المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
ميعاد زراعة الجزر
2024-11-24
أثر التأثير الاسترجاعي على المناخ The Effects of Feedback on Climate
2024-11-24
عمليات الخدمة اللازمة للجزر
2024-11-24
العوامل الجوية المناسبة لزراعة الجزر
2024-11-24
الجزر Carrot (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-24
المناخ في مناطق أخرى
2024-11-24

الحجاري صاحب المسهب في أخبار المغرب
2024-05-11
Radical halogenation in the lab
30-9-2020
الماء الجاري
27-9-2016
احتجاج أبو أيوب الأنصاري على البيعة
10-4-2016
Differential Algebra
11-6-2018
ضرار بن الخطّاب
17-6-2017


كربلاء في القرن الثالث عشر  
  
2204   01:15 صباحاً   التاريخ: 22-5-2019
المؤلف : السيد عبد الحسين الكليدار آل طعمة .
الكتاب أو المصدر : بغية النبلاء في تاريخ كربلاء
الجزء والصفحة : ص24-32.
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام الحسين بن علي الشهيد / قضايا عامة /

ولم تزل كربلاء بين صعود وهبوط ورقي وانحطاط ؛ تارة تنحطّ فتخضع لدول الطوائف وطوراً تعمر متقدّمة بعض التقدّم إلى أن دخلت في حوزة الدولة العثمانيّة سنة 914 هجـ وأخذت تتنفّس الصعداء ممّا أصابها من نكبات الزمان وحوادث الدهر التي كادت تقضي عليها .

وبقيت مطمئنة البال مدّة طويلة تزيد على ثلاثة قرون ولم ترَ خلالها ما يكدّر صفو سكّانها حتّى مفتتح القرن الثالث عشر الهجري ؛ إذ كان هذا القرن من مبتدئه إلى منتهاه من أسوأ القرون التي مرّت بها المدينة المقدّسة كأنّما القدر أبى أن تعيش ولو إلى حين في طمأنينة وهدوء ؛ فأنزل ضربته القاضية بما حلّ بها من محن وإراقة دماء وخراب ونهب وإن كان ما حلّ بهذه المدينة المقدّسة ـ في هذا القرن ـ لم يقتصر عليها وحدها ولم يختصّ بها بل عمّ جميع البلاد وشمل البلاء سائر العباد .

ونظراً لعدم تسلسل الحوادث وترابطها وعدم وقوع حوادث ووقائع متتالية في قرن واحد كهذا القرن في القرون الماضية فرأينا عدم تثبيت تلك الحوادث هنا ولا يعني هذا خلوّ القرون الماضية من الحوادث والوقائع المهمّة بها , بل العكس من ذلك ؛ إذ حفظ التأريخ لنا حوادث غاية في الأهمية جرت على بسيط أديمها وقد ذكر ذلك صاحب الكامل وغيره لكن في قرون متباعدة .

وأستميح القارئ عذراً لتركي ذكر السنين والشهور والأيام على الترتيب من مبتدأ هذا القرن حتّى منتهاه كما يقتضي ؛ إذ هو من سنن  مؤرخي العرب وسبيل الفطاحل من أئمتهم ولا غرو فقد صنفوا مؤلّفاتهم في عصر رقي العرب وتمدّنهم والحال غني عن البيان والإيضاح عن كيفية ضبطهم للحوادث والوقائع بأوانها .

أمّا هذا القرن فهو أحد قرون تأخّر العرب وسقوطهم ؛ إذ فاقوا البرابرة أنفسهم بما جرّوه على البلاد من الخراب والدمار فأنى لهم العلم بضبط الحوادث وقيد كنه ترتيب الوقائع ؟!

ويجدر بنا قبل أن نتكلّم عن حوادث كربلاء الدامية في هذا القرن أن نعطف نظرنا إلى مجرى أحوال العراق السياسية والاجتماعية أبان الاحتلال العثماني لها ونعطي للقارئ فكرة موجزة عنها ؛ لكي نتقرّب ونتمكّن من أداء مقصودنا .

هذا ويقسم سير إدارة الحكم العثماني للعراق إلى ثلاثة أدوار امتازت هذه الأدوار بعضها عن بعض لنفوذهم ويسطرتهم حيناً دون حين , والذي يهمّنا في معرض حديثنا هذا هو سير إدارة الحكم العثماني في العراق إبان الدور الثاني والثالث .

 

الدور الثاني :

ابتدأ هذا الدور بعد هجوم نادر شاه على العراق ويقدّر أوّله بسنة ثلاث وستين بعد المئة والألف الهجرية وذلك عند إسناد ولاية بغداد إلى سليمان باشا مملوك أحمد باشا .

وقد ولع سليمان هذا باقتناء المماليك ولعاً عظيماً ؛ لكونه منهم وقد بذل جهداً كبيراً في سبيل تربيتهم وتعليمهم الفنون الحربية ؛ فعزّز ذلك من مركزه وحطّ من أنفه المستحقرين شأنه فاشتهر اسمه وبَعُد صيته في ضبطه للأمور وعبقريته الإدارية إلاّ أنّه فتح للعثمانيين باباً لم يتمكّنوا من ردمه إلاّ بعد مدّة من الزمن ؛ إذ فلتت زمام المبادرة من أيدي الحكومة  العثمانيّة ودخل العراق دوراً جديداً استقلّ فيه الولاة المماليك عن الحكومة العثمانيّة فأطلقوا أيديهم في العبث بشؤونها فأخذوا يتنافسون فيما بينهم للتوصّل إلى السلطة واندلعت الثورات في البلاد وقد آل حال هذا الدور إلى وضع غريب لا يمكن للباحث المحقّق أن يصف تلك الحالة وصفها [ الذي ] ينطبق على واقع الحال ؛ إذ كانت الأوضاع في تقلّب عجيب لم تستقرّ فيها على مبدأ واحد .

ولمّا وقع بين المماليك من التنافس والتناحر على السلطة لم يبقَ للولاة تلك الأهمية والنفوذ التي كانت لولاة الدور الأوّل ؛ فهذا عبد الله باشا طلب من حمود رئيس عشيرة المنتفق بتسليم سعيد بن سليمان الكبير , فرفض هذا الأخير طلبه حفظاً للجوار فاضطر الوزير إلى الخروج بنفسه ؛ لكي يحفظ ما تبقّى للوالي من هيبة وسلطة , فاشتبك مع حمود في معركة حامية .

فدارت الكرّة على الوزير لتفرّق بعض أعوانه عنه ؛ فأُسرت عساكره , ونُهبت سرادقه ووقع هو نفسه في الأسر فكبّل بالحديد ووضع القيد في عنقه وأُخذ إلى السوق ذليلاً فخُنق بها وقبر ثمّ نُبش وقطع رأسه فصار سعيد المستجير أميراً قام مقام الوزير لتعضيد حمود إياه ؛ إذ سيّر معه الجيوش إلى بغداد , ومكّنه من ولاية أمرها وصيانتها من تطاول الأيدي وإخضاع العصاة من أهل عصبياتها والمواقع الخارجة عن سيادتها .

فهذه البصرة أخذها صادق شقيق كريم خان الزند بعد أن حاصرها مدّة من الزمن دون أن يستطيع والي بغداد عمر باشا أن يفعل شيئاً ؛ لعدم وجود حامية في بغداد تعمل على استخلاص البصرة من أيدي الفرس وذلك بالرغم من تشدّد عبد الحميد واهتمامه للأمر وقيامه بإرسال الجيوش لها من عاصمته ؛ فإنّ ذلك لم يغن شيئاً ؛ إذ بقيت البصرة بأيدي الأعاجم حتّى أن بلغ صادق الزند خبر وفاة أخيه فتركها فوراً إلى عاصمته شيراز ؛ طمعاً بالسلطة , فعادت البصرة حينذاك فقط إلى حوزة الدولة العثمانيّة ؛ وذلك لميل أهلها .

ولعدم وجود حامية في بغداد استقلّ رؤساء الولايات كلّ بشؤون ولايته خلا البصرة ؛ إذ كانت الحكومة العثمانيّة ترسل إليها مَنْ يحكمها تحت اسم : ( المتسلّم ) وبعض الحلّة .

هذا وكان العثمانيون معذورين من عدم تركهم الحامية فيها أو إرسال الجند لإخضاع المتمرّدين بها ؛ وذلك لانشغالهم بأنفسهم وارتباك أمورهم ولكنّه إذا أعلن أحد ولاتهم العصيان عليهم فلا يتعدّى الحال أمرين ؛ إمّا أن يتداركوا الأمر بالحال أو ينتظرون ريثما يعيّنون والياً جديداً يسيّرون معه جيشاً لإخضاع الخارج عن إرادتهم وأخذ رأسه وإرساله إلى سرير السلطان .

وهناك وقع ما أغنى العثمانيّين من تكبّد هذه المشاق بما ظهر في البغداديين من الحماس والإقدام على عزل ولاتهم , وقتل بعضهم , ونصب مَنْ رغبوا فيه وكان ذلك من السهل عليهم بمكان ؛ فقد كانوا يتقدّمون إلى تقديم محضر يطلبون فيه من الملك التصديق على تعيينه فبوصول هذا المحضر كانت تصدر الإرادة موافقة على ذلك ؛ إذ لم يكن هناك مَنْ يبحث عن سبب ذلك .

ولسيادة الفوضى وكثرة القتل والنهب في البلاد اضطرب حبل الأمن , وانقطعت طرق المواصلات بين البلاد فألجأ هذا الحال الأمراء والولاة وبعض أهل الفضل إلى أن يبذلوا الأموال لتشييد المعاقل والخانات وتوظيف الخفراء فيها ؛ وذلك لتأمين المسافرين من الأخطار وليأخذوا بها قسطاً من الراحة أيضاً .

وتلك المعاقل موجودة حتّى اليوم بعضها عامر والبعض الآخر على شرف الاضمحلال ؛ لترك الناس لها عندما استتب الأمن نوعاً ما .

وكانت القوافل لا تسير أكثر من ساعتين أو ثلاث ؛ ولذلك راعوا في بناء هذه المعاقل أن تكون المسافة قليلة بين معقل وآخر فإذا خرجت القوافل من كربلاء قاصدة بغداد أمّنت المعقل الأوّل الذي يسمّى اليوم بـ ( خان العطيشي ) ثمّ إلى معقل المسيب ثمّ معقل الإسكندرية ثمّ معقل المحمودية وقد يمرّون بثلاثة معاقل حتّى يصلوا بغداد ولم تكن المسافة بين معقل وآخر لتتجاوز الثلاث ساعات . وبلغ الحال بها من السوء درجة أن أصبحت القوافل مهدّدة في أقلّ من هذه المسافة وأصبح الصعاليك يضربون الأتاوة على ما يتمكنون من استيفائه ؛ إذ لم تكن هناك قوّة حازمة لتردعهم .

فهؤلاء الزكاريت ـ وليسوا هم إلاّ من صعاليك البدو ـ كانوا يجبون بما في بساتين كربلاء من التمر وقد وصل الأمر من السوء درجة أنّه إذا اعترض أحد الأهالي عليهم أو تكلم عنهم بسوء فسوف يصبح وهو لا يملك من نفسه ولا أرضه شيئاً وربّما أجبروا الأهلين إلى تفويضهم حقّ امتلاك بساتينهم ؛ فكم ترك الأهالي لهؤلاء الصعاليك من الأراضي والبساتين ؛ إذ لليوم تطلق أسماؤهم على القطع التي اغتصبوها , فليت شعري إن كان هذا حال صعاليكها ومستضعفيها فبالله ماذا يكون من أمر أهل عدّتها وعدديها ؟!

فلا نستغرب إذاً من أنّهم قد ألقوا الذعر والفزع في نفوس أهل المدن الكبرى ؛ إذ إنّ لعصبياتهم وتحزّبهم صار شرّهم لا يُطاق ؛ لنهب كلّ عشيرة ما يجاورها من النواحي والأقضية والمدن لزبيد الحلّة وتوابعها إذ إنّ موطنهم الجزيرة بين النهرين ولخزاعة حسكة وتوابعها , وموطنهم الديوانية ـ على أنّها اتخذت ديواناً لرؤسائهم ـ وللمنتفق البصرة لقرب موطنهم منها ولبني لام بدرة وجصان وقد وصلت بغداد غاراتهم وللضفير الذين هم من البدو الرحل عند ورودهم العراق السماوة والرماحية ولشمر كلّ العراق ؛ إذ إنّهم لا يأوون إلى محلّ يختص بهم دون غيرهم .

ولربّما اتفق هؤلاء جميعاً وشاركهم مَنْ هم على شاكلتهم في حصارهم للمدن . وقد صادف في بعض السنين أن ورد من الإيرانيين إلى كربلاء بقصد الزيارة ما ينوف عددهم على الأربعين ألف زائر وفيهم زوجة شاه إيران فتحرّكت عليهم أطماع العرب ؛ فاتفقت خزاعة وزبيد وشمر وآل ضفير إلى نهبهم فقصدوا كربلاء وحاصروها مدّة من الزمن ؛ ولوجود زوجة الشاه بينهم خاف سعيد باشا والي بغداد حينذاك من عواقب الأمور , فاهتم لذلك وبعث داود الذي صار والياً على بغداد بعد حين لما عرف فيه من الكفاية والبسالة والإقدام ؛ إذ كان ذلك بادياً على محياه من نعومة أظفاره .

فقام داود بالمهمة التي عهدت إليه ؛ إذ جنّد ما تمكّن من تجنيده من المتطوّعة ونزل الحلّة إلى أن تمكّن بعد جهد جهيد من ردع هؤلاء الأعراب وتفريق جمعهم فسيّر مع الفرس مَنْ يخفرهم إلى النجف ثمّ أعادوهم إلى بغداد وأوصلوهم إلى مأمنهم .

وممّا زاد في الطين بلّة أخذت العشائر تغزو بعضها بعضاً ـ كما هو الحال إلى اليوم ـ داخل جزيرتهم ؛ لخلو فيافيها القاحلة من الحراثة والزراعة فلم يرَ أهلها طريقاً للعيش سوى غزو بعضهم بعضاً .

وحيث إنّهم كانوا حديثو عهد بالنهب والغزو ولم يكن بعد قد أصبح ذلك عرفاً بينهم فصاروا يتوسّلون بكلّ وسيلة ـ مهما كانت طفيفة ـ من شأنها أن تثير الفتن بينهم حتّى يتخذوا منها ذريعة لغزو بعضهم بعضاً ؛ فإنّ ذلك بها لا يعدّ لكثرته . فما وقع بين المنتفق وخزاعة فيما يلي السماوة كان من تلك الغارات وكان لذلك يوماً مشهوداً انتصرت فيه خزاعة على المنتفق .

وعلى مرّ الأيام أصبح الغزو والغارة عادة لا ينكر شأنها , حتّى إنّ البدو الذين هم داخل الجزيرة العربية كانوا عند قدومهم العراق يغزون مواقعها لتقرّر ذلك ؛ إذ إنّ الأمر صار بينهم سنة وعادة وما وقع لأهل البادية بها لا يُحصى عدّه وقد أدركنا جملة منها .

هذا وقد بلغ الحال بها من التأخّر درجة بحيث صار الدور الأوّل مَنْ سير إدارة حكم الدولة العثمانيّة دور عمران وتقدّم إذا قيس بهذا الدور .

وختم هذا الدور بسقوط داود باشا الذي حكمها بضع سنين مستقلاً عن نفوذ العثمانيِّين , ولولا ما داهمه القضاء في تدمير جيوشه بانتشار مرض الطاعون والوباء بينهم لكان خطره على الدولة العثمانيّة تلو ما دهم العثمانيِّين من القائد المصري محمّد علي , فذهبت مساعيه أدراج الرياح , وقد أُخذ أسيراً إلى العاصمة وترك هناك تحت اسم ( شيخ الوزراء ) ثمّ بعث شيخاً لحرم الرسول المكرّم (صلّى الله عليه وآله) فقام بتلك الوظيفة المقدّسة أخريات أيامه إلى أن أدركه حمامه فقبر في بقيعها .

هذا وقد تدفقت الحياة مجدداً بأوصال العثمانيِّين الخامدة عندما قام أحد سلاطينهم أبو السعود محمود إلى قتل الينكجرية لسنة إحدى وأربعين بعد المتين والألف الهجرية وقبض بيد من حديد على اُمور الدولة فأوقفها من هوّة تقهقرها وسعى لإعادة شأنها وإصلاح أمورها .

عطف عند ذلك نظره على العراق وأنقذها من يد المتغلّب عليها داود بعد أن فوّض شؤون إدارتها إلى اللاز علي رضا , إلاّ أنّ العراق لم يتزوّد من تفقّداته بسوى ذلك ؛ إذ اختطفته يد المنون فقام ولده عبد المجيد مقامه فكان ممّا هيّأ له من أسباب السعادة أن عاصره المصلح الكبير الأوّل وأوحد رجالاتهم مصطفى رشيد فألبس دولته لباس الحضارة وأعاد إليها أُبّهة النضارة فأنار العراق بظهور آثار الدور الثالث من سير إدارة الحكم العثماني للعراق .

 

الدور الثالث :

ابتدأ هذا الدور بعد سقوط داود وولاية اللاز علي رضا عند مفتتح السادس والأربعون بعد المئتين والألف فقام هذا الوزير بشؤون إصلاح اُمور العراق ولم شعثها من ترك حاميات الجند في البلاد وقد نصب الحكّام بها وبذل الجهد في سبيل تأمين السبل والطرق , إلاّ أنّه لم يدرك المقصود ؛ للهوى الذي كان في نفوس أهليه وما كان لهم من الاستحقار للقوّة الحاكمة ؛ إذ إنّ النفوس قد اشرأبت إلى الحرية عند زمن الانحلال في أواخر الدور الثاني وزاد ذلك أنّ بعض الولايات التي استقلّت في عهد داود قد بقيت على انفصالها .

وخلاصة القول : إنّ أيام علي رضا على طول زمنها لم تنتج تمام ما قصده , إلاّ أنّها انصرمت بهدوء وسلام وفي أواخر أيامه توفي السلطان محمود وقام مقامه عبد المجيد وانشغل بادئ أمره في استرجاع البلاد الشامية وانتهى الأمر إلى عقد الصلح وختم الأمر بينه وبين المصري محمّد علي ثم عطف نظره نحو العراق وبعث للقبض على زمام اُمورها محمّد نجيب , فأدرك هذا بذكائه ما حبس التوفيق عن سلفه ؛ إذ لم تأت بطائل إصلاحته ؛ لِما في الأنوف من الشمخرة والخيلاء .

فقصد أوّلاً إلى تأديب بني حسن والفتقة وطفيل داخل قضاء الهندية فاقتصر في حربهم على حبس جريان ماء الفرات عنهم ومنعه من السيلان في شط الهندي أصف الدولة , إلاّ أنّه لم يقف على طائل بالرغم من تكبّده لخسائر فادحة وعالج ذلك بنفسه , إلاّ أنّ الطبيعة كانت أقوى منه ؛ إذ انفلق السدّ ولم يمتثل الماء لأمره .

ثمّ ساق جيوشاً يرأسها سعد الله ـ أحد قواده ـ وأمرهم بمحاصرة كربلاء وإباحتها في واقعة سنأتي بتفصيلها فهابه العراقيون عندما توالت على الأطراف هجماته فتسنّى له من إجراء بعض الإصلاح من التشكيلات في ألويتها وأقضيتها ونواحيها من نصب اُمراء , وترك الجند في البلاد.

على أنّ القصد الذي أنا في سبيل تدوينه عسر السلوك مع اشتهار حوادثها كحادثة الوهابي والمناخور وحادثة نجيب باشا وعلي هدلة لكن ليس بالأيدي ما يُعول عليه ولا مَنْ يُعتمد عليه ليصح النقل عنه .

فإليك مثلاً الواقعة الأخيرة المنسوبة لعلي هدلة : فقد وقعت لسنة ثلاث وتسعين بعد المئتين والألف الهجرية ولم يكن مَنْ لم يدركها أو لم يشاهدها , بل إنّ جلّ الأهلين قد شاركوا فيها أو شاهدوها عن كثب فمع شدّة تحرّياتي لم أقع على مدرك يمكن التعويل عليه وضبطه سوى الكلّيات .

فقد وقفت على رسالتين في المناخور ؛ أحدهما عربي العبارة , غير إنّه على غير ترتيب والثاني فارسي العبارة , إلاّ أنّه أشبه شيء بالروايات منه بالوقائع التأريخية لشخص عاصر تلك الحادثة , ورسالة في واقعة نجيب باشا منظومة من بحر الرجز فارسية للميرزا زكي حسين الهندي وهو عند الحادثة شاهداً وقائعها .

وأمّا أخبار نهب ابن مسعود بها فقد وقفت على بعض حوادثها ضمن أخبار العلماء وتراجمهم ومرثية للشيخ محمّد رضا الأزري وقد بلغني أنّ لوقعة علي هدلة رسالة مدوّنة لبعض الأفاضل أرجو من الله أن يمكّنني منها ؛ لكي أتمّم بها قصدي وعليه التكلان .

حتى إذا جاءت سنة 1216 هجرية جهّز الأمير سعود الوهابي جيشاً عرمرماً مؤلّفاً من عشرين الف مقاتل , وهجم على مدينة كربلاء ـ وكانت على غاية من الشهرة والفخامة , ينتابها زوار الفرس والترك والعرب ـ , فدخل سعود المدينة بعد أن ضيّق عليها وقاتل حاميتها وسكّانها قتالاً شديداً وكان سور المدينة مركّب من أفلاك النخيل مرصوصة خلف حائط من الطين وقد ارتكب الجيش فيها من الفضائع ما لا يوصف . حتّى قيل : إنّه قتل في ليلة واحدة عشرين ألف شخص.

وبعد أن أتمّ الأمير سعود مهمّته الحربية التفت نحو خزائن القبر ـ وكانت مشحونة بالأموال الوفيرة وكلّ شيء نفيس ـ فأخذ كلّ ما وجد فيها وقيل : إنّه فتح كنزاً كان فيها جمّة جمعت من الزوار وكان من جملة ما أخذه لؤلؤة كبيرة , وعشرون سيفاً محلاّة جميعها بالذهب , ومرصّعة بالحجارة الكريمة وأوانٍ ذهبية وفضية وفيروز وألماس وغيرها من الذخائر النفيسة الجليلة القدر .

ومن جملة ما نهبه ابن سعود أثاث الروضة وفرشها منها 4000 شمال كشميري و 3000 سيف من الفضة وكثيراً من البنادق والأسلحة .

وقد صارت كربلاء بعد هذه الواقعة في حال يُرثى لها وقد عاد إليها بعد هذه الحادثة من نجل بنفسه فأصلح بعض خرابها , وأعاد إليها العمران رويداً رويداً .

وللشيخ محمّد رضا الأزري يرثى ما حلّ بكربلاء من جرّاء ما فعله الوهابيّون :

 

خطبٌ على الطفّ قد غشّى بطوفانِ *** فـحطّ مـن جـانبيهِ كـلّ بـنيانِ

وصـلصلت فـوقهُ سـوداءُ  عاتية *** تـرخي السحائب من مثعنجر  قاني

شـوهاء تـكشر عـن أنيابها كلحاً *** فتبعثُ  الموتَ عن تقطيبِ  غضبانِ

ظـلّت تـجلجلُ فـي أعلاهُ  مرعدةً *** يـكادُ  يـجهشُ مـنها سمعُ كيوانِ

فـما  انجلت عن ضواحيهِ غياهبُها *** حـتّى  الـتقى الدمُ غدرانٌ بغدرانِ

اللهُ  أكـبرُ أيّ الـقارعات  رمـتْ *** جـرثومة الـدينِ فـانثلّت  بأركانِ

فـتلكمُ الـقومُ صرعى في  معابدِها *** كـأنّهم زهـرٌ فـي فـيء  أفـنانِ

قـتلى ترى الدمُ يجري حولهمُ  دفعاً *** كـأنّهم  أنـهرٌ مـن حـولِ  كثبانِ

 وا لـهفتا  لـو شـفتْ وا لهفتا  كمداً *** عـلى رواعـف أكـبادٍ  وأجـفانِ

وا رحـمتا لـمروعاتٍ  ضـمائرُها *** عـلى  مـصارع أشـياخٍ  وولدانِ

 

إلى أن قال :

تـلكم تـئنُّ وهـاتيكم تـحنُّ ولا *** مـسترحمينَ ولا من مشفقٍ  حاني

 كـأنّ  أطـفالَها والـبيض  تنهبها *** أفـراخُ ورقـاء في أظفارِ  عقبانِ

يا  ليتَ شعري وهل ليتٌ  بنافعتي *** لو يحضرُ المصطفى في ذلكَ الآنِ

وينظر الحائرَ القدسي مسلخ جزّا *** ر وأولاده جـاثـيـنَ  كـالـظـانِ

كـأنّ  أجـسادَهم إذ ضُرّجت  بدمٍّ *** درٌّ مـناط عـليهِ سـمطُ  مرجانِ

وبعد ستة ساعات من هذه الأعمال البربرية غادروا كربلاء » . لزيادة التعريف بهذه الحادثة راجع : تأريخ نجد ـ لعبد الله فيلبي وتأريخ العراق بين احتلالين ـ لعباس العزاوي 6 / 144 وأربعة قرون من تأريخ العراق الحديث ـ للونكريك ومطالع السعود في أخبار الوالي داود / 168 . (عادل) .

 

إلى أن قال :

رزءٌ  تـحارُ لهُ الرهبانُ لو سمعت *** مـن ديرِ سمعانَ لا بل ديرِ  سمعانِ

او طاقُ كسرى بن ساسانٍ يعيهِ  إذاً *** لَصدّع الطاق من كسرى بن ساسانِ

يـا غـيرة اللهِ لـلأرحامِ جـامحةً *** لـرضّعٍ  مـا أتـوا يوماً  بعصيانِ

 

إلى أن قال :

لـشيبةٍ خُـضّبت بالدمِ وهي  على *** مـحرابها بـين مـصباحٍ  وقرآنِ

لـفتية  دُفـنوا من غيرِ ما  غسلوا *** ولــم تـزوّد بـكافورٍ  وأكـفانِ

لـروعة هـجمت والـناس  غافلةً *** فأعصوصبوا فرقاً من طيشِ أذهانِ

 

إلى أن قال :

لمعشر أعلنوا التوحيد والتجؤوا *** لـه  فـلم يرع توحيدٍ  بإعلانِ

لأرؤس  لـجلالِ اللهِ  راكـعةً *** حزت  بعد الظبا تهوى  لأذقانِ

 

إلى أن قال :

لـلموحشات  اللواتي لا أنيسَ  لها *** إلاّ  تـجاوب ضـرغام  وسرحانِ

لـلجائعات  اللواتي للقرى  رُفعتْ *** آبـاؤها  نـارهم فـي كلّ  أزمانِ

لـلجائعات الـلواتي بعد ما سُلبتْ *** ظـلّت تـوارى بأحقافٍ  وجدرانِ

لـكلّ عـشر سـلبيات تستر  في *** عـبائةٍ  بـين إخـفاءٍ  وإعـلانِ

لمعشرٍ محضوا الإيمان واعتصموا *** بالصبر والصبرُ مرسى كلّ  إيمانِ

لـقـتل  خـمـسة آلاف  بـآونةٍ *** من النهارِ سوى المستشرف الفاني

 

إلى أن قال :

لم أدر أيّ رزاياهم أعجّ لها *** لذبح صبية أم هتك  لنسوانِ

 

إلى أن قال :

فلا  وربّك لا تبصر لها  مثلا *** في كلّ ما جهة في كلّ أزمانِ

ومـن رأى يـوم تشريق بغيرِ  منى *** وهـديه  الـعزّ مـن علياءِ  عدنانِ

سنَّ ابن سعد سبيلاً واقتدى ابن سـ *** ـعودِ  الـشـقي بـهِ ضلَّ  الـشقيانِ

 

إلى أن قال :

فـسل  بـهابيل إذ قـابيل غال  به *** مَــن الـمحقّ فـفيها آي تـبيانِ

وسـل  بقصةِ نوحٍ إذ مضت حقبٌ *** مـن قـومهِ مـا لقي في ذلك  الآنِ

وتـلكَ عـادٌ عـتوا عن أمر  ربّهمُ *** فـمـتّعوا  زمـناً يُـتلا  بـأزمانِ

وسل  بساحر فرعون الاُلى  صُلبوا *** مـن  بـعدِ ما قُطعت أيدٍ  ورجلانِ

وسـل بموسى بن عمرانٍ  وسيرته *** مـاذا  رآه إذاً مـوسى بن  عمرانِ

وسل طواغيتَ أهلَ السبتِ كم قتلوا *** مـنهم نـبيّاً وكـم لـجّوا  بطغيانِ

فـلم يـعجّل لهم ذو العرشِ  قطعهمُ *** بـل لـم يـعجّل لفرعونٍ  وهامانِ

وسـل  بقصّة أهلِ الرس ما  فعلوا *** بـالأنبياءِ ومـا عـاثوا بـعصيانِ

وسـل بـعيسى رسولِ الله ما  فعلتْ *** بـهِ  الـيهودُ ومـا جـاؤوا ببهتانِ

وسـل بـما لقى المختار من  سلفَي *** قـريش إذ خـرجوه ثـاني  الثاني

وسـل بـاُحدٍ ومـا لاقى النبيُّ  به *** مـن  شـجِّ رأسٍ ومن إلقاء  أسنانِ

وسل  خزاعةَ في البيتِ الحرام  وما *** لاقـوه  مـن حزبِ أصنامٍ  وأوثانِ

وسل  بحتف أبي حفص  ومصرعِهِ *** وسـل  بـمصرع عثمانِ بن  عفانِ

وسل  بحتف أمير المؤمنين أبي الـ *** سـبطين  إذ غاله الأشقى  برمضانِ

وسـل بسمّ سليلِ المصطفى الحسن الـ *** زاكيِّ أخي الشرف القدسي والشانِ

وسـل بـما لقى السبطُ ابنُ  فاطمةٍ *** مـن ابـن مرجانةٍ في طفّ  كوفانِ

وسـل بـنازلةِ الحرّى التي  نزلتْ *** بـعقوة الـمصطفى تـذكوا بنيرانِ

حـيث  الدماءُ جرت ما بين  منبرِهِ *** وقـبره جـري أنـهارٍ  وغـدرانِ

وســل  بـما لـقيته آلُ حـيدرةٍ *** مـن  آل مـروان لا رعياً لمروانِ

وسـل بـفتك بـني العباس  بعدهمُ *** بـالفاطميين مـن شـيبٍ  وشـبّانِ

وانـظر إلى قصص القرآن أجمعها *** تـرشدك والصبح لم يحتج  لبرهانِ

 

هـاتي طـريقة أهل الله من  قدمٍ *** لم يمض من أوّلٍ إلاّ اقتفى الثاني إلى أن قال :

يـا راكباً ظهرَ علباءٍ  عذافرةً *** يكادُ يسبقُ منها الطرفُ خفّانِ

 

إلى أن قال :

بـلّغ  أبا حسنٍ منّي مغلغلةً *** يكادُ يصدعُ منها كلُّ صفوانِ

 

إلى أن قال :

واشرح له ما جرى وهو الخبير به *** فـالزند بـالقدح قد يُرمى  بنيرانِ

 

إلى أن قال :

 

فـإنّها طـخيةٌ عمياءُ قد  غشيتْ *** على الخلائقِ من أنس ومن جانِ

ويـا لـها وقـعةٌ ثرّت حوادثُها *** بـمشمعلٍّ أجـشِّ الـرعد هنّانِ

وقـال في يومها الأدهى مؤرّخُه *** في  كربلاءَ دهانا رزؤها  الثاني

وله المغمور برحمته مرثية اُخرى كلّ شطر منها على انفراد تأريخ سنة النازلة 1216 , وأوّلها:

 

أريـحـا  فـقد لاحـت طـلايعُ  كـربلا *** لـنـقبر  أشــلاءً ونُـسـعد  مـرمـلا

لـنـبكيَ دوراً راعـهـا قـارعُ  الـردى *** فـأوجف مـنها مـا اسـتقرّ ومـا  عـلا

لـعمري  لـقد عـبّت عـليها  مـصائبٌ *** وجـلاّ عـليها الـرعبُ لـلحتفِ  قسطلا

مـبـانٍ مـحا آيـاتُها الـويلُ  فـانمحتْ *** وكـلّـل  شـأويـها الــردى فـتـكلّلا

فـكيف وصـرف الـبين عـاثتَ  بـنابه *** وقـــلّ رسـيـميه ونــوّخ  كـلـكلا

وهــبّ بـحـقِّ الـدين يـخفقُ  بـرقُهُ *** مـصاب بـجون الـحزن أضحى مجلجلا

يــقـلّ  بـثـجّاجٍ يـزمـجر  بـرقُـهُ *** بـرجـفٍ  فـيثني الـدو بـالدمِ  أشـكلا

وكيف وقد مدّت صواعقُ رعدِه *** عـلى  طـودِ ربـعِ الـمصطفى  فتزلزلا

فـتلكم ربـوعُ الـدينِ قـلّ بـها  الصدى *** وتـلكم  بـيوتُ الـوحي قـد جابها  البلى

نـوائب قـد فـهاجت  نـوائب *** أمـدن قـنا العلياء في زمن خلا

لـيبك  التقى يوماً به أهب التقى *** ويا لك بيناً زاد جسمي ضناً على

 

وقد زارها في أوائل القرن التاسع عشر أحد ملوك الهند , فأشفق على حالتها , وبنى فيها أسواقاً عامرة وبيوتاً قوراء أسكنها بعض مَنْ نكبوا وبنى للبلدة سوراً حصيناً لصد هجمات الأعداء وأقام حوله الأبراج والمعاقل ونصب له آلات الدفاع على الطرز القديم وصارت على مَنْ يهاجمها أمنع من عقاب الجو ؛ فأمنت على نفسها , وعاد إليها بعض الرقي والتقدم .

 




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.