أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-10-2016
1502
التاريخ: 9-8-2016
1331
التاريخ: 9-8-2016
2028
التاريخ: 29-8-2016
1812
|
في جواز اجتماع الأمر والنهي وامتناعه، وليعلم أوّلا أنّ النزاع المذكور إنّما يكون بعد فرض وجود المندوحة وتمكّن المكلّف من إيجاد عنوان المأمور به في غير مورد النهي، وإلّا فالمسلّم عند الكل عدم الجواز لقبح التكليف بما لا يطاق، نعم ذهب المحقّق القمّى قدّس سرّه إلى التفصيل بين ما إذا كان العجز مستندا إلى سوء اختيار المكلّف وعدمه، فخصّ القبح بالثاني، ومن هنا حكم بأنّ المتوسّط في الأرض المغصوبة منهي عن الغصب فعلا ومأمور بالخروج كذلك. ولكنّك خبير بأنّ هذا التفصيل يأبى عنه العقل، بل لعلّ قبح التكليف بما لا يطاق مطلقا من البديهيّات الأوّليّة.
وكيف كان فقبل الشروع في المقصود ينبغي رسم امور:
أحدها: قد يتوهّم ابتناء المسألة على كون متعلّق التكاليف هو الطبيعة أو الفرد، فينبغي التكلّم في مقامين:
أحدهما في تشخيص مرادهم في هذه المسألة
والثاني في أنّه هل يبتني النزاع في مسألتنا هذه عليها بمعنى أنّه لو اخذ بأحد طرفي النزاع فيها لزم الأخذ بأحد طرفي المسألة فيما نحن فيه أم لا؟
أمّا المقام الأوّل فنقول: يمكن أن يكون مرادهم أنّه بعد فرض لزوم اعتبار الوجود في متعلّق الطلب فهل الوجود المعتبر هو وجود الطبيعة أو وجود الفرد، ويمكن أن يكون مرادهم أنّه بعد فرض اعتبار الوجود هل المعتبر أشخاص الوجودات الخاصّة أو المعنى الواحد الجامع بين الوجودات؟.
أمّا المقام الثاني فالحقّ عدم ابتناء مسألة جواز اجتماع الأمر والنهي وعدمه عليه؛ إذ يمكن القول بأنّ متعلّق الأحكام هو الطبائع بكلا المعنيين الذين احتملنا في مرادهم، ومع ذلك نمنع جواز اجتماع الأمر والنهي، إمّا لما ذكره صاحب الفصول قدّس سرّه من أنّ متعلّق الطّلب إنّما يكون الوجودات الخاصّة لعدم جامع لها في البين، وإمّا لأنّه على تقدير تعلّق الطلب بالجامع يلزم سرايته إليها لمكان الاتّحاد والعينيّة.
وكذلك يمكن القول بتعلّق الطلب بالفرد بكلا الاحتمالين أيضا والالتزام بجواز الاجتماع؛ لأنّ الفرد الموجود في الخارج يمكن تعريته في الذهن عن بعض الخصوصيات ومع ذلك لا يخرج عن كونه فردا، مثلا الصلاة في الدار المغصوبة الموجودة بحركة واحدة شخصيّة لو لوحظت تلك الحركة الشخصيّة من حيث إنّها مصداق للصلاة وجرّد النظر عن كونها واقعة في الدار المغصوبة لم تخرج عن كونها حركة شخصيّة، فللمجوّز بعد اختياره أنّ متعلّق التكاليف هو الأفراد أن يقول: إنّ هذه الحركة من حيث كونها مصداقا للصلاة محبوبة ومأمور بها، ومن حيث إنّها مصداق للغصب منهيّ عنها.
الأمر الثاني: أنّ الموجود الخارجي- من أيّ طبيعة كان- أمر وحدانيّ محدود بحدّ خاص، سواء قلنا بأصالة الوجود أم قلنا بأصالة الماهيّة، غاية الأمر أنّه على الأوّل يكون الثاني منتزعا، وعلى الثاني يكون الأوّل منتزعا، نعم يمكن أن ينحلّ في الذهن إلى ماهيّة ووجود، وإضافة الوجود إلى الماهيّة.
فحينئذ لو قلنا بأنّ الوحدة في الخارج مانعة عن اجتماع الأمر والنهي فاللازم أن نقول بالامتناع، سواء قلنا بأصالة الوجود أو الماهيّة، ولو قلنا بعدم كونه مانعا ويكفي تعدّد المتعلّق في الذهن فاللازم القول بالجواز سواء قلنا أيضا بأصالة الوجود أو الماهيّة.
الأمر الثالث: أنّ الظاهر من العنوان الذي يجعلونه محلا للنزاع أنّ الخلاف في جواز اجتماع الأمر والنهي وعدمه، وغير خفيّ أنّه غير قابل للنزاع؛ إذ من البديهيّات كون التضاد بين الأحكام وملاكاتها إنّما النزاع في أنّه هل يلزم على القول ببقاء إطلاق دليل وجوب الصلاة مثلا بحاله، وكذا إطلاق دليل الغصب في مورد اجتماعهما اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد حتى يجب عقلا تقييد أحدهما بغير مورد الآخر، أو لا يلزم، بل يمكن أن يتعقّل للأمر محلّ وللنهي محلّ آخر ولو اجتمعا في مصداق واحد؟ فهذا النزاع في الحقيقة راجع إلى الصغرى نظير النزاع في حجيّة المفاهيم.
الأمر الرابع: لا إشكال في خروج المتبانيين عن محلّ النزاع بمعنى عدم الإشكال في إمكان أن يتعلّق الأمر بأحدهما والنهي بالآخر إلّا على تقدير التلازم بينهما في الوجود كما لا إشكال في خروج المتساويين في الصدق؛ لما عرفت من اعتبار وجود المندوحة، كما لا إشكال في دخول العامّين من وجه في محلّ النزاع.
إنّما النزاع في أنّ العام المطلق والخاص أيضا يمكن أن يجري فيه النزاع المذكور أم لا؟ قال المحقّق القمّي قدّس سرّه: إنّ العامّ المطلق خارج عن محلّ النزاع بل هو مورد للنزاع في النهي في العبادات.
واعترض عليه المحقّق الجليل صاحب الفصول قدّس سرّه بأنّه ليس بين العامين من وجه والمطلق من حيث هاتين الجهتين فرق، بل الملاك أنّه لو كان بين العنوان المأمور به والعنوان المنهيّ عنه مغايرة يجري فيه النزاع، وإن كان بينهما عموم مطلق كالحيوان والضاحك، وإن اتّحد العنوانان وتغايرا ببعض القيود لم يجر النزاع فيهما وإن كان بينهما عموم من وجه نحو: صلّ الصبح ولا تصلّ في الأرض المغصوبة، هذا.
ويشكل بأنّه لو اكتفى المجوّز بتغاير المفهومين ووجود المندوحة فلا فرق بين أن يكون بينهما عموم من وجه أو مطلق، وأن يكون العنوان المأخوذ في النهي عين العنوان المأخوذ في الأمر مع زيادة قيد من القيود أو غيره، ضرورة كون المفاهيم متعدّدة في الذهن في الجميع، ولو لم يكتف بذلك فليس له لتجويز الاجتماع في العامين من وجه أيضا مجال، فاللازم على من يدّعي الفرق بيان الفارق.
قال شيخنا المرتضى قدّس سرّه في التقريرات المنسوبة إليه بعد نقل كلام المحقّق القمّي وصاحب الفصول قدّس اللّه روحهما ما هذا لفظه: أقول: إنّ ظاهر هذه الكلمات يعطي انحصار الفرق بين المسألتين في اختصاص إحداهما بمورد دون اختها، وليس كذلك، بل التحقيق أنّ المسئول عنه في إحداهما غير مرتبط بالاخرى.
وتوضيحه أنّ المسئول عنه في هذه المسألة هو إمكان اجتماع الطلبين فيما هو الجامع لتلك الماهيّة المطلوبة فعلها والماهيّة المطلوبة تركها من غير فرق في ذلك بين موارد الأمر والنهي؛ فإنّه كما يصحّ السؤال عن هذه القضية فيما إذا كان بين المتعلّقين عموم من وجه، فكذا يصحّ فيما إذا كان عموم مطلق، سواء كان من قبيل قولك: صلّ ولا تصلّ في الدار المغصوبة أو لم يكن كذلك.
والمسئول عنه في المسألة الآتية هو أنّ النهي المتعلّق بشيء هل يستفاد منه أنّ ذلك الشيء ممّا لا يقع به الامتثال، حيث إنّ المستفاد من إطلاق الأمر حصول الامتثال بأيّ فرد كان، فالمطلوب فيها هو استعلام أنّ النهي المتعلّق بفرد من أفراد المأمور به هل يقتضي رفع ذلك الترخيص المستفاد من إطلاق الأمر أولا؟ ولا ريب أنّ هذه القضيّة كما يصحّ الاستفسار عنها فيما إذا كان بين المتعلّقين إطلاق وتقييد فكذلك يصح فيما إذا كان بينهما عموم من وجه كما إذا كان بينهما عموم مطلق، وبالجملة فالظاهر أنّ اختلاف المورد لا يصير وجها لاختلاف المسألتين كما زعموا، بل لا بدّ من اختلاف جهة الكلام، انتهى موضع الحاجة من كلامه قدّس سرّه.
أقول: والحقّ أنّ العنوانين لو كانا بحيث اخذ أحدهما في الآخر وكان بينهما عموم مطلق أيضا لا يطرق فيهما هذا النزاع. وتوضيحه أنّه: لا إشكال في تغاير المفاهيم بعضها مع الآخر في الذهن سواء كان بينهما عموم مطلق أم من وجه أو غيرهما، وسواء كان أحدهما مأخوذا في الآخر أم لا، إلّا أنّه لا يمكن أن يقال فيما إذا كان بين المفهومين عموم مطلق وكان أحدهما مشتملا على الآخر أنّ المطلق يقتضي الأمر والمقيّد يقتضي النهي؛ لأنّ معنى اقتضاء الإطلاق شيئا ليس إلّا اقتضاء نفس الطبيعة؛ إذ لا يعقل الاقتضاء لصفة الإطلاق، والمقيّد ليس إلّا نفس تلك الطبيعة منضمّة إلى بعض الاعتبارات، ولو اقتضى المقيّد شيئا منافيا للمطلق لزم أن يقتضي نفس الطبيعة أمرين متنافيين.
وبعبارة اخرى: بعد العلم بأنّ صفة الإطلاق لا يقتضي تعلّق الحبّ بالطبيعة، فالمقتضي له نفسها، وهي متّحدة في عالم الذهن مع المقيّد؛ لأنّها مقسم له وللمطلق، فلو اقتضى المقيّد الكراهة لزم أن يكون المحبوب والمبغوض شيئا واحدا حتّى في الذهن وهذا غير معقول، بخلاف مثل مفهوم الصلاة والغصب مثلا؛ لعدم الاتّحاد بينهما في الذهن أصلا.
الأمر الخامس: قد يتراءى تهافت بين الكلمات حيث عنونوا مسألة جواز اجتماع الأمر والنهي ومثلوا له بالعامين من وجه، واختار جمع منهم الجواز وأنّه لا تعارض بين الأمر والنهي في مورد الاجتماع، وفي باب تعارض الأدلّة جعلوا أحد وجوه التعارض التعارض بالعموم من وجه، وجعلوا علاج التعارض الأخذ بالأظهر إن كان في البين وإلّا التوقّف أو الرجوع إلى المرجّحات السنديّة على الخلاف. وكيف كان ما تمسّك أحد لدفع المنافاة بجواز اجتماع الأمر والنهي.
والجواب أنّ النزاع في مسألتنا هذه مبنيّ على إحراز وجود الجهة والمناط في كلا العنوانين وأنّ المناطين هل هما متكاسران عند العقل إذا اجتمع العنوانان في مورد واحد كما يقوله المانع أم لا كما يقوله المجوّز؟ ولا إشكال في أنّ الحاكم في هذا المقام ليس إلّا العقل، وباب تعارض الدليلين مبنيّ على وحدة المناط والملاك في الواقع، ولكن لا يعلم أنّ الملاك الموجود في البين هل هو ملاك الأمر أو النهي مثلا، فلا بدّ من أن يستكشف ذلك من الشارع بواسطة الأظهريّة إن كان أحد الدليلين أظهر، وإلّا التوقّف أو الرجوع إلى المرجّحات السندية حسب ما قرّر في محلّه، نعم يبقي سؤال أنّ طريق استكشاف ما هو من قبيل الأوّل وما هو من قبيل الثاني ما ذا؟ وهذا خارج عن المقام.
إذا عرفت ذلك فلنشرع فيما هو المقصود من ذكر حجج المجوّزين والمانعين.
فنقول وعلى اللّه التوكّل: أحسن ما قيل في تقريب احتجاج المجوّزين هو أنّ المقتضي موجود والمانع مفقود، أمّا الأوّل: فلما عرفت من أنّ فرض الكلام ليس إلّا فيما يكون المقتضي موجودا، وأمّا الثاني: فلأنّ المانع ليس إلّا ما تخيّله الخصم من لزوم اجتماع المتضادّين من الحكمين والحبّ والبغض والمصلحة والمفسدة في شيء واحد، وليس كما زعمه.
وتوضيحه يحتاج إلى مقدّمة وهي أنّ الأعراض على ثلاثة أقسام:
منها: ما يكون عروضه واتّصاف المحلّ به في الخارج كالحرارة العارضة للنار والبرودة العارضة للماء وأمثالهما من الأعراض القائمة بالمحالّ في الخارج.
ومنها: ما يكون عروضه في الذهن واتّصاف المحلّ به في الخارج كالابوّة والبنوّة والفوقيّة والتحتيّة وأمثالها.
ومنها: ما يكون عروضه في الذهن واتّصاف المحلّ به فيه أيضا كالكليّة العارضة للإنسان، حيث إنّ الإنسان لا يصير متّصفا بالكليّة في الخارج قطعا، فالعروض في الذهن؛ لأنّ الكليّة إنّما تنتزع من الماهيّة المتصوّرة في الذهن، واتّصاف تلك الماهيّة بها أيضا فيه؛ لأنّها لا تقبل الكليّة في الخارج.
فنقول حينئذ: لا إشكال في أنّ عروض الطلب سواء كان أمرا أم نهيا لمتعلّقه ليس من قبيل الأوّل، وإلّا لزم أن لا يتعلّق إلّا بعد وجود متعلّقه، كما أنّ الحرارة والبرودة لا يتحقّقان إلّا بعد تحقّق النار والماء، فيلزم البعث على الفعل الحاصل والزجر عنه وهو غير معقول، ولا من قبيل الثاني؛ لأنّ متعلّق الطلب إذا وجد في الخارج مسقط للطلب ومعدم له، ولا يعقل أن يتّصف في الخارج بما هو يعدم بسببه، فانحصر الأمر في الثالث، فيكون عروض الأمر والنهي لمتعلّقاتهما كعروض الكليّة للماهيّات.
إذا عرفت ذلك فنقول: إنّ طبيعة الصلاة والغصب وإن كانتا موجودتين بوجود واحد وهو الحركة الشخصيّة المتحقّقة في الدار المغصوبة، إلّا أنّه ليس متعلّق الأمر والنهي الطبائع الموجودة في الخارج، لما عرفت من لزوم تحصيل الحاصل، بل هي بوجوداتها الذهنية، ولا شكّ أنّ طبيعة الصلاة في الذهن غير طبيعة الغصب كذلك، فلا يلزم من وجود الأمر والنهي حينئذ اجتماعهما في محلّ واحد.
فإن قلت: لا معنى لتعلّق الطلب بالطبائع الموجودة في الذهن؛ لأنّها إن قيّدت بما هي في ذهن الآمر فلا يتمكّن المكلّف من الامتثال، وإن قيّدت بما هي في ذهن المأمور لزم حصول الامتثال بتصوّرها في الذهن ولا يجب إيجادها في الخارج، وهو معلوم البطلان.
قلت: نظير هذا الإشكال يجري في عروض الكليّة للماهيّات؛ لأنّ بعد ما فرضنا أنّ الماهيّة الخارجيّة لا تقبل أن تتّصف بالكليّة ولا هي من حيث هى؛ لأنّها ليست إلّا هي، فينحصر معروض الكليّة في الماهيّة الموجودة في الذهن، فيتوجّه الإشكال بأنّه كيف يمكن أن يتّصف بالكليّة مع أنّها جزئيّة من الجزئيّات ولا يكاد أن ينطبق على الأفراد الخارجيّة ضرورة اعتبار الاتّحاد في الحمل ولا اتّحاد بين الماهيّة المقيّدة بالوجود الذهني وبين الأفراد الخارجيّة.
وحلّ هذا الإشكال في كلا المقامين أنّ بعد ما فرضنا أنّ الماهيّة من حيث هي مع قطع النظر عن اعتبار الوجود ليست إلّا هي ولا تتّصف بالكليّة والجزئيّة ولا بشيء من الأشياء، فلا بدّ من القول بأنّ اتّصافها بوصف من الأوصاف يتوقّف على الوجود، وذلك الوجود قد يكون وجودا خارجيّا كما في اتّصاف الماء والنار بالحرارة والبرودة، وقد يكون وجودا ذهنيّا، لكن لا من حيث ملاحظة كونه كذلك بل من حيث كونه حاكيا عن الخارج، مثلا ماهيّة الإنسان يلاحظ في الذهن ويعتبر لها وجود مجرّد عن الخصوصيّات حاك عن الخارج فيحكم عليها بالكليّة، فمورد الكليّة في نفس الأمر ليس إلّا الماهيّة المأخوذة في الذهن، لكن لا بملاحظة كونها كذلك بل باعتبار حكايتها عن الخارج.
فنقول: موضوع الكليّة وموضوع التكاليف المتعلّقة بالطبائع واحد بمعنى أنّ الطبيعة بالاعتبار الذي صارت موردا لعروض وصف الكليّة يكون موضوعا للتكاليف من دون تفاوت أصلا.
فإن قلت: سلّمنا ذلك كلّه لكن مقتضى كون الوجود حاكيا عن الخارج بلحاظ المعتبر أن يحكم باتّحاده مع الوجودات الخارجيّة، فاللازم من تعلّق إرادته بهذا الوجود السعي تعلّقها أيضا بالوجودات، لمكان الاتّحاد الذي يحكم به اللاحظ.
قلت: الحكم باتّحاد الوجود السعي مع الوجودات الخاصّة في الخارج لا بدّ له من ملاحظة مغايرة بين الموضوع والمحمول حتّى يجعل أحدهما موضوعا والآخر محمولا، ولا ينافي ذلك الحكم بالاتّحاد؛ لأنّه بنظر آخر.
وبعبارة اخرى: للاحظ ملاحظتان، إحداهما تفصيليّة والاخرى إجماليّة، فهو بالملاحظة الاولى يرى المغايرة بين الموضوع والمحمول؛ ولذا يجعل أحدهما موضوعا والآخر محمولا، وبالملاحظة الثانية يرى الاتّحاد.
فحينئذ لو عرض المحمول شيء في لحاظه التفصيلى فلا وجه لسريانه إلى الموضوع لمكان المغايرة في هذا اللحاظ، وبهذا اندفع الإشكال عن المقام ونظائره ممّا لم تسر الأوصاف القائمة بالطبيعة إلى أفرادها من قبيل الكليّة العارضة للإنسان مثلا، وكذا وصف التعدّد العارض لوجود الإنسان بما هو وجود الإنسان مع أنّ الفرد ليس بكلّي ولا متعدّد، وكذا الملكيّة العارضة للصاع الكلّي الموجود في الصيعان الموجودة في الصبرة، حيث حكموا بأنّ من اشترى صاعا من الصبرة الموجودة يصير مالكا للصاع الكلّي بين الصيعان، والخصوصيّات ليس ملكا له، وفرّعوا على هذا أنّه لو تلف منها شيء فالتالف من مال البائع ما بقي مقدار ما اشترى المشتري، فافهم واغتنم.
فإن قلت: كيف يمكن أن يكون هذا الوجود المجرّد عن الخصوصيّات محبوبا أو مبغوضا وليس له في الخارج عين ولا أثر؛ لأنّ ما في الخارج ليس إلّا الوجودات الخاصّة، ولا شبهة في أنّ المحبوب والمبغوض لا يمكن أن يكون إلّا من الامور الخارجيّة؛ لأنّ تعلّق الحبّ والبغض بشيء ليس إلّا من جهة اشتماله على آثار توجب ملائمة طبع الآمر له أو منافرته عنه، وليس في الخارج إلّا الوجودات الخاصة المبائنة بعضها مع بعض.
قلت: إن أردت من عدم كون الوجود الجامع في الخارج عدمه مع وصف كونه جامعا ومتّحدا مع كثيرين فهو حقّ لا شبهة فيه؛ لأنّ الشيء مع وصف كونه جامعا لا يتحقّق إلّا في الذهن، وإن أردت عدمه في الخارج أصلا فهو ممنوع؛ بداهة أنّ العقل بعد ملاحظة الوجودات الشخصيّة التي يحويها طبيعة واحدة يجد حقيقة واحدة في تمام تلك الوجودات.
واقوى ما يدلّ على ذلك الوجدان؛ فإنّا نرى من أنفسنا تعلّق الحبّ بشرب الماء مثلا من دون مدخليّة الخصوصيّات الخارجيّة في ذلك، ولو لم يكن تلك الحقيقة في الخارج لما أمكن تعلّق الحبّ بها، والذي يدّل على تحقّق صرف الوجود في الخارج ملاحظة وحدة الأثر من أفراد الطبيعة الواحدة، ولو لم يكن ذلك الأثر الواحد من المؤثّر الواحد لزم تأثّر الواحد من المتعدّد وهذا محال عقلا.
فإن قلت: ما ذكرت إنّما يتمّ في الماهيّات المتأصّلة التي لها حظّ من الوجود في الخارج كالإنسان ونحوه، وأمّا ما كان من العناوين المنتزعة من الوجودات الخارجيّة كالصلاة والغصب فلا يصحّ فيه ذلك؛ لأنّ هذه العناوين ليس لها وجود في الخارج حتّى يجرّد من الخصوصيّات ويجعل موردا للتكاليف، بل اللازم في أمثالها هو القول بأنّ مورد التكاليف الوجود الخارجي الذي يكون منشأ لانتزاع تلك المفاهيم ولا ريب في وحدة الوجود الخارجي الذي يكون منشئا للانتزاع.
وبعبارة اخرى: تعدّد العناوين مفهوما لا يجدي لعدم الحقيقة لها إلّا في العقل، وما يكون موردا للزجر والبعث ليس إلّا الوجود الخارجي الذي ينتزع منه هذه العناوين ولا شبهة في وحدته.
قلت: بعد ما حقّقنا تحقّق صرف الوجود في الخارج لا مجال لهذه الشبهة؛ لأنّ العناوين المنتزعة لا ينتزع إلّا من صرف الوجود من دون ملاحظة الخصوصيات، مثلا مفهوم «ضارب» منتزع من ملاحظة حقيقة وجود الإنسان واتّصافه بحقيقة وجود المبدا من دون دخل لخصوصيّات أفراد الإنسان أو كيفيّات الضرب في ذلك.
إذا عرفت هذا فنقول: مفهوم الغصب ينتزع من حقيقة التصرّف في ملك الغير من دون مدخليّة خصوصيّات التصرّف من كونه من الأفعال الصلاتيّة أو غيرها في ذلك، ومفهوم الصلاة ينتزع من الحركات والأقوال الخاصّة مع ملاحظة اتّصافها ببعض الشرائط من دون مدخليّة خصوصيّة وقوعها في محلّ خاصّ، وقد عرفت ممّا قرّرنا سابقا قابليّة ورود الأمر والنهي على الحقيقتين المتعدّدتين بملاحظة الوجود الذهني المتّحدتين بملاحظة الوجود الخارجي، وهنا نقول: إنّ المفاهيم الانتزاعيّة وإن كان حقيقة البعث والزجر المتعلّق بها ظاهرا راجعا إلى ما يكون منشئا لانتزاعها، لكن لمّا كان فيما نحن فيه منشأ انتزاع الصلاة والغصب متعدّدا لا بأس بورود الأمر والنهي وتعلّقهما بما هو منشأ لانتزاعهما، هذا غاية الكلام في المقام وعليك بالتأمّل التام فإنّه من مزالّ الأقدام.
وينبغي التنبيه على امور:
الأوّل: لا إشكال في أنّ من توسّط أرضا مغصوبة لا مناص له من الغصب بمقدار زمن الخروج بأسرع وجه يتمكّن منه؛ لأنّ في غيره يتحقّق منه هذا المقدار مع الزائد، وفيه يتحقّق منه هذا المقدار ليس إلّا، وهذا ممّا لا شبهة فيه. إنّما الإشكال في أنّ الخروج من تلك الدار ما حكمه؟ والمنقول فيه أقوال:
أحدها: أنّه مأمور به ومنهيّ عنه، وهذا القول محكي عن أبى هاشم واختاره الفاضل القمّي قدّس سرّه ونسبه إلى أكثر أفاضل المتأخّرين وظاهر الفقهاء، وصحّته يبتني على أمرين:
أحدهما كفاية تعدّد الجهة في تحقّق الأمر والنهي مع كونهما متّحدتين في الوجود الخارجي، والثاني جواز التكليف فعلا بأمر غير مقدور إذا كان منشأ عدم القدرة سوء اختيار المكلّف، والأمر الأوّل قد فرغنا عنه واخترنا صحّته، ولكنّ الثاني في غاية المنع؛ بداهة قبح التكليف بما لا يقدر عليه؛ لكونه لغوا وعبثا.
وأمّا ما يقال من أنّ الامتناع أو الإيجاب بالاختيار لا ينافي الاختيار فهو في قبال استدلال الأشاعرة للقول بأنّ الأفعال غير اختيارية بأنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد فكلّ ما تحققت علّته يجب وجوده، وكلّ ما لم يتحقّق علّته يستحيل وجوده، وحاصل الجواب أنّ ما صار واجبا بسبب اختيار المكلّف وكذا ما صار ممتنعا به لا يخرج عن كونه اختياريّا له، فيصحّ عليه العقاب، لا أنّ المراد أنّه بعد ارتفاع القدرة يصحّ تكليفه بغير المقدور فعلا.
القول الثاني: أنّه مأمور به مع جريان حكم المعصية عليه كما اختاره صاحب الفصول قدّس سرّه.
القول الثالث: أنّه مأمور به بدون ذلك.
والحقّ أن يقال: إن بنينا على كون الخروج مقدّمة لترك الغصب الزائد فالأقوى هو القول الثاني، سواء قلنا بجواز اجتماع الأمر والنهي أم لم نقل به، وإن لم نقل بمقدّميّة الخروج بل قلنا بصرف الملازمة بين ترك الغصب الزائد والخروج- كما هو الحقّ وقد مرّ برهانه في مبحث الضدّ- فالأقوى أنّه ليس مأمورا به ولا منهيّا عنه فعلا ولكن يجري عليه حكم المعصية.
لنا على الأوّل أنّ قبل الدخول ليس للخروج عنوان المقدّميّة؛ ضرورة إمكان ترك الغصب بأنحائه ولا يتوقّف ترك شيء منه على الخروج، فيتعلّق النهي بجميع مراتب الغصب من الدخول في الأرض المغصوبة والبقاء والخروج؛ لكونه قادرا على جميعها، ولكنّه بعد الدخول فيها يضطرّ إلى ارتكاب الغصب مقدار الخروج فيسقط النهي عنه بهذا المقدار؛ لكونه غير قادر فعلا على تركه والتكليف الفعلي قبيح بالنسبة إليه وهذا واضح،
ولكنّه يعاقب عليه لكونه وقع هذا الغصب بسوء اختياره، ولمّا يتوقّف عليه بعد الدخول ترك الغصب الزائد كما هو المفروض وهذا الترك واجب بالفرض لكونه قادرا عليه، فيتعلّق به الوجوب بحكم العقل الحاكم بالملازمة بين وجوب ذي المقدّمة ووجوب مقدّمته، فالخروج من الدار المغصوبة منهي عنه قبل الدخول ولذا يعاقب عليه، ومأمور به بعد الدخول لكونه بعده مقدّمة للواجب المنجّز الفعلي.
فإن قلت: ما ذكرت إنّما يناسب القول بكفاية تعدّد الجهة في الأمر والنهي، وأمّا على القول بعدمها فلا يصحّ؛ لأنّ هذا الموجود الشخصي أعني: الحركة الخروجيّة مبغوض فعلا وإن سقط عنها النهي لمكان الاضطرار، وكما أنّ الأمر والنهي لا يجتمعان في محلّ واحد كذلك الحبّ والبغض الفعليّان؛ ضرورة كونهما متضادّين كالأمر والنهي.
قلت: اجتماع البغض الذاتي مع الحبّ الفعلي ممّا لا ينكر، أ لا ترى أنّه لو غرقت بنتك أو زوجتك ولم تقدر على إنقاذهما ترضى بأن ينقذهما الأجنبي وتريد هذا الفعل منه مع كمال كراهتك إيّاه لذاته.
فإن قلت: الكراهة في المثال الذي ذكرته ليست فعليّة بخلاف المقام؛ فإنّ المفروض فعليّتها فلا تجتمع مع الإرادة.
قلت: ليت شعري ما المراد بكون الكراهة ذاتيّة في المثال وفعليّة في المقام، فإن أراد أنّ الشخص المفروض في المثال لا يشقّ عليه هذا الفعل الصادر من الأجنبي، بل حاله حال الصورة التي يصدر هذا الفعل من نفسه، بخلاف المقام فإنّ الفعل يقع مبغوضا للآمر، فالوجدان شاهد على خلافه ولا أظنّ أحدا تخيّله، وإن أراد به أنّ الفعل وإن كان يقع في المثال مبغوضا ومكروها للشخص المفروض، إلّا أنّ هذا البغض لا أثر له، بمعنى أنّه لا يحدث في نفس الشخص المفروض إرادة ترك الفعل المذكور؛ لأنّ تركه ينجرّ إلى هلاك النفس ومن هذه الجهة هذا البغض المفروض لا ينافي إرادة الفعل فهو صحيح، ولكنّه يجري بعينه في المقام؛ فإنّ الحركة الخروجيّة وإن كانت مبغوضة حين الوقوع، ولكن هذا البغض لمّا لم يكن منشئا للأثر وموجبا لزجر الآمر عنها فلا ينافي إرادة فعلها؛ لكونه فعلا مقدّمة للواجب الفعلي.
ومحصّل ما ذكرنا في المقام أنّ القائل بامتناع اجتماع الأمر والنهي إنّما يقول بامتناع اجتماعهما واجتماع ملاكيهما إذا كان كلّ واحد من الملاكين منشأ للأثر وموجبا لإحداث الإرادة في النفس، وأمّا إذا سقط جهة النهي عن الأثر كما هو المفروض فلا يعقل أن يتخيّل أنّ الجهة الساقطة عن الأثر تزاحم الجهة الموجودة المؤثّرة في الآمر، مثلا لو فرضنا أنّ المولى نهى عبده عن مطلق الكون في المكان الفلاني فأوقع نفسه في ذلك المكان بسوء اختياره ثمّ لم يمكنه الخروج من ذلك المكان أبدا، فلا شكّ في أنّ الأكوان الصادرة من العبد كلّها تقع مبغوضة للمولى ويستحقّ عليها العقاب وإن سقط عنها النهي لعدم تمكن العبد من الترك فعلا.
ثمّ إنّه لو فرضنا أنّ خياطة الثوب مطلوب للمولى من حيث هو فهل تجد من نفسك أن تقول: لا يمكن للمولى أن يأمره بخياطة الثوب في ذلك المكان لأنّ أنحاء التصرّفات والأكوان المتحقّقة في ذلك المكان مبغوض للمولى ومنها الخياطة فلا يمكن أن يتعلّق إرادته بما يبغضه؟ وهل ترضى أن تقول: إنّ المولى بعد عدم وصوله إلى الغرض الذي كان له في ترك الكون في ذلك المكان يرفع يده من الغرض الآخر من دون وجود مزاحم أصلا؟ وهل يرضى أحد أن يقول: إنّ في المثال لمذكور يكون أنحاء التصرّفات في نظر المولى على حدّ سواء؟ وبالجملة: أظنّ أنّ هذا بمكان من الوضوح بحيث لا ينبغي أن يشتبه على أحد وإن صدر خلافه عن بعض أساتيد العصر قدّس سرّه فلا تغفل.
والحاصل أنّ جهة النهي إنّما تزاحم جهة الأمر إذا أمكن المكلّف بعث المكلّف إلى ترك الفعل، وأمّا إذا لم يمكنه ذلك لكون الفعل صادرا قهرا عن غير اختيار المكلّف فلو وجدت فيه جهة الأمر ولم يأمر به لزم رفع اليد عن مطلوبه وغرضه من دون جهة ومزاحم. هذا إذا اخترنا أوّل شقّي الترديد وهو كون الخروج مقدّمة لترك الغصب الزائد.
وأمّا على ثانيهما فعدم كون الخروج موردا للحكم الشرعي واضح؛ لعدم كونه مقدّمة للواجب حتّى يصير واجبا كما هو المفروض وعدم قدرة المكلّف على ترك الغصب بمقدار الخروج حتى يصير حراما.
ولكن لو طبق تلك الحركة الخروجيّة مع عبادة كما أن يصلّى في تلك الحالة نافلة بحيث لا يستلزم عصيانا زائدا على مقدار المضطرّ إليه أو يصلّي المكتوبة كذلك في ضيق الوقت كانت تلك العبادة صحيحة؛ لما ذكرنا من الوجه وهو عدم قابليّة الجهة الغير المؤثّرة في نفس المريد للمزاحمة مع الجهة المؤثّرة.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|