أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-02-2015
6393
التاريخ: 2024-09-23
195
التاريخ: 17-2-2019
2695
التاريخ: 10-02-2015
3094
|
حمل زواج علي وفاطمة (عليهما السلام) وظائف مهمة على صعيدي الدين والحياة، يمكن اجمالها بالنقاط التالية:
الاولى: الحفاظ على ذرية المصطفى (صلى الله عليه واله) حية نابضة على طول التأريخ. فكانت فاطمة الزهراء (عليه السلام) البنت الوحيدة لرسول الله (صلى الله عليه واله). وعن طريقها حُفظ نسل النبي (صلى الله عليه واله).
الثانية: تثبيت هوية الانتماء لاهل بيت النبوة (عليهم السلام)، وتثبيت المنـزلة الدينية والجمع بين النبوة والامامة في بيت واحد وهو بيت رسول الله (صلى الله عليه واله). فقد كانت حجرة فاطمة (عليها السلام) في مسجد رسول الله (صلى الله عليه واله) تأخذ منه (صلى الله عليه واله) العلم والحكمة والقرآن، وتستلهم من اخلاقه الفاضلة أكمل الفضائل والخصال الدينية، وتشاركه كل يوم في العبادة والنقاء والطهارة الروحية. لقد سرت في شرايين الاسرة العلوية دماء رسول الله (صلى الله عليه واله) ودماء الامامة. فالابناء أخذوا من آبائهم علوم الدين وأخلاقية الرسالة، والبنات تعلمن الصفاء الروحي والثقافة الدينية من امهاتهن. وكلٌ سدد الآخر في تقواه وزهده وفصاحته وشجاعته.
الثالثة: بقيت أسرة آل البيت (عليه السلام) القدوة والمثل الاعلى في المجتمع الاسلامي. فهي العائلة المتكافئة في القيم الدينية، والعصمة، والممارسات التعبدية، والاخلاق، والصدق، والجهاد، وتحمل المشقة، والقناعة، وكل ما يحمله العلوّ الديني والشرف الاجتماعي من معانٍ سامية وأهداف عظيمة.
ولاشك ان الاختلاف السلوكي للمعصومين مثل علي (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام) ينبع من اختلافهما في الفسلجة والتركيبة الجسدية. ففاطمة (عليها السلام) كانت تمر بفترات الحمل والولادة والرضاعة وكانت تقوم بانجاز الاعمال المنـزلية وتربية الصغار، بينما كان علي (عليه السلام) يحرث الارض ويسقي الزرع وينقل الماء من اجل لقمة العيش. وكانت فاطمة (عليها السلام) تقوم بالمواعظ البليغة التي وصلتنا منها شذرات قليلة. بينما كان علي (عليه السلام) يعلّم القرآن واحكام الشريعة ويجاهد في سبيل الله ويقاتل المشركين . وهذا الاختلاف في وظيفتهما الفسلجية لا يعكس اختلافاً في درجة عصمتهما وادراكهما لاحكام الدين واهداف الشريعة. ولو كان هناك اختلاف لاختل ميزان التكافؤ الذي تحدث عنه رسول الله (صلى الله عليه واله) بينهما قبل الزواج.
والوظيفة الفسلجية للذكورة تقتضي القوة الجسدية، والتحرك السريع من مكان لآخر، والغياب عن الاسرة لفترة قد تقصر او قد تطول في الحروب والمعارك مع الشرك . بينما تقتضي الوظيفة الفسلجية للانوثة طاقة تحمل وصبر، وطاقة للمكث الطويل مع الاسرة من اجل الاهتمام بشؤون القاصرين وتربيتهم وتعليمهم، وقوة جسدية اقل من قوة الرجل. ولذلك كانت وظيفة القوامة على الرجل لا على المرأة، كما اشار تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: 34].
والوظيفتان، على الصعيد الاجتماعي، تكمل احداهما الأخرى. فالمجتمع يتوقع من المرأة أداء دورها، كما يتوقع من الرجل ذلك. ولكن المجتمع العربي البدوي كان مجتمعاً عسكرياً محارباً يعتمد على القوة العضلية للرجل، ويعتمد على حجم قدرته على الاداء في ساحات المعارك. وكان علي (عليه السلام) القمّة في ذلك. ومع ذلك كان الدور الديني الرسالي لفاطمة الزهراء (عليه السلام) دوراً عظيماً لم تقلله قاعدة تحمل الرجل مسؤولية القيمومة على المرأة.
بمعنى آخر، ان فاطمة الزهراء (عليه السلام) كانت تطيع زوجها علي (عليه السلام) وتنتظر منه القيام بمسؤوليته المالية التي حددتها قاعدة القيمومة الشرعية، ولكن تلك الطاعة وتلك القاعدة لم تقلل اصلاً من العظمة الرسالية لفاطمة الزهراء (عليه السلام). وهنا يكمن الدرس الذي ينبغي ان نتعلمه من سلوكها الرسالي (عليه السلام). فطاعة الزوج والامتثال لقاعدة القيمومة لا يتقاطع مع عظمة المرأة دينياً ومع شرفها وعلمها وعصمتها في فهم احكام الشريعة.
وقد حارب الاسلام التطرف البدوي الذي كان يهين المرأة ويضعها في الدرجة الثانية من السلّم الاجتماعي. وقدم لنا مثالاً رائعاً للمرأة المؤمنة التي وُهبت ادراكاً دينياً كاملاً، وهو مثال فاطمة الزهراء (عليه السلام). ولم ينقل لنا التأريخ الاسلامي حتى رواية كاذبة عن صراع الانوثة والذكورة في الاسرة العلوية. فقد كانت فاطمة (عليها السلام) مطيعة لزوجها، وكان علياً (عليه السلام) يكنّ لها الاحترام اللائق بها. وعندما تكلّمت (عليه السلام) حول ارث ابيها (صلى الله عليه واله) بعد وفاته (صلى الله عليه واله)، في المسجد وبحضور ابو بكر وعمر، لم يمنعها (عليه السلام) من ذلك. ولم يعارضها عندما رفضت مقابلة الخليفة الاول بعد وفاة ابيها (صلى الله عليه واله).
3- التركيبة العلوية:
لا شك ان للزواج اهدافاً اجتماعية ودينية وفسلجية. فالبناء بين الرجل والمرأة لابد ان يتمّ ضمن الضوابط الشرعية، والذرية تحتاج الى فترة طويلة نسبياً من العناية الشخصية والاهتمام من قبل الابوين، وتحتاج ايضاً الى عملية تهيئة دينية للدخول في المعترك الاجتماعي لاحقاً.
ان العصمة التي جمعت علياً وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين (عليهم السلام جميعاً) في اسرة واحدة، تعدّ رابطة دينية لم يسبق لها مثيل في الاديان التوحيدية. فالمجتمع الانساني يعيش فترة أطول من حياة العائلة الواحدة. ولكن اسرة امير المؤمنين (عليه السلام) عاشت وستعيش بعمر المجتمع البشري على الارض. ولذلك فاننا نقول بأن اهل بيت النبوة (عليه السلام) أكبر من التأريخ وأكبر من الحياة التي يحيونها في اطار الزمن وقيده المحدود.
فاننا بعد اربعة عشر قرناً نكتب عن حياة أمير المؤمنين (عليه السلام) وأسرته كما لو كانت تعيش بيننا اليوم. وسوف يفعل احفادنا كما فعلنا ان شاء الله تعالى. وقد فعل اجدادنا ذلك في الماضي ايضاً، جزاهم الله خيراً. وبكلمة، فان تركيبة الاسرة العلوية لم تنشأ لتعيش مثلاً لزمانها، بل انما انشأت لتعيش مثلاً للاجيال المتلاحقة الى يوم القيامة.
وقد كانت حياة الاسرة شاقة فيما يتعلق لسد الحاجات الجسدية من طعام وكساء، لان الاسرة العلوية كانت مصممة لكي تكون مثلاً تأريخياً للاجيال، وهو (عليه السلام) القائل: «ان الله تعالى فرض على ائمةِ العدلِ ان يُقدِّرواانفسهم بضعفة الناس، كيلا يتبيَّغَ بالفقير فَقْرُهُ !» .
وكانت عائلة سامية من ناحية العلاقات الانسانية. فقد حكمت الحياة العائلية للاسرة العلوية ضوابط اخلاقية دينية، منها: علاقة علي (عليه السلام) بفاطمة (عليها السلام)، وهو القائل (عليه السلام): «الغريبُ من لم يكن له حبيب». وعلاقة فاطمة (عليها السلام) بالحسنين (عليهما السلام) واختيهما زينب (عليه السلام) وام كلثوم، وهو القائل (عليه السلام): «البشاشةُ حِبالةُ المودة». وعلاقة الحسنين (عليهما السلام) واختيهما فيما بينهم، وهو القائل (عليه السلام): « التودُّدُ نصفُ العقل». وعلاقة النبي (صلى الله عليه واله) والامام (عليه السلام) بهم جميعاً، وهو القائل (عليه السلام): مودة الاباء قرابة بين الابناء، والقرابةُ الى المودةِ أحوجُ من المودةِ الى القرابة.
واذا اضفنا الى تلك العلاقات الحميمة: الادراك الكامل لمعاني الدين واحكامه وملاكاته، لتبين لنا ان آل البيت (عليه السلام) اختبروا العلاقات الانسانية من حيث تعاملهم مع الاخ او الاخت او الام او الاب خصوصاً بالنسبة للحسنين (عليهما السلام). نعم عاش رسول الله (صلى الله عليه واله) يتيماً وليس له اخ او اخت، ولكنه كان ملهماً يتصرف بما يمليه عليه الوحي. اما ائمة الهدى (عليه السلام) فكان علمهم مستلهماً من تعاليم رسول الله (صلى الله عليه واله). ولقد تبلور فضلهم من خلال قدرتهم على استيعاب ذلك العلم والعمل به.
وتلك العلاقات داخل الاسرة كانت تعبّر عن عبق النبوة واخلاقية الامامة والعصمة، وعن دور الدين واحكامه في بناء مستوى راقٍ من الاخلاق والفضيلة والتقوى والتعبد والاتصال بالخالق عزّ وجل عبر الصلاة والصيام والدعاء وترك الملذات الدنيوية. لقد كانت العلاقة الاسرية في ذلك البيت المبارك نظاماً للاحكام الشرعية، ولم يكن تجمع اولئك الطاهرين مجرد تجمع عشوائي لافراد جمعتهم العلاقة الجسدية ورابطة الدم. بل ان اجتماعهم كان اجتماع العلم والحكمة والقرآن. فكان اهل الكساء، وهو تعبير عن الكساء الذي جمعهم، تعبيراً رمزياً من الاختبار الالهي لتلك النخبة الطيبة من الاطهار الذين لا يعرفون غير عبادة الله والجهاد في سبيله والتضحية من اجل نصرة دينه. وكأن المعادلة تقول ان كلمة: «اهل البيت (عليه السلام)»، تعادل: « العبادة، والجهاد، والتضحية ».
وكانت فاطمة (عليها السلام) لا تلعب دور الام الحنون التي تظهر حنانها لاطفالها فحسب، بل كانت تغذيهم احكام الدين والاخلاق وضوابط العصمة. وكان علي (عليه السلام) يربي الحسنين (عليهما السلام) على الامامة ودور الدين في المعترك الاجتماعي. بينما كان رسول الله (صلى الله عليه واله) يمدّ الاسرة الشريفة بمختلف وسائل الامداد الروحي السماوي وينقلهم الى عالم الاخلاق المثلى في كل لحظة من لحظات وجوده.
4- الاسرة الشريفة: قمة القيم الاخلاقية
وبكلمة، فقد كانت تلك الاسرة الشريفة محطة لانظار علماء الكلام، والقانون، والشريعة، والاخلاق، والفلسفة. لانه لم تشهد الانسانية عائلة تجمعت فيها كل صفات الشرف والكمال والنبوة والامامة كأسرة أصحاب الكساء وهم النبي (صلى الله عليه واله) وعلي وفاطمة والحسنان (عليهما السلام). خصوصاً وان تلك الاسرة المتكاملة كانت تسكن على ارض مسجد واحد وهو المسجد النبوي.
ولا شك ان التضامن الروحي الذي كان يشد افراد الاسرة المعصومة لم يكن تضامناً عضوياً بحتاً يدور حول «عقد الزواج» المبرم بين علي وفاطمة (عليهما السلام) تحت نظر والدها رسول الله (صلى الله عليه واله)، بل كان تضامناً في اصل الدين وتضافراً بين النبوة والامامة من اجل الاسلام. أي ان الدعم السماوي لزواج علي (عليه السلام) بفاطمة (عليها السلام) والذي اعلنه رسول الله (صلى الله عليه واله) في غير مرة، كان دعماً من اجل منصب الامامة. فقد كان «عقد الزواج» الذي باركته السماء كان من اجل دعم تلك المنـزلة الرفيعة االتي نالها علي (عليه السلام). وحتى الواجبات البيتية، والحقوق، والالزامات الشرعية والاخلاقية بين اعضاء الاسرة كانت تمثّل القيم الدينية بأعلى صورها.
ففاطمة الزهراء (عليه السلام) كانت تقضي الليل في العبادة والدعاء والاستغفار، وكان علي (عليه السلام) يقضي الليل في الصلاة والدعاء والتهجد أيضاً. وبينما كانت (عليه السلام) تعمل جاهدة من اجل ترتيب القضايا المنـزلية، كان (عليه السلام) يعمل ويكدح خارج البيت من اجل كسب لقمة العيش. وكانت فاطمة (عليها السلام) تقبل بالقليل من الطعام والشراب، وزوجها (عليه السلام) زاهد لا يتعدى طعامه الخبز اليابس، وأولادها يطون الليل جوعاً وهم ساجدون لله سبحانه وينظرون الى طعامهم يسلّم الى المسكين والفقير والاسير وهم مطمئنون راضون بقدر الله، وابوها (صلى الله عليه واله) خاتم الانبياء وأفضل البشر على وجه الارض يأكل من خبز ابنته (عليه السلام) ولم يدخل في فمه طعام منذ ثلاثة ايام. فأي قدوة وأي مثل أعلى تقدمه لنا عائلة رسول الله (صلى الله عليه واله)؟
لقد كان بالامكان تبديل تلك الحياة العائلية الى حياة الطبقة الوسطى على الاقل، الا ان رسول الله (صلى الله عليه واله) وعلياً (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام) لا يقبلون بذلك. لان اهل بيت النبوة (عليه السلام) ارادوا ان يكونوا مثلاً ابدياً للنـزاهة والطهارة والعفة والزهد والتقوى. وقد اكرمهم الله تعالى لانهم كانوا اتقى الناس وأفضلهم وأقربهم الى السماء.
ومن نافلة القوم ان نذكر ان البيت النبوي كان مثالاً للسلام الديني والوئام الاجتماعي، فلم يكن هناك صراع على ملك زائل او صراع بين الانوثة والذكورة او صراع على ملذات الدنيا كالذي رأيناه بين هند وابي سفيان، حيث زعمت بأنها لم تسرق في عمرها شيئاً الا ما كانت تأخذ من مال زوجها ابي سفيان. او الذي رأيناه بين عمر بن الخطاب قبل اسلامه وبين اخته، حيث لطم وجهها لطمة فشجّه وأدماه. ونحوها كثير من اساليب الصراع العضلي والفكري بين الرجال والنساء.
وليس غريباً أن نستوعب الفارق اذا فهمنا بان الاسرة العلوية كانت تمثّل قيم الدين بانصع صورها واجلى معانيها في التعاون والحب والتعبد والزهد والتقوى والجهاد في سبيل الله. بمعنى ان تلك الاسرة عكست السلوك المثالي الذي ينبغي ان يُحتذى من قبل المؤمنين بالاسلام وبرسوله (صلى الله عليه واله) وبولاية امير المؤمنين (عليه السلام).
وما كان يميز تلك الاسرة العلوية انها كانت تعيش اجواء الثراء الروحي والارتباط بالله تعالى في الوقت الذي كانت تعيش فيه الغربة الاجتماعية. فعندما كان آل الرسول (صلى الله عليه واله) يحاربون نظرياً الظواهر الجاهلية العالقة في المجتمع الجديد، كانوا في الوقت ذاته يخوضون جهاداً عملياً مريراً ضد مجتمع تربى على الاعراف الجاهلية القَبَلية. ولذلك كانت مهمتهم الاجتماعية والدينية صعبة وشاقة.
ولكن الذي خفّف من مشقة الصراع على الساحة الاجتماعية هو ان الارضية الدينية للانسجام النفسي والاجتماعي في الاسرة العلوية كانت ارضية صالحة، تحقق اهدافها في بناء مجتمع اسلامي مصغّر يذوب تماماً في المثاليات الدينية.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|