مناظرة السيد محمد جواد المهري مع بعضهم في نفي الصفات المنافية لجلال الله، والصفات المنافية لشخصية النبي (صلى الله عليه وآله) |
623
11:11 صباحاً
التاريخ: 14-8-2019
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-8-2019
679
التاريخ: 7-8-2019
480
التاريخ: 8-8-2019
558
التاريخ: 10-8-2019
476
|
دخلت غرفة المعلمين في ساعة محددة، ووجدت أن الوضع قد اختلف هذه المرة، فقد كان ثلاثة من مدرسي الدين واللغة العربية جالسين إلى جانب مدرسنا، وقد أضفت الوجوه العابسة والملامح الغاضبة صمتا مطلقا، زاد من الرهبة التي تسود جو الغرفة.
دخلت الغرفة متوكلا على الله وواثقا بنصرة أهل البيت (عليهم السلام).
قدم لي الأستاذ سائر المدرسين وابتسم قائلا: لقد أطلعتهم على قضية نقاشنا، ورأوا من المصلحة المشاركة في هذا اللقاء.
واصلت حديث الأسبوع الماضي بتقديم مسرد يتضمن أسماء التفاسير والمفسرين الذين ذكروا أن الآية المذكورة نزلت بشأن علي (عليه السلام).
فجأة صاح أحد المدرسين بحدة وقد بدأ الغضب ظاهرا عليه: لكن العلامة الكبير ابن تيمية لا يقر بمثل هذا التفسير للآية على الإطلاق، وهو يخطئ الشيعة! قلت: إن لم تكن له نوايا سيئة، ولا يضمر العداء لأهل البيت (عليهم السلام)، فهو مخطئ في هذا المجال قطعا، فهل من الممكن أن يكون جميع العلماء الكبار والمحققون المتعمقون وأكابر مفسري القرآن الكريم الذين يجمعون كلهم على قضية واحدة مخطئين، وابن تيمية وحده على صواب؟
ثم إننا نرد على كل اعتراض من خلال الاستدلال بالقرآن والسنة، وأنتم أيضا اعرضوا مؤاخذاتكم فإن عجزت عن الإجابة عليها يحق لكم حينئذ إدخال ابن تيمية في الحديث، فما معنى أن تحشره في الحديث بدون أي مقدمات؟ دهش من شدة جرأتي، والتفت إلى أستاذنا وهو مضطرب وقال: أنا أتعجب منك كيف تصغي لكلام طفل؟! وتجعل اعتقادك ألعوبة بيد الشيعة؟ أحب أن أنبهك إلى أن هؤلاء لديهم مصحف خاص اسمه مصحف فاطمة (عليها السلام) (1)، وهم لا يعترفون بالخلفاء، وحتى أن لهم رأي آخر في الرسول (صلى الله عليه وآله) نفسه، فهم يعتقدون أن جبرائيل أخطأ - والعياذ بالله - حين نزل على الرسول (صلى الله عليه وآله) وإنما كان يجب أن ينزل على علي (2)، وهم يرفعون عليا إلى مرتبة الألوهية، وهم... وأخذ ينسب التهم والأكاذيب والافتراءات إلى الشيعة.
أيد الشخصان الآخران كلامه، وأخذا يرددان أقواله بأسلوب أهدأ.
لم يداخلني أي ذعر من هذا الموقف، لأنهم لم يكونوا قادرين على إبداء أي رد فعل سوى الكلام، وشعرت من جانب آخر بالبهجة لأنهم لم يدخلوا في النقاش بالمنطق والاستدلال، وإنما انتهجوا أسلوب العربدة والصياح للتغلب علي، ولهذا أصغيت لثرثرته وكلامه الفارغ، وبقيت أتربص الفرصة لأهجم.
كان أستاذنا في غاية الاستياء والقلق كما يبدو على ظاهره، والتفت إليهم قائلا: لم تخبروني أنكم تبغون العراك وإلا لما دعوتكم، فما الداعي للصياح؟ أنظروا ولاحظوا كيف أن هذا الطفل، وهو في نظري أستاذ، كيف يرد عليكم؟ فلماذا تريدون إسكاته بالإهانة والاستخفاف؟ هذا الأسلوب غير صائب للبحث والنقاش، كان من المقرر أن تدخلوا هذا اللقاء بمودة وأن تناقشوا برزانة وبرهان، ولكن مع الأسف هاجمتموه بشراسة، وتريدون الاستيلاء على زمام الموقف بدون استثمار الوقت.
قلت: يا أستاذ دعهم يتحدثون فإني أراهم محقين في بعض أقوالهم. أخذتهم الدهشة بغته وظلوا يترقبون مني مواصلة الحديث. استأنفت حديثي قائلا: الحق معه، فإن إلهنا غير إلهكم!! ونبينا غير نبيكم!! وقرآننا غير قرآنكم!! وإمامنا وخليفتنا غير خليفتكم!! التفت المعلم - الذي لم أكن أعرف اسمه وقد بان على وجهه الغضب - إلى أستاذنا وقال: ألم أقل لكم أن لهؤلاء دينا آخر، وحتى عقيدتهم بالله تختلف عن عقيدتنا!! ها هو قد اعترف بلسانه.
هؤلاء - وبطبيعة الحال - لا يزيلون اللثام عن واقع معتقداتهم بهذه السهولة بل يتمسكون بالتقية، ولكن يبدو أنه قد وضع التقية جانبا.
قلت: نلتزم التقية في المواطن التي تتعرض فيها النفس للخطر، وهي أمر مرغوب فيه من وجهة نظر القرآن والعقل والنقل، وليس الآن مجال الخوض فيها، ولكنني سأبرهن لكم في محله أن التقية حكم إسلامي صحيح تماما ويتطابق مع موازين القرآن والسنة والعقل، ولكننا الآن بصدد موضوع آخر.
قال لي الأستاذ: واصل حديثك الأصلي، ماذا تقول في الله والقرآن والرسول؟ عقيدتنا في الله قلت: ربنا الله الذي {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] ، وليس له شبيه، ولا هو بجسم، ولا تدركه الأبصار {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام: 103] ونعتقد أنه لا يراه أحد لا في الدنيا ولا في الآخرة، لأنه لا هيئة له ولا شكل. قال موسى (عليه السلام): رب أرني أنظر إليك، {قَالَ لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: 143] ، و لن هنا تفيد التأبيد، ثم أوحى إليه: {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الأعراف: 143].
فدك الجبل لما تجلى ربه، وخر موسى على الأرض صعقا، إننا نعتقد أنه لا يتسنى لأحد الوقوف على حقيقة الله حتى وأن جمع علوم الأولين والآخرين، وأن الله تعالى لا يحده شيء فهو الأول والآخر، والظاهر والباطن، وأن كل من يبغي إدراكه - تعالى - بوهمه وخياله، فهو لا يدرك سواهما شيء.
عقيدة أبناء السنة في الله : أما أنتم أيها الإخوة الأعزاء من أبناء السنة، فعقيدتكم في هذا المجال تغاير نص القرآن تماما، لأنه تعالى ينفي إمكان رؤيته بالمرة، ولكنكم تعتقدون أنه يكشف عن ساقه للمؤمنين يوم القيامة، وأن فيها علامة خاصة (3). أنتم تصورتم أن الله جسم (4)، وأي جسم! يضحك ويمشي (5)، وله يدان ورجلان (6)!! وينزل كل ليلة من السماء إلى الدنيا (7)!! وفي يوم القيامة حين تطلب جهنم من الله ملأها، لأن فيها متسعا من المكان، يضع رجله فيها فتمتلئ وتقول: قط قط قط (8).
بالله عليكم ما هذه الجرأة على الله، وما بذاك تريدون؟ فهل تجوز مثل هذه السخرية بالله جلت عظمته؟! ما بالكم لو سمعت الأمم الأخرى بمثل هذا الكلام، ألا يمقتون الله ورسوله والإسلام؟! ما الذي يدفعكم إلى وصف الله بأنه جسم متحرك له عواطف ذاتية وصفات مادية؟! فإن كان هذا تصوركم عن الله، سوف لا يكون رأيكم بالرسول (صلى الله عليه وآله) والقرآن أحسن حالا مما وصفتم به الله تعالى.
وخلاصة القول: هو إني واصلت الحديث وبكل جرأة وإقدام، حتى أني تعجبت لذلك فيما بعد، وأيقنت أن ذلك كان مني بإلهام وتسديد من الله تعالى.
وفجأة قطع أحد الحاضرين من هؤلاء - وكان كلامي قد بهته - قائلا لي: هل أنت تمزح عندما تنسب ذلك إلينا؟ قلت: عذرا، إن كل ما ذكرته مسطور في صحيح البخاري، وهو الكتاب الذي ترون له المنزلة بعد القرآن، ولا يأتيه الخطأ والباطل وتحسبونه سند السنة، وتأخذون عنه الأحكام، وتعتقدون أن كل ما بين دفتيه صحيح مائة بالمائة بلا زيادة أو نقصان! وأنا الآن لا أستحضر أرقام تلك الصفحات، ولكني سأتيكم غدا بتفاصيل ذلك مع أرقام صفحاتها. قال آخر: كيف لنا أن نعلم بأن كلامك ينطبق على ما في صحيح البخاري؟ فربما إنك لم تستوعب ما فيه بنحو صحيح، أو لعلك تسخر منا! قال الأستاذ: كونوا على ثقة بأن كلامه صحيح من غير شك، وأن ما قاله موجود قطعا في صحيح البخاري، لقد كان كلامه حتى الآن قائما على الاستدلال والمنطق، وهو اليوم لا يقول هذا اعتباطا.
قلت: يا أستاذ، أرجو السماح لي بمواصلة كلامي لأجل استثمار الوقت على أفضل ما يكون. قال: تفضل تكلم. قلت: لقد تحدثت عن الله تعالى بإشارة إجمالية، وإلا فكل واحدة من هذه النقاط وردت في رواية مفصلة وطويلة في صحيح البخاري، مما لا يحضرني الآن رواية جميعها، لكن أشير إلى رواية واحدة منها فقط على سبيل المثال، وليعلم الإخوة إنني لم آت بهذا الكلام من عندي، بل ورد كل ما أقوله في صحيح البخاري والصحاح الأخرى عند أبناء السنة. نقل أبو سعيد الخدري رواية طويلة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول فيها: ... سمعنا مناديا ينادي ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون وإنما ننتظر ربنا، قال: فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة فيقول أنا ربكم، فيقولون أنت ربنا، فلا يكلمه إلا الأنبياء، فيقول: هل بينكم وبينه آية تعرفونه! فيقولون: الساق، فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن (9) أليس هذا هو الله الذي يصف ذاته في القرآن الكريم بالقول: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} [الشورى: 51]. كلا، قسما بالله، هذا إله غيره صاغته أوهام وتصورات الرواة الكاذبين، ولا يمت إلى الحقيقة بصلة، وفي صحيح البخاري رواية منكرة منقولة عن أبي هريرة، تثير الدهشة والسخرية حقا، ولا أدري كيف تعولون على صحيح البخاري مع وجود هذه الروايات فيه؟ ينقل بشأن النبي موسى (عليه السلام) رواية عجيبة فيها إهانة له بل وفيها أكبر استهانة بالله عز شأنه. يقول أبو هريرة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى بعض، وكان موسى يغتسل وحده، فقالوا: والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه أدر فذهب مرة يغتسل، فوضع ثوبه على حجر، ففر الحجر بثوبه، فخرج موسى في إثره، يقول: ثوبي يا حجر! حتى نظرت بنو إسرائيل إلى موسى فقال: والله ما بموسى من بأس وأخذ ثوبه فطفق بالحجر ضربا، فقال أبو هريرة: والله إنه لندب بالحجر ستة أو سبعة ضربا بالحجر (10).
وأنا هنا لا أبغي التعليق على هذا الخبر ولكن أيها السادة المحترمون! هل حقا أن هذا الكتاب هو الصحيح الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟ وعلى كل حال فإن المواضيع في هذا المجال كثيرة، وبما أن الوقت لا يسمح، فإني أود تناول موضوعين أو ثلاثة مواضيع أخرى.
هذه عقيدتنا بالله تعالى، ولا بأس بعقد مقارنة بين نبينا ونبيكم في الفصل اللاحق!. عقيدتنا في النبي (صلى الله عليه وآله) نبينا محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله) أفضل وأسمى وأكمل إنسان خلقه الله تعالى، هو خيرة الأنبياء وسيدهم، وقدوة الأولين والآخرين، وأشرف الخلائق والكائنات أجمعين، فهو العبد الذي اصطفاه الله وخلق لأجله جميع الكائنات، وقال عنه كما ورد في الحديث القدسي: لولاك ما خلقت الأفلاك (11)، وهو الذي بلغ مرتبة {دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم: 8، 9] وهي المرتبة التي لم يبلغها نبي مرسل ولا ملك مقرب، وهي المرتبة التي تركه جبرئيل الأمين مع علو منزلته في هذا الدنو لوحده ولم يستطع مرافقته، وقال: إنه لو اقترب قيد أنملة لاحترق، وهو من وصفه الله بأنه: {رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } [الأنبياء: 107] ، وقال فيه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } [القلم: 4].
هو النور الساطع في عالم الوجود الذي أرسل بشيرا للصالحين ونذيرا للمفسدين: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب: 45، 46]. ونحن نذهب إلى أبعد من ذلك حيث نعتقد بأنه النبي الذي جعلت له النبوة من يوم خلقة آدم، بل أول ما خلق الله نوره، وأنه كان نبيا في وقت كان فيه آدم بين الماء والطين، فقد ورد عنه صلوات الله عليه وآله أنه قال: كنت نبيا وآدم بين الماء والطين (12)، وهو معصوم من جميع الأخطاء والذنوب صغيرها وكبيرها، ومن الزلل والنسيان، ومن ينسب إليه الهذيان والنسيان خصمه القرآن، وقوله مخالف لكلام الله الذي وصف به الرسول (صلى الله عليه وآله): {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4]. وإذا اعتبرناه كسائر من يخطأ وينسى من الناس نكون قد أسأنا إليه أيما إساءة، إذ لم نعرفه حق معرفته، وإن اعتبرنا أنفسنا أتباعا له، فهل يمكن أن يكون مبعوثا عن الله ثم يسهو أو يهذي، نعوذ بالله؟ إن الحديث عن رسول الله ليس بالأمر اليسير، وهو الذي خضعت له رقاب الملائكة المقربين، وباهى خالق الكون بخلقه العظيم، فإن كل ما نقوله في وصفه ليس إلا بمثابة القطرة في البحر، وإننا لم نعرفه قط كما ينبغي.
قال علي (عليه السلام) في وصف هذا الإنسان الفذ، وصفوة الوجود، ووسيط رب العالمين: إن الله تبارك وتعالى خلق نور محمد (صلى الله عليه وآله) قبل أن يخلق السماوات والأرض والعرش والكرسي واللوح والقلم والجنة والنار، وقبل أن يخلق آدم ونوحا وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وموسى وعيسى وداود وسليمان... وقبل أن يخلق الأنبياء كلهم (13).
عقيدة بعضهم في النبي (صلى الله عليه وآله) : هذه هي عقيدتنا بالنبي الكريم، وأما عقيدة البعض فهي الهبوط به إلى أدنى من مستوى الإنسان العادي، والاستهانة به ونسبة الكذب واللهو والنسيان والهذيان إليه، وهذا والله لا ينطبق على نبينا، الذي: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3، 4]، والذي وجوده رحمة إلاهية ممتدة ظلالها على الخلائق إلى يوم الحشر.
قال أحد الحاضرين - وكان شخصا هادئا نسبيا - بلهجة تنم عن الشكوى والتذمر: نحن أيضا نعتقد بمثل هذه الصفات للرسول (صلى الله عليه وآله)، ولا نقول في وصفه بهذا الهراء أبدا، ولكن هل لك أن تخبرنا من أين جئت بهذا الكلام؟ فمن ذا الذي يصف الرسول (صلى الله عليه وآله) - والعياذ بالله - بالجهل؟ قلت: من المؤسف أن الوقت ضيق، وليس أمامي سوى الإشارة إلى بعض الموارد، إن النبي عندكم يأتيه النسيان أثناء الصلاة فيصلي ركعتين بدل الأربع! (14) وينام في المسجد، وبعد الاستيقاظ يصلي بلا وضوء (15).
ويسب شخصا من غير ذنب أو جريرة ارتكبها (16). ويجنب في شهر رمضان، ويقضي صلاة الفجر (17)، وأن النسيان يستولي عليه إلى حد ينسى حتى القرآن، وأنه سمع في أحد الأيام رجلا يقرأ القرآن في المسجد، فيقول: رحمه الله ذكرني بآيات كنت قد حذفتها من هذه السورة وتلك!! (ورويتم أنه) يهذي من شدة المرض إلى حد يقول فيه عمر بن الخطاب: إنه يهجر، فقد قال ابن عباس: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إئتوني بالكتف والدواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا، فقالوا: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يهجر (18). والأكثر من هذا أنكم تصفون النبي بأنه شخص لا يمنعه الحياء من أن يقول لرجل سأله عمن يجامع ثم يكسل هل عليهما الغسل؟ -: إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل (19). قسما بالله نحن لا نرتضي لمثل الرسول (صلى الله عليه وآله) أن يكون إنسانا عاديا، فما بالك بتلك المرتبة الرفيعة. فجأة تعالت صيحات الاحتجاج: ما هذا الكلام الذي تقوله؟ ومتى كانت لنا مثل هذه المعتقدات؟ إنك بقولك هذا تسئ إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) و...؟
قلت: إهدأوا، فإني لا أسئ إلى الرسول، بل إن عمر بن الخطاب خليفة المسلمين هو الذي وصفه بالهجر، أن صحيحي مسلم والبخاري هما اللذان يتحدثان عنه بمثل هذا الكلام، فأمامكم خياران إما التخلي عن صحاحكم وإما الاعتراف بسوء موقفكم إزاء الرسول (صلى الله عليه وآله). أليس هذا البخاري هو الذي نقل عن عائشة أنها قالت: إن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تدففان وتضربان، والنبي (صلى الله عليه وآله) متغش بثوبه فانتهرهما أبو بكر، فكشف النبي (صلى الله عليه وآله) عن وجهه وقال: دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد.... (20). أنتم تصفون الرسول - والعياذ بالله - بعدم الحياء، فقد ورد عن عائشة أنها قالت: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيتي، كاشفا عن فخذيه أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال، فتحدث ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك، فتحدث ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسوى ثيابه، فلما خرج قالت عائشة: دخل أبو بكر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك، فقال: ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة (21).
وكتبكم حافلة بمثل هذه الافتراءات على الرسول! فهل تريدون دعوة الناس إلى الإسلام وإلى القرآن بمثل هذا الرسول؟ أي تفكير هذا؟ وما هذا السلوك الخاطئ حيال أكمل إنسان على الأرض؟
دق جرس الدرس - وللأسف - قبل أن أنهي كلامي، وقد رأيتهم بهتوا والكلمات قد جفت على شفاههم فصاروا يتمنون من الله أن ينتهي كلامي بأي نحو ممكن وينفض اللقاء، ولكن بقي في نفسي شيء إلى اليوم وهو أنني لم أستطع التنفيس أكثر عما في قلبي (22).
______________
(1) روي عن حماد بن عثمان أنه سأل الإمام الصادق (عليه السلام) عن مصحف فاطمة (عليها السلام)؟ فقال (عليه السلام): إن الله تبارك وتعالى لما قبض نبيه (صلى الله عليه وآله) دخل على فاطمة (عليها السلام) من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، فأرسل إليها ملكا يسلي عنها غمها ويحدثها، فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال لها: إذا أحسست بذلك وسمعت الصوت قولي لي، فأعلمته فجعل يكتب كلما سمع حتى أثبت من ذلك مصحفا، ثم قال: أما إنه ليس من الحلال والحرام، ولكن فيه علم ما يكون. بصائر الدرجات: ج 3 ص 177 ح 18 ب 14، وعنه بحار الأنوار: ج 43 ص 80 ح 68. وقد صرح أهل البيت (عليهم السلام) بأنه لا يوجد فيه شيء من القرآن الكريم، وإنما فيه ما يخصهم من الأخبار وما يجري عليهم، وعلم ما كان وما يكون. فلاحظ ما رواه أبو جعفر محمد بن الحسن الصفار (المتوفى سنة 290 ه) في البصائر عن بعض الرواة، وإليك بعضها على سبيل المثال: ح 1 - الحسين بن أبي العلاء عن الإمام الصادق (عليه السلام) يقول: عندي الجفر الأبيض - إلى أن قال -: ومصحف فاطمة ما أزعم أن فيه قرآنا... ح 2 - عن محمد بن عبد الملك عن الإمام الصادق (عليه السلام)... وعندنا مصحف فاطمة أما والله ما هو بالقرآنح 3 - عن أبي بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام)... وإن عندنا لمصحف فاطمة (عليها السلام) وما يدريهم ما مصحف فاطمة، قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد. راجع: بصائر الدرجات: ج 3 ص 170 الخ (باب في أن الأئمة أعطوا الجفر والجامعة ومصحف فاطمة).
(2) سوف يأتي الحديث عن هذه الفرية وإنها لا أساس لها من الصحة.
(3) صحيح البخاري ج 9: ص 159.
(4) وفي مسند أحمد بن حنبل: ج 2 ص 323: عن عبد الله عن أبيه بسنده عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله): إن الله عز وجل خلق آدم على صورته، وفي كتاب أبي: وطوله ستون ذراعا فلا أدري حدثنا به أم لا.
(5) صحيح البخاري ج 9: ص 158.
(6) صحيح البخاري ج 9: ص 152 و164، وقد جاء في كتاب التوحيد لأبي بكر بن خزيمة (المتوفى سنة 311 ه) ص 159 قال: تبين وتوضح أن لخالقنا - جلا وعلا - يدين كلتاهما يمينان، لا يسار لخالقنا عز وجل إذ اليسار من صفة المخلوقين، فجل ربنا عن أن يكون له يسار. أقول: تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا من أن يشابه المخلوقين وأيضا إن إثبات له يمين فهو أيضا قد شابه المخلوقين ومن صفتهم.
(7) صحيح البخاري 9: 175.
(8) صحيح البخاري ج 9: ص 164.
(9) صحيح البخاري ج 9: ص 159.
(10) صحيح البخاري: ج 1 ص 78 (ك الغسل من اغتسل عريانا وحده).
(11) بحار الأنوار: ج 15 ص 28 ح 48 وج 54 ص 199 ح 145، الفوائد المجموعة للشوكاني: ص 326 ح 18، تذكرة الموضوعات للهندي: ص 86، سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني: ج 1 ص 299 ح 282، وجاء في السيرة الحلبية: ج 1 ص 357 ما هذا نصه: ذكر صاحب كتاب شفاء الصدور في مختصره عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: يا محمد وعزتي وجلالي لولاك ما خلقت أرضي ولا سمائي، ولا رفعت هذه الخضراء، ولا بسطت هذه الغبراء، وفي رواية عنه (صلى الله عليه وآله): ولا خلقت سماء ولا أرضا ولا طولا ولا عرضا. وبهذا يرد على من رد على القائل في مدحه (صلى الله عليه وآله): لولاه ما كان لا فلك ولا فلك * كلا ولا بان تحريم وتحليل .
(12) بحار الأنوار ج 16: ص 402 ح 1، كشف الخفاء للعجلوني: ج 2 ص 173 ح 2017، تنزيه الشريعة لابن عراف: ج 1 ص 341، تذكرة الموضوعات للفتني: ص 86، الأسرار المرفوعة للقاري: 178 و179، التذكرة في الأحاديث المشتهرة للزركشي: 172 ح 16.
(13) بحار الأنوار ج 15: ص 4 ح 4.
(14) صحيح البخاري: ج 8 ص 2 (ك الأدب ب ما يجوز من ذكر الناس).
(15) صحيح البخاري: ج 1 ص 47 (ك الوضوء ب التخفيف في الوضوء).
(16) صحيح مسلم: ج 4 ص 207 ح 88 (ك البر والصلة والآداب ب 25، والجدير بالذكر أنه أورد مسلم في نفس المصدر حديثا عن النبي (صلى الله عليه وآله) (ح 87) مفاده أن اللعن والسب ليسا من خلق النبي (صلى الله عليه وآله) وهو: عن أبي هريرة قال: قيل: يا رسول الله، ادع على المشركين، قال: إني لم أبعث لعانا، وإنما بعثت رحمة.
(17) صحيح البخاري: ج 1 ص 154 (ك مواقيت الصلاة ب الأذان بعد ذهاب الوقت).
(18) صحيح مسلم: ج 3 ص 1259 ح 21 و22 (ك الوصية ب 5).
(19) صحيح مسلم: ج 1 ص 272 ح 89 (ك الطهارة ب 22).
(20) صحيح البخاري: ج 2 ص 20 و29 (ك العيدين) وج 4 ص 47 و225، إتحاف السادة المتقين للزبيدي: ج 6 ص 490.
(21) صحيح مسلم: ج 4: ص 1866 ح 36 (ك الصحابة ب من فضائل عثمان).
(22) مذكرات المدرسة للمهري: ص 47 - 58.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|