إحتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) على معاوية حين ذكر له اصطفاء الله للنبي وتأييده اياه وغير ذلك من الامور |
2290
10:27 صباحاً
التاريخ: 10-5-2020
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-4-2017
1627
التاريخ: 1-07-2015
1540
التاريخ: 10-1-2019
1520
التاريخ: 30-03-2015
1857
|
[يقول أمير المؤمنين عليه السلام ] أما بعد فقد أتاني كتابك تذكر فيه اصطفاء الله تعالى محمدا صلى الله عليه وآله لدينه، وتأييده إياه بمن أيده من أصحابه، فلقد خبأ لنا الدهر منك عجبا إذ طفقت تخبرنا ببلاء الله عندنا، ونعمته علينا في نبينا، فكنت في ذلك كناقل التمر إلى هجر (1)، أو داعي مسدده إلى النضال (2) وزعمت أن أفضل الناس في الإسلام فلان وفلان (3) فذكرت أمرا إن تم اعتزلك كله، وإن نقص لم يلحقك ثلمه، وما أنت والفاضل والمفضول، والسايس والمسوس، وما للطلقاء وأبناء الطلقاء والتمييز بين المهاجرين الأولين، وترتيب درجاتهم، وتعريف طبقاتهم، هيهات لقد حن قدح ليس منها وطفق يحكم فيها من عليه الحكم لها.
ألا تربع أيها الإنسان على ظلعك وتعرف قصور ذرعك (4)، وتتأخر حيث أخرك القدر فما عليك غلبة المغلوب، ولا لك ظفر الظافر، فإنك لذهاب في التيه، رواغ عن القصد ألا ترى - غير مخبر لك لكن بنعمة الله أحدث -: إن قوما استشهدوا في سبيل الله من المهاجرين ولكل فضل، حتى إذا استشهد شهيدنا قيل: " سيد الشهداء " وخصه رسول الله صلى الله عليه وآله بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه (5)، أو لا ترى أن قوما قطعت أيديهم في سبيل الله ولكل فضل، حتى إذا فعل بواحدنا كما فعل بواحدهم قيل: " الطيار في الجنة وذو الجناحين " (6) ولولا ما نهى الله عن تزكية المرأ نفسه لذكر ذاكر فضائل جمة تعرفها قلوب المؤمنين، ولا تمجها آذان السامعين فدع عنك من مالت به الرمية (7) فأنا صنايع ربنا، والناس بعد صنايع لنا (8) لم يمنعنا قديم عزنا، ولا عادى طولنا (8) على قومك أن خلطناكم بأنفسنا، فنكحنا وأنكحنا، فعل الأكفاء، ولستم هناك وأنى يكون ذلك كذلك ومنا النبي ومنكم المكذب (10) ومنا أسد الله ومنكم أسد الأحلاف (11) ومنا سيدا شباب أهل الجنة ومنكم صبية النار (12) ومنا خير نساء العالمين، ومنكم حمالة الحطب (13) في كثير مما لنا عليكم فإسلامنا ما قد سمع، وجاهليتكم لا تدفع (14) وكتاب الله يجمع لنا ما شذ عنا، وهو قوله تعالى: " وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله " وقوله تعالى: " إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين " فنحن مرة أولى بالقرابة وتارة أولى بالطاعة.
ولما احتج المهاجرون على الأنصار يوم السقيفة برسول الله صلى الله عليه وآله فلجوا عليهم فإن يكن الفلج به فالحق لنا دونكم، وإن يكن بغيره فالأنصار على دعواهم (15).
وزعمت أني لكل الخلفاء حسدت، وعلى كلهم بغيت، فإن يكن ذلك كذلك فليس الجناية عليك فيكون العذر إليك.
وتلك شكاة ظاهر عنك عارها وقلت: إني كنت أقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى أبايع، ولعمر الله لقد أردت أن تذم فمدحت، وأن تفضح فافتضحت، وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوما ما لم يكن شاكا في دينه، ولا مرتابا في يقينه، وهذه حجتي إلى غيرك قصدها، ولكني أطلقت لك منها بقدر ما سنح من ذكرها.
ثم ذكرت ما كان من أمري وأمر عثمان فلك أن تجاب عن هذه لرحمك منه فأينا كان أعدى له وأهدى إلى مقاتلته، أم من بذل له نصرته فاستقعده واستكفه؟
أم من استنصره فتراخى عنه وبث المنون إليه حتى أتى عليه قدره؟ كلا والله لقد علم الله المعوقين منكم والقائلين لأخوانهم هلم إلينا، ولا يأتون البأس إلا قليلا، وما كنت لأعتذر من أني كنت أنقم عليه أحداثا، فإن كان الذنب إليه إرشادي وهدايتي له، فرب ملوم لا ذنب له، وقد يستفيد الظنة المتنصح، وما أردت إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
وذكرت أنه ليس لي ولا لأصحابي عندك إلا السيف، ولقد أضحكت بعد استعبار، متى ألفيت بنو عبد المطلب عن الأعداء ناكلين وبالسيوف مخوفين فألبث قليلا يلحق الهيجاء (16) حمل، فسيطلبك من تطلب، ويقرب منك ما تستبعد وأنا مرقل نحوك في جحفل من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان، شديد زحامهم، ساطع قتامهم متسربلين سرابيل الموت أحب اللقاء إليهم لقاء ربهم، وقد صحبتهم ذرية بدرية، وسيوف هاشمية، قد عرفت مواقع نصالها في أخيك، وخالك، وجدك (17) وأهلك، وما هي من الظالمين ببعيد
وكتب أيضا عليه السلام - إلى معاوية -:
أما بعد فإنا كنا نحن وأنت على ما ذكرت من الألفة والجماعة، ففرق بيننا وبينكم بالأمس إنا آمنا وكفرتم، واليوم إنا استقمنا وفتنتم، وما أسلم مسلمكم إلا كرها (18) وبعد أن كان أنف الإسلام كله لرسول الله حزبا .
وذكرت إني قتلت طلحة والزبير، وشردت بعايشة، ونزلت بين المصرين (19) وذلك أمر غبت عنه، فلا الجناية عليك، ولا العذر فيه إليك، وذكرت أنك زائري في المهاجرين والأنصار، وقد انقطعت الهجرة يوم أسر أخوك (20) فإن كان فيك عجل فاسترفه فإني إن أزرك فذلك جدير أن يكون الله عز وجل إنما بعثني للنقمة منك، وإن تزرني فكما قال أخو بني أسد.
مستقبلين رياح الصيف تضربهم * بحاصب بين أغوار وأنجاد وعندي السيف الذي أعضضته بجدك وخالك وأخيك في مقام واحد (21)، وإنك والله ما علمت الأغلف القلب المقارب (22) للعقل، والأولى أن يقال لك:
إنك رقيت سلما أطلعك مطلع سوء عليك لا لك، لأنك نشدت غير ضالتك (23) ورعيت غير سائمتك وطلبت أمرا لست من أهله، ولا في معدنه، فما أبعد قولك من فعلك! وقريب ما اشبهت من أعمام وأخوال حملتهم الشقاوة وتمني الباطل، على الجحود بمحمد صلى الله عليه وآله، فصرعوا بمصارعهم حيث عملت لم يدفعوا عظيما، ولم يمنعوا حريما، بوقع سيوف ما خلا منها الوغى، فلم يماشها الهوينا (24) وقد أكثرت في قتلة عثمان فادخل فيما دخل فيه الناس (25) ثم حاكم القوم إلي أحملك وإياهم على كتاب الله.
وأما تلك التي تريد (26) فإنها خدعة الصبي عن اللبن في أول الفصال، والسلام لأهله.
وكتب عليه السلام إلى معاوية وفي كتاب آخر.
فسبحان الله ما أشد لزومك للأهواء المبتدعة، والحيرة المتبعة ، مع تضييع الحقايق، واطراح الوثايق، التي هي لله طلبة، وعلى عباده حجة، فأما إكثارك الحجاج في عثمان وقتلته، فإنك إنما نصرت عثمان حيث كان النصر لك وخذلته حيث كان النصر له والسلام.
_________________
(1) مثل يضرب لمن يحمل الشئ إلى معدنه لينتفع به فيه وهجر معروفة بكثرة التمر.
(2) المناضلة المرامات يقال: ناضله إذا راماه، ومسدده: الذي يعلمه الرمي وهو مثل يضرب لمن يتعالم على معلمه ومثله قوله:
أعلمه الرماية كل يوم * فلما اشتد ساعده رماني
(3) يريد أبا بكر وعمر.
(4) أربع: توقف وانتظر يقال: " أربع على نفسك أو على ظلعك " أي: توقف ولا تستعجل والظلع العيب. أي أنت ضعيف فانته عما لا تطيقه ويقصر عنه باعك
(5) هو حمزة بن عبد المطلب عم الرسول " صلى الله عليه واله " .
(6) هو جعفر بن أبي طالب " عليه السلام ".
(7) الرمية: الصيد وهو مثل يضرب لمن اعوج غرضه فمال عن الاستقامة لطلبه والمراد هنا بمن مالت به الرمية الأول والثاني.
(8) قال العلامة المجلسي في ج 8 ص 536 من بحار الأنوار:
قوله عليه السلام: " فأنا صنايع ربنا " هذا كلام مشتمل على أسرار عجيبة من غرائب شأنهم التي تعجز عنها العقول، ولنتكلم على ما يمكننا إظهاره والخوض فيه فنقول صنيعة الملك: من يصطنعه ويرفع قدره، ومنه قوله تعالى: " اصطنعتك لنفسي " أي اخترتك وأخذتك صنيعتي، لتنصرف عن إرادتي ومحبتي.
فالمعنى: أنه ليس لأحد من البشر علينا نعمة، بل الله تعالى أنعم علينا، فليس بيننا وبينه واسطة، والناس بأسرهم صنايعنا فنحن الوسائط بينهم وبين الله سبحانه.
ويحتمل أن يريد بالناس بعض الناس أي المختار من الناس، نصطنعه ونرفع قدره.
وفي ج 3 من شرح النهج لابن أبي الحديد ص 451 قال:
هذا كلام عظيم عال على الكلام، ومعناه عال على المعاني، وصنيعة الملك من يصطنعه الملك ويرفع قدره، يقول: ليس لأحد من البشر علينا نعمة بل الله تعالى هو الذي أنعم علينا، فليس بيننا وبينه واسطة، والناس بأسرهم صنائعنا فنحن الواسطة بينهم وبين الله تعالى، وهذا مقام جليل ظاهره ما سمعت وباطنه أنهم عبيد الله، وأن الناس عبيدهم.
وقال محمد بن عبده في ص 36 من ج 3: من نهج البلاغة آل النبي: أسراء إحسان الله عليهم والناس أسراء فضلهم بعد ذلك.
(9) الطول: الفضل. قال العلامة المجلسي في ص 536 من ج 8 من بحار الأنوار " أقول: قد ظهر لك مما سبق أن بني أمية لم يكن لهم نسب صحيح ليشاركوا في الحسب آباءه عليه السلام مع أن قديم عزهم لم ينحصر في النسب بل أنوارهم " ع " أول المخلوقات ومن بدو خلق أنوارهم إلى خلق أجسادهم وظهور آثارهم كانوا معروفين بالعز والشرف والكمالات، في الأرضين والسماوات، يخبر بفضلهم كل سلف خلفا، ورفع الله ذكرهم في كل أمة عزا وشرفا.
(10) المكذب: أبو سفيان كان المكذب لرسول الله وعدوه المجلب عليه وقيل المراد به أبو جهل.
(11) أسد الله حمزة. وأسد الأحلاف قيل هو: أسد بن عبد العزى، وقيل عتبة بن ربيعة، وقيل أبو سفيان لأنه حزب الأحزاب، وحالفهم على قتال النبي " ص " في غزوة الخندق.
(12) وصبية النار: إشارة إلى الكلمة التي قالها النبي " ص " لعقبة بن أبي معيط حين قتله يوم بدر وقال - كالمستعطف له صلى لله عليه وآله -: " من للصبية يا محمد " قال: " النار ".
(13) حمالة الحطب: أم جميل بنت حرب بن أمية امرأة أبي لهب.
(14) لا تدفع أي: لا تنكر وفي بعض النسخ " وجاهليتنا " وحينئذ يكون المعنى شرفنا وفضلنا في الجاهلية لا ينكره أحد.
(15) وذلك إن المهاجرين احتجوا يوم السقيفة بأنهم شجرة الرسول ففلجوا - أي: ظفروا بهم - وظفر المهاجرين بهذه الحجة ظفر لأمير المؤمنين على معاوية وإلا فالأنصار على حقهم من دعوى الخلافة وفي كلا الحالين ليس لمعاوية فيها من نصيب.
(16) لبث: - بتشديد الباء -: فعل أمر من " ليث " إذا استزاد لبثه - أي: مكثه، والهيجاء: الحرب، وحمل - بالتحريك -: هو حمل بن بدر، رجل من قشير أغير على إبله في الجاهلية فاستنقذها وقال: - لبث قليلا يلحق الهيجا حمل * لا بأس بالموت إذا الموت نزل فصار مثلا يضرب للتهديد بالحرب.
(17) أخوه: حنظلة، وخاله: الوليد بن عتبة، وجده: عتبة بن ربيعة وهو جده لأمه .
(18) وذلك إن أبا سفيان لم يسلم حتى قبل فتح مكة وإنما دخل الإسلام خوف القتل
(19) المصران: الكوفة والبصرة.
(20) أخوه: عمرو بن أبي سفيان، أسر يوم بدر.
(21) أعضضته: جعلته يعضه والمراد ضربته به وهؤلاء قتلهم أمير المؤمنين " ع " يوم بدر.
(22) أي: أنت الذي أعرفه، والأغلف القلب: الذي لا يدرك كأن قلبه في غلاف لا تنفذ إليه المعاني، ومقارب العقل ناقصه ضعيفه، كأنه يكاد يكون عاقلا وليس به .
(23) الضالة: ما فقدته من مال وغيره، ونشدت طلبت، وهذا مثل يضرب لمن يطلب حقا ليس له.
(24) الوغى: الحرب. أي إن تلك السيوف باقية لم تخل منها الحروب ولم ترافقها المساهلة.
(25) أي البيعة له عليه السلام.
(26) أي الذي تريده من إبقائك واليا في الشام.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|