أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-8-2020
23922
التاريخ: 4-8-2020
14439
التاريخ: 4-8-2020
21191
التاريخ: 9-8-2020
7241
|
قال تعالى : {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [النور : 61].
لما تقدم ذكر الاستيذان، عقبه سبحانه بذكر رفع الحرج عن المؤمنين في الانبساط بالأكل والشرب، فقال : {ليس على الأعمى حرج} الذي كف بصره {ولا على الأعرج} الذي يعرج من رجليه، أو أحدهما {حرج ولا على المريض} العليل {حرج} أي : إثم. واختلف في تأويله على وجوه أحدها : إن المعنى ليس عليكم في مؤاكلتهم حرج، لأنهم كانوا يتحرجون من ذلك، ويقولون : إن الأعمى لا يبصر فنأكل جيد الطعام دونه. والأعرج لا يتمكن من الجلوس. والمريض يضعف عن الأكل، عن ابن عباس، والفراء. وثانيها : إن المسلمين كانوا إذا غزوا، خلفوا زمناهم، وكانوا يدفعون إليهم مفاتيح أبوابهم، ويقولون : قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا، فكان أولئك يتحرجون من ذلك، ويقولون : لا ندخلها وهم غيب. فنفى الله سبحانه الحرج عن الزمنى في أكلهم من بيت أقاربهم، أو من بيت من يدفع إليهم المفتاح إذا خرج للغزو، عن سعيد بن المسيب، والزهري. وثالثها : إن المعنى ليس على الأعمى والأعرج والمريض ضيق، ولا إثم، في ترك الجهاد، والتخلف عنه، ويكون قوله : {ولا على أنفسكم} كلاما مستأنفا. فأول الكلام في الجهاد، وآخره في الأكل، عن ابن زيد، والحسن، والجبائي. ورابعها : إن العمي والعرج والمرضى، كانوا يتنزهون عن مؤاكلة الأصحاء، لأن الناس كانوا يتقذرون منهم، ويكرهون مؤاكلتهم، وكان أهل المدينة لا يخالطهم في طعام أعمى، ولا أعرج، ولا مريض، عن سعيد بن جبير، والضحاك. وخامسها : إن الزمنى والمرضى، رخص الله سبحانه لهم في الأكل من بيوت من سماهم في الآية، وذلك أن قوما من أصحاب .
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانوا إذا لم يكن عندهم ما يطعمونهم، ذهبوا بهم إلى بيوت آبائهم، وأمهاتهم، وقراباتهم، فكان أهل الزمانة يتحرجون من أن يطعموا ذلك الطعام، لأنه يطعمهم غير مالكيه، عن مجاهد.
{ولا على أنفسكم} أي : وليس عليكم حرج في أنفسكم {أن تأكلوا من بيوتكم} أي : بيوت عيالكم، وأزواجكم، وبيت المرأة كبيت الزوج. وقيل : معناه من بيوت أولادكم. فنسب بيوت الأولاد إلى الآباء، لأن الأولاد كسبهم وأموالهم كأموالهم. ويدل عليه قوله صلى الله عليه وآله وسلم : " أنت ومالك لأبيك ". وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : " إن أطيب ما يأكل المؤمن كسبه، وإن ولده من كسبه " ولذلك لم يذكر الله بيوت الأبناء حين ذكر بيوت الآباء والأقارب اكتفاء بهذا الذكر.
ثم ذكر بيوت الأقارب بعد الأولاد فقال : {أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم} إلى قوله {أو بيوت خالاتكم}. وهذه الرخصة في أكل مات القرابات، وهم لا يعلمون ذلك، كالرخصة لمن دخل حائطا، وهو جائع أن يصيب من ثمره، أو مر في سفره بغنم، وهو عطشان، أن يشرب من رسله (2)، توسعة منه على عباده، ولطفا لهم، ورغبة بهم عن دناءة الأخلاق، وضيق العطن. وقال الجبائي : إن الآية منسوخة بقوله : {لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه} وبقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم. " لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفس منه ". والمروي عن أئمة الهدى، صلوات الله عليهم، أنهم قالوا : لا بأس بالأكل لهؤلاء من بيوت من ذكر الله تعالى بغير إذنهم، قدر حاجتهم من غير إسراف. وقوله : {أو ما ملكتم مفاتحه} معناه : أو بيوت عبيدكم ومماليككم، وذلك أن السيد يملك منزل عبده.
والمفاتح هنا : الخزائن، لقوله : {وعنده مفاتح الغيب} : وقيل : هي التي يفتح الغيب بها، عن ابن عباس قال : عنى بذلك وكيل الرجل، وقيمه في ضيعته وماشيته، فلا بأس عليه أن يأكل من ثمر حائطه، ويشرب من لبن ماشيته. وقيل : إذا ملك الرجل المفتاح فهو خازن، فلا بأس أن يطعم الشئ اليسير، عن عكرمة. وقيل :
هو الرجل يولى طعام غيره، يقوم عليه، فلا بأس أن يأكل منه، عن السدي {أو صديقكم} رفع الحرج عن الأكل من بيت صديقه بغير إذن، إذا كان عالما بأنه تطيب نفسه بذلك. والصديق : هو الذي صدقك عن مودته. وقيل : هو الذي يوافق باطنه باطنك، كما وافق ظاهره ظاهرك. ولفظ الصديق يقع على الواحد، وعلى الجمع، .
قال جرير:
دعون الهوى، ثم ارتمين قلوبنا * بأسهم أعداء، وهن صديق
وقال الحسن، وقتادة : يجوز دخول الرجل بيت صديقه، والتحرم بطعامه من غير استئذان منه في الأكل. وقال أبو عبد الله عليه السلام : لهو والله الرجل يأتي بيت صديقه، فيأكل طعامه بغير إذنه. وروي أن صديقا للربيع بن خيثم، دخل منزله، وأكل من طعامه. فلما عاد الربيع إلى المنزل أخبرته جاريته بذلك، فقال : إن كنت صادقة فأنت حرة. {ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا} أي : مجتمعين، أو متفرقين. وذكر في تأويله وجوه أحدها : إن حيا من كنانة كان الرجل منهم لا يأكل وحده، فإن لم يجد من يؤاكله لم يأكل شيئا. وربما كانت معه الإبل الحفل (3) فلا يشرب من ألبانها حتى يجد من يشاربه. فأعلم الله سبحانه أن الرجل منهم إن أكل وحده فلا إثم عليه، عن قتادة، والضحاك، وابن جريج. وثانيها : إن معناه لا بأس بأن يأكل الغني مع الفقير في بيته، فإن الغني كان يدخل على الفقير من ذوي قرابته، أو صداقته، فيدعوه إلى طعامه، فيتحرج، عن ابن عباس. وثالثها : إنهم كانوا إذا نزل بهم ضيف، تحرجوا أن يأكلوا إلا معه، فأباح الله سبحانه الأكل على الانفراد، وعلى الاجتماع، عن أبي صالح. والأقوال متقاربة، والأولى الحمل على العموم.
{فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم} أي : ليسلم بعضكم على بعض، عن الحسن، فيكون كقوله : {ان اقتلوا أنفسكم}. وقيل : معناه فسلموا على أهليكم وعيالكم، عن جابر وقتادة والزهري والضحاك. وقيل : معناه فإذا دخلتم بيوتا يعني المساجد، فسلموا على من فيها، عن ابن عباس. والأولى حمله على العموم. وقال إبراهيم : إذا دخلت بيتا ليس فيه أحد، فقل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. وقال أبو عبد الله عليه السلام : هو تسليم الرجل على أهل البيت، حين يدخل، ثم يردون عليه، فهو سلامكم على أنفسكم.
{تحية من عند الله} أي : هذه تحية حياكم الله بها، عن ابن عباس. وقيل:
معناه علمها الله، وشرعها لكم، فإنهم كانوا يقولون : عم صباحا. ثم وصف التحية فقال : {مباركة طيبة} أي : إذا ألزمتموها كثر خيركم وطاب أجركم. وقيل : مؤبدة حسنة جميلة، عن ابن عباس. وقيل : إنما قال : مباركة، لأن معنى السلام عليكم .
حفظكم الله وسلمكم الله من الآفات، فهو دعاء بالسلامة من آفات الدنيا والآخرة.
وقال : طيبة لما فيها من طيب العيش بالتواصل. وقيل : لما فيها من الأجر الجزيل، والثواب العظيم {كذلك} أي : كما بين لكم هذه الأحكام، والآداب {يبين الله لكم الآيات} أي : الأدلة على جميع ما يتعبدكم به {لعلكم تعقلون} أي : لتعقلوا معالم دينكم.
__________________
1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي ،ج7،ص272-274.
2- الرسل : اللبن.
3- التحفيل : أن لا تحلب الناقة أياما ليجتمع اللبن في ضرعها. وحفل : جمع جافل : الممتلئة الضروع.
المخاطب في قوله تعالى : { مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ } من كان له السلطة على المال بالولاية أو الوصاية أو الوكالة . وقوله : { فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ } أي ليسلم بعضكم على بعض ، والمعنى الظاهر من الآية أن لا بأس على الأعمى والأعرج والمريض ولا على غيرهم أن يأكلوا دون أن يستأذنوا من بيوتهم وبيوت أقاربهم المذكورين مجتمعين مع أصحاب البيوت أو غير مجتمعين . وأيضا لا بأس أن يأكل بالمعروف الوكيل وأمثاله من المال الموكل به ، وكذا للصديق أن يأكل من بيت صديقه ، فكل واحد من هذه الأصناف له أن يأكل من هذه البيوت شريطة أن لا يعلم بعدم الرضا من أصحابها . . وقال كثير من الفقهاء : انه يتناول شيئا من الفاكهة أو الخضار أو الطعام المعتاد الذي أعد للغداء أو العشاء أو الفطور دون الشيء العزيز الذي يدخر لحالات خاصة .
وتسأل : ان قوله تعالى : { ولا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ } يدل على أن للإنسان أن يأكل من بيته دون ان يستأذن من نفسه ، وهذا كلام غير مستقيم ؟
الجواب : ان المراد من بيوتكم بيوت أزواجكم وأولادكم على حذف مضاف لقوله تعالى : {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [الشورى : 11] . وفي الحديث :
ان أطيب ما يأكل المرء كسبه ، وان ولده من كسبه . وفي حديث آخر : أنت ومالك لأبيك . فصح اطلاق النفس على الزوج والزوجة لأن كلا من الآخر ، وعلى الولد لأنه من والده ولوالده .
سؤال ثان : لما ذا خص سبحانه بالذكر الأعمى والأعرج والمريض مع العلم بأنهم يدخلون في قوله : { عَلى أَنْفُسِكُمْ } لأن المخاطب جميع المكلفين ، ولا أحد يتوهم ان السلامة من العمى والعرج والمرض شرط لجواز الأكل كي ينبه إلى خطئه وتوهمه ؟ .
وتعددت الأقوال في الجواب عن هذا السؤال ، وأنهاها بعض المفسرين إلى خمسة ، وأقربها ان الصحابة كانوا يتحرجون من الأكل مع الأعمى ، لأنه لا يستطيع معرفة الجيد من الطعام ، فيلحقه الحيف ، والأعرج وان أبصر الطيب من الطعام لكنه يعجز عن الجلوس مع الجماعة للأكل حيث كانت تمد الموائد على الأرض . والمريض يعجز عن مشاركة الصحيح في الأكل ، حيث ينتهي هذا قبله ، ويبقى المريض وحده على المائدة فيخجل من الانفراد . . وأيضا امتنع الصحابة عن الأكل من البيوت المذكورة دون استئذان بعد ان نزل قوله تعالى : {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة : 188]. فأباح سبحانه لهم الأكل من هذه البيوت من غير استئذان ، والأكل مع الأعمى والمريض والأعرج .
__________________
1- تفسير الكاشف ، محمد جواد مغنيه ، ج5 ، ص441-443.
قوله تعالى : { ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم - إلى قوله - أو صديقكم } ظاهر الآية أن فيها جعل حق للمؤمنين أن يأكلوا من بيوت قراباتهم أو التي ائتمنوا عليها أو بيوت أصدقائهم فهم مأذونون في أن يأكلوا منها بمقدار حاجتهم من غير إسراف وإفساد.
فقوله : { ليس على الأعمى حرج - إلى قوله - ولا على أنفسكم } في عطف { على أنفسكم } على ما تقدمه دلالة على أن عد المذكورين ليس لاختصاص الحق بهم بل لكونهم أرباب عاهات يشكل عليهم أن يكتسبوا الرزق بعمل أنفسهم أحيانا وإلا فلا فرق بين الأعمى والأعرج والمريض وغيرهم في ذلك.
وقوله : { من بيوتكم أو بيوت آبائكم } الخ، في عد { بيوتكم } مع بيوت الاقرباء وغيرهم إشارة إلى نفي الفرق في هذا الدين المبني على كون المؤمنين بعضهم أولياء بعض بين بيوتهم أنفسهم وبيوت أقربائهم وما ملكوا مفاتحه وبيوت أصدقائهم.
على أن { بيوتكم } يشمل بيت الابن والزوج كما وردت به الرواية، وقوله:
{ أو ما ملكتم مفاتحه } المفاتح جمع مفتح وهو المخزن، والمعنى : أو البيت الذي ملكتم أي تسلطتم على مخازنه التي فيها الرزق كما يكون الرجل قيما على بيت أو وكيلا أو سلم إليه مفتاحه.
وقوله : { أو صديقكم } معطوف على ما تقدمه بتقدير بيت على ما يعلم من سياقه، والتقدير أو بيت صديقكم.
قوله تعالى : { ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا } الأشتات جمع شت وهو مصدر بمعنى التفرق استعمل بمعنى المتفرق مبالغة ثم جمع أو صفة بمعنى المتفرق كالحق، والمعنى : لا إثم عليكم إن تأكلوا مجتمعين وبعضكم مع بعض أو متفرقين، والآية عامة وإن كان نزولها لسبب خاص كما روي.
وللمفسرين في هذا الفصل من الآية وفي الفصل الذي قبلها اختلافات شديدة رأينا الصفح عن إيرادها والغور في البحث عنها أولى، وما أوردناه من المعنى في الفصلين هو الذي يعطيه سياقهما.
قوله تعالى : { فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة } الخ، لما تقدم ذكر البيوت فرع عليه ذكر أدب الدخول فيها فقال : { فإذا دخلتم بيوتا }.
فقوله : { فسلموا على أنفسكم } المراد فسلموا على من كان فيها من أهلها وقد بدل من قوله : { على أنفسكم } للدلالة على أن بعضهم من بعض فإن الجميع إنسان وقد خلقهم الله من ذكر وأنثى على أنهم مؤمنون والايمان يجمعهم ويوحدهم أقوى من الرحم وأي شئ آخر.
وليس ببعيد أن يكون المراد بقوله : { فسلموا على أنفسكم } أن يسلم الداخل على أهل البيت ويرد السلام عليه.
وقوله : { تحية من عند الله مباركة طيبة } أي حال كون السلام تحية من عند الله شرعها الله وأنزل حكمها ليحيي بها المسلمون وهو مبارك ذو خير كثير باق وطيب يلائم النفس فإن حقيقة هذه التحية بسط الامن والسلامة على المسلم عليه وهو أطيب أمر يشترك فيه المجتمعان.
ثم ختم سبحانه الآية بقوله : { كذلك يبين الله لكم الآيات } وقد مر تفسيره { لعلكم تعقلون } أي تعلموا معالم دينكم فتعملوا بها كما قيل.
__________________
1- تفسير الميزان الطباطبائي، ج15 ، ص133-134.
البيوت التي يسمح بالأكل فيها:
تحدثت الآيات السابقة عن الإستئذان في أوقات معينة، أو بشكل عام حين الدخول إلى المنزل الخاصّ بالأب والأُم.
أمّا الآية موضع البحث فإنّها استثناء لهذا الحكم، حيث يجوز للبعض وبشروط معينة، الدخول إلى منازل الأقرباء وأمثالهم، وحتّى أنّه يجوز لهم الأكل فيها دون استئذان، حيث تقول هذه الآية أولا {ليس على الأعمى حرجٌ ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج}.
لأنّ أهل المدينة كانوا ـ كما ورد بصراحة في بعض الأحاديث ـ وقبل قبولهم الإسلام، يمنعون الأعمى والأعرج والمريض من المشاركة في مائدتهم، ويتنفّرون من هذا العمل.
وعلى عكس ذلك كانت مجموعة منهم بعد إسلامها، تفرد لمثل هؤلاء موائد خاصّة، ليس لاحتقارهم المشاركة معهم على مائدة واحدة، وإنّما لأسباب إنسانية، فالأعمى قد لا يرى الغذاء الجيد في المائدة، وهم يرونه، ويأكلونه، وهذا خلاف الخلق السليم، وكذلك الأمر بالنسبة للأعرج والمريض، حيث يحتمل تأخرهما عن الغذاء، وتقدم السالمين عليهما. ولهذا كلّه لم يشاركوهم الغذاء على مائدة واحدة. ولهذا كان الأعمى والأعرج والمريض يسحب نفسه حتى لا يزعج الآخرين بشيء. ويعتبر الواحد منهم نفسه مذنباً إن شارك السالمين غذاءهم في مائدة واحدة.
وقد استفسر من الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) عن هذا الموضوع، فنزلت الآية السابقة التي نصّت على عدم وجود مانع من مشاركة الأعمى والأعرج والمريض للصحيح غذاءه على مائدة واحدة.(2)
وقد فسر آخرون هذه العبارة باستثناء هذه الفئات الثلاث من حكم الجهاد، أو أنّ القصد أنّه مسموح لكم استصحاب العاجزين معكم إلى الأحد عشر بيتاً التي أشارت إليها الآية في آخرها، ليشاركوكم في غذائكم.
إلاّ أن هذين التفسيرين ـ كما يبدو ـ بعيدان عن قصد الآية، ولا ينسجمان مع ظاهرها. (فتأملوا جيداً).
ثمّ يضيف القرآن المجيد {ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم}.
والمقصود بعبارة بيوتكم الأبناء أو الزوجات.
{أو بيوت آبائكم}.
{أو بيوت أمهاتكم}.
{أو بيوت إخوانكم}.
{أو بيوت إخواتكم}.
{أو بيوت أعمامكم}.
{أو بيوت عماتكم}.
{أو بيوت أخوالكم}.
{أو بيوت خالاتكم}.
{أو ما ملكتم مفاتحه}.
{أو صديقكم}.
بالطبع فإنّ هذا الحكم له شروط وإيضاحات سيأتي ذكرها في آخر تفسير الآية.
ثمّ تضيف الآية {ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعاً أو أشتاتاً}.
ذكر أنّ مجموعة من المسلمين كانوا يمتنعون عن الأكل منفردين، بل كانوا يبقون جياعاً لمدّة حتى يجدوا من يشاركهم غذاءهم، فعلمهم القرآن المجيد أن تناول الغذاء مسموح بصورة جماعية أو فردية.(3)
ويرى البعض : إنّ مجموعة من العرب كانت تقدم غذاء الضيف على حدة احتراماً له، ولا يشاركونه الغذاء (حتى لا يخجل أثناء تناوله الطعام).
لقد رفعت الآية المذكورة هذه التقاليد واعتبروا غير محمودة(4)
وقال آخرون : إنّ البعض كان يرى عدم جواز تناول الأغنياء الغذاء مع الفقراء، والمحافظة على الفروق الطبقية حتى على مائدة الطعام. لهذا نفى القرآن المجيد هذا التقليد الخاطىء والظالم بذكره العبارة السابقة.(5)
ولا مانع من احتواء الآية السابقة لكلّ هذه المعاني.
ثمّ تشير الآية إلى أحد التعاليم الأخلاقية فتقول : {وإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة} واختتمت بهذه العبارة {كذلك يبيّن الله لكم الآيات لعلكم تعقلون}.
وقال بعض المفسّرين : إنّ المقصود من عبارة «بيوتاً» في هذه الآية، هي البيوت الأحد عشرة المذكورة سابقاً.
وقال آخرون : إنّها المساجد.
ولكن بيدو أنها عامّة، تشمل جميع البيوت، سواء الأحد عشر بيتاً التي يجوز للمرء الأكل فيها، أو غيرها كبيوت الأصدقاء والأقرباء. حيث لا يوجد دليل على تضييق المفهوم الواسع لهذه الآية.
ولكن ما هو المقصود من عبارة {سلّموا على أنفسكم}؟
نجد هنا عدداً من التفاسير : حيث يرى البعض من المفسّرين أنّه سلام البعض على البعض، مثلما جاء في قصّة بني إسرائيل (سورة البقرة الآية 54) {فاقتلوا أنفسكم}.
ورأى آخرون أنّه يعني السلام على الزوجة والأبناء والأهل، حيث هم بمنزلة النفس، لهذا استخدمت الآية تعبير «الأنفس»، كما جاء هذا التعبير أيضاً في آية المباهلة (سورة آل عمران الآية 61). وهذا يبيّن لنا أن قرب الشخص من الآخر قد يصل إلى درجة أنّه يكون كنفسه، أي يكونان كنفس واحدة، مثلما كان عليّ(عليه السلام) من الرّسول محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم).
ويرى بعض المفسّرين أنّ الآية السابقة أشارت إلى بيوت لم يسكنها أحد، حيث يحيي المرء نفسه عند دخولها فيقول : السّلام عليكم من قبل ربّنا. أو : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. ونرى عدم وجود تناقض بين هذه التفاسير. حيث يجب السلام عند الدخول إلى أيّ منزل كان، ويجب أن يسلم المؤمنون بعضهم على بعض، ويسلّم أهل المنزل أحدهم على الآخر. وأمّا إذا لم يجد أحداً في المنزل فيحيي المرءُ نفسه، حيث تعود هذه التحيات بالسلامة على الإنسان ذاته.
لهذا نقرأ في حديث عن الإمام الباقر(عليه السلام) يجيب فيه على سؤال يخصّ تفسير هذه الآية فيقول : «هو تسليم الرجل على أهل البيت حين يدخل ثمّ يردون عليه فهو سلامكم على أنفسكم».(6)
وفي حديث عن الباقر(عليه السلام) أيضاً، يقول فيه : «إذا دخل الرجل منكم بيته فإنّ كان فيه فليسلم عليه، وإن لم يكن فيه أحد فليقل : السلام علينا من عند ربّنا، يقول الله عزَّوجلّ «تحيّة من عند الله مباركة طيبة»(7).
________________
1- تفسير الامثل ، مكارم الشيرازي، ج9،ص133-135.
2 ـ ذكرت هذا التّفسير أيضاً، التفاسير التالية «الدر المنثور» و «نور الثقلين» و «مجمع البيان» و«الصافي» و«التّفسير الكبير» و«التبيان».
3 ـ تفسير التبيان، للآية موضع البحث.
4 ـ المصدر السابق.
5 ـ المصدر السابق.
6 ـ نور الثقلين، المجلد الثالث، ص 627.
7 ـ المصدر السابق.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|