المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

صلاة الأعرابي
9-10-2018
القصص أبلغ المواعظ
2023-12-26
قصيدة لمحمد التطيلي الهذلي
2024-02-24
تفسير آية (95-96) من سورة النساء
14-2-2017
زاهر بن الأسود الطائي
19-8-2017
معنى كلمة سفع‌
18-11-2015


الثقافة الأسطورية  
  
1239   03:15 مساءاً   التاريخ: 24-03-2015
المؤلف : محمد الصالح السليمان
الكتاب أو المصدر : الرحلات الخيالية في الشعر العربي الحديث
الجزء والصفحة : ص96-99
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / الشعر / العصر الحديث /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-10-2019 1033
التاريخ: 24-03-2015 1127
التاريخ: 24-03-2015 1543
التاريخ: 2-10-2019 2964

لم تكن الرحلة الخياليّة لتنبغ في مخيّلة شاعرها من فراغ، وإنّما استندت إلى مادة ثقافية يحصل عليها الأديب غالباً من قراءاته المتنوّعة، بحيث يلوّن الرحلة بلون خاص يعكس سماته المميزة عن غيره.

* التأثر بالأساطير العربية القديمة:

وقد أسهمت الأسطورة في بناء بعض الرحلات الخياليّة من خلال استخدامها موضوعاً أساسياً ومادة ثقافية رئيسية في الرحلة الخياليّة وتأتي مطوّلة ((عبقر)) في مقدمة الرحلات الخياليّة، حيث إنّ شفيق معلوف كان -على الأرجح-أوّل من دعا إلى استخدام الأسطورة في الشعر العربي الحديث. وكانت مقدمة الديوان -وهي بقلم والد الشاعر: عيسى إسكندر معلوف-في طليعة الدراسات العربية في هذا المجال.

((وقد تجلّت في عبقر كلّ سمات الأسطورة الأصلية وخصائصها، فهي قبل كلّ شيء عمل خيالي موغل في التصورات والأوهام، بعيد عن الحقيقة والواقع)) (1) ومن الأساطير التي أغنت المطوّلة: أسطورة ((شيطان الشعر)) وهو الذي يوحي للشاعر سحر القول ويحمله فوق جناحيه إلى عالم الأحلام والرؤى، وأسطورة ((وادي عبقر)) الذي حمل اسم المطوّلة: وهو وادٍ للجنّ تأوي إليه الأحلام والرؤى، وينسب إليه كلّ جميل ودقيق. و((سرحوب الأعمى)) وهو شيخ ضرير يشقّ نهر الغيّ بعصاه، ويبصر في الظلام ما لا تبصره أعين البصراء، و((أبناء إبليس)) رموز الشرّ والخراب، و((الهوجل والهوبر)) شيطاناً الشعر الصالح والطالح، و((هراء)) الذي يوحي الأحلام المزعجة، و((كاهنا عبقر)) شقّ وسطيح، و((العنقاء وفرخاها)) وما يتعلق بهما من موت وبعث بعد التحوّل إلى رماد.... وغيرها من الأساطير، والشاعر لا يثقل الأسطورة بالرمز، إنّما يستخدمها بعفوية، فتجيء واضحة شفّافة، ومن ذلك استخدامه الفينيق، ليعبر من خلاله عن معنى الفداء والتضحية والانبعاث، ويجيء تعبيره واضحاً، وفيه يقول:

وفَرخُ عنقاءٍ عَميدُ العُلَى ... فِينيقٌ كَمْ جرَّرَ ذَيلَ الفَخارْ

مُكوّماً مِحرقةً شَادَها ... إِكليلَ غارٍ فوقَ إِكليلِ غارْ

طيّنَها بالطّيبِ واحتلَّها ... فعبَّقَ النّدُّ بِها والبَهارْ

حَتَّى إذا عَرّضها للضّحَى ... شَبَّتْ بها من جَذوةِ الشَّمسِ نَارْ

فأَحرقتْهُ نارُهُ وانطَوَتْ ... أمجادُهُ في حَفنةٍ مِن غُبارْ

كأَنَّ مَن لَم يلتَهِمْ نَفسَهُ ... بنفسِهِ كانَ على المَجدِ عَارْ

تململَ الرَّمادُ واعصَوصَفَتْ ... زعَازِعُ الذّكرَى عَليهِ فَثارْ

زَعازِعٌ بعدَ انقضاءِ المَدَى ... أَطَرْنَ مِن قَلبِ الرّمادِ الشَّرارْ

نَشرنَهُ غِلالَةً من لَظَى ... لبِسَها الفَينيقُ ريشاً وطَارْ(2)

 

وإرم مدينة بناها عاد بن شداد واختفت بطريقة غامضة فنسجت حولها أساطير كثيرة، وقد أخبر عنها القرآن بأنّها لا مثيل لها بين البلاد بقوله تعالى: (ألمْ ترَ كيفَ فعلَ رَبُّكَ بعاد، إرمَ ذاتِ العمادِ التي لمْ يخلُقْ مثلُهَا في البلادِ) (3) وقد جعل منها الشاعر نسيب عريضة رمزاً صوفياً ووسيلة كشف روحي توصله إلى منبع الإشراق الحقيقي، وهي شعلة المعرفة التي يقول عنها:

 

تِلكَ نَارُ العَلَمْ ... أُوقِدتْ في إِرمْ

قبلَ عَهدِ القِدَمْ ... مَالها مِن خُمودْ

أو تَزولُ العُهودْ

نَحوَ ذاكَ الوَميضْ ... سِرْ بنَا نَستعِيضْ

عَن ظَلامِ الحَضيضْ ... وشَقاءِ الوُجُودْ

بِسناءِ الوُعُودْ(4)

 

* التأثر بالأساطير الشرقية القديمة:

وقد أغنت الأساطير الشرقية القديمة الرحلات الخياليّة، سواء أتأثّر بها الشعراء بطريقة مباشرة أم غير مباشرة، فرحلة الهمشري ((على شاطئ الأعراف)) تأثّرت في روحها وسيرورتها الفنية بأسطورة أوزوريس في رحلة الصعود، فالأسطورة تروي حركة (رع) إله الشمس في النهار، وتبدأ رحلته عندما يطرق باب الحياة خارجاً من جوف أمّه (نوت) ليصعد بكلّ عظمة وأبهّة وفخار إلى صفحة السماء ليقله زورق خفيف وينازل الشرّ ويطرد الظلمات وفي هذا كلّه تقف إيزيس إلى جانبه، وفي السماء يكون أوزوريس الذي يحيي الليل ويمخر دياجيه بزورقه السماوي حتّى منتصف الليل بعد أن تهاجمه الشياطين ويزداد انزعاجاً إلى أن يأخذ في سيره الحثيث، فإذا أسفر الصبح عاد بانتصاره وجلاله في صورة رع(5). وإذا كانت إيزيس قد وقفت في ولاء إلى جانب أوزوريس فإنّ ربّة الشعر وقفت بكلّ إخلاص وحبّ مع الشاعر في رحلته التي صاغها وهو يسبح في فلك الأسطورة القديمة بعد أن حمّلها روح التجربة الشعرية التي حملت نوازعه الاجتماعية والنفسية ومثّلته مطوّلة ((على شاطئ الأعراف)).

ويبقى الانزياح الدلالي في بنية الأسطورة هو الذي يمنح تجربة الهمشري خصوصيتها التي تميّزها عن الأسطورة الأم. فإذا كانت الأسطورة تقضي صراع أوزوريس مع الشياطين وسقوطه في هاوية الظلام ليعود مرّة أخرى في صورة رع إله الشمس فإنّ ((على شاطئ الأعراف)) تخلق الحياة وتجدّد الروح الإنسانية القادرة على مواجهة الشرّ والقهر والاستمرار في النضال ضد الاستعمار حتّى تحقيق الحريّة والاستقلال، ولتنتصر في النهاية غريزة الحبّ والحياة على حسّ الموت والفناء، فيقول:

 

أَيُّها الحبُّ أنتَ للموتِ موتٌ ... ذو غِلابٍ على البِلى مُسْتخفُّ

أنتَ صُنوُ الحياةِ وارِثةِ المو ... تِ ونورٌ على الإلهِ يرفُّ

سوفَ تبقى بعدَ الفناءِ سَبُوحاُ ... في فضاءٍ من الأثيرِ يشفُّ(6)

 

وهكذا استطاع شعراء الرحلات الخياليّة أن يستفيدوا من تراثهم الأسطوري العربي خاصّة والشرقي عامة، وتوظيف هذا التراث في التجربة الشعرية، كما استطاع بعضهم اختراق الأنماط الأسطورية وخلق تجارب شعرية تحمل في ملامحها بعض سمات الفردي والجمعي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) دقاق، عمر، شعراء العصبة الأندلسية في المهجر، ص: 442.

(2) معلوف، شفيق، عبقر، ص: 267-268.

(3) سورة الفجر، الآية، 6

(4) عريضة، نسيب، الأرواح الحائرة، ص: 196-197.

(5)  ينظر: هلال، محمد غنيمي، الأدب المقارن، ص: 376.

(6) (6) شرف، عبد العزيز، الهمشري شاعر أبولو، ص: 120

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.