أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-8-2016
761
التاريخ: 23-8-2016
786
التاريخ: 16-5-2020
1171
التاريخ: 23-8-2016
700
|
يعتبر في الاستصحاب كون الشكّ في بقاء القضيّة المحقّقة في السابق بعينها في الزمان اللاحق، وهذا المعنى يتوقّف على بقاء الموضوع، والموضوع مختلف حسب اختلاف القضايا، ففي قضيّة «زيد موجود» وكذا «قيام زيد موجود» هو الطبيعة المقرّرة ذهنا، وفي قضيّة «زيد قائم» هو الطبيعة بوصف وجودها الخارجي، فلا بدّ من تحقّق الموضوع في اللاحق على النحو الذي كان معروضا في السابق.
وعلى هذا فإذا شك في اللاحق في قيام زيد مع الشكّ في وجوده، سواء كان الشكّ الأوّل مسبّبا عن الثاني أم لا صحّ الاستصحاب إذا كانت القضيّة الشرعيّة على النحو الأوّل، ولا يصحّ إذا كانت على النحو الثاني.
أمّا الأوّل فواضح؛ لأنّ الشكّ قد تعلّق بعين ما كان متيقّنا وهو مفهوم قيام زيد، وأمّا الثاني فلأنّ القضيّة الشرعيّة هو زيد قائم، وهي محتاجة إلى وجود زيد والفراغ منه، وهو منتف حسب الفرض، فما كان موضوعا للأثر ليس مشكوكا حتّى يستصحب، والذي هو مشكوك ليس له أثر شرعي.
لا يقال: في صورة عدم الموضوع يكون نقيض القضيّة متحقّقا، وإلّا يلزم ارتفاع النقيضين، ففي جانب الثبوت وإن ثبت الاحتياج إلى فراغ الوجود، ولكن في جانب اللاثبوت يكفي عدم الموضوع، كما يكفي عدم المحمول، فالقضيّتان مشتركتان في صحّة الاستصحاب.
والحاصل: لا إشكال في صورة الشكّ في أصل حدوث الزيد، فإنّ المستصحب إمّا عدم تحقّق قيام زيد، وإمّا عدم تحقّق قضيّة «زيد قائم» وأثره ارتفاع الأثر المترتّب على الأمرين، وكذا لا إشكال أيضا في صورة العلم بحدوثه وبقائه مع العلم باتّصافه سابقا إمّا بالقيام، وإمّا بنقيضه، فإنّ المستصحب هو الحالة السابقة على كلا الفرضين، إنّما الإشكال في صورتين.
إحداهما: صورة العلم بالحدوث والشكّ في البقاء إمّا مع وجود الحالة السابقة في الاتّصاف بالقيام أو بنقيضه، أو مع عدمها، والثانية: صورة العلم بالحدوث مع البقاء وعدم الحالة السابقة في الاتّصاف، ففي كلتا الصورتين مع عدم الحالة السابقة يستصحب عدم تحقّق قضيّة «زيد قائم» وعدم خروجها عن العدم الأزلي إلى الوجود، وكذا في الصورة الاولى مع سبق الاتّصاف بعدم القيام، وفي الصورة الاولى مع سبق الاتّصاف بالقيام نقول: الأصل بقاء قضيّة «زيد قائم» وبقائها في عالم الكون، وعدم انقلابها بالنقيض.
لأنّا نقول: استصحاب عدم تحقّق القضيّة أو تحقّقها لا يثبت اتّصاف شيء خارجي بعدم المحمول أو بثبوتها، وإنّما يثبت معنى بسيطا وهو ثبوت الشيء أو نفيه، وهو غير ثبوت شيء لشيء، ونفي شيء عن شيء.
مثلا لو شككنا في الماء الموجود في اتّصافه بالكريّة أو عدمها من أوّل وجوده فعلى قولك يصحّ استصحاب عدم تحقّق قضيّة «هذا الماء كرّ في الازل» فيحكم بترتّب آثار قلّة هذا الماء الخارجي، ويقال: إنّه بالملاقاة تنجّس، وذلك لأنّ عدم الانفعال مرتّب على قضية «هذا الماء كرّ» فإذا استصحب نقيض الموضوع لا يبقي شك في نقيض الحكم، ونقيض عدم الانفعال هو الانفعال، فيحكم بانفعال الماء الخارجي، هذا ما يلزم من قولك، مع أنّه لا يمكن الالتزام به؛ لأنّ الانفعال أثر الاتّصاف بالقلّة وعدم الكريّة، والاستصحاب المذكور لا يثبت حال الماء الخارجي وأنّه كرّ أولا، وإنّما يثبت أنّ قضيّة هذا كرّ غير متحقّق، وهذا غير أنّ هذا الماء غير كرّ.
وكذلك استصحاب عدم حيضيّة هذا الدم من الأزل لا يفيد بحال هذا الدم، ولا يحكم بأنّه استحاضة، فيرتّب عليه ما يرتّب على دم الاستحاضة من الآثار.
ومن هذا الباب استصحاب عدم التكليف الأزلي الذي تمسّك به للبراءة في الشبهة الحكميّة، فإنّ عدم مجعوليّة الحرمة في شرب التتن من الأزل لا يفيد بحال هذا المكلّف وهذا التتن، فإنّ المستصحب عدم القضيّة لا جعل قضيّة موضوعها الأفراد الفرضيّة، ومحمولها عدم الحرمة، فإنّ هذا ليس له حالة سابقة، فلعلّه كان من الأزل الملازمة بين الوجود والحرمة ثابتة.
لا يقال: يمكن إثبات حال الموضوع الخارجي أيضا بأن يقال: هذا الشيء المفروغ عن وجوده لم يكن في الأزل موجودا أو موصوفا بوصف كذا، فالفراغ عن الوجود حالّى، وظرف النسبة استقبالي فيقال: هذا الماء الذي فرغ عن وجوده في الحال لم يكن في الأزل متّصفا بالكريّة.
وبعبارة اخرى: كما يقال: زيد كاتب وشاعر وقائم مع الإشارة إلى الوجود المفروغ، كذلك يقال: زيد حادث بعين العناية الاولى، بلا فرق أصلا، ومعنى حدوثه انعدامه في الأزل، وكذلك يقال: هو بحيث ينعدم، وليس هذا اجتماعا للنقيضين؛ لاختلاف الزمان، وإنّما يلزم مع اتّحاده، كما قيل: زيد كان معدوما، كما يقال: كان كاتبا، ويلاحظ عناية وجوده في ظرف النسبة، والمفروض أنّ عناية الوجود في حال النطق.
ولا فرق بين قولنا: هذا الزيد غير كائن في المسجد، وبين قولنا: هذا الزيد غير كائن في الأزل، فكما لا يلزم اجتماع النقيضين في الأوّل، فكذا في الثانى، غاية الأمر لاختلاف المكان في الأوّل ولاختلاف الزمان في الثاني، ثمّ بعد ما صحّ سلب أصل الوجود الأزلي ولم يناف مع عناية الوجود فليس حال أعراض الوجود من القيام وغيره بأعلى منه، فكما أنّ وجود زيد حادث، كذلك كتابته وقيامه وغير ذلك من عوارضه، فكما يقال: زيد المتلبّس بالوجود فعلا غير متلبّس بالوجود في الأزل، كذلك يقال: زيد المتلبّس فعلا بالوجود غير متلبّس بالكتابة الكائنة في الأزل.
لأنّا نقول: لا يخلو الحال إمّا [أن] يجعل الزمان والأزل قيدا للمحمول، أو يجعل ظرفا للنسبة، فعلى الأوّل لا ينافي مع عناية الوجود كما ذكرت، ولكن هذا المعنى غير قابل للاستصحاب؛ لأنّ العدم الأزلي غير مشكوك حتّى يستصحب، وعلى الثاني فلا بدّ من تعليق العدم في ظرف الأزل بالموضوع مع عناية الوجود، كما يقال في جانب المكان: هذا الزيد المتلبّس بالوجود فعلا لم يكن في المجلس المنعقد عشر سنين قبل هذا حاضرا، ومن المعلوم اجتماع النقيضين لو اعتبر هذا المعنى بالنسبة إلى ظرف الأزل، بأن يقال: هذا الزيد المتلبّس بالوجود لم يكن في الأزل موجودا أو كاتبا، فالذي يتعلّق به النسبة إنّما هو الذات المعرّاة، وعناية الوجود يكون من قبيل ضمّ الحجر.
وحينئذ فحقّ الكلام أن يقال: لا مانع من استصحاب نقيض قضيّة «زيد قائم» في صورة الشكّ في أصل الحدوث، وفي صورة العلم بالحدوث مع عدم الحالة السابقة، سواء مع العلم بالبقاء، أم مع الشكّ فيه، ولكن في صورة العلم بالبقاء لا يفيد اتّصاف هذا الموجود بعدم القيام، فلا يفيد في إثبات أثر اتّصافه بعدم القيام لو كان له أثر، وإن كان يفيد في رفع أثر اتّصافه بالقيام، بل حينئذ يجري استصحاب نقيض قضيّة «زيد ليس بقائم» أيضا، فيتعارض الاستصحابان لو كان في البين مخالفة عمليّة.
وأمّا في صورة العلم بالحدوث مع الشكّ في البقاء مع الحالة السابقة القياميّة، فلا يمكن استصحاب قضيّة «زيد قائم»؛ لأنّه لا يفيد لنا وجودا خارجيّا يحكم عليه بأنّه قائم، فهو نظير ما قلنا من عدم إفادة استصحاب نقيض القضيّة أنّ هذا الموجود غير قائم.
وبعبارة اخرى: فرق بين قولنا: قضية زيد قائم موجود، وبين قولنا: زيد قائم، فإنّ الأوّل من مفاد كان التامّة، وليس من ثبوت شيء لشيء، فالذي يستصحب غير ذي أثر، والذي له الأثر لم يستصحب.
نعم لو كان الأثر مرتّبا على الوجود والقيام على تقدير الوجود، جاز إحراز جزئي الموضوع بإجراء استصحابين، أحدهما في إثبات الوجود، والآخر في إثبات القيام على تقدير الوجود، فإنّ لوجود الموضوع على هذا دخلا في موضوع الحكم، وكذا لثبوت المحمول على تقدير وجود الموضوع، من دون حاجة إلى توسّط تشكيل قضيّة كان الناقصة، نعم هذا في ما إذا كان في كلّ منهما شكّ مستقلّ.
وأمّا لو كان الشكّ في القيام مسبّبا عن الشكّ في الموضوع فلا يجري إلّا استصحاب الموضوع وحده؛ إذ ليس في القيام على تقدير الوجود شكّا مستقلّا حتى يجرى فيه الاستصحاب، ولعلّ من هذا القسم وجود المجتهد واجتهاده وأعلميّته في موضوع التقليد، فالموضوع هو الشخص الحيّ الذي كان على تقدير حياته مجتهدا أعلم.
لا يقال: ما ذكرت من قبيل الاستصحاب التعليقي في الموضوع، وقد منع عنه في محلّه.
لأنّا نقول: لا بأس به إذا كان التعليق مأخوذا في لسان الدليل وموضوعا للأثر، نظير الصوم، حيث إنّه عند كونه بحيث لو وجد كان غير مضرّ وقع تحت الإيجاب، فتحقّق أنّ المتصوّر في موضوعيّة قيام زيد للأثر الشرعي انحاء ثلاثة يختلف حكمها في جريان الاستصحاب.
ثمّ إنّ الدليل على اعتبار بقاء الموضوع في الاستصحاب توقّف صدق البقاء والنقض عليه، فليس عدم الحكم بقيام عمرو نقضا لقيام زيد، ولا عدم الحكم بقيام زيد نقضا لزيد قائم، وهكذا، وعلى هذا فلا يحتاج إلى إقامة برهان وإن أقامه شيخنا المرتضى قدّس سرّه.
قال قدّس سرّه: الدليل على اعتبار هذا الشرط في جريان الاستصحاب واضح؛ لأنّه لو لم يعلم تحقّقه لا حقا، فإذا اريد إبقاء المستصحب العارض له المتقوّم به فإمّا أن يبقي في غير محلّ وموضوع وهو محال، وإمّا أن يبقي في موضوع غير الموضوع السابق، ومن المعلوم أنّ هذا ليس ابقاء لنفس ذلك العارض وإنّما هو حكم بحدوث عارض مثله في موضوع جديد، فيخرج عن الاستصحاب، بل حدوثه للموضوع الجديد كان مسبوقا بالعدم، فهو المستصحب دون وجوده.
وبعبارة اخرى: بقاء المستصحب لا في موضوع محال، وكذا في موضوع آخر، إمّا لاستحالة انتقال العرض، وإمّا لأنّ المتيقّن سابقا وجوده في الموضوع السابق والحكم بعدم ثبوته لهذا الموضوع الجديد ليس نقضا للمتيقّن السابق، انتهى كلامه قدّس سرّه.
واعترض عليه المحقّق الخراساني طاب ثراه بأنّ المحال إنّما هو الانتقال والكون في الخارج بلا موضوع بحسب وجود العرض حقيقة، لا بحسب وجوده تعبّدا، كما هو قضيّة الاستصحاب، ولا حقيقة لوجوده كذلك إلّا ترتيب آثاره الشرعيّة وأحكامه العمليّة، ومن المعلوم أنّ مئونة هذا الوجود خفيفة، مع أنّه أخصّ من المدّعى، فإنّ المستصحب ليس دائما من مقولات الأعراض، بل ربّما يكون هو الوجود، وليس هو من إحدى المقولات العشر، فلا جوهر بالذات، ولا عرض وإن كان بالعرض.
إن قلت: نعم لكنّه ممّا يعرض على الماهيّة كالعرض.
قلت: نعم إلّا أنّ تشخّصه ليس بمعروضه، فيستحيل بقائه مع تبدّله، بل يكون القضيّة بالعكس، ويكون تشخّص معروضه به- كما حقّق في محلّه- بحيث لا ينثلم وحدته وتشخّصه بتعدّد الموجود وتبدّله من نوع إلى نوع آخر، فينتزع من وجود واحد شخصي ماهيّات مختلفة حسب اختلافه نقصا وكمالا، ضعفا وشدّة، فصحّ استصحاب هذا الوجود عند الشكّ في بقائه وارتفاعه ولو مع القطع بتبدّل ما انتزع عنه سابقا من الماهيّة إلى غيره ممّا ينتزع عنه الآن لو كان، هذا، انتهى كلامه رفع مقامه.
أقول: يمكن توجيه كلام الشيخ على وجه يندفع عنه الاعتراض، وتوضيحه أنّه ليس مراده قدّس سرّه من وجود الموضوع خارجا وجوده الخارجي البحت، بل المقصود وجوده الذهني الحاكي عن الخارج، كما في وجوده التقرّري، ولهذا يصرّح بعد هذا في كلامه بجريان استصحاب العدالة على تقدير الحياة.
وبالجملة، من الواضح أنّ المقصود ليس العارض والمعروض في الخارج، بل المقصود بالمعروض، الموضوع في القضيّة الاستصحابيّة، وبالعارض المحمول فيها؛ فإنّ المحمول عارض في الذهن في مقام تشكيل القضيّة على الموضوع، ولهذا يقال:
الأخبار بعد العلم بها أوصاف.
وحينئذ نقول: إنّا عند إبقاء هذا العارض بالحكم ببقائه في القضيّة الاستصحابيّة في ما كانت القضيّة المتيقّنة: الصلاة واجبة، أو هذا المائع خمر مثلا، إمّا نقول واجبة، أو خمر ولا نرتبطها بشيء أصلا، فهذا يلزم منه تركّب القضيّة من جزءين، وبقاء هذين العارضين بلا معروض، وإمّا نقول: واجبة أو خمر ونرتبطها بشيء آخر غير الصلاة وهذا المائع، وحينئذ فإمّا نجعل المرتبط نفس المحمول العارض على الصلاة وهذا المائع، فهذا انتقال للعرض، وإمّا نجعله محمولا مستقلّا أجنبيّا عنه، وهذا ليس إبقاء للمحمول السابق، بل حكم بحدوث مثله في موضوع جديد.
وعلى هذا فالكون بلا موضوع والانتقال إنّما هما بالنسبة إلى وجود العرض حقيقة، غاية الأمر لا في الخارج، بل في الذهن، ولا فرق أيضا بين حمل الوجود وغيره من العوارض.
لا يقال: لا شبهة أنّه يجوز عند الشكّ في وجود الزيد مثلا تشكيل قضيّة «زيد قائم» على وجه الكذب، ولا شبهة أنّ التعبّد أيضا من سنخه، غاية الأمر أنّه مجوّز، فيصحّ أن يقال في صورة الشكّ: إنّ الاستصحاب مفيد لبقاء هذه القضيّة حتّى ينحلّ إلى تعبّدين، تعبّد بوجود الزيد وآخر بقيامه على تقدير الوجود لو كان مشكوكا، بل وإن لم يكن مشكوكا أيضا كان جاريا بملاحظة التعبّد الأوّل، فهذا أنفع من الاستصحابين المتقدّمين.
لأنّا نقول: لا يخفى أنّ التعبّد الجائي من قبل الحكم الاستصحابي إنّما هو في المحمول في القضيّة الاستصحابيّة، لا في موضوعها، وإلّا يلزم اشتمالها على نسبتين، فلا محيص عن إجراء الاستصحابين، أحدهما مفاده التعبّد في وجود الموضوع، والآخر في ثبوت المحمول للوجود المفروض.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|