باعتبار الجغرافيا تدرس الأرض بظواهرها الطبيعية و البشرية كما تمت الإشارة سلفا، فهي تعتبر علما بينيا و تركيبيا، ولها محتوى محدد وواضح، بعكس ما يتهمونها البعض بعدم وضوح محتواها، وعلى الجغرافي أن يفهم محتوى جغرافيته في وضوح تام. ولموضوع الجغرافية جانبين وهما :

الجانب الأول طبيعي:

بدأ مع "كارل ريتر و الكسندر فون  و همبولت، الذين كانوا يرتكزون على الظواهر الطبيعية و ينهجون في دراستهم   نفس المنهج العلمي للبحث الذي تستعمله العلوم الطبيعية (كالفيزياء والكيمياء،...), و كانوا يهدفون من وراء ذلك، الارتقاء بالجغرافيا من الوصف إلى التحليل القائم على السبب و النتيجة و هناك شبه اتفاق على محتوى الجغرافيا الطبيعية لأن عناصرها أكثر ثباتا و استقرارا من موضوعات الجغرافية البشرية، و تشتمل على دراسة الصخور و أنواعها و ترتيبها؛ السطح ، المناخ، التربة، و أخيرا النبات الطبيعي ...؛ وسنفصل هذه المحتويات في المحور الثالث المعنون بالازدواجية  في الجغرافيا.

الجانب الثاني بشري:

فيختلف الجغرافيون فيما بينهم في تحديد محتوى وموضوع الجغرافيا البشرية و ذلك راجع إلى أن الاهتمام،  بالجانب البشري جاء متأخرا ( المدرسة الإمكانية ) كرد فعل على المدرسة الحتمية و لأن الجانب البشري أكثر ديناميكية و حركة و أقل ثباتا و استقرار.

ومن هنا يختلف علماء الجغرافيا البشرية فيما بينهم في تحديد محتوى و موضوع علمهم إذ نجد :

- "فليرFleure ": يرى أن موضوعات الجغرافيا البشرية تنقسم إلى ثلاثة مجموعات و هي: الحياة، الحياة الجديد و الحياة الطيبة.

- "باتريك Patrick Geddelle" و" فردريك لا بلاي Frederic le Play ": فيرون أن محتوى الجغرافيا البشرية يشمل ثلاثة موضوعات رئيسية هي المكان، العمل و الناس .

- " فيدال دي لابلاش": يرى أن محتوى الجغرافيا البشرية يشتمل على سبع أقسام وهي: سكان العالم، الأدوات و المواد الأولية، إنتاج الطعام، السكن والعمران، درجة تقدم مدن معينة، النقل و المواصلات وهنا بدأ يتزايد الاهتمام بالأشياء المادية كالأدوات و المساكن و التركيز على موضوع، كيف يعيش الإنسان ؟

من خلال ما سبق يتضح  أن الجغرافيا لم تعد ذلك العلم الذي يهتم بوصف الظواهر وصفا سطحيا بعيدا عن الواقع بل أصبحت ذلك التخصص الذي يتماشى مع التطور العلمي الحديث الذي يعتمد على التحليل والقياس والربط واستخدام النماذج والنظريات الحديثة وبذلك صارت في الاتجاه التطبيقي الذي يعرف اليوم بالجغرافيا الكمية والجغرافيا التطبيقية. التي ترفض أن تستمر بعيدا عن الانشغالات الكبرى للإنسان، وذلك لما تمتاز به الجغرافيا من قدرة على التأقلم مع مختلف العلوم فهي تمثل همزة وصل متينة بين مختلف العلوم وهي تسخرها جميعا لخدمتها وتأخذ منها ما يخدمها ويميزها عن غيرها وقد شهدت السنوات الأخيرة تحولات كبيرة في المنهج الجغرافي والمحتوى العلمي وكذلك في الأساليب التي يعتمد عليها في تحقيق الأهداف والأغراض، ولعل من أسباب هذه التحولات أيضا ما طرأ على المحتوى البشري من تطور كبير حيث أصبح الجغرافيون يعالجون مواضيع لم تكن بالأمس معروفة حتى وكأن المتتبع لأعمال الجغرافيين يلمس ذلك الاهتمام المتزايد بالتركيز على دراسة الظواهر والمواضيع الطبيعية والبشرية المختلفة بطريقة تختلف عما كانت عليه في الماضي بفضل استخدامهم للوسائل الكمية المتقدمة في أبحاثهم استعانة بالإحصاء والإعلام الآلي والرياضيات والنماذج والهندسة والطبيعة والكيمياء، وكان لذلك التطور في استخدام مثل هذه الوسائل نتائج هامة أسفرت عن دفع عجلة الجغرافيا وجعلها علما يتماشى مع عصر التكنولوجيا، حتى أطلق البعض على هذا التحول في استخدام الوسائل والمناهج مصطلح (الثورة الكمية في الجغرافيا)، وهذه الثورة لقيت ترحيبا كبيرا من الجغرافيين لأن للمنهج الكمي مزاياه كثيرة و لعلى أبرزها و أهمها أن النتائج التي يمكن التوصل إليها تكون أكثر دقة بفضل التحليل العلمي لتسلسل الأحداث وهذا التحليل العلمي الجغرافي يبرز النظم التي أثرت في وجود الظواهر المختلفة التي يتعرض لها الجغرافي بالدراسة، فهو لا يكتفي بالوصف بقدر ما يعتمد على الأسباب التي أنشأت هذه الظواهر .

إذن فما هي علاقة الجغرافيا بالعلوم الأخرى ؟

______________
(1)- المديرية العامة للجماعات المحلية (2009)، سلسلة دليل المنتخب، دليل المخطط الجماعي للتنمية. الطبعة الأولى ص4.