المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



لماذا لمْ يقم بالسيف أحد من الأئمة (عليهم السّلام) بعد الحسين (عليه السّلام) ؟  
  
5860   03:03 مساءً   التاريخ: 23-6-2019
المؤلف : الشيخ عبد الوهاب الكاشي .
الكتاب أو المصدر : مأساة الحسين (عليه السلام) بين السائل والمجيب
الجزء والصفحة : ص57-67.
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام الحسين بن علي الشهيد / استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء /

من الأخطاء التي وقع ويقع فيها بعض الناس هو القياس في سلوك الأنبياء والأوصياء فإذا أحد منهم قام بعمل بارز وحساس بحيث يعجبهم ويتلائم مع رغباتهم وأفكارهم فحينئذ يتوقّعون من الآخرين أيضاً أنْ يفعلوا نفس ذلك الفعل ويقوموا بمثل ما قام به فلان ؛ لأنّه أعجبهم ووافق أهوائهم وعلى هذا الأساس يقولون :

لماذا لمْ يقم أحد من الأئمّة بثورة مسلحة بعد الحسين (عليه السّلام) ؟ ومِنْ ثمّ رفض بعض المسلمين إمامة أي إمام لمْ يقم بالسيف ضد أعدائه . فالإمامة عندهم مشروطة بشرط الكفاح المسلح ؛ ولذا فهم يعترفون بإمامة علي (عليه السّلام) ثمّ الحسن (عليه السّلام) ثمّ الحسين (عليه السّلام) ثمّ زيد بن علي بن الحسين (عليه السّلام) وابنه يحيى بن زيد وهكذا أمّا زين العابدين ومحمد الباقر وجعفر الصادق (عليهم السّلام) فليسوا عندهم من الأئمّة ؛ لأنّهم لمْ يقوموا بالسيف . وهؤلاء [هم] الطائفة الزيدية الموجودون بكثرة في اليمن وغيرها .

والواقع أنّ هؤلاء وأمثالهم يظنّون أنّ مصلحة الاُمّة دائماً تدور مدار استعمال السيف والكفاح المسلّح وجوداً وعدماً فالإمام الذي لا يقوم بهذا الكفاح لمْ يخدم مصلحة الاُمّة غافلين عن أنّ استعمال السيف هو علاج اضطراري ومِنْ باب آخر الدواء الكي .

فهذا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مثلاً لمْ يستعمل السيف إلاّ بعد مضي ثلاثة عشر سنة أو أكثر مِنْ بدء الدعوة وبعد أنْ اضطر لاستعماله دفاعاً عن النفس وفي وجه اُناس كان موقفه معهم موقف حياة أو موت .

وبعده الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) أغمد سيفه خمساً وعشرين سنة وصار يدعو إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة ويجادلهم بالتي هي أحسن وأخيراً اضطر إلى استعمال السيف ضد اُناس فشلت معهم جميع الوسائل السلمية .

وبعده الإمام الحسن (عليه السّلام) الذي جرّد السيف في بدء الأمر ضد العدو ولكن لمّا ثبت لديه أنّ الكفاح السلمي والحرب الباردة في ذلك الظرف وفي تلك الأحوال أنجح وأنفع للمصلحة العامّة والإسلام من السيف ترك الحرب وجنح للسلم والمصالحة .

فالغرض : أنّه لا شك في أنّ مصلحة الحقّ والدين ليست منحصرة في الحرب بالسيف وفي الثورة الدمويّة دائماً بل في بعض الأحيان والأحوال وفي حالات شاذّة نادرة . فالحقّ لا يُفرض بالسيف والعقيدة لا تركّز بالقوّة ودين الله لا يقوم على الإكراه والإجبار .

وقد ذكرنا فيما سبق أنّ ظروف الحسين (عليه السّلام) كانت ظروفاً شاذّة انعدمت فيها كلّ وسائل الدعوة السلمية ولمْ يجد الحسين (عليه السّلام) معها بداً مِنْ أنْ يقوم بحركة غريبة ومدهشة لجلب الرأي العام وإلفات الأنظار وتحريك الضمير الإنساني .

وقد تحقّق كلّ ما أراده بحركته وبقي استغلال ذلك النتاج وصيانة تلك الثمرة بالبيان والتوجيه ورعاية تلك المكاسب بالدعم الفكري والعلمي والعملي ؛ وهذا هو بالذات كان دور الأئمّة (عليهم السّلام) مِنْ أبنائه بعده وقد قاموا به على أحسن ما يرام وأتمّ ما يكون .

فالحسين (عليه السّلام) وجّه بثورته الأفكار ولفت الأنظار إلى عدالة قضية أهل البيت (عليهم السّلام) وأنّهم مع الحقّ والحقّ معهم وأنّ خصومهم مع الباطل . ولكن يا ترى ما هي تفاصيل تلك القضية ؟ ـ أي قضية أهل البيت (عليهم السّلام) ـ وما هو مفصل هذا الحقّ الذي لهم ومعهم ؟ وما هو وجه الخلاف بينهم وبين غيرهم ؟

فهذه التفاصيل والشروح والبيانات للناس قام بها أبناؤه (عليهم السّلام) بعده بشتى الوسائل الممكنة لديهم ؛ وبذلك ظهر الحقّ وانتشر على الصعيد الفكري عامّة وعلى الصعيد العملي إلى حدّ كبير نسبة .

أمّا إذا قلت : لماذا قعدوا عن استعادة حقّهم المغتصب ولمْ يقوموا بثورة لاسترجاع الخلافة والإمرة والحكم ؟

قلت : إنّ ذلك لمْ يكن مقدوراً لهم جميعاً ولمْ تتوفّر لأحدهم الإمكانيات لذلك الغرض كما لمْ تتوفّر للحسن ولا للحسين (عليهما السّلام) كما قدّمنا سابقاً وأعني بتلك الإمكانيات اللازمة لاسترجاع الخلافة مِنْ أيدي الغاصبين الأعوان والأنصار بالقدر اللازم والعدد الكافي والنصاب الشرعي المعروف وهو النصف مِنْ عدد العدو وحسب نصوص الآية الكريمة : {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 66] , وكان النصاب الموجب للقتال قبل هذا هو العشر كما في صريح الآية الكريمة التي قبلها : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ....} [الأنفال: 65] , فكان النصاب المبرّر للقتال أوّلاً هو العشر ثمّ نسخ وصار النصف مِنْ قوّة العدو . ولا شك في أنّ النصاب الشرعي بصورتيه الأولى والثانية لمْ يحصل لأحد الأئمّة (عليهم السّلام) بعد النبي (صلّى الله عليه وآله) سوى علي بن أبي طالب (عليه السّلام) ؛ فإنّه الوحيد مِنْ بينهم الذي حصل على النصاب المذكور وتمكّن من القيام واستحصال حقّه .

وأمّا الباقون فلمْ يحصلوا على أعوان وأنصار حتّى بمقدار النصاب الأول وهو العشر فضلاً عن النصف ؛ فالحسن (عليه السّلام) مثلاً بقي بعد خيانة الجيش في أهل بيته وعدد قليل من الأصحاب والأنصار لا يتجاوزون المئة رجل وفي قباله معاوية ومعه ستّون أو سبعون ألف مقاتل .

فأيّ توازن وأيّ تقارب بين القوّتين ؟! لذلك سقط عنه تكليف الجهاد الشرعي ولمْ يبقَ أمامه إلاّ التضحية والشهادة أو الصلح والمهادنة فاختار الصلح ؛ لأنّه كان أصلح يومئذ وأنفع لمصلحة الإسلام العُليا من التضحية حسب ما فصلناه سابقاً فراجع .

وكذلك الأمر مع الحسين (عليه السّلام) كما تعلم حيث بقي في نيف وسبعين رجلاً في مقابل سبعين ألفاً من الأعداء ولكنّه (عليه السّلام) آثر الشهادة والقيام بعمله الفدائي الخاص نظراً لظروفه الخاصّة حسبما فصّلناه سابقاً .

وأمّا باقي الأئمّة (عليهم السّلام) فحالهم لمْ تختلف عن حال الحسن والحسين (عليهما السّلام) بل ربّما كان أشدّ وأحرج .

يلتفت ذلك الرجل إلى الإمام الصادق (عليه السّلام) وهو يمشي معه في ضواحي المدينة فيقول له : يا سيدي كيف يجوز لك السكوت والقعود عن حقّك وأنت صاحب هذا الأمر وابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ؟!

فسكت عنه الإمام الصادق (عليه السّلام) حتّى مرّ بهم راع يسوق قطيعاً من الغنم فقال له الإمام (عليه السّلام) : يا فلان كمْ تعدّ هذا القطيع ؟  . فقال الرجل : لا أدري . فقال (عليه السّلام) : والله لو كان لي أنصار عدد هذا القطيع لنهضت بهم  . فعطف الرجل على القطيع فعدّه فإذا هو سبعة عشر رأس .

ودخل سهل بن الحسن الخراساني عليه ذات يوم وقال : يابن رسول الله لا يجوز لك القعود عن حقّك ولك في خراسان مئة ألف رجل يُقاتلون بين يديك مِنْ شيعتك .

فقال له الإمام الصادق (عليه السّلام) : وأنت منهم يا سهل ؟  . فقال : نعم جعلت فداك يا سيدي . فقال له : اجلس  . فجلس ثمّ أمر الإمام (عليه السّلام) الجارية وقال : يا جارية أسجري التنور  . فسجرته حتّى صار اللّهب يتصاعد مِنْ فم التنور فالتفت الصادق (عليه السّلام) إلى سهل الخراساني وقال : يا سهل أنت مِنْ هؤلاء الذين ذكرت أنّهم يطيعون أمري ؟  . فقال : نعم سيدي أفديك بروحي . فقال (عليه السّلام) : قم وادخل في هذا التنور  . فقال سهل : أقلني أقالك الله يابن رسول الله . فقال (عليه السّلام) : قد أقلتك  .

فبينا هم كذلك إذ دخل أبو هارون المكّي (رحمه الله) فسلّم فردّ (عليه السّلام) وقال له : يا أبا هارون , ادخل في التنور  . فقال له : سمعاً وطاعة . ثم ألقى نعله وشمّر عن ثيابه ودخل في التنور , فقال الإمام (عليه السّلام) : يا جارية اجعلي عليه غطاءه  . فغطّته .

ثمّ التفت الإمام (عليه السّلام) إلى سهل بن الحسن وصار يحدّثه فقال سهل : إئذن لي يا سيدي أنْ أقوم وأنظر ما جرى على هذا الرجل . فقال (عليه السّلام) : نعم  . ثمّ قام ومعه سهل وكشف الغطاء عن التنور وإذا أبو هارون جالس على رماد بارد فقال له الإمام : اخرج  . فخرج صحيحاً سالماً لمْ يصبه أيّ أذى .

فقال (عليه السّلام) : يا سهل كم تجد مثل هذا في خراسان ؟  . فقال سهل : ولا واحد يابن رسول الله .

وهذه العملية هي كرامة ولا شك أظهرها الإمام الصادق (عليه السّلام) وعبّر بها عن أنّ أهل البيت إنّما هم بحاجة إلى جيش عقائدي يطيع الأوامر الصادرة إليه من الإمام (عليه السّلام) مهما كانت لا يعرف التردّد والهزيمة ولا يفكّر بغير الشهادة أو الغلبة ؛ لثقته التامّة بالإمام (عليه السّلام) واعتقاده الراسخ المتين بأنّ أوامره مِنْ أمر الله ورسوله وهو أعرف بالصالح والفاسد والحقّ والباطل مِنْ جميع الناس .

فهم بحاجة إلى هكذا جيش متوفّر لديهم قدر النصاب الشرعي على الأقل وقبل القيام بالحركة أو الثورة ؛ لكي لا تتكرر نكسة صفين أو مأساة كربلاء أو نكبة الحسن على يد جيشه يوم ساباط .

وخلاصة الكلام هو أنْ نقول : أمّا القيام لأجل أخذ حقّهم في الخلافة وانتزاع السلطة مِنْ أيدي الظالمين فإنّه كان مستحيلاً عادة بالنسبة لهم ؛ لعدم توفّر الشرائط واللوازم الضرورية لمثل هذا القيام لديهم وأهمّها الأنصار والأعوان المخلصون .

غير أنّهم كانوا يدعمون معنويّاً وماديّاً وفكريّاً قدر استطاعتهم كلّ الثورات الحرّة والحركات الإصلاحية التي كانت تقوم بين حين وآخر ضد الاُمويِّين أو العباسيِّين مثل : ثورة أهل المدينة على يزيد (لعنه الله) وثورة زيد بن علي بن الحسين على عبد الملك بن مروان وثورة المختار الثقفي في الكوفة وثورة محمد ذو النفس الزكية على المنصور العباسي وبعدها ثورة أخيه إبراهيم أحمر العينين على المنصور أيضاً وغيرها .

وأمّا القيام لأجل التضحية والشهادة مثل قيام الحسين (عليه السّلام) فإنّه لمْ يكن ضرورياً في عصرهم ؛ لأنّ وسائل الإعلام والدعوة إلى الحقّ وطرق إتمام الحجّة وتبيلغ الرسالة لمْ تنعدم كليّاً في عصر الأئمّة (عليهم السّلام) كما انعدمت في عصر الحسين (عليه السّلام) حتّى اضطر إلى القيام بالإبلاغ والإعلام عن طريق التضحية والشهادة .

فالإمام الباقر والإمام الصادق (عليهما السّلام) مثلاً قاما بأوسع حركة علميّة مستطاعة في  ذلك العصر عن طريق المدرسة والتدريس ونشر العلم واستقطاب العلماء وتربية ثلة من الشباب المؤمن بالتربية الإسلاميّة وبثهم في الأقطار والأمصار يبشرون ويرشدون ويعلّمون . فكان عصرهما (عليهما السّلام) أحسن عصور الإسلام ازدهاراً بالعلم والمعرفة وتقدّم الثقافة وكثرة المدارس والمجالس العلميّة .

وبقي الحال على هذا الوصف بل وازداد تقدّماً وازدهاراً إلى عصر الإمام الرضا والجواد (عليهما السّلام) . . . وهما اللذان كوّنا بجهودهما وبمعونة المأمون العباسي وتعاون المجتمع معهما كونا من المسلمين أساتذة للعالم الغربي اليوم بكلّ علومه واكتشافاته المدهشة .

قال ابن الوشا : دخلت إلى جامع الكوفة في أيّام الرضا (عليه السّلام) فرأيت تسعمئة شيخ يحدّثون ويدّرسون ويقولون : حدّثنا جعفر بن محمد (عليه السّلام) .

وفي الختام نكرّر القول : بأنّ خدمة المصلحة العامّة ونصرة الحقّ ومكافحة الباطل والظلم ليست في الحرب دائماً بل الأمر يختلف باختلاف الظروف والأحوال .

والحرب الدمويّة هي آخر وسيلة يفكر فيها المصلحون المخلصون لاُمّتهم وللصالح العام بعد اليأس من الوسائل السلمية . وإلى هذا يشير الإمام علي (عليه السّلام) في كلماته القصار : رأي الشيخ أحبّ إليّ مِنْ جلد الغلام  .

وإلى هذا يشير المتنبي الشاعر في أبياته المعروفة فيقول :

الـرأيُ ثمّ شجاعةُ الشجعانِ      هو  أوّل وهي المحلّ الثاني

فـإذا هما اجتمعا لنفس حرّة      بـلغتْ من العلياءِ كلَّ مكانِ

و لـربّما طعن الفتى أعداءهُ      بالرأي  قبل تطاعنِ الأقرانِ

لولا العقولُ لكان أدنى ضيغم      أدنى  إلى شرف من الإنسانِ

وقد جاء في الحديث الشريف قوله (صلّى الله عليه وآله) : مدادُ العلماء أفضل مِنْ دماء الشهداء.

هل يمتاز الحسين (عليه السّلام) على سائر الأئمّة (عليهم السّلام) في الصفات التي اشتهر بها ؟

يعرف الحسين (عليه السّلام) لدى الرأي العام بصفة الثورية والصلابة والشجاعة وإباء الضيم فهل هذا يعني أنّ الحسين كان متفوّقاً على سائر الأئمّة (عليهم السّلام) في هذه الصفات أو أنّ غيره من الأئمّة (عليهم السّلام) أو بعضهم على الأقل كان محروماً مِنْ هذه الصفات ؟ الجواب : كلاّ . . .

فالواقع هو أنّ الأئمّة الاثني عشر الذين أوّلهم علي بن أبي طالب (عليه السّلام) وآخرهم المهدي المنتظر (عليه السّلام) كلّهم في مستوى واحد مِنْ حيث جميع الفضائل الكمالية والصفات الإنسانية ومكارم الأخلاق .

وهم بمجموعهم يفوقون كافّة الناس في التحلّي بالفضائل والكمالات أي ليس في العالم مثلهم بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله) ولا نظير لهم في أي فضيلة أو كمال نفسي ؛ لأنّ ذلك شرط العصمة ولازمها .

وقد ثبت بدليل العقل والنقل أنّهم معصومون ولا يكفي في تحقق العصمة لشخص ما أنْ يكون مؤمناً صالح العمل والسيرة والأخلاق فحسب بل يجب أنْ يكون أيضاً فوق مستوى الناس في العلم والإيمان والعمل الصالح ومكارم الأخلاق ومِنْ ثمّ يستحق منصب الإمامة على الناس .

ومن شواهد ذلك قول الخليل بن أحمد العالم النحوي عندما سُئل : ما الدليل على إمامة علي (عليه السّلام) بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) دون سائر الصحابة ؟ فقال : الدليل استغناؤه عن الكلّ واحتياج الكل إليه .

وهذا الدليل يجري بالنسبة إلى باقِ الأئمّة الأحد عشر مِنْ أبنائه أيضاً وهو أمر يفرضه العقل والمنطق والعدل . إذ إنّه لو وجد شخص آخر في عصر الإمام المعيّن هو مثل الإمام ومساو له في الفضل والكمال يكون حينئذ تقديم أحدهما على الآخر للإمامة والقيادة باطلاً عقلاً ؛ لأنّه ترجيح بلا مرجح .

أمّا إذا وجد مَنْ هو أفضل من الإمام وأرفع مستوىً في العلم والقدرة والعمل فتقديم الإمام عليه أقبح عقلاً وأشدّ بطلاناً ؛ لأنّه مِنْ باب تقديم المفضول على الفاضل أو تقديم الفاضل على الأفضل وهو فاسد .

فالله تعالى إمّا اختار علياً (عليه السّلام) وأبناءه الأحد عشر المعروفين للخلافة عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) ولقيادة الاُمّة بعده علماً منه تعالى بأنّ هؤلاء هم أكمل الناس وأفضلهم جميعاً إيماناً وعلماً وعملاً .

وأشار تعالى في كتابه العزيز إلى أنّ ملاك الإمامة والإمارة إنّما هي في الأفضلية لا غير فقال تعالى : {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9] , وقال تعالى : {أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقّ أَحَقّ أَن يُتّبَعَ أَمْ مَن لاَ يَهِدّي إِلاّ أَن يُهْدَى‏ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } [ سورة يونس : 35] , وقال تعالى : {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11] , وقال تعالى : {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة: 124].

وقد نصّ الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) على هذا الملاك للسيادة والإمامة والإمرة في كلماته القصار فقال : أحسن إلى مَنْ شئت تكن أميرَه واحتج إلى مَنْ شئت تكن أسيرَه واستغن عمّن شئت تكن نظيرَه  .

وقد كشف رسول الله (صلّى الله عليه وآله) النقاب عن أنّ هذا الملاك متوفّر ومتحقّق فيه وفي أهل بيته الطاهرين (عليهم السّلام) فقال في وصيته العامّة قبيل وفاته : أيّها الناس لا تتقدّموهم فتهلكوا ولا تتأخروا عنهم فتضلّوا ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم  .

وفي بعض خطب الإمام أمير المؤمنين من (عليه السّلام) نهج البلاغة قوله : لا يُقاس بآل محمد مِنْ هذه الاُمّة أحد ولا يسوّى بهم مَنْ جرت نعمتهم عليه أبداً ؛ هم أساس الدين وعماد اليقين بهم يلحق التالي وإليهم يفيء الغالي ولهم خصائص حقّ الولاية وفيهم النبوّة والوراثة  .

وقال (عليه السّلام) في مقام آخر : نحن صنايع ربّنا والخلق بعد صنايع لنا  , أي أنّ كمالهم مِنْ كمال الله سبحانه وكلّ كمال وصلاح وفضل يوجد في الناس فهو مِنْ طهرهم وفضلهم وصلاحهم (عليهم السّلام) .

وبعبارة اُخرى : إنّهم تربية الله تعالى والصالحون من الناس تربيتهم هم (صلوات الله عليهم) .

فالغرض : أنّ أهل البيت (عليهم السّلام) أفضل الخلق وأكملهم بعد جدّهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأمّا هم وفيما بينهم فلا تفاضل ولا امتياز لأحدهم على الآخر في هذا الأصل أي أصل الكمال والعصمة . نعم قد يوجد تفاضل بينهم ولكن باعتبارات ثانوية كالاُبوّة والبنوة مثلاً .

ولعلك تقول : إذا كان الأمر كذلك فلماذا عرف واشتهر بعضهم في بعض الصفات الكمالية دون الآخرين ؟ كالإمام علي (عليه السّلام) مثلاً الذي عُرف بالبطولة والشجاعة والإمام الحسن (عليه السّلام) الذي عُرف بالحلم والصبر وكظم الغيظ والإمام الحسين (عليه السّلام) الذي عُرف بإباء الضيم والثورية والشدّة مع العدو والإمام زين العابدين (عليه السّلام) الذي عرف بالعبادة والإمامين الباقر والصادق (عليهما السّلام) اللذين عرفا بالعلم . . . وهكذا .

فنقول في الجواب : إنّ السبب في اشتهار هؤلاء بتلك الصفات لا يعود إلى تفوّق ذاتي وإلى أنّ هؤلاء توفّرت فيهم هذه الصفات دون الآخرين أو أكثر من الآخرين ! كلا .

فالشجاعة التي كانت في الإمام علي (عليه السّلام) مثلاً مثلها تماماً كان في الحسن والسجاد والباقر والصادق (عليهم السّلام) وغيرهم وكذلك الحلم الذي كان في الحسن وإباء الضيم والثورية اللذان كانا في الحسين وهكذا وعلى هذا القياس .

وإنّما السبب في ذلك ـ أي في اشتهار بعضهم ببعض الصفات الكمالية دون البعض الآخر ـ يعود بصورة رئيسة إلى الظروف الخاصة والمقتضيات الزمنية التي عاشها كلّ منهم ؛ فالإمام علي (عليه السّلام) عاش فترة خاصة وظروفاً معينة اقتضت منه أنْ يبرز شجاعته ويظهر بطولته ؛ بسبب الحروب التي خاضها دفاعاً عن الإسلام وصيانة له مع الرسول (صلّى الله عليه وآله) وبعد الرسول (صلّى الله عليه وآله) . وأي واحد من الأئمة (عليهم السّلام) لو كان في عصر الإمام علي (عليه السّلام) وفي مثل ظروفه ومسؤولياته لأظهر من الشجاعة مثل ما أظهره الإمام علي (عليه السّلام) .

وأما الحسن (عليه السّلام) فبالعكس فإنّه عاش في ظرف كانت مصلحة الإسلام تقتضي منه المسالمة والمصالحة والصبر ؛ فلذلك عرف بالحلم . لكن الحسين (عليه السّلام) كانت ظروفه تفرض غير ذلك أي الاعتماد على الشدّة والثورة ورفض أي مسالمة ومصالحة مع حكّام عصره ؛ لذلك عرف بالإباء والثورية وصلابة العزيمة .

وأيّ إمام آخر لو كان بمكان الحسين وفي عصره وظروفه لما كان يعمل إلاّ ما عمله الحسين (عليه السّلام) وما قام به من الثورة والتضحية حسب ما شرحنا ذلك في بعض الفصول السابقة .

أمّا عصر الإمام الباقر وابنه جعفر الصادق (عليهما السّلام) فإنّه كان يتطلّب منهما الاعتماد على نشر العلم وبثّ الوعي العلمي وإرسال البعثات العلميّة وفتح المدارس والدورات الدراسية ؛ لمكافحة الدسائس الفكرية والتطرف العقائدي والفلسفات المادية التي تسرّبت إلى المسلمين بحكم اتصالهم بالأمم والشعوب الاُخرى ؛ لذلك فقد أسسا أكبر جامعة علميّة في العالم الإسلامي حيث انتمى إليها أكثر مِنْ أربعة آلاف طالب ؛ ومِنْ هنا عرفا بالعلم وكثرة الأحاديث والأخبار التي رويت عنهما حتّى روى راو واحد عن الإمام الباقر (عليه السّلام) ثلاثين ألف حديث وهو جابر الجعفي وهكذا .

وكلّ من الأئمة (عليهم السّلام) لو كان بمكانهما لعُرف بمثل ما عُرفا به ونشر من العلم مثل ما نشر الباقر والصادق (عليهما السّلام) .

والخلاصة : إنّ من الغلط الفاحش والخطأ الكبير ما يظنّه البعض مِنْ أنّ اشتهار بعض الأئمّة (عليهم السّلام) ببعض الصفات كانت بسبب ذاتي وملكات خاصة ومواهب فطرية معينة . كلا ليس كذلك ؛ فثورية الحسين (عليه السّلام) وإباؤه للضيم وشدّته مع الأعداء مثلاً ليست ناشئة عن حرارة دموية ومزاج عصبي خاص به ولا مِنْ كبت نفسي كما يزعم الكتاب الجاهلون بحقيقة الحسين (عليه السّلام) ومقامه وحقيقة أهل البيت (عليهم السّلام) .

وكذلك مسالمة الحسن (عليه السّلام) وصفته السلمية وحلمه مع الأعداء لمْ تكن أثراً لبرودة دمه وهدوء أعصابه ومزاج خاص به حسبما يصوّره لنا بعض المتطفّلين على الكتابة عن أهل البيت (عليهم السّلام) .

فالحقيقة هو أنّ كلّ ما قام به الحسن أو الحسين (عليهما السّلام) وغيرهما مِنْ أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام) إنّما هو ناشئ ونابع عن إرادة الله وأمره وإيعاز من النبي (صلّى الله عليه وآله) مِنْ قبل ؛ خدمة لمصلحة الإسلام العليا وتمشياً مع متطلبات الظرف والأحوال .

إنّ أهواء النفس والعواطف والغرائز والحالات الفطرية العضوية لا تأثير لها مطلقاً على تصرّفات أهل بيت العصمة (عليهم السّلام) .

إنّ سيرة أهل البيت (عليهم السّلام) وسلوكهم في هذه الحياة كيّفتها الحكمة والمصلحة لا الغرائز والأمزجة وعواطف النفس الحيوانية . وكلّ حركة أو سكون أو فعل أو ترك وكلّ وجه مِنْ أوجه النشاط قام به أحدهم كان بوحي من الله ورسوله مطابقاً للكتاب والسنّة . هذا ما أثبتته الأحاديث الشريفة الصحيحة عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) وأكّدته التجارب والنتائج الواقعية .

فمن الأحاديث المؤكّدة قوله (صلّى الله عليه وآله) : إنّي مخلّف فيكم الثقلين ؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إنْ تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً ؛ فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض  .

وقوله (صلّى الله عليه وآله) في حقّ علي بن أبي طالب (عليه السّلام) : علي مع الحقّ والحقّ مع علي يدور معه حيثما دار  .

وقال (صلّى الله عليه وآله) في دعائه له يوم الغدير : اللّهمَّ والي مَنْ والاه وعادي مَنْ عاداه وانصر مَنْ نصره واخذل مَنْ خذله وأدر الحقّ معه حيثما دار  .

وقال (صلّى الله عليه وآله) في حقّ الحسن والحسين (عليهما السّلام) : هما إمامان قاما أو قعدا .

وأخيراً قوله (صلّى الله عليه وآله) : مَثلُ أهل بيتي فيكم كسفينة نوح مَنْ ركبها نجا ومَنْ تخلّف عنها غرق وهوى  .

وهناك أخبار صحيحة ومعتبرة مفادها : أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) خلّف لأوصيائه الاثني عشر (صلوات الله عليهم) اثني عشر صحيفة لكلّ إمام منه صحيفته الخاصة وفيها تكاليفه المفروض عليه القيام بها في دور إمامته . وقد عمل كلّ منهم على ضوء ما في صحيفته مِنْ أوامر ونواهي وأحكام .

وهذا ما أشار إليه الحسين (عليه السّلام) في حديث مع الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري لمّا دخل عليه وهو في مكّة المكرّمة وقال له : يابن رسول الله إنّي لا أرى لك إلاّ أنْ تسالم وتصالح يزيد كما صالح أخوك الحسن (عليه السّلام) معاوية مِنْ قبل ؛ فإنّه كان موقفاً رشيداً . فقال له الحسين (عليه السّلام) : يا جابر إنّ أخي فعل ما فعل بأمر من الله ورسوله وأنا أفعل ما أفعل بأمر من الله ورسوله . . .  الخبر .

وعلى كلّ حال فلقد عُرف الحسين (عليه السّلام) أكثر ما عُرف بصفة الثورية وإباء الضيم وبلغت شهرته في هذه الصفة حدّاً كبيراً حتّى اعتبره الرأي العام قدوة الأحرار والمثل الأعلى للثوار في العالم وسيد أباة الضيم في التاريخ .

فهذا مثلاً العلاّمة المعتزلي عقد فصلاً في كتابه شرح نهج البلاغة ذكر فيه المعروفين بإباء الضيم من العرب في الجاهليّة والإسلام ثمّ يقول في الختام : وسيد أباة الضيم جميعاً والذي علّم الناس كيف يختارون الموت مع العزّ وتحت ظلال السيوف على الحياة مع الذل هو أبو عبد الله الحسين (عليه السّلام) .

هذا ولا تزال بعض كلمات الحسين مبدأً وشعاراً يعلنه ويرفعه كلّ الثوار في كلّ زمان ومكان مثل قوله (عليه السّلام) : ألا وإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برماً  . وقوله (عليه السّلام) : ألا وإنّ الدّعيّ ابن الدعي قد ركز بين اثنتين ؛ بين السلّة والذلّة وهيهات منّا الذلّة  . وقوله (عليه السّلام) : لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقرّ لكم إقرار العبيد  .

وممّا يتحدّث به المؤرّخون بإعجاب مِنْ صفات الحسين (عليه السّلام) هي شجاعته المدهشة التي أبداها يوم كربلاء في ذلك الموقف الرهيب .

فقد ورد عن لسان بعض مقاتليه مِنْ جيش عمر بن سعد قوله : والله ما رأيت مكثوراً قط قد قُتل ولده وإخوته وأهل بيته أربط جأشاً ولا أقوى جناناً من الحسين (عليه السّلام) ؛ فلقد كانت الرجال تشدّ عليه مِنْ كلّ جانب فكان يشدّ عليها فتهزم مِنْ بين يديه انهزام المعزى إذا حلّ فيها الأسد . وكانوا ينكشفون عنه يميناًً وشمالاً كأنّهم الجراد المنتشر وقد تكاملوا ثلاثين ألفاً وهو وحيد فإذا أبعدهم عن المخيم عاد إلى موقفه أمام البيوت وهو يكثر مِنْ قوله : لا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم  .

وذكر أرباب المقاتل : أنّ الحسين (عليه السّلام) حمل على الجيش في ذلك اليوم عدّة حملات قتل منهم في مجموعها ألفاً وتسعمئة وخمسين رجلاً حتّى صاح عمر بن الحجّاج الزبيدي وهو أحد قادة الجيش صاح بالناس مستثيراً لهم عليه قائلاً : ويلكم ! أتدرون لمَنْ تقاتلون ؟! هذا ابن الأنزع البطين هذا ابن قتّال العرب احملوا عليه حملة رجل واحد . هذا كلّه بالإضافة إلى ما كان يكابده في تلك الحال من العطش الشديد والجهد والإرهاق .

قالوا : كان العطش قد أثّر في شفتيه حتّى ذبلنا وأثّر في لسانه حتّى صار كالخشبة اليابسة وأثّر في عينيه حتّى صار يبصر ما بين السماء والأرض كالدخان .

وأمّا آلامه الجسدية والنفسية التي تراكمت عليه حينئذ فإنّها تهدّ الجبال فلقد كان (عليه السّلام) يعاني أشدّ الآلام النفسية بسبب ثكل الأولاد وفقد الأخوة والأقارب والأصحاب والشعور بالوحدة والاغتراب ومشاهدة النساء والأطفال حيارى مدهوشين مذهولين مِنْ تراكم المصائب وألم الضما على أبواب الخيام وداخلها إلى جنب ابنه المريض المسجى على الأرض الفاقد الوعي مِنْ شدّة السقام .

هذا وأكثر مِنْ هذا ممّا يضيق البيان عن وصفه ويعجز اللسان عن ذكره وتفصيله ومع ذلك كلّه فلقد كان (عليه السّلام) كما وصفة السيد الحلي (رحمه الله) :

ركين وللأرضِ تحتَ الكماة      رجـيـف يـزلزلُ ثهلانَها

أقرّ على الأرضِ من ظهرها      إذا مـلـملَ الرعبُ أقرانَها

تـزيدُ  الـطلاقةُ في وجههِ      إذا غـيّر  الـخوفُ ألوانَها

وأضـرمَها  لـعنانِ السماء      حـمـراءَ  تـلـفحُ أعنانَها

ولـمّـا  قـضى للعُلا حقّها      وشـيّـدَ بـالـسيفِ بنيانَها

تـرجّـلَ للموتِ عن سابق      لـهُ أخـلـتِ الخيلُ ميدانَها

كــأنّ  الـمنيةَ كانتْ لديه      فـتـاة  تـواصلُ خلصانها

جـلتْها لهُ البيضُ في موقف      بـهِ  أثكلَ السمرُ خرصانَها

فـباتَ بها تحتَ ليلِ الكفاح      طـروبُ الـنـقيبةِ جذلانَها

وأصـبـحَ مشتجراً للرماح      تـحـلّي  الـدمامنة مرّانَها

فـما أجلتِ الحربُ عن مثلهِ      صـريـعـاً يجبّن شجعانَها

 




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.