أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-08-10
358
التاريخ: 20-9-2016
1592
التاريخ: 16-7-2022
1966
التاريخ: 5-6-2020
2097
|
وهي من القواعد المهمة التي تنفي الأحكام التي ينشأ منها الضرر, فتنفي وجوب الوضوء فيما إذا كان ضررياً, وكذلك نفي وجوب الصوم اذا ترتب علية الضرر.
وهي مستمدة من أخبار الشارع بعدم جعلهِ الحكم الضرري في شرعه ودينه تكليفياً كان أو وضعياً أو هي حكم الشارع بانتفاء الموضوع الضرري ادعاء بعناية عدم جعل الحكم له.
أولاً : مضمون القاعدة :
كل حكم يتسبب من ثبوته ضرر على المكلف فهو مرفوع وغير ثابت في الشريعة كما رخص بالتيمم ورخص بالتقية وأجاز ترك الصوم, كما لا يجوز إيقاع الضرر بالآخرين ولا مقابلة الضرر بالضرر مثله والمقصود من ذلك رفع الضرر والمضرة.
فللقاعدة موضوع ومحمول, موضوعها الحكم الضرري أو الموضوع الخارجي الضرري, ومحمولها الإخبار عن عدم جعل ذلك الحكم حقيقة أو عدم ذلك الموضوع تنزيلاً وادعاءً بلحاظ عدم حكمه.
ثانياً : مدرك القاعدة :
1. الآيات الشريفة :
قال تعالى : {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: 233] نهى سبحانه عن إضرار الأم بولدها بترك إرضاعه غيظاً على أبيه لبعض الجهات, كما انه نهى عن اضرار الاب بولده بمنع رزقهن وكسوتهن بالمعروف مدة الرضاع, فيمتنعن عن ارضاع الولد فيتضرر منه الولد.
قوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: 6] نهى سبحانه عن الأضرار والتضييق على المطلقات في السكنى والنفقة في أيام عدتهن. كما أوصى بهن في موضع أخر بقوله {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231] نهى عن الرجوع الى المطلقات الرجعية لا لرغبة فيهن بل لطلب الاضرار بهن كالتقصير في النفقة أو لتطويل المدة حتى تلجأ الى بذل مهرها.
قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا } [النساء: 11] نهى الله عن الاضرار بالوارث وتضييع حقوقهم في الوصية بان يوصي ببعض الوصايا اجحافاً عليهم ودفعاً لهم عن حقهم أو يقر بدين ليس عليه دفعاً للميراث عنه.
قوله تعالى : {وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ} [البقرة: 282] نهى عن إضرار كاتب الدين والشاهد عليه أو على البيع, بان يكتب ما لم يمل أو يشهد بما لم يستشهده عليه, ويمكن حمل الآية الشريفة على النهي بالإضرار بالكتاب والشهداء إذا أدوا حق الكتابة والشهادة على اختلاف الأقوال في تفسير الآية الشريفة.
2. الأحاديث الشريفة :
قضية سمرة بن جندب التي رواها محمد بن يعقوب الكليني في الكافي (1) (عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن عبد الله بن بكير عن زرارة عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: انّ سمرة بن جندب كان له عذق في الحائط (2) لرجل من الأنصار, وكان منزل الأنصاري بباب البستان, وكان يمر به الى نخلته ولا يستأذن فكلمه الانصاري ان يستأذن إذا جاء فأبى سمرة, فلما تأبّى جاء الانصاري الى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فشكا إليه وخبره الخبر: فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وخبّرة بقول الانصاري وما شكا وقال: إن أردت الدخول فاستأذن فأبى, فلما ساومه حتى بلغ به الثمن ما شاء الله, فأبى أن يبيع, فقال: لك بها عذق يمدُّ لك في الجنة, فأبى أن يقبل, فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم للأنصاري أذهب وأرم به إليه فإنه لا ضرر ولا ضرار).
اعتراض :
ما اختاره الميرزا النائيني والسيد الخوئي من أن الأمر بالقلع لم يستند إلى القاعدة (لا ضرر ولا ضرار) وإنما استند الى ولاية النبي صلى الله عليه واله وسلم وكونه حاكماً ووظيفته حفظ النظام, فمن باب كونه يجب عليه الحفاظ على النظام أمر بالقلع وليس من باب قاعدة لا ضرر.
الجواب :
إن النبي صلى الله عليه واله وسلم حينما أمر بالقلع علل بقوله لا ضرر, حيث قال صلى الله عليه واله وسلم (إذهب فاقلعها وارم به إليه فإنه لا ضرر ولا ضرار) فإن ذلك واضح في كون القاعدة قد ذكرت كتعليل للأمر بالقلع.
مسألة الشفعة: روى المشايخ الثلاثة الكليني والطوسي والصدوق عن عقبة بن خالد عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: قضى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن. وقال لا ضرر ولا ضرار, وقال إذا ارّفت الأرف(3) وحدت الحدود فلا شفعة)(4).
إن العلة والحكمة في جعل (حق الشفعة) للشريك هي لزوم الضرر والإضرار عند فقده, فإن الإنسان لا يرضى بأي شريك, وان هذا الحق ثابت في المشاع وقبل القسمة, وأما بعدها فلا شفعة وهو المراد من قوله عليه السلام : (إذا ارفت الأرض وحدت الحدود فلا شفعة).
مسألة مشارب النخل وفضل الماء, فقد روى الكليني بسنده إلى عقبة بن خالد عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: (قضى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بين أهل المدينة في مشارب النخل: أنه لا يمنع نقع البئر(5), وقضى بين أهل البادية أنه لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلاء فقال لا ضرر ولا ضرار)(6) والام للعاقبة ومعنى الحديث (أي لا يمنع فضل الماء الذي عاقبته المنع من فاضل الكلأ).
ثالثاً: توضيح المفردات :
الضرر هو النقص الذي يدخل على الشيء عند أصل اللغة, وهو ضد النفع (7), فالضرر يطلق عند أهل اللغة يراد به النقصان وعلى الأذى مطلقاً إذ يشمل المضايقة لديهم (8).
والضرر أنه النقص في المال أو البدن أو العرض, بل تعميم النقص للحق كذلك, فمن كان له حق عقلائي وشرعي في قضية معينة فالمنع من ممارسته لحقه المذكور ضرر, فمثلاً من حق الشخص ان يعيش في داره حراً والحيلولة دون ممارسة حقه ضرر.
والحاصل ان الضرر لا يختص بالنقص في المال أو العرض أو البدن, بل التجاوز على حقوق الأخرين والتعدي عليها ضرر. ويمكن تعريفه: هو الأذى الذي يصيب الشخص في الجسم أو العرض أو المال أو أي شأن محترم شرعاً من شؤونه ناشئاً عن احداث عمل غير مشروع (9).
رابعاً: الفرق بيـن الضرر والضرار :
إن كلتي الكلمتين تشتركان في معنى النقص ولكن تتميزان, والتفريق بينهما هو إن الضرر اسم مصدر بينما الضرار مصدر, والفارق بين المصدر واسم المصدر هو إن المصدر هو الدلالة على الحدث من حيث صدوره من الفاعل بينما اسم المصدر دلالته على الحدث دون دلالته على النسبة الى الفاعل فمثلاً العلم إذا لوحظ منسوباً الى الفاعل وقيل عِلْمُ زيد بالقضية ثابت فهو مصدر أما اذا قيل العلم خير من الجهل فهو اسم مصدر.
فان الضرر هو نفس النقص بلا لحاظ حيثية صدوره من الفاعل, بينما الضرار يكون حيثية الصدور من الفاعل ملحوظة وان كلمة الضرر تدل على نفس النقص وكلمة الضرار تدل على الضرر الصادر من الفاعل عن تعمّد ونقص. وتحريم الاضرار يستبطن بالملازمة العقلائية تشريع الوسائل الوقائية والوقوف أمام تحقق الظلم أو بقائه ولو بإعطاء ذلك كصلاحية للحاكم. فمن الوسائل في المقام قلع النخلة إذ بدون قلعها يبقى سمرة داخلاً وخارجا, وذلك يستلزم استمرار الإضرار, ومجرد منعه بدون الاستئذان لا يكفي للوقوف أمام ظلمه فلما كان قلع النخلة هي الوسيلة الوقائية المنحصرة, في دفع الضرر أمر صلى الله عليه وآله بالقلع.
وقيل إن الضرار فعل الاثنين والضرر فعل الواحد, أو المجازاة على الضرر أو الإضرار بالغير بما لا ينتفع به, بخلاف الضرر فإنه الإضرار بما ينتفع, أو أن الإضرار عمدي والضرر أعم منه.
خامساً: المقصود من قاعدة الضرر:
ان المقصود من القاعدة نفي تحقيق الضرر في حق المكلف من ناحية التشريع والأحكام, فكل حكم يكون ثبوته مستلزماً للضرر يكون منفياً, وإن الاضرار لوحظ في جنبة الصدور من الفاعل ونفي الإضرار وتحريمه يستبطن بالملازمة العقلائية تشريع الوسائل الوقائية والوقوف أمام تحقق الظلم أو بقائه. فمثلاً النهي عن الاحتكار فلو نُهي شخص عن الاحتكار وبالرغم من ذلك أحتكر فجاء الحاكم وأخرج السلع المحتكرة وباعها لم يشكل على ذلك بان النهي عن الاحتكار لا يستوجب إلا تحريم الاحتكار لا أكثر, بل يرون وجود ملازمة بين تحريم الاحتكار وتشريع الوسيلة الوقائية وأن الأوّل دون الثاني أشبه بالتفكيك بين المتلازمين.
فقاعدة نفي الضرر توجب منع الضرر مطلقاً, فتشمل دفعه قبل وقوعه, ورفعه بعد وقوعه, فيكون المراد نفي ماهية الضرر في دين الإسلام, أي ليس في أحكام دين الإسلام ما يوجب الضرر والضرار سواء أكان حكماً تكليفياً أو وضعياً فهي تشمل جميع أبواب الفقه معاملات وعبادات سواء أضر بنفسه أم بغيره, فالوضوء أو الغسل إذا استلزم ضرراً يكون منفياً, والحج إذا استلزم ضرراً لا يجب, وإتلاف مال الغير بدون تدارك ضرر عليه عرفاً فهو منفي في الشرع فلا بد من تداركه, والجاهل بالغبن والعيب يكون تمليك ماله مما هو دون قيمته ضرر عليه فيجب تداركه بالخيار أو الإرش إلى غير ذلك ما يبنى على نفي الضرر.
الضرر المنفي وشروطه:
إن الضرر المنفي هو الضرر المادي والضرر المعنوي، والضرر المادي يتمثل بالإصابة الجسدية أو الخسارة المادية, واما الضرر المعنوي وهو يتمثل بالإخلال بمصلحة غير مالية كما لو كان الأذى يمس الشرف والكرامة أو السمعة أو العاطفة أو غيرها.
وأما الشروط التي يجب أن تتوفر في الضرر المنفي وهي:
1. وقوع الضرر بمعنى أنه قد وقع أو محقق الوقوع.
2. أن يكون ماساً بحق محترم شرعاً.
3. أن يعدّه الشرع أو العرف ضرراً.
الضار وشروطه :
الضار من أوقع الضرر بقصد أو بغير قصد, مختاراً أو مضطراً, عالماً أو جاهلاً مباشراً أو متسبباً, فلو أحدث الإنسان ضرراً بغيره عن غير قصد, فيكون قد ارتكب فعلاً غير مشروع فيلزمه الضمان دون الإثم, وإنما يلزم محدث الضرر برفع الضرر عن الغير بالضمان أو نحوه بسبب فعله, والفعل هنا أعم من أن يكون مادياً أو يكون معنوياً, ثم الفعل الضار قد يقع مباشرة أو تسبيباً, وشرط اعتباره ضاراً أي محدثاً للضرر صحة إسناد الضرر إليه, فالذي يسند إليه الضرر شرعاً أو عرفاً فهو الضار, ويلزم بجبر الضرر, ولا يشترط في الضار أن يكون ذا أهلية في الضمان بل حتى لو كان غير مميز أو مجنوناً أو صبياً أو نائماً وترتب على فعله ضرر فهو ضامن.
سادساً : كثرة تخصيص قاعدة لا ضرر:
إن قاعدة لا ضرر قد طرأت عليها تخصيصات كثيرة, أي ان هنالك أحكام كثيرة ثابتة في الاسلام وهي ضررية ولا ترتفع بقاعدة لا ضرر كما هو الحال في الحدود والديات والتعزيزات والقصاص وباب الضمان بالإتلاف أو اليد وباب الخمس والزكاة والحج والجهاد والانفاق على الزوجة وباب الكفارات, وكثرة التخصيص يوجب وهن القاعدة. ثم ان العمل بالقاعدة على عمومها بحيث لا يلزم تخصيصها يلزم فقه جديد والالتزام بتخصيصها يلزم وهنها.
الجواب:
ان الضرر في الأمثلة المذكورة في الاعتراض وغيرها لم يعد يصدق أنه ضرر عقلائي, فان هذه الاحكام والقوانين تعود بالنفع الى المجتمع وافراده فالضرر الناتج منها لم يعد يصدق عليها ضرر عقلائي ولا يعدّها العقلاء ضرراً أو على الأقل يعدُّ ضرراً غير أنه ضرر مقبول لدى العقلاء, وحديث نفي الضرر حينما يقول لا ضرر يقصد نفي ما يكون ضرراً على المستوى العقلائي.
سابعاً : شمول قاعدة لا ضرر للأحكام العدمية :
ان قاعدة لا ضرر تشمل الأحكام العدمية فضلا عن شمولها للأحكام الوجودية فوجوب الوضوء حكم وجودي تشمله قاعدة لا ضرر ولكن هل تشمل مثلاً عدم ثبوت حق الطلاق لغير الزوج عند عدم قيامه بالنفقة على الزوجة أو لحبسه مدة زمنية طويلة تضر بالزوجة فهو حكم عدمي وعدم انتفائه يستوجب الضرر؟ فذهب بعض الفقهاء الى شمولها للأحكام العدمية وذهب المحقق النائيني من ان لازم شمول القاعدة للأحكام العدمية تأسيس فقه جديد إذ يلزم صيرورة أمر الطلاق بيد الزوجة في حالة تضررها فمن حقها ان تطلق نفسها ولو لم يطلقها زوجها وهذا غريب لا يذهب إليه أحد.
اعتراض :
ان حديث لا ضرر غير شامل للأحكام العدمية لأن حديث لا ضرر ناظر للأحكام المجعولة التي جعلها الشارع وشرعها لينفيها في حالة الضرر, وعدم الحكم ليس أمر مجعولاً من قبله ليشمله الحديث.
الجواب: ان المقصود من حديث لا ضرر نفي الضرر اللازم من الموقف الشرعي, ففي عالم التشريع لم يتخذ الشارع موقفا يلزم منه الضرر على المكلفين ومن الواضح ان عدم حكم الشارع بثبوت حق الطلاق للزوجية أو للحاكم الشرعي موقف من قبل يلزم منه الضرر على الزوجة, وهكذا بالنسبة إلى بقية الأمثلة. فلا موجب لتخصيص الحديث في خصوص الاحكام المجعولة.
تقديم حديث لا ضرر على الأدلة الأولية :
إن تقديم حديث لا ضرر على أدلة الأولية من قبيل جهة التخصيص, لأنه لو لم يقدم حديث لا ضرر على الأدلة الأولية يلزم إلغاؤه رأساً وعدم بقاء مورد له, وهذا بخلاف ما لو قدّم فإنه لا يلزم إلغاء الأدلة الأولية رأساً وإنما يلزم اختصاصها بموارد عدم الضرر, وكلما دار الامر بين دليلين من هذا القبيل قدّم ما يلزم من عدم تقديمه وإلغاؤه رأساً وهو حديث لا ضرر في المقام.
وهنالك وجه أخر هو للتقديم هو حكومة (10) حديث لا ضرر على الأدلة الأولية وهذا الوجه هو المعروف بين المتأخرين.
والفرق بيـن الحكومة والتخصيص :
اذا كان الدليلان لسان كل منهما مسالم للدليل الثاني فالأول هو الحاكم والثاني هو المحكوم مثل أكرم كل عالم, والدليل الثاني والفاسق ليس بعالم كان لسان الثاني مسالماً للدليل الاول فهنا المورد مورد حكومة.
أما إذا كان الدليلان لسان كل منهما منافٍ للدليل الاخر مثل أكرم كل عالم, والدليل الثاني لا تكرم كل فاسق, كان لسان الدليل الثاني منافياً للأول وهذا هو التخصيص.
ثامناً : يتفرع على قاعدة لا ضرر ولا ضرار القواعد الآتية :
1. الضرر يزال :
أي يجب أن يرفع الضرر وتزال آثاره, فمن سلط ميزابه على طريق عام يتضرر به المارة فعليه أن يرفعه. فإذا لم يتمكن من إزالة الضرر بالكامل لسبب ما كما لو ترتب على إزالته ضرر مماثل, فيزال حينئذ بما أمكن ومثلوا الفقهاء بما لو فتح أحد شباكاً يطل على دار جاره فإنه يكفي ان يضع ستارة سميكة تحجب الرؤية إذ به يندفع الضرر.
2. الضرر يدفع بقدر الإمكان :
أي يجب أن يدفع الضرر قبل وقوعه قدر الإمكان, ذلك بكل وسيلة كافية, فالوقاية خير من العلاج. فوجوب العدة الكافية لإرهاب العدو. ويقصد بها منع الضرر قبل وقوعه أي بالحيلولة دونه, وذلك بوضع التشريعات اللازمة التي من شأنها أن تمنع وقوع الضرر, فلا يصل الأمر إلى الرفع إلا عند التجاوز وعدم الالتزام, ويتمثل ذلك في تشريع العقوبات {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 179] وتشريع الخيارات لقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] .
3. الضرر لا يزال بمثله :
الضرر اذا كانت إزالته واجبة فلا يزال بضرر مثله أو أعظم منه فلا يزال ضرر الاختلاط والفتنة بالحبس والحجز. فلا يجوز إزالته بإحداث ضرر مثله لأنه في هذه الصورة لا يعد إزالته حقيقية, فإن لا ضرر ولا ضرار المراد بالضرار عدم جواز مقابلة الضرر بالضرر. فلا يجوز إتلاف مال أحد بسبب أنه أتلف مالي.
4. تحمّل أخف الضررين لدفع أشدهما :
الضرر الأشد هو الضرر الذي يلحق بالمضرور أذى أكبر أو خسارة مالية أكبر أو هو ما يفوّت منفعة أصلية وبعكسه الضرر الأخف وقد أطلق فريق من الفقهاء على الضرر الأشد تسمية الضرر الفاحش, وآخرون أطلقوا عليه تسمية الضرر الأكثر(11).
ومفاد القاعدة أنه عند تعارض ضرر أشد أو أكثر مع ضرر أخف أو أقل فيرتكب الضرر الأخف لدفع الضرر الأشد أو الأكثر.
يجوز أن يزال الضرر بضرر أخف منه, والضرر الأشد يزال بضرر أخف مثل زرع الأرض في غير مستحقها, أخذ مال الغير خوفاً من الهلاك نفسه.
5. تحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام :
يقصد بالضرر الخاص ما يصيب فرداً على حدة, أما الضرر العام فهو ما يصيب أكثر من فرد أو جماعة غير محصورة, وعبّر الشهيد الأول عن الضرر العام بأنه أعظم مفسدة (12).
ومفاد القاعدة: أنه إذا تعارض ضرر يلحق بفرد أو مجموعة قليلة مع ضرر يلحق المجموع أو عموم الناس فإنه يرى العام فيعرّض الفرد للضرر ويتحمله دفعاً للضرر الذي يمكن أن يصيب المجموع.
هدم الأبنية الآلية للانهدام إلى السقوط مع تضرر صاحبه خوفاً من سقوطها وجواز حجر المفتي الماجن والطبيب الجاهل والمكاري والمفلس وان تضرروا دفعاً لضررهم عن الجماعة في أرواحهم ودينهم ومالهم, ومنها التسعير عند تعدي أرباب الطعام في بيعه بغبن فاحش, وهدم الدور الملاصقة للحريق إذا خيف سريانه.
تاسعاً :
الضرر المنفي في قاعدة لا ضرر ولا ضرار هو الضرر الشخصي لا الضرر النوعي, والمراد بالضرر الشخصي هو أن المناط في رفع الحكم ترتب الضرر الشخصي الخارجي عليه فمن الممكن أن يكون الحكم ضررياً في حق شخص دون شخص آخر بل لشخص واحد في مورد دون مورد آخر.
وأما الضرر النوعي كون الحكم ضرريا نوعاً وإن لم ينشأ منه ضرر في بعض الأحيان أو لبعض الأشخاص. والظاهر من الحديث الشريف هو الضرر الشخصي لا النوعي؛ لأن معنى الحكومة رفع كل حكم في كل مورد نشأ منه ضرر.
وإن حديث لا ضرر ولا ضرار في مقام الامتنان يقتضي أن يكون الرفع بلحاظ حال كل شخص بحسب نفسه, وإلاّ رفع الحكم عن شخص بلحاظ شخص آخر أي امتنان فيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي/ الكليني/ ج5/ ص292؛ الوسائل/ الحر العاملي/ ج25/ ص428/ باب 12 من أحياء الموات/ ح3.
(2) الحائط: البستان.
(3) الأرفة: الحد الفاصل ما بين الدور والضياع.
(4) الوسائل/ الحر العاملي: ج17/ ص319/ باب 5 من أبواب الشفعة/ ح2.
(5) نقع البئر: اي فضل مائها.
(6) الوسائل/ الحر العاملي/ ج25/ ص420/ الباب 7 من احياء الموات/ ح2.
(7) لسان العرب, ج4, ص484.
(8) العين, الفراهيدي, تحقيق: د. مهدي المخزومي ود. ابراهيم السامرائي/ ج7/ ص6, نشر دار الجاحظ, بغداد, وزارة الإعلام والثقافة.
(9) نظرية نفي الضرر في الفقه الإسلامي/ رسالة دكتوراه/ عبد الجبار حمد حسين شرارة/ جامعة بغداد/ كلية الدراسات الدينية والإسلامية/ 1410هـ - 1990م/ ص31.
(10) إن الحكومة عبارة عن كون دليل ناظراً إلى حال دليل آخر, وشارحاً ومفسراً لمضمونه, سواء كان ناظراً إلى موضوعه أم إلى محموله , وسواء كان النظر بنحو التوسعة أم التضيق, وسواء كان دلالة الناظر بنحو المطابقة أو الالتزام, وسواء كان متقدماً أم متأخراً فيسمى الدليل الناظر حاكماً والمنظور إليه محكوماً. اصطلاحات الأصول/ المشكيني : 126.
(11) النظرية العامة للمعاملات/ الشيخ أبو سنة/ نظرية الحق/ 185.
(12) القواعد والفوائد/ الشهيد الأول/ ج1/ ص144.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
خدمات متعددة يقدمها قسم الشؤون الخدمية للزائرين
|
|
|