أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-10-2019
988
التاريخ: 15-12-2019
7466
التاريخ: 23-03-2015
2085
التاريخ: 2-10-2019
3534
|
مَرَّ الشعر العربيُّ منذ عهد امرئ القيس إلى عصر البارودي في أطوار مختلفة: كان في الجاهلية وصدر الإسلام شعر الفطرة والسليقة المنبعثة عن الشعور والإلهام، تَعْرِضُ الحادثةُ أو المنظر للشاعر فينفعل ويتأثر، يلهج لسانه بما يختلج في فؤاده، وقد ينبعث من طيات ضميره لا بوحيً خارجيٍّ، هو في كلتا الحالتين لا يعمد إلى تنميق أو تزويق، أو يعتمد لفظًا بعينه، وإنما اللغة ملك يمينه وطوع لسانه، وكأنها بمفرداتها الزاخرة، ومعانيها المتباينة موضوعة في كفِّه يختار منها ما يكفي لأداء المعاني التي تتجاوب في خاطره، وكثيرًا ما يعمد إلى هذا الأداء بأوجز لفظٍ وأمتنه, دون إسهابٍ أو حشوٍ، ولا سيما إذا كان شاعرًا فحلًا طويل الباع في فن الشعر، وله درايةٌ بوجوه تصريف الكلام، ولذلك جاء الشعر العربيّ القديم صورة صادقة لمن قالوه، ولأمر ما قال نقاده منذ القرن الثاني: "الشعر ديوان العرب", ولم يكن العربيّ الأول يعمد إلى الخيال المجنح الذي يخلق الصور, ويغوص وراء المعاني في أعماق الفكر، وإنما يصور إحساسه وشعوره دون تزيد أو نقصان، ودون فلسفة أو منطق، وقد كان دستورهم في ذلك قول أحدهم:
وإنَّ أحسنَ بيتٍ أنت قائلُه ... بيتٌ يقالُ إذا أنشدته صدقا
وكأن الشعر العربيّ حينذاك بيت مشيد بالحجارة المتينة العارية عن الزخرف والطلاء، ويروعك بسذاجته وشموخه ومتانته، وفي السذاجة جمال الفطرة.
ثم أخذ العرب بنصيبٍ غير قليلٍ من حضارة الأمم التي فتحوا بلادها، وألفوا أنواعًا من العيش، وألوانًا من الحياة ونظام الحكم، لم يعرفوها من قبل، شاهدوا مناظر جديدةً اختمرت في عقولهم زمنًا، واطلعوا على ثقافاتٍ متباينةٍ؛ من يونانية, وفارسية, وهندية, ونبطية, وما شاكل هذا، وكان من الطبيعيّ أن يتأثروا بكل ذلك, كنا ننتظر أن يتطور الشعر العربيّ تطورًا جديدًا, خليقًا بهذا الانقلاب الكبير في حياة الأمة العربية، وأن يحتذي العرب حذو الإغريق مثلًا في ملاحمهم وقصصهم ومسرحياتهم, ولكن ما طرأ على الشعر العربيّ لم يعد الشكل الظاهريّ، وظل البناء القديم، والقالب الموروث تصب فيه المعاني في العصر
(1/165)
العباسيّ, كما كانت تصب في العصر الجاهليّ والإسلاميّ الأول.
أجل! لقد رقَّ الخيال ولطف، وتولدت المعاني وابتكرت، وتناول الشعر ألوانًا جديدةً لم يقل فيها السابقون، ولكن ظل البيت الذي شاده الجاهليون، والطريق الذي سلكوه في التعبير عن شعورهم هو المثل الأعلى لشعر العصر العباسيّ, بيد أن مقتضيات الحضارة دعت الشعراء أن يؤثثوا هذا البيت الذي ورثوه عن أسلافهم، فحشدوا فيه أنماطًا شتَّى من المعاني العميقة, والأخيلة البعيدة, والفلسفات والحكم، وكثيرًا من صور الحياة في عصرهم، وابتدءوا مع هذا يدخلون شيئًا من الزخرفة بقدر، وكانت زخرفةً منسجمةً مع الرياش والأثاث, وبدأ الشعر العربيّ في عنفوان قوته وازدهاره وغناه.
ثم خلف من بعدهم خلف أضافوا إلى هذا القصر الفاخر كثيرًا من الحلى والزخارف، وكان الضعف ابتدأ يتسرب إلى البناء، ويدب فيه الوهن، وعجز الشعراء عن مجاراة الأقدمين في متانة عباراتهم، وتملكهم زمام اللغة، وعجزوا عن مجاراة المولدين في معانيهم العميقة، وأخيلتهم الجميلة، فأكثروا من الزخرف والزينة ليستروا بهما الضعف الشائن، وكانوا على شيءٍ من الإلمام باللغة, وبالأساليب الصحيحة, فلم يستعجم قولهم، وظلَّ في الشعر ذماء يحفظ عليه حياته، وبقي البناء في مجموعة سليمًا.
ثم أخذ البناء يتداعى بضعف الأمة العربية، وخضوعها للأعاجم الذين لا يقدرون هذا التراث الجميل، ولا يعرفون لسان أهله, ولا هَمَّ لهم إلّا ابتزاز الأموال من الشعوب المظلومة, دون مقابلٍ من علمٍ أو صحةٍ أو غنًى، فتفشى الجهل، وساد الظلم، واستعجم الشعراء ولحنوا لحنًا فاحشًا، وكانوا أبعد الناس عن الأساليب الصحيحة، والمعاني الواضحة، والشعور السليم، وخانتهم الأداة المعبرة، وأصبح همهم النظم لا روح فيه, ولا معنى له، والذي يساق في عبارةٍ ركيكةٍ غَثَّةٍ، وفي حشدٍ زاخرٍ من الزينات والمحسنات لتستر عواره, وقد كان الشعر يلفظ أنفاسه الأخيرة عيًّا ومرضًا حين ابتدأ العصر الحديث.
ابتدأت النهضة الشاملة منذ عصر محمد علي، وقد رأيت شيئًا من معالمها، ورأيت كيف كان الشعر يرتدد بين المرض والعافية، فيصحّ أحيانًا, وينتكس أحيانًا كثيرة, والنهضة سائرةٌ في طريقها في عهد إسماعيل، واللغة يدب فيها شيء من القوة، والمطابع تدفع بالكتب الأدبية القديمة، والمدارس تبدد سدف الجهل والظلام، والصحافة تكشف الطريق، وتزيل ما به من أوضار وعوائق، ولكن الشعر ظلَّ على حاله من الضعف, لم يقف على قدميه بعد، وكان مُكَبَّلًا بقيودٍ ثقيلة، تحت أنقاض هذا البناء المشمخر الذي تداعى أيام الانحلال.
وشاء الله أن يبعث من ينهضه من كبوته، ويقيله من عثرته، ويلقي بهذه الآفات والأوضار بعيدًا، ويعيد للبناء قوته ومجده، وزخرفته الطبيعية الجذابة دفعةً واحدةً، كأنما هي عصا ساحر, قلبت الميت حيًّا, والضعيف قويًّا، والمعدم ثريًّا, كان هذا على يد إمام النهضة الشعرية الحديثة في العالم العربيّ: محمود البارودي:
1255هـ-1322هـ، 183م-1904م.
(1/166)
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|