الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
مبادئ وأساليب تربوية / التنشئة على التلاؤم مع التغير (١)
المؤلف:
أ. د. عبد الكريم بكَار
المصدر:
حول التربية والتعليم
الجزء والصفحة:
ص 55 ــ 59
2025-08-10
57
التحرك في الحياة الاجتماعية هو الأصل، وكلما كان التغير بطيئاً كان التلاؤم معه أيسر، وأقل خطورة في زماننا هذا يشهد كل شيء تغيراً سريعاً، لم تخبر البشرية نظيراً له من قبل، وذلك بسبب العلم والتقنية والتصنيع، ولذا فإن أول خطوة على المربي أن يخطوها، هي أن يجعل الناشئ يحس بالتغير الحاصل من حوله، ومدى تأثير هذا التغير على جميع مفردات حياته وآفاق ذلك التغير، وضرورة حسن التصرف حياله.
إن من مهام المربين الأساسية أن يدركوا مبادئ الثقافة الإسلامية ويحاولوا أن يجدوا السبل لجعل حياة الأجيال الجديدة مؤطرة بأطرها، منفعلة بأصولها، مع تلبية الشروط التي يتطلبها العيش الكفء في هذا الزمان الصعب. ويمكن أن تستجلي في هذا الشأن النقاط التالية:
أ- ليس أمام الأجيال الجديدة إلا أن تختار بين أن تعيش من دون أي ثقافة، وبين أن توائم بين ثقافتها والثقافة الجديدة، وهذا الأمر ليس باليسير إذ يقتضي أن تفتح عيناً على أصولنا الحضارية، وما استفدناه من تجارب وخبرات تاريخية، وعيناً أخرى على الحاضر ومتطلباته الكثيرة، وهذا يعني أن يقف الشاب على قدم واحدة في الماضي، وعلى الأخرى في المستقبل من أجل أن يعيش في الحاضر على نحو مستقر ومقبول.
إن هذا مع مشقته هو أفضل الحلول، وإلا فإن التربية الحديثة، قد تفصل الناشئة عن جذورهم الثقافية وتكون بالتالي مصدراً للصراع بين الكبار والصغار، وبين المجاعة والخاصة والأخطر من ذلك أنها قد تصبح وسيلة لجعل الناشئة فاقدين للهوية التي تميزهم عن أبناء الأمم الأخرى. وربما وجدت التربية نفسها فارغة اليدين، ولا تدري ما الذي ستقوله؟!
ب- إن مخططي التربية والمدرسين والآباء الفاقهين هم المطالبون بالوعي الحسن بمضامين ثقافتنا الإسلامية، مما وضحناه عند الحديث عن فلسفة التربية الإسلامية والمربون لا يستطيعون الإحساس العميق بثقافتهم إذا كانوا يعيشون خارج أطر تلك الثقافة، فمن العسير على مدرس لا يؤدي الفرائض، ولا يجنب المحرمات أن يلتحم مع ثقافته الأصيلة، فضلاً عن أن يتمكن من نقلها، وتشريبها لغيره على نحو فعال. وهنا تأتي وظيفة المناهج التي يربي عليها المربون؛ فالتربية قبل كل شيء هي خيار سياسي، حيث إن الحكومات هي التي تتحكم في مفاصل الثقافة والتربية التي يتم تقديمها للصغار والكبار وفي هذا الإطار فإن كثيراً من المربين في عالمنا الإسلامي لا يعرفون إلا القليل عن عقيدتنا وتاريخنا وفقهنا ونظامنا الرمزي؛ مما يعني أنهم غير مؤهلين للقيام بعملية التطوير والمواءمة المطلوبين. المطلوب من المربين عامة أن يعرفوا ما هو أكثر من محتوى الثقافة الإسلامية: إن عليهم أن يعرفوا كيف يوسعون هذا المحتوى، وكيف يحددون اتجاهات جديدة لنموه، وهذا لا يتم إلا لدى فئة محدودة جمعت بين التمكن في فهم الثقافة الإسلامية وامتلاك رؤية حضارية شفافة ومن يملك هذا ينظر دائماً في اتجاهات مختلفة، ويدمج محصول ذلك في مواقف ومواد تربوية، كما يقوم بعقد موازنات ومقارنات بين الأصيل والطارئ، ليقف على خير ما فيهما. إن الحركة دائماً ممكنة، لكنها إذا لم ترشد، وتؤصل فإنها تشكل خطراً بالغ الضرر!
ج- إن التربية من أجل التغيير تحتاج إلى تعاون كلي على مستوى الأسرة والمدرسة والمجتمع، فإذا كانت بين هذه الجهات العربية هوات واسعة، وتباينات كبيرة، فإن التغيير المطلوب في حياتنا سوف يكون بطيئاً، ولا يتناسب مع التغير المحيط بنا.
من الواضح اليوم أن على التربية أن تجنح إلى (العملية) أكثر من أي وقت مضى، وذلك من خلال اعتماد أسلوب التعامل مع الواقع فهماً وتحليلاً، واكتساباً للمهارات، وتوصيفاً للمشكلات، بالإضافة إلى تدريب الذهن على سير الحلول الممكنة، ومحاولة النفاذ إلى أفضلها.
إذا تأملنا في واقع التعليم في عالمنا الإسلامي، وجدنا أن الطابع الذي يغلب عليه هو طابع (تمليك المعلومات) للطلاب وهذه المعلومات سواء أكانت تتعلق بالماضي أم بالحاضر، فإنها لا تشفع بدراسات ميدانية، ولا تضطر الطالب إلى التعامل مع المشكلات التي يعيشها الناس، أو معايشة الإمكانات التي تتيحها التطورات الحضارية المتلاحقة، وهذا الأسلوب ليس معزولاً عن حياتنا العامة، وإنما هو صدى لما يجري في حياتنا الأسرية والاجتماعية. حين يقوم الطفل في المنزل بفك (ساعة منبه) وإعادة تركيبها، فإنه يكون قد تهيأ لأسلوب جديد في التعلم في المدرسة، وحين يسمع الناشئ وسائل الإعلام والتثقيف تناقش بوضوح هموم الناس ومشكلاتهم، فإن مقدرته على فك الساعة وتركيبها سوف تتحسن، كما سيتحسن أداء المدارس أيضاً في التعليم، وتميل هي الأخرى إلى تكوين عقول عملية.
إن من المهم أن يصبح (التعلم) لدينا فن حل المشكلات، وأن يصبح (التعليم) من المساعدة على حل المشكلات؛ إذ ما أردنا لنوعية الحياة لدينا أن تتحسن.
إن الناس ينفرون من التغيير عادة، ويتوجسون منه خيفة؛ لأنهم لا يعرفون ما وراءه، ولكن هذا ليس حلاً، فالتغيير حاصل، وبدل أن يفرض علينا تحاول ترشيده، والتحكم فيه، وهذا يحتاج إلى تعاون الجميع من أجل الجميع.
د- إن تربيتنا مسؤولة عن إيجاد (روح التكيف) في هذا العصر الشديد التغير إذا ما أردنا لمشكلاتنا ألا تزداد يوماً بعد يوم. وليس المقصود بالتكيف الاستسلام لمعطيات الحضارة الحديثة، ولا التنازل عن القيم والمبادئ في سبيل (تمشية الحال) وإنما المراد أن يملك الناشئة طاقة روحية وعقلية، تمكنهم من استيعاب الوافدات الجديدة والاستجابة لها على نحو صحيح.
إن معظم بلادنا الإسلامية يشهد كثافة سكانية، وازدحاماً، وضغوطاً على الموارد والخدمات المتاحة، وهذا في حد ذاته يولد ما لا يحصى من التوترات، ولذا فإننا بحاجة إلى تنمية روح التعاطف والتسامح والإحساس المشترك.
المكتشفات العلمية التي صارت يومية، تطلعنا باستمرار على وضع تقويمي جديد لسلوكاتنا ومألوفاتنا، فالغذاء الفلاني يسبب السرطان، والعادة الفلانية تسبب الجلطة، والعمل الفلاني يضعف الذاكرة. وعلينا أن نعود أبناءنا أخذ ذلك بعين الاعتبار، وتغيير عاداتنا وسلوكاتنا اليومية بناء عليه. أسواق العمل في تطور مستمر، وهي تتطلب أن يرمم الإنسان ما تآكل من معلوماته، وأن يجددها، ويعيد تأهيل نفسه حتى لا يجد نفسه عاطلاً عن العمل.
وهذا هو البديل الصالح لما كان سائداً في مجتمعاتنا من توارث الأبناء لمهن الآباء والأجداد.
إن البديل عن التكيف هو الانسحاب إلى الماضي، أو الانسحاب من المجتمع، أو حدوث توترات ومشكلات كبيرة، وكل هذا مزعج وغير ملائم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ انظر: في هذا: التربية والتقدم الاجتماعي: 285 وما بعدها.
الاكثر قراءة في التربية العلمية والفكرية والثقافية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
