المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4870 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
The structure of the tone-unit
2024-11-06
IIntonation The tone-unit
2024-11-06
Tones on other words
2024-11-06
Level _yes_ no
2024-11-06
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05



إحتجاج امير المؤمنين عليه السلام على يهودي الشام ويعد من أحبارهم حول معجزات النبي صلى الله عليه وآله وكثير من فضائله  
  
1695   08:19 صباحاً   التاريخ: 25-9-2019
المؤلف : أبي منصور أحمد الطبرسي مع تعليقات وملاحظات السيد محمد باقر الخرسان
الكتاب أو المصدر : الإحتجاج
الجزء والصفحة : ج1 ، ص 314-335
القسم : العقائد الاسلامية / الحوار العقائدي / * النبي محمد (صلى الله عليه وآله) /

روي عن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام عن الحسين بن علي عليهما السلام قال: إن يهوديا من يهود الشام وأحبارهم كان قد قرأ التوراة والإنجيل والزبور وصحف الأنبياء عليهم السلام وعرف دلائلهم، جاء إلى مجلس فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وفيهم علي بن أبي طالب، وابن عباس، وابن مسعود، وأبو سعيد الجهني.

فقال: يا أمة محمد ما تركتم لنبي درجة، ولا لمرسل فضيلة، إلا أنحلتموها نبيكم، فهل تجيبوني عما أسألكم عنه؟ فكاع القوم عنه (1).

فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: نعم ما أعطى الله نبيا درجة، ولا مرسلا فضيلة إلا وقد جمعها لمحمد صلى الله عليه وآله وزاد محمدا على الأنبياء أضعافا مضاعفة.

فقال له اليهودي: فهل أنت مجيبي؟

قال له: نعم سأذكر لك اليوم من فضائل رسول الله صلى الله عليه وآله ما يقر الله به عين المؤمنين، ويكون فيه إزالة لشك الشاكين في فضائله صلى الله عليه وآله، إنه كان إذا ذكر لنفسه فضيلة قال: " ولا فخر " وأنا أذكر لك فضائله غير مزر بالأنبياء، ولا منتقص لهم، ولكن شكرا لله على ما أعطى محمدا صلى الله عليه وآله مثل ما أعطاهم، وما زاده الله وما فضله عليهم.

قال له اليهودي: إني أسألك فأعد له جوابا.

قال له علي عليه السلام: هات.

قال اليهودي: هذا آدم عليه السلام أسجد الله له ملائكته، فهل فعل لمحمد شيئا من هذا؟

فقال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، أسجد الله لآدم ملائكته فإن سجودهم له لم يكن سجود طاعة، وإنهم عبدوا آدم من دون الله عز وجل، ولكن اعترافا بالفضيلة، ورحمة من الله له، ومحمد صلى الله عليه وآله أعطي ما هو أفضل من هذا، إن الله عز وجل صلى عليه في جبروته والملائكة بأجمعها، وتعبد المؤمنين بالصلاة عليه فهذه زيادة له يا يهودي.

قال له اليهودي: فإن آدم عليه السلام تاب الله عليه بعد خطيئته؟

قاله له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد نزل فيه ما هو أكبر من هذا من غير ذنب أتى، قال الله عز وجل: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] إن محمدا غير مواف يوم القيامة بوزر، ولا مطلوب فيها بذنب.

قال اليهودي: فإن هذا إدريس رفعه الله عز وجل مكانا عليا، وأطعمه من تحف الجنة بعد وفاته؟

قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله أعطي ما هو أفضل من هذا إن الله جل ثناؤه قال فيه: { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4] فكفى بهذا من الله رفعة، ولئن أطعم إدريس من تحف الجنة بعد وفاته، فإن محمدا أطعم في الدنيا في حياته: بينما يتضور جوعا فأتاه جبرئيل عليه السلام بجام من الجنة فيه تحفة، فهلل الجام وهللت التحفة في يده، وسبحا، وكبرا، وحمدا، فناولها أهل بيته، ففعلت الجام مثل ذلك، فهم أن يناولها بعض أصحابه فتناولها جبرئيل عليه السلام وقال له: كلها فإنها تحفة من الجنة أتحفك الله بها، وأنها لا تصلح إلا لنبي أو وصي نبي، فأكل منها صلى الله عليه وآله وأكلنا معه، وإني لأجد حلاوتها ساعتي هذه.

قال اليهودي: فهذا نوح عليه السلام صبر في ذات الله تعالى، وأعذر قومه إذ كذب؟

قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله صبر في ذات الله عز وجل فأعذر قومه إذ كذب، وشرد، وحصب بالحصا، وعلاه أبو لهب بسلا ناقة وشاة، فأوحي الله تبارك وتعالى إلى جابيل ملك الجبال، أن شق الجبال وانته إلى أمر محمد فأتاه فقال: إني أمرت لك بالطاعة فإن أمرت أن أطبق عليهم الجبال فأهلكتهم بها، قال صلى الله عليه وآله: " إنما بعثت رحمة رب أهد أمتي فإنهم لا يعلمون " ويحك يا يهودي إن نوحا لما شاهد غرق قومه رق عليهم رقة القرابة، وأظهر عليهم شفقة فقال: { رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي } [هود: 45] فقال الله تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود: 46] أراد جل ذكره أن يسليه بذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله لما غلبت عليه من قومه المعاندة شهر عليهم سيف النقمة، ولم تدركه فيهم رقة القرابة، ولم ينظر إليهم بعين رحمة.

فقال اليهودي: فإن نوحا دعا ربه، فهطلت السماء بماء منهمر؟

قال له عليه السلام: لقد كان كذلك، وكانت دعوته دعوة غضب، ومحمد صلى الله عليه وآله هطلت له السماء بماء منهمر رحمة، وذلك أنه صلى الله عليه وآله لما هاجر إلى المدينة أتاه أهلها في يوم جمعة فقالوا له: يا رسول الله صلى الله عليه وآله احتبس القطر، واصفر العود، وتهافت الورق، فرفع يده المباركة حتى رأي بياض إبطه، وما ترى في السماء سحابة، فما برح حتى سقاهم الله حتى أن الشاب المعجب بشبابه لهمته نفسه في الرجوع إلى منزله فما يقدر على ذلك من شدة السيل، فدام أسبوعا، فأتوه في الجمعة الثانية فقالوا: يا رسول الله تهدمت الجدر، واحتبس الركب والسفر، فضحك صلى الله عليه وآله وقال: هذه سرعة ملالة ابن آدم، ثم قال: " اللهم حوالينا ولا علينا اللهم في أصول الشيح ومراتع البقع " (2) فرأي حوالي المدينة المطر يقطر قطرا، وما يقع بالمدينة قطرة، لكرامته صلى الله عليه وآله عز وجل.

قال له اليهودي: فإن هذا هود قد انتصر الله من أعدائه بالريح، فهل فعل لمحمد صلى الله عليه وآله شيئا من هذا؟

قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله أعطي ما هو أفضل من هذا إن الله عز وجل قد انتصر له من أعدائه بالريح يوم الخندق، إذ أرسل عليهم ريحا تذروا الحصى، وجنودا لم يروها، فزاد الله تعالى محمدا صلى الله عليه وآله بثمانية ألف ملك، وفضله على هود، بأن ريح عاد ريح سخط، وريح محمد ريح رحمة، قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب: 9] قال له اليهودي: فهذا صالح أخرج الله له ناقة جعلها لقومه عبرة؟

قال علي عليه السلام لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله أعطي ما هو أفضل من ذلك، إن ناقة صالح لم تكلم صالحا، ولم تناطقه ولم تشهد له بالنبوة، ومحمد صلى الله عليه وآله بينما نحن معه في بعض غزواته إذا هو ببعير قد دنا، ثم رغا فأنطقه الله عز وجل فقال:

" يا رسول الله فلانا استعملني حتى كبرت، ويريد نحري، فأنا أستعيذ بك منه " فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله إلى صاحبه فاستوهبه منه، فوهبه له وخلاه، ولقد كنا معه فإذا نحن بأعرابي معه ناقة له يسوقها، وقد استسلم للقطع لما زور عليه من الشهود فنطقت الناقة فقالت: " يا رسول الله إن فلأنا مني برئ، وإن الشهود يشهدون عليه بالزور، وإن سارقي فلان اليهودي ".

قال له اليهودي: فإن هذا إبراهيم قد تيقظ بالاعتبار على معرفة الله تعالى وأحاطت دلالته بعلم الإيمان؟

قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك وأعطي محمدا أفضل منه، وتيقظ إبراهيم وهو ابن خمسة عشر سنة ومحمد ابن سبع سنين، قدم تجار من النصارى فنزلوا بتجارتهم بين الصفا والمروة، فنظر إليه بعضهم فعرفه بصفته ورفعته، وخبر مبعثه وآياته، فقالوا: يا غلام ما اسمك؟ قال: محمد قالوا: ما اسم أبيك؟ قال: عبد الله قالوا: ما اسم هذه؟ وأشاروا بأيديهم إلى الأرض قال: الأرض قالوا، وما اسم هذه؟ وأشاروا بأيديهم إلى السماء قال: السماء قالوا: فمن ربهما؟ قال: الله. ثم انتهرهم وقال: أتشككوني في الله عز وجل؟! ويحك يا يهودي لقد تيقظ بالاعتبار على معرفة الله عز وجل مع كفر قومه إذ هو بينهم: يستقسمون بالأزلام، ويعبدون الأوثان، وهو يقول: لا إله إلا الله.

قال له اليهودي: فإن إبراهيم عليه السلام حجب عن نمرود بحجب ثلاث؟ قال علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله حجب عمن أراد قتله بحجب خمس، فثلاثة بثلاثة واثنان فضل، قال الله عز وجل - وهو يصف أمر محمد صلى الله عليه وآله -: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا " فهذا الحجاب الأول "  وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا " فهذا الحجاب الثاني" فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} "فهذا الحجاب الثالث" [يس: 9] . ثم قال: { وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا } [الإسراء: 45] " فهذا الحجاب الرابع ثم قال: {فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ} [يس: 8] فهذه حجب خمس.

قال له اليهودي: فإن هذا إبراهيم قد بهت الذي كفر ببرهان نبوته؟

قال علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله أتاه مكذب بالبعث بعد الموت وهو: أبي بن خلف الجمعي معه عظم نخر ففركه ثم قال: يا محمد {مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس: 78] ؟ فأنطق الله محمدا بمحكم آياته، وبهته ببرهان نبوته، فقال: {يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } [يس: 79] فانصرف مبهوتا.

قال له اليهودي: فهذا إبراهيم جذ أصنام قومه غضبا لله عز وجل؟

قال علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله قد نكس عن الكعبة ثلاثمائة وستين صنما، ونفاها عن جزيرة العرب، وأذل من عبدها بالسيف.

قال له اليهودي: فإن إبراهيم قد أضجع ولده وتله للجبين ؟

فقال علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ولقد أعطي إبراهيم بعد الاضطجاع الفداء، ومحمد أصيب بأفجع منه فجيعة إنه وقف على عمه حمزة أسد الله، وأسد رسوله وناصر دينه، وقد فرق بين روحه وجسده، فلم يبن عليه حرقة، ولم يفض عليه عبرة، ولم ينظر إلى موضعه من قلبه وقلوب أهل بيته ليرضي الله عز وجل بصبره ويستسلم لأمره في جميع الفعال، وقال صلى الله عليه وآله: لولا أن تحزن صفية لتركته حتى يحشر من بطون السباع، وحواصل الطير، ولولا أن يكون سنة بعدي لفعلت ذلك.

قال له اليهودي: فإن إبراهيم عليه السلام قد أسلمه قومه إلى الحريق فصبر فجعل الله عز وجل عليه النار بردا وسلاما فهل فعل بمحمد شيئا من ذلك؟

قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله لما نزل بخيبر سمته الخيبرية فصير الله السم في جوفه بردا وسلاما إلى منتهى أجله، فالسم يحرق إذا استقر في الجوف كما أن النار تحرق، فهذا من قدرته لا تنكره.

قال له اليهودي: فإن هذا يعقوب عليه السلام أعظم في الخير نصيبه إذ جعل الأسباط من سلالة صلبه، ومريم بنت عمران من بناته؟

قال علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله أعظم في الخير نصيبا إذ جعل فاطمة سيدة نساء العالمين من بناته، والحسن والحسين من حفدته.

قال له اليهودي: فإن يعقوب عليه السلام قد صبر عليه فراق ولده حتى كاد يحرض من الحزن.

قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، حزن يعقوب حزنا بعده تلاق، ومحمد صلى الله عليه وآله قبض ولده إبراهيم عليه السلام قرة عينه في حياته منه، فخصه بالاختيار، ليعظم له الادخار فقال صلى الله عليه وآله: يحزن النفس، ويجزع القلب، وأنا عليك يا إبراهيم لمحزونون، ولا نقول ما يسخط الرب، في كل ذلك يؤثر الرضا عن الله عز وجل، والاستسلام له في جميع الفعال.

قال له اليهودي: فإن هذا يوسف قاسى مرارة الفرقة، وحبس في السجن توقيا للمعصية، والقي في الجب وحيدا؟

قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله قاسى مرارة الغربة، وفراق الأهل والأولاد والمال، مهاجرا من حرم الله تعالى وأمنه، فلما رأى الله عز وجل كآبته واستشعاره والحزن، أراه تبارك اسمه رؤيا توازي رؤيا يوسف في تأويلها وأبان للعالمين صدق تحقيقها، فقال: { لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ } [الفتح: 27] ولئن كان يوسف عليه السلام حبس في السجن، فلقد حبس رسول الله نفسه في الشعب ثلاث سنين، وقطع منه أقاربه وذووا الرحم والجأوه إلى أضيق المضيق، ولقد كادهم الله عز ذكره له كيدا مستبينا، إذ بعث أضعف خلقه فأكل عهدهم الذي كتبوه بينهم في قطيعة رحمه، ولئن كان يوسف ألقي في الجب، فلقد حبس محمد نفسه مخافة عدوه في الغار حتى قال لصاحبه لا تحزن إن الله معنا، ومدحه إليه بذلك في كتابه.

فقال له اليهودي: فهذا موسى بن عمران آتاه الله عز وجل التوراة التي فيها حكمه؟

قال له علي عليه السلام: فلقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله أعطي ما هو أفضل منه أعطي محمد البقرة وسورة المائدة بالإنجيل، وطواسين وطه ونصف المفصل والحواميم بالتوراة، وأعطي نصف المفصل والتسابيح بالزبور، وأعطي سورة بني إسرائيل وبرائة بصحف إبراهيم وموسى عليهما السلام، وزاد الله عز وجل محمدا السبع الطوال (3) وفاتحة الكتاب وهي السبع المثاني والقرآن العظيم وأعطي الكتاب والحكمة.

قال له اليهودي: فإن موسى ناجاه الله على طور سيناء؟

قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ولقد أوحى الله إلى محمد صلى الله عليه وآله عند سدرة المنتهى، فمقامه في السماء محمود، وعند منتهى العرش مذكور.

قال اليهودي: فلقد ألقى الله على موسى بن عمران محبة منه؟

قال علي عليه السلام: لقد كان كذلك، وقد أعطي محمد صلى الله عليه وآله ما هو أفضل من هذا، لقد ألقى الله محبة منه فمن هذا الذي يشركه في هذا الاسم إذ تم من الله به الشهادة فلا تتم الشهادة إلا أن يقال: " أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله " ينادى به على المنابر فلا يرفع صوت بذكر الله إلا رفع بذكر محمد صلى الله عليه وآله معه.

قال له اليهودي: فلقد أوحى الله إلى أم موسى لفضل منزلة موسى عليه السلام عند الله قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ولقد لطف الله جل ثناؤه لأم محمد صلى الله عليه وآله بأن أوصل إليها اسمه، حتى قالت: أشهد والعالمون: أن محمدا رسول الله منتظر وشهد الملائكة على الأنبياء أنهم أثبتوه في الأسفار، وبلطف من الله ساقه إليها، وأوصل إليها اسمه لفضل منزلته عنده، حتى رأت في المنام أنه قيل لها: إن ما في بطنك سيد، فإذا ولدته فسميه محمدا، فاشتق الله له اسما من أسمائه، فالله المحمود وهذا محمد قال له اليهودي: فإن هذا موسى بن عمران قد أرسله الله إلى فرعون وأراه الآية الكبرى؟

قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد أرسل إلى فراعنة شتى، مثل أبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة، وأبي البختري، والنضر بن الحرث، وأبي بن خلف، ومنبه ونبيه ابني الحجاج، وإلى الخمسة المستهزئين: الوليد بن المغيرة المخزومي، والعاص بن وائل السهمي، والأسود بن عبد يغوث الزهري، والأسود بن المطلب، والحرث بن أبي الطلالة، فأراهم الآيات في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه ألحق.

قال له اليهودي: لقد انتقم الله عز وجل لموسى من فرعون؟

قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ولقد انتقم الله جل اسمه لمحمد صلى الله عليه وآله من الفراعنة، فأما المستهزؤون فقال الله: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [الحجر: 95] فقتل الله خمستهم كل واحد منهم بغير قتلة صاحبه في يوم واحد، فأما الوليد بن المغيرة:

فمر بنبل لرجل من جزاعة قد راشه (4) ووضعه في الطريق فأصابه شظية منه فانقطع أكحله (5) حتى أدماه، فمات وهو يقول: " قتلني رب محمد " وأما العاص ابن الوائل السهمي: فإنه خرج في حاجة له إلى موضع فتدهده تحته حجر، فسقط فتقطع قطعة قطعة، فمات وهو يقول: (قتلي رب محمد) وأما الأسود بن عبد يغوث: فإنه خرج يستقبل ابنه زمعة، فاستظل بشجرة، فأتاه جبرئيل فأخذ رأسه فنطح به الشجرة، فقال لغلامه: امنع هذا عني فقال: ما أرى أحدا يصنع شيئا إلا نفسك، فقتله وهو يقول: " قتلني رب محمد " وأما الأسود بن الحرث: فإن النبي صلى الله عليه وآله دعا عليه أن يعمي الله بصره، وأن يثكله ولده، فلما كان في ذلك اليوم خرج حتى صار إلى موضع أتاه جبرئيل بورقة خضراء فضرب بها وجهه فعمي، فبقي حتى أثكله الله ولده، وأما الحرث بن أبي الطلالة: فإنه خرج من بيته في السموم فتحول حبشيا، فرجع إلى أهله فقال: أنا الحرث، فغضبوا عليه فقتلوه وهو يقول: " قتلني رب محمد ".

وروي أن الأسود بن الحرث أكل حوتا مالحا فأصابه غلبة العطش، فلم يزل يشرب الماء حتى انشق بطنه، فمات وهو يقول: " قتلني رب محمد " (6) كل ذلك في ساعة واحدة، وذلك أنهم كانوا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا له: يا محمد ننتظر بك إلى الظهر فإن رجعت عن قولك وإلا قتلناك، فدخل النبي صلى الله عليه وآله منزله فأغلق عليه بابه مغتما لقولهم، فأتاه جبرئيل عن الله من ساعته فقال: يا محمد السلام يقرأ عليك السلام وهو يقول لك: {اصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر: 94] يعني أظهر أمرك لأهل مكة، وادعهم إلى الإيمان، قال، يا جبرئيل كيف أصنع بالمستهزئين وما أوعدوني؟ قال له  {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [الحجر: 95] قال: يا جبرئيل كانوا الساعة بين يدي قال: كفيتهم، وأظهر أمره عند ذلك، وأما بقية الفراعنة: قتلوا يوم بدر بالسيف، (7) فهزم الله الجميع وولوا الدبر.

قال له اليهودي: فإن هذا موسى بن عمران قد أعطي العصا فكان تحول ثعبانا؟

قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله ما هو أفضل من هذا، إن رجلا كان يطالب أبا جهل بدين ثمن جزور قد اشتراه، فاشتغل عنه وجلس يشرب، فطلبه الرجل فلم يقدر عليه، فقال له بعض المستهزئين: من تطلب؟

فقال: عمرو بن هشام - يعني أبا جهل - لي عليه دين، قال، فأدلك على من يستخرج منه الحقوق؟ قال: نعم. فدله على النبي صلى الله عليه وآله وكان أبو جهل يقول:

ليت لمحمد إلي حاجة فأسخر به وأرده، فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد بلغني أن بينك وبين عمرو بن هشام حسن صداقة، وأنا أستشفع بك إليه، فقام معه رسول الله صلى الله عليه وآله فأتى بابه، فقال له، قم يا أبا جهل فأد إلى الرجل حقه، وإنما كناه بأبي جهل ذلك اليوم، فقام مسرعا حتى أدى إليه حقه، فلما رجع إلى مجلسه قال له بعض أصحابه: فعلت ذلك فرقا من محمد قال: ويحكم أعذروني، إنه لما أقبل رأيت عن يمينه رجالا معهم حراب تتلألأ، وعن يساره ثعبانين تصطك أسنانهما، وتلمع النيران من أبصارهما، لو امتنعت لم آمن أن يبعجوا بالحراب بطني وتقضمني الثعبانان، هذا أكبر مما أعطي موسى، وزاد الله محمدا ثعبانا وثمانية أملاك معهم الحراب، ولقد كان النبي صلى الله عليه وآله يؤذي قريشا بالدعاء، فقام يوما فسفه أحلامهم، وعاب دينهم، وشتم أصنامهم، وضلل آبائهم، فاغتموا من ذلك غما شديدا، فقال أبو جهل: والله للموت خير لنا من الحياة، فليس فيكم معاشر قريش أحد يقتل محمدا فيقتل به، قالوا: لا. قال، فأنا أقتله فإن شائت بنو عبد المطلب قتلوني به، وإلا تركوني، قال: إنك إن فعلت ذلك اصطنعت إلى أهل الوادي معروفا لا تزال تذكر به، قال: إنه كثير السجود حول الكعبة فإذا جاء وسجد أخذت حجرا فشدخته به فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله فطاف بالبيت أسبوعا، ثم صلى وأطال السجود، فأخذ أبو جهل حجرا فأتاه من قبل رأسه، فلما أن قرب منه أقبل فحل قبل رسول الله صلى الله عليه وآله فاغرا فاه نحوه، فلما أن رآه أبو جهل فزع منه وارتعدت يده، وطرح الحجر فشدخ رجله، فرجع مدمى، متغير اللون، يفيض عرقا، فقال له أصحابه: ما رأيناك كاليوم؟! قال: ويحكم أعذروني، فإنه أقبل من عنده فحل فاغرا فاه فكاد يبتلعني، فرميت بالحجر فشدخت رجلي، قال اليهودي: فإن موسى قد أعطي اليد البيضاء، فهل فعل بمحمد شيئا من ذلك؟

قال له علي عليه السلام، لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه أعطي ما هو أفضل من هذا، إن نورا كان يضئ عن يمينه حيثما جلس، وعن يساره حيثما جلس، وكان يراه الناس كلهم.

قال له اليهودي: فإن موسى عليه السلام قد ضرب له طريق في البحر، فهل فعل بمحمد شئ من هذا؟

فقال له علي عليه السلام، لقد كان كذلك، ومحمد أعطي ما هو أفضل هذا، خرجنا معه إلى حنين فإذا نحن بواد يشخب، فقدرناه فإذا هو أربعة عشر قامة، فقالوا: يا رسول الله العدو من ورائنا والوادي أمامنا، كما قال أصحاب موسى:

" إنا لمدركون " فنزل رسول الله ثم قال: " اللهم إنك جعلت لكل مرسل دلالة، فأرني قدرتك " وركب صلوات الله عليه، فعبرت الخيل لا تندى حوافرها، والإبل لا تندى أخفافها، فرجعنا فكان فتحنا.

قال له اليهودي: فإن موسى عليه السلام قد أعطي الحجر فانبجست منه اثنتي عشرة عينا قال علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله لما نزل الحديبية وحاصره أهل مكة، قد أعطي ما هو أفضل من ذلك، وذلك: إن أصحابه شكوا إليه الظمأ وأصابهم ذلك حتى التقت خواصر الخيل، فذكروا له صلى الله عليه وآله، فدعا بركوة يمانية ثم نصب يده المباركة فيها، فتفجرت من بين أصابعه عيون الماء، فصدرنا وصدرت الخيل رواء، وملأنا كل مزادة وسقاء، ولقد كنا معه بالحديبية فإذا ثم قليب جافة، فأخرج صلى الله عليه وآله سهما من كنانته فناوله البراء بن عازب وقال له! اذهب بهذا السهم إلى تلك القليب الجافة فاغرسه فيها، ففعل ذلك فتفجرت اثنتا عشرة عينا من تحت السهم، ولقد كان يوم الميضاة عبرة وعلامة للمنكرين لنبوته، كحجر موسى حيث دعا بالميضاة فنصب يده فيها ففاضت الماء وارتفع، حتى توضأ منه ثمانية آلاف رجل فشربوا حاجتهم، وسقوا دوابهم، وحملوا ما أرادوا.

قال اليهودي: فإن موسى عليه السلام أعطي المن والسلوى فهل أعطي لمحمد نظير هذا قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله أعطي ما هو أفضل من هذا، أن الله عز وجل أحل له الغنائم ولأمته، ولم تحل الغنائم لأحد غيره قبله، فهذا أفضل من المن والسلوى، ثم زاده أن جعل النية له ولأمته بلا عمل عملا صالحا ولم يجعل لأحد من الأمم ذلك قبله، فإذا هم أحدهم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشر.

قال له اليهودي: إن موسى عليه السلام قد ضلل عليه الغمام؟

قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، وقد فعل ذلك بموسى في التيه، وأعطي محمد صلى الله عليه وآله أفضل من هذا، إن الغمامة كانت تظله من يوم ولد إلى يوم قبض في حضره وأسفاره، فهذا أفضل مما أعطي موسى.

قال له اليهودي: فهذا داود عليه السلام قد لين الله له الحديد، فعمل منه الدروع؟

قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله قد أعطي ما هو أفضل

 من هذا، إنه لين الله له الصم الصخور الصلاب وجعلها غارا، (8) ولقد غارت الصخرة تحت يده ببيت المقدس لينة حتى صارت كهيئة العجين، (9) وقد رأينا ذلك والتمسناه تحت رايته.

قال له اليهودي: هذا داود بكى على خطيئته حتى سارت الجبل معه لخوفه قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله أعطي ما هو أفضل من هذا، إنه كان إذا قام إلى الصلاة سمع لصدره وجوفه أريز كأريز المرجل على الأثافي من شدة البكاء، (10) وقد آمنه الله عز وجل من عقابه، فأراد أن يتخشع لربه ببكائه فيكون إماما لمن اقتدى به، ولقد قام صلى الله عليه وآله عشر سنين على أطراف أصابعه حتى تورمت قدماه واصفر وجهه، يقوم الليل أجمع، حتى عوتب في ذلك فقال الله عز وجل: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه: 1، 2] بل لتسعد به، ولقد كان يبكي حتى يغشى عليه، فقيل له: يا رسول الله أليس الله غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: بلى أفلا أكون عبدا شكورا؟ ولئن سارت الجبال وسبحت معه لقد عمل بمحمد صلى الله عليه وآله ما هو أفضل من هذا: إذ كنا معه على جبل حراء إذ تحرك الجبل فقال له: " قر فإنه ليس عليك إلا نبي أو صديق شهيد " فقر الجبل مطيعا لأمره ومنتهيا إلى طاعته، ولقد مررنا معه بجبل وإذا الدموع تخرج من بعضه، فقال له النبي صلى الله عليه وآله: " ما يبكيك يا جبل؟ فقال: يا رسول الله كان المسيح مر بي وهو يخوف الناس من نار وقودها الناس والحجارة، وأنا أخاف أن أكون من تلك الحجارة، قال له: " لا تخف تلك الحجارة الكبريت " فقر الجبل وسكن وهدأ وأجاب لقوله صلى الله عليه وآله.

قال له اليهودي: فإن هذا سليمان أعطي ملكا لا ينبغي لأحد من بعده؟

فقال علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله أعطي ما هو أفضل من هذا إنه هبط إليه ملك لم يهبط إلى الأرض قبله، وهو: ميكائيل فقال له: يا محمد عش ملكا منعما وهذه مفاتيح خزائن الأرض معك، ويسير معك جبالها ذهبا وفضة، ولا ينقص لك مما ادخر لك في الآخرة شئ، فأومى إلى جبرئيل - وكان خليله من الملائكة - فأشار عليه، أن تواضع فقال له: بل أعيش نبيا عبدا آكل يوما ولا آكل يومين، والحق بإخواني من الأنبياء فزاده الله تبارك وتعالى الكوثر، وأعطاه الشفاعة، وذلك أعظم من ملك الدنيا من أولها إلى آخرها سبعين مرة، ووعده المقام المحمود، فإذا كان يوم القيامة أقعده الله عز وجل على العرش، فهذا أفضل مما أعطي سليمان.

قال له اليهودي: فإن هذا سليمان قد سخرت له الرياح، فسارت به في بلاده غدوها شهر ورواحها شهر؟

قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله أعطي ما هو أفضل من هذا: إنه أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى مسيرة شهر، وعرج به في ملكوت السماوات مسيرة خمسين ألف عام، في أقل من ثلث ليلة، حتى انتهى إلى ساق العرش، فدنى بالعلم فتدلى من الجنة رفرف أخضر، وغشى النور بصره فرأى عظمة ربه عز وجل بفؤاده، ولم يرها بعينه، فكان كقاب قوسين بينه وبينها أو أدنى، فأوحى الله إلى عبده ما أوحى، وكان فيما أوحى إليه: الآية التي في سورة البقرة قوله: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [البقرة: 284] وكانت الآية قد عرضت على الأنبياء من لدن آدم عليه السلام إلى أن بعث الله تبارك وتعالى محمدا، وعرضت على الأمم فأبوا أن يقبلوها من ثقلها، وقبلها رسول الله وعرضها على أمته فقبلوها، فلما رأى الله تبارك وتعالى منهم القبول علم أنهم لا يطيقونها، فلما أن سار إلى ساق العرش كرر عليه الكلام ليفهمه، فقال: { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ - فأجاب صلى الله عليه وآله مجيبا عنه وعن أمته - وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ } [البقرة: 285] فقال جل ذكره لهم الجنة والمغفرة على أن فعلوا ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وآله: أما إذا فعلت ذلك بنا، فغفرانك ربنا وإليك المصير، يعني المرجع في الآخرة، قال: فأجابه الله عز وجل قد فعلت ذلك بك وبأمتك، ثم قال عز وجل: أما إذا قبلت الآية بتشديدها وعظم ما فيها وقد عرضتها على الأمم فأبوا أن يقبلوها وقبلتها أمتك حق علي أن أرفعها عن أمتك وقال: { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ - من خير - وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } [البقرة: 286] من شر فقال النبي صلى الله عليه وآله - لما سمع ذلك -: أما إذا فعلت ذلك بي وبأمتي فزدني قال: سل، قال: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] قال الله عز وجل لست أؤاخذ أمتك بالنسيان والخطأ لكرامتك علي، وكانت الأمم السالفة إذا نسوا ما ذكروا به فتحت عليهم أبواب العذاب، وقد دفعت ذلك عن أمتك وكانت الأمم السالفة إذا أخطأوا أخذوا بالخطأ وعوقبوا عليه، وقد رفعت ذلك عن أمتك لكرامتك علي، فقال صلى الله عليه وآله: " اللهم إذا أعطيتني ذلك فزدني " قال الله تبارك وتعالى له:

سل، قال: {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا } [البقرة: 286] يعني بالأصر: الشدائد التي كانت على من كان من قبلنا، فأجابه الله عز وجل إلى ذلك، وقال تبارك اسمه: قد رفعت عن أمتك الآصار التي كانت على الأمم السالفة كنت لا أقبل صلاتهم إلا في بقاع معلومة من الأرض اخترتها لهم وإن بعدت، وقد جعلت الأرض كلها لأمتك مسجدا وطهورا، فهذه من الآصار التي كانت على الأمم قبلك فرفعتها عن أمتك، وكانت الأمم السالفة إذا أصابهم أذى من نجاسة قرضوه من أجسادهم، وقد جعلت الماء لأمتك طهورا، فهذا من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك، وكانت الأمم السالفة تحمل قرابينها على أعناقها إلى بيت المقدس، فمن قبلت ذلك منه أرسلت عليه نارا فأكلته فرجع مسرورا، ومن لم أقبل منه ذلك رجع مثبورا وقد جعلت قربان أمتك في بطون فقرائها ومساكينها فمن قبلت ذلك منه أضعفت ذلك له أضعافا مضاعفة، ومن لم أقبل ذلك منه رفعت عنه عقوبات الدنيا، وقد رفعت ذلك عن أمتك وهي من الآصار التي كانت على الأمم من كان من قبلك، وكانت الأمم السالفة صلواتها مفروضة عليها في ظلم الليل وأنصاف النهار، وهي من الشدائد التي كانت عليهم، فرفعتها عن أمتك وفرضت صلاتهم في أطراف الليل والنهار، وفي أوقات نشاطهم، وكانت الأمم السالفة قد فرضت عليهم خمسين صلاة في خمسين وقتا وهي من الآصار التي كانت عليهم، فرفعتها عن أمتك وجعلتها خمسا في خمسة أوقات، وهي إحدى وخمسون ركعة، وجعلت لهم أجر خمسين صلاة، وكانت الأمم السالفة حسنتهم بحسنة وسيئتهم بسيئة وهي من الآصار التي كانت عليهم، فرفعتها عن أمتك وجعلت الحسنة بعشرة والسيئة بواحدة وكانت الأمم السالفة إذا نوى أحدهم حسنة فلم يعملها لم تكتب له، وإن عملها كتبت له حسنة، وأن أمتك إذا هم أحدهم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، وإن عملها كتبت له عشرة، وهي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك، وكانت الأمم السالفة إذا هم أحدهم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه، وإن عملها كتبت عليه سيئة، وأن أمتك إذا هم أحدهم بسيئة ثم لم يعملها كتبت له حسنة، وهذه من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك، وكانت الأمم السالفة إذا أذنبوا كتبت ذنوبهم على أبوابهم، وجعلت توبتهم من الذنوب: إن حرمت عليهم بعد التوبة أحب الطعام إليهم، وقد رفعت ذلك عن أمتك وجعلت ذنوبهم فيما بيني وبينهم وجعلت عليهم ستورا كثيفة، وقبلت توبتهم بلا عقوبة، ولا أعاقبهم بأن أحرم عليهم أحب الطعام إليهم، وكانت الأمم السالفة يتوب أحدهم إلى الله من الذنب الواحد مائة سنة، أو ثمانين سنة، أو خمسين سنة، ثم لا أقبل توبته دون أن أعاقبه في الدنيا بعقوبة، وهي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك، وإن الرجل من أمتك ليذنب عشرين سنة، أو ثلاثين سنة، أو أربعين سنة، أو مائة سنة ثم يتوب ويندم طرفة عين فاغفر ذلك كله، فقال النبي صلى الله عليه وآله: إذا أعطيتني ذلك كله فزدني قال: سل، قال: {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286] قال تبارك اسمه: قد فعلت ذلك بأمتك، وقد رفعت عنهم عظم بلايا الأمم، وذلك حكمي في جميع الأمم: أن لا أكلف خلقا فوق طاقتهم، فقال النبي صلى الله عليه وآله: {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا} [البقرة: 286] قال الله عز وجل: قد فعلت ذلك بتائبي أمتك ثم قال صلى الله عليه وآله: {فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 286] قال الله جل اسمه: إن أمتك في الأرض كالشامة البيضاء في الثور الأسود، هم القادرون، وهم القاهرون، يستخدمون ولا يستخدمون، لكرامتك علي، وحق علي أن أظهر دينك على الأديان، حتى لا يبقى في شرق الأرض وغربها دين إلا دينك، ويؤدون إلى أهل دينك الجزية.

قال اليهودي: فإن هذا سليمان سخرت له الشياطين، يعملون له ما يشاء:

من محاريب، وتماثيل؟

قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ولقد أعطي محمد صلى الله عليه وآله أفضل من هذا إن الشياطين سخرت لسليمان وهي مقيمة على كفرها، ولقد سخرت لنبوة محمد صلى الله عليه وآله الشياطين بالإيمان، فأقبل إليه من الجنة التسعة من أشرافهم، واحد من جن نصيبين، والثمان من بني عمرو بن عامر من الأحجة منهم شضاه، ومضاه والهملكان، والمرزبان، والمازمان، ونضاه، وهاضب، وهضب، وعمرو، وهم الذين يقول الله تبارك اسمه فيهم: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} [الأحقاف: 29] وهم التسعة، فأقبل إليه الجن والنبي صلى الله عليه وآله ببطن النخل فاعتذروا بأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا، ولقد أقبل إليه أحد وسبعون ألفا منهم فبايعوه على: الصوم، والصلاة، والزكاة، والحج، والجهاد، ونصح المسلمين، واعتذروا بأنهم قالوا على الله شططا، وهذا أفضل مما أعطي سليمان، فسبحان من سخرها لنبوة محمد صلى الله عليه وآله بعد أن كانت تتمرد، وتزعم أن لله ولد، ولقد شمل مبعثه من الجن والإنس ما لا يحصى.

قال له اليهودي: هذا يحيى بن زكريا عليه السلام يقال: إنه أوتي الحكم صبيا، والحلم، والفهم، وإنه كان يبكي من غير ذنب، وكان يواصل الصوم؟

قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله أعطي ما هو أفضل من هذا: إن يحيى بن زكريا كان في عصر لا أوثان فيه ولا جاهلية، ومحمد صلى الله عليه وآله أوتي الحكم والفهم صبيا بين عبدة الأوثان، وحزب الشيطان، فلم يرغب لهم في صنم قط، ولم ينشط لأعيادهم، ولم ير منه كذب قط، وكان أمينا، صدوقا، حليما، وكان يواصل الصوم الأسبوع والأقل والأكثر فيقال له في ذلك فيقول:

إني لست كأحدهم، إني أظل عند ربي، فيطعمني، ويسقيني، وكان يبكي صلى الله عليه وآله حتى تبتل مصلاه خشية من الله عز وجل من غير جرم.

قال له اليهودي فإن هذا عيسى بن مريم يزعمون أنه: تكلم في المهد صبيا؟

قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله سقط من بطن أمه واضعا يده اليسرى على الأرض، ورافعا يده اليمنى إلى السماء، يحرك شفتيه بالتوحيد وبدا من فيه نور رأى أهل مكة منه: قصور بصرى من الشام وما يليها، والقصور الحمر من أرض اليمن وما يليها، والقصور البيض من اسطخر وما يليها، ولقد أضائت الدنيا ليلة ولد النبي صلى الله عليه وآله حتى فزعت الجن والإنس والشياطين، وقالوا حدث في الأرض حدث، ولقد رأي الملائكة ليلة ولد تصعد، وتنزل، وتسبح، وتقدس، وتضطرب النجوم وتتساقط، علامة لميلاده، ولقد هم إبليس بالظعن في السماء لما رأى من الأعاجيب في تلك الليلة، وكان له مقعد في السماء الثالثة، والشياطين يسترقون السمع، فلما رأوا العجائب أرادوا أن يسترقوا السمع، فإذا هم قد حجبوا من السماوات كلها، ورموا بالشهب، دلالة لنبوته صلى الله عليه وآله.

قال له اليهودي: فإن عيسى عليه السلام يزعمون أنه قد أبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله؟

فقال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله أعطي ما هو أفضل من ذلك: أبرأ ذا العاهة من عاهته، بينما هو جالس صلى الله عليه وآله إذ سأل عن رجل من أصحابه فقالوا: يا رسول الله إنه قد صار من البلاء كهيئة الفرخ الذي لا ريش عليه، فأتاه صلى الله عليه وآله فإذا هو كهيئة الفرخ من شدة البلاء، فقال له: قد كنت تدعو في صحتك دعاء؟ قال: نعم كنت أقول: " يا رب أيما عقوبة أنت معاقبي بها في الآخرة فعجلها لي في الدنيا " فقال له النبي صلى الله عليه وآله: ألا قلت: " اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " فقالها الرجل فكأنما نشط من عقال، وقام صحيحا وخرج معنا، ولقد أتاه رجل من جهينة أجذم يتقطع من الجذام فشكا إليه صلى الله عليه وآله، فأخذ قدحا من ماء فتفل عليه، ثم قال: امسح به جسدك ففعل فبرأ حتى لم يوجد عليه شئ، ولقد أتي النبي بأعرابي أبرص فتفل صلى الله عليه وآله من فيه عليه فما قام من عنده إلا صحيحا، ولئن زعمت أن عيسى أبرأ ذا العاهات من عاهاتهم، فإن محمدا صلى الله عليه وآله بينما هو في أصحابه إذ هو بامرأة فقالت: يا رسول الله إن ابني قد أشرف على حياض الموت كلما أتيته بطعام وقع عليه التثاؤب، فقام النبي صلى الله عليه وآله وقمنا معه فلما أتيناه قال له: جانب يا عدو الله ولي الله، فأنا رسول الله، فجانبه الشيطان فقام صحيحا وهو معنا في عسكرنا، ولئن زعمت أن عيسى أبرأ العميان، فإن محمدا قد فعل ما هو أكبر من ذلك: إن قتادة بن ربيع كان رجلا صحيحا، فلما أن كان يوم أحد أصابته طعنة في عينه فبدرت حدقته، فأخذها بيده ثم أتى بها إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله إن امرأتي الآن تبغضني، فأخذها رسول الله من يده ثم وضعها مكانها فلم تكن تعرف إلا بفضل حسنها وفضل ضوئها على العين الأخرى، ولقد جرح عبد الله بن عبيد وبانت يده يوم حنين، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله فمسح عليه يده فلم تكن تعرف من اليد الأخرى، ولقد أصاب محمد ابن مسلم يوم كعب بن أشرف مثل ذلك في عينه ويده، فمسحه رسول الله صلى الله عليه وآله فلم تستبينا، ولقد أصاب عبد الله بن أنيس مثل ذلك في عينه، فمسحها فما عرفت من الأخرى، فهذه كلها دلالة لنبوته صلى الله عليه وآله.

قال له اليهودي: فإن عيسى يزعمون: أنه أحيى الموتى بإذن الله؟

قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد سبحت في يده تسع حصيات تسمع نغماتها في جمودها، ولا روح فيها لتمام حجة نبوته، ولقد كلمه الموتى من بعد موتهم، واستغاثوه مما خافوا تبعته، ولقد صلى بأصحابه ذات يوم فقال: ما هاهنا من بني النجار أحد وصاحبهم محتبس على باب الجنة بثلاثة دراهم لفلان اليهودي، وكان شهيدا، ولئن زعمت أن عيسى كلم الموتى فلقد كان لمحمد ما هو أعجب من هذا: إن النبي لما نزل بالطايف وحاصر أهلها، بعثوا إليه بشاة مسلوخة مطلية بسم، فنطق الذراع منها فقالت: يا رسول الله لا تأكلني فإني مسمومة فلو كلمته البهيمة وهي حية لكانت من أعظم حجج الله على المنكرين لنبوته، فكيف وقد كلمته من بعد ذبح وسلخ وشي ! ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يدعو بالشجرة فتجيبه، وتكلمه البهيمة، وتكلمه السباع، وتشهد له بالنبوة، وتحذرهم عصيانه، فهذا أكثر مما أعطي عيسى عليه السلام.

قال له اليهودي: إن عيسى يزعمون أنه أنبأ قومه بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم؟

قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد كان له أكثر من هذا: إن عيسى أنبأ قومه بما كان من وراء الحايط ومحمد أنبأ عن مؤتة (11) وهو عنها غائب ووصف حربهم ومن استشهد منهم وبينة وبينهم مسيرة شهر، وكان يأتيه الرجل يريد أن يسأله عن شئ فيقول صلى الله عليه وآله: تقول أو أقول: فيقول: بل قل يا رسول الله فيقول:

جئتني في كذا وكذا حتى يفرغ من حاجته، ولقد كان صلى الله عليه وآله يخبر أهل مكة بأسرارهم بمكة حتى لا يترك من أسرارهم شيئا، منها: ما كان بين صفوان بن أمية وبين عمير بن وهب، إذ أتاه عمير فقال: جئت في فكاك ابني فقال له: كذبت بل قلت لصفوان بن أمية وقد اجتمعتم في الحطيم وذكرتم قتلى بدر وقلتم: والله للموت أهون علينا من البقاء مع ما صنع محمد بنا، وهل حياة بعد أهل القليب، فقلت أنت: لولا عيالي، ودين علي لأرحتك من محمد، فقال صفوان: علي أن أقضي دينك، وأن أجعل بناتك مع بناتي يصيبهن ما يصيبهن من خير أو شر، فقلت أنت:

فاكتمها علي وجهزني حتى أذهب فأقتله، فجئت لقتلي، فقال: صدقت يا رسول الله فأنا أشهد: أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وأشباه هذا مما لا يحصى.

قال له اليهودي: فإن عيسى يزعمون: أنه خلق من الطين كهيئة الطير فنفخ فيه فكان طيرا بإذن الله؟

فقال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله قد فعل ما هو شبيه لهذا إذ أخذ يوم حنين حجرا فسمعنا للحجر تسبيحا وتقديسا، ثم قال للحجر: انفلق فانفلق ثلاث فلق، يسمع لكل فلقة منها تسبيحا لا يسمع للأخرى، ولقد بعث إلى شجرة يوم البطحاء فأجابته، ولكل غصن منها تسبيح وتهليل وتقديس، ثم قال لها: انشقي، فانشقت نصفين، ثم قال لها: التزقي، فالتزقت، ثم قال لها: اشهدي لي بالنبوة فشهدت، ثم قال لها ارجعي إلى مكانك بالتسبيح والتهليل والتقديس ففعلت، وكان موضعها حيث الجزارين بمكة.

قال له اليهودي: فإن عيسى يزعمون أنه كان سياحا؟

قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد كانت سياحته في الجهاد، واستنفر في عشر سنين ما لا يحصى من حاضر وباد، وأفنى فئاما من العرب من منعوت بالسيف لا يدارى بالكلام ولا ينام إلا عن دم، ولا يسافر إلا وهو متجهز لقتال عدوه.

قال له اليهودي: فإن عيسى يزعمون: أنه كان زاهدا؟

قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، محمد صلى الله عليه وآله أزهد الأنبياء عليهم السلام: كان له ثلاثة عشر زوجة سوى من يطيف به من الإماء، ما رفعت له مائدة قط وعليها طعام، ولا أكل خبز برقط، ولا شبع من خبز شعير ثلاث ليال متواليات قط، توفي رسول الله صلى الله عليه وآله ودرعه مرهونة عند يهودي بأربعة دراهم، ما ترك صفراء ولا بيضاء مع ما وطئ له من البلاد، ومكن له من غنائم العباد، ولقد كان يقسم في اليوم الواحد الثلثمائة ألف وأربعمائة ألف ويأتيه السائل بالعشي فيقول:

والذي بعث محمدا بالحق ما أمسى في آل محمد صاع من شعير، ولا صاع من بر، ولا درهم، ولا دينار.

قال له اليهودي: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأشهد أنه ما أعطى الله نبيا درجة ولا مرسلا فضيلة إلا وقد جمعها لمحمد صلى الله عليه وآله، وزاد محمدا على الأنبياء أضعاف درجات.

فقال ابن عباس لعلي بن أبي طالب عليه السلام: أشهد يا أبا الحسن إنك من الراسخين في العلم.

فقال ويحك وما لي لا أقول ما قلت في نفس من استعظمه الله عز وجل في عظمته فقال: " وإنك لعلى خلق عظيم " .

_______________

(1) كاع القوم عنه: هابوه وجبنوا.

(2) الشيح نبات أنواعه كثيرة، كله طيب الرائحة. والمراتع جمع مرتع وهو موضع الرتع أي: الخصب والبقع جمع بقعة: القطعة من الأرض.

(3) السبع الطوال من البقرة إلى الأعراف والسابعة سورة يونس، أو " الأنفال وبراءة " لأنهما سورة واحدة عند بعض.

(4) راش السهم: الزق عليه الريش.

(5) الأكحل: عرق في اليد يفصد.

(6) الظاهر أن هذا الكلام للمؤلف رحمه الله أدخله في الخبر.

(7) روي عن ابن مسعود قال: كنا مع النبي " صلى الله عليه واله " فصلى في ظل الكعبة، وناس من قريش وأبو جهل نحروا جزورا في ناحية مكة، فبعثوا وجاءوا بسلاه فطرحوه بين كتفيه، فجاءت فاطمة عليها السلام فطرحته عنه، فلما انصرف قال: " اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بأبي جهل، وبعتبة، وشيبة، ووليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وبعقبة بن أبي معيط " قال عبد الله ولقد رأيتهم قتلى في قليب بدر .

(8) يظهر من هذا الكلام أن الغار أحدث لرسول الله صلى الله عليه وآله ولم يكن من قبل.

(9) وذلك ليلة المعراج.         

(10) الأريز: هو أن يجيش جوفه ويغلي بالبكاء. والمرجل - كمنبر -: القدر. والأثافي: الأحجار التي يوضع عليها القدر.

(11) مؤتة - بضم الميم وسكون الهمزة وفتح التاء - اسم موضع قتل فيه جعفر ابن أبي طالب (عليه السلام) والنبي " صلى الله عليه واله " في المدينة فأخبر أصحابه بقتله وهو من على المنبر وقد مر ذكره في هامش ص 172.




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.