المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05



التناص (الاستدعاء الثقافي)  
  
2717   03:26 مساءاً   التاريخ: 23-03-2015
المؤلف : محمد الصالح السليمان
الكتاب أو المصدر : الرحلات الخيالية في الشعر العربي الحديث
الجزء والصفحة : ص189-194
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / الشعر / العصر الحديث /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-10-2019 3265
التاريخ: 24-03-2015 1210
التاريخ: 2-10-2019 669
التاريخ: 2-10-2019 2216

يمثّل التناصّ رافداً ثقافياً يعتمد عليه الشاعر في بناء عمله الفنّي متكئاً على ثقافته التراثية سواء أكان هذا الاتكاء شعورياً أو لاشعورياً. ومن ذلك قول الزهاوي:

 

قَلتُ في خَشيةٍ (بَلى) وفُؤادِي ... مِن شَعاعٍ بهِ يكادُ يُطيرُ(1)

 

فهو يستدعي بصورة مباشرة قول قطريّ بن الفجاءة حين يصف نفسه التي يخاطبها في موضع الإقدام، فيقول:

 

أقولُ لها وقدْ طارتْ شَعاعاً ... مِن الأبطالِ ويحكِ لنْ تراعِي(2)

 

وفي ((الكوميديا السماوية)) يتناصّ الفراتي في قوله:

 

وأجْفَلَ مُرتَاعاً وأجهشَ بالبُكا ... ونَاحَ كَما نَاحَتْ عَلى الإلف أيّمُ(3)

 

مع صورة الحمام الباكي على فراق المحبوب لدى بعض الشعراء العذريين، كقول المجنون:

 

فَقُلْتُ: حَمامَ الأَيكِ مَالَكَ بَاكياً ... أَفَارقْتَ إلفاً أَمْ جَفَاكَ حَبيبُ

فقَالَ: رماني الّدهر مِنهُ بَقوسِهِ ... وأَعْرضَ إلَفِي فَالفُؤادُ يَذوبُ(4)

 

أمّا قول الفراتي:

 

وأمضَى المُنَى أَنْ يصطدِمَ الأرضَ كوكَبٌ ... عَظيمٌ بِهِ أركانُهَا تَتَهدَّمُ(5)

 

فهو يستدعي بصورة مباشرة نظرية لعلماء الجيولوجيا مفادها أنّ عصر الديناصورات انتهى بسبب ارتطام نيزك عظيم بالأرض فوقع جراء ذلك انفجار هائل نجم عنه سحب كثيفة من الدخان الأسود غطّت وجه الأرض لعدّة شهور. وقوله:

 

رَفائيلُ أحوالُ البَسيطَةِ جَمَّةٌ ... فمنْها سَحيلٌ لو عَلمْتَ ومُبْرَمُ(6)

 

يستدعي بصورة مباشرة قول زهير في مدح هرم بن سنان والحارث عن عوف:

يميَناً لنِعْمَ السّيّدانِ وَجدتُمَا ... عَلى كَلّ حَالٍ من سَحيلٍ ومُبرمِ(7)

 

أمّا موضوع ((في حانة إبليس)) فيستدعي إلى ذهن المتلقّي الحكايات الشعبية عن السعلاة التي تخطف الصغار إلى باطن الأرض بعد أن تغريهم بالحلوى وغير ذلك وهي شائعة كثيراً في أرياف المناطق الشرقية والجزيرة. ويتناصّ قوله في ((في حانة إبليس)):

 

فَآدَمُ كانَ مِن طينٍ ... ومِنْ نَارٍ بَرى نَبعِي

ولايَسمُو سُموَ النّا ... رِ ذَاكَ الطّينُ بالطّبعِ(8)

 

مع قول بشار بن برد وبصورة كليّة شاملة:

 

إبليسُ خَيرٌ مِن أبيكم آدمَ ... فتبيّنُوا يا مَعشرَ الفجّارِ

النّارُ مَعدنُهُ وآدمُ طِينٌ ... والطّينُ لا يسموُ عَلى النّارِ(9)

 

أمّا قوله:

 

فَلو أدْركْتُ إذْ ذَاكَ ... مِنَ الشيخِ أباطيلَهْ

لأدْخَلتُ أبَا مرّ ... ةَ في القُمقُمِ بالحِيْلهْ(10)

 

يستدعي إلى ذهن المتلقّي حكايا السندباد البحري الذي يدخل العفريت بالحيلة إلى القمقم ويتخلّص من شرّه.

كما يستدعي الحديث على ألسنة الطير والحيوان في الرحلة الخيالية قصص كليلة ودمنة وقصص أحمد شوقي على لسان الحيوان، يقول محمد حسن فقّي:

 

قَالَ عُقابٌ: ليتَنِي بُلبُلٌ ... ترُدِّدُ الأجْوَاءُ أَلحانَهُ

يعَيشُ في الرَّوضِ ويَشدُو لَهُ ... فَيُسْكِرُ الرّوضَ وغدُرانَهُ(11)

 

ويتناصّ قول أنيس المقدسي:

 

بربِّكَ يَا رسَولَ العَقلِ قُلْ لِي ... أَللعُقَلاءِ أشواكُ الحَياةِ(12)

 

مع قول المتنبي:

ذُو العَقلِ يَشْقَى في النّعيم بَعقلِهِ ... وأخُو الجَهالَةِ في الشّقَاوَةِ يَنعَمُ(13)

 

ويبدو التناصّ بين القولين كليّاً من حيث الفكرة في حين اختلف الأسلوبان في التعبير عنها إذ كان قول المتنبيّ خبرياً يعتمد المقارنة بين العقلاء والجهلاء في حين اعتمد المقدسي على الحوارية الإنشائية فبدأ بالقسم ثمّ النداء فالاستفهام.

كما يتناصّ العقّاد في قوله:

 

فاصْبِرُوا فالصّبرُ مِفتاحُ المُنَى ... واسمعُوا كَيفَ غَوى الشّيطانُ فيها(14)

 

بصورة مباشرة مع المثل الشعبي ((الصّبر مفتاح الفرج)).

وقد لمَّح العقّاد بشكلٍ غير مباشر إلى قول المتنبيّ:

 

فاطلبِ العزَّ في لظىً ودعْ الذُّلَّ ... م ... ولَو كانَ في جنانِ الخُلودِ(15)

 

في قوله على لسان الشيطان:

 

عَفوكَ اللّهُمَّ لا خُلْدَ هنا ... ومَتى كَان خُلودٌ في قُيودْ(16)

 

أمّا في قصيدة فوزي معلوف ((على بساط الريح)) فالعنوان يستدعي إلى الذهن بصورة مباشرة حكايا ألف ليلة وليلة، ورحلات السندباد البحري السبع، أمّا قوله:

 

آدميٌّ هذا أجابَ أخوهُ ... جاءَ يستعمرُ الأثيرَ بأسرِهْ(17)

 

فإنّه يستدعي إلى الذهن صورة الاستعمار في أعين الشعراء بما تحمله هذه الصورة من بشاعة وقتل وتدّمير وسلب وقسوة يقول أحمد شوقي:

 

سَلي مَن راعَ غِيدَكِ بعدَ وُهَنٍ ... أبينَ فؤادِهِ والصّخرُ فرقُ

وللمستعمرينَ وإنْ ألانُوا ... قُلوبٌ كالحجارةِ لا تَرقُّ(18)

 

وتبدو تقنيّة التناصّ ذات أهمية كبيرة في بلورة المشاعر النفسية، حيث يتناصّ الشاعر مع ابن زيدون في قوله:

وللنسيمِ اعتلال في أصائِلِهِ ... كأنَّما رقَّ لي فاعتلَّ إشْفاقا(19)

 

أمّا الشاعر، فيقول:

 

وإذا ما النّسيمُ مرَّ عليهِ ... فعليلٌ أتى يعودُ عليلا(20)

 

والتناصّ هنا في الصورة والفكرة العامّة، والاختلاف في الصياغة لأنّ الشاعر استخدم أسلوب الشرط والجملة الفعلية المفسرة بجملة أخرى لتدلّ على الحركية. بينما جاءت صورة ابن زيدون قائمة على الجملة الأسمية ومعقود طرفاها بالمشبك كأنّما. والمهمّ أنّ الشاعر حاكى ابن زيدون واستطاع الاعتماد على التراث في تجديد الصورة التي تعبّر عن حال الإنسان العليل الشاحب وعطف الطبيعة عليه. وهذا التناصّ يؤكّد أنّ: ((مجال النصّ لا يقتصر على ما فيه من علاقات متناغمة كما الحال عند البنيويين، بل للمحاكاة شأن في تحقيق هذا المجال وذلك إذا ما استطاع المبدع إبداع جديد اتكاءً على التراث السابق)) (21).

وفي قوله:

 

ألِفَ اليأسَ قلبُهُ فهْو واليأ ... سُ يُحاكي بُثينةً وجميلا(22)

 

يستدعي بصورة مباشرة قصّة العشق العذري المشهور بين جميل بن معمر ومحبوبته بثينة.

ويتناصّ في قوله:

 

وكما كانَ أَصْلُهُ مِن تُرابِ الـ ... أرضِ يَغدو مصيرُهُ لترابِهْ(23)

 

مع قول المعرّي المستوحى من حديث النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ((الناس بنو آدم وخلق اللّه آدم من تراب)) (24)، أما المعرّي فيقول:

 

خفّفِ الوطْءَ ما أَظنُّ أديمَ الـ ... أرضِ إلاّ مِن هذه الأجسادِ(25)

 

وفي مطوّلة عبقر يستدعي قول الشاعر:

 

فدونَكَ اللّذّاتِ موفورَةً ... لاتكُ في انتهابِها مُبْطِئا(26)

 

الدعوة إلى تجاوز الألم بانتهاب اللذات بدءاً من النزعة السيدورية في ملحمة جلجامش، حين تدعوه سيدورى إلى انتهاب اللذات لنسيان مأساته بفقدان أنكيدو بقولها:

أمّا أنتَ يا جلجامشُ، فاملأ بطنكَ

افرحْ ليلكَ ونهاركَ

اجعلْ مِن كلِّ يومٍ عيداً

ارقصْ لاهياً في اللّيلِ وفي النّهارِ

اخطرْ بثيابٍ زاهيةٍ نظيفةٍ

اغسلْ رأسكَ وتحمّمْ بالمياهِ

دلّلْ صغيركَ الذي يمسكُ بيدكَ

وأسعدْ زوجكَ بينَ أحضانِكَ

هذا نصيبُ البشرِ مِن هذه الحياةِ(27)

وهذا يستدعي قول طرفة بن العبد:

 

فإنْ كنتَ لا تسْطيعُ دفعَ منيّتي ... فدَعني أُبادِرْها بما ملكَتْ يدِي

ولولا ثلاثٌ هنَّ مِن عيشةِ الفَتَى ... وجَدَكَ لم أحفَلْ متى قامَ عُوَّدي

فمنهُنَّ سبقِي العاذلاتِ بشَربَةٍ ... كُميتٍ متى ما تُعْلَ بالماءِ تُزبدِ(28)

 

وهكذا يسهم التناصّ في إغناء البنية الفنّية للرحلة الخياليّة، لاسيما أنّه يفسح المجال واسعاً لعرض النصّ على ثقافة المتلقّي ((إذ بوسعه أن يستوحي ما يشاء، بقدر ما يملك من ثقافة واطلاع، بما ينسجم مع النصّ، ويدعمه، ويؤكّد أعماقه، ولا يناقضه أو يختلف معه)) (29).

ولقد مثّل التناصّ رافداً فنّياً وثقافياً جعل الشاعر على صلة بتراثه الفكري وفتح أمام المتلقّي باباً للحريّة أوسع في إخضاع النصّ لثقافته بعيداً عن ظروف النصّ المرتبطة بالمبدع وظروفه، أو ظروف الكتابة الأدبية. وقد امتاز في بعض الأحيان بالكلّية والشمولية والمباشرة في بعضها، في حين كان جزئياً أو غير مباشر يعتمد اللمحة الخفية والإشارة الذكية.

أمّا اللغة الشعرية فقد اكتفت الدراسة عنها بالدراسة التطبيقية التحليلية على قصيدة فوزي معلوف (على بساط الريح)) كأنموذج فنّي متكامل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الزهاوي، جميل صدقي، الديوان، ص:717.

(2) أبو تمام، ديوان الحماسة، شرح الخطيب التبريزي، عالم الكتب، بيروت، ج1، ص:1/50.

(3) الفراتي، محمد، الكوميديا السماوية، مجلة الحديث، ع3، ص:147.

(4) المجنون، الديوان، تح. فرج عبد الستار، دار مصر للطباعة، (د.ت)، ص:58.

(5) الفراتي، محمد. الكوميديا السماوية، ع3-4، ص:149.

(6) المصدر نفسه، ص:150.

(7) التبريزي، الخطيب، شرح القصائد العشر، تقديم عبد السلام الحرفي، ص:136.

(8) الفراتي، محمد، النفحات، ص:273-274.

(9) ضيف، شوقي، الأدب في العصر العباسي، دار المعارف، ط6، 1976، ص:203.

(10) المصدر السابق، ص:277.

(11) ساسي، عبد السلام طاهر، شعراء الحجاز، ص:51.

(12) المقدسي، أنيس، المعري يبصر، مجلة المورد الصافي، ص:333.

(13) المتنبي، أحمد بن حسين، الديوان، مراجعة نخبة من الأدباء، دار الفكر، 1968، ص:274.

(14) العقاد، عباس، الديوان، ص:279.

(15) المصدر السابق، ص:79.

(16) المصدر السابق، ص:286.

(17) معلوف، فوزي، على بساط الريح، ص:94.

(18) شوقي، أحمد، الديوان، جمع وشرح رشيد الأشقر، مج1، دار صادر، بيروت، ط1، 1993، ص:365.

(19) ابن زيدون، أحمد، الديوان، تح وشرح محمد سعيد الكيلاني، مصر، ط3، 1965، ص:171.

(20) معلوف، فوزي، على بساط الريح، ص:103.

(21) عكام، فهد، الشعر الأندلسي نصاً وتأويلاً، دار الينابيع، دمشق، 1995، ص:89.

(22) المصدر السابق، ص:102.

(23) المصدر نفسه، ص:133.

(24) الترمذي، سنن الترمذي، حديث رقم:3193.

(25) المعرث، أبو العلاء، سقط الزند، تصحيح إبراهيم الزين، ص:7.

(26) معلوف، فوزي، عبقر، ص:145.

(27) سواح، فراس، ملحمة جلجامش، دار علاء الدين، دمشق، ط1، 1996، ص:262.

(28) التبريزي، الخطيب، شرح القصائد العشر، تقديم عبد السلام الحوفي، ص:104.

(29) محبك، د. أحمد زياد، الاستدعاء الثقافي في أنشودة المطر لبدر شاكر السياب، مجلة باسل حافظ الأسد للعلوم والآداب الإنسانية، العدد الأول، 1998، ص:16.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.