أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-8-2020
3170
التاريخ: 31-8-2020
2972
التاريخ: 31-8-2020
6606
التاريخ: 29-8-2020
4898
|
قال تعالى : {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (161) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162) إِلَّا مَنْ هُو صَالِ الْجَحِيمِ (163) وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166) وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَو أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ (168) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (169) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الصافات : 161 - 170] .
تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :
خاطب سبحانه الكفار بأن قال لهم {فإنكم وما تعبدون} وموضع ما نصب عطفا على الكاف والميم والمعنى إنكم يا معشر الكفار والذي تعبدونه {ما أنتم عليه بفاتنين إلا من هو صال الجحيم} الهاء في عليه إلى ما ذا يعود فيه قولان .
(أحدهما) أنه يعود إلى {ما تعبدون} والتقدير إنكم وما تعبدونه ما أنتم بفاتنين على عبادته أحدا إلا من يصلى الجحيم ويحترق بها بسوء اختياره وقيل معناه ما أنتم بمضلين أحدا أي لا تقدرون على إضلال أحد إلا من سبق في علم الله تعالى أن سيكفر بالله تعالى ويصلى الجحيم .
(والآخر) أن الضمير في عليه يعود إلى الله تعالى والتقدير ما أنتم على الله وعلى دينه بمضلين أحدا إلا من هو صالي الجحيم باختياره وهذا كما يقال لا يهلك على الله هالك وفلان يربح على فلان ويخسر على فلان .
{وما منا إلا له مقام معلوم} هذا قول جبرائيل للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وقيل إنه قول الملائكة وفيه مضمر أي وما منا معشر الملائكة ملك إلا له مقام معلوم في السماوات يعبد الله فيه وقيل معناه أنه لا يتجاوز ما أمر به ورتب له كما لا يتجاوز صاحب المقام مقامه الذي حد له فكيف يجوز أن يعبد من بهذه الصفة وهو عبد مربوب .
{وإنا لنحن الصافون} حول العرش ننتظر الأمر والنهي من الله تعالى وقيل القائمون صفوفا في الصلاة قال الكلبي صفوف الملائكة في السماء كصفوف أهل الدنيا في الأرض وقال الجبائي صافون باجنحتنا في الهواء للعبادة والتسبيح {وإنا لنحن المسبحون} أي المصلون والمنزهون الرب عما لا يليق به ومنه قوله فرغت من سبحتي أي من صلاتي وذلك لما في الصلاة من تسبيح الله تعالى وتعظيمه والمسبحون القائلون سبحان الله على وجه التعظيم لله .
{وإن كانوا ليقولون} إن هذه هي المخففة من الثقيلة أ لا ترى أن اللام قد لزم خبرها والمعنى وأن هؤلاء الكفار يعني أهل مكة كانوا يقولون {لو أن عندنا ذكرا} أي كتابا {من الأولين} أي من كتب الأولين التي أنزلها على أنبيائه وقيل ذكرا أي علما من الأولين الذين تقدمونا وما فعل الله بهم فسمي العلم ذكرا لأن الذكر من أسباب العلم .
{لكنا عباد الله المخلصين} الذين يخلصون العبادة لله تعالى فجعلوا العذر في امتناعهم من الإيمان أنهم لا يعرفون أخبار من تقدمهم وهل حصلوا في جنة أو نار {فكفروا به} في الكلام حذف تقديره فلما أتاهم الكتاب وهو القرآن كفروا به {فسوف يعلمون} عاقبة كفرهم وهذا تهديد لهم .
______________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج8 ، ص336-337 .
تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :
{فَإِنَّكُمْ وما تَعْبُدُونَ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ إِلَّا مَنْ هُو صالِ الْجَحِيمِ} . الخطاب في انكم للمشركين ، والمعنى لا يستجيب لتضليلكم وعبادة أصنامكم أيها المشركون الا من تنكب عن طريق الحق والهداية التي تؤدي به إلى مرضاة اللَّه وثوابه ، وسلك طريق الضلالة والغواية التي ينتهي معها إلى غضب اللَّه وعذابه .
{وما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ} . هذا من كلام الملائكة يردون به على المشركين الذين قالوا : ان اللَّه اتخذ مما يخلق بنات واصطفاهم بالبنين ، ومحصل الرد انّا جميعا عباد الرحمن نقدسه ونسبّح بحمده ، ولكل واحد منا وظيفته في العبادة لا يتعداها {إِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} . منا الذين يقفون صفوفا للعبادة ، ومنا الذين لا يسأمون من الذكر والتسبيح ، وفي الحديث : فمنهم راكع لا يقيم صلبه ، ومنهم ساجد لا يرفع رأسه .
{وإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ لَو أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الأَوَّلِينَ لَكُنَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} .
واو الجماعة في كانوا ويقولون تعود لمشركي العرب الذين جعلوا للَّه بنات من الملائكة وبينه وبين الجنة نسبا ، والمعنى ان المشركين قالوا قبل أن يأتيهم محمد (صلى الله عليه واله وسلم) بالقرآن : لوجاءهم كتاب من عند اللَّه بالحق لآمنوا به وعبدوا اللَّه مخلصين له الدين ، فلما جاءهم ما كانوا يتمنون ازدادوا عتوا ونفورا ، والى هذا أشار سبحانه بقوله : {فَكَفَرُوا بِهِ} أما قوله : {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} فهو تهديد ووعيد .
_____________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص360 .
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :
قوله تعالى : {فإنكم وما تعبدون ما أنتم عليه بفاتنين إلا من هو صال الجحيم} تفريع على حكم المستثنى والمستثنى منه أو المستثنى خاصة ، والمعنى لما كان ما وصفتموه ضلالا - وعباد الله المخلصون لا يضلون في وصفهم - فلستم بمضلين به إلا سالكي سبيل النار .
والظاهر من السياق أن {ما} في {ما تعبدون} موصولة والمراد بها الأصنام فحسب أو الأصنام وآلهة الضلال كشياطين الجن ، وما في {ما أنتم} نافية ، وضمير {عليه} لله سبحانه والظرف متعلق بفاتنين ، وفاتنين اسم فاعل من الفتنة بمعنى الإضلال و{صال} من الصلو بمعنى الاتباع فصالي الجحيم هو المتبع للجحيم السالك سبيل النار ، والاستثناء مفرغ تقديره ما أنتم بفاتنين أحدا إلا من هو صال الجحيم .
والمعنى فإنكم وآلهة الضلال التي تعبدونها لستم جميعا بمضلين أحدا على الله إلا من هو متبع الجحيم .
وقيل : إن {ما} الأولى مصدرية أو موصولة وجملة {فإنكم وما تعبدون كلام} تام مستقل من قبيل قولهم : أنت وشأنك والمعنى فإنكم وما تعبدون متقارنان ثم استونف وقيل : {ما أنتم عليه بفاتنين} و{فاتنين} مضمن معنى الحمل وضمير {عليه} راجع إلى {ما تعبدون} إن كانت ما مصدرية وإلى {ما} بتقدير مضاف إن كانت موصولة والمعنى ما أنتم بحاملين على عبادتكم أو على عبادة ما تعبدونه إلا من هو صال الجيم .
قيل : ويمكن أن يكون {على} بمعنى الباء والضمير لما تعبدون أولما أن كانت موصولة و{فاتنين} على ظاهر معناه من غير تضمين ، والمعنى ما أنتم بمضلين أحدا بعبادتكم أو بعبادة ما تعبدونه إلا (إلخ) .
وهذه كلها تكلفات من غير موجب والكلام فيما في الآية من الالتفات كالكلام فيما سبق منه .
قوله تعالى : {وما منا إلا له مقام معلوم وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون} الآيات الثلاث - على ما يعطيه السياق - اعتراض من كلام جبرئيل أو هو وأعوانه من ملائكة الوحي نظير قوله تعالى في سورة مريم : { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ } [مريم : 64] .
وقيل : هي من كلام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يصف نفسه والمؤمنين به للكافرين تبكيتا لهم وتقريعا وهو متصل بقوله : {فاستفتهم} والتقدير فاستفتهم وقل : ما منا معشر المسلمين إلا له مقام معلوم على قدر أعماله يوم القيامة وإنا لنحن الصافون في الصلاة وإنا لنحن المسبحون .
وهو تكلف لا يلائمه السياق .
والآيات الثلاث مسوقة لرد قولهم بألوهية الملائكة بإيراد نفس اعترافهم بما ينتفي به قول الكفار وهم لا ينفون العبودية عن الملائكة بل يرون أنهم مربوبون لله سبحانه أرباب وآلهة لمن دونهم يستقلون بالتصرف فيما فوض إليهم من أمر العالم من غير أن يرتبط شيء من هذا التدبير إلى الله سبحانه وهذا هو الذي ينفيه الملائكة عن أنفسهم لا كونهم أسبابا متوسطة بينه تعالى وبين خلقه كما قال تعالى {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء : 26 ، 27] .
فقوله : {وما منا إلا له مقام معلوم} أي معين مشخص أقيم فيه ليس له أن يتعداه بأن يفوض إليه أمر فيستقل فيه بل مجبول على طاعة الله فيما يأمر به وعبادته .
وقوله : {وإنا لنحن الصافون} أي نصف عند الله في انتظار أوامره في تدبير العالم لنجريها على ما يريد .
كما قال تعالى : {لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} هذا ما يفيده السياق ، وربما قيل : إن المراد إنا نصف للصلاة عند الله وهو بعيد من الفهم لا شاهد عليه .
وقوله : {وإنا لنحن المسبحون} أي المنزهون له تعالى عما لا يليق بساحة كبريائه كما قال تعالى : {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء : 20] .
فالآيات الثلاث تصف موقف الملائكة في الخلقة وعملهم المناسب لخلقتهم وهو الاصطفاف لتلقي أمره تعالى والتنزيه لساحة كبريائه عن الشريك وكل ما لا يليق بكمال ذاته المتعالية .
قوله تعالى : {وإن كانوا ليقولون لو أن عندنا ذكرا من الأولين لكنا عباد الله المخلصين} رجوع إلى السياق السابق .
والضمير في قوله : {وإن كانوا ليقولون} لقريش ومن يتلوهم ، و{إن} مخففة من الثقيلة ، والمراد بذكر من الأولين كتاب سماوي من جنس الكتب النازلة على الأولين .
والمعنى لو أن عندنا كتابا سماويا من جنس الكتب النازلة قبلنا على الأولين لاهتدينا وكنا عباد الله المخلصين يريدون أنهم معذورون لو كفروا لعدم قيام الحجة عليهم من قبل الله سبحانه .
وهذا في الحقيقة هفوة منهم فإن مذهب الوثنية يحيل النبوة والرسالة ونزول الكتاب السماوي .
قوله تعالى : {فكفروا به فسوف يعلمون} الفاء فصيحة ، والمعنى فأنزلنا عليهم الذكر وهو القرآن الكريم فكفروا به ولم يفوا بما قالوا فسوف يعلمون وبال كفرهم وهذا تهديد منه تعالى لهم .
_________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج17 ، ص145-147 .
تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :
الإدّعاءات الكاذبة :
الآيات السابقة تحدّثت عن الآلهة المختلفة التي كان المشركون يعبدونها ، أمّا الآيات ـ التي هي مورد بحثنا الآن ـ فتتابع ذلك الموضوع ، حيث توضّح في كلّ بضع آيات موضوعاً يتعلّق بهذا الأمر .
بداية البحث تؤكّد الآيات على أنّ وساوس عبدة الأصنام لا تؤثّر على الطاهرين والمحسنين ، وإنّما ـ قلوبكم المريضة وأرواحكم الخبيثة هي التي تستسلم لتلك الوساوس ، قال تعالى : {فإنّكم وما تعبدون} .
نعم ، أنتم وما تعبدون لا تستطيعون خداع أحد بوسائل الفتنة والفساد عن الطريق المؤدّي إلى الله {ما أنتم عليه بفاتنين} (2) إلاّ اُولئك الذين يريدون أن يحترقوا في نار جهنّم {إلاّ من هو صالّ الجحيم} .
هذه الآيات ـ خلافاً لما يتصوّره أتباع مذهب الجبر ـ دليل ضدّ هذا المذهب ، وهي إشارة إلى أنّه لا يعذر أي أحد إنحرف عن الطريق المستقيم ، مدّعياً أنّه قد خدع ، وإنحرافه وعبادته للأوثان بسبب هذه الوساوس ، ولذا تقول الآيات المباركة ، أنتم ـ المشركون ـ لا قدرة لديكم على إضلال الأشخاص وخداعهم ، إلاّ إذا كان اُولئك يتّجهون بإرادتهم نحو صراط الجحيم .
وعبارة (صالّ الجحيم) شاهد على الكلام المذكور أعلاه ، لأنّ كلمة (صالي) جاءت بصيغة اسم الفاعل ، وعندما تستخدم أي كلمة بصيغة اسم الفاعل بشأن موجود عاقل فإنّها تعطي مفهوم تنفيذ العمل بإرادته وإختياره ، مثل (قاتل) و(جالس) و(ضارب) ، إذن فإنّ (صالّ الجحيم) تعني رغبة الشخص في الإحتراق بنار جهنّم ، وبهذا تغلق كافّة طرق الأعذار أمام كلّ المنحرفين .
والذي يثير العجب أنّ بعض المفسّرين المعروفين فسّروا الآية بالمعنى التالي : {إنّكم لا تستطيعون خداع أحد ، إن لم يكن مقدّراً له الإحتراق بنار جهنّم} .
إن كان حقّاً هذا هو معنى الآية ، فلِمَ يبعث الأنبياء ؟ ولأي سبب تنزل الكتب السماوية ؟ وما معنى محاسبة ولوم وتوبيخ عبدة الأوثان يوم القيامة التي نصّت عليها الآيات القرآنية ؟ وأين ذهب عدل الباري عزّوجلّ ؟
نعم ، يجب قبول هذه الحقيقة ، وهي انّ الإقرار بمبدأ الجبر ضدّ مبدأ الأنبياء تماماً ، ويمسخ كلّ المفاهيم التي بعثوا من أجل ترسيخها ، ويقضي على كلّ القيم الإلهية والإنسانية .
ومن الضروري الإلتفات إلى هذه النقطة وهي أنّ (صالي) مشتقّة من (صلى) وتعني إشعال النار والدخول فيها أو الإحتراق بها و(فاتن) إسم فاعل مشتقّة من (فتنة) وتعني الذي يثير الفتن والذي يضلّ الآخرين .
بعد إنتهاء بحثنا حول الآيات الثلاث السابقة التي وضّحت مسألة إختيار الإنسان في مقابل فتن وإغراءات عبدة الأصنام ، نواصل بحثنا حول الآيات الثلاث التالية والتي تتناول المرتبة العالية لملائكة الله ، وتقول مخاطبة عبدة الأصنام : إنّ الملائكة التي كنتم تزعمون أنّها بنات الله لها مقام معيّن ، والجميل في هذه العبارة أنّ الملائكة هي التي تتحدّث عن نفسها {وما منّا إلاّ له مقام معلوم} (3) .
وتضيف ملائكة الرحمن : وإنّنا جميعاً مصطفون عند الله في إنتظار أوامره ، {وإنّا لنحن الصافّون} .
وإنّنا جميعاً نسبّحه ، وننزّه عمّا لا يليق بساحة كبريائه {وإنّا لنحن المسبّحون} .
نعم ، نحن عباد الله ، وقد وضعنا أرواحنا على الأكف بإنتظار سماع أوامره ، إنّنا لسنا أبناء الله ، إنّنا ننزّه الباري عزّوجلّ من تلك المزاعم الكاذبة والقبيحة وإنّنا منزعجين ومشمئزّين من خرافات وأوهام المشركين .
في الحقيقة ، إنّ الآيات المذكورة أعلاه أشارت إلى ثلاث صفات من صفات الملائكة .
الاُولى : هي أنّ لكلّ واحد منهم مقام معيّن ومشخّص ليس له أن يتعدّاه .
والثانية : هي أنّهم مستعدّون دائماً لإطاعة أوامر الله سبحانه وتعالى وتنفيذها في عالم الوجود ، وهذا الشيء مشابه لما ورد في الآيتين (26) و (27) من سورة الأنبياء { بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء : 26 ، 27] .
والثالثة : أنّهم يسبّحون الله دائماً وينزّهونه عمّا لا يليق بساحة كبريائه .
الآيتان {إنّا لنحن الصافّون وإنّا لنحن المسبّحون} تعطيان مفهوم الحصر في الأدب العربي ، وبعض المفسّرين قالوا في تفسير هاتين الآيتين : إنّ الملائكة تريد أن تقول : نحن فقط المطيعون لأوامر الله والمسبّحون الحقيقيون له ، وهذه إشارة إلى أنّ طاعة الإنسان لله تعالى وتسبيحه يعدّ لا شيء بالنسبة لطاعة وتسبيح الملائكة لله ، ولا يمكن المقارنة بينهما .
والذي يلفت الإنتباه أنّ مجموعة من المفسّرين نقلوا في نهاية هذه الآيات حديثاً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قال فيه : «ما في السموات موضع شبر إلاّ وعليه ملك يصلّي ويسبّح» (4) .
وجاء في رواية اُخرى : «ما في السماء موضع قدم إلاّ عليه ملك ساجد أو قائم» (5) .
وفي رواية ثالثة ورد أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان جالساً مع مجموعة من أصحابه ، فقال لهم : «أطت السماء وحقّ لها أن تأط ! ليس فيها موضع قدم إلاّ عليه ملك راكع أو ساجد ، ثمّ قرأ : (وإنّا لنحن الصافّون وإنّا لنحن المسبّحون)» (6) .
العبارات المختلفة كناية لطيفة عن أنّ عالم الوجود مكتّظ بالمطيعين لأوامر الله والمسبّحين له .
الآيات الأربع الأخيرة من هذا البحث تشير إلى أحد الأعذار الواهية التي تذرّع بها المشركون فيما يخصّ هذه القضيّة وعبادتهم للأصنام ، وتجيب عليهم قائلة : {وإن كانوا ليقولون} (7) .
{لو أنّ عندنا ذكراً من الأوّلين} {لكنّا عباد الله المخلصين} .
يقول المشركون : لا تتحدّثوا كثيراً عن عباد الله المخلصين الذين أخلصهم الله لنفسه ، وعن الأنبياء العظام أمثال نوح وإبراهيم وموسى ، لأنّه لوكان الله قد شملنا بلطفه وأنزل علينا أحد كتبه السماوية لكنّا في زمرة عباده المخلصين .
وهذا مشابه لما يقوله الطلاب الكسالى الراسبون في دروسهم ، من أجل التغطية على كسلهم وعدم مثابرتهم ، لوكان لدينا معلّم واُستاذ جيّد لكنّا من الطلبة الأوائل .
الآية التالية تقول : لقد تحقّق ما كانوا يأملونه ، إذ أنزل عليهم القرآن المجيد الذي هو أكبر وأعظم الكتب السماوية ، إلاّ أنّ هؤلاء الكاذبين في إدّعاءاتهم كفروا به ، ولم يفوا بما قالوا ، واتّخذوا موقفاً معادياً إزاءه ، فسيعلمون وبال كفرهم {فكفروا به فسوف يعلمون} (8) .
كفاكم كذباً وإدّعاءً ، ولا تعتقدوا أنّكم أكفّاء للإنضمام إلى صفوف عباد الله المخلصين ، فكذبكم واضح ، وإدّعاءاتكم غير صادقة ، فليس هناك كتاب خير من القرآن المجيد ، ولا يوجد هناك نهج تربوي خير من نهج الإسلام ، فكيف كان موقفكم من هذا الكتاب السماوي ؟ فانتظروا العواقب الأليمة لكفركم وعدم إيمانكم .
____________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج11 ، ص333-336 .
2 ـ التركيب النحوي لهذه الآية والتي تسبقها والاُخرى التي تأتي بعدها ، وكما هو مشهور كذلك ، (ما) في جملة (ما تعبدون) هي (ما) الموصولة معطوفة على اسم أنّ ، وجملة (ما أنتم عليه بفاتنين) خبرها . و(ما) في (ما أنتم) نافية ، وضمير (عليه) يعود على الله سبحانه وتعالى ، وفي مجموعها نحصل على ما يلي (إنّكم وآلهتكم التي تعبدونها لا تقدرون على إضلال أحد على الله بسببها إلاّ من يحترق بنار الجحيم بسوء إختياره) .
والبعض الآخر إعتبر الآية (إنّكم وما تعبدون) كلاماً تامّاً مستقلا وتعني أنّكم وآلهتكم ، ثمّ تقول في الآية التالية : ما أنتم بحاملين على عبادة ما تعبدونه إلاّ من هو صالّ الجحيم .
3 ـ نقرأ في بعض الرّوايات التي نقلت عن أهل البيت (عليهم السلام) أنّ الأئمّة المعصومين هم المقصودون في هذه الآية ، ومن الممكن أن يكون هذا التّفسير من قبيل تشبيه مقام الأئمّة بالملائكة ، أي كما أنّ للملائكة مقاماً وتكليفاً معيّناً ، فإنّ لنا مقاماً وتكليفاً معيّناً أيضاً .
4 ـ تفسير القرطبي ، المجلّد 8 ، الصفحة 581 .
5 ـ المصدر السابق .
6 ـ (الدرّ المنثور) نقلا عن تفسير الميزان المجلّد (17) الصفحة 188 .
7 ـ (إن) مخفّفة من الثقيلة وتقديرها (وإنّهم كانوا ليقولون) .
8 ـ في الكلام حذف تقديره (فلمّا آتاهم الكتاب وهو القرآن كفروا به فسوف يعلمون عاقبة كفرهم) .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
بمساحة تزيد على (4) آلاف م²... قسم المشاريع الهندسية والفنية في العتبة الحسينية يواصل العمل في مشروع مستشفى العراق الدولي للمحاكاة
|
|
|