في مَعْنَى الْوَلَايَةِ التَّكْوِينِيَّة
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج1/ ص179-181
2025-10-15
134
قال اللهُ الحكيم في كتابه الكريم: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتابَهُمْ ولا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ، ومَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وأَضَلُّ سَبِيلًا}[1].
ورد في كثير من الروايات عن طريق أهل البيت سلام الله عليهم أجْمَعِينَ، وعن طريق العامّة، انّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال: "لَا يَجُوزُ أحَدٌ الصِّرَاطَ إلَّا مَنْ كَتَبَ لَهُ عَلى الجوازَ"[2].
تحقيق في حديث ("لَا يَجُوزُ أحَدٌ الصِّرَاطَ إلَّا مَنْ كَتَبَ لَهُ عَلى الجوازَ"): وقبل ان ننقل هذه الروايات فإننا مجبرون على ذكر مقدّمة لتوضيح معنى الصراط وكيفيّة كتابة الجواز للعبور: انّ جميع الموجودات- كما أشرنا سابقاً- لها ظاهر وباطن، ومن جملتها الانسان واخلاق الانسان وأفعاله، فهي الأخرى لها ظاهر وباطن. ويُقال لظاهرها الخلق والملك، ولباطنها الأمر والملكوت، الظاهر هو المشهود والمحسوس، امّا الباطن فمختفٍ كامن في هذا العالم.
كما ان ميزان جزاء وثواب الأعمال يُقاس على ملكوتها وحقيقتها، لا على ظاهرها، فالصلاة التي يصلّيها الشخص- مثلًا- يمكن من وجهة النظر الظاهري أن تراعى فيها جميع خصوصيات الآداب الواجبة والمستحبّة، من الوضوء والطهارة والقيام والاستقبال والسجود والتختم بالعقيق، والعطر، والسواك، واللباس الأبيض، والعمامة وغيرها، الّا ان النيّة تكون احياناً التقرّب إلى الله، وأحياناً اخرى الرياء والتظاهر، مهما كان ظاهر الصلاتين واحداً لا اختلاف فيه، لأنّ روح الصلاة، أي الباعث والداعي للمصلي هو الذي جعل روح هذه الصلاة في بُعدين مختلفين، أحدهما التقرّب إلى الله والأخر التقرّب إلى هوى النفس.
الصلاة في الصورة الأولى تقرّب الانسان إلى الله، وفي الصورة الثانية تُبعده عنه، في الصورة الاولى تقوده إلى الجنّة، وفي الصورة الثانية تسوقه إلى النار.
وهكذا الأمر في الصوم والجهاد والزكاة والحجّ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقراءة القرآن وعيادة المريض، وسائر الأعمال التي لها ظاهر ممدوح، حيث تمتلك جميعها هذا الملكوت والحقيقة، وتختلف قدرة إيصالها إلى الله شدّةً وضعفاً بمقدار شدّة أو ضعف نية فاعلها، امّا اذا كانت النية لغير الله فإنّها ليس فقط لا تقرّب الإنسان إلى الله، بل انّها ستبعده عنه.
المعاصي والذنوب لها أيضاً روح تختلف في الشدّة والضعف، كما ان العقاب سيُقاس على أساس الباعث الذي دعا المذنب إلى المعصية.
ونجد أحياناً ان شخصاً ارتكب ذنباً، لكنّه ارتكبه خطأً وعن غير عمد، لذا فانّ ذلك الفعل لن يكون له آنذاك عنوان المعصية، ولن يكون مُبعّداً له عن الله.
في عالم الحسّ والشهادة، أي العالم الذي نرتبط معه بالحواسّ الظاهريّة، والمراد به هذا العالم الحالي، فانّ ملكوت وواقعيّة الأعمال مختفٍ كامن، وما هو ظاهر ومشهود في هذا العالم انّما هو هيكل الفعل وجسده ومتنه، لذا فانّ معيار كبر وصغر الأفعال من الوجهة الظاهريّة عند أسرى سجن الطبيعة، هو صغر وكبر نفس العمل، فكثرة الصلاة، وكثرة الصيام، والتظاهر بالورع والتقوى، والتظاهر بالخشوع والخضوع، والتكلم بهدوء بلسانٍ ليّن هي أمور مستحسنة، وغيرها غير مستحسن وغير مرغوب. امّا في عالم المعنى والملكوت فان الأمر على العكس، فلا يُنظر هناك إلى ظاهر الاعمال من جهة صغرها وكبرها، بل انّ ما يمثّل المعيار والميزان للمطلوبيّة والمرغوبيّة هو النية والإخلاص والروح الموجودة في العمل، فظاهر الأفعال هناك كامن بينما ملكوتها وباطنها ظاهر جليّ، أي انّ الظاهر معلوم والباطن مخفيّ، مثل عالم النوم وعالم اليقظة.
[1] الآية 71 و72، من السورة 17: الإسراء.
[2] (الصواعق المحرقة)، ص 78، طبع مصر نقلًا عن كتاب (مقام الامام أمير المؤمنين عند الخلفاء) للعلّامة الميرزا نجم الدين الشريف العسكري، ص 3؛ و(مناقب الخوارزمي)، ص 222.
الاكثر قراءة في الامامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة