المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17639 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05

intuition (n.)
2023-09-26
بترول نفثيني الأصل
19-6-2017
أحوال عدد من رجال الأسانيد / علي بن الفضل الواسطيّ.
2023-04-13
دورة حياة النجوم
15-3-2022
عبادة القادة والعلماء
22-12-2015
الاستعارة
25-03-2015


تفسير الأية (77-87) من سورة مريم  
  
5338   03:05 مساءً   التاريخ: 4-9-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الميم / سورة مريم /

 

قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78) كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (80) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81) كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82) أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83) فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84) يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86) لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87) وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا } [مريم: 77 - 87]

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا} أفرأيت كلمة تعجيب ومعناه أ رأيت هذا الكافر الذي كفر بأدلتنا من القرآن وغيره وهو العاص بن وائل عن ابن عباس ومجاهد وقيل الوليد بن المغيرة عن الحسن وقيل هو عام فيمن له هذه الصفة عن أبي مسلم.

{ وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} استهزاء أي: لأعطين مالا وولدا في الجنة عن الكلبي وقيل: أعطي في الدنيا أي إن أقمت على دين آبائي وعبادة آلهتي أعطيت مالا وولدا { أطلع الغيب} هذه همزة الاستفهام دخلت على همزة الوصل فسقطت همزة الوصل ومعناه أعلم الغيب حتى يعلم أهو في الجنة أم لا عن ابن عباس ومجاهد وقيل: معناه أنظر في اللوح المحفوظ عن الكلبي وتأويله أشرف على علم الغيب حتى علم أنه سنؤتيه مالا وولدا وأنه إن بعث رزق مالا وولدا { أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} أي: اتخذ عند الله عهدا بعمل صالح قدمه عن قتادة وقيل: معناه أم عهد الله إليه أنه يدخل الجنة عن الكلبي وقيل معناه أم قال لا إله إلا الله فيرحمه الله بها عن ابن عباس.

{كلا} أي: ليس الأمر على ما قال من أنه يؤتى المال والولد ويجوز أن يكون المعنى كلا إنه لم يطلع الغيب ولم يتخذ عند الله عهدا { سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ} أي: سنأمر الحفظة بإثباته عليه لنجازيه به في الآخرة ونوافقه عليه { وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا} أي: نصل له بعض العذاب بالبعض ونزيده عذابا فوق العذاب فلا ينقطع عذابه أبدا وأكد الفعل بالمصدر كما يؤكد بالتكرير { ونرثه ما يقول} أي: ما عنده من المال والولد بإهلاكنا إياه وإبطال ملكه عن ابن عباس وقتادة وابن زيد { ويأتينا فردا} أي: يأتي الآخرة وحيدا بلا مال ولا ولد ولا عدة ولا عدد.

 { وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً} يعني أن هؤلاء الكفار الذين وصفتهم اتخذوا آلهة أي أصناما عبدوها { لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا} أي: ليكونوا لهم شفعاء في الآخرة عن الفراء وهذا معنى قول ابن عباس ليمنعوهم مني وذلك أنهم رجوا منها الشفاعة والنصرة والمراد ليصيروا بهم إلى العز قال الله سبحانه { كلا} أي: ليس الأمر كما ظنوا بل صاروا بهم إلى الذل والعذاب { سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ} أي: سيجحدون بأن يكونوا عبدوها ويتبرءون منها لما يشاهدون من سوء عاقبة أمرهم ويقولون { وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} وقيل: معناه أن المعبودين سيكفرون بعبادة المشركين لها ويكذبونهم فيها كما قال حكاية عنهم تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون عن الجبائي { ويكونون عليهم ضدا} قال الأخفش : الضد يكون واحدا وجمعا كالرسول والعدو ومعناه ويكونون عونا عليهم وأعداء لهم يخاصمونهم ويكذبونهم وقيل ويكونون قرناء لهم في النار ويلعنونهم ويتبرءون منهم عن قتادة وقيل: ويكونون أعداءهم يوم القيامة وكانوا في الدنيا أولياءهم عن القتيبي .

ثم خاطب سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال {ألم تر} يا محمد { أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ} أي: خلينا بينهم وبين الشياطين إذا وسوسوا إليهم ودعوهم إلى الضلال حتى أغووهم ولم نحل بينهم وبينهم بالإلجاء ولا بالمنع وعبر عن ذلك بالإرسال على سبيل المجاز والتوسع كما يقال لمن خلى بين الكلب وغيره أرسل كلبه عليه عن الجبائي وقيل معناه سلطناهم عليهم ويكون في معنى التخلية أيضا على ما ذكرناه { تؤزهم أزا} أي: تزعجهم إزعاجا من الطاعة إلى المعصية عن ابن عباس وقيل تغريهم إغراء بالشر تقول امض امض في هذا الأمر حتى توقعهم في النار عن سعيد بن جبير { فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} معناه: فلتطب نفسك يا محمد ولا تستعجل لهم العذاب فإن مدة بقائهم قليلة فإنا نعد لهم الأيام والسنين وما دخل تحت العد فكان قد نفد وقيل: معناه نعد أنفاسهم في الدنيا فهي معدودة إلى الأجل الذي أجلناه لعذابهم عن ابن عباس وهذا من أبلغ الوعيد وقيل: معناه نعد أعمالهم على ما ذكرناه قبل .

{ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} أي: اذكر لهم يا محمد اليوم الذي نجمع فيه من اتقى الله في الدنيا بطاعته واجتنب معاصيه إلى الرحمن أي: إلى جنته ودار كرامته وفودا وجماعات عن الأخفش وقيل ركبانا يؤتون بنوق لم ير مثلها عليها رحائل الذهب وأزمتها الزبرجد فيركبون عليها حتى يضربوا أبواب الجنة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وابن عباس.

{ وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا} أي: ونحث المجرمين على المسير إلى جهنم عطاشا كالإبل التي ترد عطاشا مشاة على أرجلهم عن ابن عباس والحسن وقتادة وسمي العطاش وردا لأنهم يردون لطلب الماء وقيل الورد النصيب أي هم نصيب جهنم من الفريقين والمؤمنون نصيب الجنة عن أبي مسلم لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ} أي: لا يقدرون على الشفاعة فلا يشفعون ولا يشفع لهم حين يشفع أهل الإيمان بعضهم لبعض لأن ملك الشفاعة على وجهين (أحدهما) أن يشفع للغير (والآخر) أن يستدعي الشفاعة من غيره لنفسه فبين سبحانه أن هؤلاء الكفار لا تنفذ شفاعة غيرهم فيهم ولا شفاعة لهم لغيرهم ثم استثنى سبحانه فقال { إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا } أي: لا يملكون الشفاعة إلا هؤلاء وقيل: لا يشفع إلا لهؤلاء والعهد هو الإيمان والإقرار بوحدانية الله تعالى وتصديق أنبيائه وقيل هو شهادة أن لا إله إلا الله وأن يتبرأ إلى الله من الحول والقوة ولا يرجوإلا الله عن ابن عباس وقيل: معناه لا يشفع إلا من وعد له الرحمن بإطلاق الشفاعة كالأنبياء والشهداء والعلماء والمؤمنين على ما ورد به الأخبار.

 وقال علي بن إبراهيم بن هاشم في تفسيره حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن سليمان بن جعفر عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من لم يحسن وصيته عند الموت كان نقصا في مروءته قيل يا رسول الله وكيف يوصي الميت قال إذا حضرته وفاته واجتمع الناس إليه قال اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم إني أعهد إليك في دار الدنيا أني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) عبدك ورسولك وأن الجنة حق وأن النار حق وأن البعث حق والحساب حق والقدر والميزان حق وأن الدين كما وصفت وأن الإسلام كما شرعت وأن القول كما حدثت وأن القرآن كما أنزلت وأنك أنت الله الحق المبين جزى الله محمدا عنا خير الجزاء وحيا الله محمدا وآله بالسلام اللهم باعدني عند كربتي ويا صاحبي عند شدتي ويا ولي نعمتي وإلهي وإله آبائي لا تكلني إلى نفسي طرفة عين فإنك إن تكلني إلى نفسي أقرب من الشر وأبعد من الخير وآنس في القبر وحشتي واجعل له عهدا يوم ألقاك منشورا ثم يوصي بحاجته وتصديق هذه الوصية في سورة مريم في قوله { لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} فهذا عهد الميت والوصية حق على كل مسلم وحق عليه أن يحفظ هذه الوصية ويعلمها وقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) علمنيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وقال علمنيها جبرائيل (عليه السلام).

________________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج6،ص447-453.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وقالَ لأُوتَيَنَّ مالاً ووَلَداً } . جاء في كتب الأحاديث والتفاسير ان العاص بن وائل والد عمروبن العاص لما سمع بذكر البعث قال مستهزئا :

لأوتين في الآخرة مالا وولدا . . ولفظ الآية ظاهر في أن زنديقا قال هذا ، أما ذكر الأسماء وتعيين الأشخاص فما هو من طريقة القرآن ، ومثل هذه الآية قول صاحب الجنة : « ولَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً » - 36 الكهف وقد رد سبحانه هذا الزعم بقوله :

{ أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً } من أين جاءه هذا العلم ؟ هل عنده مفاتيح الغيب ، أم أخذ ميثاقا من اللَّه بذلك ؟ ( كلا ) لا هذا ولا ذاك . .

انه كافر فاجر { سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ ونَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا } . لقد حفظنا عليه أقواله ، وسنزيده من أجلها عذابا على عذاب جزاء كفره وافترائه .

{ ونَرِثُهُ ما يَقُولُ ويَأْتِينا فَرْداً } وأيضا سنسلبه ما لديه من مال وولد ، وذلك بموته وإهلاكه ، ونبعثه يوم القيامة وحيدا فريدا تماما كما خلقناه أول مرة { واتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا } لأن من اعتز بغير اللَّه ألبسه ثوب الذل { سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ ويَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا } . ضمير يكفرون ويكونون يعود إلى المعبودين ، وضمير عليهم إلى العابدين ، وأوضح تفسير لهذه الآية ما جاء في نهج البلاغة : « عن قليل يتبرأ التابع من المتبوع ، والقائد من المقود ، فيتزايلون بالبغضاء ، ويتلاعنون عند اللقاء » . وقال تعالى : « تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ » - 63 القصص . بل كانوا يعبدون أهواءهم وأغراضهم .

{ أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا } . أي تزعجهم وتهيجهم وتدفع بهم إلى المعاصي ، والمعنى ان اللَّه سبحانه يخلي بينهم وبين الشياطين الذين يوسوسون لهم ويغرونهم بالمعاصي ، ولا يتدخل بإرادته التكوينية لردع الشياطين عنهم ، وانما يبين لهم طريق الخير والشر ، ويمنحهم القدرة التامة على الفعل والترك ، وينهاهم عن هذا ، ويأمرهم بذاك ، ويترك لهم الخيار فيما يفعلون ويتركون . . ولو سلبهم الإرادة لكانوا والجماد سواء .

{ فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا } . لا تعجل يا محمد باهلاك الكافرين فإنه آت لا محالة ، ولكن اللَّه يؤخرهم إلى أجل مسمى ليحصي عليهم أعمالهم ثم يجازيهم عليها بما يستحقون . . فإنه لا خير في طول الحياة إلا لمن آمن وعمل صالحا ، اما من كفر واجترح السيئات فحياته وبال عليه : « ولا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً ولَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ » - 178 آل عمران .

{ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً } . وكلمة الوفد تشعر بالتشريف والتكريم ، والمعنى ان أهل اللَّه وطاعته يفدون عليه غدا معززين مكرمين { ونَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً } . . للمؤمنين الكرامة بالوفادة ، وللمجرمين الهوان بالسوق ، تماما كما تساق البهائم إلى ورود الماء يساق المجرمون إلى ورود جهنم ، وبئس الورد المورود { لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً } . كل من وفي بعهد اللَّه ولم يخنه في كبيرة ولا صغيرة فقد أعطاه اللَّه عهدا بالفوز والنجاة ، وبالشفاعة لمن هو أهل لها : « وأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ » - 40 البقرة .

_______________

1- التفسير الكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص 198-199.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى:{ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} كما أن سياق الآيات الأربع السابقة يعطي أن الحجة الفاسدة المذكورة قول بعض المشركين ممن تلي عليه القرآن فقال ما قال دحضا لكلمة الحق واستغواء واستخفافا للمؤمنين كذلك سياق هذه الآيات الأربع وقد افتتحت بكلمة التعجيب واشتملت بقول يشبه القول السابق واختتمت بما يناسبه من الجواب يعطي أن بعض الناس ممن آمن بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أوكان في معرض ذلك بعد ما سمع قول الكفار مال إليهم ولحق بهم قائلا لأوتين مالا وولدا يعني في الدنيا باتباع ملة الشرك كان في الإيمان بالله شؤما وفي اتخاذ الآلهة ميمنة.

فرده الله سبحانه بقوله:{أطلع الغيب} إلخ.

وأما ما ذكره الأكثر بالبناء على ما ورد من سبب النزول أن الجملة قول أحد المتعرقين في الشرك من قريش خاطب به خباب بن الأرت حين طالبه دينا كان له عليه، وأن معنى الجملة لأوتين مالا وولدا في الجنة فأؤدي ديني فشيء لا يلائم سياق الآيات إذ من المعلوم أن المشركين ما كانوا مذعنين بالبعث أصلا، فقوله لأوتين مالا وولدا إذا بعثت وعند ذلك أؤدي ديني لا يحتمل إلا الاستهزاء والتهكم ولا معنى لرد الاستهزاء بالاحتجاج كما هو صريح قوله:{ أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} إلخ.

ونظير هذا القول في السقوط ما نقل عن أبي مسلم المفسر أن الآية عامة فيمن له هذه الصفة.

فقوله:{ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا} مسوق للتعجيب، وكلمة{أ فرأيت} كلمة تعجيب وقد فرعه بفاء التفريع على ما تقدمه من قولهم:{ أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} لأن كفر هذا القائل وقوله:{لأوتين مالا وولدا} من سنخ كفرهم ومبني على قولهم للمؤمنين لا خير عند هؤلاء وسعادة الحياة وعزة الدنيا ونعمتها ولا خير إلا ذلك عند الكفار وفي ملتهم.

ومن هنا يظهر أن لقوله:{ وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} نوع ترتب على قوله{كفر بآياتنا} وأنه إنما كفر بآيات الله زاعما أن ذلك طريقة ميمونة مباركة تجلب لسالكها العزة والقدرة وترزقه الخير والسعادة في الدنيا وقد أقسم بذلك كما يشهد به لام القسم ونون التأكيد في قوله:{لأوتين}.

قوله تعالى:{ أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} رد سبحانه عليه قوله:{ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا } بكفري بأنه رجم بالغيب لا طريق له إلى العلم فليس بمطلع على الغيب حتى يعلم بأنه سيؤتى بكفره ما يأمله ولا بمتخذ عهدا عند الله حتى يطمئن إليه في ذلك، وقد جيء بالنفي في صورة الاستفهام الإنكاري.

قوله تعالى:{ كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا} كلا كلمة ردع وزجر وذيل الآية دليل على أنه سبحانه يرد بها ما يتضمنه قول هذا القائل من ترتب إيتاء المال والولد على الكفر بآيات الله ومحصله أن الذي يترتب على قوله هذا ليس هو إيتاء المال والولد فإن لذلك أسبابا أخر بل هو مد العذاب على كفره ورجمه فهويطلب بما يقول في الحقيقة عذابا ممدودا يتلوبعضه بعضا لأنه هو تبعة قوله لا إيتاء المال والولد وسنكتب قوله ونرتب عليه أثره الذي هو مد العذاب فالآية نظيرة قوله:{ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ}: العلق: 18.

ومن هنا يظهر أن الأقرب أن يكون المراد من كتابة قوله تثبيته ليترتب عليه أثره لا كتابته في صحيفة عمله ليحاسب عليه يوم القيامة كما فسره به أرباب التفسير، على أن قوله الآتي:{ونرثه ما يقول} لا يخلوعلى قولهم من شائبة التكرار من غير نكتة ظاهرة.

قوله تعالى:{ وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا} المراد بوراثة ما يقول أنه سيموت ويفنى ويترك قوله: لأوتين بكفري مالا وولدا، وقد كان خطيئة لازمة له لزوم المال للإنسان محفوظة عند الله كأنه مال ورثه بعده ففي الكلام استعارة لطيفة.

وقوله:{ويأتينا فردا} أي وحده وليس معه شيء مما كان ينتصر به ويركن إليه بحسب وهمه فمحصل الآية أنه سيأتينا وحده وليس معه إلا قوله الذي حفظناه عليه فنحاسبه على ما قال ونمد له من العذاب مدا.

هذا ما يقتضيه البناء على كون قوله في أول الآيات{لأوتين مالا وولدا} ناظرا إلى الإيتاء في الدنيا، وأما بناء على كونه ناظرا إلى الإيتاء في الآخرة كما اختاره الأكثر فمعنى الآيات كما فسروها تعجب من الذي كفر بآياتنا وهو عاص بن وائل أووليد بن المغيرة وقال: أقسم لأوتين إذا بعثت مالا وولدا في الجنة، أ علم الغيب حتى يعلم أنه في الجنة؟ - وقيل: أ نظر في اللوح المحفوظ - أم اتخذ عند الرحمن عهدا بقول لا إله إلا الله حتى يدخل به الجنة - وقيل: أ قدم عملا صالحا كلا وليس الأمر كما قال - سنكتب ما يقول بأمر الحفظة أن يثبتوه في صحيفة عمله ونمد له من العذاب مدا ونرثه ما يقول أي ما عنده من المال والولد بإهلاكنا إياه وإبطالنا ملكه ويأتينا أي يأتي الآخرة فردا ليس عنده شيء من مال وولد وعدة وعدد.

هذا هوالفصل الثالث مما نقل عنهم وهو شركهم بالله باتخاذ الآلهة وقولهم:{اتخذ الرحمن ولدا} سبحانه والجواب عن ذلك.

قوله تعالى:{ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا} هؤلاء الآلهة هم الملائكة والجن والقديسون من الإنس وجبابرة الملوك فإن أكثرهم كانوا يرون الملك قداسة سماوية.

ومعنى كونهم لهم عزا كونهم شفعاء لهم يقربونهم إلى الله بالشفاعة فينالون بذلك العزة في الدنيا ينجر إليهم الخير ولا يمسهم الشر، ومن فسر كونهم لهم عزا بشفاعتهم لهم في الآخرة خفي عليه أن المشركين لا يقولون بالبعث.

قوله تعالى:{ كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} الضد بحسب اللغة المنافي الذي لا يجتمع مع الشيء، وعن الأخفش أن الضد يطلق على الواحد والجمع كالرسول والعدو وأنكر ذلك بعضهم ووجه إطلاق الضد في الآية وهومفرد على الآلهة وهي جمع بأنها لما كانت متفقة في عداوة هؤلاء والكفر بعبادتهم كانت في حكم الواحد وصح بذلك إطلاق المفرد عليها.

وظاهر السياق أن ضميري{سيكفرون} و{يكونون} للآلهة وضميري{بعبادتهم} و{عليهم} للمشركين المتخذين للآلهة والمعنى: سيكفر الآلهة بعبادة هؤلاء المشركين ويكون الآلهة حال كونهم على المشركين لا لهم، ضدا لهم يعادونهم ولوكانوا لهم عزا لثبتوا على ذلك دائما وقد وقع ذلك في قوله تعالى:{ وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ:} النحل: 86.

وأوضح منه قوله:{ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ:} فاطر: 14.

وربما احتمل أن يكون بالعكس من ذلك أي سيكفر المشركون بعبادة الآلهة ويكونون على الآلهة ضدا كما في قوله:{ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}: الأنعام: 23، ويبعده أن ظاهر السياق أن يكون {ضدا} وقد قوبل به {عزا} في الآية السابقة، وصفا للآلهة دون المشركين ولازم ذلك أن يكون الآلهة الذين هم الضد هم الكافرين بعبادة المشركين نظرا إلى خصوص ترتب الضمائر.

على أن التعبير المناسب لهذا المعنى أن يقال: سيكفرون بهم على حد ما يقال: كفر بالله، ولا يقال: كفر بعبادة الله.

والمراد بكفر الآلهة يوم القيامة بعبادتهم وكونهم عليهم ضدا هو ظهور حقيقة الأمر يومئذ فإن شأن يوم القيامة ظهور الحقائق فيه لأهل الجمع لا حدوثها ولولم تكن الآلهة كافرين بعبادتهم في الدنيا ولا عليهم ضدا بل بدا لهم ذلك يوم القيامة لم تتم حجة الآية فافهم ذلك، وعلى هذا المعنى يترتب قوله:{ألم تر}{على قوله:{كلا سيكفرون بعبادتهم} إلخ.

قوله تعالى:{ أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} الأز والهز بمعنى واحد وهو التحريك بشدة وإزعاج والمراد تهييج الشياطين إياهم إلى الشر والفساد وتحريضهم على اتباع الباطل وإضلالهم بالتزلزل عن الثبات والاستقامة على الحق.

ولا ضير في نسبة إرسال الشياطين إليه تعالى بعد ما كان على طريق المجازاة فإنهم كفروا بالحق فجازاهم الله بزيادة الكفر والضلال ويشهد بذلك قوله:{على الكافرين} ولو كان إضلالا ابتدائيا لقيل:{عليهم} من غير أن يوضع الظاهر موضع المضمر.

والآية وهي مصدرة بقوله:{أ لم تر} المفيد معنى الاستشهاد مسوقة لتأييد ما ذكر في الآية السابقة من كون آلهتهم عليهم ضدا، فإن تهييج الشياطين إياهم للشر والفساد واتباع الباطل معاداة وضدية والشياطين وهم من الجن من جملة آلهتهم ولو لم يكن هؤلاء الآلهة عليهم ضدا ما دعوهم إلى ما فيه هلاكهم وشقاؤهم.

فالآية بمنزلة أن يقال: هؤلاء الآلهة الذين يحسبونهم لأنفسهم عزا هم عليهم ضد وتصديق ذلك أن الشياطين وهم من آلهتهم يحركونهم بإزعاج نحوما فيه شقاؤهم وليسوا مع ذلك مطلقي العنان بل إنما هو بإذن من الله يسمى إرسالا وعلى هذا فالآية متصلة بسابقتها وهو ظاهر.

وجعل صاحب روح المعاني، هذه الآية مترتبة على مجموع الآيات من قوله:{ وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا} إلى قوله:{ويكونون عليهم ضدا} ومتصلة به وأطنب في بيان كيفية الاتصال بما لا يجدي نفعا وأفسد بذلك سياق الآيات واتصال ما بعد هذه الآية بما قبلها.

قوله تعالى:{ فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} العد هو الإحصاء والعد يفني المعدود وينفده وبهذه العناية قصد به إنفاد أعمارهم والانتهاء إلى آخر أنفاسهم كأن أنفاسهم الممدة لأعمارهم مذخورة بعددها عند الله فينفدها بإرسالها واحدا بعد آخر حتى تنتهي وهو اليوم الموعود عليهم.

وإذ كان مدة بقاء الإنسان هي مدة بلائه وامتحانه كما ينبىء عنه قوله:{ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}: الكهف: 7 كان العد بالحقيقة عدا للأعمال المثبتة في صحيفة العمر، ليتم بذلك بنية الحياة الأخروية الخالدة ويستقصى للإنسان ما يلتئم به عيشه هناك من نعم أونقم فكما أن مكث الجنين في الرحم مدة يتم به خلقه جسمه كذلك مكث الإنسان في الدنيا لأن يتم به خلقة نفسه وإن يعد الله ما قدر له من العطية ويستقصيه.

وعلى هذا فلا ينبغي للإنسان أن يستعجل الموت لكافر طالح لأن مدة بقائه مدة عد سيئاته ليحاسب عليها ويعذب بها ولا لمؤمن صالح لأن مدة بقائه مدة عد حسناته ليثاب بها ويتنعم والآية لا تقيد العد وإن فهم من ظاهرها في بادىء النظر عد الأنفاس أوالأيام.

وكيف كان فقوله:{فلا تعجل عليهم} تفريع على ما تقدم، وقوله:{إنما نعد} تعليل له وهو في الحقيقة علة التأخير ومحصل المعنى إذ كان هؤلاء لا ينتفعون باتخاذ الآلهة وكانوا هم وآلهتهم منتهين إلينا غير خارجين من سلطاننا ولا مسيرهم في طريقهم بغير إذننا فلا تعجل عليهم بالقبض أوبالقضاء ولا يضيق صدرك عن تأخير ذلك إنما نعد لهم أنفاسهم أوأعمالهم عدا.

قوله تعالى:{ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} الوفد هم القوم الواردون لزيارة أواستنجاز حاجة أونحو ذلك ولا يسمون وفدا إلا إذا كانوا ركبانا وهو جمع واحده وافد.

وربما استفيد من مقابلة قوله في هذه الآية{إلى الرحمن} قوله في الآية التالية:{إلى جهنم} أن المراد بحشرهم إلى الرحمن حشرهم إلى الجنة وإنما سمي حشرا إلى الرحمن لأن الجنة مقام قربه تعالى فالحشر إليها حشر إليه.

ومعنى الآية ظاهر.

قوله تعالى:{ وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا} فسر الورد بالعطاش وكأنه مأخوذ من ورود الماء أي قصده ليشرب ولا يكون ذلك إلا عن عطش فجعل بذلك الورد كناية عن العطاش، وفي تعليق السوق إلى جهنم بوصف الإجرام إشعار بالعلية ونظيره تعليق الحشر إلى الرحمن في الآية السابقة بوصف التقوى.

ومعنى الآية ظاهر.

قوله تعالى:{ لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} وهذا جواب ثان عن اتخاذهم الآلهة للشفاعة وهو أن ليس كل من يهوى الإنسان شفاعته فاتخذه إلها ليشفع له يكون شفيعا بل إنما يملك الشفاعة بعهد من الله ولا عهد إلا لآحاد من مقربي حضرته، قال تعالى:{ وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}: الزخرف: 86.

وقيل: المراد أن المشفع لهم لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا والعهد هو الإيمان بالله والتصديق بالنبوة، وقيل: وعده تعالى له بالشفاعة كما في الأنبياء والأئمة والمؤمنين والملائكة على ما في الأخبار، وقيل: هو شهادة أن لا إله إلا الله وأن يتبرأ من الحول والقوة وأن لا يرجوإلا الله، والوجه الأول هو الأوجه وهو بالسياق أنسب.

_______________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج14،ص83-90.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

تفكير خرافي ومنحرف:

يعتقد بعض الناس أنّ الإِيمان والطهارة والتقوى لا تناسبهم، وأنّها السبب في أن تدبر الدنيا عنهم، أمّا إِذا خرجوا من دائرة الإِيمان والتقوى فإنّ الدنيا ستقبل عليهم، وتزيد ثروتهم وأموالهم!

إِنّ هذا النوع من التفكير، سواء كان نابعاً من البساطة واتباع الخرافات، أو أنّه غطاء وتَسَتُّر للفرار من تحمل المسؤوليات والتعهدات الإِلهية، فهو تفكير خاطىء وخطير.

لقد رأينا عبدة الأوهام هؤلاء يجعلون أحياناً من كثرة أموال وثروات الأفراد غير المؤمنين، وفقر وحرمان جماعة من المؤمنين، دليلا لإِثبات هذه الخرفة، في حين أنّه لا الأموال التي تصل إِلى الإِنسان عن طريق الظلم والكفر وترك أسس التقوى تبعث على الفخر، ولا الإِيمان والتقوى يكونان سداً ومانعاً في طريق النشاطات المشروعة والمباحة مطلقاً.

على كل حال، فقد كان في عصر النّبي ـ وكذلك في عصرنا ـ أفراد جاهلون يظنون هذه الظنون والأوهام، أو كانوا يتظاهرون بها على الأقل، فيتحدث القرآن ـ كمواصلة للبحث الذي بيّنه سابقاً حول مصير الكفار والظالمين ـ في الآيات مورد البحث عن طريقة التفكير هذه وعاقبتها، فيقول في أوّل آية من هذه الآيات: { أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا}(2).

ثمّ يجيبهم القرآن الكريم: { أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} فإنّ الذي يستطيع أن يتكهن بمثل هذا التكهن، ويقول بوجود علاقة بين الكفر والغنى وامتلاك الأموال والأولاد، مطلّع على الغيب، لأنا لا نرى أيّ علاقة بين هاتين المسألتين، أو يكون قد أخذ عهداً من الله سبحانه، وهذا الكلام أيضاً لا معنى له.

ثمّ يضيف بلهجة حادة: إِنّ الأمر ليس كذلك، ولا يمكن أن يكون الكفر أساساً لزيادة مال وولد أحد مطلقاً: { كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ}.

أجل، فإنّ هذا الكلام الذي لا أساس له قد يكون سبباً في انحراف بعض البسطاء، وسيثبت كل ذلك في صحيفة أعمال هؤلاء { وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا}.

هذه الجملة قد تكون إِشارة إِلى العذاب المستمر الخالد، كما يحتمل أيضاً أن تكون إِشارة إِلى العقوبات التي تحيط بهم في هذه الدنيا نتيجة للكفر وعدم الإِيمان. ويحتمل أيضاً أنّ هذه الأموال والأولاد التي هي أساس الغرور والضلال هي بنفسها عذاب مستمر لهؤلاء!

{وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ} من الأموال والاولاد { وَيَأْتِينَا فَرْدًا }.

نعم، إِنّه سيترك في النهاية كل هذه الإِمكانيات والأملاك المادية ويرحل، ويحضر في محكمة العدل الإِلهية بأيد خالية، وفي الوقت الذي اسودت فيه صحيفة أعمالة من الذنوب والمعاصي، وخلت من الحسنات .. هناك، حيث يرى نتيجة أقواله الجوفاء في دار الدنيا.

وتشير الآية التالية إِلى علّة أُخرى في عبادة هؤلاء الأفراد للأصنام، فتقول: { وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا} وليشفعوا لهم عند الله، ويعينوهم في حل مشاكلهم، لكن، أي ظن خاطىء وخيال ساذج هذا؟!

ليسَ الأمر كما يظن هؤلاء أبداً، فليست الأصنام سوف لا تكون لهم عزّاً وحسب، بل ستكون منبعاً لذلتهم وعذابهم، ولهذا فإنّهم سوف ينكرون عبادتهم لها في يوم القيامة: { كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا}.

إِن هذه الجملة إِشارة إِلى نفس ذلك المطلب الذي نقرؤه في الآية (14) من سورة فاطر: { وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ... وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ}. وكذلك ما نلاحظة في الآية (6) من سورة الأحقاف: { وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً}.

وقد احتمل بعض كبار المفسّرين أن المراد من الآية: إِنّ عبدة الأصنام عندما ترفع الحجب في القيامة، وتتضح كل الحقائق، ويرون أنفسهم قد فضحوا وخزوا، فإِنّهم ينكرون عبادة الأصنام، وسيقفون ضدها، كما نقرأ ذلك في الآية (23) من سورة الأنعام: { وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}.

إِلاّ أنّ التّفسير الأوّل أنسب مع ظاهر الآية، لأن عبّاد الأصنام كانوا يريدون أن تكون آلهتهم ومعبوداتهم عزّاً لهم، إِلاّ أنّهم يصبحون ضدها في النهاية.

ومن الطبيعي أن تكلم المعبودات التي لها عقل وإِدراك كالملائكة والشياطين والجن واضح ومعلوم، إِلاّ أنّ الآلهة الميتة التي لا روح لها، من الممكن أن تتكلم بإذن الله وتعلن تنفرها واشمئزازها من عبدتها ومن الممكن أن يستفاد هذا التّفسير من حديث مروي عن الإِمام الصادق(عليه السلام) حيث قال في تفسير هذه الآية: «يكون هؤلاء الذين اتخذوهم آلهة من دون الله ضداً يوم القيامة ويتبرؤون منهم ومن عبادتهم إِلى يوم القيامة».

والجميل في الأمر أننا نقرأ في ذيل الحديث جملة قصيرة عميقة المحتوى حول العبادة: ليس العبادة هي السجود ولا الركوع، وإِنّما هي طاعة الرجال، من أطاع مخلوقاً في معصية الخالق فقد عبده»(3).

من هم الذين لهم أهلية الشفاعة؟

بملاحظة البحث في الآيات السابقة الذي كان حول المشركين، فإنّ البحث في هذه الآيات، إِشارة إِلى بعض علل انحراف هؤلاء، ثمّ تبيّن الآيات في النهاية عاقبتهم المشؤومة، وتثبت هذه الحقيقة، وهي أنّ هذه الآلهة لم تكن سبب عزتهم بل أصبحت سبب ذلهم وشقائهم، فتقول أولا: { أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا}.

«الأزّ» في الأصل ـ كما يقول الراغب في المفردات ـ يعني غليان القدر، وتقلب محتواه عند شدة غليانه، وهو هنا كناية عن مدى تسلط الشياطين على هؤلاء، بحيث أنّهم يوجهونهم بالصورة التي يريدونها، وفي المسير الذي يشاؤون، ويقلبونهم كيف يشتهون!

ومن البديهي ـ كما قلنا ذلك مراراً ـ أن تسلّط الشياطين على بني آدم ليس تسلطاً إِجبارياً، بل إِنّ الإِنسان الذي يسمح للشياطين بالنفوذ إِلى قلبه وروحه، هو الذي يطوق رقبته بقيد العبودية لهم، ويقبل بطاعتهم، كما يقول القرآن في الآية (100) من سورة النحل: { إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ}.

ثمّ يوجه القرآن المجيد الخطاب إِلى النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فيقول: { فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} وسنسجل كل شيء لذلك اليوم الذي تشكل فيه محكمة العدل الإِلهي.

وهناك احتمال آخر في تفسير الآية، وهو أنّ المراد من عدّ أيّام عمر ـ بل أنفاس ـ هؤلاء، أنّ مدّة بقائهم قصيرة وداخلة تحت إِمكان الحساب والعد، لأنّ حساب الشيء وعدّه كناية عادة عن قلته وقصره.

ونقرأ في رواية عن الإِمام الصادق(عليه السلام) في تفسير {إِنما نعد لهم عداً} أنّه سأل أحد أصحابه، قال: «ما هو عندك؟» قال: عدد الأيّام، قال: «إنّ الآباء والأمهات يحصون ذلك، ولكنه عدد الأنفاس»(4).

إِنّ تعبير الإِمام هذا يمكن أن يكون إِشارة إِلى التّفسير الأوّل، أو إِلى التّفسير الثّاني، أو إِلى كلا التّفسيرين.

وعلى كل حال، فإنّ دقة محتوى هذه الآية يهز الإِنسان، لأنّها تثبيت أن كل شيء ـ حتى أنفاسنا ـ خاضعة للحساب والعد، ويجب أن نجيب يوماً على كل هذه الأشياء والأعمال.

ثمّ تبيّن المسير النهائي للمتقين والمجرمين في عبارات موجزة، فتقول: إنّ كل هذه الأعمال جمعناها وأدخرناها له: { يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا}.

«الوفد» ـ على وزن وعد ـ في الأصل بمعنى الجماعة الذين يذهبون إِلى الكبار لحل مشاكلهم، ويكونون مورد احترام وتقدير، وعلى هذا فإنّ الكلمة تتضمن معنى الإِحترام والتكريم، وربّما كان ما نقرؤه في بعض الرّوايات من أن المتقين يركبون مراكب سريعة السير، ويدخلون الجنة باحترام بالغ، لهذا السبب.

يقول الإِمام الصادق(عليه السلام): «سأل علي(عليه السلام) رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) عن تفسير قوله عزَّوجلّ: { يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} فقال: يا علي، الوفد لا يكون إِلا ركباناً، أُولئك رجال اتقوا الله عزَّ وجلّ، فأحبّهم واختصهم ورضي أعمالهم فسمّاهم المتقين»(5).

الملفت للنظر أنّنا نقرأ في الآية: أنّ المتقين يحشرون إِلى الرحمن، في حين أنّ الكلام في الآية التالية عن سوق المجرمين إِلى جهنم، وعلى هذا ألم يكن من المناسب أن يقال: (الجنة) هنا بدل (الرحمن)؟

إِلاّ أنّ هذا التعبير ـ في الحقيقة ـ يشير إِلى نكتة مهمة، وهي أن المتقين يحصلون هناك على ما هو أسمى من الجنة، فهم يقتربون من الله وتجلياته الخالصة، ويدركون رضاه الذي هو أسمى وأغلى من الجنّة. وتعبيرات الحديث الذي قرأناه من قبل عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) تشير إِلى هذا المعنى أيضاً.

ثمّ تقول في المقابل: { وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا} كما تساق الإبل العطشى إِلى محل الماء، إِلاّ أنّه لا ماء هناك، بل نار جهنم.

ينبغي الإِلتفات إِلى أن كلمة (ورد) تعني مجموعة من البشر أو الحيوانات التي ترد المياه، ولما كان هؤلاء الجماعة عطاشى حتماً، فإِن المفسّرين فسروا هذا التعبير هنا بأنّهم يردونها عطاشى.

كم هو الفرق بين أُولئك الذين يذهبون بهم إِلى الرحمن بكل عزة واحترام، تهب الملائكة لإِستقبالهم، ويحيوهم بالسلام، وبين أُولئك الذين يساقون كالحيوانات العطشى إِلى نار جهنم، وهم مطأطئوا الرؤوس، خجلون، مفتضحون ولا أهمية ولا قيمة لهم.

وإِذا كانوا يتصورون أنّهم يستطيعون الخلاص عن طريق الشفاعة، فإِنّهم يجب أن يعلموا أن هؤلاء الذين يرجونهم { لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ} فلا أحد يشفع لهؤلاء، فمن طريق أولى أن لا يقدروا على الشفاعة لأحد { إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} فهؤلاء هم الوحيدون الذين تنفعهم وتشملهم شفاعة الشافعين، أو أن مقامهم أعلى من هذه الرتبة أيضاً، ولهم القدرة والصلاحية لأن يشفعوا للعاصين الذين يستحقون الشفاعة.

_______________

1- تفسير الامثل،ناصر مكارم الشيرازي،ج8،ص85-91.

2- نقل بعض المفسّرين سبباً لنزول الآية وهو: إنّ أحد المؤمنين ـ واسمه خباب ـ كان يطلب أحد المشركين ـ واسمه العاص بن وائل، فقال المدين مستهزئاً: إِذا وجدت مالا وولداً في عالم الآخرة فسأؤدي دينك.

إِلاّ أنّ سبب النّزول هذا لا يناسب الآية التي نبحثها ظاهراً، خاصّة وأنّ الكلام عن الولد هنا، ونحن نعلم أنّ الولد في عالم الآخرة غير مطروح للبحث. إِضافة إِلى أن الآيات التالية تقول بصراحة: (سنرثه ما يقول) ويتّضح من هذا التعبير أنّ المقصود أموال الدنيا لا الأموال في الآخرة.

وعلى كل حال، فإنّ جماعة من المفسّرين اعتبروا هذه الآية ـ بناء على سبب النّزول هذا ـ إِشارة إِلى الآخرة، إلاّ أنّ الحق ما قيل.

3- نور الثقلين، ج 3، ص357.

4- المصدر السابق.

5- المصدر السابق، ص359.

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .