أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-9-2020
3204
التاريخ: 31-8-2020
6601
التاريخ: 29-8-2020
13403
التاريخ: 31-8-2020
2372
|
قال تعالى : {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27) قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (28) قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29) وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ (30) فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (31) فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (32) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (33) إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (34) إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (36) بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ} [الصافات : 27 - 37] .
تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :
قال تعالى : {وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون} هذا إخبار منه سبحانه أن كل واحد منهم يقبل على صاحبه الذي أغواه فيقول له على وجه التأنيب والتعنيف لم غررتني ويقول ذلك له لم قبلت مني وقيل يقبل الأتباع على المتبوعين والمتبوعون على الأتباع يتلاومون ويتعاتبون ويتخاصمون {قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين} أي يقول الكفار لغواتهم إنكم كنتم تأتوننا من جهة النصيحة واليمن والبركة ولذلك أقررنا لكم والعرب تتيمن بما جاء من اليمين عن الجبائي وقيل معناه كنتم تأتوننا من قبل الدين فتروننا أن الحق والدين ما يضلوننا به واليمين عبارة عن الحق عن الزجاج وقيل معناه كنتم تأتوننا من قبل القوة والقدرة فتخدعوننا من أقوى الوجوه ومنه قوله فراغ عليهم ضربا باليمين عن الفراء .
{قالوا} في جواب ذلك ليس الأمر كما قلتم {بل لم تكونوا مؤمنين} مصدقين بالله {وما كان لنا عليكم من سلطان} أي قدرة وقوة فنجبركم على الكفر فلا تسقطوا اللوم عن أنفسكم فإنه لازم لكم ولاحق بكم {بل كنتم قوما طاغين} أي خارجين عن الحق باغين تجاوزتم الحد إلى أفحش الظلم وأعظم المعاصي .
وقوله تعالى : {فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائقُونَ (31) فَأَغْوَيْنَكُمْ إِنَّا كُنَّا غَوِينَ (32) فَإِنهُمْ يَوْمَئذ في الْعَذَابِ مُشترِكُونَ (33) إِنَّا كَذَلِك نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (34) إِنهُمْ كانُوا إِذَا قِيلَ لهَمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَستَكْبرُونَ (35) ويَقُولُونَ أَئنَّا لَتَارِكُوا ءَالِهَتِنَا لِشاعِر مجْنُونِ (36) بَلْ جَاءَ بِالحَْقِّ وصدَّقَ الْمُرْسلِينَ}
هذا تمام الحكاية عن الكفار الذين قالوا وما كان لنا عليكم من سلطان ثم قالوا {فحق علينا قول ربنا} أي وجب علينا قول ربنا بأنا لا نؤمن ونموت على الكفر أو وجب علينا العذاب الذي نستحقه على الكفر والإغواء {إنا لذائقون} العذاب الذي نستحقه على الكفر أي ندركه كما ندرك المطعوم بالذوق ثم يعترفون بأنهم أغووهم بأن قالوا {فأغويناكم} أي أضللناكم عن الحق ودعوناكم إلى الغي {إنا كنا غاوين} أي داخلين في الضلالة والغي وقيل معناه فخيبناكم إنا كنا خائبين {فإنهم يومئذ} أي في ذلك اليوم {في العذاب مشتركون} واشتراكهم اجتماعهم فيه والمعنى أن ذلك التخاصم لم ينفعهم إذا اجتمع الأتباع والمتبوعون كلهم في النار الأتباع بقبول الكفر والمتبوعون بالكفر والإغواء .
{إنا كذلك نفعل بالمجرمين} أي الذين جعلوا لله شركاء عن ابن عباس وقيل معناه أنا مثل ما فعلنا بهؤلاء نفعل بجميع المجرمين ثم بين سبحانه أنه إنما فعل ذلك بهم من أجل {أنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون} عن قبول ذلك {ويقولون أ إنا لتاركو آلهتنا لشاعر مجنون} أي يأنفون من هذه المقالة ويستخفون بمن يدعوهم إليها ويقولون لا ندع عبادة الأصنام لقول شاعر مجنون يعنون النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يدعونا إلى خلافها وقيل لأجل شاعر عن أبي مسلم .
فرد الله هذا القول عليهم وكذبهم بأن قال {بل جاء بالحق} أي ليس بشاعر ولا مجنون لكنه أتى بما تقبله العقول من الدين الحق والكتاب {وصدق المرسلين} أي حقق ما أتى به المرسلون من بشاراتهم والكتاب الحق بدين الإسلام وقيل صدقهم بأن أتى بمثل ما أتوا به من الدعاء إلى التوحيد وقيل صدقهم بالنبوة .
______________
1- مجمع البيان . الطبرسي . ج8 . ص302-303 .
تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :
{وأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ} . يتساءل المجرمون ويتلاومون حين يرون العذاب . ويلقي الضعفاء التبعة والمسؤولية على الرؤساء . ويقولون لهم فيما يقولون : لولا اغراؤكم وخداعكم لكنا مؤمنين . . وعبروا عن هذا الخداع باليمين لأن العرب تتفاءل بما يأتي من جهة اليمين . فقولهم :
تأتوننا عن اليمين أشبه بقول القائل : أتاني من ميولي ورغباتي . وتقدم مثله في الآية 38 من سورة الأعراف ج 3 ص 326 .
{قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ} . هذا قول الرؤساء أجابوا به الضعفاء . ومحصّله : ما كنا نملك إلا الدعوة وتزيينها . وقد دعوناكم إلى الكفر فاستجبتم . ودعاكم الرسول إلى الايمان فنفرتم . والسر هو خبثكم وطغيانكم وإلا فأي سلطان لنا عليكم لو آمنتم باللَّه ورسوله كما آمن غيركم ؟ وقد كان من نتيجة كفرنا واغوائنا لكم . واستجابتكم لنا ان حقت علينا وعليكم كلمة العذاب . كما ترون . . وليس بعد العذاب الذي نقاسيه من مستعتب . وتقدم مثله في الآية 25 من سورة العنكبوت و67 من سورة الأحزاب .
{فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ} . هذا من كلام اللَّه سبحانه . ومعناه ان العذاب يقع على جميع المجرمين في ذلك اليوم الذي تساءلوا فيه وتلاوموا {إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ} . عقاب صارم . وعذاب دائم من غير فرق بين التابع والمتبوع .
{إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهً إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} . تعالوا وتعاظموا عن قبول الحق وكلمته . فأصابهم ما أصاب المستكبرين قبلهم من بأس اللَّه وعذابه {ويَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ} . قال المفسرون : خلط المشركون في كلامهم . وارتبكوا في غيهم حيث وصفوا الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) بالشاعر والمجنون معا مع أن الشاعر ينتقي المعاني بفكر وروية . ويؤلف بينها بدقة وإحكام . ويعبر عنها ببراعة وإتقان . وأين المجنون من هذا ؟
{بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ} . كلا . ما هو بشاعر ولا مجنون . وإنما هو رسول كريم . جاء بالحق من عند اللَّه . وصدق من تقدمه من الرسل . وما بين يديه من الكتب . . وبعد . فإن المجنون خير وأفضل ممن وصف محمدا (صلى الله عليه واله وسلم) بالجنون . وهو الذي اصطفاه اللَّه واختاره لرسالته . وجعله سيد المرسلين وخاتم النبيين . انظر تفسير الآية : وما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وما يَنْبَغِي لَهُ [يس - 69] .
______________
1- الكاشف . محمد جواد مغنية . ج6 .ص335-337 .
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :
قوله تعالى : {وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون - إلى قوله - إنا كنا غاوين} تخاصم واقع بين الأتباع والمتبوعين يوم القيامة . والتعبير عنه بالتساؤل لأنه في معنى سؤال بعضهم بعضا تلاوما وتعاتبا يقول التابعون لمتبوعيهم : لم أضللتمونا ؟ فيقول المتبوعون : لم قبلتم منا ولا سلطان لنا عليكم ؟ .
فقوله : {وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون} البعض الأول هم المعترضون والبعض الثاني المعترض عليهم كما يعطيه سياق التساؤل وتساؤلهم تخاصمهم .
وقوله : {قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين} أي من جهة الخير والسعادة فاستعمال اليمين فيها شائع كثير كقوله : {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ } [الواقعة : 27] والمعنى أنكم كنتم تأتوننا من جهة الخير والسعادة فتقطعون الطريق وتحولون بيننا وبين الخير والسعادة وتضلوننا .
وقيل : المراد باليمين الدين وهو قريب من الوجه السابق . وقيل : المراد باليمين القهر والقوة كما في قوله تعالى : {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ} [الصافات : 93] ولا يخلو من وجه نظرا إلى جواب المتبوعين .
وقوله : {قالوا بل لم تكونوا مؤمنين وما كان لنا عليكم من سلطان - إلى قوله - غاوين} جواب المتبوعين بتبرئة أنفسهم من إشقاء التابعين وأن جرمهم مستند إلى سوء اختيار أنفسهم (2) .
فقالوا : بل لم تكونوا مؤمنين أي لم نكن نحن السبب الموجب لإجرامكم وهلاككم بخلوكم عن الإيمان بل لم تكونوا مؤمنين لا أنا جردناكم من الإيمان .
ثم قالوا : {وما كان لنا عليكم من سلطان} وهو في معنى الجواب على فرض التسليم كأنه قيل : ولو فرض أنه كان لكم إيمان فما كان لنا عليكم من سلطان حتى نسلبه منكم ونجردكم منه .
على أن سلطان المتبوعين إنما هو بالتابعين فهم الذين يعطونهم السلطة والقوة فيتسلطون عليهم أنفسهم .
ثم قالوا : {بل كنتم قوما طاغين} والطغيان هو التجاوز عن الحد وهو إضراب عن قوله : {لم تكونوا مؤمنين} كأنه قيل : ولم يكن سبب هلاككم مجرد الخلو من الإيمان بل كنتم قوما طاغين كما كنا مستكبرين طاغين فتعاضدنا جميعا على ترك سبيل الرشد واتخاذ سبيل الغي فحق علينا كلمة العذاب التي قضى بها الله سبحانه قال تعالى : {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآبًا} [النبأ : 21 . 22] وقال : { فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات : 37 - 39] .
ولهذا المعنى عقب قوله : {بل كنتم قوما طاغين} بقوله : {فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون} أي لذائقون العذاب .
ثم قالوا : {فأغويناكم إنا كنا غاوين} وهو متفرع على ثبوت كلمة العذاب وآخر الأسباب لهلاكهم فإن الطغيان يستتبع الغواية ثم نار جهنم . قال تعالى لإبليس {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر : 42 . 43] .
فكأنه قيل : فلما تلبستم بالطغيان حل بكم الغواية بأيدينا من غير سلطان لنا عليكم إلا اتباعكم لنا واتصالكم بنا فسرى إليكم ما فينا من الصفة وهي الغواية فالغاوي لا يتأتى منه إلا الغواية والإناء لا يترشح منه إلا ما فيه . وبالجملة إنكم لم تجبروا ولم تسلبوا الاختيار منذ بدأتم في سلوك سبيل الهلاك إلى أن وقعتم في ورطته وهي الغواية فحق عليكم القول .
قوله تعالى : {فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون - إلى قوله - يستكبرون} ضمير {فإنهم} للتابعين والمتبوعين فهم مشتركون في العذاب لاشتراكهم في الظلم وتعاونهم على الجرم من غير مزية لبعضهم على بعض .
واستظهر بعضهم أن المغوين أشد عذابا وذلك في مقابلة أوزارهم وأوزار أمثال أوزارهم فالشركة لا تقتضي المساواة والحق أن الآيات مسوقة لبيان اشتراكهم في الظلم والجرم والعذاب اللاحق بهم من قبله . ويمكن مع ذلك أن يلحق بكل من المتبوعين والتابعين ألوان من العذاب ناشئة عن خصوص شأنهم قال تعالى : { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت : 13] . وقال : {رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف : 38] .
وقوله : {إنا كذلك نفعل بالمجرمين} تأكيد لتحقيق العذاب . والمراد بالمجرمين المشركون بدليل قوله بعد : {إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون} أي إذا عرض عليهم التوحيد أن يؤمنوا به أو كلمة الإخلاص أن يقولوها استمروا على استكبارهم ولم يقبلوا .
قوله تعالى : {ويقولون أ إنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون بل جاء بالحق وصدق المرسلين} قولهم هذا إنكار منهم للرسالة بعد استكبارهم عن التوحيد وإنكارهم له .
وقوله : {بل جاء بالحق وصدق المرسلين} رد لقولهم : {لشاعر مجنون} حيث رموه (عليه السلام) بالشعر والجنون وفيه رمي لكتاب الله بكونه شعرا ومن هفوات الجنون فرد عليهم بأن ما جاء به حق وفيه تصديق الرسل السابقين فليس بباطل من القول كالشعر وهفوة الجنون وليس ببدع غير مسبوق في معناه .
______________
1- الميزان . الطباطبائي . ج17 . ص110-113
2- وفيه دلالة واضحة بل كالنص في لغوية دعوى الاكراه في اتباع الظلمة .
تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :
يبدأ القران الكريم يستعرض حال الذين ظلموا انفسهم في يوم الفصل بعدما استسلموا لأوامر الله وخضعوا له . ولا يمكنهم اظهار المخالفة والاعتراض في قوله تعالى : {بل هم اليوم مستسلمون} .
وهنا يبدأ كلّ واحد منهم بلوم الآخر . ويسعى إلى إلقاء أوزاره على عاتق الآخر . والتابعون يعتبرون رؤساءهم وأئمّتهم هم المقصّرون . فيقابلونهم وجهاً لوجه . ويبدأ كلّ منهم بسؤال الآخر . كما تقول الآية : {وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون} .
وهنا يقول التابعون لمتبوعيهم : إنّكم شياطين . إذ كنتم تأتوننا بعنوان النصيحة والهداية والتوجيه وإرادة الخير والسعادة لنا . ولكن لم يكن من وراء مجيئكم سوى المكر والضياع {قالوا إنّكم كنتم تأتوننا عن اليمين} .
إذ أنّنا ـ بحكم فطرتنا ـ كنّا نسعى وراء الخير والطهارة والسعادة . ولذا لبّينا دعوتكم . لكنّنا لم نكن نعلم أنّكم تخفون وراء وجوهكم الخيّرة ظاهراً وجهاً آخر شيطانياً وقبيحاً أوقعنا في الخطيئة . نعم فكلّ الذنوب التي إرتكبناها أنتم مسؤولون عنها . لأنّنا لم نكن نملك شيئاً سوى حسن النيّة وطهارة القلب . وأنتم الشياطين الكذّابون لم يكن لديكم سوى الخداع والمكر .
كلمة (يمين) تعني (اليد اليمنى) أو(الجهة اليمنى) والعرب تعتبرها في بعض الأحيان كناية عن الخير والبركة والنصيحة . وكلّ ما يرد إليهم من جهة اليمين يتفاءلون به . ولذا فإنّ الكثير من المفسّرين يفسّرون (كنتم تأتوننا عن اليمين) على أنّها تظهر الخير والنصيحة كما ذكرنا ذلك أعلاه .
على أيّة حال . الثقافة العامّة تعتبر العضو الأيمن أو الطرف الأيمن شريفاً . والأيسر غير شريف . ولهذا السبب تستعمل اليمين للإحسان وعمل الخيرات .
وقد ذكرت مجموعة من المفسّرين تفسيراً آخر وهو : إنّ المقصود هو أنّكم أتيتمونا بإعتمادكم على القدرة . لأنّ الجهة اليمنى تكون عادةً هي الأقوى . وبهذا الدليل فإنّ أغلب الناس ينجزون أعمالهم المهمّة والصعبة باليد اليمنى . لذا فقد أصبح هذا التعبير كناية عن «القدرة» .
وهناك تفسيرات اُخرى تعود إلى هذين التّفسيرين أعلاه . ولكن لا شكّ أنّ التّفسير الأوّل أنسب .
وفي المقابل فإنّ المتبوعين والقادة لا يسكتون . بل يجيبون تابعيهم بالقول : (قالوا بل لم تكونوا مؤمنين) .
فلولم تكن أهواؤكم منحرفة . ولولم تكونوا من طلاّب الشرّ والشيطنة . لما اتّبعتمونا بإشارة واحدة . ولماذا لم تستجيبوا لدعوة الأنبياء والصالحين؟ إذاً فالخلل فيكم أنتم . اذهبوا ولوموا أنفسكم والعنوها . ودليلنا واضح . إذ لم تكن لنا أي سلطة عليكم . ولم نضغط عليكم ونجبركم لعمل أي شيء (وما كان لنا عليكم من سلطان) .
إنّما أنتم قوم طغاة ومعتدون . وأخلاقكم وطبيعتكم الظالمة صارت سبب تعاستكم {بل كنتم قوماً طاغين} .
وكم هو مؤلم أن يرى الإنسان قائده وإمامه الذي كان قد إرتبط به قلبيّاً طوال عمره . قد تسبّب في تعاسته وشقائه ثمّ يتبرّأ منه . ويلقي كلّ الذنوب على عاتقه؟
في الحقيقة . إنّ كلا المجموعتين صادقة في قولها . فلا هؤلاء . أبرياء ولا اُولئك . فالغواية والشيطنة كانت من اُولئك . وتقبل الغواية والإستسلام كان من هؤلاء .
فجدالكم لا يؤدّي إلى نتيجة . وهنا يعترف أئمّة الضلال بهذه الحقيقة . ويقولون : بهذا الدليل ثبت أمر الله علينا . وصدر حكم العذاب بحقّ الجميع . وسينالنا جميعاً عذاب الله {فحقّ علينا قول ربّنا إنّا لذائقون} .
إنّكم كنتم طاغين . وهذا هو مصير الطغاة . أمّا نحن فقد كنّا ضالّين ومضلّين .
فنحن أضللناكم كما كنّا نحن أنفسنا ضالّين {فأغويناكم إنّا كنّا غاوين} .
بناء على ذلك ما الذي يثير العجب في أن نكون جميعاً شركاء في هذه المصائب وهذا العذاب ؟
وقوله تعالى : {فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (33) إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمجْرِمِينَ (34) إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا ءَالِهَتِنَا لِشَاعِر مَّجْنُون (36) بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ}
مصير أئمّة الضلال وأتباعهم :
الآيات السابقة بحثت موضوع التخاصم الذي يدور بين أئمّة الضلال وتابعيهم يوم القيامة قرب جهنّم . أمّا الآيات أعلاه فقد وضّحت ـ في موضع واحد ـ مصير المجموعتين . وشرحت أسباب تعاستهم بشكل يشخّص المرض ويصف الدواء الخاص لمعالجته .
ففي البداية تقول : إنّ التابع والمتبوع والإمام والمأموم مشتركون في ذلك اليوم بالعذاب الإلهي {فإنّهم يومئذ في العذاب مشتركون} .
وبالطبع فإنّ إشتراكهم في العذاب لا يمنع من وجود إختلاف في المكان الذي سيلقون به جهنّم . إضافةً إلى إختلاف نوع العذاب الإلهي . إذ من الطبيعي أنّ الذي يتسبّب في إنحراف الآلاف من البشر لا يتساوى عذابه مع فرد ضالّ عادي . وهذه الآية تشبه الآية (48) في سورة غافر والتي يقول فيها المستكبرون لضعفاء الإيمان بعد محاججة ومخاصمة تجري فيما بينهم : إنّنا جميعاً في جهنّم . لأنّ الله قد حكم بالعدل بين العباد { قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ} [غافر : 48] .
وهذه الآية لا تنافي الآية (13) من سورة العنكبوت . والتي يقول فيها الباري عزّوجلّ {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ } [العنكبوت : 13] أي إنّهم يحملون يوم القيامة أحمالهم الثقيلة . وأحمالا اُخرى اُضيفت إلى أحمالهم الثقيلة . وذلك أثر إغوائهم وإضلالهم للآخرين وتشجيعهم على إرتكاب الذنب .
وللتأكيد أكثر على تحقّق العذاب تقول الآية التي تلتها {إنّا كذلك نفعل بالمجرمين} إنّ هذه هي سنّتنا . السنّة المستمدّة من قانون العدالة .
ثمّ توضّح السبب الرئيسي الكامن وراء تعاسة اُولئك . وتقول : {إنّهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلاّ الله يستكبرون} .
نعم . إنّ التكبّر والغرور . وعدم الإنصياع للحقّ . والعمل بالعادات الخاطئة والتقاليد الباطلة بإصرار ولجاجة . والنظر إلى كلّ شيء بإستخفاف وإستحقار . تؤدّي جميعاً إلى إنحراف الإنسان .
فروح الإستكبار يقابلها الخضوع والإستسلام للحقّ والذي هو الإسلام الحقيقي . الإستكبار الذي هو أساس الظلام . فيما أنّ الخضوع والإستسلام هو أساس السعادة .
والذي يثير الإهتمام أنّ بعض آيات القرآن الكريم توضّح بصورة مباشرة العذاب الإلهي الذي سيعذّب به المستكبرون {فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ} [الأحقاف : 20] .
لكن هؤلاء برّروا إرتكابهم للذنوب الكبيرة بتبريرات أسوأ من ذنوبهم . كقولهم : هل نترك آلهتنا وأصنامنا من أجل شاعر مجنون {ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون} .
لقد أطلقوا على النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) كلمة (شاعر) لأنّ كلامه كان ينفذ إلى قلوبهم ويحرّك عواطفهم . فأحياناً كان يتكلّم إليهم بكلام يفوق أفضل الأشعار وزناً . في الوقت الذي لم يكن حديثه شعراً . وكانوا يعتبرونه (مجنوناً) لكونه لم يتلوّن بلون المحيط الذي يعيش فيه . ووقف موقفاً صلباً أمام العقائد الخرافية التي يعتقد بها المجتمع المتعصّب حينذاك . الموقف الذي اعتبره المجتمع الضالّ في ذاك الوقت نوع من الإنتحار الجنوني . في الوقت الذي كان أكبر فخر لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) . هو عدم إستسلامه للوضع السائد حينذاك .
وهنا تدخل القرآن لردّ إدّعاءاتهم التافهة والدفاع عن مقام الوحي ورسالة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) . عندما قال : {بل جاء بالحقّ وصدّق المرسلين} .
فمحتوى كتابه من جهة . وتوافق دعوته مع دعوات الأنبياء السابقين من جهة اُخرى . هي خير دليل على صدق حديثه .
__________
1- الامثل . ناصر مكارم الشيرازي . ج11 . ص242-248 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|