خطوات أو مراحل الرقابة الإدارية
المؤلف:
صباح عبد الكاظم شبيب الساعدي
المصدر:
دور السلطات العامة في مكافحة ظاهرة الفساد الإداري في العراق
الجزء والصفحة:
ص 259-262
2025-11-10
21
تتضمن الرقابة الإدارية خطوات رئيسية لا بد من اتخاذها على نحو متتال كي تكون الرقابة فعالة وهذه الخطوات هي (1).
أولا: وضع المعايير أو المقاييس الرقابية: وهي معايير أو مقاییس (Standards) موضوعية وواضحة ومحددة وقابلة للتطبيق لقياس الإنجازات التي تحققت والتي تعبر عن أهداف التنظيم، وتوضع على أساس تحديد كمية العمل المطلوب إنجازه والمستوى النوعي له والزمن اللازم لأدائه، مثال ذلك تحديد معدل الأداء للعامل ب(خمسين) وحدة إنتاجية بحالة جيدة في (ثماني) (ساعات) أو أن يحدد معدل الأداء بالنسبة لعامل الاختزال على أساس كتابة (خمسين) ورقة بدون أخطاء في 12 ساعة، في هذين المثالين يكون معدل الأداء قد حدد على أسس موضوعية. ويشير كتاب الإدارة العامة، الى انه اذا كان الأمر ميسوراً بالنسبة لإدارة الإنتاج حيث تكون معدلات الأداء محسوسة وبالتالي يمكن قياس الإنتاج من حيث الكم والنوع والوقت، الا أن الأمر لا يكون كذلك بالنسبة للإدارة العامة اذ تكون اغلب أعمال الإدارة خدمات غير قابلة للقياس بوحدات عمل محسوسة وبالتالي يصعب تقييمها على وجه الدقة ومعرفة مدى ما حققته كل إدارة أو مؤسسة مثل الخدمات الطبية والتعليم والأمن (2).
ويذهب بعض الفقهاء الى تقسيم الأنشطة الحكومية من حيث قابلية قياسها عن طريق وضع معدلات موضوعية الى ثلاثة :-
1- أعمال تبلغ فيها المعيارية نفس الدرجة المكتملة التي وصلت اليها الصناعة فهي تخضع لنفس درجة القياس وبالتالي يمكن وضع معدلات محسوسة بشأن قياسها.
2 - أعمال متكررة وهذه يمكن قياسها نسبيا لتضمينها بعض الذبذبات ومع ذلك فهذه الأعمال يمكن قياسها عن طريق استخدام الإحصاء لتقدير العبء التقريبي ! للعمل خلال فترة من الزمن.
3 - أعمال غير قابلة للقياس بسبب تنوع مظاهرها وعدم انتظامها مثل أنشطة الإداريين والباحثين، وبذلك نكون أمام حالة لا بد من معالجتها وهي كيف نضع معايير لقياس الأداء الوظيفي الإداري، فقد يكون للأدارة هدف ترمي من ورائه تحقيق مستوى معين من الولاء أو الروح المعنوية في نفوس العاملين، أو و تطور برنامجا للعلاقات العامة.
إن أنشطة مثل هذه يصعب قياسها بالأرقام، ألا أنه يمكن وضع مؤشرات معينة يمكن من خلالها ترجمة مدى تحقق الهدف المطلوب ولو بدرجة من القناعة، وهناك بعض المؤشرات التي يمكن استخدامها كمعايير في هذا المجال مثل الموازنات التخطيطية المؤشرات المالية التكاليف المعيارية، مقاييس الكفاءة الإنتاجية. .... وغيرها (3) . ونرى من جانبنا اعتماد بعض المعايير مثل: الوقت المستغرق لإنجاز العمل الإداري، نسبة إنجاز الأعمال المكلف بها الموظف خلال مدة معينة، نسبة الاعتراض على قرارات الموظف وإجراءاته من قبل ذوي العلاقة.... الخ.
ثانياً: قياس الأعمال Measurement، إن مجرد ايجاد معايير رقابية معينة لا يكفي لوحده، بل يتطلب الأمر عملية قياس درجة الكفاءة في انجاز الإعمال طالما هناك أنماط مختلفة للأداء، ويقصد بالقياس مقارنة النتائج المتحققة للأداء بالمعدلات الموضوعة سلفاً، لتحديد ما إذا كان هناك إنحراف أو تطابق بينهما، لأن جوهر عملية التقييم يعتمد أساساً على عملية القياس والمناظرة (4).
ثالثاً: تقييم الإداء Evaluation تتفاوت عملية التقييم من حيث سهولة إنجازها وصعوبتها، فقد يكون التقييم سهلا اذا كانت المعايير الموضوعة مفهومة وواضحة وملائمة لطبيعة النشاط والعكس صحيح، وتأتي عملية التقييم بعد جمع المعلومات الخاصة بقياس الأداء وتقديمها الى الشخص المسؤول لدراستها وتحديد نقاط الضعف، وكما مر بنا - فأن بعض الأنشطة ليس من السهل تقييمها بسبب صعوبة وضع معايير لها مثل نشاط ؛ مدير عام او مدير علاقات... الخ، بسبب صعوبة قياسها قياساً دقيقاً (5). لذلك نرى أن كثيراً من حالات تقييم العمل الإداري تتأثر بالعوامل الشخصية سلباً أو إيجاباً مثل ؛ نوع العلاقة بين الرئيس والمرؤوس المزاج الشخصي للرئيس أو كفاءته الإدارية.
رابعاً: تصحيح الاداء وتلافي الانحراف (Correction) (6) لا تكتمل عملية الرقابة بدون المرور بهذه الخطوة، إذ لا فائدة من عملية وضع المعايير أو القياس أو التقييم بدون أن تنتهي باتخاذ الاجراء التصحيحي Correcting Action الضروري إذا ما تم اكتشاف الانحراف أو التعرف على نقطة الخلل في مسار العمل الاداري، وحتى بدون وجود الخلل في العمل فأن عملية المعالجة وضمن هذه الخطوة تعني أيضاً رسم اتجاهات المستقبل في ضوء التوقعات والتنبؤات المحتملة التي تم التعرف عليها نتيجة لمقارنة الاداء بالمعايير الموضوعة. إن عملية تصحيح الاداء هي النقطة التي تمتزج عندها الرقابة بالوظائف الادارية الأخرى فالمدير قد يصحح الانحراف عن طريق أعادة الخطة، أو عن طريق تعديل الهدف أو الأهداف الفرعية أو قد رسم يتطلب الأمر أعادة النظر في المهمات والصلاحيات والواجبات للعاملين في المنظمة، كما أن المدير قد يقوم بالتصحيح عن طريق اعادة النظر في موقع الافراد العاملين قياسا بمناصبهم وما يتطلب ذلك من عمليات تغييرهم او تدريبهم وان هذا التداخل بين وظيفة الرقابة والوظائف الادارية الاخرى يوضح لنا مبدأ وحدة عمل المدير كما أنه يبين بكل وضوح أن العملية الادارية ما هي إلا نظام متكامل تتألف من أنظمة جزئية وفرعية والتي تشكل الكل(7).
فالمرحلة الأخيرة من الرقابة تعتبر من أهدافها أكثر مما هي من عملياتها، وغالباً ما يتم فيها إثابة المجد ومعاقبة المقصر وهذا مبدأ مهم في الإدارة وهو مبدأ الثواب والعقاب (8) . وهناك من يضيف خطوة خامسة وهي الاستمرار في الحصول على تغذية عكسية Feed Back) من البيئة الداخلية والخارجية لتوجيه الأداء الفعلي وتحسينه (9).
فالرقابة إذن عملية إبراز الأخطاء والانحرافات التي تسفر عنها عملية قياس الأعمال السابقة فإذا ظهر من مقارنة النتائج المتحققة بالمعدلات الموضوعة أن هناك اختلافا بالزيادة او بالنقصان كان ذلك مؤشرا على أن هناك إنحراف ايجابي او سلبي (10)
وتمر عملية تصحيح الانحراف السلبي بمرحلتين:
1- مرحلة إبلاغ الشخص الذي له القدرة على اتخاذ إجراء ما نحو الانحراف، ويجب ان يتم ذلك في الوقت المناسب حتى يمكن بسهولة الكشف عن أسباب الانحراف.
2 - مرحلة علاج الانحراف وذلك بالبحث عن وسائل العلاج بعد الكشف عن الأسباب الحقيقية للانحراف والعمل على منع تكرار وقوع الأخطاء لضمان فعالية الرقابة والنظام بأكمله، وقد يتم ذلك من خلال بعض الإجراءات الوقائية مثل ؛ تعديل الأهداف أو الاختصاصات، تحسين طرق أداء العمل، الاهتمام بالتدريب مضاعفة الجهود المتصلة بالتنسيق أو توفير نظم اتصالات حديثة أكثر فاعلية.... وغير ذلك من إجراءات قد تكون بعضها عاجلة للسيطرة بسرعة على الموقف، أو تكون علاجية لمنع تكرار الانحراف مستقبلاً أو تكون رادعة مثل الإجراءات التأديبية وبصدد ذلك يجب التفرقة بين نوعين من الأخطاء :
الأولى: الأخطاء العادية التي يمكن توقعها وتلافي آثارها الضارة ويتم تكييفها على أنها أخطاء بسيطة غير متكررة، أو خارجة عن السيطرة لظروف طارئة، أو التي لا تحتاج الى معالجة لانعدام نتائجها السيئة على العمل الإداري وهذا النوع من الأخطاء يمكن التسامح معه.
الثانية: الأخطاء التي تعتبر انحرافا في أداء العمل الإداري لكونها من الأخطاء الجسيمة او العمدية، أو لوقوعها رغم معرفة الظروف المؤدية إليها، أو لتكرار وقوعها من نفس الشخص، أو لخطورة آثارها السيئة التي تحتاج الى معالجة من الصعب تنفيذها في الوقت المناسب، ونود أن نشير الى أن صور الفساد الإداري جميعها أفعال عمدية، وتشكل انحرافات جسيمة لها آثار خطيرة، لذلك تقع ضمن النوع الثاني من الأخطاء التي تنصب عليها الرقابة الإدارية والتي تتطلب معالجة مناسبة لها ولا يمكن التسامح أو التساهل معها سواء كانت جرائم أو مخالفات إدارية. ومع ذلك يجب ملاحظة ان أسباب الانحراف التي تكشف عنها الرقابة قد يكون سببها العاملين لعدم مهارتهم أو لتدني الروح المعنوية، أو ظروف العمل نتيجة قصور الامكانات أو الركود الاقتصادي أو الاضطرابات السياسية، وهذه العوامل الأخيرة لا دخل لإرادة العاملين بشأنها، إذ لا يجوز محاسبتهم وتحميلهم مسؤوليتها (11).
ونرى من جانبنا أن هذه الظروف مهما كان شكلها لا تبرر الانحراف ذلك أننا نجد بعض العاملين رغم هذه الظروف لا ينحرفون، وإن عدم مساءلتهم عن الظروف أمر فيه واقعية ولكن عدم محاسبتهم على أخطائهم بسبب الظروف أمراً غير مقبول إلا في حالات الإكراه أو القوة القاهرة التي تؤدي الى ارتكاب أفعال خارجة عن إرادتهم.
___________
1- أنظر في تفصيل ذلك: د. سامي جمال الدين الإدارة والتنظيم الإداري، مؤسسة حورس الأهلية للنشر والتوزيع، ط 1 الإسكندرية, 2002 ص 287 وما بعدها.
2- انظر: د. محمد رفعت عبد الوهاب ود إبراهيم عبد العزيز شيحا أصول الإدارة العامة دار المطبوعات الجامعية الإسكندرية 1998، ، ص392 وما بعدها.
3- انظر: د. شوقي ناجي جواد وأياد محمود الرحيم ورضا عبد الرزاق وهيب مبادئ الإدارة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي هيئة المعاهد الفنية دار الكتب للطباعة والنشر جامعة الموصل 1991 ص198.
4- انظر: د. محمد رفعت عبد الوهاب ود إبراهيم عبد العزيز شيحا أصول الإدارة العامة دار المطبوعات الجامعية الإسكندرية 1998، ص394
5- انظر: د. شوقي ناجي جواد وأياد محمود الرحيم ورضا عبد الرزاق وهيب مصدر سابق ص199.
6- نود الإشارة الى أن بعض الباحثين قد حدد مراحل الرقابة بسبع مراحل انظر د . جميل جودت أبو العينين أصول الإدارة من القران والسنة الطبعة الأولى دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر بيروت 2002 ، ص 267 وما بعدها
7- انظر: د. شوقي ناجي جواد وأياد محمود الرحيم ورضا عبد الرزاق وهيب مصدر سابق ص200.
8- انظر:. د. جميل جودت أبو العينين أصول الإدارة من القران والسنة الطبعة الأولى دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر بيروت 2002 ، ص 271 ونظراً لأهمية هذا المبدأ في الإدارة والرقابة على وجه الخصوص قيل ( عاقب المسيء بإثابة المحسن).
9- أنظر : د. ابتهاج مصطفى عبد الرحمن، الإدارة الاستراتيجية، دار النهضة العربية، 1995، ص 193.
10- انظر: د. محمد رفعت عبد الوهاب ود إبراهيم عبد العزيز شيحا أصول الإدارة العامة دار المطبوعات الجامعية الإسكندرية 1998 ص394
11- أنظر د. سامي جمال الدين الإدارة والتنظيم الإداري، الإسكندرية، مؤسسة حورس الدولية للنشر والتوزيع، 2004 ، ص 289 وما بعدها.
الاكثر قراءة في القانون الاداري
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة