المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17761 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

Littlewood-Salem-Izumi Constant
20-4-2020
السيد محمد حسين ابن السيد بنده حسين ابن السيد محمد
28-1-2018
الكتلة الحيوية في الأرض
14-6-2016
Autonomous and arbitrary syntax
2024-08-05
النحت بواسطة الجليد
2024-10-09
سلطات الملاك المشتاعين على الشيء الشائع
2-8-2017


تفسير الأية (1-8) من سورة الكهف  
  
23928   06:19 مساءً   التاريخ: 25-8-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الكاف / سورة الكهف /

 

قال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5) فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6) إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا} [الكهف: 1 - 8]

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ الحمد لله } يقول الله سبحانه لخلقه قولوا كل الحمد والشكر لله { الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ} محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) { الكتاب } أي: القرآن وانتجبه من خلقه وخصه برسالته فبعثه نبيا رسولا { وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا } فيه تقديم وتأخير وتقديره الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا وعنى بقوله {  قَيِّمًا} معتدلا مستقيما مستويا لا تناقض فيه عن ابن عباس وقيل: قيما على سائر الكتب المتقدمة يصدقها ويحفظها وينفي البطل عنها وهو ناسخ لشرائعها عن الفراء وقيل قيما لأمور الدين يلزم الرجوع إليه فيها فهو كقيم الدار الذي يرجع إليه في أمرها عن أبي مسلم وقيل قيما دائما يدوم ويثبت إلى يوم القيامة لا ينسخ عن الأصم { وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا} أي: لم يجعله ملتبسا لا يفهم ومعوجا لا يستقيم وهو معنى قول ابن عباس وقيل لم يجعل فيه اختلافا كما قال عز وجل اسمه ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا عن الزجاج ومعنى العوج في الكلام أن يخرج من الصحة إلى الفساد ومن الحق إلى الباطل ومما فيه فائدة إلى ما لا فائدة فيه.

 ثم بين سبحانه الغرض في إنزاله فقال {  لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ} ومعناه ليخوف العبد الذي أنزل عليه الكتاب الناس عذابا شديدا ونكارا وسطوة من عند الله تعالى إن لم يؤمنوا به { وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا} معناه: وليبشر المصدقين بالله ورسوله الذين يعملون الطاعات بعد الإيمان أن لهم ثوابا حسنا في الآخرة على إيمانهم وطاعاتهم في الدنيا وذلك الثواب هو الجنة { مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا} أي: لابثين في ذلك الثواب خالدين مؤبدين لا ينتقلون عنه { وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} أي: وليحذر الكفار الذين قالوا الملائكة بنات الله وهم قريش عن الحسن ومحمد بن إسحاق وقيل هم اليهود والنصارى عن السدي والكلبي فعم جميع الكفار بالإنذار في الآية الأولى وخص في هذه الآية القائلين بهذه المقالة منهم لتقليدهم الآباء في ذلك ولإصرارهم على الجهل وقلة التفكر ولصدهم الناس عن الدين { مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ} أي: ليس لهؤلاء القائلين بهذا القول الشنيع علم به ولا لأسلافهم الذين مضوا قبلهم على مثل ما هم عليه اليوم وإنما يقولون ذلك عن جهل وتقليد من غير حجة وقيل معناه ليس لهم بالله من علم ولا لآبائهم.

 { كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} أي: عظمت الكلمة كلمة تخرج من أفواه هؤلاء الكفار ووصف الكلمة بالخروج من الأفواه توسعا ومجازا وإن كانت الكلمة عرضا لا يجوز عليها الدخول والخروج ولا الحركة والسكون ولكن لما كانت الكلمة قد تحفظ وتثبت وتوجد مكتوبة ومقروءة في غير الموضع الذي فعلت فيه وصفها بالخروج وذكر الأفواه تأكيدا والمعنى أنهم صرحوا بهذه الكلمة العظيمة في القبح وأظهروها { إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} أي: ما يقول هؤلاء إلا كذبا وافتراء على الله.

 { فلعلك } يا محمد { بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ} أي: مهلك وقاتل نفسك على آثار قومك الذين قالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا تمردا منهم على ربهم {  إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا} أي: إن لم يصدقوا { بِهَذَا الْحَدِيثِ} أي: بهذا القرآن الذي أنزل عليك { أسفا } أي: حزنا وتلهفا ووجدا بإدبارهم عنك وإعراضهم عن قبول ما آتيتهم به وقيل على آثارهم أي بعد موتهم لشدة شفقتك عليهم وقيل معناه من بعد توليهم وإعراضهم عنك وقيل أسفا أي: غيظا وغضبا عن ابن عباس وقتادة وهذه معاتبة من الله سبحانه لرسوله على شدة وجده وكثرة حرصه على إيمان قومه حتى بلغ ذلك به مبلغا يقربه إلى الهلاك .

ثم بين سبحانه أنه ابتدأ خلقه بالنعم وأن إليه مصير الأمم فقال {  إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ} من الأنهار والأشجار وأنواع المخلوقات من الجماد والحيوان والنبات {زينة لها} أي: حلية للأرض ولأهلها {  لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} لأي لنختبرهم ونمتحنهم والمعنى لنعامل عبادنا معاملة المبتلى وقد سبق ذكر أمثاله والأحسن عملا الأعمل بطاعة الله والأطوع له وقيل إن معنى الابتلاء الأمر والنهي لأن بهما يظهر المطيع من العاصي وقيل أراد بالزينة الرجال لأنهم زينة الأرض وقيل: أراد الأنبياء والعلماء { وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا} معناه: وإنا مخربون الأرض بعد عمارتها وجاعلون ما عليها مستويا من الأرض يابسا لا نبات عليه وقيل بلاقع عن مجاهد وفي قوله {  أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} دلالة على أنه سبحانه أراد من الخلق العمل الصالح وعلى أن أفعالهم الصادرة منهم حادثة من جهتهم ولولا ذلك لما صح الابتلاء وفي ذلك بطلان قول أهل الجبر .

______________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج6،ص309-311.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ } - محمد - « الْكِتابَ ولَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً » - أي بل جعله مستقيما - « لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ ويُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً } أي خالدين في ذلك الأجر ، وهو الجنة لا ينتقلون عنها بحال . .

ذكر سبحانه القرآن في العديد من آياته ، ووصفه بالحق والهدى والنور ، وهنا وصفه بالاستقامة وعدم الاعوجاج ، وانه يبشر الصالحين والمصلحين بالثواب والنعيم الدائم ، وينذر الفاسدين والمفسدين بالعذاب والجحيم الخالد ، والغرض من ذلك ان يبين سبحانه انه انزل القرآن لنسير على منهجه ، لا لنحفظ آياته وكلماته ،

ونحسن تجويدها وتفسيرها فقط ، كما هو شأننا . . قال الرسول الأعظم ( صلى الله عليه واله وسلم ) ، ونحن المعنيون بما قال : « يأتي على الناس زمان لا يبقى من الايمان الا رسمه ، ولا من القرآن الا درسه » . واقسم ما قرأت هذا الوعيد والتهديد من نبي الرحمة الا اقشعر جسمي . . واي تهديد ووعيد أعظم من أن نكون المقصودين بهذا الوصف ؟ . . لا شيء فينا من الايمان الا الاسم ، ومن الإسلام الا الرسم ، ومن القرآن الا الدرس . لقد طعن في القرآن من طعن ، وكفروا به من الأساس ، وآمنا به نحن ، ولكن خالفنا أحكامه وتعاليمه جهارا نهارا . . والفرق بيننا وبين من طعن وجحد تماما كالفرق بين يقول : انا لا أرى هذا حقا ، ولو علمته حقا لعملت به ، وبين من قال : اما انا فاعتقد انه الحق الذي لا ريب فيه ، ومع ذلك لا التزم به ولا احترمه .

{ ويُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ ولا لآبائِهِمْ } . وينذر الذين معطوف على لينذر بأسا شديدا ، والانذار الأول عام لكل من عصى واستحق العقاب ، والانذار الثاني خاص بمن نسب الولد إلى اللَّه تعالى علوا كبيرا ، وكثيرا ما يعطف الخاص على العام للتنبيه على أن الفرد المعطوف أفضل من بقية الافراد ، مثل الملائكة وجبريل ، أو أقبح مثل العاصين والقائلين ان للَّه ولدا . .

لان هذا القول أقبح أنواع المعصية . قال الرازي : الذين قالوا هذا ثلاث طوائف « الأولى كفار العرب الذين قالوا : الملائكة بنات اللَّه . والثانية النصارى الذين قالوا المسيح ابن اللَّه . الثالثة اليهود الذين قالوا : العزير ابن اللَّه » . والمراد بقوله : ما لهم به من علم أنهم لا يعتمدون في هذا القول على دليل ، بل قام الدليل على العكس ، اما قوله : ولا لآبائهم فهو مبالغة في الذم ، تماما كما تقول : جاهل ابن جاهل ، وملعون ابن ملعون .

{ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً } . لا شيء أعظم من الكذب ، وأعظمه الكذب على اللَّه ، ونسبة التحليل والتحريم إليه من غير دليل ، وأعظم الكذب عليه نسبة الولد إليه .

{ فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً } . على آثارهم أي على بعدهم وإعراضهم ، والمراد بالحديث هنا القرآن بالاتفاق ، وفي وصف القرآن بالحديث دليل على فساد قول من قال : ان القرآن قديم . . وما من شك أن النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) يريد الخير والهداية لكل انسان بلا استثناء ، تماما كما تريدها أنت لولدك ، وأريدها أنا لولدي . . وكان النبي يتألم ويحزن إذا سلك سالك سبيل الهلاك والضلال ، كما يتألم الوالد لهلاك ولده . . وفي هذه الآية عاتب اللَّه سبحانه نبيه الكريم على وجده وحسرته المهلكة من أجل اعراض من أعرض عن الهداية واتباع الحق ، وقال له : لا تحزن عليهم . . ان إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم .

{ إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } . الزينة تعم الجاه والمال والأولاد ، وكل ما يتهالك عليه الناس ، ويتطاحنون من أجله . .

وهذه المغريات هي المحك الذي يميز الخبيث من الطيب ، فمن قنع منها بنصيبه ، وعاش بكده وجده فهو طيب كريم ، ومن حاول أن يحتكر كل شيء لنفسه ، ويعيش على حساب غيره بكل طريق ، ولو بإثارة الحروب والفتن فهو معتد أثيم ، ومعنى ابتلاء اللَّه الناس بزينة الأرض أن تظهر بسببها وتبرز إلى الوجود أفعالهم وأعمالهم التي يستحقون بها الثواب والعقاب . وتكلمنا عن ذلك مفصلا عند تفسير الآية 94 من المائدة ، فقرة معنى الاختبار من اللَّه ج 3 ص 126 .

{ وإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً } . ضمير عليها يعود للأرض ، والصعيد التراب ، والجرز الأرض التي لا تنبت شيئا ، والمعنى كل من عليها فان ، والسعيد من أطاع اللَّه ، والشقي من انخدع لهواه .

_____________

1- التفسير الكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص 101-103.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

السورة تتضمن الدعوة إلى الاعتقاد الحق و العمل الصالح بالإنذار و التبشير كما يلوح إليه ما افتتحت به من الآيتين و ما اختتمت به من قوله تعالى:{ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}.

وفيها مع ذلك عناية بالغة بنفي الولد كما يدل على ذلك تخصيص إنذار القائلين بالولد بالذكر ثانيا بعد ذكر مطلق الإنذار أولا أعني وقوع قوله:{ وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} بعد قوله:{ لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ}.

فوجه الكلام فيها إلى الوثنيين القائلين ببنوة الملائكة والجن والمصلحين من البشر والنصارى القائلين ببنوة المسيح (عليه السلام) ولعل اليهود يشاركونهم فيه حيث يذكر القرآن عنهم أنهم قالوا: عزير ابن الله.

وغير بعيد أن يقال إن الغرض من نزول السورة ذكر القصص الثلاث العجيبة التي لم تذكر في القرآن الكريم إلا في هذه السورة وهي قصة أصحاب الكهف وقصة موسى وفتاه في مسيرهما إلى مجمع البحرين وقصة ذي القرنين ثم استفيد منها ما استفرغ في السورة من الكلام في نفي الشريك والحث على تقوى الله سبحانه.

والسورة مكية على ما يستفاد من سياق آياتها وقد استثني منها قوله:{ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} الآية وسيجيء ما فيه من الكلام.

قوله تعالى:{ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا قَيّما} العوج بفتح العين وكسرها الانحراف، قال في المجمع،: العوج بالفتح فيما يرى كالقناة والخشبة وبالكسر فيما لا يرى شخصا قائما كالدين والكلام. انتهى.

ولعل المراد بما يرى وما لا يرى ما يسهل رؤيته وما يشكل كما ذكره الراغب في المفردات، بقوله: العوج - بالفتح - يقال فيما يدرك بالبصر سهلا كالخشب المنتصب ونحوه والعوج - بالكسر - يقال فيما يدرك بالفكر والبصيرة كما يكون في أرض بسيط يعرف تفاوته بالبصيرة وكالدين والمعاش انتهى.

فلا يرد عليه ما في قوله تعالى:{لا ترى فيها عوجا - بكسر العين - ولا أمتا}: طه: 107 فافهم.

وقد افتتح تعالى الكلام في السورة بالثناء على نفسه بما نزل على عبده قرآنا لا انحراف فيه عن الحق بوجه وهو قيم على مصالح عباده في حياتهم الدنيا والآخرة فله كل الحمد فيما يترتب على نزوله من الخيرات والبركات من يوم نزل إلى يوم القيامة فلا ينبغي أن يرتاب الباحث الناقد أن ما في المجتمع البشري من الصلاح والسداد من بركات ما بثه الأنبياء الكرام من الدعوة إلى القول الحق والخلق الحسن والعمل الصالح وأن ما يمتاز به عصر القرآن في قرونه الأربعة عشر عما تقدمه من الأعصار من رقي المجتمع البشري وتقدمه في علم نافع أوعمل صالح للقرآن فيه أثره الخاص وللدعوة النبوية فيه أياديها الجميلة فلله في ذلك الحمد كله.

ومن هنا يظهر أن قول بعضهم في تفسير الآية: يعني قولوا الحمد لله الذي نزل{إلخ} ليس على ما ينبغي.

وقوله:{ولم يجعل له عوجا} الضمير للكتاب والجملة حال عن الكتاب وقوله:{قيما} حال بعد حال على ما يفيده السياق فإنه تعالى في مقام حمد نفسه من جهة تنزيله كتابا موصوفا بأنه لا عوج له وأنه قيم على مصالح المجتمع البشري فالعناية متعلقة بالوصفين موزعة بينهما على السواء وهو مفاد كونهما حالين من الكتاب.

وقيل إن جملة{ولم يجعل له عوجا} معطوفة على الصلة و{قيما} حال من ضمير{له} والمعنى والذي لم يجعل للكتاب حال كونه قيما عوجا أو أن{قيما} منصوب بمقدر، والمعنى: والذي لم يجعل له عوجا وجعله قيما، ولازم الوجهين انقسام العناية بين أصل النزول وبين كون الكتاب قيما لا عوج له.

وقد عرفت أنه خلاف ما يستفاد من السياق.

وقيل: إن في الآية تقديما وتأخيرا، والتقدير نزل الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا وهو أردأ الوجوه.

وقد قدم نفي العوج على إثبات القيمومة لأن الأول كمال الكتاب في نفسه والثاني تكميله لغيره والكمال مقدم طبعا على التكميل.

ووقوع{عوجا} وهو نكرة في سياق النفي يفيد العموم فالقرآن مستقيم في جميع جهاته فصيح في لفظه، بليغ في معناه، مصيب في هدايته، حي في حججه وبراهينه، ناصح في أمره ونهيه، صادق فيما يقصه من قصصه وأخباره، فاصل فيما يقضي به محفوظ من مخالطة الشياطين، لا اختلاف فيه، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

والقيم هو الذي يقوم بمصلحة الشيء وتدبير أمره كقيم الدار وهو القائم بمصالحها ويرجع إليه في أمورها، والكتاب إنما يكون قيما بما يشتمل عليه من المعاني، والذي يتضمنه القرآن هو الاعتقاد الحق والعمل الصالح كما قال تعالى:{ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ}: الأحقاف: 30، وهذا هو الدين وقد وصف تعالى دينه في مواضع من كتابه بأنه قيم قال:{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ}: الروم: 43 وعلى هذا فتوصيف الكتاب بالقيم لما يتضمنه من الدين القيم على مصالح العالم الإنساني في دنياهم وأخراهم.

وربما عكس الأمر فأخذ القيمومة وصفا للكتاب ثم للدين من جهته كما في قوله تعالى:{ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}: البينة: 5 فالظاهر أن معناه دين الكتب القيمة وهو نوع تجوز.

وقيل: المراد بالقيم المستقيم المعتدل الذي لا إفراط فيه ولا تفريط، وقيل: القيم المدبر لسائر الكتب السماوية يصدقها ويحفظها وينسخ شرائعها وتعقيب الكلمة بقوله:{ لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ} إلخ يؤيد ما قدمناه.

قوله تعالى:{ لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ} الآية أي لينذر الكافرين عذابا شديدا صادرا من عند الله كذا قيل والظاهر بقرينة تقييد المؤمنين المبشرين بقوله:{الذين يعملون الصالحات} إن التقدير لينذر الذين لا يعملون الصالحات أعم ممن لا يؤمن أصلا أو يؤمن ويفسق في عمله.

والجملة على أي حال بيان لتنزيله الكتاب على عبده مستقيما قيما إذ لو لا استقامته في نفسه وقيمومته على غيره لم يستقم إنذار ولا تبشير وهو ظاهر.

والمراد بالأجر الحسن الجنة بقرينة قوله في الآية التالية:{ماكثين فيه أبدا} والمعنى ظاهر.

قوله تعالى:{ وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} وهم عامة الوثنيين القائلين بأن الملائكة أبناء أوبنات له وربما قالوا بذلك في الجن والمصلحين من البشر والنصارى القائلين بأن المسيح ابن الله وقد نسب القرآن إلى اليهود أنهم قالوا: عزير ابن الله.

وذكر إنذارهم خاصة ثانيا بعد ذكره على وجه العموم أولا بقوله:{ لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ} لمزيد الاهتمام بشأنهم.

قوله تعالى:{ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} كانت عامتهم يريدون بقولهم: اتخذ الله ولدا حقيقة التوليد كما يدل عليه قوله{ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ }: الأنعام: 101.

وقد رد سبحانه قولهم عليهم أولا بأنه قول منهم جهلا بغير علم وثانيا بقوله في آخر الآية:{ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا}.

وكان قوله:{ما لهم به من علم} شاملا لهم جميعا من آباء وأبناء لكنهم لما كانوا يحيلون العلم به إلى آبائهم قائلين إن هذه ملة آبائنا وهم أعلم منا وليس لنا إلا أن نتبعهم ونقتدي بهم فرق تعالى بينهم وبين آبائهم فنفى العلم عنهم أولا وعن آبائهم الذين كانوا يركنون إليهم ثانيا ليكون إبطالا لقولهم ولحجتهم جميعا.

وقوله:{ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} ذم لهم وإعظام لقولهم: اتخذ الله ولدا لما فيه من عظيم الاجتراء على الله سبحانه بنسبة الشريك والتجسم والتركب والحاجة إلى المعين والخليفة إليه، تعالى عن ذلك علوا كبيرا.

وربما وقع في كلام أوائلهم إطلاق الابن على بعض خلقه بعناية التشريف للدلالة على قربه منه واختصاصه به نظير قول اليهود فيما حكاه القرآن: عزير ابن الله، وقولهم: نحن أبناء الله وأحباؤه، وكذا وقع في كلام عدة من قدمائهم إطلاق الابن على بعض الخلق الأول بعناية صدوره منه كما يصدر الابن عن الأب وإطلاق الزوج والصاحبة على وسائط الصدور والإيجاد كما أن زوج الرجل واسطة لصدور الولد منه فأطلق على بعض الملائكة من الخلق الأول الزوج وعلى بعض آخر منهم الابن أوالبنت.

وهذان الإطلاقان وإن لم يشتملا على مثل ما اشتمل عليه الإطلاق الأول لكونهما من التجوز بعناية التشريف ونحوه لكنهما ممنوعان شرعا وكفى ملاكا لحرمتهما سوقهما وسوق أمثالهما عامة الناس إلى الشقاء الدائم والهلاك الخالد.

قوله تعالى:{ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} البخوع والبخع القتل والإهلاك والآثار علائم أقدام المارة على الأرض، والأسف شدة الحزن والمراد بهذا الحديث القرآن.

والآية واللتان بعدها في مقام تعزية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتسليته وتطييب نفسه والفاء لتفريع الكلام على كفرهم وجحدهم بآيات الله المفهوم من الآيات السابقة والمعنى يرجى منك أن تهلك نفسك بعد إعراضهم عن القرآن وانصرافهم عنك من شدة الحزن، وقد دل على إعراضهم وتوليهم بقوله: على آثارهم وهو من الاستعارة.

قوله تعالى:{ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} إلى آخر الآيتين الزينة الأمر الجميل الذي ينضم إلى الشيء فيفيده جمالا يرغب إليه لأجله والصعيد ظهر الأرض والجرز على ما في المجمع، الأرض التي لا تنبت كأنها تأكل النبت أكلا.

ولقد أتى في الآيتين ببيان عجيب في حقيقة حياة الإنسان الأرضية وهو أن النفوس الإنسانية - وهي في أصل جوهرها علوية شريفة - ما كانت لتميل إلى الأرض والحياة عليها وقد قدر الله أن يكون كمالها وسعادتها الخالدة بالاعتقاد الحق والعمل الصالح فاحتالت العناية الإلهية إلى توقيفها موقف الاعتقاد والعمل وإيصالها إلى محك التصفية والتطهير وإسكانها الأرض إلى أجل معلوم بإلقاء التعلق والارتباط بينها وبين ما على الأرض من أمتعة الحياة من مال وولد وجاه وتحبيبه إلى قلوبهم فكان ما على الأرض وهو جميل عندهم محبوب في أنفسهم زينة للأرض وحلية تتحلى بها لكونه عليها فتعلقت نفوسهم على الأرض بسببه واطمأنت إليها.

فإذا انقضى الأجل الذي أجله الله تعالى لمكثهم في الأرض بتحقق ما أراده من البلاء والامتحان سلب الله ما بينهم وبين ما على الأرض من التعلق ومحى ما له من الجمال والزينة وصار كالصعيد الجرز الذي لا نبت فيه ولا نضارة عليه ونودي فيهم بالرحيل وهم فرادى كما خلقهم الله تعالى أول مرة.

وهذه سنة الله تعالى في خلق الإنسان وإسكانه الأرض وتزيينه ما عليها له ليمتحنه بذلك ويتميز به أهل السعادة من غيرهم فيأتي سبحانه بالجيل بعد الجيل والفرد بعد الفرد فيزين له ما على وجه الأرض من أمتعة الحياة ثم يخليه واختياره ليختبرهم بذلك ثم إذا تم الاختبار قطع ما بينه وبين زخارف الدنيا المزينة ونقله من دار العمل إلى دار الجزاء قال تعالى:{ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ - إلى أن قال - وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ}: الأنعام: 94.

فمحصل معنى الآية لا تتحرج ولا تأسف عليهم إذ أعرضوا عن دعوتك بالإنذار والتبشير واشتغلوا بالتمتع من أمتعة الحياة فما هم بسابقين ولا معجزين وإنما حقيقة حياتهم هذه نوع تسخير إلهي أسكناهم الأرض ثم جعلنا ما على الأرض زينة يفتتن الناظر إليها لتتعلق به نفوسهم فنبلوهم أيهم أحسن عملا وإنا لجاعلون هذا الذي زين لهم بعينه كالصعيد الجرز الذي ليس فيه نبت ولا شيء مما يرغب فيه النفس فالله سبحانه لم يشأ منهم الإيمان جميعا حتى يكون مغلوبا بكفرهم بالكتاب وتماديهم في الضلال وتبخع أنت نفسك على آثارهم أسفا وإنما أراد بهم الابتلاء والامتحان وهو سبحانه الغالب فيما شاء وأراد.

وقد ظهر بما تقدم أن قوله:{ وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا} من الاستعارة بالكناية، والمراد به قطع رابطة التعلق بين الإنسان وبين أمتعة الحياة الدنيا مما على الأرض.

وربما قيل: إن المراد به حقيقة معنى الصعيد الجرز، والمعنى أنا سنعيد ما على الأرض من زينة ترابا مستويا بالأرض، ونجعله صعيدا أملس لا نبات فيه ولا شيء عليه.

وقوله:{ما عليها} من قبيل وضع الظاهر موضع المضمر وكان من طبع الكلام أن يقال: وإنا لجاعلوه، ولعل النكتة مزيد العناية بوصف كونه على الأرض.

_______________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج13،ص191-196.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

البداية باسم الله، والقرآن:

تبدأ سورة الكهف ـ كما في بعض السور الأُخرى ـ بحمد الله، وبما أنَّ الحمد يكون لأجل عمل أو صفة معينة مهمّة ومطلوبة، لذا فإِنَّ الحمد هُنا لأجل نزول القرآن الخالي مِن كل اعوجاج، فتقول الآية: { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا}.

هذا الكتاب هو كتاب ثابت ومحكم ومعتدل ومستقيم، وهو يحفظ المجتمع الإِنساني ويحمي سائر الكتب السماوية.

(قيماً) ويُنذر الظالمين مِن عذاب شديد: { لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ}. وفي نفس الوقت فهو: { وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا}. وهؤلاء في نعيمهم { مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا}.

ثمّ تشير الآيات إِلى واحدة مِن انحرافات المعارضين، سواء كانوا نصارى أو يهود أو مشركين، حيثُ تنذرهم هذا الأمر فتقول: { وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} فهي تحذر النصارى بسبب اعتقادهم بأنَّ المسيح ابن الله، وتحذر اليهود لأنّهم اعتقدوا بأنَّ عزير ابن الله، وتحذَّر المشركين لِظَّنهم بأنَّ الملائكة بنات الله.

ثمّ تشير الآيات إِلى أصل أساسي في إِبطال هذه الإِدعاءات الفارغة فتقول: إِنَّ هؤلاء لا علم لهم ولا يقين بهذا الكلام، وإِنّما هم مُقلدون فيه للآباء، وإِنَّ آباءهم على شاكلتهم في الجهل وعدم العلم: { مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ}. بل: ولد؟ أو أن يحتاج إِلى الصفات المادية وأن يكون محدوداً ... إِنَّهُ كلام رهيب، ومثل هؤلاء الذين يتفوهون به لا ينطقون إِلاَّ كَذِباً: { إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا}.

العالم ساحة اختبار:

الآيات السابقة كانت تتحدَّث عن الرسالة وقيادة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، لذا فإِنَّ أوّل آية نبحثها الآن، تُشير إِلى أحد أهم شروط القيادة، ألا وهي الإِشفاق على الأُمّة فتقول: { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا}.

وهُنا يجب الإِنتباه إِلى بعض الملاحظات:

أوّلاً: «باخع» مِن «بخع» على وزن، «نَخَلَ» وهي بمعنى إِهلاك النفس مِن شدّة الحزن والغم.

ثانياً: كلمة «أسفاً» والتي تبيّن شدّة الحزن والغم، هي تأكيد على هذا الموضوع.

ثالثاً: «آثار» جمع «أثر» وهي في الأصل تعني محل موضع القدم، إِلاَّ أنَّ أي

علامة تدل على شيء معين تُسَمّى أثراً.

إِنَّ الإِستفادة مِن هذا التعبير في الآيات أعلاه تشير إِلى ملاحظة لطيفة، وهي أنَّ الإِنسان قد يُغادر في بعض الأحيان مكاناً ما، ولكنَّ آثاره ستبقى بعده، وتزول إِذا طالَ زمن المغادرة. فالآية تريد أن تقول: أنّك على قدر مِن الحزن والغم ولعدم إِيمانهم بحيث تريد أن تُهلك نفسك مِن شدّة الحزن قبل أن تُمحى آثارهم.

ويُحتمل أن يكون الغرض مِن الآثار أعمالهم وتصرفاتهم.

رابعاً: استخدام كلمة (حديث) للتعبير عن القرآن، هو إِشارة إِلى ما ورد من معارف جديدة في هذا الكتاب السماوي الكبير، يعني أنَّ هؤلاء لم يُفكروا في أن يستفيدوا ويبحثوا في هذا الكتاب الجديد ذي المحتويات المستجدَّة. وهذا دليل على عدم المعرفة، بحيث أنَّ الإِنسان بقدر قُربه مِن هذا الكتاب، إِلاَّ أنَّهُ لا يلتفت إِليه.

خامساً: صفة الإِشفاق لدى القادة الإِلهيين.

نستفيد مِن الآيات القرآنية وتأريخ النبوات، أنَّ القادة الإِلهيين كانوا يتألمون أكثر ممّا نتصور لضلال الناس، وكانوا يريدون لهم الإِيمان والهداية. ويألمون عندما يُشاهدون العطاشى جالسين بجوار النبع الصافي، ويأنون مِن شدّة العطش، الأنبياء يبكون لهم ويجهدون أنفسهم ليلا ونهاراً، ويبلغون سرّاً وجهاراً، ويُنادون في المجتمع مِن أجل هداية الناس. إِنّهم يألمون بسبب ترك الناس للطريق الواضح الى الطرق المسدودة، هذا الألم يكاد يوصلهم في بعضِ الأحيان إِلى حدِّ الموت. ولو لم يكن القادة بهذه الدرجة مِن الإِهتمام لما انطبق عليهم المفهوم العميق للقائد.

وبالنسبة لرسول الهدى(صلى الله عليه وآله وسلم) كانت تصل به حالة الحزن والشفقة إِلى مرحلة خطرة على حياته بحيث أنَّ الله تبارك وتعالى يُسلّيه.

فى سورة الشعراء نقرأ في الآيتين (3 ، 4) قوله تعالى {لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين إِن نشأ ننزل عليهم مِن السماء آية فظلَّت أعناقهم لها خاضعين}.

الآية التي بعدها تجسِّد وضع هذا العالم وتكشف عن أنَّهُ ساحة للإِختبار والتمحيص والبلاء، وتوضح الخط الذي ينبغي أن يسلكهُ الإِنسان: { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا}.

لقد ملأنا العالم بأنواع الزينة، بحيث أنَّ كلَّ جانب فيه يُذهب بالقلب، ويحيّر الأبصار، و يشير الدوافع الداخلية في الإِنسان، كيما يتسنى امتحانه في ظل هذه الإِحساسات والمشاعر ووسط أنواع الزينة وأشكالها، لِتظهر قدرته الإِيمانية، ومؤهلاته المعنوية.

لذلك تضيف الآية مُباشرة قوله تعالى: { لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}.

أراد بعض المفسّرين حصر معنى (ما على الأرض) بالعلماء أو بالرجال فقط، ويقولوا: إِنَّ هؤلاء هم زينة الأرض، في حين أنَّ لِهذه الكلمة مفهوماً واسعاً يشمل كل الموجودات على الكرة الأرضية.

والظّريف هنا استخدام الآية لِتعبير {أحسن عملا} وليسَ {أكثر عملا} وهي إِشارة إِلى أنَّ حُسن العمل وكيفيته العالية هما اللذان يحدِّدان قيمته عندَ ربّ العالمين، وليسَ كثرة العمل أو كميته.

على أي حال فإِنَّ هُنا إِنذار لكل الناس، لكل المسلمين كي لا ينخدعوا في ساحة الإِختبار بزينة الحياة الدنيا، وبدلا مِن ذلك عليهم أن يُفكروا بتحسين أعمالهم.

ثمّ يبيّن تعالى أنَّ أشياء الحياة الدنيا ليست ثابتة ولا دائمة، بل مصيرها إِلى المحوِ والزوال: { وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا}.

«صعيد» مُشتقّة مِن «صعود» وهي هُنا تعني وجه الأرض، الوجه الذي يتّضح فيه التراب.

_______________

1- تفسير الامثل ،ناصر مكارم الشيرازي،ج7،ص448-455.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .