المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4878 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24
من آداب التلاوة
2024-11-24
مواعيد زراعة الفجل
2024-11-24
أقسام الغنيمة
2024-11-24
سبب نزول قوله تعالى قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون الى جهنم
2024-11-24

الاساسات الشمعية وموعد انزالها للطائفة
7-6-2016
طريقة التوزيع بالنقط
12-2-2022
تفسير الاية ( 215) من سورة البقرة
1-3-2017
تفسير الاية (7-13) من سورة التغابن
4-2-2018
أهمية الشعاب المرجانية في السياحة البيئية في سواحل عمان
1-5-2022
7- ابرز ملوك اشنونا
21-9-2016


مناظرة الرسول مع اليهود، والنصارى، والدهرية، والثنوية، ومشركو العرب بشأن الايمان بالله وحده لا شريك له والكفر بغيره  
  
2815   11:09 صباحاً   التاريخ: 14-8-2019
المؤلف : أبي منصور أحمد الطبرسي مع تعليقات وملاحظات السيد محمد باقر الخرسان
الكتاب أو المصدر : الإحتجاج
الجزء والصفحة : ج1 ، ص 15-23
القسم : العقائد الاسلامية / الحوار العقائدي / * التوحيد /

قال أبو محمد الحسن بن علي العسكري عليهما السلام: ذكر عند الصادق عليه السلام الجدال في الدين وأن رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام قد نهوا عنه، فقال الصادق عليه السلام ...

ولقد حدثني أبي الباقر عن جدي علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي سيد الشهداء عن أبيه أمير المؤمنين صلوات الله عليهم أنه اجتمع يوما عند رسول الله صلى الله عليه وآله أهل خمسة أديان: اليهود، والنصارى، والدهرية، والثنوية، ومشركو العرب (1).

فقالت اليهود: نحن نقول عزير ابن الله، وقد جئناك يا محمد لننظر ما تقول فإن اتبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل، وإن خالفتنا خصمناك.

وقالت النصارى: نحن نقول إن المسيح ابن الله اتحد به، وقد جئناك لننظر ما تقول، فإن اتبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل، وإن خالفتنا خصمناك.

وقالت الدهرية: نحن نقول إن الأشياء لا بدو لها وهي دائمة، وقد جئناك لننظر فيما تقول، فإن اتبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل، وإن خالفتنا خصمناك.

وقالت الثنوية: نحن نقول إن النور والظلمة هما المدبران. وقد جئناك لننظر فيما تقول، فإن اتبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك، وإن خالفتنا خصمناك.

وقال مشركو العرب: نحن نقول إن أوثاننا آلهة، وقد جئناك لننظر فيما تقول، فإن اتبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل، وإن خالفتنا خصمناك.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: آمنت بالله وحده لا شريك له وكفرت [بالجبت والطاغوت و] بكل معبود سواه.

ثم قال لهم: إن الله تعالى قد بعثني كافة للناس بشيرا ونذيرا وحجة على العالمين، وسيرد كيد من يكيد دينه في نحره.

ثم قال لليهود: أجئتموني لأقبل قولكم بغير حجة؟ قالوا: لا.

قال: فما الذي دعاكم إلى القول بأن عزيرا ابن الله؟ قالوا: لأنه أحيى لبني إسرائيل التوراة بعد ما ذهبت ولم يفعل بها هذا إلا لأنه ابنه.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فكيف صار عزير ابن الله دون موسى وهو الذي جاء لهم بالتوراة ورؤي منه من المعجزات ما قد علمتم. ولئن كان عزير ابن الله لما ظهر من إكرامه بإحياء التوراة فلقد كان موسى بالبنوة أولى وأحق، ولئن كان هذا المقدار من إكرامه لعزير يوجب له أنه ابنه فأضعاف هذه الكرامة لموسى توجب له منزلة أجل من البنوة، لأنكم إن كنتم إنما تريدون بالبنوة الدلالة على سبيل ما تشاهدونه في دنياكم من ولادة الأمهات الأولاد بوطئ آبائهم لهن فقد كفرتم بالله وشبهتموه بخلقه وأوجبتم فيه صفات المحدثين، فوجب عندكم أن يكون محدثا مخلوقا وأن يكون له خالق صنعه وابتدعه.

قالوا: لسنا نعني هذا، فإن هذا كفر كما دللت لكنا نعني أنه ابنه على معنى الكرامة وإن لم يكن هناك ولادة، كما قد يقول بعض علمائنا لمن يريد إكرامه وإبانته بالمنزلة من غيره " يا بني " و " أنه ابني " لا على إثبات ولادته منه لأنه قد يقول ذلك لمن هو أجنبي لا نسب له بينه وبينه، وكذلك لما فعل الله تعالى بعزير ما فعل كان قد اتخذه ابنا على الكرامة لا على الولادة.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فهذا ما قلته لكم إنه إن وجب على هذا الوجه أن يكون عزير ابنه فإن هذه المنزلة بموسى أولى، وأن الله يفضح كل مبطل بإقراره ويقلب عليه حجته، إن ما احتججتم به يؤديكم إلى ما هو أكثر مما ذكرته لكم، لأنكم قلتم إن عظيما من عظمائكم قد يقول لأجنبي لا نسب بينه وبينه " يا بني " و " هذا ابني " لا على طريق الولادة، فقد تجدون أيضا هذا العظيم لأجنبي آخر " هذا أخي " ولآخر " هذا شيخي " و " أبي " ولآخر " هذا سيدي " و " يا سيدي " على سبيل الإكرام، وإن من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول، فإذا يجوز عندكم أن يكون موسى أخا لله أو شيخا له أو أبا أو سيدا لأنه قد زاده في الإكرام مما لعزير، كما أن من زاد رجلا في الإكرام فقال له يا سيدي ويا شيخي ويا عمي ويا رئيسي على طريق الإكرام، وأن من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول، أفيجوز عندكم أن يكون موسى أخا لله أو شيخا أو عما أو رئيسا أو سيدا أو أميرا لأنه قد زاده في الإكرام على من قال له يا شيخي أو يا سيدي أو يا عمي أو يا رئيسي أو يا أميري؟

قال: فبهت القوم وتحيروا وقالوا: يا محمد أجلنا نتفكر فيما قد قلته لنا.

فقال: انظروا فيه بقلوب معتقدة للإنصاف يهدكم الله.

ثم أقبل على النصارى فقال لهم: وأنتم قلتم إن القديم عز وجل اتحد بالمسيح ابنه، فما الذي أردتموه بهذا القول، أردتم أن القديم صار محدثا لوجود هذا المحدث الذي هو عيسى، أو المحدث الذي هو عيسى صار قديما كوجود القديم الذي هو الله أو معنى قولكم إنه اتحد به أنه اختصه بكرامة لم يكرم بها أحدا سواه، فإن أردتم أن القديم صار محدثا فقد أبطلتم، لأن القديم محال أن ينقلب فيصير محدثا، وإن أردتم أن المحدث صار قديما فقد أحلتم لأن المحدث أيضا محال أن يصير قديما، وإن أردتم أنه اتحد به بأنه اختصه واصطفاه على سائر عباده فقد أقررتم بحدوث عيسى وبحدوث المعنى الذي اتحد به من أجله، لأنه إذا كان عيسى محدثا وكان الله اتحد به - بأن أحدث به معنى صار به أكرم الخلق عنده - فقد صار عيسى وذلك المعنى محدثين، وهذا خلاف ما بدأتم تقولونه.

فقالت النصارى: يا محمد إن الله لما أظهر على يد عيسى من الأشياء العجيبة ما أظهر فقد اتخذه ولدا على جهة الكرامة.

فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: فقد سمعتم ما قلته لليهود في هذا المعنى الذي ذكرتموه، ثم أعاد صلى الله عليه وآله ذلك كله، فسكتوا إلا رجلا واحدا منهم فقال له: يا محمد أو لستم تقولون إن إبراهيم خليل الله؟ قال: قلنا ذلك.

قال: فإذا قلتم ذلك فلم منعتمونا من أن نقول إن عيسى ابن الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنهما لن يشتبها، لأن قولنا إبراهيم خليل الله فإنما هو مشتق من الخلة والخلة إنما معناها الفقر والفاقة، فقد كان خليلا إلى ربه فقيرا وإليه منقطعا وعن غيره متعففا معرضا مستغنيا، وذلك لما أريد قذفه في النار فرمي به في المنجنيق فبعث الله جبرئيل فقال له: أدرك عبدي، فجاء فلقيه في الهواء فقال له: كلفني ما بدا لك فقد بعثني الله لنصرتك.

فقال إبراهيم: حسبي الله ونعم الوكيل إني لا أسأل غيره ولا حاجة لي إلا إليه، فسماه خليله أي فقيره ومحتاجه والمنقطع إليه عمن سواه، وإذا جعل معنى ذلك من الخلة وهو أنه قد تخلل معانيه ووقف على أسرار لم يقف عليها غيره كان الخليل معناه العالم به وبأموره، ولا يوجب ذلك تشبيه الله بخلقه. ألا ترون أنه إذا لم ينقطع إليه لم يكن خليله وإذا لم يعلم بأسراره لم يكن خليله، وأن من يلده الرجل وإن أهانه وأقصاه لم يخرج عن أن يكون ولده، لأن معنى الولادة قائم به.

ثم إن وجب لأنه قال لإبراهيم خليلي أن تقيسوا أنتم فتقولوا بأن عيسى ابنه وجب أيضا كذلك أن تقولوا لموسى إنه ابنه، فإن الذي معه من المعجزات لم يكن بدون ما كان مع عيسى، فقولوا إن موسى أيضا ابنه، وإن يجوز أن تقولوا على هذا المعنى إنه شيخه وسيده وعمه ورئيسه وأميره كما قد ذكرته لليهود.

فقال بعضهم لبعض وفي الكتب المنزلة إن عيسى قال " أذهب إلى أبي وأبيكم " فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فإن كنتم بذلك الكتاب تعملون فإن فيه " أذهب إلى أبي وأبيكم " فقولوا إن جميع الذين خاطبهم عيسى كانوا أبناء الله كما كان عيسى ابنه من الوجه الذي كان عيسى ابنه، ثم إن ما في هذا الكتاب مبطل عليكم هذا الذي زعمتم أن عيسى من وجهة الاختصاص كان ابنا له، لأنكم قلتم إنما قلنا إنه ابنه لأنه اختصه بما لم يختص به غيره، وأنتم تعلمون أن الذي خص به عيسى لم يخص به هؤلاء القوم الذين قال لهم عيسى " أذهب إلى أبي وأبيكم "، فبطل أن يكون الاختصاص لعيسى، لأنه قد ثبت عندكم بقول عيسى لمن لم يكن له مثل اختصاص عيسى، وأنتم إنما حكيتم لفظة عيسى وتأولتموها على غير وجهها، لأنه إذا قال " أذهب إلى أبي وأبيكم " فقد أراد غير ما ذهبتم إليه ونحلتموه، وما يدريكم لعله عنى أذهب إلى آدم أو إلى نوح وأن الله يرفعني إليهم ويجمعني معهم وآدم أبي وأبيكم وكذلك نوح، بل ما أراد غير هذا.

قال: فسكت النصارى وقالوا: ما رأينا كاليوم مجادلا ولا مخاصما مثلك وسننظر في أمورنا.

ثم أقبل رسول الله على الدهرية فقال: وأنتم فما الذي دعاكم إلى القول بأن الأشياء لا بدو لها وهي دائمة لم تزل ولا تزال؟ فقالوا: لأنا لا نحكم إلا بما نشاهد ولم نجد للأشياء حدثا فحكمنا بأنها لم تزل، ولم نجد لها انقضاء وفناء فحكمنا بأنها لا تزال.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أفوجدتم لها قدما أم وجدتم لها بقاءا أبد الآبد.

فإن قلتم أنكم وجدتم ذلك أنهضتم لأنفسكم أنكم لم تزالوا على هيئتكم وعقولكم بلا نهاية ولا تزالون كذلك، ولئن قلتم هذا دفعتم العيان وكذبكم العالمون والذين يشاهدونكم.

قالوا: بل لم نشاهد لها قدما ولا بقاء أبد الآبد، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فلم صرتم بأن تحكموا بالقدم والبقاء دائما لأنكم لم تشاهدوا حدوثها، وانقضاؤها أولى من تارك التميز لها مثلكم، فيحكم لها بالحدوث والانقضاء والانقطاع لأنه لم يشاهد لها قدما ولا بقاءا أبد الآبد، أو لستم تشاهدون الليل والنهار وأحدهما بعد الآخر؟

فقالوا: نعم. فقال: أترونهما لم يزالا ولا يزالان؟

فقالوا: نعم.

فقال: أفيجوز عندكم اجتماع الليل والنهار؟

فقالوا: لا. فقال صلى الله عليه وآله فإذا منقطع أحدهما عن الآخر فيسبق أحدهما ويكون الثاني جاريا بعده.

قالوا: كذلك هو.

فقال: قد حكمتم بحدوث ما تقدم من ليل ونهار لم تشاهدوهما فلا تنكروا لله قدرته.

ثم قال صلى الله عليه وآله: أتقولون ما قبلكم من الليل والنهار متناه أم غير متناه، فإن قلتم إنه غير متناه فقد وصل إليكم آخر بلا نهاية لأوله، وإن قلتم متناه فقد كان ولا شئ منهما.

قالوا نعم.

قال لهم: أقلتم إن العالم قديم غير محدث وأنتم عارفون بمعنى ما أقررتم به وبمعنى ما جحدتموه؟

قالوا: نعم.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فهذا الذي تشاهدونه من الأشياء بعضها إلى بعض يفتقر لأنه لا قوام للبعض إلا بما يتصل به، كما نرى البناء محتاجا بعض أجزائه إلى بعض وإلا لم يتسق ولم يستحكم وكذلك سائر ما نرى.

وقال أيضا: فإذا كان هذا المحتاج بعضه إلى بعض لقوته وتمامه هو القديم فأخبروني أن لو كان محدثا كيف كان يكون وماذا كانت تكون صفته؟

قال: فبهتوا وعلموا أنهم لا يجدون للمحدث صفة يصفونه بها إلا وهي موجودة في هذا الذي زعموا أنه قديم، فوجموا وقالوا: سننظر في أمرنا.

ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله على الثنوية الذين قالوا النور والظلمة هما المدبران فقال: وأنتم فما الذي دعاكم إلى ما قلتموه من هذا؟

فقالوا: لأنا وجدنا العالم صنفين خيرا وشرا، ووجدنا الخير ضدا للشر، فأنكرنا أن يكون فاعل واحد يفعل الشئ وضده بل لكل واحد منهما فاعل، ألا ترى أن الثلج محال أن يسخن كما أن النار محال أن تبرد، فأثبتنا لذلك صانعين قديمين ظلمة ونورا.

فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: أفلستم قد وجدتم سوادا وبياضا وحمرة وصفرة وخضرة وزرقة، وكل واحدة ضد لسائرها لاستحالة اجتماع مثلين منها في محل واحد كما كان الحر والبرد ضدين لاستحالة اجتماعهما في محل واحد؟

قالوا: نعم قال فهلا أثبتم بعدد كل لون صانعا قديما ليكون فاعل كل ضد من هذه الألوان غير فاعل الضد الآخر؟

قال: فسكتوا.

ثم قال: فكيف اختلط النور والظلمة، وهذا من طبعه الصعود وهذه من طبعها النزول، أرأيتم لو أن رجلا أخذ شرقا يمشي إليه والآخر غربا أكان يجوز عندكم أن يلتقيا ما داما سائرين على وجههما؟

قالوا: لا.

قال: فوجب أن لا يختلط النور والظلمة لذهاب كل واحد منهما في غير جهة الآخر، فكيف وجدتم حدث هذا العالم من امتزاج ما هو محال أن يمتزج بل هما مدبران جميعا مخلوقان. فقالوا: سننظر في أمورنا.

ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله على مشركي العرب فقال: وأنتم فلم عبدتم الأصنام من دون الله؟ فقالوا: نتقرب بذلك إلى الله تعالى. فقال لهم: أَوهي سامعة مطيعة لربها عابدة له حتى تتقربوا بتعظيمها إلى الله؟

قالوا: لا.

قال: فأنتم الذين نحتموها بأيديكم؟

قالوا: نعم.

قال: فلأن تعبدكم هي لو كان يجوز منها العبادة أحرى من أن تعبدوها، إذا لم يكن أمركم بتعظيمها من هو العارف بمصالحكم وعواقبكم والحكيم فيما يكلفكم.

قال: فلما قال رسول الله صلى الله عليه وآله هذا القول اختلفوا فقال بعضهم: إن الله قد حل في هياكل رجال كانوا على هذه الصورة فصورنا هذه الصور نعظمها لتعظيمنا تلك الصور التي حل فيها ربنا، وقال آخرون منهم: إن هذه صور أقوام سلفوا كانوا مطيعين لله قبلنا فمثلنا صورهم وعبدناها تعظيما لله، وقال آخرون منهم: إن الله لما خلق آدم وأمر الملائكة بالسجود له [فسجدوه تقربا بالله] كنا نحن أحق بالسجود لآدم [إلى الله] من الملائكة، ففاتنا ذلك فصورنا صورته فسجدنا لها تقربا إلى الله كما تقربت الملائكة بالسجود لآدم إلى الله تعالى، وكما أمرتم بالسجود بزعمكم إلى جهة مكة ففعلتم ثم نصبتم في غير ذلك البلد بأيديكم محاريب (1) سجدتم إليها وقصدتم الكعبة لا محاريبكم وقصدتم بالكعبة إلى الله عز وجل لا إليها.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أخطأتم الطريق وضللتم، أما أنتم - وهو صلى الله عليه وآله

(1) محاريب جمع محراب، ومحراب المسجد قيل سمي بذلك لأنه موضع محاربة الشيطان والهوى، وقيل بل المحراب أصله في المسجد، وهو اسم خص به صدر المجلس فسمي صدر البيت محرابا تشبيها بمحراب المسجد. وكان هذا أصح قال تعالى: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ} [سبأ: 13].

يخاطب الذين قالوا إن الله يحل في هياكل رجال كانوا على هذه الصورة التي صورناها فصورنا هذه الصور نعظمها لتعظيمنا لتلك الصور التي حل فيها ربنا - فقد وصفتم ربكم بصفة المخلوقات، أو يحل ربكم في شئ حتى يحيط به ذاك الشئ، فأي فرق بينه إذا وبين سائر ما يحل فيه من لونه وطعمه ورائحته ولينه وخشونته وثقله وخفته، ولم صار هذا المحلول فيه محدثا قديما دون أن يكون ذلك محدثا وهذا قديما، وكيف يحتاج إلى المحال من لم يزل قبل المحال وهو عز وجل كان لم يزل، وإذا وصفتموه بصفة المحدثات في الحلول فقد لزمكم أن تصفوه بالزوال، وما وصفتموه بالزوال والحدوث فصفوه بالفناء، لأن ذلك أجمع من صفات الحال والمحلول فيه، وجميع ذلك متغير الذات، فإن كان لم يتغير ذات الباري تعالى بحلوله في شئ جاز أن لا يتغير بأن يتحرك ويسكن ويسود ويبيض ويحمر ويصفر وتحله الصفات التي تتعاقب على الموصوف بها حتى يكون فيه جميع صفات المحدثين ويكون محدثا تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فإذا بطل ما ظننتموه من أن الله يحل في شئ فقد فسد ما بنيتم عليه قولكم.

قال: فسكت القوم وقالوا: سننظر في أمورنا.

ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله على الفريق الثاني فقال: أخبرونا عنكم إذا عبدتم صور من كان يعبد الله فسجدتم لها وصليتم فوضعتم الوجوه الكريمة على التراب بالسجود لها فما الذي أبقيتم لرب العالمين، أما علمتم أن من حق من يلزم تعظيمه وعبادته أن لا يساوي به عبده، أرأيتم ملكا أو عظيما إذا سويتموه بعبده في التعظيم والخضوع والخشوع أيكون في ذلك وضع من الكبير كما يكون زيادة في تعظيم الصغير؟

فقالوا: نعم.

قال: أفلا تعلمون أنكم من حيث تعظمون الله بتعظيم صور عباده المطيعين له تزرون على رب العالمين.

قال: فسكت القوم بعد أن قالوا: سننظر في أمرنا.

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله للفريق الثالث: لقد ضربتم لنا مثلا وشبهتمونا بأنفسكم ولسنا سواء، وذلك إنا عباد الله مخلوقون مربوبون نأتمر له فيها أمرنا وننزجر عما زجرنا ونعبده من حيث يريده منا، فإذا أمرنا بوجه من الوجوه أطعناه ولم نتعد إلى غيره مما لم يأمرنا ولم يأذن لنا، لأنا لا ندري لعله إن أراد منا الأول فهو يكره الثاني، وقد نهانا أن نتقدم بين يديه، فلما أمرنا أن نعبده بالتوجه إلى الكعبة أطعناه، ثم أمرنا بعبادته بالتوجه نحوها في سائر البلدان التي تكون بها فأطعناه، ولم نخرج في شئ من ذلك من اتباع أمره، والله حيث أمر بالسجود لآدم لم يأمر بالسجود لصورته التي هي غيره، فليس لكم أن تقيسوا ذلك عليه لأنكم لا تدرون لعله يكره ما تفعلون إذ لم يأمركم به.

ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله أرأيتم لو أذن لكم رجل دخول داره يوما بعينه ألكم أن تدخلوها بعد ذلك بغير أمره، أو لكم أن تدخلوا دارا له أخرى مثلها بغير أمره، أو وهب لكم رجل ثوبا من ثيابه أو عبدا من عبيده أو دابة من دوابه ألكم أن تأخذوا ذلك؟

قالوا: نعم.

قال: فإن لم تأخذوه ألكم أخذ آخر مثله؟

قالوا: لا لأنه لم يأذن لنا في الثاني كما أذن في الأول.

قال صلى الله عليه وآله: فأخبروني الله أولى بأن لا يتقدم على ملكه بغير أمره أو بعض المملوكين؟

قالوا: بل الله أولى بأن لا يتصرف في ملكه بغير إذنه، قال: فلم فعلتم ومتى أمركم بالسجود أن تسجدوا لهذه الصور؟

قال فقال القوم: سننظر في أمورنا وسكتوا.

وقال الصادق عليه السلام : فوالذي بعثه بالحق نبيا ما أتت على جماعتهم إلا ثلاثة أيام حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله فأسلموا، وكانوا خمسة وعشرين رجلا من كل فرقة خمسة وقالوا: ما رأينا مثل حجتك يا محمد نشهد أنك رسول الله.

________________

(1) اليهود هم أتباع النبي موسى بن عمران عليه السلام وكتابهم المقدس هو التوراة، والنصارى هم أتباع النبي عيسى بن مريم عليه السلام وكتابهم المقدس هو الإنجيل، والدهرية هم الذين ينفون الرب والجنة والنار ويقولون وما يهلكنا إلا الدهر وهو دين وضعوه لأنفسهم بالاستحسان منهم على غير تثبت، والثنوية هم الذين يثبتون مع القديم قديما غيره، قيل هم المجوس الذين يثبتون مبدأين مبدأ للخير ومبدأ للشر وهما النور والظلمة ويقولون بنبوة إبراهيم الخليل عليه السلام، وقيل هم طائفة يقولون إن كل مخلوق للخلق الأول. ومشركو العرب هم الذين كانوا يعكفون على أصنام لهم ويعبدونها من دون الله تعالى ويعتقدون فيها أنها منشأ الخير والشر وواسطة بين العبد والرب.

 

 




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.