أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-9-2020
4263
التاريخ: 4-9-2020
3307
التاريخ: 4-9-2020
5409
التاريخ: 4-9-2020
3912
|
قال تعالى: {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُو عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا } [مريم: 7 - 11]
{ يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ } هاهنا حذف معناه فاستجاب الله دعاء زكريا وأوحى إليه يا زكريا إنا نخبرك على ألسنة الملائكة بخبر يرى السرور به في وجهك وهو أن يولد لك ابن { اسمه يحيى } وقد تقدم تفسيره في سورة آل عمران { لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا} أي: لم يسم أحد قبله باسمه عن قتادة وابن جريج والسدي وابن زيد وفي هذا تشريف له من وجهين ( أحدهما ) إن الله سبحانه تولى تسميته ولم يكلها إلى الأبوين والآخر أنه سماه باسم لم يسبق إليه يدل ذلك الاسم على فضله وقال أبوعبد الله (عليه السلام) وكذلك الحسين (عليه السلام) لم يكن له من قبل سميا ولم تبك السماء إلا عليهما أربعين صباحا قيل له وما كان بكاؤها قال كانت تطلع حمراء وتغيب حمراء وكان قاتل يحيى ولد زنا وقاتل الحسين (عليه السلام) ولد زنا.
وروى سفيان بن عيينة عن علي بن زيد عن علي بن الحسين (عليهماالسلام) قال خرجنا مع الحسين (عليه السلام) فما نزل منزلا ولا ارتحل منه إلا ذكر يحيى بن زكريا وقال يوما ومن هو ان الدنيا على الله عز وجل أن رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل وقيل إن معنى قوله { لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا} لم تلد العواقر مثله ولدا وهو كقوله هل تعلم له سميا أي مثلا عن ابن عباس ومجاهد { قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ } فسرناه في سورة آل عمران(2) { وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا} قال الحسن : إنما قال ذلك على جهة الاستخبار أي أ تعيدنا شابين أم ترزقنا الولد شيخين { وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا} معناه: وقد بلغت من كبر السن إلى حال اليبس والجفاف ونحول العظم عن قتادة ومجاهد قال قتادة : كان له بضع وتسعون سنة { قال كذلك } أي: قال الله سبحانه الأمر على ما أخبرتك من هبة الولد على الكبر { قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ } أرد عليك قوتك حتى تقوى على الجماع وافتق رحم امرأتك بالولد عن ابن عباس { وقد خلقتك من قبل } أي: من قبل يحيى { ولم تك شيئا } أي: أنشأتك وأوجدتك ولم تك شيئا موجودا فإزالة عقر زوجتك وإزالة ما يمنع قبول الولد أيسر في الاعتبار من ابتداء الإنشاء وروى الحكم بن عيينة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال إنما ولد يحيى بعد البشارة له من الله بخمس سنين.
{ قال } زكريا يا { رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً} أي: دلالة وعلامة استدل بها على وقت كونه { قال } الله تعالى { آيتك } أي: علامتك على ذلك { أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} أي: وأنت سوي صحيح سليم من غير علة قال ابن عباس : اعتقل لسانه من غير مرض ثلاثة أيام وقال قتادة والسدي : اعتقل لسانه من غير بأس ولا خرس فإنه كان يقرأ الزبور ويدعوإلى الله ويسبحه ولا يمكنه أن يكلم الناس وهذا أمر خارج عن العادة.
{ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ} أي: من مصلاه عن ابن زيد وسمي المحراب محرابا لأن المتوجه إليه في صلاته كالمحارب للشيطان على صلاته والأصل فيه مجلس الأشراف الذي يحارب دونه ذبا عن أهله قالوا وكان زكريا قد أخبر قومه بما بشر به فلما خرج عليهم وامتنع من كلامهم علموا إجابة دعائه فسروا به { فأوحى إليهم } أي: أشار إليهم وأومأ بيده وقيل كتب لهم في الأرض عن مجاهد.
{ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} أي: صلوا بكرة وعشيا عن الحسن وقتادة وتسمى الصلاة سبحة وتسبيحا لما فيها من التسبيح وقيل: أراد التسبيح بعينه وقال ابن جريج أشرف عليهم زكريا من فوق غرفة كان يصلي فيها لا يصعد إليها إلا بسلم وكانوا يصلون معه الفجر والعشاء فكان يخرج إليهم فيأذن لهم بلسانه فلما اعتقل لسانه خرج على عادته وأذن لهم بغير كلام فعرفوا عند ذلك أنه قد جاء وقت حمل امرأته بيحيى فمكث ثلاثة أيام لا يقدر على الكلام معهم ويقدر على التسبيح والدعاء .
______________
1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج6،ص405-406.
2- راجع الجزء الاول من هذا التفسير .
{ يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا } . استجاب اللَّه دعاء زكريا ، وبشره بأنه سيولد له ذكر ، وان اللَّه سبحانه سماه يحيي وهو في صلب أبيه ، وما سمي أحد من قبله بهذا الاسم . وقيل : ان يحيى هو يوحنا المعروف بالمعداني عند المسيحيين .
{ قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا } . ليس هذا استبعادا ، بل تعظيما وشكرا لأنعم اللَّه وقدرته التي تخطت السنن والعادات ، فهو شيخ كبير ، وزوجته عجوز عقيم ، ومع هذا قد منّ اللَّه بالعطاء ، وأنعم بالولد .
{ قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوعَلَيَّ هَيِّنٌ وقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ ولَمْ تَكُ شَيْئاً } .
قائل القولين واحد ، وهو اللَّه أي ان اللَّه قال لزكريا : قال ربك الخ ، وقد جرى كثير من المؤلفين المسلمين على ذلك ، فيقول أحدهم : « قال محمد هو ابن مالك » يعني نفسه ، ومثله قول الطبري عن نفسه : قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري . . ولا شيء صعب على اللَّه ، فالأشياء لديه سواء لا يحتاج وجودها إلا إلى كلمة « كن » .
{ قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وعَشِيًّا }. المراد بأوحى إليهم أومأ إليهم بيده أوكتب . لأنه ممنوع عن الكلام . وتقدم التفصيل عند تفسير الآية 41 من سورة آل عمران ج 2 ص 54 .
______________
1- التفسير الكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص 170-171.
قوله تعالى:{ يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا } في الكلام حذف إيجازا، والتقدير:{فاستجبنا له وناديناه يا زكريا إنا نبشرك} إلخ، وقد ورد في سورة الأنبياء في القصة:{ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى}: الأنبياء: 90، وفي سورة آل عمران:{ فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى}: آل عمران: 39}.
وتشهد آية آل عمران على أن قوله:{ يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ} إلخ، كان وحيا بتوسط الملائكة فهو قوله تعالى أدته الملائكة إلى زكريا، وذلك في قوله ثانيا:{ قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} إلخ، أظهر.
وفي الآية دلالة على أن الله سبحانه هو الذي سماه يحيى، وهو قوله:{اسمه يحيى} وأنه لم يسم بهذا الاسم قبله أحد، وهو قوله:{ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا} أي شريكا في الاسم.
وليس من البعيد أن يراد بالسمي المثل على حد ما سيأتي من قوله تعالى:{ فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}: الآية - 65 من السورة، ويشهد عليه أن الله سبحانه نعته في كلامه بنعوت لم ينعت به أحدا من أنبيائه وأوليائه قبله كقوله فيما سيأتي:{ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا } وقوله:{ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا}: آل عمران: 39}، وقوله:{ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا}، والمسيح (عليه السلام) وإن شاركه في هذه النعوت وهما ابنا الخالة لكن ولادته بعد ولادة يحيى (عليه السلام).
قوله تعالى:{ قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا } قال الراغب: الغلام الطار الشارب(2) يقال: غلام بين الغلومة والغلومية، قال تعالى:{أنى يكون لي غلام}.
قال: واغتلم الغلام: إذا بلغ حد الغلمة. انتهى.
وقال في المجمع،: العتي والعسي بمعنى يقال: عتا يعتو عتوا وعتيا وعسا يعسو عسوا وعسيا فهو عات وعاس إذا غيره طول الزمان إلى حال اليبس والجفاف. انتهى.
وبلوغ العتي كناية عن بطلان شهوة النكاح وانقطاع سبيل الإيلاد.
واستفهامه (عليه السلام) عن كون الغلام مع عقر امرأته وبلوغه العتي مع ذكره الأمرين في ضمن دعائه إذ قال:{ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي} إلخ، مبني على استعجاب البشرى واستفسار خصوصياتها دون الاستبعاد والإنكار فإن من بشر بما لا يتوقعه لتوفر الموانع وفقدان الأسباب تضطرب نفسه بادىء ما يسمعها فيأخذ في السؤال عن خصوصيات ما بشر به ليطمئن قلبه ويسكن اضطراب نفسه وهو مع ذلك على يقين من صدق ما بشر به فإن الخطورات النفسانية ربما لا تنقطع مع وجود العلم والإيمان وقد تقدم نظيره في تفسير قوله تعالى:{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}: البقرة: 260.
قوله تعالى:{ قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا} جواب عما استفهمه واستفسره لتطيب به نفسه، ويسكن جأشه، وضمير قال راجع إليه تعالى، وقوله:{كذلك} مقول القول وهو خبر مبتدإ محذوف والتقدير{هو كذلك} أي الأمر واقع على ما أخبرناك به في البشرى لا ريب فيه.
وقوله:{ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ } مقول ثان لقال الأول، وهو بمنزلة التعليل لقوله:{كذلك} يرتفع به أي استعجاب فلا يتخلف عن إرادته مراد وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن، فخلق غلام من رجل بالغ في الكبر وامرأة عاقر هين سهل عليه.
وقد وقع التعبير عن هذا الاستفهام والجواب في سرد القصة من سورة آل عمران بقوله:{ قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}: آل عمران: 40، فقوله: قال هو علي هين} هاهنا يحاذي قوله هناك:{الله يفعل ما يشاء} وهو يؤيد ما قدمناه من المعنى، وقوله هاهنا:{ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا } بيان لبعض مصاديق الخلق الذي يرفع به الاستعجاب.
وفي الآية وجوه أخر تعرضوا لها: منها أن قوله:{كذلك} متعلق بقال الثاني ومجموع الجملة هوالجواب والمراد أمر ربك بذلك وقضى كذلك، وقوله:{هوعلي هين} مقول آخر للقول أوأنه جيء به على سبيل الحكاية.
ومنها أن الخطاب في قوله:{قال ربك} للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا لزكريا (عليه السلام) وتلك وجوه لا يساعد عليها السياق.
قوله تعالى:{ قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} قد تقدم في القصة من سورة آل عمران أن إلقاء البشرى إلى زكريا كان بتوسط الملائكة { فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى}، وهو(عليه السلام) إنما سأل الآية ليتميز به الحق من الباطل فتدله على أن ما سمعه من النداء وحي ملكي لا إلقاء شيطاني ولذلك أجيب بآية إلهية لا سبيل للشيطان إليها وهو أن لا ينطلق لسانه ثلاثة أيام إلا بذكر الله سبحانه فإن الأنبياء معصومون بعصمة إلهية ليس للشيطان أن يتصرف في نفوسهم.
فقوله:{ قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً } سؤال لآية مميزة، وقوله:{ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا } إجابة ما سأل، وهوأن يعتقل لسانه ثلاثة أيام من غير ذكر الله وهو سوي أي صحيح سليم من غير مرض وآفة.
فالمراد بعدم تكليم الناس عدم القدرة على تكليمهم، من قبيل إطلاق اللازم وإرادة الملزوم كناية، والمراد بثلاث ليال ثلاث ليال بأيامها وهو شائع في الاستعمال فكان (عليه السلام) يذكر الله بفنون الذكر ولا يقدر على تكليم الناس إلا رمزا وإشارة، والدليل على ذلك كله قوله تعالى في القصة من سورة آل عمران:{ قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ}: آل عمران: 41.
قوله تعالى:{ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا } قال في المجمع،: وسمي المحراب محرابا لأن المتوجه إليه في صلاته كالمحارب للشيطان على صلاته، والأصل فيه مجلس الأشراف الذي يحارب دونه ذبا عن أهله.
وقال: الإيحاء إلقاء المعنى إلى النفس في خفية بسرعة، وأصله من قولهم: الوحى الوحى أي الإسراع الإسراع. انتهى ومعنى الآية ظاهر.
______________
1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج14،ص13-16.
2- غلام طر شاربه من باب نصر وضرب،أي طلع.
بلوغ زكريا أمله:
تبيّن هذه الآيات استجابة دعاء زكرى(عليه السلام) من قبل الله تعالى استجابة ممزوجة بلطفه الكريم وعنايته الخاصّة، وتبدأ بهذه الجملة: { يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا }.
كم هو رائع وجميل أن يستجيب الله دعاء عبده بهذه الصورة، ويطلعه ببشارته على تحقيق مراده، وفي مقابل طلب الولد فإِنّه يعطيه مولداً ذكراً، ويسميه أيضاً بنفسه، ويضيف إِلى ذلك أنّ هذا الولد قد تفرد بأُمور لم يسبقه أحد بها. لأنّ قوله: { لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا} وإِن كانت تعني ظاهراً بأن أحداً لم يسم باسمه لحد ولادته، لكن لما لم يكن الاسم لوحده دليلا على شخصية أحد، فسيصبح من المعلوم أنّ المراد من الإِسم هنا هو المسمّى، أي أحداً قبله لم يكن يمتلك هذه الإِمتيازات، كما ذهب الراغب الأصفهاني إِلى هذا المعنى ـ بصراحة ـ في مفرداته.
لا شك في وجود أنبياء كبار قبل يحيى، بل وأسمى منه، إِلاّ أنّه لا مانع مطلقاً من أن يكون ليحيى خصوصيات تختص به،كما ستأتي الإِشارة إِلى ذلك فيما بعد.
أمّا زكريا الذي كان يرى أن الأسباب الظاهرية لا تساعد على الوصول إِلى مثل هذه الأمنية، فإِنّه طلب توضيحاً لهذه الحالة من الله سبحانه: { قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا}.
«عاقر» في الأصل من لفظة «عقر» بمعنى الجذر والنهاية، أو بمعنى الحبس، وإِنّما يقال للمرأة: عاقر، لأنّ قابليتها على الولادة قد انتهت، أو لأنّ إِنجاب الأولاد محبوس عنها.
«العتيّ» تعني الشخص الذي نحل جسمه وضعف هيكله، وهي الحالة التي تظهر على الإِنسان عند شيخوخته.
إِلاّ أنّ زكريا سمع في جواب سؤاله قول الله سبحانه: { قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ}(2).
إِن هذه ليست بالمسألة العجيبة، أن يولد مولود من رجل طاعن في السن مثلك، وامرأة عقيم ظاهراً { وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا }، فإِنّ الله قادر على أن يخلق كل شيء من العدم، فلا عجب أن يتلطف عليك بولد في هذا السن وفي هذه الظروف.
ولا شك أنّ المبشر والمتكلم في الآية الأُولى هو الله سبحانه، إِلاّ أن البحث في أنّه هو المتكلم في الآية الثّالثة: { قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ }.
ذهب البعض بأنّ المتكلم هم الملائكة الذين كانوا واسطة لتبشير زكريا، والآية (39) من سورة آل عمران يمكن أن تكون شاهداً على ذلك: { فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى}.
لكن الظاهر هو أنّ المتكلم في كل هذه الأحوال هو الله سبحانه، ولا دليل ـ أو سبب ـ يدفعنا إِلى تغييره عن ظاهره، وإِذا كانت الملائكة وسائط لنقل البشارة، فلا مانع ـ أبداً ـ من أن ينسب الله أصل هذا الإِعلان والبشارة إِلى نفسه، خاصّة وأنّنا نقرأ في الآية (40) من سورة آل عمران: {قال كذلك الله يفعل ما يشاء}.
وقد سرّ زكريا وفرح كثيراً لدى سماعه هذه البشارة، وغمر نفسه نور الأمل، لكن لما كان هذا النداء بالنسبة إِليه مصيرياً ومهماً جداً، فإِنّه طلب من ربّه آية على هذا العمل: { قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً }.
لا شك أنّ زكريا كان مؤمناً بوعد الله، وكان مطمئناً لذلك، إِلاَّ أنّه لزيادة الإِطمئنان ـ كما أنّ إِبراهيم الذي كان مؤمناً بالمعاد طلب مشاهدة صورة وكيفية المعاد في هذه الحياة ليطمئن قلبه ـ طلب من ربّه مثل هذه العلامة والآية، فخاطبه الله: { قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا } واشغل لسانك بذكر الله ومناجاته.
لكن، أية آية عجيبة هذه! آية تنسجم من جهة مع حال مناجاته ودعائه، ومن جهة أُخرى فإِنّها تعزله عن جميع الخلائق وتقطعه إِلى الله حتى يشكر الله على هذه النعمة الكبيرة، ويتوجه إِلى مناجاة الله أكثر فأكثر.
إِن هذه آية واضحة على أن إِنساناً يمتلك لساناً سليماً، وقدرة على كل نوع من المناجاة مع الله، ومع ذلك لا تكون له القدرة على التحدث أمام الناس!
بعد هذه البشارة والآية الواضحة، خرج زكريا من محراب عبادته إِلى الناس، فكلّمهم بالإِشارة: { فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} لأنّ النعمة الكبيرة التي منّ الله بها على زكريا قد أخذت بأطراف القوم، وكان لها تأثير على مصير ومستقبل كل هؤلاء، ولهذا فقد كان من المناسب أن يهبّ الجميع لشكر الله بتسبيحه ومدحه وثنائه.
وإِذا تجاوزنا ذلك، فإِنّ بإِمكان هذه الموهبة التي تعتبر إِعجازاً أن تحكّم أسس الإِيمان في قلوب الناس، وكانت هذه أيضاً موهبة أُخرى.
____________
1- تفسير الامثل،ناصر مكارم الشيرازي،ج8،ص15-17.
2- المعروف بين المفسّرين أن عبارة (كذلك) هي في تقدير (الأمر كذلك). ويحتمل كذلك أن (كذلك) متعلقة بما بعدها ويصبح معناها: كذلك قال ربّك.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|