المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17639 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05

الدلالات العلمية للنصوص لمعركة الخندق
23-2-2019
المكروهات حال الجنابة
2023-05-08
الأشخاص المعنوية التي تستهدف الربح
10-4-2016
نـماذج التغييـر 5
13-8-2019
ابتعدوا عن المعاصي
24-11-2021
أخلاق المؤمن
2023-03-20


تفسير الآية (11-20) من سورة النور  
  
23919   01:42 صباحاً   التاريخ: 4-8-2020
المؤلف : المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف النون / سورة النور /

 

قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } [النور: 11 - 20].

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

قوله تعالى : {إن الذين جاؤوا بالإفك} أي: بالكذب العظيم الذي قلب فيه الأمر عن وجهه {عصبة منكم} أيها المسلمون. قال ابن عباس، وعائشة: منهم عبد الله بن أبي سلول، وهو الذي تولى كبره، ومسطح بن أثاثة، وحسان بن ثابت، وحمنة بنت جحش. {لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم} هذا خطاب لعائشة وصفوان، لأنهما قصدا بالإفك، ولمن اغتم بسبب ذلك، وخطاب لكل من رمي بسبب، عن ابن عباس أي: لا تحسبوا غم الإفك شرا لكم، بل هو خير لكم، لأن الله تعالى يبرئ عائشة، ويأجرها بصبرها واحتسابها، ويلزم أصحاب الإفك ما استحقوه بالإثم الذي ارتكبوه في أمرها. وقال الحسن: هذا خطاب للقاذفين من المؤمنين، والمعنى: لا تحسبوا أيها القذفة هذا التأديب شرا لكم، بل هو خير لكم، فإنه يدعوكم إلى التوبة، ويمنعكم عن المعاودة إلى مثله.

{لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم} أي: لكل امرئ من القذفة جزاء ما اكتسبه من الإثم، بقدر ما خاض وأفاض فيه. وقيل: معناه على كل امرئ منهم عقاب ما اكتسب، كقوله: {وإن أسأتم لها} أي: فعليها. {والذي تولى كبره} أي: تحمل معظمه {منهم له عذاب عظيم} المراد به عبد الله بن أبي سلول أي:

فإنه كان رأس أصحاب الإفك، كان يجتمع الناس عنده، ويحدثهم بحديث الإفك، ويشيع ذاك بين الناس، ويقول: قال امرأة نبيكم باتت مع رجل حتى أصبحت، ثم جاء يقودها، والله ما نجت منه، ولا نجا منها. والعذاب العظيم: عذاب جهنم في الآخرة. وقيل: المراد به مسطح بن أثاثة. وقيل: حسان بن ثابت، فإنه روي أنه دخل على عائشة بعد ما كف بصره، فقيل لها: إنه يدخل عليك، وقد قال فيك ما قال وقد قال الله تعالى {والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم} فقالت عائشة:

أليس قد كف بصره، فأنشد حسان قوله فيها:

حصان، رزان، فاتزن بريبة، * وتصبح غرثى من لحوم الغوافل (2)

فقالت عائشة: لكنك لست كذلك. {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا} معناه: هلا حين سمعتم هذا الإفك من القائلين له، ظن المؤمنون والمؤمنات بالذين هم كأنفسهم خيرا، لأن المؤمنين كلهم كالنفس الواحدة فيما يجري عليها من الأمور. فإذا جرى على أحدهم محنة، فكأنها جرت على جماعتهم، فهو كقوله: {فسلموا على أنفسكم} عن مجاهد. وعلى هذا يكون خطابا لمن سمعه، فسكت ولم يصدق ولم يكذب. وقيل. هو خطاب لمن أشاعه، والمعنى: هلا إذا سمعتم هذا الحديث، ظننتم بها ما تظنونه بأنفسكم، لو خلوتم بها، وذلك لأنها كانت أم المؤمنين. ومن خلا بأمه لا يطمع فيها، وهي لا تطمع {وقالوا هذا إفك مبين} أي: وهلا قالوا هذا القول كذب ظاهر {لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء} أي: هلا جاءوا على ما قالوه ببينة، وهي أربعة شهداء يشهدون بما قالوه. {فإذا لم يأتوا بالشهداء} أي: فحين لم يأتوا بالشهداء {فأولئك} الذين قالوا هذا الإفك {عند الله} أي: في حكمه {هم الكاذبون ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة} بأن أمهلكم لتتوبوا، ولم يعاجلكم بالعقوبة {لمسكم} أي: أصابكم {فيما أفضتم} أي: خضتم {فيه} من الإفك {عذاب عظيم} أي:

عذاب لا انقطاع له، عن ابن عباس.

ثم ذكر الوقت الذي كان يصيبهم العذاب فيه لولا فضله فقال: {إذ تلقونه بألسنتكم} أي: يرويه بعضكم عن بعض، عن مجاهد، ومقاتل. وقيل: معناه تقبلونه من غير دليل، ولذلك أضافه إلى اللسان. وقيل: معناه يلقيه بعضكم إلى بعض، عن الزجاج. {وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا} أي :

تظنون أن ذلك سهل، لا إثم فيه {وهو عند الله عظيم} في الوزر، لأنه كذب وافتراء.

{وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ }.

ثم زاد سبحانه في الانكار عليهم، فقال: {ولولا إذ سمعتموه قلتم} أي: هلا قلتم حين سمعتم ذلك الحديث {ما يكون لنا أن نتكلم بهذا} أي: لا يحل لنا أن نخوض في هذا الحديث، وما ينبغي لنا أن نتكلم به {سبحانك} يا ربنا {هذا} الذي قالوه {بهتان عظيم} أي: كذب وزور عظيم عقابه، أو نتحير من عظمه. وقيل: إن سبحانك هنا معناه التعجب كقول الأعشى: " سبحان من علقمة الفاخر " (3). وقيل: معناه ننزهك ربنا من أن نعصيك بهذه المعصية. ثم وعظ سبحانه الذين خاضوا في الإفك فقال: {يعظكم الله} أي: ينهاكم الله، عن مجاهد.

وقيل: يحرم الله عليكم {أن تعودوا لمثله} عن ابن عباس. وقيل: معناه كراهة أن تعودوا، أو لئلا تعودوا إلى مثله من الإفك {أبدا} أي: طول أعماركم {إن كنتم مؤمنين} أي: مصدقين بالله ونبيه، قابلين موعظة الله.

{ويبين الله لكم الآيات} في الأمر والنهي {والله عليم} بما يكون منكم {حكيم} فيما يفعله، لا يضع الشئ إلا في موضعه. ثم هدد القاذفين فقال: {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة} أي: يفشوا ويظهروا الزنا والقبائح {في الذين آمنوا} بأن ينسبوها إليهم، ويقذفوهم بها {لهم عذاب أليم في الدنيا} بإقامة الحد عليهم {والآخرة} وهو عذاب النار {والله يعلم} ما فيه من سخط الله، وما يستحق عليه من المعاقبة {وأنتم لا تعلمون} ذلك. ثم ذكر فضله ومنته عليهم فقال:

ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رؤوف رحيم} لعاجلكم بالعقوبة، ولكنه برحمته أمهلكم لتتوبوا وتندموا على ما قلتم. وجواب {لولا} محذوف لدلالة الكلام عليه.

__________________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي ،ج7،ص230-232.

2- الحصان هنا: العفيفة. والرزان: الملازمة موضعها التي لا تتصرف كثيرا. وامرأة رزان: إذا كانت ذات ثبات ووقار. وما تزن: أي ما تتهم. وغرثى أي: جائعة. والغوافل جمع غافلة.يريد انها لا ترتع في أعراض الناس.

3- وقبله: " أقول لما جاءني فخره ". قاله في علقمة بن علاثة.

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

 

ملخص قصة الإفك :

اتفق المفسرون والرواة من جميع الطوائف والمذاهب الاسلامية الا من شذ ، اتفقوا على أن هذه الآيات نزلت لبراءة عائشة من تهمة الزنا ، وسبب التهمة ان النبي (صلى الله عليه واله وسلم) كان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه ، فمن أصابتها القرعة أخرجها معه ، وفي السنة الخامسة الهجرية غزا رسول اللَّه (صلى الله عليه واله وسلم) بني المصطلق ، وجاءت القرعة على عائشة ، فصحبها معه ، ونصر اللَّه نبيه الكريم على بني المصطلق ، وتزوج بنت زعيمهم الحارث بعد ان أسلمت بدعوة منه ، وكان اسمها برّة فغيره الرسول إلى جويرية ، وأسلم أبوها ومعظم رجال القبيلة ، وعاد النبي إلى المدينة بموكبه الظافر يسير الليل والنهار ، حتى إذا كانت الليلة الثانية نزل بالجيش ليستريح قليلا .

ولما أذن بالرحيل ذهبت عائشة لحاجتها ، وحين عادت فقدت عقدها ، فرجعت تلتمسه وتبحث عنه في الموضع الذي فقدته فيه ، حتى إذا وجدته رجعت إلى منازل الجيش فلم تر أحدا ، فانتظرت لعلهم يرجعون في طلبها حين يفتقدونها ، وكان صفوان بن المعطل وراء الجيش ، فمر بها وعرفها لأنه كان يراها قبل نزول الحجاب ، فأناخ راحلته وتنحى جانبا حتى إذا ركبت قادها وأوصلها إلى الجيش أو إلى المدينة ، وهنا سنحت الفرصة لأهل الإفك فأشاعوه وأذاعوه ، ورموا عائشة بالخيانة مع صفوان . . وأول من أطلق لسانه بهذا الإفك رأس النفاق عبد اللَّه بن أبيّ ، وروّج له حسان بن ثابت ومسطح وآخرون من المنافقين . . فأنزل اللَّه هذه الآيات لبراءة عائشة .

وبهذه المناسبة نشير إلى أمرين : الأول ان الشيعة الإمامية يعتقدون ويؤمنون ان نساء الأنبياء جميعهن عفيفات طاهرات ، وان النبي ، أي نبي لا يضع ماءه إلا في أرحام مطهرة ، وان زوجته قد تكون كافرة ولن تكون بغيا ، لأن الرسول أكرم على ربه وأعز من أن يجعل تحته بغيا ، قال العالم الإمامي الطبرسي في مجمع البيان : « ان نساء الأنبياء يجب أن ينزهن عن مثل هذه الحال لأنها تشين ، وقد نزه اللَّه أنبياءه عما هو دون ذلك توقيرا لهم وتعظيما عما ينفر من قبول قولهم والعمل بدعوتهم » ، وقد روي عن ابن عباس أنه قال : ما زنت امرأة نبي قط ، وكانت الخيانة من امرأة نوح انها كانت تنسبه إلى الجنون ، والخيانة من امرأة لوط انها كانت تدل على أضيافه .

الأمر الثاني قال البعض : ان النبي (صلى الله عليه واله وسلم) استشار الإمام علي (عليه السلام) مع من استشار في أمر عائشة : فأشار عليه بطلاقها ، وان هذا هو الدافع لخروجها على الإمام يوم الجمل ، وقد استند هذا القائل إلى رواية لا نعرف مكانها من الصحة . .

بالإضافة إلى أن النبي لا يحتاج إلى أحد يشير عليه ، لأنه أعلم وأفضل الخلق أجمعين ، وكيف يشك النبي في زوجته ، وهو يعلم أنه أكرم على اللَّه من أن يجعل تحته بغيا ؟ . . ولو شك رسول اللَّه في عائشة لكان مقصودا في قوله تعالى :

{ ولَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ } .

كلا ، ان محمدا (صلى الله عليه واله وسلم) لم يشك في عائشة ، ومن نسب إليه هذا الشك فقد جاء ببهتان عظيم .

هذا ، إلى أن هناك رواية ثانية تقول : ان الإمام قال لرسول اللَّه : ان نعلك منزه من النجاسة فكيف بزوجتك ، وان النبي سرّ بذلك . قال إسماعيل حقي في تفسيره روح البيان : « استشار النبي عليا في أمر عائشة . فقال يا رسول اللَّه انها بريئة ، وقد أخذت براءتها من شيء حدث معك ، وهو اننا كنا نصلي خلفك في ذات يوم ، وأنت تصلي بنعليك ، ثم انك خلعت إحداهما ، فقلنا ليكن ذلك سنة لنا ، فقلت : لا ، ان جبريل قال لي : ان في تلك النعل نجاسة ، وإذا لم تكن النجاسة في نعلك فكيف تكون بأهلك ؟ فسرّ النبي بذلك » . ولم نذكر هذه الرواية إيمانا بها بل لنعارض بها رواية النصح بالطلاق .

المعنى :{ إِنَّ الَّذِينَ جاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ } .

الذين رموا عائشة بالخيانة هم جماعة تظاهروا كذبا وزروا بأنهم على ملة الإسلام ، وليسوا منه في شيء . . وقد عز ذلك على النبي وصحابته ، فقال لهم عز وجل :

لا تظنوا ان هذا الإفك شر وضرر . . كلا ، بل فيه نفع كثير ، منه تمييز المؤمن الطيب من المنافق الخبيث الذي يحب ان تشيع الفاحشة في الأبرياء ، ومنه ابتلاء رسول اللَّه (صلى الله عليه واله وسلم) وأمته ، فيزيد الذين اهتدوا هدى ، ولا يزيد المنافقين إلا خسارا .

{ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ } . ضمير منهم يعود إلى أهل الإفك ، والمعنى ان لكل واحد من هؤلاء من العذاب بقدر ما أشاع وأذاع من الكذب والافتراء ، وفي ان تهمة القذف ثبتت على حسّان بن ثابت ومسطح وامرأة من قريش ، فأقام النبي (صلى الله عليه واله وسلم) عليهم الحد ، وجلد كل واحد منهم ثمانين جلدة ، أما عبد اللَّه بن أبي فقد دبر الحملة وأفلت من حد القذف لشدة حذره بعد ان أوقع فيها غيره ، وهو المقصود بقوله تعالى : { والَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ } في الدنيا بافتضاحه واظهار كيده وزيفه على الناس ، حتى طالب برأسه من أجل ذلك أحد سادة الخزرج ، وأيضا طالب بها أحد سادة الأوس ، وألح في طلبها كثير من شباب الأنصار ، ومنهم ابنه بالذات ، أما عذابه في الآخرة فآلم وأعظم .

{ لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ والْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ } .

الهاء في سمعتموه تعود إلى الإفك . وبأنفسهم أي ظن بعضهم ببعض لأن بني الإنسان جميعا متكافلون متضامنون ، وبالخصوص المؤمنين فإن الايمان عهد وذمام ، وفي الحديث : المؤمنون كنفس واحدة : وفي الآية 10 من الحجرات : انما المؤمنون إخوة . هذا النحو من الاستعمال كثير في القرآن ، منه : « ولا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ » - 29 النساء . ومنه : « فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ » - 61 النور . وتشير الآية إلى أن المؤمن حقا لا يجوز له إذا سمع الإفك والباطل ان يسكت عنه . أما القول المشهور : إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب فان المراد به الكلام من غير علم ، وكلام اللغو والباطل كالكذب والغيبة والنميمة .

وتسأل : ان قوله تعالى : { وقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ } يدل على أن المؤمن يجب أن يجزم بتكذيب الفاحشة وحديث الزنا بمجرد سماعه ، ودون أن يتثبت ، ولا يتفق هذا مع المبدأ العقلي والاسلامي القائل : ان النافي بلسان الجزم تماما كالمثبت ، كل منهما يحتاج إلى دليل قاطع ؟ .

الجواب : أجل لا شك في هذا المبدأ ، وانه عام لكل شيء ، ولكن ليس المراد بالنفي هنا نفي الزنا في الواقع وفي علمه تعالى ، كلا ، بل المراد نفي حكمه وآثاره كإقامة الحد واللغو فيه ، واعتباره كأن لم يكن في الواقع الا إذا ثبت بالطريق الشرعي ، فإذا انتفى طريق الإثبات انتفى الحكم قطعا ، ولذا يحد القاذف ثمانين جلدة مع عدم الإثبات ، وبتعبير ثان ان عدم الدليل الشرعي على الزنا دليل على عدمه حكما وآثارا ، وأقوى الشواهد على ذلك قوله تعالى : { لَوْ لا جاؤُوا عَلَيْهِ » - أي على الزنا – { بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ } أي كاذبون في حكم اللَّه بالدنيا ، أما علمه تعالى الذي يتعلق بالأشياء على حقيقتها فيبتني عليه حكم الآخرة .

{ ولَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ورَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ } . أفضتم خضتم ، وضمير فيه للإفك وحديثه ، ورحمته تعالى في الدنيا على من عصى هي الستر والامهال لكي يتوب ، وفي الآخرة العفو إذا تاب وأناب ثم بيّن سبحانه سبب استحقاقهم العذاب العظيم دنيا وآخرة ، بيّنه بقوله : { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ } . تديرون حديث الإفك بألسنتكم ، وينقله بعضكم عن بعض من غير دليل ، وتظنون ذلك سهلا وهو من أعظم الذنوب والآثام عند اللَّه ، ومن أقوال الإمام علي (عليه السلام) : اللسان سبع إذا خلي عنه عقر .

{ ولَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا } من الأساس فضلا عن الشك فيه ، بل ينبغي تنزيه اللسان عن حديث الزنا ، حتى ولو ثبت بالبينة الشرعية إلا في مقام الردع والزجر عنه . . والذين يتحدثون ويتلذذون بحديث الزنا والفجور هم أراذل الناس وشرارهم { سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ } وأي شيء أعظم بهتانا وإثما من الافتراء على الأبرياء ؟ والمؤمن الحق يذبّ عن أخيه المؤمن ، ولا يتهمه بالسوء والشر ما وجد له في الخير سبيلا .

{ يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } . يعظكم ينهاكم ، ولمثله أي مثل حديث الإفك ، فلا يجوز اللغو فيه والاستماع إليه . . وفي تعليق الإطاعة على الايمان إشارة إلى أن المؤمن إذا نهاه اللَّه عن شيء أو أمره به امتثل وأطاع { ويُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآياتِ واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } . يفصل ويوضح لنا الحلال والحرام في كتابه وعلى لسان نبيه ، ويعلم العاصي منا والمطيع ، ويعامل كلا بعلمه وعدله وحكمته .

{ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ } الفاحشة على حذف مضاف أي حديث الفاحشة . . ولا فرق بين من فعل الفاحشة ومن أشاعها ، فكل منهما يقام عليه الحد إذا ثبت عليه الفعل أو القذف وله في الآخرة عذاب الحريق . . وكل ناقص يود ان يكون له أشباه ونظائر ، لأن من يحمل علامات النقص لا يطيق رؤية الكمال على غيره { واللَّهُ يَعْلَمُ وأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } والمؤمن لا يقول ولا يفعل بغير علم ، بل يرد ما يجهل إلى من يعلم { ولَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ورَحْمَتُهُ } لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم { وأَنَّ اللَّهً رَؤُوفٌ رَحِيمٌ } بعباده يريد لهم الخير ، وان أرادوا الشر لأنفسهم .

 

____________________

1- تفسير الكاشف ، محمد جواد مغنيه ، ج5 ، ص403-407.

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

الآيات تشير إلى حديث الإفك، وقد روي أهل السنة أن المقذوفة في قصة الإفك هي أم المؤمنين عائشة، وروت الشيعة أنها مارية القبطية أم إبراهيم التي أهداها مقوقس ملك مصر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكل من الحديثين لا يخلو عن شئ على ما سيجئ في البحث الروائي الآتي.

فالأحرى أن نبحث عن متن الآيات في عزل من الروايتين جميعا غير أن من المسلم أن الإفك المذكور فيها كان راجعا إلى بعض أهل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إما زوجه وإما أم ولده وربما لوح إليه قوله تعالى: { وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم } وكذا ما يستفاد من الآيات أن الحديث كان قد شاع بينهم وأفاضوا فيه وسائر ما يومي إليه من الآيات.

والمستفاد من الآيات أنهم رموا بعض أهل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالفحشاء، وكان الرامون عصبة من القوم فشاع الحديث بين الناس يتلقاه هذا من ذاك، وكان بعض المنافقين أو الذين في قلوبهم مرض يساعدون على إذاعة الحديث حبا منهم أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا فأنزل الله الآيات ودافع عن نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.

قوله تعالى: { إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم } الخ، الإفك على ما ذكره الراغب الكذب مطلقا والأصل في معناه أنه كل مصروف عن وجهه الذي يحق أن يكون عليه كالاعتقاد المصروف عن الحق إلى الباطل - والفعل المصروف عن الجميل إلى القبيح، والقول المصروف عن الصدق إلى الكذب، وقد استعمل في كلامه تعالى في جميع هذه المعاني.

وذكر أيضا أن العصبة جماعة متعصبة متعاضدة، وقيل: إنها عشرة إلى أربعين.

والخطاب في الآية وما يتلوها من الآيات لعامة المؤمنين ممن ظاهره الايمان أعم من المؤمن بحقيقة الايمان والمنافق ومن في قلبه مرض، وأما قول بعضهم: إن المخاطب بالخطابات الأربعة الأول أو الثاني والثالث والرابع النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمقذوفة والمقذوف ففيه تفكيك بين الخطابات الواقعة في الآيات العشر الأول وهي نيف وعشرون خطابا أكثرها لعامة المؤمنين بلا ريب.

وأسوأ حالا منه قول بعض آخر إن الخطابات الأربعة أو الثلاثة المذكورة لمن ساءه ذلك من المؤمنين فإنه مضافا إلى استلزامه التفكيك بين الخطابات المتوالية مجازفة ظاهرة.

والمعنى: إن الذين أتوا بهذا الكذب - واللام في الإفك لعهد - جماعة معدودة منكم مرتبط بعضهم ببعض، وفي ذلك إشارة إلى أن هناك تواطؤا منهم على إذاعة هذا الخبر ليطعنوا به في نزاهة بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويفضحوه بين الناس.

وهذا هو فائدة الخبر في قوله: { إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم } لا تسلية النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو تسليته وتسلية من ساءه هذا الإفك كما كره بعضهم فإن السياق لا يساعد عليه.

وقوله: { لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم } مقتضى كون الخطاب لعامة المؤمنين أن يكون المراد بنفي كونه شرا لهم وإثبات كونه خيرا أن المجتمع الصالح من سعادته أن يتميز فيه أهل الزيغ والفساد ليكونوا على بصيرة من أمرهم وينهضوا لا صلاح ما فسد من أعضائهم وخاصة في مجتمع ديني متصل بالوحي ينزل عليهم الوحي عند وقوع أمثال هذه الوقائع فيعظهم ويذكرهم بما هم في غفلة منه أو مساهلة حتى يحتاطوا لدينهم ويتفطنوا لما يهمهم.

والدليل على ما ذكرنا قوله بعد: { لكل امرئ منهم ما اكتسب من الاثم } فإن الاثم هو الأثر السيئ الذي يبقي للانسان عن اقتراف المعصية فظاهر الجملة أن أهل الإفك الجائين به يعرفون بإثمه ويتميزون به عندكم فيفتضحون به بدل ما أرادوا أن يفضحوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وأما قول من قال: إن المراد بكونه خيرا لهم أنهم يثابون بما اتهموهم بالإفك كما أن أهل الإفك يتأثمون به فمبني على كون الخطاب للمتهمين خاصة وقد عرفت فساده.

وقوله: { والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم } فسروا كبره بمعنى معظمه والضمير للإفك، والمعنى: والذي تولى معظم الإفك وأصر على إذاعته بين الناس من هؤلاء الآفكين له عذاب عظيم.

قوله تعالى: { لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين } توبيخ لهم إذ لم يردوا الحديث حينما سمعوه ولم يظنوا بمن رمي به خيرا.

وقوله: { ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم } من وضع الظاهر موضع المضمر، والأصل { ظننتم بأنفسكم } والوجه في تبديل الضمير وصفا الدلالة على علة الحكم فإن صفة الايمان رادعة بالطبع تردع المتلبس بها عن الفحشاء والمنكر في القول والفعل فعلي المتلبس بها أن يظن على المتلبسين بها خيرا، وأن يجتنب القول فيهم بغير علم فإنهم جميعا كنفس واحدة في التلبس بالايمان ولوازمه وآثاره.

فالمعنى: ولولا إذ سمعتم الإفك ظننتم بمن رمي به خيرا فإنكم جميعا مؤمنون بعضكم من بعض والمرمي به من أنفسكم وعلى المؤمن أن يظن بالمؤمن خيرا ولا يصفه بما لا علم له به.

وقوله: { قالوا هذا إفك مبين } أي قال المؤمنون والمؤمنات وهم السامعون - أي قلتم - هذا إفك مبين لان الخبر الذي لا علم لمخبره به والدعوى التي لا بينة لمدعيها عليها محكوم شرعا بالكذب سواء كان بحسب الواقع صدقا أو كذبا، والدليل عليه قوله في الآية التالية: { فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون }.

قوله تعالى: { لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون } أي لو كانوا صادقين فيما يقولون ويرمون لا قاموا عليه الشهادة وهي في الزنا بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فهم محكومون شرعا بالكذب لان الدعوى غير بينة كذب وفك.

قوله تعالى: { ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم } إفاضة القوم في الحديث خوضهم فيه.

وقوله: { ولولا فضل الله } الخ، عطف على قوله: { لولا إذ سمعتموه } الخ، وفيه كرة ثانية على المؤمنين، وفي تقييد الفضل الرحمة بقوله: { في الدنيا والآخرة } دلالة على كون العذاب المذكور ذيلا هو عذاب الدنيا والآخرة.

والمعنى: ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لوصل إليكم بسبب ما خضتم فيه من الإفك عذاب عظيم في الدنيا والآخرة.

قوله تعالى: { إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم } الخ، الظرف متعلق بقوله: { أفضتم } وتلقي الانسان القول أخذه القول الذي ألقه إليه غيره، وتقييد التلقي بالألسنة للدلالة على أنه كان مجرد انتقال القول من لسان إلى لسان من غير تثبت وتدبر فيه.

وعلى هذا فقوله: { وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم } من قبيل عطف التفسير، وتقييده أيضا بقوله: { بأفواهكم } للإشارة إلى أن القول لم يكن عن تثبت وتبين قلبي ولم يكن له موطن إلا الأفواه لا يتعداها.

والمعنى: أفضتم وخضتم فيه إذ تأخذونه وتنقلونه لسانا عن لسان وتتلفظون بما لا علم لكم به.

قوله: { وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم } أي تظنون التلقي بألسنتكم والقول بأفواهكم من غير علم سهلا وهو عند الله عظيم لأنه بهتان وافتراء، على أن الامر مرتبط بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وشيوع إفك هذا شأنه بين الناس يفضحه عندهم ويفسد أمر الدعوة الدينية.

قوله تعالى: { ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم } عطف بعد عطف على قوله: { لولا إذ سمعتموه } الخ، وفيه كرة ثالثة على المؤمنين بالتوبيخ، وقوله: { سبحانك } اعتراض بالتنزيه لله سبحانه وهو من أدب القرآن أن ينزه الله بالتسبيح عند تنزيه كل منزه.

والبهتان الافتراء سمي به لأنه يبهت الانسان المفتري عليه وكونه بهتانا عظيما لأنه افتراء في عرض وخاصة إذ كان متعلقة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنما كان بهتانا لكونه إخبارا من غير علم ودعوي من غير بينة كما تقدم في قوله: { فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون } ومعنى الآية ظاهر.

قوله تعالى: { يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا } إلى آخر الآيتين موعظة بالنهي عن العود لمثله، ومعنى الآيتين ظاهر.

قوله تعالى: { إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا } إلى آخر الآية إن كانت الآية نازلة في جملة آيات الإفك ومتصلة بما تقدمها وموردها الرمي بالزنا بغير بينه كان مضمونها تهديد الرامين المفيضين في الإفك لكونه فاحشة وإشاعته في المؤمنين حبا منهم لشيوع الفاحشة.

فالمراد بالفاحشة مطلق الفحشاء كالزنا والقذف وغير ذلك، وحب شيوعها ومنها القذف في المؤمنين مستوجب عذابا أليما لمحبيه في الدنيا والآخرة.

وعلى هذا فلا موجب لحمل العذاب في الدنيا على الحد إذ حب شيوع الفحشاء ليس مما يوجب الحد، نعم لو كان اللام في { الفاحشة } للعهد والمراد بها القذف وكان حب الشيوع كناية عن قصه الشيوع بالإفاضة والتلقي بالألسن والنقل أمكن حمل العذاب على الحد لكن السياق لا يساعد عليه.

على أن الرمي بمجرد تحققه مرة موجب للحد ولا موجب لتقييده بقصد الشيوع ولا نكتة تستدعي ذلك.

وقوله: { والله يعلم وأنتم لا تعلمون } تأكيد وإعظام لما فيه من سخط الله وغضبه وإن جهله الناس.

قوله تعالى: { ولولا فضل الله عليكم ورحمته } تكرارا للامتنان ومعناه ظاهر.

__________________

1- تفسير الميزان  الطباطبائي، ج15 ، ص72-76.

 

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

حديث الافك المثير:

تقول أوّل آية من الآيات موضع البحث، دون أن تطرح أصل الحادثة {إن الذين جاؤا بالإفك عصبة منكم} لأن من علائم الفصاحة والبلاغة، حذفَ الجملِ الزائدة، والإكتفاء بما تدلّ عليه الكلمات من معان شاملة.

كلمة «الإفك» على وزن «فكر» كما يقول الراغب الأصفهاني: يقصد بها كل مصروف عن وجهه، الذي يحق له أن يكون عليه، ومنه قيل للرياح العادلة عن المهاب «مؤتفكة» ثمّ اطلقت على كل كلام منحرف عن الحق ومجانب للصواب، ومن ذلك يطلق على الكذب «أفك».

ويرى «الطبرسي» في مجمع البيان أن الأفك لا يطلق على كل كذبة بل الكذبة الكبيرة التي تبدل الموضوع عن حالته الأصلية، وعلى هذا يستفاد أن كلمة «الأفك» بنفسها تبيّن أهمية هذه الحادثة وكذب التهمة المطروحة.

وأمّا كلمة «العُصبة» فعلى وزنِ «فُعْلَة» مشتقّة من العَصَبْ، وجمعها أعصاب، وهي التي تربط عضلات الجسم بعضها مع بعض، وعلى شكل شبكة منتشرة في الجسم، ثمّ أطلقت كلمة «عصبة» على مجموعة من الناس متحدة وذات عقيدة واحدة.

واستخدام هذه الكلمة يكشف عن الإِرتباط الوثيق بين المتآمرين المشتركين في ترويج حديث الإفك، حيث كانوا يشكلون شبكة قوية منسجمة ومستعدة لتنفيذ المؤامرات.

وقال البعض: إن هذه المفردة تستعمل في عشرة إلى أربعين شخصاً(2).

وعلى كل حال فإن القرآن طمأن وهدّأ روع المؤمنين الذين آلمهم توجيه هذه التهمة إلى شخصية متطهرة {لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم}، لأنّه كشف عن حقيقةِ عدد من الأعداء المهزومين أو المنافقين الجبناء، وفضح أمر هؤلاء المرائين، وسوّد وجوههم إلى الأبد.

ولو لم تكن هذه الحادثة، لما افتضح أمرهم بهذا الشكل، ولكانوا أكثر خطراً على المسلمين.

إنّ هذا الحادث علّم المسلمين أن اتّباع الذين يروّجون الشائعات يجرّهم إلى الشقاء، وأنَّ عليهم أن يَقِفُوا بقوّة امام هذا العمل. كما علّم هذا الحادث المسلمين درساً آخر، وهو أنَّ لا ينظروا إلى ظاهر الحادِثِ المؤلم، بل عليهم أن يتبحّروا فيه، فقد يكون فيه خيراً كثيراً رغم سوء ظاهره.

وممّا يلفت النظر أنّ ذكر ضمير «لكم» يعمّ جميع المؤمنين في هذا الحادث، وهذا حقّ، لأن شرف المؤمنين وكيانهم الإجتماعي لا ينفصل بعضه عن بعض، فهم شركاء في السرّاء والضرّاء.

ثمّ تعقّب هذه الآية بذكر مسألتين:

أوّلاهما: {لكل امرىء منهم ما اكتسب من الإثم} إشارة إلى أنّ المسؤولية الكبرى التي تقع على عاتق كبار المذنبين لا تحول دون تحمل الآخرين لجزء من هذه المسؤولية، ولهذا يتحمل كلّ شخص مسؤوليته إزاء أية مؤامرة.

والمسألة الثّانية: {والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم} قال بعض المفسّرين: إن الشخص المقصود هو «عبدالله بن أبي سلول» قائد أصحاب الإفك.

وقال آخرون: إنّه مسطح بن أُثاثة. وحسان بن ثابت كمصاديف لهذا الخطاب.

وعلى كل حال، فإنّ الذي نشط في هذا الحادث أكثر من الآخرين، وأضرم نار الإفك، هو قائد هذه المجموعة الذي سيُعاقَبُ عِقاباً عظيماً لِكبر ذنبه. (ويحتمل أن كلمة «تولى» يقصد بها رأس مروجي حديث الإِفك).

ثمّ تَوجّهت الآية التالية: إلى المؤمنين الذين انخدعوا بهذا الحديث فوقعوا تحت تأثير الشائعات، فلا متهم بشدّة {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً}.

أي: لِمَاذا لم تقفوا في وَجْهِ المنافقين بقوّة، بل استمعتم إلى أقوالهم الّتي مسّت مؤمنين آخرين كانوا بمنزلة أنفسكم منكم. ولماذا لم تدفعوا هذه التهمة وتقولوا بأن هذا الكلام كذب وافتراء: {وقالوا هذا افك مبين}.

أنّكم كنتم تعرفون جيداً الماضي القبيح لهذه المجموعة من المنافقين، وتعرفون جيداً طهارة الذي اتّهم، وكنتم مطمئنين من عدم صدق هذه التهمة وفق الدلائل المتوفرة لديكم.

وكنتم تعلمون أيضاً بما يحاك من مؤامرات ضدّ النبي{صلى الله عليه وآله وسلم} من قبل الأعداء والمنافقين، لذا فإنّكم تستحقون اللوم والتأنيب لمجرد هذه الشائعات الكاذبة، ولالتزامكم الصمت إزاءها، فكيف بكم وقد اشتركتم في نشر هذه الشائعة بوعي أو دون وعي منكم؟

وممّا يلفت النظر أن الآية السابقة بدلا من أن تقول: عليكم أن تحسنوا الظن بالمتهم وتصدقوا تهمته، فإنها تقول {ظنَّ المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً}وهذه العبارة ـ كما قلنا ـ إشارة إلى أنَّ أنفس المؤمنين كنفس واحدة، فإذا اتهم أحدهم، فكأن التهمة موجهة لجميعهم، ومثالهم في ذلك كمن اشتكى عضو منه فهبت بقية الأعضاء لنجدته.

وهكذا يجب أن يهب المسلم للدفاع عن إخوته وأخواته في الدين مثلما يدافع عن نفسه(3).

وقد استعملت كلمة «الأنفس» في آيات أخرى من القرآن في هذا المعنى أيضاً ـ في مثل هذه الحالات ـ كما هو في الآية (11) من سورة الحجرات {ولا تلمزوا أنفسكم}! أمّا الإستناد إلى الرجال والنساء المؤمنين فيشير إلى قدرة الإيمان على ردع سوء الظن بالآخرين.

وحتى هذه اللحظة كانت الملامة ذات طابع أخلاقي ومعنوي، وتقضي بعدم التزام المؤمنين جانب الصمت إزاء مثل هذه التهم القبيحة، أو أن يكونوا وسيلة بيد مُروِّجي الشائعات.

ثمّ تهتم الآيات بالجانب القضائي للمسألة فتقول: {لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء} أي لماذا لم تطلبوا منهم الإيتان بأربعة شهود. {فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون}.

إنّ هذه الملامة تبيّن أن الحكم بأداء أربعة أشخاص لشهادتهم، وكذلك حد القذف في حالة عدمه قد نزل قبل الآيات التي تناولت حديث الإفك.

وأمّا الجواب عن سؤال: كيف لم يقدم النبي{صلى الله عليه وآله وسلم} على تنفيذ هذا الحدّ؟ فإنّه واضح، لأنّه{صلى الله عليه وآله وسلم} لم يقدم على شيء ما لم يسند من قبل الناس، فالتعصب القبلي قد يؤدي إلى مقاوة سلبية لبعض أحكام الله ولو بصورة مؤقتة، وقد ذكر المؤرخون أنّ الأمر كان هكذا في هذه القضية.

وأخيراً جمعت الآية التالية هذه الملامات، فقالت {ولولا فضل الله عليكم

ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم}.

ونظراً لأن «أفضتم» مشتقة من الإفاضة، بمعنى خروج الماء بكثرة، واستُعْمِلت في حالات أُخرى للتوغل في الماء، نَتَج مِن هذِهِ العبارة أنَّ شائعة الإتهام توسعت بشكل شملت المؤمنين مضافاً إلى مروجيها الأصليين {المنافقين}.

وتبيّن الآية التالية ـ في الحقيقة ـ البحث السابق. وهو كيف ابتلي المؤمنين بهذا الذنب العظيم نتيجة تساهلهم؟ فتقول {إذ تلقونه بألسنتكم} أي تذكّروا كيف رحبتم بهذه التهمة الباطلة فتناقلتموها {وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم ولا تحسبونه هيناً هو عندالله عظيم}.

وتشير هذه الآية إلى ثلاثة أنواع من ذنوبهم العظيمة في هذا المجال:

الأوّل: تَقَبُّل الشائعة: استقبالها وتناقلها.

الثّاني: نشر الشائعة دون أي تحقيق أو علم بصدقها.

الثّالث: استصغار الشائعة واعتبارها وسيلة للّهو وقضاء الوقت، في وقت تمس فيه كيان المجتمع الإِسلامي وشرفه، إضافة إلى مساسها بشرف بعض المسلمين.

وممّا يلفت النظر أنَّ الآية استعملت تعبير «بألسنتكم» تارةً أخرى تعبير «بأفواهكم» على الرغمِ من أنَّ جميعَ الكلام يصدر عن طريق الفم واللسان، إشارة إلى أنّكم لم تطلبوا الدليل على الكلام الذي تقبلتموه، ولا تملكون دليلا يُسوِّغُ لكم نَشْرَهُ، والأمر الوحيد الذي كان بأيديكم هو لقلقة لسانكم وحركات أفواهكم.

ونظراً لهول هذه الحادثة التي استصغرها بعض المسلمين، أكدتها الآية ثانية، فانَّبتهم مرّة أُخرى ولذعتهم بعباراتها إذْ قالت {ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم}.

وسبق لهذه الآية أن وجهت اللوم لهم لسوء ظنهم بالذي وجه إليه الإتهام باطلا، وهنا تقول الآية: إضافة إلى وجوب حسن الظن بالمتهم يجب ألا تسمحوا لأنفسكم بالتحدث عنه، ولا تتناولوا التهمة الموجهة إليه، فكيف بكم وقد كنتم سبباً لنشرها!

عليكم أن تعجبوا لهذه التهمة الكبيرة، وأن تذكروا الله سبحانه وتعالى، وأن تلجأوا إلى الله يطهركم من نشر هذه التهمة وإشاعتها. ومع كل الأسف استصغرتموها ونشرتموها بكل يسر، فأصبحتم بذلك آلةً بيد المنافقين المتآمرين المروجين للشائعات.

هذا وسنتناول بالبحث ـ خلال تفسير الآيات القادمة ـ ذنب اختلاق الشائعة ودوافعها، والسبيل إلى مكافحتها، بعون الله وتوفيقه.

{وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ {16} يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ {17} وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {18} إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {19} وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}.

حرمة إشاعة الفحشاء:

تحدثت هذه الآيات أيضاً عن حديث الإفك، والنتائج المشؤومة والأليمة لاختلاق الشائعات ونشرها، واتهام الأشخاص الطاهرين بتهمة تمس شرفهم وعفتهم. وهذه القضية مهمه بدرجة أن القرآن المجيد تناولها عدّة مرات، وعَرَضَ لها من طرق مختلفة مؤثرة، باحثاً محللا لها من أجل ألاّ تتكرر مثل هذه الواقعة الأليمة في المجتمع الإسلامي، فذكر أولا {يعظكم الله أن تعودوا لمثله} (4).

أي أن من علامات الإيمان أن لا يتوجه الإنسان نحو الذنوب العظام، وإذا ارتكبها فذلك يدلّ على عدم إيمانه أو ضعفه، والجملة المذكورة تشكل ـ في الحقيقة ـ أحد أركان التوبة، إذ أنَّ الندم على الماضي لا يكفي، بل يجب التصميم على عدم تكرار ارتكاب الذنوب في المستقبل، لتكون توبة كاملة.

ولتأكيد أكثر على أنَّ هذا الكلام ليس اعتيادياً، بل صادر عن الله العليم الحكيم، ولبيان الحقائق ذات الأثَر الفَعَّال في مصير الإنسان، يقول سبحانه وتعالى {ويبيّن الله لكم الآيات والله عليم حكيم}.

فهو يعلم تفاصيل أعمالكم تمام العلم، ويصدر أحكامَهُ بمقتضى حكمته الهادِيةِ لكم. وبتعبير آخر: إنه يعلم حاجاتكم وما يضرّكم وما ينفعكم بمقتضى علمه الواسع، ويصدر أحكامه وأوامره المتناسبة لاحتياجاتكم بمقتضى حكمته.

ولتثبيت الأمر نقل الكلام من مورده الخاص إلى بيان عام لقانون شامل دائم، فقال: {إن الذين يحبّون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم من الدنيا والآخرة}.

وممّا يلفت النظر أنّ القرآن الكريم لم يقل «الذين يشيعون الفاحشة، بل قال: {الذين يحبون أن تشيع الفاحشة} وهذا يحكي عن الأهمية القصوى التي يدليها القرآن لذلك. وبعبارة أخرى: أنّه لا ينبغي توهم أن ذلك كان من أجل زوجة النبي{صلى الله عليه وآله وسلم} أو شخص آخر بمنزلتها، بل من أجل كلّ مؤمن ومؤمنة، فلا خصوصية في ذلك، إنّما هي عامّة للجميع على الرغم من أن كل حالة لها خصائصها، وقد تزيد الواحدة على الأُخرى في الخصائص أو تنقص.

كما يجب الإنتباه إلى أن إشاعة الفحشاء لا تنحصر في ترويج تُهمة كاذبة ضد مسلم مؤمن، يتهم بعمل مخل بالشرف، بل هذه مصداق من مصاديقها ولهذا التعبير مفهوم واسع يضم كل عمل يساعد في نشر الفحشاء والمنكر.

وقد وردت في القرآن المجيدِ كلمةُ «الفحشاء» غالباً للدلالة على العمل المخل بالعفّة والشرف. ولكن من الناحية اللغوية، فقد ذكر الراغب الإصفهاني مفهوماً واسعاً لها فقال: الفحش والفحشاء والفاحشة، ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال.

ويستعمل القرآن أحياناً هذا المفهوم الواسع، حيث يقول {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ} [الشورى: 37].

وبهذا يتّضح المفهوم الواسع للآية:

أمّا قول القرآن الكريم: {لهم عذاب عظيم في الدنيا} فقد يكون إشارة إلى الحدود والتعزيرات الشرعية. وردود الفعل الإجتماعية، وما يبتلى به الناس في هذه الدنيا من مظاهر مشؤومة بسبب أعمالهم القبيحة، إضافة إلى عدم تقبل أية شهادة منهم، وإدانتهم بالفسق والفجور وافتضاح أمرهم. كل ذلك من النتائج الدنيوية التي تترتب على أقوالهم وأعمالهم القبيحة.

وأمّا عذابهم الأليم في الآخرة، فيكون في ابتعادهم عن رحمةِ الله، واستحقاقهم غضب الله وعذاب النار.

وتختم الآية بالقول {والله يعلم وأنتم لا تعلمون} أجل، وإن الله يعلم بالعاقبة المشؤومة التي تنتظر الذي يشيعون الفحشاء في الدنيا والآخرة، ولكنّكم لا تعلمون أبعاد هذه القضية.

إنّه يعلم الذين يبيتون في قلوبهم حب هذا الذنب، ويعلم الذين يمارسونه تحت واجهات خداعة، أمّا أنتم فلا تعلمون ذلك ولا تدركونَهُ.

أجل، يعلم الله كيف ينزل أحكامه ليحول دون ارتكاب هذه الأعمال القبيحة.

وكررت الآية الأخيرةُ ـ ممّا نَحنُ بصددِه مِن الآيات التي تناولت حديث الافك ومكافحة إشاعة الفحشاء، وقَذْف المؤمنين المتطهرين ـ هذه الحقيقة

لتؤكّد القول {ولولا فضل الله عليكم ورحمته وإن الله رؤوف رحيم}.(5).

 

________________
1- تفسير الامثل ، مكارم الشيرازي، ج7،ص33-40.

2 ـ نقل تفسير «روح المعاني» هذا المعنى عن كتاب «الصحاح».

3 ـ وأمّا قول البعض بأن المضاف محذوف وتقديره «ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفس بعضهم خيراً»

ليس صائباً ويفقد الآية جمالها وروعتها.

4 ـ لهذه الجملة كلمة محذوفة هي حرف «لا»

وتقديرها: «يعظكم الله أن لا تعودوا لمثله أبداً»

وإذا لم نقدّر محذوفاً، فإن عبارة «يعظكم» تعني ينهاكم. أي إن الله ينهاكم من العودة إلى مثل هذا العمل.

5 ـ لهذه الجملة محذوف كما يبدو في آيات اُخرى سبقت، وتقديره «لولا فضل اللّه عليكم لمسّكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم».

 

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .