أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-8-2020
14432
التاريخ: 6-8-2020
6338
التاريخ: 9-8-2020
37077
التاريخ: 4-8-2020
23915
|
قال تعالى : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [النور: 55 - 57].
{وعد الله الذين آمنوا منكم} أي: صدقوا بالله وبرسوله، وبجميع ما يجب التصديق به {وعملوا الصالحات} أي: الطاعات الخالصة لله {ليستخلفنهم في الأرض} أي: ليجعلنهم يخلفون من قبلهم. والمعنى: ليورثنهم أرض الكافر من العرب والعجم، فيجعلهم سكانها وملوكها {كما استخلف الذين من قبلهم} قال مقاتل: يعني بني إسرائيل!. إذ أهلك الله الجبابرة بمصر، وأورثهم أرضهم، وديارهم، وأموالهم. وعن أبي بن كعب قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه المدينة، وآوتهم الأنصار، رمتهم العرب عن قوس واحدة، وكانوا لا يبيتون إلا مع السلاح، ولا يصبحون إلا فيه. فقالوا: ترون أنا نعيش حتى نبيت آمنين مطمئنين، لا نخاف إلا الله؟ فنزلت هذه الآية. وعن المقداد بن الأسود، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " لا يبقى على الأرض بيت مدر، ولا وبر، إلا أدخله الله تعالى كلمة الاسلام، بعز عزيز، أو ذل ذليل، إما أن يعزهم الله فيجعلهم من أهلها، وإما أن يذلهم فيدينون لها ". وقيل: إنه أراد بالأرض أرض مكة، لأن المهاجرين كانوا يسألون ذلك.
{وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم} يعني دين الاسلام الذي أمرهم أن يدينوا به، وتمكينه أن يظهره على الدين كله، كما قال: " زويت لي الأرض فأريت مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها ". وقيل: تمكينه بإعزاز أهله وإذلال أهل الشرك، وتمكين أهله من إظهاره بعد أن كانوا يخفونه. {وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا} أي: وليصيرنهم بعد أن كانوا خائفين بمكة، آمنين بقوة الاسلام وانبساطه. قال مقاتل: وقد فعل الله ذلك بهم، وبمن كان بعدهم من هذه الأمة:
مكن لهم في الأرض، وأبدلهم أمنا من بعد خوف، وبسط لهم في الأرض، فقد أنجز وعده لهم. وقيل: معناه وليبدلنهم من بعد خوفهم في الدنيا أمنا في الآخرة، ويعضده ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال حاكيا عن الله سبحانه: إني لا أجمع على عبد واحد بين خوفين، ولا بين أمنين: إن خافني في الدنيا أمنته في الآخرة، وإن أمنني في الدنيا، خوفته في الآخرة.
{يعبدونني لا يشركون بي شيئا} هذا استئناف كلام في الثناء عليهم، ومعناه:
لا يخافون غيري، عن ابن عباس. وقيل: معناه لا يراؤون بعبادتي أحدا. وفي الآية دلالة على صحة نبوة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم من جهة الإخبار عن غيب لا يعلم إلا بوحي من الله عز وجل. {ومن كفر بعد ذلك} أي: بعد هذه النعم {فأولئك هم الفاسقون} ذكر الفسق بعد الكفر، مع أن الكفر أعظم من الفسق، لأن الفسق في كل شئ هو الخروج إلى أكثره. فالمعنى: أولئك هم الخارجون إلى أقبح وجوه الكفر وأفحشه.
وقيل: معناه من جحد تلك النعمة بعد إنعام الله تعالى بها، فأولئك هم العاصون لله، عن ابن عباس.
واختلف في الآية فقيل: إنها واردة في أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وقيل: هي عامة في أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم عن ابن عباس، ومجاهد. والمروي عن أهل البيت عليه السلام: أنها في المهدي من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وروى العياشي بإسناده عن علي بن الحسين عليه السلام أنه قرأ الآية، وقال: هم والله شيعتنا أهل البيت. يفعل الله ذلك بهم على يدي رجل منا، وهو مهدي هذه الأمة، وهو الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم، حتى يلي رجل من عترتي، اسمه اسمي، يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا ". وروي مثل ذلك عن أبي جعفر عليه السلام، وأبي عبد الله عليه السلام. فعلى هذا يكون المراد ب {الذين آمنوا وعملوا الصالحات}: النبي وأهل بيته، صلوات الرحمن عليهم.
وتضمنت الآية البشارة لهم بالاستخلاف، والتمكن في البلاد، وارتفاع الخوف عنهم عند قيام المهدي عليه السلام منهم. ويكون المراد بقوله {كما استخلف الذين من قبلهم} هو أن جعل الصالح للخلاف خليفة مثل آدم، وداود، وسليمان عليه السلام. ويدل على ذلك قوله: {إني جاعل في الأرض خليفة}، و {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض}، وقوله {فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناه ملكا عظيما}. وعلى هذا إجماع العترة الطاهرة، وإجماعهم حجة، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ". وأيضا فإن التمكين في الأرض على الإطلاق، لم يتفق فيما مضى، فهو منتظر لأن الله عز اسمه، لا يخلف وعده.
{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ }
ثم أمر سبحانه بإقامة أمور الدين، فقال: {وأقيموا الصلاة} أي:
قوموا بأدائها وإتمامها في أوقاتها. {وآتوا الزكاة} المفروضة {وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون} أي: لترحموا جزاء على ذلك، وتثابوا بالنعم الجزيلة. ثم قال:
{لا تحسبن} يا محمد، أو أيها السامع. {الذين كفروا معجزين} أي: سابقين فائتين {في الأرض}. يقال: طلبته فأعجزني أي: فاتني وسبقني أي: لا يفوتونني. ومن قرأ بالياء فمعناه. لا يظنن الكافرون أنهم يفوتونني {ومأواهم النار} أي: مستقرهم ومصيرهم النار {ولبئس المصير} أي: بئس المستقر والمأوى. وإنما وصفها بذلك، وإن كانت حكمة وصوابا من فعل الله تعالى، لما ينال الصائر إليها من الشدائد، والآلام.
__________________
1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي ،ج7،ص265-268.
قال تعالى : { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } . ظاهر الآية يدل على أن أية أمة تؤمن باللَّه ورسوله ، وتلتزم العمل بشريعته فان اللَّه يستخلفها ويمكن لها في الأرض كان على ربك حتما مقضيا . .
وقد أخذ بعض المفسرين بهذا الظاهر ، ثم شرع يشرح ويفسر معنى الايمان والعمل الصالح وحدودهما وقيودهما .
أما نحن فمع الذين قالوا : ان المقصود بالآية هم النبي والصحابة خاصة ، فإنهم لاقوا الكثير من الأذى والعناء في ذات اللَّه قبل الهجرة وبعدها ، ورماهم المشركون واليهود عن قوس . واحدة ، وكانوا ، وهم في المدينة إلى عام الفتح ، لا يصبحون ولا يمسون إلا مع السلاح ، حتى قال قائلهم - كما في تفسير الطبري - ما يأتي علينا يوم نأمن فيه ، ونضع عنا السلاح . . فقال له النبي (صلى الله عليه واله وسلم) : لا تعبرون يسيرا حتى يجلس الرجل ليس معه سلاح . وتحقق وعد اللَّه ورسوله ، فما مضت الأيام حتى عاشوا آمنين على أنفسهم وأموالهم ، وحكموا البلاد العربية كلها ، وفتحوا الكثير من بلاد المشرق والمغرب .
{ ولَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ } . يشير سبحانه إلى انتشار الإسلام وسلطانه في شرق الأرض وغربها { ولَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً } . وهذه هي نتيجة الصبر والتوكل على اللَّه ، وتقدم ذلك بصورة أوسع في الآية 26 من سورة الأنفال ج 3 ص 469 . { يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً } . والشرك لا يختص بعبادة الأصنام ، فمن أطاع المخلوق في معصية الخالق فهو في حكم المشرك .
{ ومَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ } إشارة إلى الاستخلاف والتمكين في الأرض ، والأمن بعد الخوف { فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ } واللَّه لا يهدي القوم الفاسقين { وأَقِيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكاةَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } . هذا بيان وتفسير لقوله تعالى في الآية السابقة : الذين آمنوا وعملوا الصالحات { لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ ومَأْواهُمُ النَّارُ ولَبِئْسَ الْمَصِيرُ } . الخطاب في لا تحسبن لرسول اللَّه (صلى الله عليه واله وسلم) ، والغرض منه تهديد منه خالف رسالته وعاندها ، وأيضا هو تهديد لكل من بدّل نعمة اللَّه كفرا ، وفي نهج البلاغة : أقل ما يلزمكم للَّه أن لا تستعينوا بنعمته على معاصيه .
وجه آخر لإعجاز القرآن :
في ج 1 ص 65 فقرة « سر الاعجاز في القرآن » أشرنا إشارة سريعة إلى أقوال العلماء في اعجاز القرآن ، وعند تفسير آية المباهلة 61 من سورة آل عمران قلنا : ان إقدام النبي (صلى الله عليه واله وسلم) على المباهلة واثقا بالنصر الذي أخبره به القرآن ، وتحققه كما أخبر ، ان هذا من أعظم الأدلة على صدق القرآن ومن أوحي إليه ، وعند تفسير الآية 53 من سورة النساء قلنا : ان كشف القرآن عن طبيعة اليهود ، وأنهم لو ملكوا لفعلوا كما فعلوا الآن بفلسطين - دليل قاطع على اعجاز القرآن وصدقه ، حيث تحقق ما أخبر به بعد أكثر من ألف وثلاثمائة سنة .
والآن ، ونحن نفكر في تفسير هذه الآية : وعد اللَّه الذين آمنوا الخ تنبهنا إلى وجه آخر لإعجاز القرآن ، وهو ان كلمات القرآن عربية تتداولها الناس كتابة ومشافهة قبل القرآن وبعده ، ولا تختلف عن غيرها في الحروف والتركيب ، ومع ذلك فان الجملة من القرآن تتحمل من المعاني الكثيرة ما لا تتحمله في غير القرآن حتى الحديث النبوي يفقد هذه الميزة ، ولذا قال الإمام علي (عليه السلام) لابن عباس :
لا تخاصم الخوارج بالقرآن ، فان القرآن حمّال ذو وجوه تقول ويقولون ، ولكن حاججهم بالسنة ، فإنهم لن يجدوا عنها محيصا .
والسر في ذلك يكمن في سعة المتكلم ، لا في سعة الكلام نفسه ، وإلا لجاء على نسق واحد في القرآن وغير القرآن . . ان الكلام جامد لا حياة فيه ، والمتكلم هو الذي يبعث فيه الحياة والإيحاء ، ومن هنا اختلف ايحاء الكلام باختلاف المتكلم ، فان ما يوحيه كلام العالم غير ما يوحيه كلام الجاهل ، وان تشابهت الجمل والكلمات ، حتى آيات القرآن يختلف ايحاؤها باختلاف من يتلوها . . وكذلك الحال بالنسبة إلى كلام المخلص والمنافق . . وعلى هذا فإن اتساع القرآن للعديد من الوجوه والمعاني دليل قاطع على أنه ممن وسع كل شيء علما .
____________________
1- تفسير الكاشف ، محمد جواد مغنيه ، ج5 ، ص436-437.
قوله تعالى: { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم } إلى آخر الآية.
ظاهر وقوع الآية موقعها أنها نزلت في ذيل الآيات السابقة من السورة وهي مدينة ولم تنزل بمكة قبل الهجرة على ما يؤيد سياقها وخاصة ذيلها.
فالآية - على هذا - وعد جميل للذين آمنوا وعملوا الصالحات أن الله تعالى سيجعل لهم مجتمعا صالحا يخص بهم فيستخلفهم في الأرض ويمكن لهم دينهم ويبدلهم من بعد خوفهم آمنا لا يخافون كيد منافق ولا صد كافر يعبدونه لا يشركون به شيئا.
فقوله: { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات } من فيه تبعيضية لا بيانية والخطاب لعامة المسلمين وفيهم المنافق والمؤمن وفي المؤمنين منهم من يعمل الصالحات ومن لا يعمل الصالحات، والوعد خاص بالذين آمنوا منهم وعملوا الصالحات محضا.
وقوله: { ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم } إن كان المراد بالاستخلاف إعطاء الخلافة الإلهية ما ورد في آدم وداود وسليمان عليه السلام، قال تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً } [البقرة: 30] ، وقال: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} [ص: 26] ، وقال: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ } [النمل: 16] ، فالمراد بالذين من قبلهم خلفاء الله من أنبيائه وأوليائه ولا يخلو من بعد كما سيأتي.
وإن كان المراد به إيراث الأرض وتسليط قوم عليها بعد قوم كما قال: {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128] ، وقال: {أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105] ، فالمراد بالذين من قبلهم المؤمنون من أمم الأنبياء الماضين الذين أهلك الله الكافرين والفاسقين منهم ونجى الخلص من مؤمنيهم كقوم نوح وهود وصالح وشعيب كما أخبر عن جمعهم في قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} [إبراهيم: 13، 14] ، فهؤلاء الذين أخلصوا لله فنجاهم فعقدوا مجتمعا صالحا وعاشوا فيه حتى طال عليهم الأمد فقست قلوبهم.
وأما قول من قال: إن المراد بالذين استخلفوا من قبلهم بنو إسرائيل لما أهلك الله فرعون وجنوده فأورثهم أرض مصر والشام ومكنهم فيها كما قال تعالى فيهم: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص: 5].
ففيه أن المجتمع الإسرائيلي المنعقد بعد نجاتهم من فرعون وجنوده لم يصف من الكفر ولنفاق والفسق ولم يخلص للذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا حينا على ما ينص عليه القرآن الكريم في آيات كثيرة، ولا وجه لتشبيه استخلاف الذين آمنوا وعملوا الصالحات باستخلافهم وفيهم الكافر والمنافق والطالح والصالح.
ولو كان المراد تشبيه أصل استخلافهم بأصل استخلاف الذين من قبلهم - وهم بنو إسرائيل - كيفما كان لم يحتج إلى إشخاص المجتمع الإسرائيلي للتشبيه به وفي زمن نزول الآية وقبل ذلك أمم أشد قوة وأكثر جمعا منهم كالروم والفارس وكلدة وغيرهم وقد قال تعالى في عاد الأولى وثمود: {إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} [الأعراف: 69] ، وقال: {إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ} [الأعراف: 74] ، وقد خاطب بذلك الكفار من هذه الأمة فقال: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ} [الأنعام: 165] ، وقال: {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} [فاطر: 39].
فإن قلت: لم لا يجوز أن يكون التشبيه ببني إسرائيل ثم يؤدي حق هذا المجتمع الصالح بما يعقبه من قوله: { وليمكنن لهم دينهم } إلى آخر الوعد؟
قلت: نعم ولكن لا موجب حينئذ لاختصاص استخلاف بني إسرائيل لان يشبه به وأن يكون المراد بالذين من قبلهم بني إسرائيل فقط كما تقدم.
وقوله: { وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم } تمكين الشئ إقراره في مكان وهو كناية عن ثبات الشئ من غير زوال واضطراب وتزلزل بحيث يؤثر أثره من غير مانع ولا حاجز فتمكن الدين هو كونه معمولا به في المجتمع من غير كفر به واستهانة بأمره، ومأخوذا بأصول معارفه من غير اختلاف وتخاصم وقد حكم الله سبحانه في مواضع من كلامه أن الاختلاف في الدين من بغي المختلفين كقوله: {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [البقرة: 213].
والمراد بدينهم الذي إرتضى لهم دين الاسلام، وأضاف الدين إليهم تشريفا لهم ولكونه من مقتضى فطرتهم.
وقوله: { وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا } هو كقوله: { وليمكنن لهم } عطف على قوله: { ليستخلفنهم } وأصل المعنى: وليبدلن خوفهم أمنا فنسبة التبديل إليهم إما على المجاز العقلي أو على حذف مضاف يدل عليه قوله: { من بعد خوفهم } والتقدير وليبدلن خوفهم: أو كون { أمنا } بمعنى: آمين.
والمراد بالخوف على أي حال، ما كان يقاسيه المؤمنون في صدر الاسلام من الكفار والمنافقين.
وقوله: { يعبدونني لا يشركون بي شيئا } الأوفق بالسياق أن يكون حالا من ضمير { وليبدلنهم } أي وليبدلن خوفهم أمنا في حال يعبدونني لا يشركون بي شيئا.
والالتفات في الكلام من الغيبة إلى التكلم، و تأكيد { يعبدونني } بقوله: { لا يشركون بي شيئا } ووقوع النكرة - شيئا - في سياق النفي الدال على نفي الشرك على الاطلاق كل ذلك يقضي بأن المراد عبادتهم لله عبادة خالصة لا يداخلها شرك جلي أو خفي، وبالجملة يبدل الله مجتمعهم مجتمعا أمنا يعبد فيه إلا الله ولا يتخذ فيه رب غيره.
وقوله: { ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون } ظاهر السياق كون { ذلك } إشارة إلى الموعود و الأنسب على ذلك كون { كفر } من الكفران مقابل الشكر، والمعنى: ومن كفر ولم يشكر الله بعد تحقق هذا الوعد الكفر أو النفاق أو سائر المعاصي الموبقة أولئك هم الفاسقون الكاملون في الفسق وهو الخروج عن زي العبودية.
وقد اشتد الخلاف بين المفسرين في الآية.
فقيل: انها واردة في أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد أنجز الله عده لهم باستخلافهم في الأرض وتمكين دينهم وتبديل خوفهم أمنا بما أعز الاسلام بعد رحلة النبي في أيام الخلفاء الراشدين، والمراد باستخلافهم استخلاف الخلفاء الأربعة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو الثلاثة الأول منهم، ونسبة الاستخلاف إلى جميعهم مع اختصاصه ببعضهم وهم الأربعة أو الثلاثة من قبيل نسبة أمر البعض إلى الكل كقولهم: قتل بنو فلان وإنما قتل بعضهم.
وقيل: هي عامة لامة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والمراد باستخلافهم وتمكين دينهم وتبديل خوفهم أمنا إيراثهم الأرض كما أورثها الله الأمم الذين كانوا قبلهم أو استخلاف الخلفاء بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم - على اختلاف التقرير - وتمكين الاسلام وانهزام أعداء الدين وقد أنجز الله وعده بما نصر الاسلام والمسلمين بعد الرحلة ففتحوا الأمصار وسخروا الأقطار.
وعلى القولين الآية من ملاحم القرآن حيث أخبر بأمر قبل أو ان تحققه ولم يكن مرجوا ذلك يومئذ.
وقيل: إنها في المهدي الموعود عليه السلام الذي تواترت الاخبار على أنه سيظهر فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، وإن المراد بالذين آمنوا وعملوا الصالحات النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة من أهل بيته عليهم السلام.
والذي يعطيه سياق الآية الكريمة على ما تقدم من البحث بالتحرز عن المسامحات التي ربما يرتكبها المفسرون في تفسير الآيات هو أن الوعد لبعض الأمي لا لجميعها ولا لاشخاص خاصة منهم وهم الذين آمنوا منهم وعملوا الصالحات فالآية في ذلك، ولا قرينة من لفظ أو عقل يدل على كونهم هم الصحابة أو النبي وأئمة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، ولا على أن المراد بالذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات جميع الأمة وإنما صرف الوعد إلى طائفة خاصة منهم تشريفا لهم أو لمزيد العناية بهم فهذا كله تحكم من غير وجه.
والمراد باستخلافهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم عقد مجتمع مؤمن صالح منهم يرثون الأرض كما ورثها الذين من قبلهم من الأمم الماضين أولى القوة والشوكة، وهذا الاستخلاف قائم بمجتمعهم الصالح من دون أن يختص به أشخاص منهم كما كان كذلك في الذين من قبلهم، وأما إرادة الخلافة الإلهية بمعنى الولاية على المجتمع كما كان لداود وسليمان ويوسف عليهم السلام وهي السلطنة الإلهية فمن المستبعد أن يعبر عن أنبيائه الكرام بلفظ { الذين من قبلهم } وقد وقعت هذه اللفظة أو ما بمعناها في أكثر من خمسين موضعا من كلامه تعالى ولم يقصد ولا في واحد منها الأنبياء الماضون مع كثرة ورود ذكرهم في القرآن، نعم ذكرهم الله بلفظ { رسل من قبلك } أو { رسل من قبلي } أو نحو هما بالإضافة إلى الضمير الراجع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
والمراد بتمكين دينهم الذي ارتضى لهم كما مر ثبات الدين على ساقة بحيث لايزلزله اختلافهم في أصوله، ولا مساهلتهم في إجراء أحكامه، والعمل بفروعه وخلوص المجتمع من وصمه النفاق فيه.
والمراد من تبديل خوفهم أمنا انبساط الامن والسلام على مجتمعهم بحيث لا يخافون عدوا في داخل مجتمعهم أو خارجه متجاهرا أو مستخفيا على دينهم أو دنياهم.
وقول بعضهم: إن المراد الخوف من العدو الخارج من مجتمعهم كما كان المسلمون يخافون الكفار والمشركين القاصدين إطفاء نور الله وإبطال الدعوة.
تحكم مدفوع بإطلاق اللفظ من غير قرينة معينة للمدعي. على أن الآية في مقام الامتنان وأي امتنان على قوم لا عدو يقصدهم من خارج وقد أحاط بمجتمعهم الفساد وعمته البلية لا أمن لهم في نفس ولا عرض ولا مال، الحرية فيه للقدرة الحاكمة والسبق فيه للفئة الباغية.
والمراد بكونهم يعبدون الله لا يشركون به شيئا ما يعطيه حقيقة معنى اللفظ وهو عموم إخلاص العبادة وانهدام بنيان كل كرامة إلا كرامة التقوى.
والمتحصل من ذلك كله أن الله سبحانه يعد الذين آمنوا منهم وعملوا الصالحات أن سيجعل لهم مجتمعا صالحا خالصا من وصمة الكفر والنفاق والفسق يرث الأرض لا يحكم في عقائد أفراده عامة ولا أعمالهم إلا الدين الحق يعيشون آمنين من غير خوف من عدو داخل أو خارج، أحرارا من كيد الكائدين وظلم الظالمين وتحكم المتحكمين.
وهذا المجتمع الطيب الطاهر على ما له من صفات الفضيلة والقداسة لم يتحقق ولم ينعقد منذ بعث لنبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى يومنا هذا، وإن انطبق فلينطبق على زمن ظهور المهدي عليه السلام على ما ورد من صفته في الأخبار المتواترة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة أهل البيت عليه السلام لكن على أن يكون الخطاب للمجتمع الصالح لا له عليه السلام وحده.
فإن قلت: ما معنى الوعد حينئذ للذين آمنوا منهم وعملوا الصالحات وليس المهدي عليه السلام أحد المخاطبين حين النزول ولا واحد من أهل زمان ظهوره بينهم؟
قلت: فيه خلط بين الخطابات الفردية والاجتماعية أعني الخطاب متوجه إلى أشخاص القوم بما هم أشخاص بأعيانهم والخطاب المتوجه إليهم بما هم قوم على نعت كذا فالأول لا يتعدى إلى غير أشخاصهم ولا ما تضمنه من وعد أو وعيد أو غير ذلك يسري إلى غيرهم، والثاني يتعدى إلى كل من اتصف بما ذكر فيه من الوصف ويسري إليه ما تضمنه من الحكم، وخطاب الآية من القبيل الثاني على ما تقدم.
ومن هذا القبيل أغلب الخطابات القرآنية المتوجهة إلى المؤمنين والكفار، ومنه الخطابات الذامة لأهل الكتاب وخاصة اليهود بما فعله أسلافهم وللمشركين بما صنعه آباؤهم.
ومن هذا القبيل خاصة ما ذكر من الوعد في قوله تعالى: { فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ} [الإسراء: 7] ، فإن الموعودين لم يعيشوا إلى زمن إنجاز هذا الوعد، ونظيره الوعد المذكور في قول ذي القرنين على ما حكاه الله: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} [الكهف: 98] ، وكذا وعده تعالى الناس بقيام الساعة وانطواء بساط الحياة الدنيا بنفخ الصور كما قال: {ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً} [الأعراف: 187] ، فوعد الصالحين من المؤمنين بعنوان أنهم مؤمنون صالحون بوعد لا يدركه أشخاص زمان النزول بأعيانهم ولما يوجد أشخاص المجتمع الذي يدرك إنجاز الوعد مما لا ضير فيه البتة.
فالحق أن الآية إن أعطيت حق معناها لم تنطبق إلا على المجتمع الموعود الذي سينعقد بظهور المهدي عليه السلام وإن سومح في تفسير مفرداتها وجملها وكان المراد باستخلاف الذين آمنوا منهم وعملوا الصالحات استخلاف الأمة بنوع من التغليب نحوه، وبتمكين دينهم الذي ارتضاه لهم كونهم معروفين في الدنيا بالأمة المسلمة وعدهم الاسلام دينا لهم وإن تفرقوا فيه ثلاثا وسبعين فرقة يكفر بعضهم بعضا ويستبيح بعضهم دماء بعض وأعراضهم وأموالهم، وبتبديل خوفهم أمنا يعبدون الله ولا يشركون به شيئا عزة الأمة وشوكتها في الدنيا وانبساطها على معظم المعمورة وظواهر ما يأتون به من صلاة وصوم وحج وإن ارتحل الامن من بينهم أنفسهم وودعهم الحق والحقيقة، فالوجه أن الموعود بهذا الوعد الأمة، والمراد باستخلافهم ما رزقهم الله من العزة والشوكة بعد الهجرة إلى ما بعد الرحلة ولا موجب لقصر ذلك في زمن الخلفاء الراشدين بل يجري فيما بعد ذلك إلى زمن انحطاط الخلافة الاسلامية.
وأما تطبيق الآية على خلافة الخلفاء الراشدين أو الثلاثة الأول أو خصوص على عليه السلام فلا سبيل إليه البتة.
قوله تعالى: { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون } مناسبة مضمون الآية لما سيقت لبيانه الآيات السابقة تعطي أنها من تمامها.
فقوله: { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } أمر في الحقيقة بطاعته تعالى فيما شرعه لعباده، وتخصيص الصلاة والزكاة بالذكر كونهما ركنين في التكاليف الراجعة إلى الله تعالى وإلى الخلق، وقوله: { وأطيعوا الرسول } إنفاذ لولايته صلى الله عليه وآله وسلم في القضاء والحكومة.
وقوله: { لعلكم ترحمون } تعليل للامر بما في المأمور به من المصلحة، والمعنى - على ما يعطيه السياق أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن في هاتين الطاعتين رجاء أن تشملكم الرحمة الإلهية فينجز لكم وعده أو يجعل لكم إنجازه فإن ارتفاع النفاق من بين المسلمين وعموم الصلاح والاتفاق على كلمة الحق مفتاح انعقاد مجتمع صالح يدر عليهم بكل خير.
قوله تعالى: { لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض ومأواهم النار ولبئس المصير } من تمام الآيات السابقة، وفيها تأكيد ما مر من وعد الاستخلاف في الأرض وتمكين الدين وتبديل الخوف أمنا.
يخاطب تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بعد الوعد - بخطاب مؤكد - أن لا يظن أن الكفار معجزون لله في الأرض فيمنعونه بما عندهم من القوة والشوكة من أن ينجز وعده، وهذا في الحقيقة بشرى خاصة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم بما أكرم به أمته وأن أعداءه سينهزمون ويغلبون ولذلك خصه بالخطاب على طريق الالتفات.
ولكون النهي المذكور في معنى أن الكفار سينتهون عن معارضة الدين وأهله عطف عليه قوله: { ومأواهم النار } الخ، كأنه قيل: هم مقهورون في الدنيا ومسكنهم النار في الآخرة وبئس المصير.
__________________
1- تفسير الميزان الطباطبائي، ج15 ، ص122-128.
حكومة المستضعفين العالمية:
تحدثت الآية السابقة عن طاعة الله ورسوله والتسليم له، وقد واصلت الآية ـ موضع البحث ـ هذا الموضوع، وبيّنت نتيجة هذه الطاعة ألا وهي الحكومة العالمية التي: وعدها الله المؤمنين به. فقالت الآية مؤكّدة {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم}. {وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم} ويجعله متجذراً وثابتاً وقوياً بين شعوب العالم.
{وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً} وبعد سيادة حكم التوحيد في العالم وإجراء الأحكام الإِلهية، واستقرار الأمن واقتلاع جذور الشرك، {ومن كفر بعد ذلك فأُولئك هم الفاسقون}.
وعلى كلّ حال يبدو من مجمل هذه الآية أنّ الله يبشر مجموعة من المسلمين الذين يتصفون بالإيمان والعمل الصالح بثلاث بشائر:
1 ـ استخلافهم وحكومتهم في الأرض.
2 ـ نشر تعاليم الحقّ بشكل جذري وفي كلّ مكان (كما يستفاد من كلمة «تمكين»...).
3 ـ انعدام جميع عوامل الخوف والإضطراب.
وينتج من كل هذا أن يُعبد الله بكلّ حرية، وتُطبق تعاليمُه ولا يشرك به، ويتمّ نشرُ عقيدة التوحيد في كلّ مكان.
{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ }
استحالة الفرار من حكومته تعالى:
وعدت الآية السابقة المؤمنين الصالحين بالخلافة في الأرض، وتعيىء هاتان الآيتان الناس للتمهيد لهذه الحكومة، وخلال نفيها وجود حواجز كبيرة لهذا العمل، تضمن هي بذاتها نجاحه. وفي الحقيقة أن إحدى هاتين الآيتين بيّنت المقتضي، بينما نفت الثّانية المانع، فهي تقول أوّلا: {وأقيموا الصلاة}.
وهي الوسيلة التي توثق الصلة بين الخالق والمخلوق، وتقرّب الناس إلى بارئهم، وتمنع عنهم الفحشاء والمنكر.
{وآتوا الزّكاة} وهي الوسيلة التي تربط الإنسان بأخيه الإنسان، وتقلل الفواصل بينهما، وتقوي ارتباطهما العاطفي.
وبشكل عام يكون في كلّ شيء تبعاً للرسول: {وأطيعوا الرّسول} طاعة
تكونون بسببها من المؤمنين الصالحين الجديرين بقيادة الحكم في الأرض {لعلكم ترحمون} وتكونون لائقين لحمل رأية الحقّ والعدل.
وإذا احتملتم أن الأعداء الأقوياء المعاندين يمنعوكم من تحقق ما وعدكم الله إيّاهُ، فذلك غير ممكن، لأن قادرٌ على كلّ شيء، ولا يحجُب إرادته شيء، ولهذا {لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض} فهؤلاء الكفار لا يستطيعون الفرار من عقاب الله وعذابه في الأرض، ولا يقتصر ذلك على الدنيا فقط، بل أنّهم في الآخرة {مأواهم النار ولبئس المصير}
وكلمة «معجزين» جمع «معجز»، المشتقّة من الإعجاز بمعنى نفاذ القدرة، وأحياناً يتابع المرء شخصاً يفر من يديه، ولا يمكنه القبض عليه وقد خرج من سلطته فهو يعجزه، لهذا استعملت كلمة «معجز» بهذا المعنى، وكذلك تشير الآية السابقة إلى المعنى ذاته، ومفهومها أنّكم لا يمكنكم الفرارُ من حكومة الله.
________________
1- تفسير الامثل ، مكارم الشيرازي، ج9،ص118-124.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|