المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17761 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



تفسير الآية(40-44)من سورة هود  
  
8891   06:32 مساءً   التاريخ: 6-5-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الهاء / سورة هود /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-6-2020 14028
التاريخ: 2-5-2020 3730
التاريخ: 16-5-2020 5012
التاريخ: 2-5-2020 4423

 

قال تعالى:{ حَتى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كلّ زَوْجَينِ اثْنَينِ وأَهْلَك إِلا مَنْ سبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ ومَنْ ءَامَنَ ومَا ءَامَنَ مَعَهُ إِلا قَلِيلٌ(40) * وقَالَ ارْكبُوا فِيهَا بِسمِ اللَّهِ مجْراهَا ومُرْساهَا إِنَّ رَبى لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ(41) وهِىَ تجْرِى بِهِمْ فى مَوْج كالْجِبَالِ ونَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وكانَ فى مَعْزِل يَبُنىَّ ارْكب مَّعَنَا ولا تَكُن مَّعَ الْكَفِرِينَ(42) قَالَ سئَاوِى إِلى جَبَل يَعْصِمُنى مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلا مَن رَّحِمَ وحَالَ بَيْنهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ(43) وقِيلَ يَأَرْض ابْلَعِى مَاءَكِ ويَسمَاءُ أَقْلِعِى وغِيض الْمَاءُ وقُضىَ الأَمْرُ واستَوَت عَلى الجْودِى وقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظلِمِينَ} [هود: 40،44]

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

أخبر سبحانه عن إهلاك قوم نوح فقال: { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا} والمعنى فذلك حاله وحالهم حتى إذا جاء قضاؤنا بنزول العذاب { وَفَارَ التَّنُّورُ} بالماء أي ارتفع الماء بشدة اندفاع وفي التنور أقوال  أولها: أنه تنور الخابزة وأنه تنور كان لآدم فار الماء منه علامة لنوح (عليه السلام) إذ نبع الماء من موضع غير معهود خروجه منه عن ابن عباس والحسن ومجاهد ثم اختلف في ذلك فقال قوم أن التنور كان في دار نوح (عليه السلام) بـ(عين وردة) من أرض الشام وقال قوم بل كان في ناحية الكوفة وهو المروي عن أئمتنا (عليهم السلام).

 وروى المفضل بن عمر عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل قال : كان التنور في بيت عجوز مؤمنة في دير قبلة ميمنة مسجد الكوفة قال قلت: فكيف كان بدء خروج الماء من ذلك التنو؟ قال: نعم إن الله أحب أن يري قوم نوح آية ثم أن الله سبحانه أرسل عليهم المطر يفيض فيضا وفاض الفرات فيضا وفاضت العيون كلها فيضا فغرقهم الله وأنجى نوحا ومن معه في السفينة. فقلت : فكم لبث نوح في السفينة حتى نضب الماء فخرجوا منها ؟ فقال لبث فيها سبعة أيام بلياليها. فقلت له :إن مسجد الكوفة لقديم! فقال: نعم وهو مصلى الأنبياء ولقد صلى فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) حين أسري به إلى السماء قال له جبرائيل (عليه السلام) يا محمد هذا مسجد أبيك آدم ومصلى الأنبياء فانزل فصل فيه فنزل فصلى فيه ثم أن جبرائيل (عليه السلام) عرج به إلى السماء.

 وفي رواية أخرى: أن السفينة استقلت بما فيها فجرت على ظهر الماء مائة وخمسين يوما بلياليها. وروى أبوعبيدة الحذاء عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: مسجد كوفان وسطه روضة من رياض الجنة الصلاة فيه بسبعين صلاة صلى فيه ألف نبي وسبعون نبيا فيه فار التنور وجرت السفينة وهو سرة بابل ومجمع الأنبياء (عليهم السلام) وثانيها : أن التنور وجه الأرض عن ابن عباس والزهري وعكرمة واختاره الزجاج ويؤيده قوله { وفجرنا الأرض عيونا } . وثالثها : أن معنى قوله { وَفَارَ التَّنُّورُ} طلع الفجر وظهرت أمارات دخول النهار وتقضي الليل من قولهم : نور الصبح تنويرا وروي ذلك عن علي (عليه السلام) . ورابعها : أن التنور أعلى الأرض وأشرفها والمعنى نبع الماء من الأمكنة المرتفعة فشبهت بالتنانير لعلوها عن قتادة  وخامسها : أن فار التنور معناه اشتد غضب الله عليهم ووقعت نقمته بهم كما تقول العرب حمي الوطيس : إذا اشتد الحرب وفار قدر القوم إذا اشتد حربهم قال الشاعر :

تفور علينا قدرهم فنذيمها                ونفثاها عنا إذا حميها غلا(2)

 يريد بالقدر الحرب .ونذيمها: نسكنها . وهذا أبعد الأقوال من الأثر وحمل الكلام على الحقيقة التي تشهد بها الرواية أولى { قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} أي: قلنا لنوح (عليه السلام) لما فار الماء من التنور: احمل في السفينة من كل جنس من الحيوان زوجين أي: ذكر وأنثى وقد ذكرنا المعنى في حجة القراءتين { وأهلك} أي: واحمل أهلك وولدك { إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} أي: من سبق الوعد بإهلاكه والإخبار بأنه لا يؤمن وهي امرأته الخائنة واسمها واغلة وابنها كنعان {ومن آمن} أي: واحمل فيها من آمن بك من غير أهلك .

ثم أخبر سبحانه فقال { وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} أي: إلا نفر قليل وهم ثمانون إنسانا في قول الأكثرين. وقيل: اثنان وسبعون رجلا وامرأة وبنوه الثلاثة ونساؤهم فهم ثمانية وسبعون نفسا. وحمل معه جسد آدم (عليه السلام) عن مقاتل .وقيل: عشرة أنفس عن ابن إسحاق وقيل: ثمانية أنفس عن ابن جريج وقتادة وروي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) وقيل : سبعة أنفس عن الأعمش وكان فيهم بنوه الثلاثة سام وحام ويافث وثلاث كنائن لهم فالعرب والروم وفارس وأصناف العجم ولد سام والسودان من الحبش والزنج وغيرهم ولد حام والترك والصين والصقالبة ويأجوج ومأجوج ولد يافث.

 { وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا} أي: وقال نوح لمن آمن معه : اركبوا في السفينة. وفي الكلام حذف تقديره فلما فار التنور ووقف نوح على ما دله الله عليه من هلاك الكفار قال لأهله وقومه : اركبوا فيها { بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} أي: متبركين باسم الله أوقائلين بسم الله وقت إجرائها ووقت إرسائها أي: إثباتها وحبسها وقيل: معناه بسم الله إجراؤها وإرساؤها وقد ذكرنا تفسيره في الحجة. وقال الضحاك كانوا إذا أرادوا أن تجري السفينة قالوا بسم الله مجريها فجرت وإذا أرادوا أن تقف السفينة قالوا بسم الله مرساها فوقفت .

{ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} هذا حكاية عما قاله نوح لقومه ووجه اتصاله بما قبله أنه لما ذكرت النجاة بالركوب في السفينة ذكرت النعمة بالمغفرة والرحمة لتجتلبا بالطاعة كما اجتلبت النجاة بركوب السفينة { وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ} معناه : أن السفينة كانت تجري بنوح ومن معه على الماء في أمواج كالجبال في عظمها وارتفاعها ودل بتشبيهها بالجبال على أن ذلك لم يكن موجا واحدا بل كان كثيرا وروي عن الحسن إن الماء ارتفع فوق كل شيء وفوق كل جبل ثلاثين ذراعا وقال غيره خمسة عشر ذراعا وقيل: أن سفينة نوح سارت لعشر مضين من رجب فسارت ستة أشهر حتى طافت الأرض كلها لا تستقر في موضع حتى أتت الحرم فطافت بموضع الكعبة أسبوعا وكان الله سبحانه رفع البيت إلى السماء ثم سارت بهم حتى انتهت إلى الجودي وهو جبل بأرض الموصل فاستقرت عليه اليوم العاشر من المحرم وروى أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن نوحا ركب السفينة في أول يوم من رجب فصام وأمر من معه أن يصوموا ذلك اليوم وقال من صام ذلك اليوم تباعدت عنه النار مسيرة سنة { وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} كنعان وقيل أن اسمه يأم { وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ} أي: في قطعة من الأرض غير القطعة التي كان نوح فيها حين ناداه وقيل :معناه كان في ناحية من دين أبيه أي: قد اعتزل دينه وكان نوح يظن أنه مسلم فلذلك دعاه وقيل : كان في معزل من السفينة { يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ} دعا ابنه إلى أن يركب معه في السفينة ليسلم من الغرق قال الحسن كان ينافق أباه فلذلك دعاه وقال أبومسلم دعاه بشرط الإيمان ومعناه يا بني آمن بالله ثم اركب معنا ولا تكن على دين الكافرين وعلى القول الأول يكون معناه لا تتخلف مع الكافرين فتغرق معهم فأجابه ابنه :

{ قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ} أي: سأرجع إلى مأوى من جبل { يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} أي: يمنعني من آفات الماء { قال } نوح { لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} أي: لا مانع ولا دافع اليوم من عذاب الله إلا من رحمه الله بإيمانه ف آمن بالله يرحمك الله { وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ} أي: فصار { مِنَ الْمُغْرَقِينَ} .

ثم بين سبحانه الحال بعد انتهاء الطوفان فقال { وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ} أي: قال الله سبحانه للأرض : أنشفي ماءك الذي نبعت به العيون واشربي ماءك حتى لا يبقى على وجهك شيء منه وهذا إخبار عن ذهاب الماء عن وجه الأرض بأوجز مدة فجرى مجرى أن قيل لها ابلعي فبلعت { وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي} أي: وقال تعالى للسماء يا سماء! أمسكي عن المطر. وهذا إخبار عن إقشاع السحاب وانقطاع المطر في أسرع زمان فكأنه قال لها: أقلعي فأقلعت { وَغِيضَ الْمَاءُ} أي: ذهب به عن وجه الأرض إلى باطنه والمعنى : ونشفت الأرض ماءها ويقال: أن الأرض ابتلعت جميع مائها وماء السماء لقوله { وَغِيضَ الْمَاءُ}. ويقال لم تبتلع ماء السماء لقوله { ابْلَعِي مَاءَكِ} وإن ماء السماء صار بحارا وأنهارا وهو المروي عن أئمتنا (عليهم السلام) { وَقُضِيَ الْأَمْرُ} أي: وقع إهلاك الكفار على التمام وفرغ من الأمر وقيل : وقضي الأمر بنجاة نوح ومن معه { وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} أي: استقرت السفينة على الجبل المعروف. قال الزجاج :هوبناحية آمد وقال غيره بقرب جزيرة الموصل قال زيد بن عمروبن نفيل :

سُبحَانهُ ثم سُبحَانًا يًعُودُ لهُ              وَقَبلهُ َسبح الجودي والجُمُد(3)

 وقال أبو مسلم الجودي اسم لكل جبل وأرض صلبة وفي كتاب النبوة مسندا إلى أبي بصير عن أبي الحسن علي بن موسى بن جعفر (عليه السلام) قال كان نوح لبث في السفينة ما شاء الله وكانت مأمورة فخلى سبيلها فأوحى الله إلى الجبال إني واضع سفينة نوح على جبل منكن فتطاولت الجبال وشمخت وتواضع الجودي وهو جبل بالموصل فضرب جؤجؤ السفينة الجبل فقال نوح عند ذلك يا ماريا أتقن وهو بالعربية يا رب أصلح وفي رواية أخرى يا رهمان أتقن وتأويله يا رب أحسن وقيل أرست السفينة على الجودي شهرا .

{ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} أي: قال الله تعالى ذلك ومعناه أبعد الله الظالمين من رحمته لإيرادهم أنفسهم مورد الهلاك وإنما انتصب على المصدر وفيه معنى الدعاء ويجوز أن يكون هذا من قول الملائكة أومن قول نوح والمؤمنين وفي هذه الآية من بدائع الفصاحة وعجائب البلاغة ما لا يقارب كلام البشر ولا يدانيه منها أنه خرج مخرج الأمر وإن كانت الأرض والسماء من الجماد ليكون أدل على الاقتدار ومنها حسن تقابل المعنى وائتلاف الألفاظ ومنها: حسن البيان في تصوير الحال ومنها الإيجاز من غير إخلال إلى غير ذلك مما يعلمه من تدبره وله معرفة بكلام العرب ومحاوراتهم ويروى أن كفار قريش أرادوا أن يتعاطوا معارضة القرآن فعكفوا على لباب البر ولحوم الضأن وسلاف الخمر أربعين يوما لتصفوأذهانهم فلما أخذوا فيما أرادوا سمعوا هذه الآية فقال بعضهم لبعض هذا كلام لا يشبهه شيء من الكلام ولا يشبه كلام المخلوقين وتركوا ما أخذوا فيه وافترقوا .

____________________

1- تفسير مجمع البيان،الطبرسي،ج5،ص278-282.

2- نسبه في اللسان الى الجعدي ثم قال :وهذا البيت في التهذيب منسوب الى الكميت ،وفثأ القدر : سكن غليانها بماء بارد.

3- وفي رواية الحموي في (معجم البلدان ) (( نسبح لله تسبيحاً نجود به وقبله . ا ه)) والجمد  بضمتين -:جبل بنجد لبني نصر . وقد ينسب هذا الشعر الى ورقة بن نوفل.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وفارَ التَّنُّورُ } . الفوران الارتفاع ، وللتنور معان في اللغة ، منها وجه الأرض ، وهوالمراد هنا ، ونظيره « وفجرنا الأرض عيونا » والمعنى حين أتى أمر اللَّه ، وأخذ الماء ينبع من الأرض { قُلْنَا » - لنوح - « احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ } ذكرا وأنثى ، وكلمة كلّ تدل على عموم ما تضاف إليه ، ويختلف هذا العموم سعة وضيقا باختلاف موارده ، فكلمة شيء في قوله تعالى : « ولَهُ كُلُّ شَيْءٍ » تعم جميع الكائنات دون استثناء ، وهي في قوله عن بلقيس : « وأوتيت من كل شيء » تختص بأشياء زمانها أوبلدها ، وعلى هذا يكون المراد من كل زوجين في الآية ما يستطيع نوح ( عليه السلام ) أن يحمله معه في السفينة من أنواع الأحياء أوالمخلوقات ، لا من جميع أنواعها ، والا كان طول السفينة وعرضها مئات الأميال .

{ وأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ } أي واحمل أهلك في السفينة ولا تحمل منهم من ننهاك عن حمله . وتجدر الإشارة إلى أن اللَّه سبحانه لم يقل لنوح : لا تحمل ولدا مع العلم بأن اللَّه قد أغرقه مع الكافرين . وقال المفسرون : ان أبناء نوح الثلاثة الذين حملهم معه حام وسام ويافث ، أما من كتب عليه الهلاك من أهله فهوأحد أبنائه الذي أشار إليه سبحانه بقوله : « فكان من المغرقين » وقيل :

اسمه كنعان ، وامرأة نوح أيضا كانت من الهالكين لقوله تعالى في الآية 10 من سورة التحريم : { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وامْرَأَةَ لُوطٍ } . .

{ ومَنْ آمَنَ وما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ } ، أي واحمل العصبة القليلة التي آمنت معك .

{ وقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها ومُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } وامتثل نوح (عليه السلام ) أمر اللَّه ، ودعا المؤمنين من أهله وأصحابه أن يركبوا معه السفينة ، وهوومن معه يسمون عليها في الجريان والرسو. . ورأيت تفسيرا لبعض الصوفية يقول : المراد بسفينة النجاة هنا الشريعة ، وبالأمواج أهواء النفس وشهواتها . .

فتساءلت ، وأنا أقرأ هذا التفسير : هل يا ترى استوحى بعض الشيوخ من هذا التفسير تسمية كتابه أورسالته بسفينة النجاة ؟ .

{ وهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ } . وفي هذه الحال التي هي أشبه بسكرات الموت ينظر نوح إلى ولده بحسرة ، ويدعوه إلى الايمان وسبيل النجاة قبل أن يلفظ النفس الأخير { ونادى نُوحٌ ابْنَهُ وكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا ولا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ } . مسكين الأب . . ما مسّ الأذى طرفا من جسم ولده الا ومسه في روحه وقلبه . . لقد أيقن نوح بأن ابنه هالك لا محالة ان أصر على الشرك ، فهتف بلهفة الأبوة : يا بني آمن باللَّه واركب معنا . . ولكن لا حياة لمن تنادي ، فإن رعونة الفتوة قد أعمته عن سوء العاقبة { قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ } . لقد صوّر له الجهل والغرور ان المشكلة مشكلة ماء ، وانه يحلها بالصعود إلى الجبل ، ولم يدر انها مشيئة اللَّه وغضبه على المشركين والمتمردين .

{ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ ) . فأجابه نوح ليست المشكلة مشكلة ماء كما تظن ، وانما هي مشيئة اللَّه التي لا مفر منها إلى غيره . . فمن رحم اللَّه نجا ، ومن غضب عليه هلك { وحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ } وفي أثناء الحديث بين الوالد وولده ارتفع الموج ، وغاب الولد عن عيني والده . .

والذي حدث لنوح ( عليه السلام ) مع ولده يحدث لكثير من الآباء مع أبنائهم الذين يسيئون تقدير الأمور وعواقبها ، ويكون مصيرهم تماما كمصير ابن نوح .

{ وقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ ويا سَماءُ أَقْلِعِي وغِيضَ الْماءُ وقُضِيَ الأَمْرُ واسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ } . أمر اللَّه الأرض أن تبتلع الماء ، وأمر السماء أن تكف عن الصب ، فكفت هذه ، وابتلعت تلك ، وانتهى الأمر بنجاة المؤمنين ، وهلاك المشركين ، وإذا بالسفينة تستقر على الجودي ، وهوجبل بالموصل كما قيل { وقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } الذين كذبوا بالحق . وبعدا كلمة دعاء أي أبعدهم اللَّه عن رحمته ، مثل سحقا في قوله تعالى : { فَسُحْقاً لأَصْحابِ السَّعِيرِ - 11 الملك } .

_____________________

1- التفسير الكاشف، محمد جواد مغنية،ج4،ص 232-233.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى:{ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ} إلى آخر الآية، يقال: فار القدر يفور فورا وفورانا إذا غلا واشتد غليانه، وفارت النار إذا اشتعلت وارتفع لهيبها، والتنور تنور الخبز، وهو مما اتفقت فيه اللغتان: العربية والفارسية أوالكلمة فارسية في الأصل.

وفوران التنور نبع الماء وارتفاعه منه، وقد ورد في الروايات: أن أول ما ابتداء الطوفان يومئذ كان ذلك بتفجر الماء من تنور، وعلى هذا فاللام في التنور للعهد يشار بها إلى تنور معهود في الخطاب، ويحتمل اللفظ أن يكون كناية عن اشتداد غضب الله تعالى فيكون من قبيل قولهم:{حمي الوطيس} إذا اشتد الحرب.

فقوله:{ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ}: أي كان الأمر على ذلك حتى إذا جاء أمرنا أي تحقق الأمر الربوبي وتعلق بهم وفار الماء من التنور أواشتد غضب الرب تعالى قلنا له كذا وكذا.

وفي التنور أقوال أخر بعيدة من الفهم كقول من قال إن المراد به طلوع الفجر وكان عند ذلك أول ظهور الطوفان، وقول بعضهم: إن المراد به أعلى الأرض وأشرفها أي انفجر الماء من الأمكنة المرتفعة ونجود الأرض، وقول آخرين: إن التنور وجه الأرض هذا.

وقوله:{ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} أي أمرنا نوحا (عليه السلام) أن يحمل في السفينة من كل جنس من أجناس الحيوان زوجين اثنين وهي الذكر والأنثى.

وقوله:{ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} أي واحمل فيها أهلك وهم المختصون به من زوج وولد وأزواج الأولاد وأولادهم إلا من سبق عليه قولنا وتقدم عليه عهدنا أنه هالك، وكان هذا المستثنى زوجته الخائنة التي يذكرها الله تعالى في قوله:{ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا:} التحريم: - 10.

وابن نوح الذي يذكره الله تعالى في الآيات التالية وكان نوح (عليه السلام) يرى أن المستثنى هوامرأته فحسب حتى بين الله سبحانه أن ابنه ليس من أهله وأنه عمل غير صالح فعند ذلك علم أنه من الذين ظلموا.

وقوله:{ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} أي واحمل فيها من آمن بك من قومك غير أهلك لأن من آمن به من أهله أمر بحمله بقوله:{وأهلك} ولم يؤمن به من القوم إلا قليل.

في قوله:{وما آمن معه} دون أن يقال: وما آمن به تلويح إلى أن المعنى: وما آمن بالله مع نوح إلا قليل، وذلك أنسب بالمقام وهومقام ذكر من أنجاه الله من عذاب الغرق، والملاك فيه هو الإيمان بالله والخضوع لربوبيته، وكذا في قوله:{إلا قليل} دون أن يقال إلا قليل: منهم بلوغا في استقلالهم إن من آمن كان قليلا في نفسه لا بالقياس إلى القوم فقد كانوا في نهاية القلة.

قوله تعالى:{ وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} قرىء مجراها بفتح الميم وهومجرى السفينة وسيرها، ومجراها بضم الميم وهوإجراء السفينة وسياقها، ومرساها بضم الميم مصدر ميمي مرادف الإرساء، والإرساء الإثبات والإيقاف، قال تعالى:{والجبال أرساها:} النازعات: - 32.

وقوله:{وقال اركبوا فيها} معطوف على قوله في الآية السابقة:{جاء أمرنا} أي حتى إذا قال نوح إلخ، وخطابه لأهله وسائر المؤمنين أولجميع من في السفينة.

وقوله:{بسم الله مجراها ومرساها} تسمية منه (عليه السلام) يجلب به الخير والبركة لجري السفينة وإرسائها فإن في تعليق فعل من الأفعال أوأمر من الأمور على اسم الله تعالى وربطه به صيانة له من الهلاك والفساد واتقاء من الضلال والخسران لما أنه تعالى رفيع الدرجات منيع الجانب لا سبيل للدثور والفناء والعي والعناء إليه فما تعلق به مصون لا محالة من تطرق عارض السوء.

فهو(عليه السلام) يعلق جري السفينة وإرساءها باسم الله وهذان هما السببان الظاهران في نجاة السفينة ومن فيها من الغرق، وإنما ينجح هذان السببان لوشملت العناية الإلهية من ركبها، وإنما تشمل العناية بشمول المغفرة الإلهية لخطايا ركابها والرحمة الإلهية لهم لينجوا من الغرق ويعيشوا على رسلهم في الأرض، ولذلك علل (عليه السلام) تسميته بقوله:{إن ربي لغفور رحيم} أي إنما أذكر اسم الله على مجرى سفينتي ومرساها لأنه ربي الغفور الرحيم، له أن يحفظ مجراها ومرساها من الاختلال والتخبط حتى ننجوبذلك من الغرق بمغفرته ورحمته.

ونوح (عليه السلام) أول إنسان حكى الله سبحانه عنه التسمية باسمه الكريم فيما أوحاه من كتابه فهو(عليه السلام) أول فاتح فتح هذا الباب كما أنه أول من أقام الحجة على التوحيد، وأول من جاء بكتاب وشريعة وأول من انتهض لتعديل الطبقات ورفع التناقض عن المجتمع الإنساني.

وما قدمناه من معنى قوله:{بسم الله مجراها ومرساها} مبني على ما هوالظاهر من كون الجملة تسمية من نوح (عليه السلام) والمجرى والمرسى مصدرين ميميين وربما احتمل كونه تسمية ممن مع نوح بأمره أوكون مجراها ومرساها اسمين للزمان أوالمكان فيختلف المعنى.

قال في الكشاف، في الآية: يجوز أن يكون كلاما واحدا وكلامين: فالكلام الواحد أن يتصل باسم الله باركبوا حالا من الواوبمعنى اركبوا فيها مسمين الله أوقائلين بسم الله وقت إجرائها ووقت إرسائها إما لأن المجرى والمرسى للوقت وإما لأنهما مصدران كالإجراء والإرساء حذف منهما الوقت المضاف كقولهم: خفوق النجم ومقدم الحاج، ويجوز أن يراد مكانا الإجراء والإرساء، وانتصابهما بما في بسم الله من معنى الفعل أوبما فيه من إرادة القول.

والكلامان أن يكون بسم الله مجراها ومرساها جملة من مبتدإ وخبر مقتضبة 1 أي بسم الله إجراؤها وإرساؤها، يروى أنه كان إذا أراد أن تجري قال: بسم الله فجرت، وإذا أن ترسو قال: بسم الله فرست، ويجوز أن يقحم 1.

الاسم كقوله: ثم اسم السلام عليكما ويراد بالله إجراؤها وإرساءها.

قال: وقرىء مجراها ومرساها بفتح الميم من جرى ورسى إما مصدرين أووقتين أومكانين، وقرأ مجاهد: مجريها ومرسيها بلفظ اسم الفاعل مجروري المحل صفتين لله.

قوله تعالى:{ وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ} الضمير للسفينة، والموج اسم جنس كتمر أو جمع موجة - على ما قيل - وهي قطعة عظيمة ترتفع عن جملة الماء وفي الآية إشعار بأن السفينة كانت تسير على الماء ولم تكن تسبح جوف الماء كالحيتان كما قيل.

قوله تعالى:{ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ} المعزل اسم مكان من العزل وقد عزل ابنه نفسه عن أبيه والمؤمنين في مكان لا يقرب منهم، ولذلك قال:{ونادى نوح ابنه} ولم يقل: وقال نوح لابنه.

والمعنى: ونادى نوح ابنه وكان ابنه في مكان منعزل بعيد منهم وقال في ندائه: يا بني - بالتصغير والإضافة دلالة على الإشفاق والرحمة - اركب معنا السفينة ولا تكن مع الكافرين فتشاركهم في البلاء كما شاركتهم في الصحبة وعدم ركوب السفينة، ولم يقل (عليه السلام): ولا تكن من الكافرين لأنه لم يكن يعلم نفاقه وأنه غير مؤمن إلا باللفظ، ولذلك دعاه إلى الركوب.

قوله تعالى:{ قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} إلخ، قال الراغب: المأوى مصدر أوى يأوي أويا ومأوى تقول: أوى إلى كذا: انضم إليه يأوي أويا ومأوى وآواه غيره يؤويه إيواء، انتهى.

والمعنى: قال ابن نوح مجيبا لأبيه رادا لأمره: سأنضم إلى جبل يعصمني ويقيني من الماء فلا أغرق، قال نوح: لا عاصم اليوم – وهو يوم اشتد غضب الله وقضى بالغرق لأهل الأرض إلا من التجأ منهم إلى الله - من الله لا جبل ولا غيره، وحال بين نوح وابنه الموج فكان ابنه من المغرقين ولولم يحل الموج بينهما ولم ينقطع الكلام بذلك لعرف كفره وتبرأ منه.

وفي الكلام إشارة إلى أن أرضهم كانت أرضا جبلية لا مئونة زائدة في صعود الإنسان إلى بعض جبال كانت هناك.

قوله تعالى:{ وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} البلع إجراء الشيء في الحلق إلى الجوف، والإقلاع الإمساك وترك الشيء من أصله، والغيض جذب الأرض المائع الرطب من ظاهرها إلى باطنها وهو كالنشف يقال: غاضت الأرض الماء أي نقصته.

والجودي مطلق الجبل والأرض الصلبة، وقيل: هو جبل بأرض موصل في سلسلة جبال تنتهي إلى أرمينية وهي المسماة{آرارات}.

وقوله:{ وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي} نداء صادر من ساحة العظمة والكبرياء لم يصرح باسم قائله وهوالله عز اسمه للتعظيم، والأمر تكويني تحمله كلمة{كن} الصادرة من ذي العرش تعالى يترتب عليه من غير فصل أن تبتلع الأرض ما على وجهها من الماء المتفجر من عيونها، وأن تكف السماء عن أمطارها.

وفيه دلالة على أن الأرض والسماء كانتا مشتركتين في إطغاء الماء بأمر الله كما يبينه قوله تعالى:{ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ:} القمر: - 12.

وقوله:{وغيض الماء} أي نقص الماء ونشف عن ظاهر الأرض وانكشف البسيط، وذلك إنما يكون بالطبع باجتماع ما يمكن اجتماعه منه في الغدران وتشكيل البحار والبحيرات، وانتشاف ما على سائر البسيطة.

وقوله:{وقضي الأمر} أي أنجز ما وعد لنوح (عليه السلام) من عذاب القوم وأنفذ الأمر الإلهي بغرقهم وتطهر الأرض منهم أي كان ما قيل له كن كما قيل فقضاء الأمر كما يقال على جعل الحكم وإصداره كذلك يقال على إمضائه وإنفاذه وتحقيقه في الخارج، غير أن القضاء الإلهي والحكم الربوبي الذي هوعين الوجود الخارجي جعله وإنفاذه واحد، وإنما الاختلاف بحسب التعبير.

وقوله:{واستوت على الجودي} أي استقرت السفينة على الجبل أوعلى جبل الجودي المعهود، وهو إخبار عن اختتام ما كان يلقاه نوح ومن معه من أمر الطوفان.

وقوله:{وقيل بعدا للقوم الظالمين} أي قال الله عز اسمه: بعدا للقوم الظالمين أي ليبعدوا بعدا فأبعدهم بذلك من رحمته وطردهم عن دار كرامته، والكلام في ترك ذكر فاعل{قيل} هاهنا كالكلام فيه في{قيل} السابق.

والأمر أيضا في قوله:{بعدا للقوم الظالمين} كالأمرين السابقين:{يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي} تكويني فهوعين ما أنفذه الله فيهم من الغرق المؤدي إلى خزيهم في الدنيا وخسرانهم في الآخرة، وإن كان من وجه آخر من جنس الأمر التشريعي لتفرعه على مخالفتهم الأمر الإلهي بالإيمان والعمل، وكونه جزاء لهم على استكبارهم واستعلائهم على الله عز وجل.

وللصفح عن ذكر الفواعل في قوله:{وقيل يا أرض} إلخ، وقوله:{وقضي الأمر} وقوله:{وقيل بعدا} إلخ، في الآية وجه آخر مشترك وهو أن هذه الأمور العظيمة الهائلة المدهشة لن يقدر عليها إلا الواحد القاهر الذي لا شريك له في أمره فلا يذهب الوهم إلى غيره لولم يذكر على فعله فما هوإلا فعله ذكر أم لم يذكر.

ولمثل هذه النكتة حذف فاعل{غيض الماء} وهو الأرض، وفاعل{استوت على الجودي} وهو السفينة، ولم يعين القوم الظالمون بأنهم قوم نوح، ولا الناجون بأنهم نوح (عليه السلام) ومن معه في السفينة فإن الآية بلغت في بلاغتها العجيبة من حيث سياق القصة مبلغا ليس فيه إلا سماء تنزل أمطارها، وأرض انفجرت بعيونها وانغمرت بالماء وسفينة تجري في أمواجه، وأمر مقضي، وقوم ظالمون هم قوم نوح وأمر إلهي بوعد القوم بالهلاك فلوغيض الماء فإنما تغيضه الأرض، ولواستقر شيء واستوى فإنما هي السفينة تستقر على الأرض كما أنه لوقيل: يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وقيل: بعدا للقوم الظالمين فإنما القائل هو الله عز اسمه والقوم الظالمون هم المقضي عليهم بالعذاب، ولوقيل: قضي الأمر فإنما القاضي هو الله سبحانه، والأمر هو ما وعده نوحا ونهاه أن يراجعه في ذلك وهو أنهم مغرقون، ولوقيل للسماء: أقلعي بعد ما قيل للأرض: ابلعي ماءك فإنما يراد إقلاعها وإمساكها ماءها.

ففي الآية الكريمة اجتماع عجيب من أسباب الإيجاز وتوافق لطيف فيما بينها كما أن الآية واقفة على موقف عجيب من بلاغة القرآن المعجزة يبهر العقول ويدهش الألباب وإن كانت الآيات القرآنية كلها معجزة في بلاغتها.

وقد اهتم بأمرها رجال البلاغة وعلماء البيان فغاصوا لجي بحرها وأخرجوا ما استطاعوا نيله من لئاليها، وما هو- وقد اعترفوا بذلك - إلا كغرفة من بحر أوحصاة من بر.

_____________________

1- تفسير الميزان،الطباطبائي،ج10،ص176-181.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

شروع الطّوفان:

رأينا في الآيات المتقدمة كيف صنع نوح(عليه السلام) وجماعته المؤمنون سفينة النجاة بصدق. وواجهوا جميع المشاكل واستهزاء الأكثرية من غير المؤمنين، وهيأوا أنفسهم للطوفان، ذلك الطوفان الذي طهّر سطح الأرض من لوث المستكبرين الكفرة.

والآيات ـ محل البحث ـ تتعرض لموضوع ثالث، وهوكيف كانت النهاية؟

وكيف تحقق نزول العذاب على القوم المستكبرين، فتبيّنه بهذا التعبير { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ}

التَنّوُر: بتشديد النون، هو المكان الذي ينضج الخبز فيه بعد أن كان عجيناً.

لكن ما مناسبة فوران الماء في التنور واقتراب الطوفان؟

إختلف المفسّرون فكانت لهم أقوال كثيرة في ذلك..

قال بعضهم: كان العلامة بين نوح وربّه لحلول الطوفان أن يفور التنّور، ليلتفت نوح وأصحابه إِلى ذلك فيركبوا في السفينة مع وسائلهم وأسبابهم.

وقال جماعة آخرون: إِنّ كلمة «التنور» استعملت هنا مجازاً وكنايةً عن غضب الله، ويعني أن غضب الله اشتدّت شعلته وفار، فهوإشارة الى اقتراب حلول العذاب المدمّر، وهذا التعبير مطرّد حيث يشبّهون شدّة الغضب بالفورة والإِشتعال!

ولكن يبدوأنّ احتمال أن يكون التنور قد استعمل بمعناه الحقيقي المعروف أقوى، والمراد بالتنّور ليس تنّوراً خاصّاً، بل المقصود بيان هذه المسألة الدقيقة، وهي أن حين فار التنّور بالماء ـ وهومحل النّار عادةً ـ التفت نوح(عليه السلام) وأصحابه إِلى أن الأوضاع بدأت تتبدل بسرعة وأنّه حدثت المفاجأة، فأين «الماء من النّار»؟!(2)

وبتعبير آخر: حين رأوا أنّ سطح الماء ارتفع من تحت الأرض وأخذ يفور من داخل التنور الذي يُصنع في مكان يابس ومحفوظ، من الرطوبة علموا أن أمراً مهمّاً قد حدث وأنّه قد ظهر في التكوين أمر خطير، وكان ذلك علامة لنوح(عليه السلام)وأصحابه أن ينهضوا ويتهيأوا.

ولَعَلّ قوم نوح الغافلين رأوا هذه الآية. وهي فوران التنور بالماء في بيوتهم ولكن غضوا أجفانهم وصمّوا آذانهم كعادتهم عند مثل العلائم الكبيرة حتى أنّهم لم يسمحوا لأنفسهم بالتفكير في هذا الأمر وأن إِنذارات نوح حقيقية.

في هذه الحالة بلغ الأمر الإِلهي نوحاً {وقلنا أحمل فيها من كلّ زوجين اثنين وأهلك إلاّ من سبق عليه القول ومن آمن}.

لكنْ كم هم الذين آمنوا معه؟ {وما آمن معه إلاّ قليل}.

هذه الآية تشير من جهة إِلى امرأة نوح وابنه كنعان ـ اللذين ستأتي قصتهما في الآيات المقبلة ـ وقد قطعا علاقتهما بنوح على أثر انحرافهما وتآمرهما مع المجرمين، فلم يكن لهما حق في ركوب السفينة ليكونا من الناجين، لأنّ الشرط الأوّل للركوب كان هوالإِيمان.

وتشير الآية من جهة أُخرى إِلى أنّ ثمرة جهاد نوح(عليه السلام) بعد هذه السنين الطوال والسعي الحثيث المتواصل في التبليغ لدعوته، لم يكن سوى هذا النفر المؤمن القليل!(3)

بعض الرّوايات تقول أنّه استجاب لنوح خلال هذه الفترة الطويلة ثمانون شخصاً فقط، وتشير بعض الرّوايات الأُخرى إِلى عدد أقل من ذلك، وهذا الأمر يدل على ما كان عليه هذا النّبي العظيم نوح(عليه السلام) من الصبر والإِستقامة «في درجة قصوى بحيث كان معدل مايبذله من جهد لهداية شخص واحد عشر سنوات تقريباً، هذا التعب الذي لا يبذله الناس حتى لأولادهم!.

جمع نوح(عليه السلام) ذويه وأصحابه المؤمنين بسرعة، وحين أزف الوعد واقترب الطوفان وأوشك أن يحل عذاب الله أمرهم أن يركبوا في السفينة { وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا}(4).

لماذا؟! لكي يعلمهم أنّه ينبغي أن تكونوا في جميع الحالات في ذكر الله تعالى وتستمدوا العون من اسمه وذكره { إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ }.

فبمقتضى رحمته جعل هذه السفينة تحت تصرفكم واختياركم لتنجيكم من الغرق وبمقتضى عفوه وغفرانه يتجاوز عن أخطائكم.

وأخيراً حانت اللحظة الحاسمة، إِذ صدر الأمر الإِلهي فتلبدت السماء بالغيوم كأنّها قطع الليل المظلم، وتراكم بعضها على بعض بشكل لم يسبق له مثيل، وتتابعت أصوات الرعد وومضات البرق في السماء كلها تخبر عن حادثة «مهولة ومرعبة جدّاً».

شرعَ المطر وتوالى مسرعاً منهمراً أكثر فأكثر، وكما يصفه القرآن في سورة القمر {ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجّرنا الأرضَ عيوناً فالتقى الماءُ على أمر قد قدر}.

ومن جهة أُخرى إرتفعت المياه الجوفية بصورة رهيبة بحيث تفجرت عيون الماء من كل مكان.

وهكذا إتصلت مياه الأرض بمياه السماء، فلم يبق جبل ولا واد ولا تلعة ولا نجد إلاّ استوعبه الماء وصار بحراً محيطاً خضمّاً .. أمّا الأمواج فكانت على أثر الرياح الشديدة تتلاطم وتغدوكالجبال. وسفينة نوح ومن معه تمضي في هذا البحر { وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ} فإنّ مصيرك الى الفناء إِذا لم تركب معنا.

لم يكن نوح هذا النّبي العظيم أباً فحسب، بل كان مربيّاً لا يعرف التعب والنصب، ومتفائلا بالأمل الكبير بحيث لم ييأس من ابنه القاسي القلب، فناداه عسى أن يستجيب له، ولكن ـ للأسف ـ كان أثر المحيط السيء عليه أكبر من تأثير قلب أبيه المتحرّق عليه.

لذلك فإِنّ هذا الولد اللجوج الاحمق، وظنّاً منه أن ينجومن غضب الله أجاب والده نوحاً و{ قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} ولكنّ نوحاً لم ييأس مرّة أُخرى فنصحه أن يترك غروره ويركب معه و{ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} ولا ينجومن هذا الغرق إلاّ من شمله لطف الله {إلاّ من رحم}.

الجبل أمره سهل وهين، وكرة الأرض أمرها هين كذلك .. الشمس والمجموعة الشمسية بما فيها من عظمة مذهلة لا تعدل ذرّة إِزاء قدرة الله الأزليّة.

أليس أعلى الجبال بالنسبة لكرة الأرض بمثابة نتوءات صغيرة على سطح برتقالة؟! أليست هذه الأرض التي ينبغي أن يتضاعف حجمها إِلى مليون ومئتي ألف مرّة حتى تبلغ حجم الشمس، وهذه الشمس التي تعدّ نجماً متوسطاً في السماء من بين ملايين الملايين من النجوم في متسع عالم الخلق، فأيّ خيال ساذج وفكر بليد يتوقع من الجبل أن يصنع شيئاً؟

وفي هذه الحالة التي كان ينادي نوح إبنه ولا يستجيب الابن له ارتفعت موجة عظيمة والتهمت كنعان بن نوح وفصل الموج بين نوح وولده { وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ}.

نهاية الحادث:

قرأنا في الآيات السابقة ـ إِجمالا ـ أنّ الأمواج المتلاطمة الصاخبة من الماء أغرقت كل مكان حيث تصاعد منسوب الماء تدريجاً، أمّا المجرمون الجهلة فظناً منهم أنّه طوفان عادي فصعدوا إِلى أعالي القمم والمرتفعات، لكن الماء تجاوز تلك المرتفعات أيضاً وخفي تحت الماء كل شيء، وأخذت تلوح للعيون أجساد الطغاة الموتى وما بقي من البيوت ووسائل المعاش في ثنايا الأمواج على سطح الماء.

وكان نوح(عليه السلام) قد أودع زمام السفينة بيد الله سبحانه، وكانت الأمواج تتقاذف السفينة في كل صوب، وفي روايات استمرت هذه الحال ستة أشهر تماماً (من بداية شهر رجب حتى نهاية شهر ذي الحجة) وعلى رواية (من عاشر شهر رجب حتى عاشر محرم) (5)وطافت السفينة نقاطاً متعددة من الأرض، وطبقاً لما جاء في بعض الرّوايات أنّها سارت على أرض مكّة وحول الكعبة.(6)

وأخيراً صدر الأمر الإِلهي بانتهاء العقاب وأن ترجع الأرض إِلى حالتها الطبيعية، والآية ـ محل البحث ـ تبيّن هذا الأمر وجزئياته ونتيجته في عبارات وجيزة جدّاً، وفي الوقت ذاته بليغة وأخّاذة، وقد جاءت الآية في جمل ست:

1 ـ { وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ} صدر الأمر للأرض أن تبلع الماء.

2 ـ { وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي } وصدر الأمر للسماء أن لا تمطري.

3 ـ { وَغِيضَ الْمَاءُ} ونزل الماء في جوف الأرض.

4 ـ { وَقُضِيَ الْأَمْرُ} انتهى حكم الله.

5 ـ { وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} واستقرت السفينة على طرف جبل الجودي.

6 ـ { وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} عندئذ لُعن المجرمون بالدعاء عليهم أن يبتعدوا من رحمة الله.

كم هي رائعة هذه التعابير التي وردت في الآية المتقدمة، وهي في الوقت ذاته وجيزة وتفور بالحياة والجمال الاخّاذ بحيث قال فيها طائفة من علماء العرب: إِن هذه الآية تعدُّ أفصح آيات القرآن وأبلغها وإِن كانت آياته جميعاً في غاية البلاغة والفصاحة.

الشاهد على هذا الكلام هوأنّنا نقراً في روايات التاريخ الإِسلامي أنّ جماعة من كفار قريش نهضوا لمواجهة القرآن وليأتوا بمثل آياته، فهيأ مريدوهم الطعام والشراب لهم لفترة أربعين يوماً، مثل لب الحنطة الخالص والخمر المعتق ولحم الغنم ـ لينسجوا براحة البال على منوال آيات القرآن شبيهاً لها، ولكنّهم حين بلغوا هذه الآية ـ محل البعث ـ هزتهم بحيث نظر بعضهم إِلى بعض وقال كل للآخر: هذا كلام لا يشبهه كلام آخر، وهوأساساً لا يشبه كلام المخلوقين، قالوا ذلك وانصرفوا عمّا اجتمعوا له من محاكاة القرآن آيسين(7).

أين يقع الجودي؟

ذهب كثير من المفسّرين أنّ الجودي الذي استقرت عليه السفينة ـ كما مرّ ذكره في الآية ـ جبل معروف قرب الموصل(8) وقال آخرون: هو جبل في حدود الشام أوشمال العراق أوقرب «آمد»(9)

وفي كتاب الراغب الأصفهاني (المفردات) أنّه جبل بين الموصل والجزيرة، وهي (جزيرة ابن عمر في شمال الموصل).

ولا يبعد أن تكون جميعها بمعنى واحد، «فالموصل» و«الجزيرة» و«آمد» جميعها في الجزء الشمالي من العراق وقرب الشام.

وقال آخرون: يحتمل أن يكون المقصود من الجودي كل جبل صلب أوأرض صلبة وقوية،(10) ومَعنى الآية حسب هذا التّفسير أن السفينة استقرت على أرض صلبة غير رخوة لينزل ركابها على الأرض، ولكن المشهور والمعروف هوالمعنى الأوّل.

وفي كتاب «أعلام القرآن» تحقيق وتتبع حول جبل الجودي نورده بما يلي:

«الجودي» اسم جبل استقرت سفينة نوح واستوت على قمته، وقد ورد اسمه في الآية (44) في سورة هود وهو قريب من المضمون الوارد في التوراة مع ما يتعلق به من أُمور أُخرى، وهناك ثلاثة أقوال بالنسبة إلى محل جبل الجودي:

1 ـ بناءً على قول «الاصفهاني» فإنّ جبل الجودي في الجزيرة العربية، وهو واحد من جبلين واقعين في منطقة نفوذ قبيلة (طيء).

2 ـ إِنّ الجودي هوسلسلة جبال «كاردين» الواقعة شمال شرقي جزيرة (ابن عمر) في شرق دجلة قرب الموصل؟ ويسمّيها الأكراد (كاردو) بلهجتهم، ويسميها اليونانيون (جوردي) ويسمّيها العرب «الجودي».

في «الترگوم» وهي الترجمة الكلدانية لـ «التوراة» وكذلك الترجمة السريانية لـ «التوراة»: إِنّ المكان الذي استقرت عليه سفينة نوح هوقلعة جبل الأكراد، أي «كاردين».

والجغرافيون العرب يطبقون الجودي المذكور في القرآن على هذه المنطقة ـ المشار إِليها آنفاً ـ ويقولون إِنّ قطع السفينة كان موجودة على قمة هذا الجبل حتى زمان بني العباس وكان المشركون يزورونها..

وفي القصص البابلية قصّة شبيهة بطوفان نوح(عليه السلام) (ملحمة گيلگامش) ويمكن ـ إضافة إلى ذلك ـ احتمال طغيان دجلة في تلك الفترة، وسكنة تلك المنطقة هم المبتلون بالطوفان.

وفي جبل الجودي كتيبة آشورية موسومة بكتيبة «ميسر» وقد لوحظ في هذه الكتيبة اسم «آرارتو».

3 ـ وفي الترجمة الحالية لـ «التوراة»: إِن محل استقرار سفينة نوح في جبال «آرارات» وهوجبل «ماسيس» الواقع في «أرمنستان» وقد ضبط صاحب قاموس الكتاب المقدّس معناه الأولي، فكان المعنى «ملعون» وقال: بناءً على ما جاء في الرّوايات فإِنّ سفينة نوح استقرّت على قمة هذا الجبل، ويسميّه العرب بـ «الجودي» ويسمّيه الإِيرانيون بـ «جبل نوح» ويسميه الأتراك بـ «كرداغ» بمعنى الجبل المنحدر، وهو واقع قرب «أرس».

وحتى القرن الخامس لم يعرف الأرامنة جبلا في أرمنستان باسم جبل «الجودي» ولكن منذ ذلك الوقت تسرب هذا المفهوم الى علماء الأرمن وقد يكون السبب هواشتباه المترجمين للتوراة الذين ترجموا جبل «الأكراد» إلى «أرارات»..

ولعل ممّا سوّغ هذا التصوّر أنّ الآشوريين أطلقوا على الجبال الواقعة شمال بحيرة «وان» وجنوبها اسم «آرارات» أو«آراتو».

يقال أنّ النّبي نوحاً بنى مسجداً على قمة جبل الجودي بعد ما غاض الطوفان،(11)ويقول الأرامنة: إِنّ في سفح جبل الجادي «الجودي» قرية تدعى ثمانين أوثمان، وهي أوّل محلِ نزل فيه أصحاب نوح(عليه السلام)(12)(13).

______________________

1- تفسير الامثل ،مكارم الشيرازي،ج6،ص72-84.

2- طبقاً لبعض الروايات كان محل فوران الماء في التنور هومسجد الكوفة ، وكذلك كان محل صنع شفينة نوح عليه السلام ، اصول الكافي ،ج3 ،ص492،ح3.

3- علل الشرايع ،ج1،ص30،ح1.

4- المجرى والمرسى: اسما زمان، ويعني الأوّل وقت التحرك، والثّاني وقت التوقف.

5- تفسير القرطبي،ج5،ص3269،تفسير مجمع البيان،ج5،ص164.

6- بحار الانوار ،ج11،ص312و325.

7- راجع مجمع البيان، ح 5، ص 165،وتفسير الميزان،ج10،ص247،ذيل الاية مورد البحث.

8- راجع مجمع البيان، وروح المعاني، والقرطبي، ذيل الآية محل البحث.

9- تفسير مجمع البحرين،ج11،ص424 مادة (جود).

10- بحار الانوار ،ج11،ص339،تفسير مجمع البيان،ذيل الاية مورد البحث.

11- ورد في بحار الانوار ،ج57،ص203،((وقيل التين مسجد نوح الذي بنى على الجودي))

12- أعلام القرآن للغزائلي، ص 281.

13- بحار الانوار ،ج11،ص322،ح30.

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .