تعديل أو إلغاء بعض التشريعات النافذة لمكافحة الفساد الإداري
المؤلف:
صباح عبد الكاظم شبيب الساعدي
المصدر:
دور السلطات العامة في مكافحة ظاهرة الفساد الإداري في العراق
الجزء والصفحة:
ص217-220
2025-11-10
17
من المعروف أن التشريع لا يمكن أن يكون كاملاً لأن الحياة في تطور مستمر ، لذلك يجب تعديله بين الحين والآخر حتى يواكب هذا التطور ويحقق الغاية التي شرع من أجلها، ولسنا هنا بصدد حصر التشريعات التي يجب تعديلها أو إلغاؤها، إنما نشير الى بعضها ذات المساس المباشر بالمال العام أو المصلحة العامة وبقدر ما تكون سبباً من أسباب الفساد الإداري، ومن هذه التشريعات التي يجب تعديلها ما جاء في قانون ضريبة الدخل رقم 113 لسنة 1982، حيث نصت م28/ ف 2/ منه على ما يأتي:- ( للسلطة المالية أن تتحرى وتتحقق عن دخل المكلف الحقيقي والبحث عن مصادره في محل وجودها ولها أن تطلب المعلومات من أي شخص تعتقد بأن لديه ما يفيدها في تقدير ضريبة الدخل). كما نصت م/6 من نظام مسك الدفاتر التجارية الصادر لأغراض ضريبة الدخل رقم 2 لسنة 1985 على ما يأتي:
أولاً:- للسلطة المالية بأمر تحريري إيفاد من يمثلها لزيارة محلات أعمال المكلفين للاطلاع على طبيعة هذه الأعمال وفحص الدفاتر والمستندات والمراسلات والاستفسار عن كل ماله علاقة بإعمال المكلف ونشاطاته وعلى المكلف أو من يقوم مقامه أو يعمل بمعيته أن يبدي التسهيلات اللازمة لإنجاز مهمة السلطة المالية
وإجابته على جميع الأسئلة. ثانيا: لممثل السلطة المالية أن يجلب إلى دائرته ما يراه مهماً من دفاتر أو مستندات أو مراسلات المكلف لتدقيقها على أن ينظم بذلك محضراً تحريرياً للتسليم والتسلم يوقع من ممثل السلطة المالية والمكلف أو من يقوم مقامه أو يعمل بمعيته وتعطى له نسخة منه.
إن هاتين المادتين قد أعطينا السلطة المالية (سلطة تقديرية) في كيفية تقدير ضريبة الدخل على المكلف وقد جاءت على سبيل الجواز وليس الوجوب وهذه السلطة هي النقطة الأضعف والأخطر في عملية تقدير الضريبة، لأن أيه مساومة على مبلغ الضريبة يتم غالباً في هذه المرحلة من خلال دفع الرشوة لتخفيض مبلغ الضريبة أو بسبب المحسوبية أو المحاباة، وصحيح أن هناك تقارير يقدمها المكلف عن دخله للسنة التقديرية ف/2 م/27 وتقارير رب العمل عن مستخدميه م 18/ وف4 - م27 والتقارير المقدمة من الغير بموجب م/22، إلا أن السلطة المالية لا تكتفي بذلك بل تقوم بفحص التقارير وفق الطرق الآتية:-
أولاً: الطريقة المباشرة وتتكون من:
أ - طريقة الإقرار وتعني تقديم التقارير إلى السلطة المالية.
ب - بواسطة الإدارة، أي من خلال المعلومات المتوفرة في داخل إضبارة المكلف و وبعد موافقة المكلف يصبح التقدير نهائياً، ويطلق عليها - الطريقة الاتفاقية - وتمثل الحالة التي يقتنع بها كل من المكلف والسلطة المالية.
ثانياً: الطريقة غير المباشرة وهي:
أ - طريقة المظاهر الخارجية من خلال جمع المعلومات عن المكلف دون أن تتقيد السلطة المالية بما ورد في التقرير الذي قدمه ويعتمد في هذه الحال على المظهر الخارجي الشخصي للمكلف وعائلته مثل عدد السيارات التي يمتلكها، أو العقارات... الخ.
ب - طريقة التقدير الجزافي باعتماد المظهر الخارجي لمحل المكلف وسمعته ونوع النشاط الذي يمارسه وفي ضوء ذلك تقوم بتقدير مدخولات المكلف (1)
إن الطرق المعتمدة من قبل السلطة المالية في العراق تتحدد بما يأتي:-
أ - التقدير الاتفاقي: .....
ب - التقدير الاحتياطي: وذلك بتقدير مدخولات المكلفين الذين يقدمون الحسابات المتعلقة بنشاطاتهم ويتمسكون بنتائجها. ويتم التقدير بناء على ما ورد بهذه الحسابات بعد أجراء تعديلها بحيث تنسجم مع أحكام القانون ويجري تسديد الضريبة بناء على ذلك، ثم تحال الحسابات إلى قسم التدقيق لتدقيقها وينتظر حتى يصدر قرار التدقيق بنتائج الحسابات حيث يعدل تقدير المكلف في ضوئها. ج - التقدير الإضافي: يتمثل بالتقدير الذي تقوم به السلطة المالية على المكلف عند وصول المعلومات، حيث يتم في ضوئها تقديره إضافيا بالفروقات الظاهرة.
د- التقدير الإداري: قد لا يتفق المكلف مع السلطة المالية أو قد تطلب الأخيرة حضوره بخطاب توجهه له تحدد فيه الفترة التي يحضر خلالها ( غالباً خلال 21 يوماً )من تاريخ التبليغ فإذا لم يحضر المكلف خلال الفترة المحددة تقوم السلطة المالية بتقديره غيابياً استناداً إلى المعلومات (المقتبسات) المتوفرة لديها أو استمارات المسح الميداني، ثم يبلغ المكلف بالتقدير باستمارة أخطار التقدير ولا تلجأ السلطة المالية إلى هذا الأسلوب إلا نادراً (2). وواضح جداً من طريقة التقدير الأولى وهو التقدير الاتفاقي أن يتم الاتفاق بين الموظف المختص والمكلف على حساب المصلحة العامة وهذا ما يحدث غالباً في دوائر الضريبة.
إن السلطة التقديرية الواسعة الممنوحة للموظف الذي يقدر ضريبة الدخل (المخمن) تفسح المجال للفساد من خلال التواطؤ مع المكلف أو ابتزازه، لذلك يتطلب تقليل هذه السلطة التقديرية بوضع ضوابط أكثر عدالة في تقدير مبلغ الضريبة لتلافي حالات التهرب الضريبي أو ذهاب مبلغ الضريبة الى جيب الموظف المختص، حيث تنطوي السلطة التقديرية في فرض الضريبة على تمتع السلطة المالية بقدر من الحرية في هذا المجال وهذا ما يفسح المجال امامها لان تتستر بستار السلطة التقديرية لتبرر تصرفاتها التي قد تلحق الضرر بالمكلفين - أو بالمال العام - وهو أمر ينم عن خطورة كبيرة، اذ تمثل السلطة التقديرية - بصورة عامة – استثناء على مبدأ المشروعية (3).
أما التشريعات التي يجب إلغاؤها فهي كل تشريع يمكن أن يكون سببا للفساد وتتحقق المصلحة العامة بإلغائه، ويرجع تقدير ذلك الى الوقائع والأحداث ذات العلاقة بالتشريع المعين، وقد قام مجلس النواب على سبيل المثال بإلغاء الكثير من قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل وصادق مجلس الرئاسة على ذلك، ومن بين هذه القرارات قرارات تعطي امتيازات أو حصانات لبعض الأشخاص، أو قرارات تقيد الحريات وتمنع الحقوق مما يضطر البعض الى دفع الرشوة أو الوساطة أو المحسوبية للتغلب على هذه القرارات، وتعتبر هذه القرارات من اسباب الفساد الإداري وإن لم ينص على ذلك في الأسباب الموجبة للإلغاء(4).
ويشير بعض الباحثين الى أن فساد التشريعات هو أخطر أنواع الفساد وأشده فتكاً بحقوق الوطن ومكتسباته وحقوق مواطنيه لأن التشريعات الفاسدة تحصن منفذيها من المساءلة والمحاسبة والعقاب والتأديب... وهذا هو مكمن خطورة فسادها (5).
مما تقدم يتبين لنا أن للسلطة التشريعية دور مهم في مجال مكافحة الفساد الإداري من خلال التشريع الذي يمثل أساس الشرعية لتصرفات السلطات، وعليه يجب أن تقوم بدورها في وضع التشريعات الجديدة التي تلائم الظروف والحالات المستجدة، وفي تعديل أو الغاء التشريعات التي تسبب الفساد، ومعيار ذلك. هو ما يترتب من حالات فساد بسبب هذا التشريع أو ذاك، ويتطلب الأمر الاستعانة بالباحثين المتخصصين وبالدراسة المسحية والإحصائيات الخاصة بالدوائر ذات العلاقة مثل الشرطة والمحاكم والجهات الأخرى ذات العلاقة (6). فضلاً عن ذلك فأن للبرلمان دوراً آخر من خلال التوعية والإرشاد والتوجية عن طريق عقد الندوات والمؤتمرات التي توضح خطر الفساد وطرق مكافحته(7).
____________
1. أنظر: د. طاهر الجنابي، علم المالية والتشريع المالي، جامعة بغداد كلية القانون بدون سنة طبع، ص 229.
2- انظر: د. طاهر الجنابي، المصدر السابق ص 230 .
3- للمزيد, أنظر: قيصر يحيى جعفر, السلطة التقديرية للإدارة في فرض ضريبة الدخل في القانون العراقي, رسالة دكتوراه كلية القانون, جامعة بغداد, 2004 ص187 وما بعدها.
4- أنظر قانون /46 لسنة 2007 الذي الغى قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 86/ لسنة 1993 وتعديله رقم /34 لسنة 1997، وكذلك قانون رقم 47 لسنة 2007 الذي ألغى قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 172/ لسنة 1989 وتعديله ذي الرقم 179 لسنة 1991 و/ 1177 لسنة 1975 وتعديله ذي الرقم/ 177 لسنة 1991.
5- أنظر: عبد الكريم عبد الله المومني، الإصلاح والتطور الإداري في المؤسسة التربوية ط1 المكتبة الوطنية عمان 2001، ص 124.
6- نصت اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد في الفصل الثالث المواد 15 42الى وجوب اعتماد كل دولة طرف ما قد يلزم من تدابير تشريعية لتجريم الافعال التي تعتبر فساداً.
7- أنظر الندوة البرلمانية العربية لمكافحة الفساد التي أقامها مجلس الشعب المصري ومنظمة برلمانيون عرب ضد الفساد والمجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر, القاهرة، 2005, منشورة على موقع برنامج الامم المتحدة الإنمائي www.pogar.org
الاكثر قراءة في القانون الاداري
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة