جواري وقهرمانات الخليفة أبو محمد المستضيء بأمر الله (566-575هـ/ 1170- 1179م) (1).

هو الخليفة الثالث والثلاثون في قائمة السيوطي من الخلفاء العباسيين البغداديين، حل محل والده في الخلافة بعد نجاح المؤامرة التي أجهزت على حياته سنة (566هـ/ 1170م) واستمر بها حتى (575هـ/ 1179م) (2) وشهد عهده زوال الخلافة الفاطمية وإلغائها، المنافس القوي للعباسيين لقرنيين وسبعة عقود ونيف، وعند وفاته لم يزد عمره عن أربعين عاماً (3) .

 وفي زمنه شهد قصر التاج، محل إقامته نشاطاً ملحوظاً للجواري، أشهرهن ذخر خاتون وبنفشا والجارية شرف، كما كثر جلب الغلمان والخدم واستخدامهم في أمور قصر الخلافة ، ويقول ابن الجوزي ان الخليفة الجديد احتجب عن اكثر الناس ، فلم يركب الا مع الخدم ولا يدخل عليه غيرهم (4) ، وفيما يأتي تلخيصاً لحياة وسيرة تلك الجواري الخليفة :

1. زمرد خاتون :

كانت أم ولد تركية ، جلبها الجلابون من بلاد الترك الشرقية الى ان استقر بها المقام في دار الخلافة (5) ،  إذ أصبحت جارية الخليفة المستضيء بأمر الله ، ثم أعتقها وتزوجها (6) ، وكانت أثيرة عند المستضيء لا سيما بعد ان ولدت له ولــي العهد أحمد سنة ( 553هـ/ 1178م ) وكناه بأبي العباس (7) ، وعاشت وعاش في خلافة أبنها أربعة وعشرين سنة ، وكانت راغبة في الخير والصدقة وأفعال البر ولها من الصدقات والوقوف ببغداد وغيرها شيء كثير ، وقيل أنـها حجت وأنفقت مالاً كثيراً وعمرت التربة عند قــبر ( معروف الكرخي )   والمدرسة الى جانبها وأوقفت عليها الأوقاف (8) ، ووصفت بأنها من سيدات دار الخلافة العباسية ببغداد ، وهي ام الخليفة وزوجة خليفة من خلفائهم وتعرف اليوم قبة قبرها بقبة الست زبيدة ( خطأ ) عند مدفن الشيخ معروف الكرخي في الجانب الغربي من بغداد وذلك في سنة ( 599هـ/ 1202م ) (9) .

2. الجارية بنفشة ( بنفشا ) :

هي رومية الدم ، نشأت في اليمامة (10)  وأوصلها الرق الى دار الخلافة عندما اشتراها المستضيء بمبلغ عشرة آلاف دينار  وساعدها حسن الوجه الى ان تصبح حظية وسرية لدى الخليفة (11) وتحتل مكانة عالية ومنزلة رفيعة لديه لأنه كان كثير الميل والمحبة لها ، فكان حكمها نافذ الأمر  والنهي في القصر العباسي ، ومن مميزات هذه الجارية أنها كانت تمتلك داراً تقع في جنوب بغداد علــى شاطيء دجلة جعلتها مدرسة سميت بـ ( مدرسة بنفشا ) وأوقفتها على الحنابلة للدراسة فيها (12) .

لم تكتف بذلك بل بنت قنطرة على نهر عيسى ( الصقلاوية حالياً ) وكذلك عقدت جسراً على دجلة عند مدرسة بنفشة (13) ، ويذكر ان للجارية بنفشا أكثر من دار واحدة من بينها الدار التي بناها لها المستضيء وهي دار مجاورة لباب الغربة الشريفة على شاطيء دجلة أيضاً ، ويقال ان هذه الدار كانت عالية البناء واسعة الفناء ، وتشمل مقاصير وحجران ومناظر ومتنزهات  ويذكر أيضاً انه كان يجاورها أربعة دواليب تسقى مزروعات الدار من النهر مباشرة ( وأمرت ببناء جسر جديد ينصب بين يدي هذه الدار الى باب الرقة ) وتم تدشين الدار سنة (596هـ/ 1173م) (14) .

كانت بنفشا تمتلك الكثير من الأموال والجواهر التي لا تحصى وكثيرة المعروف والإحسان والصدقة وخير مثال على ذلك ما ذكره ابن الأثير " من انها كانت تخرج في عيد الفطر من كل سنة صاعاً من التمر وتقول : هذا ما فرضه الشرع علي ، وأنا لا اقتنع من مثلي بهذا ، فتخرج صاعاً من الذهب العين وتأمر بتفرقته على الفقراء " (15) ، كما يعرف بأن بنفشة أعتقت خلقاً كثيراً من الموالي والجواري والمماليك الذين كانوا في خدمتها ، وتوفيت بنفشة الحظية الميسورة سنة ( 598هـ/ 1201 م ) ودفنت في التربة المجاورة لمعروف الكرخي (16) ولا نعرف فيما اذا تركت للمستضيء ولداً.

3. الجارية شرف :

وهي تركية الأصل دخلت القصر العباسي لقاء مبلغ قدره خمسة عشر الف دينار دفعها المستضيء لأحد تجار النخاسين في بغداد (17) وأعتقها المستضيء بعد ان ولــدت له ولده الأمير أبو منصور (18)، ويقال بأنها كانت امرأة صالحة (19) وتوفي مولاها المستضيء وهي في الحياة وعاشت في كنف ولدها الأمير أبو منصور الى وقت وفاتها في سنة ( 608هـ  / 1211م ) في صحن السلام ، ودفنت بتربة الرصافة (20) .

بضم قصر المستضيء والدته وهي أم ولد تدعى غضة ( عصمت ) وهي أرمنية الأصل (21) ونجهل سنة وفاتها .

لم أقف على اسم القهرمانة أو من شغل دور هذه الوظيفة داخل البلاط العباسي طيلة عهد الخليفة المستضيء على الرغم من وجود أعداد كبيرة من الجواري زمن خلافته، وبلا ريب فأن قسماً من هذه الجواري كن قد خصصن للخدمة ضمن حريم دار الخلافة .

_____________

(1) المستضيء : هو الحسن بن المستنجد ، ولد سنة 530هـ / 1135 م ، بويع بالخلافة بعد وفاة والده سنة 566هـ/ 1170م ، ظهر في خلافته العدل والكرم ، وفرق مالاً عظيماً على الهاشميين والعلويين والعلماء والمدارس والربط ، وضربت السكة باسمه ، توفى الخليفة المستضيء بأمر الله سنة 575هـ/ 1179م ، دامت خلافته تسع سنين . ينظر : السيوطي : تاريخ الخلفاء ، ص ص 444 ، 448 .

(2) ابن كثير: البداية والنهاية، ج13، ص37؛ ابن العماد: شذرات الذهب: ج4   ص252.

(3) سبط بن الجوزي : مرآة الزمان ، ج2 ، ص195 ؛ الذهبي : سير اعلام النبلاء ، ج14   ص101 .

(4) ابن الأثير : الكامل في التاريخ ، ج11 ، ص440 ؛ ابن تغري بردي : النجوم الزاهرة  ج6 ، ص185 .

(5) ابن الأثير : الكامل في التاريخ ، ج12 ، ص178 ؛ ابن تغري بردي : النجوم الزاهرة  ج6 ، ص182 ؛ السيوطي : تاريخ الخلفاء ، ص448 .

(6) ابن الدبيثي : المختصر المحتاج ، ص262 ؛ ابن كثير : البداية والنهاية ، ج13 ، ص 36

(7) المقريزي: السلوك، ج1، ص217؛ ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة، ج6 ص183.

(8) الكازروني : مختصر التاريخ ، ص242 ؛ حسين بن محمد بن الحسن الديار بكر : تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس ( بيروت : مط سفيان ، بلا ) ، ج1 ، ص366 .

(9) ابن دحية: النبراس، ص265؛ سبط بن الجوزي: مرآة الزمان، ج8، ق 1   ص635؛

(10) القرماني : اخبار الدول ، ص78 ؛ الخضري : تاريخ الأمم الإسلامية ، ص466 .

(11) سبط بن الجوزي : مرأة الزمان ، ج8 ، ص636 ؛ ابن العماد : شذرات الذهب : ج4  ص252 .

(12) ابن الأثير : الكامل في التاريخ ، ج12 ، ص188 ؛ الذهبي : سير اعلام النبلاء ، ج14  ص101 .

(13) ابن الجوزي : المنتظم ، ج8 ، ص88 ؛ ابن الساعي : نساء الخلفاء ، ص65 ؛ مصطفى جواد : سيدات البلاط العباسي ، ص175 .

(14) العصامي : سمط النجوم ، ج8 ، ص92 ؛ العمري : مهذب الروضة ، ص65 ؛ السيوطي : المستظرف ، ص34 .

(15) ابن الأثير: الكامل في التاريخ، ج12، ص210؛ العمري: مهذب الروضة ، ص66 . 

(16) الهمداني: التكملة، ج3، ص98؛ أبــو الفداء: المختصر في أخبار البشر، ج4 ص 81 .

(17) الذهبي: سير اعلام النبلاء، ج14، ص207؛ القلقشندي: مأثر الإنافة، ج3   ص110.

(18) ابو منصور : هو مستقبلاً الخليفة الظاهر ، خلع من ولاية العهد بعد ترشيح الناصر ولده الصغير علي الى وفاته في 612هـ/ 1215م ،  فأعاد لولاية العهد ثم الخلافة . ينظر : ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ج12 ، ص441 .

(19) ابن الأثير: الكامل في التاريخ، ج12 ، ص266 ؛ ابن الساعي : نساء الخلفاء ، ص65.

(20) الذهبي : العبر ، ج3 ، ص177 ؛ العصامي : سمط النجوم ، ج3 ، ص185  .

(21) السيوطي : تاريخ الخلفاء ، ص445 ؛ بروكلمان : تاريخ الشعوب ، ج4 ، ص162 .