وقعة النخيلة:

قال ابو العباس بعد ان فارق جماعة من الخوارج عبدالله بن وهب ، ولجأ بعضهم يوم النهروان الى راية ابي أيوب الأنصاري . والبعض الذي تخلف منهم بالكوفة لم يخرجوا الى النهروان . اجتمع هؤلاء كلهم وتواصوا فيما بينهم . وتعاضدوا وتأسفوا على خذلانهم أصحابهم بالنهروان . وكان خطيبهم يؤمئذ المستورد . من بني سعد بن زيد مناة ، وخرجوا الى النخيلة . فوجه اليهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) ابن عمه عبدالله بن العباس داعياً فقالوا له يا بن عباس اذا كان علي على حق لم يشكك فيه . وحكم مضطراً فما باله حيث ظفر لم يسب فقال لهم ابن عباس قد سمعتم الجواب في التحكيم فأما قولكم في السباء أفكنتم سابين أمكم عائشة . فوضعوا أصابعهم في آذانهم وقالوا أمسك عنا غرب لسانك يا بن عباس . فانه طلق ذلق غواص على موضع الحجة ، قال : وأبوا الا الإنشقاق .

فلما رأى ابن عباس ذلك رجع الى أمير المؤمنين (عليه السلام) وأخبره .

قال : ولما أراد علي المسير اليهم . جاءه عفيف بن قيس . وقال له يا أمير المؤمنين لا تخرج في هذه الساعة . فانها ساعة نحس لعدوك عليك فقال له (عليه السلام) توكلت على الله وحده . وعصيت رأي كل متكهن . انت تزعم أنك تعرف وقت الظفر من وقت الخذلان {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [هود: 56]. ثم سار اليهم فطحنهم جميعاً لم يفلت منهم إلا خمسه . منهم المستورد ابن جوين الطائي (1) وفروة بن شريك الأشجعي ، وهم الذي ذكرهم الحسن البصري . فقال دعاهم الى دين الله . فجعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم . وأصروا واستكبروا استكباراً فسار اليهم أبو حسن فطحنهم طحناً . وفيهم يقول عمران بن حطان الفاسق:

اني ادين بما دان الشراة به * يوم النخيلة عند الجوسق الخرب

وقال الحميري رحمه الله يعارض هذا المذهب المزيف .

اني أدين بما دان الوصي به * يوم النخيلة من قتل المحلينا

وبالذي دان يوم النهر دنت به * وشاركت كفه كفي بصفينا

تلك الدماء معا يا رب في عنقي * ومثلها فاسقني آمين آمينا (2)

 ( أحاديث تروى عن عائشة )

ذكر احمد بن مردويه في مناقبه . عن أبي اليسر الأنصاري . عن ابيه . قال دخلت على أم المؤمنين عايشة . قال : فقالت : من قتل الخارجية ؟ قلت قتلهم علي (عليه السلام) . قالت ما يمنعني الذي في نفسي على علي ان أقول الحق سمعت رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) يقول : يقتلهم خير امتي من بعدي . وسمعته يقول علي مع الحق . والحق مع علي.

وعن مسروق ، قال : قالت لي عائشة . يا مسروق . انك من أكرم بني علي وأحبهم الي فهل ، عندك علم من ـ المخد ـ (3) ؟ قال قلت : نعم . قتله علي على نهر يقال لأسفله ـ تامراء وأعلاه النهروان . بين أخاقيق (4) وطرفاء ، قال : فقالت : فائتني معك بمن يشهد في ذلك ، فاتيتها بسبعين رجلاً فشهدوا عندها أن علياً قتله على نهر يقال لأسفله تامراء وأعلاه النهروان ، بين أخاقيق وطرفاء . فقالت لعن الله عمرو بن العاص فانه كتب الي انه قتل على نيل مصر ، قال : فقلت لها : يا ام اخبريني اي شيء سمعت من رسول الله (صل الله عليه وآله) يقول فيهم . قالت : سمعت رسول الله (صل الله عليه وآله) يقول هم شر الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق وأقربهم عند الله وسيلة يوم القيامة .

____________

(1) خرج المستورد هذا بعد ذلك على المغيرة بن شعبة وهو وإلى الكوفة فوجه إليه معقل بن قيس الرياحي . فاستدعاه المستورد إلى المبارزة وقال له علام يقتل الناس بيني وبينك . فقال له معقل النصف سألت فأقسم عليه أصحابه فقال ما كنت لا أبى عليه . فاختلفا بضربتين فخر كل واحد منها ميتاً .

(2) الكامل للمبرد . ج2 ص148 و149 طبع المكتبة التجارية .

(3) المخدج . . هو ناقص الخلقة ـ النهاية .

(4) الأخاقيق شقوق الأرض.