الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
أهمية التربية
المؤلف:
أ. د. عبد الكريم بكَار
المصدر:
حول التربية والتعليم
الجزء والصفحة:
ص 19 ــ 24
2025-08-11
60
جمع الله - جل وعلا - للإنسان بين التكريم والابتلاء، ومن عليه بتسخير الكون له، وهذا التسخير كثيراً ما يتجلى في صور قابليات وإمكانات متاحة، وعلى الإنسان بعد ذلك أن يقوم بواجبه في استثمار الإمكانات، وصقل القابليات، وإلا كان مآله النكوص على عقبيه، وخسران كثير من التكريم الذي وهبه الله - جل وعلا - إياه: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [التين: 4 - 6].
ويمكن أن نستجلي أهمية التربية في حياة الأفراد والمجتمعات على النحو الآتي:
1- لا يولد الإنسان إنساناً، حيث لا يملك شيئاً من مقومات الإنسانية: اللغة والفكر والمشاعر والأخلاق... ولا ينتقل إليه شيء من ذلك بالوراثة من أبويه، وعليه أن يكتسب كل ذلك من خلال التربية الأسرية والاجتماعية؛ ويظهر هذا جليا حين نقارن بين إنسان الغابة الذي لا يحسن أكثر من جني الثمار، وبين إنسان يعمل في مركز أبحاث، أو يقود طائرة حديثة!.
إن عدم إنجاز طبيعته هو سر عظمته، حيث يعني ذلك مطاوعة بلا حدود. إن ولد إنسان لا يريبه إنسان، لا يمتلك شيئاً من مقومات الإنسانية؛ فالإنسان مدين بما يخوله أن يعيش متمتعاً بإنسانيته إلى التربية، لا إلى الطبيعة (1)، إلى حد بعيد.
مع التقدم الحضاري المتسارع صارت الهوة بين الإمكانات والقابليات الفطرية التي لدى الطفل، وبين ما ينبغي أن يكون عليه عند النضج - واسعة للغاية، ولذا فإن طفولة الإنسان صارت اليوم تستغرق نحواً من 30 % من عمره؛ فهو حتى يجد العمل اللائق، ويفهم الحياة حوله على نحو جيد بحاجة إلى أن يتعلم ويتدرب، ويكتسب المهارات إلى قرابة سن الثامنة والعشرين أو الثلاثين. وهذا كله يأتي عن طريق التربية، بمعنى أن وظيفة التربية في اكتمال الإنسان تزداد أهمية واتساعاً، والتقصير فيها صار ضرره أعظم مما كان في الماضي.
2- إن التربية هي التي تقوم بتكوين الوعي لدى الناشئ، وهي التي تغرس في نفسه ضرورة التطلع إلى المثل العليا والأهداف الكبرى؛ حيث يستل المربي من مجموع ما تفيض به ثقافة الأمة، ومما هو متوفر من معرفة - ما يعتقد أنه أساسي في تكوين من يشرف على تربيته، والمشكل هنا أن التربية لدينا لم تحقق نجاحاً واضحاً في جعل الناشئة يدركون الأهداف الكبرى على نحو صحيح؛ فالملاحظ أن الناس يستشعرون الهدف من هذه الحياة على نحو رتيب أو مبتذل؛ وهذا في حد ذاته يجعل درجة التفاعل معه والحماسة لتحقيقه ضعيفة أو معدومة؛ وهذا ما نلاحظه اليوم؛ حيث يضمر كل مسلم في نفسه أن هدفه الأسمى هو رضوان الله - تعالى - لكن انعدام الفاعلية الشعورية والذهنية في إدراكه أدى إلى ضعف السعي إلى تحقيقه والارتفاع إلى مستواه لدى السواد الأعظم من المسلمين.
أما العلمانيون والماديون ومن على شاكلتهم فقد أضاعوا الأهداف الكبرى جملة وقد عبر عن هذا (أنشتاين) حين قال: (إن حضارتنا تمتلك معدات كاملة، لكن الأهداف الكبرى غامضة).
إنها لمأساة أن تنتشر المعرفة، وتتدفق المعلومات في كل اتجاه، ومع ذلك يزداد ضعف تكوين الشخصية لدى الجيل الجديد، ويقل الحكماء وذوو البصائر النافذة؛ والسبب في هذا أن كثيراً من أنشطتنا التربوية قد ابتعد عن فلك الأهداف الكبرى؛ مما أفقدها المنطقية والتجانس، وأوقعها في التشظي والتصادم. ولذا فإن التربية الفاضلة ليست تلك التي تنثر أمام الناس مجموعة من الفضائل والحكم والنصائح، وإنما تلك التي تمتلك خيطاً من نور، ينتظم جميع مقولاتها، ويدفع بها إلى بؤرة شعور الفرد، وأعماق بنيته الفكرية وأعماق وعيه. وهذا لن يكون ما لم يسد نوع من التناغم بين جميع الأجهزة التربوية والإعلامية والتثقيفية.
3- مهما تقدمت المعرفة فإنه سيظل في معارفنا بعض الفجوات فالعلم يثير من الأسئلة على مقدار ما يمنحنا من اليقين، وتبرز أهمية التربية العقلية في أنها تنمي لدينا ملكات إدراكية وتؤسس مكونات ثقافية، تمكننا من إصدار أحكام سديدة ومنطقية على الرغم من نقص المدلولات والمقدمات والمعلومات.
الإنسان الذي لم يتلق تربية جيدة قد لا يستفيد حتى من المعلومات اليقينية، ويفسر الأشياء تفسيراً خاطئاً، ويسهل خداعه، ويصدر أحكاماً، لا يساندها علم ولا منطق (2)، وفي هذا يقول علي (رضي الله عنه): (رأيُ الشيخ ولا رؤية الصبي). فالشيخ يصدر رأيه في أمر ما مع نقص المعلومات لديه مستخدماً لخبرته. أما الصبي فإن عقله لما يراه، وتفسيره له يكون في أغلب الأحيان فجاً؛ نظراً لجهله بطبائع الأشياء.
وتتوسل التربية إلى بناء التفكير المنطقي بغرس عدد من الأفكار الأساسية، كتلك المتعلقة بطبائع الأشياء ومنطقها وسنن الله - تبارك وتعالى. في الخلق، وطبيعة الارتباط بين الأسباب والمسببات، والتفريق بين المقدمات اليقينية والمقدمات الفنية، وعلاقة الشاذ بالمطرد، وكتلك المتعلقة بالرؤية الشاملة للواقع المعاش. إذا ربينا شاباً، وعلمناه مدة عشرين سنة، ثم وجدناه يصدر أحكاماً جزافية بعيدة عن المعقول ومعزولة عن الخبرة؛ فهذا يعني أن التربية أخفقت في الوصول إلى هدف من أهم أهدافها، وفقدت بذلك جزءاً من قيمتها وأهميتها.
ويؤسفني القول: إن تربيتنا لا تملك السواد الأعظم من شبابنا وطلابنا ما يجب أن يمتلكوه من المنطقية والقدرة على سد الفراغات المعلوماتية أثناء إصدار الأحكام.
إن العقل يعمل على النظام نفسه الذي يعمل عليه (الحاسوب)، وإن من العسير عليه أن يدخل تحسينات على المعلومات المعطاة له؛ ومن اللطيف أن التقدم في الحاسبات يتمحور حول تطور البرامج أكثر من تمحوره حول التقدم التقني الهندسي، وكذلك الشأن مع العقل البشري، فإن ما يقدم له من تغذية علمية وتربية منطقية وإطلاق للخيال أهم من إمكاناته الفطرية الأساسية؛ وماذا يمكن لراعي غنم أمي، يملك عقلية كعقلية أبي حنيفة أو الرازي أن يصنع بها؟!.
4- عن طريق التربية والتربية وحدها يمكن للإنسان أن يتأهل للعيش في مجتمع، والواحد منا لا يشعر في الغالب بعظمة الفوائد التي تعود عليه بسبب نشوئه في المحاضن الاجتماعية المختلفة، وتلك الفوائد في الحقيقة، أجل من أن توصف؛ فالمرء المتوحش نشأ أصلاً في بيئة متوحشة، والإنسان المهذب الرقيق اللماح اكتسب ذلك من مجتمع يقدر هذه الصفات، ويربي عليها.
غالباً ما يؤكد رجال التعليم والفكر على ضرورة منح الاستقلالية للأطفال والفتيان، إلا أن كبار السن يدركون المخاطر التي يتعرض لها الناشئ بسبب اختلافه عن السياق الاجتماعي السائد؛ مما يدفعهم دفعاً إلى الضغط على أطفالهم كي يقلدوهم، ويكونوا نسخاً مكررة عنهم (3). لا شك لدينا في أن الإصرار على التماثل الشديد قد يدفع بالمجتمع إلى التحلل الذاتي، كما أن التنوع الثقافي الشديد قد يدمر الكيان الاجتماعي تدميراً تاماً؛ مما يعني أن نجاح التربية في مهمتها، يتوقف على وجود معايير واضحة، تمنحنا القدرة على تبين القدر المطلوب من التماثل والتنوع في المجتمعات الإسلامية. على المستوى المنهجي العام لدينا محاور وأطر عامة واضحة في هذا الشأن، وهي تتمثل على نحو أساسي في عقيدة التوحيد، وما سماه الأصوليون بالكليات الخمس، وهي حفظ الدين وحفظ النفس والعقل والعرض والمال، وما يدور في فلك هذه الكليات من أحكام وأدبيات ويضاف إلى هذا (المباحات) التي تمثل الهيكل الأساسي للتنوع الاجتماعي بشتى صوره.
وأعتقد أن التربويين لدينا بحاجة إلى تعميق معرفتهم بهذه الأصول والمحاور حتى يستطيعوا القيام بواجبهم في تهيئة الناشئة للتفاعل مع هذه المحاور، والتحرك داخل الأطر التي ترسمها ومع هذا فلا يمكن أن نستغني عن الخبرات والدراسات التي تضع النقاط على الحروف، وتعمق الفهم حول الاستخدام الأمثل لكل ذلك.
إضاءة:
الطفل الذي يعيش في جو من السماحة، يتعلم محبة الناس. والطفل الذي يعيش في جو من العداوة، يتعلم القتال.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ فلسفة التربية: 48.
2ـ أعرف فتى أصابته حمى، فذهب إلى طبيب، وأخذ علاجاً لمرضه، وحين سأله أهله عن درجة حرارته، قال: قال لي الطبيب: إنها سبعون! وأراد بذلك استعطاف أهله. وكان موقف الأهل هو التعجب من جهل الطبيب! ولو كان لديهم شيء من الخبرة الطبية لعلموا أنه لا يمكن لطبيب أن يقول مثل ذلك.
3ـ انظر: التربية والتجديد: 35.
الاكثر قراءة في التربية العلمية والفكرية والثقافية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
