الواقعية والتجريب في فيزياء الكم
المؤلف:
بريجيته فالكينبورج
المصدر:
ميتافيزيقا الجسيمات
الجزء والصفحة:
ص50
2025-10-09
104
إن أية محاولة فلسفية لإلقاء الضوء على التساؤل حول إمكان وجود معرفة عن الذرات تواجه معضلة الخبير . فغير الخبراء تنقصهم معرفة المناهج والمفاهيم التجريبية لدى الفيزيائيين. وحين لا يستطيع غير المتخصص أن يلاحظ أية ظواهر على الإطلاق، يتكلم الفيزيائي عن الدليل التجريبي. فليس لدى غير المتخصصين أي معيار لتقرير ما إذا كان الفيزيائيون يحصلون على دليلهم المحمل بالنظرية بطريقة اعتباطية تماما وبشكل دائري أم لا. والخبراء وحدهم؛ أعني الفيزيائيين أنفسهم، في الغالب الأعم لا يأبهون لما يبدو أنه مشكلات فلسفية صغيرة تنشأ عن نتائجهم. فمن الواضح أنه ليس من شأنهم الاهتمام بالتساؤل حول أي المعاني التعميميــة لكلمة "تجريبي" تتفق مع النتائج التجريبية التي تجعل من نظرياتهم تجريبية. ببساطة هذا التساؤل ليس له محل من الإعراب بالنسبة إليهم، لقد أجابت عنه بالفعل النتائج التجريبية والتنبؤات النظرية إلا أن أي شخص غير فيزيائي لن يتمكن من فهم تجارب الفيزياء الذرية وما دون الذرية، ليتبين كيف اعتمدت على خلفية معرفية آمنة إن حجج كل من المعسكر المناصر للواقعية والمعسكر المناوئ لها بشأن وجود الكيانات غير القابلة للملاحظة وحقيقة قوانين الفيزياء لتخفق دون شك في إصابة أهدافها، إذا ما أغفلت البنية المعقدة للفيزياء الحديثة. وفي الواقع فهذا ما فعلته اتجاهات عديدة في فلسفة العلم. ولم يثبت أن أيا منها مثمر للنهوض بالحوار بين الفيزياء والفلسفة. وفي واقع الأمر فإن أفضلها إما أن يكون شديد التعقيد أو شديد التحديد .
ودون الدخول في أية تفاصيل لهذه الاتجاهات، فإن مشكلة ما إذا كان ممكنا اعتبار الأشياء الفيزيائية تجريبية أم لا يمكن تحديدها على النحو التالي. تنشأ أي شكوك بشأن المحتويات التجريبية للنظريات الفيزيائية من السمة البنائية لتكوين النظرية والتجربة. فالإنجاز الأساسي للعلم الجديد عند جاليلو كان استبدال التجربة والقياس بالإدراك الحسي . لم تضع الفيزياء الحديثة فقط شبكة من التشييد النظري حول الظواهر التجريبية. فتحت الظروف المعملية تقوم التجارب أيضا بإحداث الكثير من الظواهر الجديدة التي لا تحدث في الطبيعة؛ إذ لم يقم المنهج التجريبي للفيزياء بتوسيع قدراتنا التجريبية على إدراك الحقيقة بل قام أيضا بتغييرها جذريا. تهدف التجارب إلى بحث الأنساق المنعزلة تحت ظروف أقرب إلى المثالية. ومن أجل القيام بذلك، يتم تحليل الظواهر على خطى منهج جاليليو للحل والتركيب (التحليلي - التركيبي) . مثال ذلك ما قام به جاليليو من تحليل سلوك الجسم الساقط تحت تأثير الجاذبية وإعاقة مقاومة الهواء. كما قام – علاوة علــى ذلــك - ببحث هذه المسألة تحت ظروف تجريبية متفاوتة. هل نحن مؤهلون للقول:
إن شبكة النظريات الفيزيائية تمثل شيئًا في الطبيعة إذا ما كانت تقوم – على هذا النحو - بهيكلة وتوسعة قدراتنا التجريبية على التوصل للحقيقة؟ إذا لم نكن كذلك فإن معظم الموضوعات الفيزيائية ليست خاضعة للتجريب. وإذا ما كانت الإجابة بنعم فإن قدرتنا التجريبية على التوصل للحقيقة نظرية إلى حد بعيد ومن ثم نحتاج معيارا فلسفيًّا جديدًا للتمييز بين الأجزاء الأمنة أو التجريبية) وغير اليقينية (أو) الميتافيزيقية) لنظرياتنا.
وفي الواقع فإن نظرة عن قرب إلى السجال حول الواقعية العلمية توضح أنه لا يتعامل مع أشباه المشكلات الميتافيزيقية بالمعنى الذي تقدمه التجريبية المنطقية (1). على النقيض تماما يتناول المشاركون في السجال بشكل محدد للغاية مسألة أي أشباه العبارات والبنى النظرية يمكن تأويلها حرفيا وأيها لا يمكن ثمة هدف مشترك لمعسكر أنصار الواقعية ومعارضيها: إنهم يريدون إيضاح إلى أي مدى تقدم النظريات الفيزيائية وصفًا كافيًا للموضوعات والعمليات الواقعية في الطبيعة، أو إلى أي مدى تسمح هذه النظريات بتأويل واقعي أما وقد وصلنا إلى هذه النقطة، فإننا بحاجة إلى توضيح للمفاهيم. يستخدم الفلاسفة كلمة "واقعي بطريقة تختلف جوهريا عما يفعله العلماء حين يتحدثون عن وصف واقعي للظاهرة أو النسق يسبغ العلماء صفة الواقعية على النموذج النظري حين يكون جيدًا؛ أي إذا لم يكن مؤسسنا على تصورات مثالية غير كافية (وغير واقعية). على حين يجد النموذج لنفسه تأويلاً واقعيًّا على الفلاسفة إذا ما كان له دلالة. وفيما يلي بيان للاختلاف بين الاستخدامين تنصب اهتمامات فیلسوف العلم على ما إذا كانت نظرية ما تشير إلى شيء في الطبيعة أم لا. من ناحيته يتساءل العالم عن كيف يقدم النموذج وصفا جيدًا للنظام الذي يُشير إليه أو يتنبأ بسلوكه) دون البحث في وجود هذا النظام. ومن وجهة نظر برجماتية فإن معظم العلماء واقعيون من وجهة نظر الفلاسفة وفي الممارسة الفيزيائية، فإنهم عادة ما يتصرفون كواقعيين حين يصنعون النماذج ويقومون بالتجارب. وفي مراحل العلم العادي ) فإنهم لا يضعون نظرياتهم ومدلولات مصطلحاتهم النظرية موضع البحث. فهذه المدلولات وفقا لهم ليست من حيث المبدأ على المحك، ولكن فقط من حيث ارتباطها بمفاهيم فيزيائية معينة لم يتم التحقق منها بعد عن طريق التجربة. علاوة على ذلك، يصدق هذا على وظائف الموجة الميكانيكية الكمية وحزم الموجة التي يوظفونها في النماذج المادية لفيزياء الكم ويعدونها في تجاربهم . إن نضالهم الأساسي من أجل تقديم وصف نظري ملائم وتفسير الظواهر وهذا المسلك البراجماتي تجاه المدلول يشترك فيه كل العلماء، بشكل مستقل عن وجهات النظر الأبستمولوجية المحددة التي سوف يؤكدونها حين ينخرطون في الإجابة عن الأسئلة الأبستمولوجية، من قبیل موضوعات نظرية الكم.
الاكثر قراءة في ميكانيكا الكم
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة