أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-9-2018
1552
التاريخ: 26-6-2020
4107
التاريخ: 24-6-2021
3116
التاريخ: 29-12-2019
1548
|
الجانب الأخلاقي
يستطيع المرء - إذا ما درس (فلسفة الحكم عند الإمام) بشيء من التحليل والتعمق - أن يصفها بأنها أخلاقية في جوهرها. تستند إلى الفضيلة: تشجعها وتغرسها في نفوس. وتكافح الرذيلة وتدعو إلى استئصالها من عالم الوجود. تفعل ذلك في مجال الفكر واليد واللسان.
وهذا يعني: أن الأخلاق عند الإمام فكرة وسلوك في آن واحد: سلوك في العمل. والناس بنظره ثلاثة أصناف:
(فمنهم المنكر للمنكر بيده وقلبه ولسانه فذلك المستكمل لخصال الخير.
ومنهم المفكر بلسانه وقلبه والتارك بيده فذلك متمسك بخصلتين من خصال الخير ومضيع خصلة.
ومنهم المنكر بقلبه والتارك بيده ولسانه فذلك الذي ضيع أشرف الخصلتين من الثلاث وتمسك بواحدة.
ومنهم تارك الإنكار بلسانه وقلبه ويده فذلك ميت الأحياء. فالتوافق التام بين عقيدة الإنسان وبين قوله وعمله هو الغاية القصوى التي يدعو الإمام إلى غرسها في نفوس الناس. والعقيدة - بالطبع - هي الأساس الذي يستند إليه المرء في قوله وعمله.
فإذا سلمت العقيدة - من الناحية الخلقية -. سلمت الأقوال والأفعال المنبثقة عنها وبالعكس. ولا فرق عند الإمام بين فساد العقيدة وصلاحها إذا لم يكن السلوك - في القول وفي العمل - منسجما معها في حالة سلامتها.
ومن يدري فلعل العقيدة الفاسدة أقل ضرراً بالمجتمع من العقيدة السليمة التي لا تنسجم أقوال من يدعى أنه يحملها مع أفعاله في المدى القريب على أحسن الفروض.
ذلك لأن الناس يسلمون مقدما بفساد تلك العقيدة - باعتراف صاحبها - فيحزمون أمرهم على قاومته ومقاومتها بجميع الوسائل المتيسرة لديهم.
أما المتظاهر بحمل عقيدة سليمة فليس من السهل إجماع الناس على مقاومته وبخاصة إذا ما وجد من يبرر بعض أقواله وأعماله غير المنسجمة معها.
يتضح ذلك بأجلى مظاهره في صفوف الحكام - القدامى والمحدثين - أكثر منه في صفوف الرعية. ولذلك سهلت مقاومة الحاكم الفاجر المكشوف وصعبت مقاومة الحاكم الفاجر المستور.
وفي التاريخ أمثلة كثيرة تعزز ما نقول.
وقد وضع الإمام القاعدة الأخلاقية بشكلها السلبي لعلمه أن إنكار المنكر - باليد واللسان والقلب - معناه، من الناحية الإيجابية، التهيؤ لإشاعة غير المنكر فكرة وقولا وعملا. على أن ذلك بنظره من أصعب الأمور.
(فما أصعب اكتساب الفضائل وأيسر إتلافها!!).
وما أصعب (على من استعبدته الشهوات أن يكون فاضلا.) ولكن إشاعة غير المنكر، مع هذا، أصعب من مقاومة المنكر في الأعم الأغلب.
ومقاومة المنكر في اليد أصعب منها في اللسان هي في اللسان أصعب منها في القلب.
ولهذا نجد الإمام يخاطب الناس بقوله:
(إن أول ما تغلبون عليه من الجهاد الجهاد بأيديكم ثم بألسنتكم ثم بقلوبكم).
وقد سمى مقاومة المنكر جهاداً في سبيل الله مجاهد المسلمون به ولاة السوء كما يجاهدون امشركين.
وقد صدق ظن الإمام في هذا الباب كما صدق ظنه حين قال:
(يأتي على الناس زمان لا يبقى فيهم من القرآن إلا رسمه ومن الإسلام إلا إسمه. مساجدهم يومئذ عامرة من البناء خراب من الهدى. سكانها وعمارها شر أهل الأرض: منهم تخرج الفتنة وإليهم تأوى الخطيئة.) فقد لوثت السياسة (التي قاومها الإمام) منذ مصرعه إلى الوقت الحاضر فئة خاصة من رجال الدين وأغدقت عليهم الجاه والمال والنفوذ والألقاب لمعاونتها في تثبيت مظاهر الفساد في الحكم وإيجاد مخارج (شرعية) لموبقات الحاكمين من جهة وصرف الناس عن التحدث عن اعتداء الحكام على مبادئ الدين - وإلهائهم بوعظ تافه لا يمس جوهر الدين - من جهة أخرى.
ثم خص الإمام بالذكر الحاكم فقال:
(من نصب نفسه إماماً للناس فعليه أن يبدأ بتأديب نفسه قبل تأديبه غيره).
وليكن تأديبه بسيرته قبل تأيبه بلسانه و إلا (كان بمنزلة من رام استقامة ظل العود قبل أن يستقيم ذلك العود.) لأن (الداعي بلا عمل كالراي بلا وتر) وفاقد الشيء لا يعطيه كما يقولون. والعمل دون شك أكثر أثراً في النفس من القول عند الفاعل نفسه وعند من يشاهد العمل أو يسمع عنه لغرض الاقتداء به أو العزوف عنه.
والعمل الصالح الذي يقوم به شخص متواضع الحسب يرفع - بنظر الإمام - منزلة ذلك الشخص فيشرف حسبه. وبالعكس.
فمن (أبطأ به عمله لم يسرع به حسبه.) و (شتان بين عملين. عمل تذهب لذته وتبقى تبعته، وعمل تذهب مؤنته ويبقى أجره.) فلا (تكن ممن ينهى ولا ينتهى ويأمر بما لا يأتى...
يصف العبرة ولا يعتبر.. في على الناس طاعن ولنفسه مداهن.) وإذا كان ذلك الخلق خطراً على كيان المجتمع (إذا اتصف به أفراد الشعب) فهو على كيان المجتمع أخطر إذا اتصف به الحاكم.
قال الإمام في هذا المعنى:
(إني لا أخاف على أمتي مؤمنا ولا مشركا: أما المؤمن فيمنعه الله بإيمانه وأما المشرك فيمنعه الله بشركة. ولكني أخاف عليكم كل منافق الجنان عالم اللسان يقول ما تعرفون ويفعل ما تنكرون) فهو يريد من الحاكم أن يتبع ما أمره الله به في سوره (ص) حين قال:
( يَا دَاوُدُ إِنّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقّ وَلاَ تَتّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلّكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ ) .
وعلى هذا الأساس يصبح بنظر الإمام (السلطان الفاضل هو من يحرس الفضائل ويجود بها لمن دونه ويرعاها من خاصته وعامته حتى تكثر في أيامه ويتحسن بها من لم تكن فيه.)
هذا من جهة ومن جهة ثانية (فإن من لم تستقم له نفسه فلا يلومن من لم يستقم له.) وإن (من لم يعن على نفسه حتى يكون له منها واعظ وزاجر لم يكن له من غيرها لا واعظ ولا زاجر.)
ثم عاد إلى الناس يخاطبهم فقال: (إياكم وتهزيع الأخلاق وتصريفها. اجعلوا اللسان واحداً. ليخزن الرجل لسانه فإن هذا اللسان جموح بصاحبه... إن لسان المؤمن من وراء قلبه وقلب المنافق من وراء لسانه) وإن من (عدم الصدق في منطقه فقد فجع بأكرم أخلاقه.) وما (السيف الصارم في كف الشجاع بأعز له من الصدق.
إذن فالكلام في وثاقك (ما لم تتكلم به. فإذا تكلمت بماصرت في وثاقه.)
فاجعل أقوالك منسجمة مع عقيدتك وأفعاله منسجمة مع أقوالك.
ولتكن عقيدتك سليمة لتصبح أقوالك وأفعالك المنسجمة معها سليمة كذلك.
والعقيدة السليمة من وجهة نظر الإمام هي الإيمان بالله على الطريقة الإسلامية مع جميع مستلزماته من الناحيتين النظرية والتطبيقية العلمية.
وفي ضوء ما ذكرنا نستطيع أن نقول: إن فلسفة الحكم عند الإمام تستند من حيث الأساس على وحدة الوسائل والغايات. وهي بهذا المعنى تمقت الانتهازية أو الوصولية بشتى صورها ومختلف مجالاتها. فلا يمكن على هذا الأساس أن يحق المرء غاية نبيلة باتباعه وسيلة فاسدة. وبالعكس.
لأن الوسائل الفاسدة ترافقها وتنتج عنها غايات فاسدة ووسائل أخرى فاسدة كذلك. وبالعكس. وإلى هذا المعنى يشير الإمام بقوله:
(والله ما معاوية بأدهى منى. ولكنه يغدر ويفجر.).
والدهاء ينظر الإمام هو قراءة صفحة المستقبل في ضوء ملابسات الحاضر وإمكانياته بالاستناد إلى الماضي القريب والبعيد.
أما الانتهازية وفساد الوسائل - مع فساد الغايات لانبلها - والمداهنة والمصانعة ونقض العهد والكذب وأضرابها من الموبقات - التي تقترن عادة باسم معاوية في تاريخنا العربي - فليست دهاء بالمعنى الذي أشار إليه الإمام.) إلى ذلك يشير الإمام - من الناحية المبدئية العامة - بقوله:
(قديري الحول القلب وجه الحيلة ودونها مانع من أمر الله فيدعها رأى عين بعد القدرة عليها، وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين.)
ذكرنا أن فلسفة الحكم عند الإمام تستند من الناحية الأخلاقية إلى الفضيلة وتمقت الرذيلة. ترى ما الفضيلة؟ وما الرذيلة بنظر الإمام ظ ومن يعينهما؟ وما المقياس الذي يتخذه الشخص للتمييز بينهما؟ وللإجابة عن هذه الأسئلة من وجهة نظر الإمام يمكننا أن نقول:
تتضمن الفضيلة كل عمل أو قول ينطوى - بطريقة مقصودد أو غير مقصودة - على الخير.
أما الرذيلة فهي كل عمل أو قول ينطوى - بطريقة مقصودة أو غير مقصودة - على الشر.
والقصد أو عدمه - في القول أو العمل - سيان في عملية التمييز بين الفضيلة والرذيلة بمقدار ما يتعلق الأمر بطبيعة العمل نفسه.
أما الفرق الكبير بين الفضيلة والرذيلة فيما يتصل بالقصد أو عدمه فيقع في تعيين مسئولية الشخص الذي يتعاطى فعلهما.
فالكذب رذيلة بغض النظر عن نية الكاذب أو قصده.
والصدق فضيلة على الأساس نفسه.
أما الخير الذي وصفنا الفضيلة بأنها مشتملة عليه فهو كل عمل أو قول يشيع العدل بين الناس وينشر بينهم الأمن والطمأنينة ويشجعهم على التعاون في خدمة مصالحهم الخاصة ضمن إطار المصلحة العامة لا خارجه أو على حسابه.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|