البعد التاريخي للإصلاح الإداري
المؤلف:
صباح عبد الكاظم شبيب الساعدي
المصدر:
دور السلطات العامة في مكافحة ظاهرة الفساد الإداري في العراق
الجزء والصفحة:
ص 288-290
2025-11-08
48
يعتبر الفرنسي (بيشي) أول من انتقد الإدارات العامة وذلك عندما نشر كتابه (الشرطة والبلدية) في العام 1789 شارحاً فيه كيف ينظر المواطن الفرنسي إلى الإدارة عشية الثورة الفرنسية بأن المكتب ليس بمجلس والكتبة لا يحق لهم أن ينتصبوا كمشرعين، ويعتبر الألماني (ستين) أول من وجه دعوة لتطوير الإدارة وذلك في كتابه (مذهب الإدارة، والذي ضمنه توصيات بإجراء اصلاحات مهمة وأساسية وأورد فيه مقترحات عديدة تتناول تنظيم الوزارات وتعيين وإعداد الموظفين ووضع تنظيمات داخلية للإدارة العامة. والحقيقة أن هذه الدعوات لم تبق دون تطبيق، إذ اعتمد القسم الأكبر منها في ألمانيا في القرن التاسع عشر وهذا ما وفر لها إدارة رفيعة المستوى مكنتها من بسط سلطتها على الشعوب المختلفة الموجودة فيها(1). وظهر مصطلح الإصلاح الإداري في أواخر الستينيات من القرن الماضي في بعض الدراسات عندما قام علماء الإدارة مثل Bribanti & Spengler و Lapalambora و Riggs بالدعوة الى إعادة تنظيم النظم الإدارية لتواكب التغيير وتتمشى مع البرامج الإنمائية القومية، وساعد على تقبل هذا الفكر الجديد أن النظم الإدارية القديمة فشلت في تنفيذ البرامج التي تعمل على تحقيق التنمية والتقدم، منذ ذلك الحين وموضوع الإصلاح الإداري يشغل فكر الإداريين في العالم حتى زاد التركيز عليه في ثمانينيات القرن الماضي عندما دعا علماء الإدارة الحكومات لتطبيق هذا الفكر الجديد في أجهزتهم الإدارية لأنه يعتمد على التغيير والتطوير المنتظم لأداء الجهاز الإداري(2).
ولكن بعض الباحثين يشير الى أن محاولات الإصلاح الإداري ظهرت في أواخر العصور الوسطى وكانت تهدف الى القضاء على حالات الفساد الإداري الذي أنتشر وتفشى وكان سببا في تدهور الأوضاع المعيشية خلال تلك العصور (3)
وقد لاقت هذه الدعوة ترحيبا من الدول المتقدمة ولكن بعض حكومات الدول النامية رفضت هذا الفكر الجديد متعللة بأنه طالما ان الإدارات تؤدي واجبها فلا داعي لإدخال أي تغييرات، ولكن هذه الحكومات التي تصدت لهذا الفكر هي التي فشلت في تقديم التزاماتها تجاه الشعب خصوصا فيما يتعلق بالمشاكل الاجتماعية، ولذلك كان لابد من البدء في تبني فكرة الإصلاح الإداري بالمفهوم الحديث الذي يتم من خلاله سد الفجوة بين آمال السياسة العامة الوطنية من جانب وإمكانيات تنفيذها وإيصالها من جانب آخر بواسطة الجهاز الإداري(4). وقد كثر الحديث عن الإصلاح الإداري حتى أصبح شعارا ينادي به كل من يهمه أمر الإدارة أيا كان مركزه إزاءها سواء كان من المستفيدين من خدمات الإدارة الذين يشكون طول الإجراءات، أو العاملين فيها حيث يقومون بالكشف عن كثير من الضعف والعبث داخل الإدارة، أو الحكومة نفسها التي تواجه مشكلة الإصلاح الإداري بصفة مستمرة حتى تتمكن من زيادة إنتاجية العمل الإداري وتمتص عدم الرضا من نفوس الذين لا ترضيهم أحوال الإدارة.
وهناك تجارب للإصلاح الإداري قامت بها بعض الدول وهي تختلف من تجربة الى أخرى مثل (الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا ومصر والمملكة العربية السعودية)، ففي الولايات المتحدة الأمريكية سمحت ظروفها التاريخية بإجراء التغييرات السياسية بأسلوب تدريجي وتكوين مؤسساتها السياسية دون عنف أو تغيرات فجائية، وتمتع الموظفون العموميون بصلاحية واسعة وأثر ذلك على عملية رسم السياسات في النظام الأمريكي فلم يكن هناك خط فاصل بين الوظائف السياسية والادارية لافي القانون ولا في الانظمة ولا حتى في العرف فالمؤسسات السياسية سابقة على أجهزة الخدمة المدنية، لذلك نجد أن اللجان التشريعية تمارس رقابة فعالة على جوانب عديدة من عمليات الاجهزة التي تقع تحت إشراف كل منها وترتيباً على هذا تمثلت المقترحات الاصلاحية بتوصيات لأضعاف الدور الرقابي للجان المختلفة وسلطاتها على الأجهزة الإدارية واستبدالها ببرامج اكثر مركزية. وقد بدأ الاصلاح الإداري بالتركيز على إصلاح نظام الخدمة المدنية وإبعاد الفساد الحزبي والسياسة الحزبية عن الوظيفة العامة ومن الذين أسهموا في ذلك (وودرو ولسن) ببحثة الشهير - دراسة الإدارة - فقد نادى بأبعاد التدخل الحزبي عن الوظيفة العامة والقضاء على نظام الاسلاب أو الغنائم وما يترتب على ذلك من دائميه الوظيفة العامة، وشغلها على اساس الكفاءة وتحقيق تكافؤ الفرص. وتوالت حركات الإصلاح الوظيفي ففي عام 1983 صدر قانون أقر إنشاء لجنة مستقلة للخدمة المدنية وإقرار نظام التدريب وأصبح من الضروري أن يبقى المرشح للوظيفة فترة معينة تحت الاختبار كإجراء متمم لعملية التعيين عن طريق الامتحان وكذلك تحريم الاتاوات المالية أيا كانت ومنذ ذلك التاريخ وحتى نهاية الخمسينيات تكونت عشرات اللجان لغرض الإصلاح كان بعضها برئاسة رؤساء الجمهورية السابقين وكلها استهدفت القضاء على مساوئ البيروقراطية الامريكية وتحقيق كفايتها (5) .
___________
1- د. سامي منقارة، الإدارة الفضلى في القطاعين العام والخاص ط/1 مؤسسة بحسون للنشر والتوزيع بيروت 1996، ص 50.
2- أنظر : حياة محمد خطاب دور المنظمات غير الحكومية في الإصلاح الإداري، دراسة مقارنة بين جمعية تنمية خدمات حي مصر الجديدة في جمهورية مصر العربية والاتحاد النسائي في دولة الإمارات العربية المتحدة مع التركيز على متغير القيادة، رسالة دكتوراة ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 1998ء ص وما بعدها 7.
3- أنظر : د. جميل جودت أبو العينين أصول الإدارة من القران والسنة الطبعة الأولى دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر بيروت 2002 ، ص 31
4- أنظر:. د. احمد رشيد، الإصلاح الإداري إعادة التفكير دار النهضة العربية، القاهرة 1994، ص 7 وما بعدها.
5- للمزيد أنظر: عبد الرحمن إبراهيم حسن, دور التدريب في الإصلاح الإداري مع التطبيق على دولة قطر، رسالة ماجستير، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 1993، ص 72 وما بعدها.
الاكثر قراءة في القانون الاداري
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة