يجب أن يكون لدى الإمام قوّة ملكوتية في الأمور
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج1/ ص160-163
2025-10-15
130
ينبغي ان يوجد لدى الأئمة عليهم السلام هذه القوّة حتماً، ليكونوا قدوةً للبشر من جانب الظاهر والباطن، وليقودوا الأمّة إلى كمال التكوين والتشريع.
والأئمّة الأطهار لا يهدون فقط الأفراد الصالحين فيوصلونهم إلى كمالهم، بل انهم يهدون الأشقياء وأصحاب الأعمال السيّئة أيضاً ويوصلونهم إلى كمالهم.
{يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتابَهُمْ ولا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ، ومَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وأَضَلُّ سَبِيلًا}[1].
وهذه الآية تبيّن أولًا انّ الناس جميعاً في كلّ زمان ومكان يمتلكون إماماً، وذلك لأنّ الآية تقول على نحو الإطلاق والعموم بأننا سندعوا جميع افراد البشر يوم القيامة بإمامهم، لذا فانّ هناك إماماً في كلّ زمان ومكان هو مربّي أمّته، وبواسطته يدخل السعداءُ الجنّة، والأشقياءُ النار، فهناك فئة من الأمّة هم أصحاب اليمين، أي أهل السعادة، وفئة أخرى عميٌ وهم أصحاب الشقاء، والمراد بهذه الفئة أصحاب الشمال، حيث صرّحت بذلك بعض آيات القرآن: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ ، فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً}[2].
{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ ، فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً}[3].
وهاتان الفئتان هما أصحاب اليمين وأصحاب الشمال الموجودون في كلّ مجتمع من المجتمعات، والذين سيصلون إلى هذه المراحل بواسطة إمامهم، لذا فانّ المراد بهاتين الفئتين جميع افراد الأمّة باستثناء الإمام. امّا اذا أردنا أن نقسم البشر بحيث يكون الامام ضمنهم، فانّ علينا بتقريب آخر أن نقسم الناس إلى ثلاثة أقسام:
الجماعة الاولى: المقرّبون.
والثانية: أهل السعادة وأصحاب اليمين.
والثالثة: أهل الشقاء وأصحاب الشمال.
{فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ، والسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ، فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ}[4].
هؤلاء الذين سبقوا في السير إلى الله، اولئك المقرّبون من ساحة الله تعالى، والذين تخطّوا الحساب والكتاب والعرض والسؤال والميزان والصراط وجهنّم، فصاروا من المقرّبين إلى الله، واختاروا السكنى في حرم الأمن والأمان الالهيّ.
{فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ}[5].
وهؤلاء هم الذين اجتازوا هذه العقبات في الدنيا؛ وفي الوقت الذي كان البشر فيه منهمكين في شهواتهم النفسانية، كان المقرّبون مشغولين في تصفية حساباتهم، وكانوا يناجون ربهم سرّاً وعلانية، وسيكون الأئمة عليهم السلام بالتأكيد ضمن هذه الفئة.
أمّا أصحاب اليمين فهم الصالحون الذين كانت أعمالهم موافقة للعقل ولأمر الإمام، فلا يبتعدون عن الحق والصدق والأمان والعبادة والكسب والأعمال الحسنة، لذا فانّ هؤلاء هم أهل الجنّة الذين سيُعطون كتاب أعمالهم بيمينهم كناية عن السعادة والفوز والنجاة، ولكن باعتبار انهم لا يزالون محجوبين بالحجب القلبيّة، فلم يتمكّنوا أن ينسوا غير الخالق بشكل كامل، وأن يطأوا بأقدامهم على عالم الباطل وزينة الدنيا الخادعة، فانهم يجب أن يُحاسبوا، كما انّ مقامهم ومنزلهم ليس مقام ومحل المقرّبين.
امّا أصحاب الشمال فهم الذين لم يعملوا وفق أوامر العقل والأنبياء، فواجهوهم ولم يتورّعوا عن ظلم أنفسهم، وهؤلاء هم أهل الفسق والفجور والخيانة والكذب والجناية، وبالطبع فانهم سيُعطون كتابهم بشمالهم كنايةً عن العذاب والظّلمة والشقاء وجهنّم.
ولأنّ ظهور وبروز هذه الخيرات والبركات في المؤمنين، وهذا الفجور والخيانات في الفاسقين قد كان بسبب ظهور ولاية الإمام، لذا فانّ جميع افراد الأمّة يذهبون بواسطة إمامهم إلى الجنّة أو إلى جهنّم.
لذا فقد ورد في روايات كثيرة: "عليّ قَسِيمُ الجنّةِ والنَّارِ"[6]. وهذه الروايات لم ترد عن طريق أهل البيت عليهم السلام فقط، بل انّه قد روى عن طريق العامّة أيضاً روايات من هذا القبيل.
وسنأتي بثلاث معانٍ لهذه الروايات هي الاخرى مترتّبة (إحداها على الأخرى)، أي اننا سنفسّرها في ثلاث مراحل متفاوتة من وجهة نظر ظهورها وخفائها.
[1] الآية 71 و72، من السورة 17: الإسراء.
[2] الآية 7 و8، من السورة 84: الإنشقاق.
[3] الآية 10 و11، من السورة 84: الإنشقاق.
[4] الآية 8- 12، من السورة 56: الواقعة.
[5] الآية 55، من السورة 54: القمر.
[6] (ينابيع المودّة)، ص 83- 86.
الاكثر قراءة في الامامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة