أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-11-2019
679
التاريخ: 17-11-2019
585
التاريخ: 18-11-2019
748
التاريخ: 13-11-2019
541
|
قال قائل : إذا كان أمير المؤمنين عليه السلام هو الإمام بعد النبي صلى الله عليه وآله دون سائر الناس، فعلى أي وجه تقدم عليه أبو بكر وعمر وعثمان، وادعوا الإمامة دونه، وأظهروا أنهم أحق بها على كل حال؟
قيل له: لقد كان ذلك على وجه الدفع له عليه السلام عن حقه، والخلاف عليه في مستحقه، وليس ذلك بمستحيل ممن ارتفعت عنه العصمة، وإن كان في ظاهر الأمر على أحسن الصفات.
فإن قال: فكيف يجوز ذلك ممن سميناه، وهم وجوه أصحاب النبي صلى الله عليه وآله والمهاجرين والسابقين إلى الإسلام؟
قيل له: أما وجوه الصحابة ورؤساء المهاجرين وأعيان السابقين إلى الإيمان بواضح الدليل وبين البرهان فهو أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب أخو رسول الله صلى الله عليه وآله ووزيره وناصره ووصيه وسيد الأوصياء، وعم رسول الله صلى الله عليه وآله حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله سيد الشهداء رضوان الله عليهم، وابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله جعفر بن أبي طالب الطيار مع الملائكة في الجنان رضي الله عنه، وابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله أيضا عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب رضي الله عنه، الذين سبقوا من سميت إلى الإيمان، وخرجوا في مواساة النبي صلى الله عليه وآله عن الديار والأوطان، وأثنى الله عليهم في محكم القرآن، وأبلوا دون أصحابه في الجهاد وبارزوا الأقران، وكافحوا الشجعان، وقتلوا الأبطال، وأقاموا عمود الدين وشيدوا الإسلام. ثم الطبقة التي تليهم، كخباب(1) وعمار وأبي ذر والمقداد وزيد بن حارثة، ونظرائهم في الاجتهاد وحسن الأثر والبلاء والاخلاص لله ولرسوله صلى الله عليه وآله في السر والاعلان.
وبعد: فلو سلمنا لك دعواك لمن ادعيت الفضل لهم على ما تمنيت، لم يمنع مما ذكرناه، لأنه لا يوجب لهم العصمة من الضلال، ولا يرفع عنهم جواز الغلط والسهو والنسيان، ولا يحيل منهم تعمد العناد.
وقد رأيت ما صنع شركاؤهم في الصحبة والهجرة والسبق إلى الإسلام حين رجع الأمر إلى أمير المؤمنين عليه السلام باختيار الجمهور منهم والاجتماع ، فنكث بيعته طلحة والزبير، وقد كانا بايعاه على الطوع والإيثار، وطلحة نظير أبي بكر، والزبير أجل منهما على كل حال، وفارقه سعد بن أبي وقاص وهو أقدم إسلاما من أبي بكر، وأشرف منه في النسب، وأكرم منه في الحسب، وأحسن آثارا من الثلاثة في الجهاد.
وتبعه على فراقه وخذلانه محمد بن مسلمة وهو من رؤساء الأنصار، واقتفى آثارهم في ذلك وزاد عليها بإظهار سبه والبراءة منه حسان ، فلو كانت الصحبة مانعة من الضلال لمنعت من ذكرناه ومعاوية ابن أبي سفيان وأبا (2) موسى الأشعري، وله من الصحبة والسبق ما لا يجهل، وقد علمتم عداوتهم لأمير المؤمنين عليه السلام، وإظهارهم البراءة منه، والقنوت عليه ، وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وأميره على أبي بكر وعمر وعثمان.
ولو كانت الصحبة أيضا مانعة من الخطأ في الدين والآثام لكانت مانعة لمالك بن نويرة، وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله على الصدقات، ومن تبعه من وجوه المسلمين من الردة عن الإسلام.
ولكانت صحبة السامري لموسى بن عمران عليهما السلام وعظم محله منه ومنزلته، تمنعه من الضلال باتخاذ العجل والشرك بالله عز وجل، ولاستحال أيضا على أصحاب موسى نبي الله عليه السلام، وهم ستمائة ألف إنسان، وقد شاهدوا الآيات والمعجزات، وعرفوا الحجج والبينات، أن يجتمعوا على خلاف نبيهم وهو حي بين أظهرهم، وباينوا خليفته وهو يدعوهم ويعظهم ويحذرهم من الخلاف، وينذرهم فلا يصغون إلى شئ من قوله، ويعكفون على عبادة العجل من دون الله عز وجل.
ولكان أيضا أصحاب عيسى عليه السلام معصومين من الردة، ولم يكونوا كذلك، بل فارقوا أمره، وغيروا شرعه، وادعوا عليه أنه كان يأمرهم بعبادته، واتخاذه إلها مع الله تعالى تعمدا للكفر والضلال، وإقداما على العناد من غير شبهة ولا سهو ولا نسيان.
فإن قال: فإذا كان الأمر على ما ذكرتموه، وكان القوم قد دفعوا حقا لأمير المؤمنين عليه السلام كما وصفتموه، فلم أقرهم على ذلك أمير المؤمنين عليه السلام، واتبعهم عليه الأنصار والمهاجرون، وما بال أمير المؤمنين عليه السلام لم يجاهدهم كما جاهد الناكثين والقاسطين والمارقين؟
قيل له: لم يقرهم على ذلك جميع المسلمين، ولا تبعهم عليه سائر الأنصار والمهاجرين، وإن كان الراضي بذلك منهم الجمهور، والمؤثر في العدد هم الأكثرون، وليس ذلك علامة على الصواب، بل هو في الاغلب دليل على الضلال، وقد نطق بذلك القرآن، قال الله تعالى: { وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103].
وقال تعالى : {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106] . وقال تعالى: {وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ} [المائدة: 59] . وقال تعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [ص: 24] . وقال تعالى: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود: 40] في آيات يطول بإثباتها الكتاب.
على أن هذا القول، وإن كان حجة فيما ذكرناه، فالوجود شاهد به لصحته على ما وصفناه، ألا ترى أن أكثر الخلق على مرور الأيام والأوقات عصاة لله تعالى، والقليل منهم مطيعون له على الاخلاص، والجمهور الأكثر منهم جهال على كل حال، والعلماء قليل يحصرهم العدد بلا ارتياب، وأهل التصون والمروءة من بين الخلق أفراد، وأهل المناقب في الدين والدنيا آحاد، فيعلم بذلك أن الأكثر لا معتبر بهم في صحيح الأحكام.
وبعد: فإنه لم يتمكن قط متملك إلا وكان حال الخلق معه حالهم مع أبي بكر وعمر وعثمان، وهذه عادة جارية إلى وقتنا هذا وإلى آخر الزمان، ألا ترى إلى اجتماع الأمة على متاركة معاوية بن أبي سفيان حين ظهر أمره عند مهادنة الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام. وسكوت الكافة عنه وهو يلعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام على المنابر، ويقنت عليه في الصلوات، ويضرب رقاب المسلمين على الولاية له، ويجيز على البراءة منه بالأموال.
وكذلك كانت حالهم مع يزيد لعنه الله، وقد قتل الحسين بن علي عليه السلام ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وحبيبه وقرة عينه ظلما وعدوانا، وسبي أهله ونساءه وذراريه، وهتكهم بين الملأ، وسيرهم على الأقتاب في الفلوات، واستباح حرم رسول الله صلى الله عليه وآله في وقعة الحرة(3)، وسفك دماء أهل الإيمان، وأظهر الردة عن الإسلام، فلم يجاهره أحد من الأمة بنكيرة، وأطبقوا على إظهار التسليم له والائتمام به، والاتباع له والانقياد.
ولم يزل الأمر يجري في الأمة بعد يزيد لعنه الله مع الجبارين من بني أمية ومروان على ما وصفناه، وكذلك كانت صورتهم على عهد آدم عليه السلام وإلى وقت من سميناه، ومن بعدهم إلى الآن، وإنما ينظر الناس إلى من حصل له الاتفاق في الرئاسة والسلطان، وينقادون له كما ذكرناه، ويجتنبون خلافه على ما بيناه، سواء كان من الله أو من الشيطان، أو كان عادلا في الرعية أو كان ظالما من الفجار.
بل قد وجدنا الجمهور في كثير الأحوال يتحيزون عن أولياء الله تعالى، ويخالفون أنبياءه، ويسفكون في العناد لهم الدماء، ويطبقون على طاعة أعداء الله عز وجل، ويسلمون لهم على الطوع والإيثار، وربما اتفق للظالم المتغلب والناقص الغبي الجاهل من الجماعة الرضا به والاتباع، فانقادت الأمور له على منيته فيها والمحاب، واختلفت على العادل المستحق الكامل الحكيم العالم ، واضطربت عليه الأمور، وكثرت له المعارضات، وحصلت في ولايته الفتن والمنازعات، والخصومات والمدافعات .
وقد عرف أهل العلم ما جرى على كثير من أنبياء الله صلى الله عليه وآله من الأذى والتكذيب، والرد لدعواهم، والاستخفاف بحقوقهم، والانصراف عن إجابتهم، والاجتماع على خلافهم، والاستحلال لدمائهم.
فأخبر الله تعالى بذلك فيما قص به من نبأهم في القرآن، فكان من الأتباع للفراعنة والنماردة وملوك الفرس والروم على الضلال، ما لا يحيل على ذي عقل ممن سمع الكتاب، ليعلم بما شرحناه أنه لا معتبر في الحق بالاجتماع، ولا معتمد في الباطل على الاختلاف، وإنما مدار الأمر في هذين البابين على الحجج والبينات، لما وصفناه من وجود الاجتماع على الظلال، والاختلاف والتباين في الهدى، والصواب بما بيناه، ولا سبيل إلى دفعه إلا بالعناد.
فأما قوله: فلم لا يجاهدهم أمير المؤمنين عليه السلام كما جاهد الناكثين والقاسطين والمارقين؟
فقد ذكر أمير المؤمنين عليه السلام فيما تظاهر عنه من الأخبار، فكان من الجواب حيث يقول: " أما والله، لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظة (4) ظالم، ولا سغب(5) مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها "(6). فدل على أنه عليه السلام إنما ترك جهاد الأولين لعدم الأنصار، وجاهد الآخرين لوجود الأعوان، وكان ذلك هو الصلاح الشامل على معلوم الله تعالى وشرائط حكمته في التدبيرات.
____________
(1) خباب بن الأرت التميمي، صحابي، من نجباء السابقين، شهد المشاهد كلها، ونزل الكوفة فمات سنة (37) هـ. " سير أعلام النبلاء 2: 323 / 62. حلية الأولياء 1:359، الإصابة 2: 101 / 2206، رجال الشيخ الطوسي: 19 / 3.
(2) نصبت عطفا على الاسم الموصول (من).
(3) وقعة الحرة: حدثت في أيام يزيد بن معاوية في سنة (63 هـ)، وكان أمير الجيش فيها مسلم بن عقبة، وسموه لقبيح صنيعه مسرفا، حيث قدم المدينة ونزل (حرة وأقم) - شرق المدينة - فخرج أهل المدينة لمحاربته فكسرهم، وقتل من الموالي ثلاثة آلاف وخمسمائة رجل، ومن الأنصار ألفا وأربعمائة، وقيل ألفا وسبعمائة، ومن قريش ألفا وثلاثمائة، ودخل جنده المدينة فنهبوا الأموال وسبوا الذرية واستباحوا الفروج، وأحضروا أعيان المدينة لمبايعة يزيد بن معاوية، " مروج الذهب 3: 69 والكامل في التاريخ 3: 63 ".
(4) الكظة: شئ يعتري الإنسان عند الامتلاء من الطعام، والمراد استئثار الظالم بالحقوق." الصحاح - كظظ - 3: 1178 ".
(5) السغب: الجوع، والمراد منه هضم حقوق المظلوم. " الصحاح - سغب 1: 147".
(6) نهج البلاغة، الخطبة الشقشقية: 31.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
في مستشفى الكفيل.. نجاح عملية رفع الانزلاقات الغضروفية لمريض أربعيني
|
|
|