أو، أنها قامت بذلك حتى كانون الثاني/ يناير 1996 عندما أرسل سترومنغر وفافا بحثاً للأرشيف الإلكتروني للفيزياء - اعتماداً على وجهات النظر السابقة لكل من ساسكيند وسين – بعنوان "الأصل المجهري لأنتروبية بيكنشتاين – هوكنغ" . استطاع سترومنغر وفافا في هذا البحث أن يستخدما نظرية الأوتار لتحديد المكونات المجهرية لنوع معين من الثقوب السوداء ويحسبا بدقة الأنتروبية المصاحبة لها. وقد اعتمد بحثهما على مقدرة مكتشفة حديثاً ليدركا جزئياً التقريبات الاضطرابية المستخدمة في فترة ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين. وقد جاءت النتائج التي وجداها مطابقة بالضبط لما تنبأ به بيكنشتاين وهوكنغ، مما أدى في النهاية إلى اكتمال الصورة التي كانت مرسومة جزئياً منذ أكثر من عقدين. ركز سترومنغر وفافا على نوع من الثقوب السوداء يسمى "الثقوب السوداء المتطرفة (Extremal). وهي ثقوب سوداء مشربة بشحنة – يمكن تخيلها على أنها شحنة كهربية - كما أن لها فوق ذلك أقل كتلة ممكنة تناسب الشحنة التي تحملها. وكما يمكن أن نرى من هذا التعريف فهي قريبة الصلة بحالات BPS التي ناقشناها في الفصل .12 وفي الواقع استغل سترومنغر وفافا هذا التناظر لأقصى درجة. وقد بينا أن في إمكانهما بناء ثقوب سوداء متطرفة معينة – بالطبع نظرياً – بادئين بمجموعة معينة من BPS بران ذات أبعاد محددة) وربطها بعضها ببعض تبعاً لمخطط رياضي دقيق وذلك بنفس الطريقة التي يمكن أن تبنى بها الذرة - ومرة ثانية، نظرياً - وذلك بادئين بحزمة من الكواركات والإلكترونات ثم تنظيمها بدقة لنحصل على بروتونات ونيوترونات محاطة بإلكترونات في مدارات حولها. وقد بين سترومنغر وفافا كيف أن بعض المكونات المكتشفة حديثاً في نظرية الأوتار يمكن صهرها بعضها مع بعض لتعطي ثقوباً سوداء معينة.
وفي الواقع، فإن الثقوب السوداء هي الناتج النهائي المحتمل لتطور النجوم. فبعد أن يستهلك النجم كل وقوده النووي خلال مليارات السنين من الاندماج الذري لا تعود لديه المقدرة - الضغط الموجه للخارج – لمواجهة قوى الجاذبية الهائلة إلى الداخل. وفي ظل ظروف متباينة يؤدي ذلك إلى انهيار كارثي إلى الداخل للنجم ذي الكتلة الهائلة، فينهار بعنف تحت تأثير وزنه الهائل مكوناً ثقباً أسود. وعلى العكس من هذه الوسائل الواقعية لتكوين الثقوب السوداء، فإن سترومنغر وفافا دافعا عن فكرة تصميم الثقوب السوداء وقد غيرا مفهوم تكوين الثقب الأسود رأساً على عقب وذلك بأن وضحا كيف أنه من الممكن بناؤه منهجياً - في خيال النظريين - عن طريق نسج تركيبة من الأغشية (بران) بدقة وعناية وبطء وحرفية شديدة معاً، تلك الأغشية التي انبثقت عن الثورة الثانية للأوتار الفائقة.
صارت مقدرة هذا المنطلق جلية في التو واللحظة وتمكن سترومنغر وفافا بسهولة وبطريقة مباشرة من إحصاء عدد مرات إعادة ترتيب المكونات المجهرية للثقوب السوداء، التي لا تؤثر في الخواص المشاهدة، أي أن كتلتها وشحنات القوى تظل من دون تغير ؛ وذلك بالحفاظ على التحكم النظري الكامل في التركيب المجهري للثقوب السوداء. وعندئذ يمكن مقارنة هذا العدد بمساحة أفق الثقب الأسود - الأنتروبية التي تنبأ بها بيكنشتاين وهوكنغ. وقد وجدا توافقاً تاماً بينهما. وعلى الأقل بالنسبة لنوع الثقوب السوداء المتطرفة فقد نجحا في استخدام نظرية الأوتار للتوصل إلى المحتويات المجهرية والأنثروبية المصاحبة لها بالضبط. وهكذا تم حل اللغز الذي استمر لربع قرن.
يرى الكثيرون من منظري نظرية الأوتار في هذا النجاح دليلاً هاماً ومقنعاً مؤيداً للنظرية. وما زال فهمنا لنظرية الأوتار ليس من الدقة بحيث يمكننا من إجراء اتصال دقيق ومباشر مع المشاهدات التجريبية مثل كتلة الكوارك أو كتلة الإلكترون. لكننا نرى الآن أن نظرية الأوتار قد زودتنا بأول تفسير أساسي لخاصية مستقرة من زمن طويل للثقوب السوداء أربكت الفيزيائيين الذين استخدموا النظريات المتفق عليها لسنوات عديدة وترتبط هذه الخاصية بشدة بتنبؤات هوكنغ حول أنها لا بد من أن تبعث بإشعاعات، وهو التنبؤ الذي يمكن مبدئياً أن يخضع للقياس التجريبي. ويتطلب ذلك بالطبع أن نجد ثقباً أسود محدداً في السماء ثم نبني أجهزة حساسة لدرجة نتمكن بها من اكتشاف الإشعاعات التي يبعثها. فإذا كان الثقب الأسود خفيفاً بما فيه الكفاية، فإن الخطوة الأخيرة تكون في متناول التقانة الحالية. ومع أن هذا البرنامج التجريبي لم يصبه النجاح بعد، إلا أنه يعيد التأكيد على أن الصدع القائم بين نظرية الأوتار والمقولات الفيزيائية المحددة عن العالم الطبيعي يمكن رأيه، وحتى شيلدون غلاشو - الخصم الأكبر لنظرية الأوتار خلال الثمانينيات من القرن العشرين - قد صرح حديثاً "عندما يتكلم منظر ونظرية الأوتار على الثقوب السوداء فإنهم غالباً ما يتكلمون على ظاهرة يرونها – الأمر المثير للإعجاب.
الاكثر قراءة في ميكانيكا الكم
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة