أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-3-2016
3404
التاريخ: 24/9/2022
2103
التاريخ: 19-3-2016
4237
التاريخ: 19-10-2015
4810
|
كان أوّل رد فعل مباشر لقتل الحسين (عليه السّلام) هو حركة التوّابين في الكوفة فلمّا قُتل الحسين (عليه السّلام) ورجع ابن زياد مع معسكره بالنخيلة تلاقت الشيعة بالتلاؤم والتندّم ورأت أنّها قد أخطأت خطأً كبيراً بدعاء الحسين (عليه السّلام) إلى النصرة وتركهم إجابته ومقتله إلى جانبهم ولم ينصروه ورأوا أنّه لا يغسل عارهم والإثم عنهم في مقتله إلاّ بقتل مَنْ قتله أو القتل فيه .
ففزعوا بالكوفة غلى خمسة نفر من رؤوس الشيعة : سليمان بن صرد الخزاعي والمسيب بن نجيّة الفزاري وعبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي وعبد الله بن وائل التميمي رفاعة بن شداد البجلي فاجتمعوا وبدأ المسيب بن نجيّة الكلام فقال : ... وقد كنّا مُغرمين بتزكية أنفسنا وتقريظ شيعتنا حتّى بلا الله خيارنا فوجدنا كاذبين في موطنين من مواطن ابن بنت نبيّنا (صلّى الله عليه وآله) وقد بلغتنا كتبه وقدمت علينا رسله وأعذر إلينا يسألنا نصره عوداً وبدءاً وعلانية وسرّاً فبخلنا عنه بأنفسنا حتّى قُتل إلى جانباً ؛ لا نحن نصرناه بأيدينا ولا جادلنا عنه بألسنتنا ولا قوّيناه بأموالنا ولا طلبنا له النصرة إلى عشائرنا فما عذرنا عند ربّنا وعند لقاء نبيّنا ؟ لا والله لا عذر دون أن تقتلوا قاتليه والموالين عليه أو تُقتلوا في طلب ذلك ؛ فعسى ربّنا أن يرضى عنّا عند ذلك .
وتكلّم سليمان بن صرد الخزاعي ـ وقد جعلوه زعيماً لهم ـ فقال : إنّا كنّا نمدّ أعناقنا إلى قدوم آل نبيّنا ونُمنّيهم النصر ونحثهم على القدوم فلمّا قدموا ونينا وعجزنا وأدهنّا وتربصنا وانتظرنا ما يكون حتّى قُتل فينا ولد نبيّنا وسلالته وبضعة من لحمه ودمه . ألا انهضوا قد سخط ربّكم ولا ترجعوا إلى الحلائل والأبناء حتّى يرضى الله وما أظنّه راضياً حتّى تُناجزوا مَنْ قتله أو تُبيروا ألا لا تهابوا الموت ؛ فوالله ما هابه امرؤ قطّ إلاّ ذلّ . كونوا كالأوّل من بني إسرائيل إذ قال لهم نبيّهم : {إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ} [البقرة: 54].
وكتب سليمان بن صرد إلى سعد بن حذيفة بن اليمان ومَنْ معه من الشيعة بالمدائن يأمرهم فأجابوه إلى دعوته وكتب إلى المثنى بن مخرمة العبدي في البصرة وللشيعة هناك فأجابوه إلى ذلك .
وكان أوّل ما ابتدؤوا به أمرهم بعد قتل الحسين (عليه السّلام) سنة إحدى وستين فمازالوا بجمع آلة الحرب ودعاء الناس في السرّ إلى الطلب بدم الحسين (عليه السّلام) فكان يجيبهم القوم بعد القوم والنفر بعد النفر من الشيعة وغيرها فلم يزالوا كذلك [ حتّى ] مات يزيد فخرجت طائفة دعاة يدعون الناس فاستجاب لهم ناس كثير بعد هلاك يزيد أضعاف مَنْ كان استجاب لهم قبل ذلك .
وخرجوا يشترون السلاح ظاهرين ويجاهرون بجهازهم وما يصلحهم حتّى إذا كانت ليلة الجمعة لخمس مضين من شهر ربيع الآخر سنة خمس وستين خرجوا وتوجّهوا إلى قبر الحسين (عليه السّلام) فلمّا وصلوا إليه صاحوا صحية واحدة فما رُئي يوم أكثر باكياً منه وقالوا : يا ربّ إنّا قد خذلنا ابن بنت نبيّنا فاغفر لنا ما مضى وتب علينا إنّك أنت التواب الرحيم وارحم حسيناً وأصحابه الشهداء الصدّيقين وإنّا نُشهدك يا ربّ إنّا على مثل ما قُتلوا عليه فإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين .
وغادروا القبر مُستقتلين فقاتلوا جيوش الاُمويِّين حتّى اُبيدوا جميعاً .
ولقد اعتبر التوابون أنّ المسؤول الأول والأهم عن قتل الحسين (عليه السّلام) هو النظام وليس الأشخاص وكانوا مُصيبين في هذا الاعتقاد ؛ ولذا نراهم توجّهوا إلى الشام ولم يلقوا بالاً إلى مَنْ في الكوفة من قتلة الحسين (عليه السّلام) .
ونلاحظ هنا أنّ هذه الثورة قد انبعثت عن شعور بالإثم والندم وعن رغبة في التكفير فمَنْ يقرأ أقوالهم وكتبهم وخطبهم يلمس فيها الشعور العميق بالإثم والندم والرغبة الحارة في التكفير وكونها صادرة عن هذه البواعث جعلها ثورة انتحارية استشهادية ؛ فالثائرون هنا يريدون الانتقام والتكفير ولا يستهدفون شيئاً آخر وراء ذلك فلا يريدون نصراً ولا ملكاً ولا مغانم وإنّما يريدون انتقاماً فقط وقد خرجوا من ديارهم وهم على مثل اليقين بأنّهم لا يرجعون إليها كانوا يريدون أن يموتوا ولقد بُذل لهم الأمان فلم يقبلوا .
وإذاً فلم تكن لهذه الثورة أهداف اجتماعية واضحة ومُحدّدة لقد كان الهدف الواضح منها هو الانتقام والتكفير . وإنّ الفقرة التي في صدر خطاب سليمان بن صرد لتصوّر لنا بدقة متناهية حالة المجتمع قبل ثورة الحسين (عليه السّلام) وموقفه من الحركات الإصلاحية كما عكسه موقف هذا المجتمع من ثورة الحسين (عليه السّلام) نفسها .
وإنّ الكلمات في هذه الفقرة لتكاد تختلج حياء بما تحمل من معاني الونى والعجز والإدهان والتربّص والخذلان كما إنّ بقيّة الخطاب وسائر ما قيل في الحثّ على هذه الثورة يُصوّر كيف كانت ثورة الحسين (عليه السّلام) بركاناً عصف بكلّ هذا الركام من معاني العجز والانهيار والتلوّن وأحلّ محلّه الرغبة العارمة في الثورة والاستشهاد .
وقد رأيت فيما مرّ عليك من نصّ الطبري أنّ الاستجابة للثورة لم تقتصر على الشيعة وحدهم بل شاركهم فيها
غيرهم ممّن يأملون تغيير الأوضاع عن طريق إزالة النير الاُموي بالثورة .
وكون هذه الثورة انتقامية انتحارية استشهادية لا هدف للقائمين بها إلاّ الانتقام والموت في سبيله يُفسّر لنا قلّة عدد المُستجيبين لها إلى النهاية ؛ فقد أحصى ديوان سليمان بن صرد ستة عشر ألف رجل لم يخرج معه منهم أربعة آلاف ولم يستجب للدعوة من المدائن إلاّ مئة وسبعون رجلاً ومن البصرة إلاّ ثلاثمئة رجل فالعمل الانتحاري الاستشهادي لا يستهوي إلاّ أفراداً على مستوى عالٍ من التضحية [والتشبّع] بالمبدأ وهؤلاء قلّة في كلّ زمان .
هذا ولكنّ الإنصاف للواقع يقتضينا أن نسجّل أنّ هذه الثورة وإن كانت ثورة انتحارية استشهادية ولم تكن لها أهداف اجتماعية واضحة إلاّ إنّها أثّرت في مجتمع الكوفة تأثيراً عميقاً ؛ فقد عبّأت خطب قادات هذه الثورة وشعاراتهم الجماهير في الكوفة للثورة على الحكم الاُموي ؛ ولذلك فلم يكد يبلغهم خبر هلاك يزيد حتّى ثاروا على العامل الاُموي عمرو بن حريث فأخرجوه من قصر الإمارة واصطلحوا على عامر بن مسعود الذي بايع لابن الزّبير فكان ذلك مطلع العهد الذي زال فيه سلطان الاُمويِّين عن العراق إلى حين .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|