تعريف الإصلاح الإداري
المؤلف:
صباح عبد الكاظم شبيب الساعدي
المصدر:
دور السلطات العامة في مكافحة ظاهرة الفساد الإداري في العرا
الجزء والصفحة:
ص 290-294
2025-11-10
21
إن الإصلاح الإداري ظاهرة معقدة سواء في عناصرها او في أهدافها او في الإطار المحيط بها وتعدد جوانبها وتشابكها، لذلك ليس من السهل إيجاد تعريف جامع مانع لها، فما يعتبر جامعا مانعا من احد أوجه الظاهرة قد لا يكون كذلك من جانبها الآخر، ولهذا اختلفت النظرة الى الإصلاح الإداري تبعا للزاوية او للمنظور، وكثرت المناقشات حوله الا انها مع كثرتها تمحورت حول ثلاثة مداخل رئيسية(1). أولا: المدخل الإداري: وهو أقدم هذه المداخل ثم بدأ تدريجيا المدخل السياسي وبعده الاجتماعي يظهران الى الوجود، ويعني الإصلاح الإداري وفقاً لهذا المدخل ؛ الجهود المبذولة من جانب الدول النامية في استيراد التكنولوجيا الإدارية من الدول الصناعية المتقدمة، وبهذا المعنى يرى (هيدي) ان الإصلاح الإداري يبنى على الثقة في أن الدول الغربية قد حققت آفاقا عالية من الكفاءة الإدارية التي يكون نقلها الى الدول النامية أمرا ضروريا، ففي مؤتمر الإصلاح الإداري في الدول النامية الذي عقدته هيئة الأمم المتحدة في جامعة (ساسكس) في المملكة المتحدة عام 1971 ركز المؤتمر على الجانب الإداري في التعريف، فقد عرف الإصلاح الإداري بأنه: (المجهودات ذات الإعداد الخاص التي تهدف الى إدخال تغييرات أساسية في أنظمة الإدارة العامة من خلال إصلاحات على مستوى النظام جميعه أو على الأقل من خلال وضع معايير لتحسين واحد أو أكثر من عناصرها الرئيسية مثل الهياكل الإدارية والأفراد والعمليات الإدارية) (2).
اما معجم مصطلحات العلوم الإدارية فيعرف الإصلاح الإداري بأنه: ( عملية) تشمل كافة عمليات تنظيم الأجهزة الإدارية وكذلك تنمية الأفراد العاملين فيها وتحفيزهم ورعايتهم وبصفة عامة كل ما يزيد من الكفاءة الإدارية ويقضي على مشاكل الإدارة)(3).
ويعرفه البعض بأنه: (إحداث اصطناعي للتحول الإداري مفروض ومتعمد ومخطط وقد يكون غير طبيعي وعارض ولكن مع ذلك يتم تبنيه لأن النتائج النهائية التي تسفر عنه أفضل بكثير من الوضع الراهن لذلك فهو يستحق الجهد لإحداثه) وهو ايضا - الجهود المنظمة وبشكل مقصود لإحداث تغييرات جوهرية وأساسية في بنية وتركيبة وإجراءات الجهاز الحكومي وهذه التغييرات تتعدى الى تحسين اتجاهات وسلوك الإداريين العاملين في الجهاز الحكومي بغية رفع اتجاهات كفاءة أداء هذا الجهاز لتحقيق أهداف التنمية الوطنية. ويعرفه آخرون بأنه: (تلك الجهود الإدارية الكبيرة التي تم الإعداد لها في كل دولة لتطوير وتحسين الجوانب الإنسانية والتنظيمية والتشغيلية لجهازها الحكومي بهدف تحسين كفاءته وفاعليته ومن ثم إنتاجيته مع ارتباط هذه الجهود بعمليات التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في الدولة) (4).
ووفقاً لهذه التعاريف هناك بعض الملاحظات طبقا لهذا المدخل نتناولها على النحو الآتي(5):-
1- تختلف معايير تقييم الإصلاح الإداري فقد تتعلق بما يأتي:
أ - معايير الكفاءة التقليدية في الإدارة العامة مثل توفير النفقات عن طريق تبسيط الإجراءات أو تعديلها، القضاء على الازدواجية، واستخدام أدوات الإصلاح المتعلقة بالتنظيم وطرق العمل.
ب - القضاء على أوجه الضعف في الإدارة مثل القضاء على نظم الفساد الإداري مثل ؛ الرشوة، المحسوبية، وتوزيع الغنائم.
ج - الوسائل الإدارية الحديثة مثل الأخذ بنظام الجدارة في الوظيفة العامة أو الأخذ بالموازنات التخطيطية او مكننة العمليات الإدارية وغيرها من الوسائل الأخرى.
د - إعادة تنظيم الجهاز الإداري كله او بعضه على أسس هيكلية جديدة، سواء من حيث زيادة أو نقص عدد الوحدات بما يتلاءم مع الهدف من المنظمة اخذين في الاعتبار عناصر الهيكل التنظيمي ونوع التكنولوجيا المستخدمة فيه ومدى اتصاله بالعناصر الخارجية المحيطة به من حيث المدخلات والمخرجات.
هـ ـ إعادة النظر في القوانين والأنظمة التي تنظم الأبعاد المختلفة للإدارة العامة.
2 - تشمل جوانب الإصلاح طبقا لهذا المدخل العملية الإدارية والهيكل الإداري والعامل من حيث الحوافز المادية وغير المادية، وتشمل أيضا كل جوانب العملية الإدارية من تخطيط وتنظيم وتنسيق ورقابة وتشمل أيضا العلاقات ما بين المنظمة وغيرها او ما بين الوحدات المختلفة داخل المنظمة الواحدة (6).
3- على الرغم من اختلاف هذه الإجراءات الا انها تهدف جميعا الى تحقيق الكفاءة الإدارية. ويمكن القول ان الاهتمام الرئيسي لكتاب الإدارة العامة الأوائل كان البحث عن كيفية رفع الكفاءة الإدارية، وبعدما أصبح علم الإدارة علما مبنيا على الملاحظات التجريبية وله قواعده ومبادئه العامة أصبح اهتمامه منحصرا في " الكفاءة "(7).
ثانياً: المدخل السياسي: يلعب الإطار السياسي دورا هاما كمحدد لجهود الإصلاح المبذولة، فهناك الكثير من المظاهر السلبية التي تعاني منها الإدارة العامة مرجعها عوامل سياسية وليست إدارية في الأصل، ويستخدم بعض الكتاب الإصلاح الإداري كمرادف للتغيير الإداري ذي الطبيعة السياسية ويعني هذا التغيير في جوهره وصف التعديلات المختلفة التي تصيب كلا من الجهاز الإداري او العملية الإدارية بخصوص العلاقة ما بين الجهاز الإداري والسلطة السياسية وانطلاقا من هذا المدخل يعرف الإصلاح الإداري بأنه: (تلك العملية السياسية التي تصيغ من جديد العلاقة ما بين السلطة الإدارية والقوى المختلفة في المجتمع).
إن نقطة البداية لدى أنصار هذا المدخل هي ان مشاكل الجهاز الإداري في حقيقتها مشاكل سياسية، فلو لم تتسع وظائف الدولة لما ظهرت الحاجة الى الإصلاح الإداري، وإن اتساع وظائف الدولة في حقيقته مسألة سياسية بالدرجة الأولى، كما يرى أنصار هذا المدخل ان علاج هذه المشاكل الإدارية يجب ان يكون سياسيا بالدرجة الأولى فحلول الإصلاح إذن وأسباب القصور يجب ان يبحث عنها في النظام السياسي(8). وهناك بعض الملاحظات على هذا المدخل:
1. أنه ينطلق من منطلق إعادة التوازن ما بين السلطة التنفيذية وباقي سلطات الدولة فلقد سادت في الفكر الغربي نظرية مؤداها أن هناك خللاً في توزيع السلطات في الدولة لصالح الجهاز التنفيذي خصوصا في الدول النامية، أما باقي سلطات الدولة - فهي في حقيقة الأمر - تابعة للجهاز الإداري الذي يتمتع بخبرات أكثر وقدرة أكبر على التنظيم. ولهذا فان العمل على تحسين مستوى التنظيم والأداء في الجهاز الإداري والأخذ بأنظمة الجدارة في التعيين ما لم يتزامنا مع العمل على تحسين ورفع الكفاءة والاختيار في القادة السياسيين سوف يؤدي تلقائيا إلى سيطرة الجهاز الإداري على السياسة العامة للدولة. وتبدو هذه الملاحظة صادقة أيضا حينما يكون الهدف من الإصلاح الإداري عملية صناعة القرار في السياسات العامة عندئذ يجب اعتبار الإصلاح الإداري والإصلاح السياسي وجهين لشيء واحد يشمل الإصلاح كليهما ولهذا يؤكد البعض على الربط ما بين الإصلاح الإداري والتنمية السياسية(9).
وكما ذكرنا فيما تقدم أن الفساد السياسي من أهم أسباب الفساد الإداري بل أنه المنتج لكل أنواع الفساد، لذلك يجب أن يكون هناك إصلاح سياسي قبل الإصلاح الإداري(10).
يلاحظ من هذا العرض الموجز أنه بالرغم من اختلاف مفهوم الإصلاح الإداري في كل من الدول الرأسمالية المتقدمة والاشتراكية والنامية فأن تجارب هذه الدول على اختلاف أنواعها قد انتهت إلى مفهومين رئيسيين للإصلاح الإداري هما :-
1- الإصلاح الإداري الذاتي
إن الفكرة الأساسية لهذا المفهوم تعني أن القيادات الإدارية العليا في الإدارة العامة هي التي تقوم بعملية الإصلاح الإداري بمقتضى إحساسها بأن الجهاز الإداري قد أصبح غير قادر على تحمل أعباء ومتطلبات تنفيذ التغيير الاجتماعي والاقتصادي المستهدف في الخطط التنموية، أي أن الشرط الأساسي لهذا المفهوم هو قدرة الجهاز الإداري على الإحساس بأنه في وضعه القائم غير قادر على تنفيذ هذا التغيير المطلوب وأنه يجب أن يطور نفسه بنفسه حتى يكون قادراً على ذلك، وهذا يعني أنه قادر على كشف عيوبه بنفسه ثم يسرع بإصلاحها قبل أن يحس بها المسؤولون من خارج الجهاز الإداري، إلا أن هذا المفهوم لم ينجح في الدول النامية بسبب تخلفها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والإداري ، لذلك أعتبر هذا المفهوم سمة بارزة من سمات النظم الإدارية في الدول المتقدمة(11).
1. الإصلاح الإداري الفوقي :-
إن الفكرة الأساسية لهذا المفهوم هو أن الإصلاح الإداري يتم فرضه من خارج الجهاز الإداري بعد أن يعم الإحساس بين فئات المجتمع بقصوره وعجزه عن القيام بأعباء ومتطلبات تنفيذ التغيير المستهدف في الخطط التنموية، إلا أن هذا الإحساس يعتبر (( مسألة نسبية قيمية تقديرية لها طابع سياسي)) لأن القيادة السياسية هي التي لها الحق أن تحس دون غيرها بالحاجة إلى الإصلاح الإداري وتتبنى مراحل تنفيذه. ودون تبني القيادة السياسية لفكرة الإصلاح ذاته لا يمكن أن يظهر الإحساس بالحاجة إليه بين فئات المجتمع إلى حيز الوجود والمطالبة به وذلك خوفا من القيادة نفسها حيث أن معظم القيادات السياسية في الدول النامية تتجاهل هذا الإحساس أو تكبته بكل الوسائل وإدانة من يطالب به (12).
الا أن هناك بعض التعريفات تشير الى وجود أربعة مفاهيم للإصلاح الإداري هي:
أولاً: مفهوم الإصلاح الإداري كعملية تغيير شامل وهذه التعريفات تستخدم التغيير الشامل مرادفاً للإصلاح الإداري، ولا تعترف بالإصلاحات الجزئية حتى ولو كانت جزءاً من تخطيط كبير، ويأتي الإصلاح الإداري بمعنى: التحلل من القديم عملية التغيير عملية تثبيت الغير ويصاحبها عملية المقاومة وما يلزم حيالها من استخدام القوة.
ثانياً :- مفهوم الإصلاح الإداري كتنظيم للأداة الحكومية وهذا المفهوم يتضمن التعريفات التي تجعل إصلاح الجهاز الحكومي أو تنظيم الجهاز الإداري للدولة مرادفاً للإصلاح الإداري، والمعروف أن الجهاز الإداري للدولة هو أداة السلطة التنفيذية لوضع السياسة العامة للدولة موضع التنفيذ.
ثالثاً: مفهوم الإصلاح الإداري كعملية تبسيط الإجراءات وطرق العمل على اعتبار أن تبسيط الإجراءات وتحسين وسائل وطرق العمل من العوامل الرئيسية في تيسير اداء الخدمات ورفع المعاناة عن الجماهير لتحطيم الروتين والقضاء على التعقيدات في العمل.
رابعاً: - مفهوم الإصلاح الإداري كعملية جزئية من العمليات الإدارية دون الاستراتيجيات، حيث يرى لبعض أن مجرد تحقيق اصلاحات ادارية في أي مجال من مجالات الإدارة العامة يحقق المقصود بالإصلاح الإداري ولا يهم في أن تكون العملية متكاملة تتناول جميع الأنظمة الإدارية بما في ذلك الهيكل الإداري للدولة بتنظيماته المختلفة، وفي نظر البعض منهم أن إصلاح وتعديل قانون معين يدخل في هذا المضمار ويعد إصلاحاً للأداة الحكومية (13).
___________
1- أنظر: د. محمد محمد بدران، أسس الإصلاح الإداري في نظرية التنظيم، دراسة في الهيكل التنظيمي ومحددات تطويره، ط 2، القاهرة، دار النهضة العربية، 1985، ص6.
2- أنظر Corruption and Integrity,op,cit,p68
3- أنظر:. د. احمد زكي بدوي، معجم مصطلحات العلوم الإدارية القاهرة، دار الكتاب المصري، ط1، 1984، ص28.
4- للمزيد من التعاريف انظر: عبد الرحمن إبراهيم حسن, دور التدريب في الإصلاح الإداري مع التطبيق على دولة قطر، رسالة ماجستير، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 1993، ص 63 وما بعدها.
5- د. محمد محمد بدران مصدر سابق ص7.
6- Corruption and Integrity,op,cit,p 69
7- أكد هذه الحقيقة فردريك تايلور في كتابه عن الإدارة العامة أنظر د. محمد محمد بدران ، مصدر سابق ص8
8- د. محمد محمد بدران مصدر سابق، ص9.
9- Corruption and Integrity,op,cit,p70
10- للمزيد من التفصيل عن الإصلاح السياسي أنظر أ. د. مصطفى كامل السيد دور الدولة في عالم متغير، الإصلاح السياسي والمؤسسي للدولة المصرية، مركز دراسات وبحوث الدول النامية كلية الإقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، كانون الثاني, 2004, ص 7 وما بعدها.
11- رحيم عويد نغميش الإصلاح الإداري والتنمية الإدارية في العراق 1970.1980, رسالة دكتوراه جامعة القاهرة, كلية الاقتصاد والعلوم السياسية 1984, ص 76
12- أنظر رحيم عويد نغميش الإصلاح الإداري والتنمية الإدارية في العراق 1970.1980, رسالة دكتوراه جامعة القاهرة, كلية الاقتصاد والعلوم السياسية 1984 ، ص 77.
13- للمزيد :أنظر محمد رستم حسان النظرية العامة للإصلاح الإداري دراسة تطبيقية في الجمهورية العربية اليمنية رسالة دكتوراه جامعة القاهرة كلية الحقوق بدون ذكر التاريخ ، ص 31 وما بعدها.
الاكثر قراءة في القانون الاداري
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة