كل يوم دليلا ماديا على صدق محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) في كل ما جاء به .

_______________

1- التفسير الكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص 283-285.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى:{ وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} انعطاف إلى ما قبل موسى وهارون ونزول التوراة كما يفيده قوله:{من قبل} والمراد أن إيتاء التوراة لموسى وهارون لم يكن بدعا من أمرنا بل أقسم لقد آتينا قبل ذلك إبراهيم رشده.

والرشد خلاف الغي وهو إصابة الواقع، وهو في إبراهيم (عليه السلام) اهتداؤه الفطري التام إلى التوحيد وسائر المعارف الحقة وإضافة الرشد إلى الضمير الراجع إلى إبراهيم تفيد الاختصاص وتعطي معنى اللياقة ويؤيد ذلك قوله بعده:{وكنا به عالمين} وهو كناية عن العلم بخصوصية حاله ومبلغ استعداده.

والمعنى: وأقسم لقد أعطينا إبراهيم ما يستعد له ويليق به من الرشد وإصابة الواقع وكنا عالمين بمبلغ استعداده ولياقته، والذي آتاه الله سبحانه - كما تقدم – هو ما أدركه بصفاء فطرته ونور بصيرته من حقيقة التوحيد وسائر المعارف الحقة من غير تعليم معلم أوتذكير مذكر أو تلقين ملقن.

قوله تعالى:{ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} التمثال الشيء المصور والجمع تماثيل، والعكوف الإقبال على الشيء وملازمته على سبيل التعظيم له كذا ذكره الراغب فيهما.

يريد (عليه السلام) بهذه التماثيل الأصنام التي كانوا نصبوها للعبادة وتقريب القرابين وكان سؤاله عن حقيقتها ليعرف ما شأنها وقد كان أول وروده في المجتمع وقد ورد في مجتمع ديني يعبدون التماثيل والأصنام والسؤال مع ذلك مجموع سؤالين اثنين وسؤاله أباه عن الأصنام كان قبل سؤاله قومه على ما أشير إليه في سورة الأنعام ومعنى الآية ظاهر.

قوله تعالى:{ قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ} هو جواب القوم ولما كان سؤاله (عليه السلام) عن حقيقة الأصنام راجعا بالحقيقة إلى سؤال السبب لعبادتهم إياها تمسكوا في التعليل بذيل السنة القومية فذكروا أن ذلك من سنة آبائهم وجدوهم يعبدونها.

قوله تعالى:{ قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} ووجه كونهم في ضلال مبين ما سيورده في محاجة القوم بعد كسر الأصنام من قوله:{ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ}.

قوله تعالى:{ قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ } سؤال تعجب واستبعاد وهو شأن المقلد التابع من غير بصيرة إذا صادف إنكارا لما هو فيه استبعد ولم يكد يذعن بأنه مما يمكن أن ينكره منكر ولذا سألوه أ جئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين والمراد بالحق - على ما يعطيه السياق - الجد أي أ تقول ما تقوله جدا أم تلعب به؟.

قوله تعالى:{قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين} هو(عليه السلام) - كما ترى - يحكم بأن ربهم هو رب السماوات وأن هذا الرب هو الذي فطر السماوات والأرض وهو الله سبحانه، وفي ذلك مقابلة تامة لمذهبهم في الربوبية والألوهية فإنهم يرون أن لهم إلها أوآلهة غير ما للسماوات والأرض من الإله أوالآلهة، وهم جميعا غير الله سبحانه ولا يرونه تعالى إلها لهم ولا لشيء من السماوات والأرض بل يعتقدون أنه إله الآلهة ورب الأرباب وفاطر الكل.

فقوله:{ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ} رد لمذهبهم في الألوهية بجميع جهاته وإثبات أن لا إله إلا الله وهو التوحيد.

ثم كشف (عليه السلام) بقوله:{ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} عن أنه معترف مقر بما قاله ملتزم بلوازمه وآثاره شاهد عليه شهادة إقرار والتزام فإن العلم بالشيء غير الالتزام به وربما تفارقا كما قال تعالى:{ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ:} النمل: 14.

وبهذا التشهد يتم الجواب عن سؤالهم أهو مجد فيما يقول أم لاعب؟ والجواب لا بل أعلم بذلك وأتدين به.

هذا ما يعطيه السياق في معنى الآية، ولهم في تفسيرها أقاويل أخر وكذا في معاني آيات القصة السابقة واللاحقة وجوه أخر أضربنا عنها لعدم جدوى في التعرض لها فلا سياق الآيات يساعد عليها ولا مذاهب الوثنية توافقها.

قوله تعالى:{ وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ} معطوف على قوله:{بل ربكم} إلخ أي قال لأكيدن أصنامكم{إلخ} والكيد التدبير الخفي على الشيء بما يسوؤه، وفي قوله:{بعد أن تولوا مدبرين} دلالة على أنهم كانوا يخرجون من البلد أومن بيت الأصنام أحيانا لعيد كان لهم أو نحوه فيبقى الجو خاليا.

وسياق القصة وطبع هذا الكلام يستدعي أن يكون قوله:{ وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} بمعنى تصميمه العزم على أن يكيد أصنامهم فكثيرا ما يعبر عن تصميم العزم بالقول يقال: لأفعلن كذا لقول قلته أي لعزم صممته.

ومن البعيد أن يكون مخاطبا به القوم وهم أمة وثنية كبيرة ذات قوة وشوكة وحمية وعصبية ولم يكن فيهم يومئذ – وهو أول دعوة إبراهيم - موحد غيره فلم يكن من الحزم أن يخبر القوم بقصده أصنامهم بالسوء وخاصة بالتصريح على أن ذلك منه بالكيد يوم تخلو البلدة أوبيت الأصنام من الناس كمن يفشي سرا لمن يريد أن يكتمه منه اللهم إلا أن يكون مخاطبا به بعض القوم ممن لا يتعداهم القول وأما إعلان السر لعامتهم فلا قطعا.

قوله تعالى:{ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ} قال الراغب الجذ كسر الشيء وتفتيته ويقال لحجارة الذهب المكسورة ولفتات الذهب جذاذا ومنه قوله تعالى:{فجعلهم جذاذا} انتهى فالمعنى فجعل الأصنام قطعا مكسورة إلا صنما كبيرا من بينهم.

وقوله:{لعلهم إليه يرجعون} ظاهر السياق أن هذا الترجي لبيان ما كان يمثله فعله أي كان فعله هذا حيث كسر الجميع إلا واحدا كبيرا لهم فعل من يريد بذلك أن يرى القوم ما وقع على أصنامهم من الجذ ويجدوا كبيرهم سالما بينهم فيرجعوا إليه ويتهموه في أمرهم كمن يقتل قوما ويترك واحدا منهم ليتهم في أمرهم.

وعلى هذا فالضمير في قوله:{إليه} راجع إلى{كبيرا لهم} ويؤيد هذا المعنى أيضا قول إبراهيم الآتي:{بل فعله كبيرهم هذا} في جواب قولهم:{أ أنت فعلت هذا بالهتنا}.

والجمهور من المفسرين على أن ضمير{إليه} لإبراهيم (عليه السلام) والمعنى فكسر الأصنام وأبقى كبيرهم لعل الناس يرجعون إلى إبراهيم فيحاجهم ويبكتهم ويبين بطلان ألوهية أصنامهم، وذهب بعضهم إلى أن الضمير لله سبحانه والمعنى فكسرهم وأبقاه لعل الناس يرجعون إلى الله بالعبادة لما رأوا حال الأصنام وتنبهوا من كسرها أنها ليست بآلهة كما كانوا يزعمون.

وغير خفي أن لازم القولين كون قوله:{إلا كبيرا لهم} مستدركا وإن تكلف بعضهم في دفع ذلك بما لا يغني عن شيء، وكان المانع لهم من إرجاع الضمير إلى{كبيرا} عدم استقامة الترجي على هذا التقدير لكنك عرفت أن ذلك لبيان ما يمثله فعله (عليه السلام) لمن يشهد صورة الواقعة لا لبيان ترج جدي من إبراهيم (عليه السلام).

قوله تعالى:{ قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ} استفهام بداعي التأسف وتحقيق الأمر للحصول على الفاعل المرتكب للظلم ويؤيد ذلك قوله تلوا:{ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ} إلخ فقول بعضهم: إن{من موصولة} ليس بسديد.

وقوله:{إنه لمن الظالمين} قضاء منهم بكونه ظالما يجب أن يساس على ظلمه إذ قد ظلم الآلهة بالتعدي إلى حقهم وهو التعظيم وظلم الناس بالتعدي إلى حقهم وهواحترام آلهتهم وتقديس مقدساتهم وظلم نفسه بالتعدي إلى ما ليس له بحق وارتكاب ما لم يكن له أن يرتكبه.

قوله تعالى:{ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} المراد بالذكر - على ما يستفاد من المقام - الذكر بالسوء أي سمعنا فتى يذكر الآلهة بالسوء فإن يكن فهو الذي فعل هذا بهم إذ لا يتجرى لارتكاب مثل هذا الجرم إلا مثل ذاك المتجري.

وقوله:{يقال له إبراهيم} برفع إبراهيم وهو خبر لمبتدإ محذوف والتقدير هو إبراهيم كذا ذكره الزمخشري.

_______________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج14،ص242-245.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

تخطيط إبراهيم (عليه السلام) لتحطيم الأصنام:

قلنا: أنّ هذه السورة تحدّثت ـ كما هو معلوم من إسمها ـ عن جوانب عديدة من حالات الأنبياء ـ ستّة عشر نبيّاً ـ فقد اُشير في الآيات السابقة إشارة قصيرة إلى رسالة موسى وهارون (عليهما السلام)، وعكست هذه الآيات وبعض الآيات الآتية جانباً مهمّاً من حياة إبراهيم (عليه السلام) ومواجهته لعبدة الأصنام، فتقول أوّلا: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ}.

«الرشد» في الأصل بمعنى السير إلى المقصد والغاية، ومن الممكن أن يكون هنا إشارة إلى حقيقة التوحيد، وأنّ إبراهيم عرفها واطّلع عليها منذ سني الطفولة. وقد يكون إشارة إلى كلّ خير وصلاح بمعنى الكلمة الواسع.

والتعبير بـ(من قبل) إشارة إلى ما قبل موسى وهارون(عليهما السلام).

وجملة {وكنّا به عالمين} إشارة إلى مؤهّلات وإستعدادات إبراهيم لإكتساب هذه المواهب، وفي الحقيقة إنّ الله سبحانه لا يهب موهبة عبثاً وبلا حكمة، فإنّ هذه المؤهّلات إستعداد لتقبّل المواهب الإلهيّة، وإن كان مقام النبوّة مقاماً موهوباً.

ثمّ أشارت إلى أحد أهمّ مناهج إبراهيم (عليه السلام)، فقالت: إنّ رشد إبراهيم قد بان عندما قال لأبيه وقومه ـ وهو إشارة إلى عمّه آزر، لأنّ العرب تسمّي العمّ أباً ـ ما هذه التماثيل التي تعبدونها؟ { إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ}.

لقد حقّر إبراهيم (عليه السلام) الأصنام التي كان لها قدسيّة في نظر هؤلاء بتعبير (ما هذه)(2) أوّلا، وثانياً بتعبير (التماثيل) لأنّ التمثال يعني الصورة أو المجسّمة التي لا روح لها. ويقول تاريخ عبادة الأصنام: إنّ هذه المجسّمات والصور كانت في البداية ذكرى للأنبياء والعلماء، إلاّ أنّها إكتسبت قدسيّة وأصبحت آلهة معبودة بمضيّ الزمان.

وجملة { أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} بملاحظة معنى «العكوف» الذي يعني الملازمة المقترنة بالإحترام، توحي بأنّ اُولئك كانوا يحبّون الأصنام، ويطأطئون رؤوسهم في حضرتها ويطوفون حولها، وكأنّهم كانوا ملازميها دائماً.

إنّ مقولة إبراهيم (عليه السلام) هذه في الحقيقة إستدلال على بطلان عبادة الأصنام، لأنّ ما نراه من الأصنام هو المجسّمة والتمثال، والباقي خيال وظنّ وأوهام، فأي إنسان عاقل يسمح لنفسه أن يوجب عليها كلّ هذا التعظيم والإحترام لقبضة حجر أو كومة خشب؟ لماذا يخضع الإنسان ـ الذي هو أشرف المخلوقات ـ أمام ما صنعه بيده، ويطلب منه حلّ مشاكله ومعضلاته؟!

إلاّ أنّ عبدة الأصنام لم يكن عندهم ـ في الحقيقة ـ جواب أمام هذا المنطق السليم القاطع، سوى أن يبعدوا المسألة عن أنفسهم ويلقوها على عاتق آبائهم، ولهذا {قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ}.

ولمّا كانت حجّتهم بأنّ «هذه العبادة هي سنّة الآباء» غير مجدية نفعاً .. ولا نمتلك دليلا على أنّ السابقين من الآباء والأجداد أعقل وأكثر معرفة من الأجيال المقبلة، بل القضيّة على العكس غالباً، لأنّ العلم يتّسع بمرور الزمن، فأجابهم إبراهيم مباشرةً فـ{قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}.

إنّ هذا التعبير المقترن بأنواع التأكيدات، والحاكي عن الحزم التامّ سبّب أن يرجع عبدة الأصنام إلى أنفسهم قليلا، ويتوجّهوا إلى التحقّق من قول إبراهيم، فأتوا إلى إبراهيم { قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} لأنّ اُولئك الذين كانوا قد إعتادوا على عبادة الأصنام، وكانوا يظنّون أنّ ذلك حقيقة حتميّة، ولم يكونوا يصدّقون أنّ أحداً يخالفها بصورة جديّة، ولذلك سألوا إبراهيم هذا السؤال تعجّباً.

إلاّ أنّ إبراهيم أجابهم بصراحة: {قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ}.

إنّ إبراهيم (عليه السلام) قد بيّن بهذه الكلمات القاطعة أنّ الذي يستحقّ العبادة هو خالقهم وخالق الأرض وكلّ الموجودات، أمّا قطع الحجر والخشب المصنوعة فهي لا شيء، وليس لها حقّ العبادة، وخاصةً وقد أكّد بجملة {وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} فأنا لستُ الشاهد الوحيد على هذه الحقيقة، بل إنّ كلّ العقلاء الذين قطعوا حبل التقليد الأعمى شاهدون على هذه الحقيقة.

ومن أجل أن يثبت إبراهيم جديّة هذه المسألة، وأنّه ثابت على عقيدته إلى أبعد الحدود، وأنّه يتقبّل كلّ ما يترتّب على ذلك بكلّ وجوده، أضاف: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ}.

«أكيدنّ» مأخوذة من الكيد، وهو التخطيط السرّي، والتفكير المخفي وكان مراده أن يفهمهم بصراحة بأنّني سأستغلّ في النهاية فرصة مناسبة واُحطّم هذه الأصنام!

إلاّ أنّ عظمة وهيبة الأصنام في نفوسهم ربّما كانت قد بلغت حدّاً لم يأخذوا معه كلام إبراهيم مأخذ الجدّ، ولم يظهروا ردّ فعل تجاهه، وربّما ظنّوا بأنّ أي إنسان لا يسمح لنفسه أن يهزأ ويسخر من مقدّسات قوم تدعم حكومتهم تلك المقدّسات تماماً، بأيّة جرأة؟ وبأيّة قوّة؟!

ومن هنا يتّضح أنّ ما قاله بعض المفسّرين من أنّ هذه الجملة قد قالها إبراهيم سرّاً في نفسه، أو بيّنها لبعض بصورة خاصّة لا داعي له، خاصّةً وأنّه مخالف تماماً لظاهر الآية. إضافةً إلى أنّنا سنقرأ بعد عدّة آيات أنّ عبّاد الأصنام قد تذكّروا قول إبراهيم، وقالوا: سمعنا فتى كان يتحدّث عن مؤامرة ضدّ الأصنام.

على كلّ حال، فإنّ إبراهيم نفّذ خطّته في يوم كان معبد الأوثان خالياً من الناس ولم يكن أحد من الوثنيين حاضراً.

وتوضيح ذلك: إنّه طبقاً لنقل بعض المفسّرين، فإنّ عبدة الأوثان كانوا قد اتّخذوا يوماً خاصّاً من كلّ سنة عيداً لأصنامهم، وكانوا يحضرون الأطعمة عند أصنامهم في المعبد في ذلك اليوم، ثمّ يخرجون من المدينة أفواجاً، وكانوا يرجعون في آخر النهار، فيأتون إلى المعبد ليأكلوا من ذلك الطعام الذي نالته البركة في إعتقادهم.

وكانوا قد عرضوا على إبراهيم أن يخرج معهم، إلاّ أنّه إعتذر بالمرض ولم يخرج معهم.

على كلّ حال، فإنّ إبراهيم من دون أن يحذر من مغبّة هذا العمل وما سيحدث من غضب عبدة الأصنام العارم، دخل الميدان برجولة وتوجّه إلى حرب هذه الآلهة الجوفاء ـ التي لها أنصار متعصّبون جهّال ـ بشجاعة خارقة وحطّمها بصورة يصفها القرآن فيقول: {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ} وكان هدفه من تركه {لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ}(3).

وأخيراً إنتهى يوم العيد، ورجع عبدة الأصنام فرحين إلى المدينة، فأتوا إلى المعبد مباشرةً، حتّى يظهروا ولاءهم للأصنام، وليأكلوا من الأطعمة التي تبرّكت ـ بزعمهم ـ بمجاورة الأصنام. فما أن دخلوا المعبد حتّى واجهوا منظراً أطار عقولهم من رؤوسهم، فقد وجدوا تلاًّ من الأيادي والأرجل المكّسرة المتراكمة بعضها على البعض الآخر في ذلك المعبد المعمور، فصاحوا و {قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا}(4)؟! ولا ريب أنّ من فعل ذلك فـ{إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ} فقد ظلم آلهتنا ومجتمعنا ونفسه! لأنّه عرض نفسه للهلاك بهذا العمل.

إلاّ أنّ جماعة منهم تذكّروا ما سمعوه من إبراهيم (عليه السلام) وإزدرائه بالأصنام وتهديده لها وطريقة تعامله السلبي لهذه الآلهة المزعومة! {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ}(5).

صحيح أنّ إبراهيم ـ طبقاً لبعض الرّوايات ـ كان شاباً، وربّما لم يكن سنّه يتجاوز (16) عاماً، وصحيح أنّ كلّ خصائص الرجولة من الشجاعة والشهامة والصراحة والحزم قد جمعت فيه، إلاّ أنّ من المسلّم به أنّ مراد عبّاد الأصنام لم يكن سوى التحقير، فبدل أن يقولوا: إنّ إبراهيم قد فعل هذا الفعل، قالوا: إنّ فتى يقال له إبراهيم كان يقول كذا ... أي إنّه فرد مجهول تماماً، ولا شخصيّة له في نظرهم.

_____________

1- تفسير الامثل،ناصر مكارم الشيرازي،ج8،ص275-281.

2ـ إنّ التعبير بـ (ما) في مثل هذه الموارد يشير عادةً إلى غير العاقل، واسم الإشارة القريب أيضاً يعطي معنى التحقير أيضاً، وإلاّ كان المناسب الإشارة إلى البعيد.

3- قال كثير من المفسّرين: إنّ مرجع ضمير (إليه) إلى إبراهيم، وقال البعض إنّ المراد هو الصنم الكبير، إلاّ أنّ الأوّل يبدو هو الأصحّ.

4ـ إعتبر بعض المفسّرين (من) هنا موصولة، إلاّ أنّ ملاحظة الآية التالية التي هي في حكم الجواب، فسيظهر أنّ (من) هنا إستفهامية.

5ـ كما أشرنا سابقاً: إنّ الوثنيين لم يكونوا مستعدّين للقول: إنّ هذا الفتى كان يعيب الآلهة، بل قالوا فقط: إنّه كان يتحدّث عن الأصنام.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .