المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9100 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
ماشية اللحم في الولايات المتحدة الأمريكية
2024-11-05
أوجه الاستعانة بالخبير
2024-11-05
زكاة البقر
2024-11-05
الحالات التي لا يقبل فيها الإثبات بشهادة الشهود
2024-11-05
إجراءات المعاينة
2024-11-05
آثار القرائن القضائية
2024-11-05



احوال الأمام بعد استشهاد أمير المؤمنين (عليه السلام)  
  
3974   09:05 صباحاً   التاريخ: 5-03-2015
المؤلف : الشيخ عباس القمي
الكتاب أو المصدر : منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل
الجزء والصفحة : ج1,ص315-320.
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام الحسن بن علي المجتبى / قضايا عامة /

روى الشيخ الصدوق والمفيد وغيرهما انّ أمير المؤمنين (عليه السلام) لما توفى قام الحسن (عليه السلام) فصعد المنبر و أنشأ خطبة بليغة تشتمل على ذكر معارف اللّه و حقائقه فقال : نحن حزب اللّه الغالبون وعترة رسوله الأقربون وأهل بيته الطيبون الطاهرون وأحد الثقلين الذين خلّفهما رسول اللّه (صلى الله عليه واله) في أمته فقال : «انّي تارك فيكم كتاب اللّه و عترتي».

والتالي كتاب اللّه فيه تفصيل كلّ شي‏ء لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فالمعوّل علينا في تفسيره لا نتظنّى تأويله بل نتيقّن حقائقه فأطيعونا فانّ طاعتنا مفروضة اذ كانت بطاعة اللّه عز وجل و رسوله مقرونة.

قال اللّه عز و جل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59], ثم قال (عليه السلام): لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأوّلون بعمل، و لا يدركه الآخرون بعمل، لقد كان يجاهد مع رسول اللّه فيقيه بنفسه، و كان رسول اللّه (صلى الله عليه واله)يوجّهه برايته، فيكنفه جبرئيل عن يمينه و ميكائيل عن شماله و لا يرجع حتى يفتح اللّه على يديه.

و لقد توفى (عليه السلام) في الليلة التي عرج فيها بعيسى بن مريم و التي قبض فيها يوشع بن نون وصي موسى و ما خلّف صفراء و لا بيضاء الّا سبعمائة درهم فضلت عن عطائه أراد أن يبتاع بها خادما لأهله.

ثم خنقته العبرة فبكى و ابكى الناس معه، ثم قال: أنا ابن البشير، أنا ابن النذير، أنا ابن الداعي الى اللّه باذنه، أنا ابن السراج المنير، أنا من أهل بيت أذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا، أنا من أهل بيت فرض اللّه مودّتهم في كتابه فقال تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ } [الشورى: 23] فالحسنة مودتنا أهل البيت.

ثم جلس، فقام عبد اللّه بن عباس بين يديه فقال: معاشر الناس هذا ابن بنت نبيّكم و وصيّ امامكم فبايعوه، فاستجاب له الناس، فقالوا: ما أحبّه إلينا و ما أوجب حقه علينا، و بادروا الى البيعة له بالخلافة فشرط عليهم الحسن (عليه السلام) ان يكونوا صلحا لمن صالح و حربا لمن حارب، فقبلوا ذلك منه.

وكانت البيعة في يوم الجمعة الحادي و العشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة و كان عمره الشريف (37) سنة، ثم نزل من المنبر فرتّب عماله و أمر الامراء و أنفذ عبد اللّه بن عباس الى البصرة و نظر في الامور .

وطبقا لرواية الشيخ المفيد و غيره من المحدثين العظام انّه، لما بلغ معاوية بن أبي سفيان وفاة أمير المؤمنين (عليه السلام) و بيعة الناس ابنه الحسن دسّ رجلا من حمير الى الكوفة و رجلا من بني القين الى البصرة ليكتبا إليه بالاخبار و يفسدا على الحسن الامور.

فعرف ذلك الحسن (عليه السلام) فأمر باستخراج الحميري من عند لحام بالكوفة، فاخرج و أمر بضرب عنقه، و كتب الى البصرة باستخراج القيني من بني سليم، فاخرج و ضربت عنقه و كتب الحسن (عليه السلام) الى معاوية: «أما بعد فانّك دسست الرجال للاحتيال و الاغتيال و أرصدت العيون كأنّك تحب اللقاء و ما اوشك ذلك فتوقعه إن شاء اللّه تعالى» .

فلمّا وصل الكتاب الى معاوية كتب في جوابه بما لا حاجة الى ذكره، و كان بين الحسن (عليه السلام) و بينه بعد ذلك مكاتبات و مراسلات و احتجاجات، حتى أرسل معاوية جيشا جرّارا نحو العراق، و ارسل جواسيسا الى الكوفة من المنافقين و الخوارج الذين كانت طاعتهم لأمير المؤمنين (عليه السلام) خوفا على أنفسهم و رهبة من سيفه كعمر بن حريث، و الأشعث بن قيس، و شبث بن ربعي و امثالهم من المنافقين الخونة.

فكتب معاوية الى كل واحد من هؤلاء: انّك لو قتلت الحسن اعطيك (200) الف درهم و أزوّجك احدى بناتي و أجعلك أميرا على جيش من جيوش الشام، فأغرى كثيرا من المنافقين بهذه الحيل و جعل قلوبهم تهوى إليه و لا تريد الحسن (عليه السلام) و تنفر منه، حتى ان الامام (عليه السلام) أصيب بسهم من أحد هؤلاء الخوارج لكنه سلم منه.

و كانوا يكتبون الرسائل الى معاوية خفية، و يظهرون ودّهم له و موافقتهم معه، فلمّا بلغ‏ الحسن (عليه السلام) خروج معاوية الى العراق صعد المنبر فحمد اللّه و اثنى عليه و دعا الناس الى حربه، و صدّه عن البلاد.

لكنهم سكتوا جميعا و لم يتكلم منهم أحد، فقام عديّ بن حاتم من بينهم فقال:

«سبحان اللّه ما أقبح هذا المقام، ألا تجيبون امامكم و ابن بنت نبيكم! أين خطباء مصر الذين ألسنتهم كالمخاريق في الدّعة فاذا جدّ الجدّ فروّاغون كالثعالب، أ ما تخافون مقت اللّه و لا عنتها و عارها» .

فقام جمع آخر و قالوا كمقالته فقال (عليه السلام): ان كنتم صادقين فالموعد ما بيني و بينكم معسكر النخيلة، فوافوني هناك و اللّه ما وفيتم لمن كان خيرا منّي فكيف تفون لي؟ و كيف أطمئنّ إليكم و أثق بكم؟

فركب (عليه السلام) بعد نزوله عن المنبر و ركب معه من أراد الخروج، و تخلّف عنه خلق كثير، لم يفوا بما قالوه و بما وعدوه، و غرّوه كما غرّوا أمير المؤمنين (عليه السلام) من قبله، فقام (عليه السلام) خطيبا و قال:

«قد غررتموني كما غررتم من كان قبلي، مع أي امام تقاتلون بعدي؟ مع الكافر الظالم الذي لم يؤمن باللّه و لا برسوله قطّ و لا أظهر الاسلام هو و لا بنو أميّة الا فرقا من السيف» .

ثم نزل المنبر و وجّه الى معاوية قائدا في أربعة آلاف، و كان من كندة اسمه الحكم، و امره أن يعسكر بالانبار و لا يحدث شيئا حتى يأتيه أمره، فلمّا توجّه الى الانبار و نزل بها و علم معاوية بذلك، بعث إليه رسلا و كتب إليه معهم: «انّك ان اقبلت إليّ وليتك بعض كور الشام أو الجزيرة غير منفس عليك» و أرسل إليه بخمسمائة الف درهم فقبض الكندي- الملعون عدوّ اللّه- المال و باع الآخرة بالدنيا و قلب على الحسن (عليه السلام) و صار الى معاوية في مائتي من خاصّته و أهل بيته.

و بلغ الحسن (عليه السلام) ذلك فقام خطيبا، فقال: «هذا الكندي توجّه الى معاوية و غدر بي و بكم و قد أخبرتكم مرّة بعد أخرى انّه لا وفاء لكم انتم عبيد الدنيا و انا موجّه رجل آخر مكانه و انا أعلم انه سيفعل بي و بكم ما فعل صاحبه لا يراقب اللّه في و لا فيكم» .

فبعث إليه رجلا من مراد في اربعة آلاف و تقدّم إليه بمشهد من الناس و توكّد عليه و أخبره انّه سيغدر كما غدر الكندي، فحلف له بالايمان التي لا تقوم لها الجبال انّه لا يفعل، فلمّا ذهب، قال الحسن (عليه السلام): انّه سيغدر، فكان كما قاله (عليه السلام).

فلمّا توجّه الى الانبار أرسل معاوية إليه رسلا و كتب إليه بمثل ما كتب الى صاحبه و بعث إليه بخمسمائة الف درهم و منّاه أي ولاية أحبّ من كور الشام أو الجزيرة، فقلب على الحسن (عليه السلام) و أخذ طريقه الى معاوية و لم يحفظ ما أخذ عليه من العهود.

و بلغ الحسن (عليه السلام) ما فعل المرادي فقام خطيبا و قال: «قد أخبرتكم مرّة بعد مرّة انكم لا تفون للّه بعهود، و هذا صاحبكم المرادي غدر بي و بكم و صار الى معاوية» .

و بالجملة لما عزم الامام (عليه السلام) على الحرب خرج من الكوفة الى معسكر النخيلة و خلّف مكانه المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، و امره أن يحث الناس على الخروج و الالتحاق به في المعسكر.

فخرج الناس أفواجا إليه و سار الامام (عليه السلام) من النخيلة الى دير عبد الرحمن، فمكث هناك ثلاثة ايام كي يتمّ الجيش، فصاروا أربعين الف بين فارس و راجل فبعث عبيد اللّه بن عباس و قيس بن سعد في اثني عشر الف رجل من دير عبد الرحمن الى حرب معاوية، فقال (عليه السلام):

عبيد اللّه أميركم فان اصيب، فقيس بن سعد على الناس، فان اصيب فسعيد بن قيس على الناس، و أمر عبيد اللّه ان يشاور قيسا و سعيدا.

و خرج (عليه السلام) من هناك و توجّه الى الساباط في المدائن، فاراد امتحان و اختبار اصحابه‏

و انجلاء كفرهم و نفاقهم و عدم وفائهم، فجمع الناس و حمد اللّه و اثنى عليه ثم قال:

«أما بعد فو اللّه انّي لأرجو ان اكون قد أصبحت بحمد اللّه و منّه و أنا أنصح خلق اللّه لخلقه، و ما اصبحت محتملا على مسلم ضغينة و لا مريدا له بسوء و لا غائلة، ألا و انّ ما تكرهون في الجماعة خير لكم ممّا تحبون في الفرقة.

الا و انّي ناظر لكم خيرا من نظركم لأنفسكم فلا تخالفوا امري و لا تردّوا عليّ رأيي، غفر اللّه لي و لكم و أرشدني و اياكم لما فيه المحبة و الرضا» .

فنزل من المنبر، و أخذ المنافقون ينظر بعضهم الى بعض و قالوا: ما ترونه يريد بما قال، نظنّه و اللّه يريد أن يصالح معاوية و يسلّم الامر إليه، فقام هؤلاء المنافقون و قد كان بعضهم على مذهب الخوارج باطنا و خفية فقالوا: «كفر و اللّه الرجل».

ثم شدّوا على فسطاطه و انتهبوه حتى أخذوا مصلّاه من تحته، ثم شدّ عليه عبد الرحمن بن عبد اللّه فنزع مطرفه عن عاتقه فبقى جالسا متقلدا السيف بغير رداء ثم دعا فرسه فركبه و أحدقت به طوائف من خاصته و شيعته و منعوا من أراده بسوء، فخرج (عليه السلام) الى المدائن، فلمّا مرّ في مظلم ساباط بدر إليه رجل من بني اسد يقال له الجراح بن سنان فأخذ بلجام بغلته و بيده مغول‏  و قال: «اللّه اكبر أشركت يا حسن كما أشرك أبوك من قبل».

ثم طعنه في فخذه، و قيل بحربة مسمومة على فخذه، فشقّه حتى بلغ العظم ثم اعتنقه الحسن (عليه السلام) (من الوجع) و خرّا معا الى الارض، فوثب إليه شيعة الامام فقتلوه و حملوا الامام (عليه السلام) على سرير الى المدائن، و أنزلوه به على سعد بن مسعود الثقفي- و كان عامل أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) بها فأقرّه الحسن (عليه السلام) على ذلك- و كان عمّ المختار.

فجاء المختار إليه و قال: تعال نسلّم الحسن الى معاوية لعلّه يهب لنا ولاية العراق فقال سعد: ويل لك قبح اللّه وجهك و رأيك انّي كنت و الى أبيه و الآن و إليه أ فأنسى حق النعمة التي‏

لهما عليّ؟ و أسلم ابن رسول اللّه (صلى الله عليه واله)الى معاوية؟

فلما سمع الشيعة بذلك همّوا بقتل المختار لكن تركوه بشفاعة عمّه، ثم جاء سعد بطبيب و بدأ باصلاح جرح الامام.

و امّا غدر أصحابه فقد وصل الى مرتبة بحيث كتب جماعة من رؤساء القبائل و قوّاد الجيش الى معاوية بالسمع و الطاعة له في السرّ، و استحثّوه على المسير نحوهم و ضمنوا له تسليم الحسن (عليه السلام) عند دنوّه منهم أو الفتك به فبلغ الحسن (عليه السلام) ذلك و ورد عليه كتاب قيس بن سعد و كان قد أنفذه مع عبيد اللّه بن عباس عند مسيره من الكوفة ليلتقي بمعاوية و يردّه عن العراق، فوصل كتابه و فيه:

انّهم نازلوا معاوية بقرية يقال لها الحبوبيّة بازاء مسكن‏ ، و انّ معاوية أرسل الى عبيد اللّه بن عباس يرغبه في المسير إليه و ضمن له الف الف درهم يعجّل له منها النصف و يعطيه النصف الآخر عند دخوله الى الكوفة، فانسل عبيد اللّه في الليل الى معسكر معاوية في خاصته و أصبح الناس و قد فقدوا أميرهم.

ثم صلّى بهم قيس بن سعد و خطب فقال: ان خان هذا الخائن امامه و غدر به فاثبتوا انتم و لا تغدروا و احذروا غضب اللّه و رسوله و قاتلوا اعداء اللّه، فقبلوا ظاهرا و لكن كان ينسلّ في كلّ ليلة جمع منهم الى معاوية و يفرّون من جيش الامام الحسن (عليه السلام).

فادرك الامام الحسن (عليه السلام) فساد نيات القوم من خلال خذلانهم له و بما اظهروه من السب و التكفير له، و استحلال دمه و نهب امواله، و لم يبق معه من يأمن غوائله الّا خاصته من شيعة ابيه و شيعته، و هم جماعة لا تقوم لإجناد الشام، فكتب إليه معاوية في الهدنة و الصلح و أنفذ إليه بكتب أصحابه الذين ضمنوا له فيها الفتك به و تسليمه إليه.

ثم كتب إليه معاوية: «يا ابن عمّ لا تقطع الرحم الذي بينك و بيني فانّ الناس قد غدروا بك و بأبيك من قبلك» .

فلمّا رأى الامام رسائل أصحابه، و رأى رغبة معاوية في الصلح و اشتراطه له على نفسه اذا اجابه الى الصلح شروطا كثيرة و عقد له عقودا بها مصالح شاملة، فلم يثق الحسن (عليه السلام) به و علم باحتياله بذلك و اغتياله له غير انّه لم يجد بدا من إجابته الى ما التمس من ترك الحرب و انفاذ الهدنة لما كان عليه اصحابه من النفاق و لو أراد الحرب لقتل هو و خاصته الذين كانوا معه و لم يبق منهم احد.

قال العلامة المجلسي رحمه اللّه في جلاء العيون: لمّا وصلت رسالة معاوية الى الحسن (عليه السلام) و رأى الامام رسائل المنافقين من اصحابه إليه و اطّلع على غدر عبيد اللّه، و ضعف جيشه و نفاقهم، قام و خطب فيهم لإتمام الحجة فقال: انّي لأعلم انكم غادرون ما بيني و بينكم انّ معسكري في الموضع الفلاني فوافوني هناك.

فعسكر (عليه السلام) في الموضع عشرة ايام فلم يحضره الا اربعة آلاف، فصعد الامام المنبر و قال: يا عجبا من قوم لا حياء لهم و لا دين، ويلكم انّ معاوية لا يفي لأحد منكم بما ضمنه في قتلي، و انّي أقدر أن أعبد اللّه عز و جل وحدي و لكني كأنّي أنظر الى ابنائكم واقفين على أبواب ابنائهم، يستسقونهم و يستطعمونهم بما جعله اللّه لهم فلا يسقون و لا يطعمون، و اللّه لو وجدت صابرين عارفين بحقّي غير منكرين ما سلّمت له هذا الامر لانّه محرم على بني اميّة فافّ و ترحا يا عبيد الدنيا.

 




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.