أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-4-2021
1698
التاريخ: 23-12-2019
2755
التاريخ: 31-12-2019
2793
التاريخ: 1-12-2016
2250
|
حديث السقيفة
عثمان بن عفان
«فقام ثالوث القوم، وقام بنو امية يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع.. إلى أن انتكث فتله ، وأجهز عليه عمله ، وكبت به بطنته ... فما راعني إلا والناس كعرف الضبع إليّ ، ينثالون علي من جانب حتى لقد وطئ الحسنان ، وشق عطفاي مجتمعين حولي كربيضة الغنم ، فلما نهضت بالامر نكثت طائفة ، ومرقت أخرى ، وقسط آخرون » ( 1 ) .
إرتقى عثمان بن عفان منبر النبي بعد وفاة عمر.
واول عمل قام به الخليفة الجديد هو: تعيين ذويه واقربائه من الامويين وآل ابي معيط مستشارين، وامراء على الامصار، وبخاصة اولئك الذين كانت لهم إو لآبائهم سيرة غليظة معروفة في محاربة الاسلام ونبيه، الامر الذي اورثهم احقادا ـ من الجاهلية ـ على الرسول واهل بيته وتعاليمه، زرعها امية بن عبد شمس ونجله حرب، وتعهدها من بعدهما: ابو سفيان، وزوجه هند بنت عقبة، ونجلهما معاوية الذي حارب النبي في بدر مع ابيه فهرب بعد ان قتل اخ له ، واسر آخر كما سنرى .
وقد ادى اعتماد عثمان على اولئك النفر ـ وعلى مروان بن الحكم ـ الى تقويض دعائم الخلافة الاسلامية، وطوح بحياة عثمان وعلى مروان بن الحكم ـ الى تقويض الخلافة الاسلامية، وطوح بحياة عثمان وعلي من بعده ، وبالتالي الى اندحار مباديء العدالة الاجتماعية التي تبناها الاسلام ، واراد الرسول الكريم بثها بين الناس على اختلاف اجناسهم ومواقعهم الجغرافية .
وقد زرعت تصرفات الامويين ـ الذين اعتمد عليهم عثمان في تدوير شئون المسلمين، فأصبح الحكام ـ بعد مصرع الخليفة الثالث، بذور الفساد والتفسخ في الخلق العربي عند الحكام والمحكومين على السواء ، فأصبح الحكام ـ بعد مصرع الخليفة الثالث ، يستعملون شتى اساليب الغدر والمواربة ، والكذب ، والدس ـ واضرابها من الرذائل السياسية والخلقية ـ لكسب ولاء الجماهير لحكمهم الفاسد من جهة ، وللإيقاع بخصومهم من جهة اخرى . والف المحكومون ـ الا ما ندر ـ هذه التصرفات الملتوية ، مع توالي الايام ، واستحسنوها وكيفوا سلوكهم وفقا لها .
وبما اننا لا نؤرخ ـ في هذه الدراسة ـ اثر الامويين (2) في الخلق العربي والاسلامي، وانما نحن بصدد البحث في الدور الذي لعبوه في خلافة عثمان ، فسوف نحصر بحثنا في هذه النقطة المعينة ، ولكي تفهم ذلك الاثر على الوجه الاكمل نرى لزاما علينا ان نستعرض مواقفهم من الاسلام في عهد الرسول :
لقد الب الامويون كفار قريش على حرب النبي صلى الله عليه وسلم ـ فوقعت بدر ـ وقتل منهم حنظلة بن ابي سفيان بن حرب بن امية بن عبد شمس .
والعاص بن سعيد بن العاص بن امية بن عبد شمس ، وعبيدة بن سعيد بن العاص ابن امية بن عبد شمس .
والوليد بن عقبة بن ربيعة بن عبد شمس « صهره اخو هند زوج ابي سفيان » وشيبة بن ربيعة بن عبد شمس ، وعقبة بن ابي معيط « والد الوليد اخي عثمان لامه »
واسر من الامويين يوم بدر ابو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس ، والحرث بن وجزة بن ابي عمر بن امية بن عبد شمس .
وكان عمرو بن ابي سفيان ـ زوج بنت عقبة بن ابي معيط ـ من اسرى بدر فاقترح بعض المقربين الى ابي سفيان ان يفدى عمرواً ؟ فأجاب : « ايجمع عليّ مالي ودمي ؟ قتلوا حنظلة وافدى عمروا !! دعوه في ايديهم .. وبينما هو ـ اي عمرو ـ كذلك محبوس في المدينة اذ خرج سعد بن النعمان بن اكال اخو بني عمرو بن عوف ... معتمرا ... وكان شيخا مسلما ... فعدا (3) عليه ابو سفيان بمكة فحبسه بابنه عمرو ، ثم قال مفتخرا :
ارهط ابن اكال اجيبوا دعـــاءه *** تعاقدتموا لا تسلموا السيــد الكهلا
فــان بني عمـــرو لئـــام اذلــة *** لئن لـم يفكوا عــن اسيرهـم الكبلا (4)
وقالت هند بنت عتبة ـ زوج ابي سفيان ، وام معاوية ـ تبكي اباها يوم بدر :
يريـــب علينا دهــــرنا فيسوؤنـــا *** ويــأبى فـما نــــــــأتي بشيء نغـالبه
فـأبلــغ ابا سفيـــان عنـــي مـالكا *** فـان الــقه يومـا فـســوف اعــــــاتبه
فقد كان حرب يسعــر الحرب انه *** لكل امرىء في الناس مولى يطالبه (5)
وفي ضوء ما ذكرنا نستطيع ان نقول ان الامويين قد اصيبوا بنكسة مريعة في بدر ، فتحركت حفائظهم ، واثيرت ضغائهم القديمة ، واحقادهم الجديدة ، فالبوا من جديد كفار قريش ، والبهم الكفار ، على حرب النبي .
وكان ابو سفيان « رأس المؤلبين والحاقدين » قد هيا كفار قريش ـ وهيئوه ـ لأعلان حرب جديدة على النبي !! ؟ وتجهز الناس وارسلوا اربعة نفر منهم عمرو بن العاص .. فساروا في العرب يستنفرونهم .
وكان ابو سفيان قائد الناس ، فخرج بزوجه هند .. وخرج غيرهم بنسائهم .. الحرث بن المغيرة بفاطمة بنت الوليد اخت خالد ... وعمرو بن العاص بريطة بنت منبه .. وكان مع النساء الدفوف يبكين على قتلى بدر ويحرضن بذلك المشركين » (6)
فخرجت قريش « بحدها واحابيشها ومن معها من بني كنانة واهل تهامة وخروجوا معهم بالظعن إلتماس الحفيظة ، ولئلا يفروا .
فخرج ابو سفيان بن حرب قائد الناس ومعه هند .. وكانت هند كلما مرت بوحشي ـ او مر بها ـ قالت ايه ابا دسمة ! استف واشتف .
واقبل خالد بن الوليد على خيل المشركين .. واقبل ابو سفيان يحمل اللات والعزى ، (7) وقامت هند في النسوة اللاتي معها واخذن الدفوف يضربن بها خلف الرجال ويحرضنهم وانشدت هند :
ويهاً بنـي عبــد الـدار *** ويـهــاً حمــاة الاديار
ضربـــا بكل بتــار
ان تـقبلــوا نعانـــق *** ونفــرش النمـــارق
او تـدبـــروا نفـارق *** فراق غيــر وامــق (8)
وانشد عمرو بن العاص يوم احد يصف خروجهم لقتال النبي :
خرجنا مـن الفيفــا عليهم كأننا *** مع الصبح رضوى الحبيك المنطق
فما راعهـم بالـشر الا نجـــاءة *** كراديس خيــل في الازقة تمرق(9)
ووقفت هند والنسوة اللاتي معها يمثلن بالقتلى من اصحاب الرسول .
« يجدعن الاذان والانف حتى اتخذت هند من آذان الرجال خدما » « جمع خدمة وهي الخلخال » وقلائد .
وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها .. ثم علت صخرة مشرفة فصرخت بأعلى صوتها :
نحــن جزيناكم بيوم بــدر *** والحرب بعد الحرب ذات سعر
ما كان عــن عتبة لي صبر *** ولا اخى وعمــه وبكــر (10)
وكان الحليس بن زبان « على ما يروى ابن هشام في سيرة النبي محمد 2 / 44 ، 45 » قد « مر بأبي سفيان وهو يضرب في شدق حمزة بن عبد المطلب ـ وهو جثة هامدة ـ ويقول : ذق عقق .
ولما انصرف ابو سفيان ومن معه نادى : ان موعدكم بدرا للعام القادم » ـ ثم التفت الى زوجه هند وانشد مفتخرا (11) :
أباــك واخــوانا لـــه قـــد تتـــــابعوا *** وحق لهم من عبرة بنصيب
وسلى الذي قد كان في النفس انني *** قـتـلت من النجار كل نجيــب
ومـن هــاشم قرما كريما ومصعبـا *** وكان لدى الهيجاء غير هيــوب
وكانت هند ـ حين انصرف المشركون منتصرين من احد ـ تنشد :
رجعت وفي نفسي بلابـل جمــه *** وقد فـاتني بعض الذي كان مطلبي
ولكننـي قد نلت شيئا ولــم يكن *** كما كنت اجو في مسيري ومركبي (12)
اما اسلام هند ـ في الظاهر ـ فقد حصل بالشكل التالي :
« لما فتح النبي مكة حضرت اليه هند مع نساء مكة ليبايعنه .
فلما تقدمت هند لمبايعته اشترط شروط الاسلام عليها .. فأجابته بأجوبة قوية
فما قاله لها : تبايعينني على ان لاتقتلي اولادك ؟! فقالت هند :
اما نحن فقد ربيناهم صغارا وقتلتهم كبارا يوم بدر .. فقال : وعلى الا تزنين ! ؟ فقالت هند : وهل تزني الحرة ؟ قالوا : فالتفت رسول الله الى العباس وتبسم » (13)
يتضح مما ذكرنا جانب من جوانب تعبير الامويين عن مقتهم للدين الحنيف ولصاحبه، فقد شنوها ـ كما رأينا ـ حربا شعواء لا هوادة فيها على النبي ، غير انهم اندحروا في بدر ـ كما رأينا ـ وكادوا ينالون من النبي في موقعة احد .
فقتلوا عمه حمزة ومثلوا به على شكل من الوضاعة والبشاعة قل ان يعثر المرء على مثلهما في التاريخ . ولولا انه خيل اليهم ان الرسول قد قتل لما رجعوا من المعركة .
غير انهم سرعان ما اجمعوا امرهم على الرجوع الى النبي في احد حينما بلغهم انه نجا من سيوفهم الظالمة فلقى « معبد الخزاعي ، ابا سفيان بن حرب ومن معه بالروحاء .
وقد اجمعوا الرجعة الى رسول الله واصحابه ، وقالوا :
اصبنا جل اصحابه وقادتهم واشرافهم ثم رجعنا قبل ان نستأصلهم ، لنكرّنّ على بقيتهم فلنفرغن منهم ـ فلما رأى ابو سفيان معبدا قال : ما وراءك يا معبد ؟
قال : محمد ، قد مرج في اصحاب يطلبكم في جمع لم ار مثله قط ، يتحرقون عليكم تحرقا ... قال : فوالله لقد اجمعنا الكر عليهم لنستأصل بقيتهم .
قال : فاني انهاك عن ذلك ... قال : فثنى ذلك ابا سفيان ومن معه » (14) .
ولكن اخفاق ابي سفيان « في مؤامرته المسلحة لوَأدِ الاسلام والمسلمين في احد » لم يثنه عن مواصلة الكفاح المرير لاثارة وقائع اخرى ضد النبي .
وقد نذر ابو سفيان « ان لا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمداً (15) في كل فرصة ملائمة للإجهاز عليه ، وعلى الدين الحنيف .
فألب الاحزاب في حرب الخندق ... وما بعدها ... ولم يعلن اسلامه ـ في الظاهر ـ الا حين رأى ان ذلك اجدى من السيف لتحطيم الاسلام .
وهكذا كان ابو سفيان يثيرها حروبا متصلة الحلقات للايقاع بالنبي وبدينه وبصحبه، فأثار حرب بدر ، وأحد ، والاحزاب في الخندق ، وتآمر مع اليهود للوصول الى تحقيق غرضه الدنىء .
لقد مر بنا طرف من حوادث ايذاء قريش ـ وفي مقدمتهم بنو امية من النساء والرجال ـ للنبي ، وللمسلمين ، وللعقيدة الاسلامية طوال مكوث النبي في مكة « وقد ظهر ذلك الايذاء بشكل فردي مبعثر احيانا ، وبشكل جماعي منظم احيانا اخرى .
وتفنن المشركون من الامويين خاصة في ابتداع الوسائل المختلفة لإيذاء الرسول فبعثوا النضر بن الحرث وعقبة بن ابي معيط (16) الى احبار اليهود لتأليبهم على النبي وتسفيه رسالته ، وارسلوا عبد الله بن ابي ربيعة ، وعمرو بن العاص (17) الى الحبشة لأقناع النجاشي بطرد المسلمين الذين هاجروا الى الحبشة ، تخلصا من ايذاء المشركين .
وقد نزل قرآن في ذم كثير من اولئك الذين بالغوا في الاعتداء على الرسول ، كأم جميل بنت حرب بن امية حمالة الحطب (18) .
وكان ذلك كله يجري بمكة طوال مكوث النبي فيها .
فلما هاجر النبي الى المدينة واصل كفار قريش ـ تحت زعامة الامويين من النساء والرجال ـ ايذاء الرسول ، هذه المرة عن طريق الحرب ، فامتشق (19) الامويون الحسام والبوا قريشا ، وحاربوا النبي في سلسلة من الحروب الفاشلة التي ذكرناها .
ولما رأى المشركون ـ من بني امية واتباعهم ـ فشلهم المتواصل لجأوا الى اتّباع اسلوب جديد للإيقاع بالإسلام ـ وكان هذا الاسلوب ـ في واقعه ـ اكثر الاساليب ايجاعا للعقيدة الاسلامية .
فتقمص قادتهم الاسلام والتزموا ببعض مظاهره ليتمكنوا من اعلانها حربا شعواء على الدين من داخله ؛ بعد ان اعياهم امره في حربهم اياه من الخارج .
فأسلم ابو سفيان ـ قائدهم ـ في الظاهر يوم فتح مكة بعد ان لجأ الى العباس عم النبي مضطرا والتمسه ان يأخذه الى الرسول ، فلما اتى به العباس قال له رسوله الله : الم يأن لك ان تعلم ان لا اله الا الله ؟ فقال : بأبي انت وامي ما احلمك واكرمك واوصلك
والله لقد علمت لو كان معه اله غيره اغنى عنا ! فقال :
ويحك الم يأن لك ان تعلم اني رسول الله ؟ قال : بأبي انت وامي ما احلمك واكرمك واوصلك !! اما هذه ففي النفس منها شيء .
فقال العباس : ويحك اسلم قبل ان يضرب عنقك ! فأسلم » (20) .
وقد حاول ابو سفيان ان يضبط اعصابه ـ التي نشأت على الكفر وتشربت ببغض الاسلام ـ فتظاهر بنبذ عبادة الاوثان والاعتراف بالدين الجديد .
ولكن ذلك لم يعصمه في مناسبات كثيرة من غمز الدين الجديد ، من ذلك ، مثلا : ما ذكره ابن هشام (2) حينما خاطب الحرث بن هشام ابا سفيان بعد فتح مكة بقوله : « اما والله لو اعلم ان محمداً نبي لاتبعته !! فقال ابو سفيان : لا اقول شيئا ، لو تكلمت لاخبرت عني الحصا ! » فلو كان ابو سفيان مسلما صحيح الاسلام لانبرى لتنفيذ زعم ذلك المشرك البغيض .
اما اقراره لرأي الحرث ـ ضمنيا ـ كما يبدو من عبارته فدليل قاطع على وثنيته .
ذلك ما يتصل بأبي سفيان ، اما ما يتصل بغيره من شيوخ الامويين ـ الذين اعتمد عليهم عثمان في تدوير شئون المسلمين ـ فمعروف لدى من لهم ادنى المام بالتاريخ الاسلامي في عهد الرسول ، فالحكم ـ ابو مروان وزير عثمان ـ قد خاض من فحش القول مع الرسول ما يندى من ذكره جبين المسلم ـ الامر الذي اضطر النبي الى نفيه من المدينة الى الطائف ، قال البلاذري (21) :
« حدثني محمد بن سعد الواقدي عن محمد بن عبد الله الزهري ، وحدثني عباس ابن هشام الكلبي عن ابيه عن جده ، ان الحكم بن العاص بن امية عم عثمان ابن عفان كان جارا للنبي في الجاهلية ، وكان اشد جيرانه اذى له في الاسلام .
فكان يمر خلف النبي فيغمز به ويحكيه ويخلج بأنفه وفمه ، واذا صلى قام خلفه فأشار بأصابعه ... واطلع على ذلك رسول الله ذات يوم في بعض حجر نسائه فعرفه وخرج اليه ... ثم قال : لا يساكني هو ولا ولده فغربهم جميعا الى الطائف ، فلما استخلف عثمان ادخلهم المدينة » .
وابن ابي سرح الذي اختبره النبي في كتابة الوحي فحرف وبدل في التنزيل ، فأهدر النبي دمه .
والوليد بن عقبة بن ابي معيط الذي نزل فيه قرآن يصفه بالنفاق في قضية بني المصطلق المعروفة ـ قال تعالى : « يا ايها الذين آمنو ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة (22) » .
وكان المسلمون في عهد الرسول « يسمون ابا سفيان وامثاله من الذين اسلموا بأخرة ، ومن الذين عفا النبي عنهم يوم الفتح بالطلقاء .
ومهما يقال عن معاوية فهو ابن ابي سفيان قائد المشركين ... وابن هند التي اغرت بحمزة حتى قتل ثم بقرت بطنه ولاكت كبده » (23) .
وقد ذكر الزبير بن بكار في الموفقيات « عن المغيرة بن شعبة قال : قال لي عمر يوما : يا مغيرة هل ابصرت بعينك العوراء منذ اصيبت ؟ قلت : لا .
قال : اما والله ليعورن بنو امية الاسلام كما اعورت عينك هذه ، ثم ليعمينه حتى لا يدري اين يذهب ولا اين يجيء » (24) .
وذكر البخاري في صحيحه 8 / 49 » « حدثنا خلاد بن يحيى ، حدثنا سفيان عن منصور ، والاعمش عن ابي واتل عن ابن مسعود قال : قال رجل يا رسول الله اتؤاخذنا بما عملنا في الجاهلية « قال : من احسن في الاسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية .
ومن اساء في الاسلام اخذ بالاول والاخر » .
لقد ظهر من تقريب عثمان للأمر بين خلافته وايثارهم ـ دون غيرهم ـ على سائر المسلمين اشكالا مختلفة : اوضحها الجانب المالي ، والجانب السياسي الاداري ـ وبقدر ما يتعلق الامر بالجانب المالي يمكننا ان نقول : ان عثمان اغدق العطايا على اقربائه من بيت مال المسلمين دون حساب ، من ذلك ، مثلا : ان عثمان قد منح مروان بن الحكم ـ زوج ابنته ام ابان ، كما منح ابنته عائشة ـ التي زوجها من الحرث بن الحكم اخى مروان ـ يوم العرس « مئتى الف من بيت المال ، سوى ما كان قد اقطعه من قطائع ، فلما اصبح الصباح جاءه زيد بن ارقم خازنه حزينا .. يرجو ان يقيله .
على ان هذه الواقعة لم تكن الا حلقة من حلقات سخاء عثمان .
وذات اليوم الاول لخلافته منح ابا سفيان ـ شيخ بني امية ـ مئة الف درهم (25) ،
واعطى عثمان كذلك «رجلا من ذوى قرابته مقدارا ضخما من بيت المال.
واستكثر عامله على بيت المال هذا المقدار فلم يخرجه ، فألح عثمان . فأبى الخازن . فلامه عثمان ... وقال : ما انت وذاك ؟ انما انت خازن ! قال له صاحب بيت المال : ما اراني خازنا لك ..
لقد كنت اراني خازنا للمسلمين، ثم اقبل بمفاتيح بيت المال فعلقها على منبر النبي وجلس في داره» (26) وتفصيل ذلك على ما رواه البلاذري «انساب الاشراف 5 / 58، 59» انه: «كان على بيت مال عثمان عبد الله بن الارقم.. فاستسلف عثمان من بيت المال مئة الف درهم.
ثم قدم عليه عبد الله بن اسيد بن ابي العيص من مكة، وناس معه غزاة ، فأمر لعبد الله بثلاثمائة الف درهم ؛ ولكل رجل من القوم بمئة الف درهم ـ وصك بذلك الى ابن الارقم فاستكثره ورد الصك له .
فقال عثمان : انما انت خازن لنا فما حملك على ما فعلت ؟ فقال ابن الارقم : كنت اراني خازنا للمسلمين ؛ وانما خازنك غلامك والله لا الى لك بيت المال ابداً
وجاء بالمفاتيح فعلقها على المنبر ..
وبعث عثمان الى عبد الله بن الارقم ثلاثمائة الف درهم فلم يقبلها » .
وقد استمر عثمان على هذا المنوال من ايثار بني عمومته والمقربين اليه من بيت المال على حساب المسلمين ، حتى تحدث الناس ذات يوم بأن عثمان اخذ من جوهر كان في بيت المال فخلى به بعض اهله فغضب الناس لذلك ، ولاموا عثمان فيه حتى اغضبوه ، فخطب ، فقال : لنأخذ حاجتنا من هذا الفىء وان رغمت انوف اقوام ؟
فقال عمار بن ياسر : اشهد الله ان انفي اول راغم من ذلك .
فقال عثمان : أعلي يا ابن المتكأ تجتريء !! خذوه ؟ فأخذ .
ودخل عثمان فدعا به فضربه حتى غشى عليه ، ثم اخرج محمولا حتى اتى به منزل ام سلمة زوج النبي ، وظل مغشيا عليه سائر النهار . ففاته الظهر والعصر والمغرب . فلما افاق توضأ وصلى وقال .
الحمد لله ، هذه ليست اول مرة اوذينا فيها في الله ، ويقال : ان ام سلمة ـ او عائشة ـ اخرجت شيئا من شعر النبي وثوبا من ثيابه ونعلا من نعاله وقالت :
هذا شعر النبي وثوبه ، ونعله لم يبل وانتم تعطلون سنته !! .
وضج الناس ، وخرج عثمان عن طوره حتى لا يدري ما يقول » (27) .
واذا صحت الرواية المذكورة فان عثمان قد ارتكب خطئين في آن واحد : تبذير اموال المسلمين ، والاعتداء على رجل من خيرة الصحابة .
« ولسنا بحاجة الى ان نناقش في صحة ما جاءت به الرواية من ان عثمان اعطى مروان بن الحكم خمس الغنيمة التي غنمها المسلمون في افريقية .. ومن أنه اعطى الحكم عمه .
واعطى ابنه الحارث ثلثمائة الف .
واعطى عبد الله بن خالد بن اسيد الاموي ثلثمائة الف .
واعطى كل واحد من الذين وفدوا مع عبدالله بن خالد مائة الف .
واعطى الزبير بن العوام ستمائة الف ، واعطى طلحة بن عبيد الله مائة الف .
واعطى سعيد بن العاص مائة الف ، وزوج ثلاثا او اربعا من بناته لنفر من قريش ، فأعطى كل واحد منهم مائة الف دينار » (28) .
ويقول البلاذري في هذا الصدد (29) « حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن اسامة بن زيد بن اسلم ، عن نافع مولى الزبير عن عبد الله بن الزبير قال :
اغزانا عثمان سنة 27 افريقية ، فأصاب عبد الله بن سعيد بن ابي سرح غنائم جليلة . فأعطى عثمان مروان بن الحكم خمس الغنائم ...
وحدثني عباس بن هشان الكلبي عن ابيه .. عمن حدثه قال :
كان عبد الله بن سعد بن ابي سرح اخا عثمان من الرضاعة ، وعامله على المغرب ، فغزا افريقية سنة 27 هـ فافتتحها فابتاع خمس الغنيمة بمئة الف او مئتى الف .
فكلم عثمان فوهبها له ، فأنكر الناس ذلك على عثمان ...
وحدثني ، محمد بن سعد عن الواقدي عن عبد الله بن جعفر ، عن ام بكر عن ابيها قالت : قدمت ابل الصدقة على عثمان فوهبها للحارث بن الحكم بن ابي العاص .
وحدثني محمد بن حاتم بن ميمون ، حدثنا الحجاج الاعور عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال : كان مما انكروا على عثمان انه ولى الحكم بن ابي العاص صدقات قضاعة فبلغت ثلثمائة الف درهم فوهبها له حين اتاه بها ..
ولما اعطى عثمان مروان بن الحكم ما اعطاه .
واعطى الحارث بن الحكم بن ابي العاص ثلثمائة الف درهم ..
واعطى زيد بن ثابت الانصاري مائة الف درهم جعل ابو ذر يتلو قول الله :
« والذين يكنزون الذهب ، (30) فرفع ذلك مروان بن الحكم الى عثمان ..
فأرسل الى ابي ذر نائلا مولاه : ان انته عما بلغني عنك فقال :
اينهاني عثمان عن قراءة كتاب الله وعيب من ترك امر الله فوالله لسخط عثمان احب الي وخير لي من سخط الله » .
ولعل تصرف عثمان في بيت المال على الشكل الذي وصفناه ، وايقاعه بالصحابة الذين اعترضوا على ذلك ، يبدو بشكل اوضح مما ذكرناه اذا قارناه ـ حسب قاعدة : وبضدها تتميز الاشياء ـ بتصرف علي اثناء خلافته في بيت المال ـ وبموقفه ممن لامه على اتباعه الحق ، بله الباطل الذي هو اسمى من ان يهبط اليه .
« نزل بالحسين ابنه ضيف ، فاستسلف درهما اشترى به خبزا ، واحتاج الى الإدام فطلب من قنبر خادمهم ان يفتح لهم زقا من زقاق عسل جاءتهم من اليمن .
فأخذ منها رطلا ، فلما طلبها علي ليقسمها ، قال : يا قنبر ، اظن انه حدث بهذا الزق حدث ! ، فأخبره ، فغضب ، وقال : عليّ بحسين . فقال له : ما حملك ان اخذت من قبل القسمة ؟ قال : ان لنا فيه حقا فاذا اعطينا رددناه ، قال :
وان كان لك حق فليس ان تنفتح بحقك قبل ان ينفتح المسلمون بحقوقهم .. ثم دفع ال قنبر درهما كان مصروا في ردائه ، وقال :
اشتر به خير عسل تقدر عليه » (31) .
وذكر عقيل بن ابي طالب لمعاوية بن ابي سفيان عندما التحق به فارا من عدل الامام « اصابتني مخمصة شديدة . فجمعت صبياني وجئت عليا بهم ، والبؤس والضر ظاهران عليهم ! فقال ائتني عشية لادفع اليك شيئا ، فجئته يقودني احد ولدي ، فأمره بالتنحي ، ثم قال : الا دونك ، فأهويت حريصا قد غلبني الجشع اظنها صرة فوضعت يدي عل حديدة تلتهب نارا ، فلما قبضتها نبذتها وخرت كما يخور الثور تحت يد جزار (32) .
والى هذه الحادثة يشير الامام في احدى خطبه :
« رأيت عقيلا وقد املق حتى استماحني من بركم صاعا . ورأيت صبيانه شعث الشعور ، غبر الالوان من فقرهم ، عاودني مؤكدا وكرر على القول مرددا ، فأصغيت اليه سمعي ، فظن اني ابيعه ديني واتبع قياده مفارقا طريقي ، فأحميت له حديدة ، ثم ادنيتها من جسمه ليعتبر من جسمه ليعتبر بها ، فضج ضجيج ذي دنف من المها ..
فقلت له : ثكلتك الثواكل ياعقيل .. اتئن من حديدة احماها انسانها للعبه ، وتجرني الى نار سجرها جبارها لغضبه !! » (33) .
ويتجلى اروع مواقف الامام في ضبط النفس في معاملته للخوارج الذين هم على باطل ، من وجهة نظره على كل حال فلم نشهد له موقفا معهم ـ على باطلهم ـ يشبه موقف عثمان مع عمار ـ على حقه ـ يقول الدكتور طه حسين (34) .
« جاء عليا احد الخوارج ـ « وهو الحريث بن راشد السامي ـ فقال له : والله لا اطعت امرك ، ولا صليت خلفك .. فلم يغضب علي لذلك ، ولم يبطش به انما دعاه الى ان يناظره ويبين له وجه الحق لعله ان يثوب اليه ، فقال الحريث : اعود غدا ، فقبل منه على . » .
ولم يقف تمزيق عثمان لاموال المسلمين عند حد تفريقه اياها على الاصهار وذوي القرابة ؛ انما تعداه الى الاصدقاء والمقربين والاتباع .
فقد وصل عثمان « الزبير بن العوام بستمائة الف .
ووصل طلحة بمائة الف ونزل عن دين كان له عنده » (35) .
وبقدر ما يتعلق الامر بهذا الجانب من جوانب سياسة ابن عفان يمكننا ان نقول بنشوء هوة سحيقة بين المقربين اليه ـ من الاقرباء والاصهار والاصدقاء من جهة ـ وبين سائر المسلمين من جهة اخرى .
فبينما نجد اكثرية المسلمين تعيش على الطوى ـ ويحرم القسم الكبير منها حقه في بيت المال ـ نرى المقربين الى الخليفة ـ بالاضافة الى ذوي قرابته ـ الذين استأثروا بحصة الاسد من غنيمة اموال المسلمين ، يبلغ ترفهم وثراؤهم الى الاذقان .
ففي ايام عثمان على ما يروي المسعودي (36)
« اقتنى جماعة من اصحابه الضياع والدور ، منهم : الزبير بن العوام ، بني داره بالبصرة وهي المعروفة في هذا الوقت ـ وهو سنة 332 هـ اثنتين وثلاثين وثلثمائة ـ تنزلها التجار وارباب المال ..
وابتنى ايضا دورا بمصر والكوفة والاسكندرية ، وما ذكر من دوره وضياعه فمعلوم ..
وبلغ مال الزبير بعد وفاته خمسين الف دينار ، وخلف الزبير الف فرس . والف امة ..
وكذلك طلحة بن عبيد الله التميمي ابتنى داره المشهورة في الكوفة .
وكان غلته من العراق كل يوم الف دينار ـ وقبل اكثر من الف .
وبناحية سراة اكثر مما ذكرنا ـ وشيد داره بالمدينة وبناها بالآجر والجص والساج .
وكذلك عبد الرحمن بن عوف الزهري ابتنى داره ووسعها ، وكان على مربطه الف فرس ، وله الف بعير وعشرة الاف من الغنم وبلغ بعد وفاته ربع ثمن ماله اربعة وثمانين الفا » .
يتضح مما ذكرنا « ان السياسة المالية التي اصطنعها عثمان منذ ان نهض بالخلافة كانت كلها موضع نقمة وانكار من اكثر الذين عاصروه ومن اكثر الرواة والمؤرخين .
كان عثمان ـ قبل ان يلي الخلافة ـ كثير المال .
فلما تولى الخلافة شغلته عن التجارة .. ولم يكن له بد من ان ينفق على نفسه واهله وذوي قرابته بعد الخلافة كما كان ينفق قبلها ، فكان يرى فيما يظهر ان الخلافة يجب الا تغير من سيرته في المال شيئا ، فاذا لم يسعفه ماله الخاص وجب ان تسعفه الاموال العامة » (37) .
واذا استباح الخليفة لنفسه ان ينفتع ببيت المال لاغراضه الآنفة الذكر .
فان ذلك قد شجع عماله على السير في مال المسلمين سيرة امامهم ، فأعطوا واقرضوا والتوى بعضهم بالدين ، فاستقال عبد الله بن مسعود في الكوفة .
كما استقال عبد الله بن الارقم في المدينة .
واذا اطلق الامام يده واطلق العمال ايديهم في الاموال العامة على هذا النحو لم يمكن غريبا ان يحتاج الجند الى المال فلا يجدون ، وان اضطر الامام ان ينفق على الحرب من اموال الصدقة فيعرض نفسه لما تعرض اليه من الانكار ..
واذا اطلق يده في الاموال العامة على هذا النحو لم يكن غريبا ان تمتد هذه الايدي الى اموال الصدقة للانفاق على الحرب بل للعطاء وصلة الرحم .
كما يروى ان عثمان ارسل الحارث بن الحكم مصدقا على قضاعة . فلما جاء بصدقاتهم وهبها له ... على ان عثمان لم يقتصر على السائل من المال بل تجاوز الى الجامد ايضا .
فقد نقم الناس من عثمان انه كان يقطع القطائع الكثيرة في الامصار لبني امية .
وقد دافع اهل السنة والمعتزلة عن هذا الاقطاع بأن عثمان انما اقدم عليه استصلاحا لهذه الارض ..
ويرد الشيعة عليهم بأن عثمان نفسه لم يدافع عن نفسه هذا الدفاع ، وكان من الممكن ان يرد الشيعة ايضا بأن بني امية لم يكونوا اخصائين من دون قريش في استصلاح الارض » (38) .
وفي ضوء ما ذكرنا نستطيع ان نقول مع الدكتور طه حسين (39) « ان السياسة المالية لعثمان كانت تنتهي الى نتيجتين كلتاهما شر : الاولى انفاق الاموال العامة في غير حقها ..
والاخرى انشاء هذه الطبقة الغنية المسرفة في الغنى التي تستجيب لطمع لاحد له ، فتتوسع في ملك الارض واستغلال الطبقة العاملة ، ثم ترى لنفسها من الامتياز ما ليس لها ، ثم تتنافس في التسلط » .
وقد حدث ذلك بالفعل واستفحل في خلافة الامام علي كما سنرى .
ذلك : ما يتعلق بأسلوب عثمان في صرف المال وبسياسته العامة في هذه الناحية .. اما ما يتعلق بسياسته الادارية فمن الممكن ان يقال عنه :
بأن عثمان كان يعتمد ـ بالدرجة الاولى ـ من حيث الولاة والمتنفذين ، على مروان بن الحكم ـ مستشاره ووزيره ـ وعلى ولاة آخرين من اصهاره وذوي قرابته ـ مر بنا ذكر اسمائهم ـ وقد اخذ هؤلاء الولاة القساة الفجرة ، بدورهم ـ كما سنرى .
يعبثون بشئون المسلمين والاسلام بشكل لم يألفه الناس من قبل .
وعثمان من ورائهم يسندهم ويختلق لهم المعاذير التبرير افعالهم الناشزة .
وانكى من ذلك ان عثمان نفسه كان ـ على الرغم مما عرف فيه من وداعة ولين ـ على جانب كبير من القسوة في معاملة اجلة الصحابة ، بله عامة الناس ..
وموقفه الغليظ من عبد الله بن مسعود، وابي ذر الغفاري ، وعمار بن ياسر ، معروف لدى الكثيرين .
والانكى من ذلك كله :
ان هؤلاء الرجال الصالحين ـ بشهادة الرسول ـ قد امتهنهم الخليفة واعتدى عليهم بالضرب المبرح والنفي والكلام الجارح ، دون ان يقوموا بعمل يستحقون عليه العقاب .
اللهم الا اذا اعتبرنا عتابهم لعثمان على بعض تصرفاته الناشزة شيئا يستحقون عليه العقاب . قال البلاذري (40) « حدثنا محمد بن عيسى بن سميع عن محمد بن ابي ذئب عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال :
ولما ولى عثمان كره ولايته نفر من اصحاب رسول الله .. وكان كثيرا ما يولى من بني امية من لم يكن له مع النبي صحبة . وكان يستعتب فيهم فلا يعزلهم فلما كان في الست الاواخر استأثر ببني عمه فولاهم .
وولى عبد الله بن سعد بن ابي سرح مصر فمكث فيها سنين ، فجاءه اهل مصر يشكونه ويتظلمون منه ... فكتب اليه كتابا يتهدده فيه ، فأبى ان ينزع عما نهاه عثمان عنه .
وضرب بعض من كان شكاه الى عثمان من اهل مصر حتى قتله .
فخرج من اهل مصر وفد الى المدينة فنزلوا المسجد وشكوا ما صنع بهم ابن ابي سرح في مواقيت الصلاة الى اصحاب محمد ، فقام طلحة الى عثمان فكلمه بكلام شديد .
وارسلت اليه عائشة تسأله ان ينصفهم من عامله » .
واخف نفسك منهم اخفاء القنفذ رأسه عند لمس الاكف . وامتهن نفسك امتهان من ييأس القوم من نصره وانتصاره ... وانفل الحجاز فاني منفل الشام ..
وكتب الى سعيد بن العاص .. يابني امية عما قليل تسألون ادنى العيش من ابعد المسافة فينكركم من كان بكم عارفا ويصد عنكم من كان لكم واصلا ، متفرقين في الشعاب تتمنون لمظة المعاش . ان امير المؤمنين عتب عليه فيكم وقتل في سبيلكم . ففيم القعود عن نصرته والطلب بدمه ؟!
وانتم بنو ابيه ذوو رحمة واقربوه وطلاب ثأره اصبحتم مستمسكين بشظف معاش زهيد عما قليل ينزع منكم عند التخاذل .. وكتب الى عبد الله بن عامر ..
كأني بكم يابني امية شعار يرك كالاوراك تقودها الحدأة .. فثب الآن قبل أن يستشرى الفساد ..
واجعل اكبر عدتك الحذر ، وأحد سلاحك التحريض ، واغضض عن العوراء وسامح اللجوج ، واستعطعف الشارد ، ولاين الاشوس ، وقو عزم المريد ..
وكتب الى الوليد به عقبة .. فلو قد استتب هذا الأمر لمريده ألفيت كشريد النعام يفزع من ظل الطائر . وعن قليل تشرب الرنق وتستشعر الخوف .
وكتب الى يعلى بن امية .. فكان اعظم ما نقموا على عثمان وعابوه عليه ولايتك على اليمن وطول مدتك عليها .. حتى ذبحوه ذبح النطيحة .. وهو صائم معانق المصحف .. على غير جرم .. وأنت تعلم ان بيعته في اعناقنا وطلب ثأره لازم لنا .. فشمر لدخول العراق .
فأما الشام فقد كفيتك أهلها ، واحكمت امرها .
وقد كتبت الى طلحة بن عبيد الله ان يلقاك بمكة حتى يجتمع رأيكما على اظهار الدعوة والطلب بدم عثمان المظلوم .
وكتبت الى عبد الله بن عامر يمهد لكم العراق ..
واعلم يا ابن امية ان القوم قاصدوك بادىء بدء لاستنزاف ما حوته يداك من المال .
وكتب اليه مروان جوابا على كتابه .. زعيم العشيرة وحامي الذمار .. أنا على صحة نيتي ، وقوة عزيمتي ، وتحريك الرحم لي ، وغليان الدم مني غير سابقك يقول ولا متقدمك بفعل .
وأنت ابن حرب طلاب التراث وابى الضين . وكتابي اليك .
وانا كحرباء السبسب الهجير يرقب عين الغزالة ، وكالسبع المفلت من الشرك يفرق من صوت نفسه .
منتظرا لما تصح به عزيمتك ، ويرد به أمرك فيكون العمل به والمحتذى عليه ..
وكتب اليه عبد الله بن عامر .. فان امير المؤمنين كان الجناح الحاضنة تأوى اليها فراخها . فلما اقصده للسهم صرنا كالنعام الشارد .. والذي اخبرك به ان الناس في هذا الامر تسعة لك وواحد عليك .
ووالله للموت في طلب العز احسن من الحياة في الذلة . وانت ابن حرب فتى الحروب ، ونصار بني عبد شمس ، والهمم بك منوطة وانت منهضها .. ولنعم مؤدب العشيرة انت ، وانا لنرجوك بعد عثمان .
وها انا اتوقع ما يكون منك لامتثله واعمل عليه .
وكتب الوليد بن عقبة .. فانك اسد قريش عقلا ، واحسنهم فهما واصوبهم رأيا . معك حسن السيرة وانت موضع الرئاسة ، تورد بمعرفة وتصدر عن منهل .
واما اللين فهيهات .. والعار منقصة ، والضعف ذل .. قد عقلت نفسي على الموت عقل البعير ، واحتسبت اني ثاني عثمان او أقتل قاتله .
فعملي على ما يكون من رأيك فانا منوطون بك متبعون عقبك ...
وكتب اليه يعلى بن امية: انا وانتم يابني امية كالحجر؛ لا يبني بغير مدر، وكالسيف لا يقطع؛ الا بضاربه ... ثكلتني من انا ابنها ان تمت عن طلب وتر عثمان..
ارى العيش بعد قتل عثمان مراً ..
اما سعيد بن العاص فانه كتب بخلاف ما كتب هؤلاء » (41) .
____________
(1) ابن ابي الحديد : « شرح نهج البلاغة » 1 / 50 ـ 67 ، الخضم : اكل بكل الفم ، وضده القضم وهو : أكل بأطراف الاسنان ـ وقيل : الخضم اكل الشيء الرطب ، والقضم أكل الشيء اليابس ـ والمراد ـ على التفسيرين ـ لا يختلف ، وهو : انهم على قدم عظيمة من التهم وشدة الاكل وامتلاء الافواه .
قال أبو ذر عن بني أمية : يخضمون ونقضم .
وانتكث قتله : انتقض ـ واجهز عليه عمله : ثم قتله ـ وكبت به بطنته ، كبا الجواد : إذا سقط بوجهه ، والبطنة . الاسراف في الشبع ـ وثالث القوم عثمان ... والعطفان . الجانبان من المنكب إلى الورك ... والمعنى . خدش جانباي ، لشدة الاحتكاك منهم والازدحام ... وعرف الضبع ثخين ، ويضرب به المثل في الازدحام ـ وينثالون . يتتابعون .. وكربيضة الغنم . يصف شدة ازدحامهم حوله ، وجئومهم بين يديه .. فأما طائفة الناكثين . فهم أصحاب الجمل ـ والقاسطين ، أصحاب صفين . والمارقين . أصحاب النهروان .
(2) ربما ساعدتنا الظروف في المستقبل فقمنا بدراسة ذلك بشيء من التفصيل ، راجع الصراع بين الامويين ومبادىء الاسلام ـ المؤلف .
(3) على الرغم مما بين الطرفين من عهد بعدم التعرض للحجيج او المعتمرين الا بخير .
(4) ابن هشام « سيرة النبي محمد » 2 / 294 .
(5) ابن هشام : سيرة النبي محمد 2 / 414 ، 415 .
(6) ابن الاثير : الكامل في التاريخ 2 / 103 .
(7) الطبري : تاريخ الامم والملوك 3 / 10 ، 14 .
(8) ابن هشام « سيرة النبي محمد » 3 / 12 ، 13 .
(9) المصدر نفسه 3 / 11 .
(10) المصدر نفسه 3 / 41 .
(11) المصدر نفسه 3 / 21 ، 22 .
(12) القرم : الفحل الكريم من الابل ، والمصعب . الفحل من الابل ـ كناية عن حمزة ابن عبد المطلب .
(13) ابن الطقطقي الفخري في « الاداب السلطانية » ص 76 ، 77 لعل ابتسامة النبي تشير الى حادثة الزنى التي رمى بها الفاكهة بن المغيرة زوجه هند ، فطلقها فتزوجها ابو سفيان .
(14) الطبري « تاريخ الامم والملوك » 3 / 28 ، 29 .
(15) ابن الاثير « الكامل في التاريخ » 2 / 98 .
(16) ابن هشام : « سيرة النبي محمد » 1 / 320 .
(17) المصدر نفسه 1 / 357 ـ 360 .
(18) المصدر نفسه 1 / 376 ـ 378 .
(19) امتشقته : اقتطعته ، صحاح اللغة مادة « مشق »
(20) ابن خلدون « كتاب العبر » ... الخ 2 / 234 .
(21) سيرة النبي محمد 4 / 33 .
(22) الحجرات : 6 .
(23) الدكتور طه حسين : الفتنة الكبرى ، علي وبنوه 155 .
(24) ابن ابي الحديد « شرح نهج البلاغة » 3 / 115 .
(25) عبد الفتاح عبد المقصود « الامام علي بن ابي طالب » 2 / 20 ، 21 .
(26) الدكتور طه حسين « الفتنة الكبرى ، علي وبنوه » ص 94 .
(27) الدكتور طه حسين : « الفتنة الكبرى » عثمان بن عفان 167 ، والبلاذري « انساب الاشراف » 5 / 48 .
(28) الدكتور طه حسين « الفتنة الكبرى ، عثمان بن عفان » ص 193 .
(29) انساب الاشراف 5 / 27 / 28 / 52 .
(30) التوبة : 34 .
(31) ابن ابي الحديد : « شرح نهج البلاغة » 3 / 81 ـ 83 هذا النص مخالف لما عليه الشيعة الامامية « الناشر ».
(32) ابن ابي الحديد « شرح نهج البلاغة » .
(33) المصدر نفسه 3 / 80 .
(34) « الفتنة الكبرى علي وبنوه » ص 125 .
(35) الدكتور طه حسين « الفتنة الكبرى ، عثمان بن عفان » ص 77 .
(36) مروج الذهب ومعادن الجوهر ، 2 / 222 .
(37) الدكتور طه حسين . « الفتنة الكبرى ، عثمان بن عفان » ص 190 .
(38) الدكتور طه حسين : « الفتنة الكبرى ، عثمان بن عفان » ص 193 ، 194 .
(39) المصدر نفسه : عثمان بن عفان ص 195 .
(40) انساب الاشراف 5 / 25 ـ 26 .
(41) ابن ابي الحديد « شرح نهج البلاغة » 580 / 583
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|