النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
الفتن الموعودة في هذه الأمة
المؤلف:
الشيخ علي الكوراني
المصدر:
المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي "عج"
الجزء والصفحة:
ص101-128
2025-05-26
198
1 - تحذير النبي صلى الله عليه وآله لأمته من الفتن بعده !
عرض النبي صلى الله عليه وآله وهو على فراش المرض على أمته كنزاً ، لم يعرضه نبي على أمته أبداً ! وهو أن تطيعه فيكتب لها عهداً يضمن لها أن تكون على الهدى فلا تضل أبداً ، وتكون سيدة الأمم إلى يوم القيامة ، فواجهه عمر ورفض ذلك ! وأيده طلقاء قريش وكانوا كثروا في المدينة وصاحوا : القول ما قاله عمر ، لا تقربوا له دواة ولا قرطاساً ، حسبنا كتاب الله ، أي نرفض سنته ، ولا نريد أن يكتب لنا عهداً وأماناً من الضلال ! وروى البخاري موقف عمر هذا ضد النبي صلى الله عليه وآله في ست مواضع من صحيحه ! ودافع أتباع الخلافة عن عمر وما زالوا يدافعون عنه إلى اليوم !
وهكذا واجهت الأمة نبيها صلى الله عليه وآله بالمعصية في حياته ، ورفضت قيادته واختارت قيادة عمر ، ورفضت تأمين مستقبلها من الضلال والفتن ! وهو أغرب موقف لأمة مع رسولها .
وقد قال لهم النبي صلى الله عليه وآله كما في مسند الشاميين : 1 / 56 : « يوحى إليَّ أني مقبوضٌ غير مُلَبَّث ، وأنكم مُتِّبِعِيَّ أفناداً ، يضرب بعضكم رقاب بعض » ! أي تطمعون في رئاسة دولتي ، وتتقاتلون !
وقال كما في الطبراني في الكبير : 22 / 69 ، ومسند الشاميين : 3 / 124 صلى الله عليه وآله : « إنكم تزعمون أني آخركم موتاً ! وإني أولكم ذهاباً ، ثم تأتون من بعدي أفناداً ! يقتل بعضكم بعضاً » .
وهو إخبار من النبي بما فعله عمر وقال إن النبي لم يمت ، وإنه آخرنا موتاً . لغرض عنده وعند أبي بكر !
2 - استغلال رواة الخلافة أحاديث الفتن !
أضاف رواة الخلافة إلى أحاديث الفتن من عاميتهم وإسرائيلياتهم ، ثم وظفوها لخدمة الخلافة !
وقد وصف الحسن البصري الذين سقطوا في الفتن فقال : « والله لقد رأيتهم صوراً ولاعقول ، أجساماً ولا أحلام ، فراش نار وذبان طمع ، يغدون بدرهمين ، ويروحون بدرهمين ، يبيع أحدهم دينه بثمن عنز » . « حلية الأولياء : 10 / 170 » .
وقد اعترف أبو هريرة في آخر عمره بأن النبي صلى الله عليه وآله حذر المسلمين من فتنة قريش ! واعترف بأنه أخفى هذه الأحاديث ، خوفاً من القتل ! « راجع البخاري : 8 / 88 » .
ومن أشهر المحرفين لأحاديث الفتن أبو موسى الأشعري ، فقد حرفها ليخذل المسلمين عن نصرة أمير المؤمنين عليه السلام في حربه للبغاة في البصرة بحجة أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن القتال ! « راجع المجلد الأول من جواهر التاريخ » .
رواه أحمد : 4 / 416 ، قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً ، القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي ! فاكسروا قسيكم وقطعوا أوتاركم واضربوا بسيوفكم الحجارة ، فإن دخل على أحدكم بيته فليكن كخير ابني آدم » . أي كهابيل الذي تحمَّل القتل ولم يبسط يده لأخيه !
ونحوه : نعيم بن حماد : 1 / 30 ، وابن ماجة : 2 / 1310 ، وأبو داود : 2 / 305 ، والحاكم : 4 / 555 ، وسنن البيهقي : 8 / 191 ، وصححه الألباني في إرواء الغليل : 8 / 102 .
وتتعجب من حكمهم بصحته مع أنه يحكم على الطرفين باستحقاق النار ، ويخالف القرآن في قوله تعالى : وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخرى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِئَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ . « الحجرات : 9 » .
ورواه بخاري في صحيحه : 4 / 177 ، و : 8 / 91 ، عن أبي هريرة ، تحت عنوان : باب تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم ، ثم عقد عنواناً : باب إذا التقى المسلمان بسيفيهما ، وروى فيه قصة الحسن البصري مع أبي بكرة أخ زياد بن أبيه ، قال : « خرجت بسلاحي ليالي الفتنة فاستقبلني أبو بكرة فقال : أين تريد ؟ قلت : أريد نصرة ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله . قال : قال رسول الله : إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فكلاهما من أهل النار ! قيل : فهذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : إنه أراد قتل صاحبه » .
ومن أعمال البخاري أنه تغافل عن رد أبي سعيد الخدري وعبد الله بن جارية لأبي بكرة ، قالا : « لعن الله أبا بكرة ، أساء سمعاً فأساء إجابة ! إنما قال النبي صلى الله عليه وآله لأبي موسى : تكون بعدي فتنة ، أنت فيها نائم خير منك قاعد ، وأنت فيها قاعد خير منك ساع » . فقد شهدا بأن أبا موسى حرف الحديث وشهد بذلك عمار ، كما روى الطبري في تاريخه : 3 / 497 ، والغارات : 2 / 918 ، عندما أرسله أمير المؤمنين عليه السلام إلى الكوفة : « فقال : يا أبا موسى لمَ تُثَبِّط الناس عنَّا ؟ فوالله ما أردنا إلا الإصلاح ، ولا مثل أمير المؤمنين يخاف على شئ ! فقال : صدقت بأبي أنت وأمي ولكن المستشار مؤتمن سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إنها ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي خير من الراكب . فغضب عمار وساءه وقام وقال : يا أيها الناس ، إنما قال له خاصة : أنت فيها قاعداً خير منك قائماً » .
وفي تاريخ دمشق : 32 / 93 ، أن عماراً واجهه بأنه من أهل ليلة العقبة الذين تآمروا لقتل النبي صلى الله عليه وآله : « جاء أبو موسى فقال ما لي ولك ، ألست أخاك ؟ قال : ما أدري إلا أني سمعت رسول الله يلعنك ليلة الجبل ! قال : إنه قد استغفر لي . قال عمار : قد شهدت اللعن ولم أشهد الاستغفار » ! وقد ضعفوا الحديث بالعطار ، لكن الخطيب وثقه .
والنتيجة أنهم شهدوا على أبي موسى أنه حرف حديث الفتنة ، وقد عزله أمير المؤمنين عليه السلام عن ولاية الكوفة وسماه السامري لأنه قال لاقتال ، كقول السامري : لامساس ! بل اعترف أبو موسى على نفسه بأن النبي صلى الله عليه وآله وصفه بأنه مُضِلّ !
ففي المناقب : 2 / 363 ، وشرح النهج : 13 / 507 ، عن ابن مردويه بأسانيده : « عن سويد بن غفلة أنه قال : كنت مع أبي موسى على شاطئ الفرات فقال : سمعت رسول الله يقول : إن بني إسرائيل اختلفوا فلم يزل الاختلاف بينهم حتى بعثوا حكمين ضالين ضلَّ من اتبعهما ولا تنفك أموركم تختلف حتى تبعثوا حكمين يضلان ويضل من تبعهما ! فقلت : أعيذك بالله أن تكون أحدهما ! قال : فخلع قميصه فقال : برأني الله من ذلك كما برأني من قميصي » . وفي اليعقوبي : 2 / 190 : « فقال سويد : لربما كان البلاء موكلاً بالمنطق . ولقيته بعد التحكيم فقلت : إن الله إذا قضى أمراً لم يغالب » !
أقول : كيف يمكن أن نثق بأحاديث الفتن التي يرويها أمثال أبي موسى ، وقد حرفوها جهاراً نهاراً فجعلوا أعظم الفتن قتل عثمان ، وجعلوا معركهم مع علي عليه السلام ومع الأمة أخذاً بثأره .
والذي يدخل في غرضنا هنا : الفتن المتصلة بظهورالإمام المهدي عليه السلام ، وقد نصت الأحاديث على أنها تستمرحتى ظهوره عليه السلام ، رواه الطرفان وصححوه ، كالذي في الطبراني الكبير : 18 / 51 ، عن عوف بن مالك : « قلتُ : وهل يفتح الشام ؟ قال : نعم وشيكاً ثم تقع الفتن بعد فتحها ، ثم تجئ فتنة غبراء مظلمة ، ثم تتبع الفتن بعضها بعضاً ، حتى يخرج رجل من أهل بيتي يقال له المهدي ، فإن أدركته فاتبعه وكن من المهتدين » .
3 - الفتنة العالمية وامتلاء الأرض بظلم الجبارين وجورهم
اتفقت المصادر على أن مهمة الإمام المهدي عليه السلام أن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن يملأها الجبارون ظلماً وجوراً . فظهوره عليه السلام يكون بعد فتنة عامة .
وامتلاء الأرض بالظلم مفهوم عرفي ، يصدق على أكثرعصورالأرض ، فقد قال الله تعالى : ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ . « الروم : 41 »
أما في عصرنا فقد ظهر الفساد في البر والبحر والجو ، وامتلأت الأرض بالجور حتى غصت !
وهذه نماذج من أحاديث الطرفين : روى الصدوق في كمال الدين : 1 / 286 ، عن جابر قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : المهدي من ولدي ، اسمه اسمي وكنيته كنيتي ، أشبه الناس بي خَلْقاً وخُلُقاً ، تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الأمم ، ثم يقبل كالشهاب الثاقب يملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً »
وفي كمال الدين : 1 / 287 ، عن أمير المؤمنين : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : المهدي من ولدي ، تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الأمم ، يأتي بذخيرة الأنبياء عليهم السلام فيملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً » .
أي تكون له غيبة وتكون في أثنائها حيرة الأمم وضلالها . وذخيرة الأنبياء : مواريثهم من الكتب والعلم وآثار النبوة .
وفي مسند أحمد : 3 / 37 ، عن أبي سعيد الخدري قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أبشركم بالمهدي يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل ، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً . . الخ . » .
وفي مسند أحمد : 3 / 17 : « لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي ، أجلى أقنى يملأ الأرض عدلاً ، كما ملئت قبله ظلماً » .
4 - أهل البيت عليهم السلام أمان الأمة وسفينة النجاة من الفتن
تواترعند الجميع حديث وصية النبي صلى الله عليه وآله بالقرآن والعترة ، ووصف أهل بيته عليهم السلام بأنهم سفينة نجاة أمته من الفتن والضلال ، فقال : « مَثَلُ أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق » !
قال الصدوق رحمه الله في الإعتقادات / 94 : « واعتقادنا فيهم عليهم السلام : أنهم أولوا الأمر الذين أمر الله تعالى بطاعتهم ، وأنهم الشهداء على الناس ، وأنهم أبواب الله ، والسبيل إليه ، والأدلاء عليه ، وأنهم عيبة علمه ، وتراجمة وحيه ، وأركان توحيده ، وأنهم معصومون من الخطأ والزلل ، وأنهم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ، وأن لهم المعجزات والدلائل ، وأنهم أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء ، وأن مثلهم في هذه الأمة كسفينة نوح أو كباب حطة ، وأنهم عباد الله المكرمون ، الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون » .
وفي الخصال / 573 : « يا علي ، مثلك في أمتي كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق » . وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام : 1 / 30 : « ومن تخلف عنها زج في النار » .
وفي كفاية الأثر / 29 ، عن أبي سعيد الخدري قال : « سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : أهل بيتي أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء . قيل : يا رسول الله فالأئمة بعدك من أهل بيتك ؟ قال : نعم الأئمة بعدي اثنا عشر ، تسعة من صلب الحسين أمناء معصومون ، ومنا مهدي هذه الأئمة ، ألا إنهم أهل بيتي وعترتي من لحمي ودمي . ما بال أقوام يؤذونني فيهم ! لا أنالهم الله شفاعتي » .
وروى الجميع أن أبا ذر رحمه الله كان يأخذ بحلقة الكعبة ويخطب بالمسلمين هذه الخطبة . . ففي الطبراني الكبير : 3 / 46 : « عن حنش بن المعتمر قال : رأيت أبا ذر الغفاري أخذ بعضادتي باب الكعبة وهو يقول : من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر الغفاري ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله قال : مَثَلُ أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح في قوم نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها هلك ، ومثل باب حطة في بني إسرائيل » .
والطبراني الأوسط : 4 / 9 ، و : 5 / 306 ، والصغير : 1 / 139 و : 2 / 22 ، ومجمع الزوائد : 9 / 168 ، وشواهد التنزيل : 1 / 360 ، وتاريخ بغداد : 12 / 90 ، وإكمال الخطيب / 59 ، وصححه . وقال الصالحي في سبل الهدى : 11 / 11 : قواه السخاوي .
وقد بحث السيد الميلاني في نفحات الأزهار : 1 / 60 ، طرقه وأثبت صحته عند علمائهم على اختلاف مذاهبهم ، وأثبت أن تضعيفه مكابرة بدون حجة !
وقال الشيخ الصافي في أمان الأمة من الاختلاف / 171 : « روى أحاديث الأمان بطرق كثيرة وألفاظ متقاربة جمع كثير من أعلام أهل السنة عن أمير المؤمنين عليه السلام وأنس وأبي سعيد الخدري وجابر وأبي موسى وابن عباس وسلمة بن الأكوع . . . قال ابن حجر : الآية السابعة « من الآيات الواردة في أهل البيت عليهم السلام » قوله تعالى : وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ، أشار صلى الله عليه وآله إلى أنه وجد ذلك المعنى في أهل بيته عليهم السلام وأنهم أمان لأهل الأرض كما كان هو صلى الله عليه وآله أماناً لهم ، وفي ذلك أحاديث كثيرة » .
لكن تعال انظر إلى الفخر الرازي كيف تحايل على الحديث ليفرغه من معناه !
قال في تفسيره : 27 / 167 : « والحاصل أن هذه الآية « آية المودة » تدل على وجوب حب آل رسول الله صلى الله عليه وآله وحب أصحابه ! وهذا المنصب لا يسلم إلا على قول أصحابنا أهل السنة والجماعة الذين جمعوا بين حب العترة والصحابة . وسمعت بعض المذكرين قال إنه صلى الله عليه وآله قال : مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ، وقال : صلى الله عليه وآله أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم . ونحن الآن في بحر التكليف ، وتضربنا أمواج الشبهات والشهوات وراكب البحر يحتاج إلى أمرين : أحدهما ، السفينة الخالية عن العيوب والثقب . والثاني ، الكواكب الظاهرة الطالعة النيرة ، فإذا ركب تلك السفينة ووقع نظره على تلك الكواكب الظاهرة ، كان رجاء السلامة غالباً ، فكذلك ركب أصحابنا أهل السنة سفينة حب آل محمد ، ووضعوا أبصارهم على نجوم الصحابة ، فرجوا من الله تعالى أن يفوزوا بالسلامة والسعادة في الدنيا والآخرة » .
ونلاحظ أنه جعل سند حديث أهل بيتي كسفينة نوح ، قولَ واعظٍ مُذَكِّر ، مع أنه حديث صحيح عندهم !
وجعل أصحابي كالنجوم حديثاً نبوياً صحيحاً مع أن كبار علمائهم حكموا بأنه موضوع !
فهو يعرف أن حديث السفينة صحيح ، وحديث أصحابي كالنجوم ، مكذوبٌ ! لكنه ارتكب التعصب والتزوير !
قال ابن حزم في الاحكام : 6 / 810 : « وأما الرواية : أصحابي كالنجوم فرواية ساقطة . . . وسلام بن سليمان يروي الأحاديث الموضوعة ، وهذا منها بلا شك » . وفي تحفة الأحوذي : 10 / 125 : « قال أبو بكر البزار : هذا الكلام لم يصح عن النبي صلى الله عليه وآله » . والرازي يعرف ذلك ، لكنه لتعصبه جعل أهل البيت عليهم السلام سفينةً لا تهدي الراكب فيها ! وجعل الصحابة نجوماً تهدي ركاب السفينة !
5 - اختلاف الروايات في عدد الفتن في هذه الأمة
اختلفت الأقوال في عدد الفتن الموعودة في هذه الأمة ، لكن ذلك لا يضرُّ ببحثنا الذي هو معرفة الفتنة الأخيرة المتصلة بظهور الإمام المهدي عليه السلام .
عدَّتها بعض النصوص ثلاث فتن
في تاريخ ابن معين : 1 / 317 ، عن أبي هريرة ، قال النبي صلى الله عليه وآله : « أتتكم الدهيماء ترمي بالنشف ، والثانية ترمى بالرضف ، والثالثة سوداء مظلمة إلى يوم القيامة قتلاها قتلى الجاهلية » .
وقال ابن حماد : 1 / 234 : عن كعب قال : « ثلاث فتن تكون بالشام : فتنة إهراقة الدماء وفتنة قطع الأرحام ونهب الأموال ، ثم يليها فتنة المغرب وهي العمياء » .
وفيه : 1 / 57 : « عن كعب قال : تكون فتن ثلاث كأمسكم أنه الذاهب : فتنة تكون بالشام ، ثم الشرقية هلاك الملوك ، ثم تتبعها الغربية وذكر الرايات الصفر . قال والغربية هي العمياء » . كأمسكم الذاهب : أي حتمية كأمسكم الذي حدث وتحقق . والرضَف : الحجارة المحماة ، فكأن الذي تصيبه يجلس عليها . والنشَف : البلل فكأن الذي تصيبه مبلل الثياب . وأكثر الروايات قدمت فتنة النشف على الرضف وطبقوها على قتل عثمان . ومقصود الراوي بالفتنة الغربية والرايات الصفر التي رواها عن كعب : حركة الفاطميين ، لأنهم أقبلوا من مغرب العالم الإسلامي إلى مصر وغيرها . وهذا يوجب الشك في أن الرواية مكذوبة على كعب ضد حركة الفاطميين التي يسميها أعداؤها : فتنة المغرب ، وكانت راياتهم صفراء كراية الأنصار ، وفي رواية القرطبي أن رايات الإمام المهدي عليه السلام فيها رايات صفر ، وفسرها بعض إخواننا براية المقاومة في لبنان .
وأنت تلاحظ أن هذه النصوص ليست أحاديث ، بل أقوال لكعب وأبي هريرة وحذيفة ، ومن هو دونهم ، فقد كان المسلمون يهتمون بأي كلام للصحابة في الفتن ، خاصة كلام حذيفة لأنه موضع سر النبي صلى الله عليه وآله ويعرف أسماء المنافقين وأخبار الفتن . بل لعل الرواية كانت لأبي هريرة ونسبوها إلى حذيفة !
ولا قيمة علمية لهذه الأقوال مضافاً إلى توظيفها لفتن ذلك العصر ، كما رأيت من أبي موسى الأشعري .
ويوضح ما قلناه ما رواه في تاريخ دمشق « 39 / 478 » « عن زيد بن وهب قال . . فدخلنا على أبي موسى وهو أمير الكوفة فكان قوله نهياً عن الفتنة والأمر بالجلوس في البيوت ، فخرجنا فأتينا منزل حذيفة فلم نجده ، فأتينا المسجد فوجدناه مسنداً ظهره إلى سارية ، ومعه رجل فقلت : إني أظن أن له حاجة فجلسنا دونهما ، فجاء رجل فجلس إليهما فقمنا فجلسنا إليه وهو عاض على إبهامه ، وهو يقول : أتتكم ترمى بالنشف ، ثم يليها أخرى ترمى بالرضف ، ثم المظلمة التي يصبح المرء فيها مهتدياً ويمسي ضالاً ، ويمسي مهتدياً ويصبح ضالاً ، والعاقل حيران بين ذلك لا يدري أضل أم اهتدى ؟ ألا إن لها دفعات ومثاعب ، فإن استطعت أن تموت أو تكون في وقفاتها فافعل ! فقال الرجل الذي جلس إليه : جزاكم الله أصحاب محمد شراً ، فوالله لقد لبَّستم علينا ، حتى ما ندري أنقعد أم نقوم ، فهلا نهيت الناس يوم الجرعة « لما اعترض أهل الكوفة على عثمان » قال : قد نهيت عنها نفسي وابن الخضرامة ، ولو لم أنهه لكان من القائمين فيها والقائلين » .
ويقصد الراوي : بالفتنة الأولى التي ترمى بالنشف فتنة قتل عثمان ، والتي ترمي بالرضف فتنة الحروب على علي عليه السلام ، والثالثة التي لها دفعات ومثاعب أي ميازيب تصب فيها : فتنة بني أمية .
وغرضه أن يثبت أن حذيفة رحمه الله كان ضد قتل عثمان وضد حروب علي عليه السلام ! مع أن حذيفة رحمه الله كان والياً لعثمان على المدائن ، وعندما وصل اليه خبر بيعة علي عليه السلام فرح بذلك وكان مريضاً ، فقال : إحملوني إلى المنبر وخطب مبيناً حق علي عليه السلام بالخلافة بوصية النبي صلى الله عليه وآله وأعلن بيعته له وأمر المسلمين أن يبايعوه ، وأوصى ولديه أن يكونا معه ويحرصا على الشهادة بين يديه ، وقد عملا بوصيته واستشهدا مع علي عليه السلام في صفين .
ومات حذيفة رحمه الله بعد أيام في المدائن ، بينما زعمت الرواية أنه كان في الكوفة ، وهذا دليل على الوضع !
وروى ابن حماد : 1 / 53 : « عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : تكون فتنة ثم تكون جماعة ، ثم فتنة ثم تكون جماعة ، ثم فتنة تعوج فيها عقول الرجال » .
وقصده بالفتنة الأولى : قتل عثمان ، وبالثانية : حروبهم على علي عليه السلام ، وبالثالثة فتنة بني أمية ! وهذا يتفق مع عقيدة الخوارج .
وبعض النصوص عدَّتها أربعاً
ففي فتن ابن حماد : 1 / 54 ، عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وآله قال : « تكون أربع فتن : الأولى يستحل فيها الدم ، والثانية يستحل فيها الدم والمال ، والثالثة يستحل فيها الدم والمال والفروج ، والرابعة الدجال » .
ورواه الطبراني الكبير : 18 / 180 ، بنحوه وليس فيه : والرابعة الدجال ، مما يشير إلى أصابع كعب ! والأوسط : 8 / 109 و : 9 / 55 ، وحلية الأولياء : 6 / 23 ، وجامع الجوامع : 1 / 481 وجامع المسانيد : 9 / 434 والزوائد : 7 / 308 ، عن الطبراني وضعفه بابن لهيعة ، مع أن عدداً منهم وثقه .
وروى ابن حماد : 1 / 57 ، عن حذيفة : « الفتن ثلاث تسوقهم الرابعة إلى الدجال : التي ترمي بالرضف ، والتي ترمي بالنشف ، والسوداء المظلمة والتي تموج موج البحر » .
وفي ابن حماد : 1 / 53 : عن عبد الله قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : تكون في أمتي أربع فتن : يكون في الرابعة الفناء . . . في الإسلام أربع فتن تسلمهم الرابعة إلى الدجال » .
وفي ابن حماد : 1 / 67 : عن أبي هريرة : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « تأتيكم من بعدي أربع فتن ، فالرابعة منها الصماء العمياء المطبقة تعرك الأمة فيها بالبلاء عرك الأديم ، حتى ينكر فيها المعروف ويعرف فيها المنكر ، تموت فيها قلوبهم كما تموت أبدانهم » .
وفي : 1 / 55 : « قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أربع فتن تكون بعدي ، الأولى تسفك فيها الدماء ، والثانية يستحل فيها الدماء والأموال ، والثالثة يستحل فيها الدماء والأموال والفروج والرابعة عمياء صماء تعرك فيها أمتي عرك الأديم » .
وفي : 1 / 56 : « والرابعة صماء عمياء مطبقة ، تمور مورالموج في البحر ، حتى لا يجد أحد من الناس منها ملجأ . تطيف بالشام وتغشى العراق وتخبط الجزيرة بيدها ورجلها ، وتعرك به الأمة فيها بالبلاء عرك الأديم ، ثم لا يستطيع أحد من الناس يقول فيها مه مه . ثم لا يرفعونها من ناحية إلا انفتقت من ناحية أخرى . . .
ثم قال ابن حماد : قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وآله في قوله تعالى : قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ . قال : أربع فتن تأتي : الفتنة الأولى : يستحل فيها الدماء ، والثانية : تستحل فيها الدماء والأموال ، والثالثة : تستحل فيها الدماء والأموال والفروج . والرابعة : عمياء مظلمة تمور مَوْرَ البحر ، تنتشر حتى لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته . .
عن أرطاة بن المنذر قال : بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : تكون في أمتي أربع فتن ، يصيب أمتي في آخرها فتن مترادفة ، فالأولى : تصيبهم فيها بلاء حتى يقول المؤمن هذه مهلكتي ثم تنكشف . والثانية : حتى يقول المؤمن هذه مهلكتي ثم تنكشف ، والثالثة : كلما قيل انقضت تمادت . والفتنة الرابعة : تصيرون فيها إلى الكفر ، إذا كانت الأمة مع هذا مرة ، ومع هذا مرة بلا إمام ولا جماعة ، ثم المسيح ، ثم طلوع الشمس من مغربها . ودون الساعة اثنان وسبعون دجالاً ، منهم من لا يتبعه إلا رجل واحد » .
أقول : هذه « الأحاديث » ليست إلا خيالات وأمنيات من كعب وأمثاله بقرب انتهاء هذه الأمة بخروج الدجال ملك اليهود ! وقد صيرها الحمقى أحاديث نبوية ! ويشهد على كذبها أن الدجال الذي وعدت به عند فتح القسطنطينية لم يخرج ! ويشهد أيضاً ما رواه ابن حماد نفسه : 1 / 57 : « عن عمير بن هانئ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : فتنة الأحلاس فيها حرب وهرب ، وفتنة السراء يخرج دخنها من تحت قدمي رجل يزعم أنه مني وليس مني ، إنما أوليائي المتقون « يقصد علياً عليه السلام » ! ثم يصطلح الناس على رجل « يقصد معاوية » . ثم تكون فتنة الدهيماء ، كلما قيل انقطعت تمادت حتى لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته ، يقاتل فيها لا يدرى على حق يقاتل أم على باطل « يقصد فتنة ابن الزبير وغيره » فلا يزالون كذلك حتى يصيروا إلى فسطاطين فسطاط إيمان لا نفاق فيه ، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه ، فإذا هما اجتمعا فأَبْصِرِ الدجال اليوم أو غداً » .
وغرضهم أن حرب علي عليه السلام للبغاة الخارجين عليه « فتنة » يتحمل هو مسؤوليتها وإن النبي صلى الله عليه وآله تبرأ منه ! فكان الواجب عليه برأيهم أن يسكت على الخارجين عليه حتى يأخذوا البلاد وينتصروا عليه ! أما أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية ، فالخارج عليهم كافر باغ شاق لعصا المسلمين ، ويجب عليهم وعلى المسلمين أن يقاتلوه ، ليمنعوا الفساد في الأمة ! وقد أكثروا من رواية هذه العبارة المحببة إلى قلوبهم : « فتنة السراء دَخْلها أو دُخْنُها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس مني » . فرواه أحمد : 2 / 133 ، عن عبد الله بن عمر ولفظه : « كنا عند رسول الله قعوداً فذكر الفتن فأكثر ذكرها حتى ذكر فتنة الأحلاس ، فقال قائل : يا رسول الله وما فتنة الأحلاس ؟ قال : هي فتنة هرب وحرب ، ثم فتنة السراء دخلها أو دُخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي ، يزعم أنه مني وليس مني إنما وليي المتقون ، ثم يصطلح الناس على رجل كورك على ضَلَع « عَرَج » ثم فتنة الدهيماء ، لا تدع أحداً من هذه الأمة إلا لطمته لطمة ، فإذا قيل انقطعت تمادت ، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً ، حتى يصير الناس إلى فسطاطين فسطاط إيمان لا نفاق فيه وفسطاط نفاق لا إيمان فيه وإذا كان ذاكم فانتظروا الدجال من اليوم أو غد » .
وأبو داود : 2 / 299 ، والحاكم : 4 / 466 وصححه ، وحلية الأولياء : 5 / 158 ، ومسند الشاميين : 3 / 401 وعلل الحديث لابن أبي حاتم : 2 / 417 والدر المنثور : 6 / 56 . وفي معالم السنن : 4 / 336 : أضيفت الفتنة إلى الأحلاس لدوامها وطول لبثها ، يقال للرجل إذا كان يلزم بيته لا يبرح منه هو حلس بيته ، لأن الحلس يفترش فيبقى على المكان ما دام لا يرفع . . . والحَرَب ذهاب المال والأهل . . والدخن الدخان » .
أقول : وأصل كل هذه الفرية ما رواه بخاري عن عمرو العاص أن النبي صلى الله عليه وآله أعلن براءته من آل أبي طالب !
قال بخاري في صحيحه : 7 / 73 : « عن قيس بن أبي حازم أن عمرو بن العاص قال : سمعت النبي صلى الله عليه وآله جهاراً غير سر يقول : إن آل أبي « قال عمر : وفي كتاب محمد بن جعفر بياض » ليسوا بأوليائي ، إنما وليي الله وصالح المؤمنين » . وقد حاول ابن القيم في زاد المعاد : 5 / 158 ، أن يُرقِّع كلام بخاري فزعم أن النبي صلى الله عليه وآله يقصد بآل أبي . . . ليسوا لي بأولياء : آل أبيه صلى الله عليه وآله ! لكن ابن حجر « 10 / 352 » اعترف بأن أصل نص بخاري « آل أبي طالب » وحاول أن يرقِّعه من جانب آخر فقال : « وقال الخطابي : الولاية المنفية ولاية القرب والاختصاص ، لا ولاية الدين ، ورجح ابن التين الأول وهو الراجح ، فإن من جملة آل أبي طالب علياً وجعفراً ، وهما من أخص الناس بالنبي صلى الله عليه وآله لما لهما من السابقة والقدم في الإسلام ، ونصر الدين . وقد استشكل بعض الناس صحة هذا الحديث ، لما نسب إلى بعض رواته من النصب ، وهو الانحراف عن علي وآل بيته . . . وأما عمرو بن العاص وإن كان بينه وبين علي ما كان فحاشاه أن يُتَّهم « ! » وللحديث محمل صحيح لا يستلزم نقصاً في مؤمني آل أبي طالب ، وهو أن المراد بالنفي المجموع كما تقدم ، ويحتمل أن يكون المراد بآل أبي طالب أبو طالب نفسه ، وهو إطلاق سائغ » !
فالقضية عند النواصب أن لا تتهم ابن العاص بالكذب بينما تراهم مستبشرين بحديث بخاري ، كأنه إعلان نبوي للبراءة من علي والعترة عليهم السلام ! إنهم يتمنون أن يتراجع النبي عن حديث الثقلين ، وعن فرض الصلاة على آله صلى الله عليه وآله معه ، وعن عشرات الأحاديث في فضلهم ! بل يتمنون أن تنسخ آيات القرآن فيهم !
قال ابن تيمية في منهاجه : 7 / 76 : « كما ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وآله قال : إن آل بني فلان ليسوا لي بأولياء ، وإنما وليي الله وصالح المؤمنين ، فبيَّنَ أن أولياءه صالح المؤمنين . وكذلك في حديث آخر : إن أوليائي المتقون ، حيث كانوا وأين كانوا » .
وطبَّلَ به في فتاويه : 10 / 543 ، وتفسيره : 2 / 48 ومجموع الفتاوى : 11 / 164 ، و : 27 / 435 , و : 28 / 227 ، و 543 ، وجامع الرسائل / 510 . وطبَّل معه ابن قيم في جلاء الأفهام / 226 ، وابن رجب في جامعه / 347 ، وابن حجر في التغليق : 5 / 86 . لكن الله تعالى كشف كذبهم ، لأن حديثهم نص على خروج الدجال بعد « فتنة علي عليه السلام » بأربعين سنة ! فقد روى ابن حماد في الفتن : 2 / 686 : « عن حذيفة قال : الفتن بعد رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أن تقوم الساعة ، أربع فتن : فالأولى خمس « يقصد خلافة علي عليه السلام وكانت خمس سنين » والثانية عشرون ، والثالثة عشرون ، والرابعة الدجال » . ولم يظهر الدجال بعد أربعين سنة من خلافة أمير المؤمنين عليه السلام ، كما زعم الكذابون !
وبعض النصوص عدَّتها خمساً
في علل الحديث لابن أبي حاتم : 2 / 411 : « عن عمارة بن عبيد شيخ من جشعم كبير قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يذاكرنا خمس فتن ، أعلم أربعة قد مضت ، والخامسة هي فيكم يا أهل الشام ، قال : إن أدركت الخامسة واستطعت أن تقعد في بيتك فافعل ، وإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض فتدخل فيه فافعل » .
وفي ابن حماد : 1 / 51 : « عن حزن بن عبد عمرو ، قال : دخلنا أرض الروم في غزوة الطوانة ، فنزلنا مرجاً فأخذت أنا برؤوس دواب أصحابي فطولت لها ، فانطلق أصحابي يتعلفون ، فبينا أنا كذلك إذ سمعت : السلام عليك ورحمة الله ، فالتفت فإذا أنا برجل عليه ثياب بياض فقلت : السلام عليك ورحمة الله فقال : أمن أمة أحمد ؟ قلت : نعم ، قال : فاصبروا فإن هذه الأمة أمة مرحومة ، كتب الله عليها خمس فتن وخمس صلوات . قال قلت : سمِّهِنَّ لي . قال أمْسِكْ : إحداهن موت نبيهم واسمها في كتاب الله تعالى بغتة ، ثم قتل عثمان واسمها في كتاب الله الصماء ، ثم فتنة ابن الزبير واسمها في كتاب الله العمياء ، ثم فتنة ابن الأشعث واسمها في كتاب الله البتيراء . ثم تولى وهو يقول : وبقيت الصيلم وبقيت الصيلم ، فلم أدر كيف ذهب » . والطوانة : قرب أنطاكية داخل بلاد الروم ، تراوح حكمها بين المسلمين والروم ، وأصاب المسلمين فيها شدة وهزيمة سنة 88 هجرية . تاريخ ابن عساكر : 26 / 444 .
وابن الأشعث : هو عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي ، وكان الأشعث رأس المنافقين في عهد علي عليه السلام وتاريخه غدرٌ ونفاق ، فقد جاء في وفد كندة إلى النبي صلى الله عليه وآله وأعلن إسلامه ، ثم أعلن ارتداده مع بني وليعة فأسره المسلمون وطلب منهم أن يأخذوه إلى أبي بكر ، فأطلقه وأكرمه وزوجه أخته ! ثم ندم أبو بكر لأنه لم يقتله !
فقد روى اليعقوبي : 2 / 137 ، أنه كان يتحسر في مرض وفاته على أشياء يتمنى أنه لم يفعلها منها هجومه على بيت فاطمة الزهراء عليها السلام ، وأشياء ليته فعلها منها قتل الأشعث قال : « فليتني قدمت الأشعث بن قيس تضرب عنقه ، فإنه يخيل إليَّ أنه لا يرى شيئاً من الشر إلا أعان عليه » !
وكان الأشعث أشد عداوةً لأمير المؤمنين عليه السلام من ابن سلول للنبي صلى الله عليه وآله ! قال الإمام الصادق عليه السلام : « إن الأشعث بن قيس شَرِكَ في دم أمير المؤمنين عليه السلام ، وابنته جعدة سمَّت الحسن ، ومحمد ابنه شرك في دم الحسين عليهم السلام » . « الكافي : 8 / 167 » .
وكان الأشعث عميلاً لمعاوية ، وبعد هلاكه صار ولده محمد مكانه رئيس كندة ، ثم ابنه عبد الرحمن ، وكانا مع معاوية ثم مع يزيد . ثم خرج عبد الرحمن على المروانيين في البصرة وجنوب إيران ، وطالت حربه معهم حتى قتله عبد الملك بن مروان . فحركته محدودة في المكان والزمان ، ولا يصح أن تكون فتنة للأمة كلها ، لكن الراوي حرف رواية الخمس فتن وعدَّها الخامسة الموعودة ، ثم زعم أن الهاتف كلمه بذلك في مرج الطَّوَّانة .
فهذه النصوص كلها لا قيمة لها ، والنص الوحيد الذي يستحق الاهتمام هنا ، رواه ابن حماد : 1 / 51 ، عن عاصم بن ضمرة ، عن علي قال : « جعل الله في هذه الأمة خمس فتن : فتنة عامة ، ثم فتنة خاصة ، ثم فتنة عامة ، ثم فتنة خاصة ، ثم الفتنة السوداء المظلمة التي يصير الناس كالبهائم ، ثم هدنة ، ثم دعاة إلى الضلالة ، فإن بقي لله يومئذ خليفة فالزمه » . ورواه عبد الرزاق : 11 / 356 ، بلفظ : « جعلت في هذه الأمة خمس فتن : فتنة عامة ، ثم فتنة خاصة ، ثم فتنة عامة ، ثم فتنة خاصة . ثم تأتي الفتنة العمياء الصماء المطبقة التي يصير الناس فيها كالأنعام » . وابن أبي شيبة : 8 / 599 ، والحاكم : 4 / 437 و 504 ، وصححه ، وابن المنادي / 75 . ويصعب تفسير معنى الخاص والعام في هذه الفتن ، وأصعب منه تحديد زمنها .
وبعض النصوص جعلتها سبعاً
في فتن ابن حماد : 1 / 55 : « عبد الله بن مسعود : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله : أحذركم سبع فتن تكون بعدي : فتنة تقبل من المدينة ، وفتنة بمكة ، وفتنة تقبل من اليمن ، وفتنة تقبل من الشام ، وفتنة تقبل من المشرق ، وفتنة من قبل المغرب ، وفتنة من بطن الشام ، وهي فتنة السفياني . قال فقال ابن مسعود : منكم من يدرك أولها ، ومن هذه الأمة من يدرك آخرها . قال الوليد بن عياش : فكانت فتنة المدينة من قبل طلحة والزبير ، وفتنة مكة فتنة ابن الزبير ، وفتنة اليمن من قبل نجدة ، وفتنة الشام من قبل بني أمية ، وفتنة المشرق من قبل هؤلاء » . وصححه الحاكم : 4 / 468 . والوليد بن عياش أموي الهوى . وقوله من قبل هؤلاء : يقصد العباسيين .
6 - الفتن المتصلة بظهور المهدي عليه السلام
وهي التي تنفع في بحثنا ، ويتضمَّن نصها صراحة أو بقرائن أن زمنها متصل بظهور الإمام المهدي عليه السلام . وأحاديثها كثيرة ، منها ما رواه عبد الرزاق : 11 / 371 ، عن أبي سعيد الخدري قال : « ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله بلاء يصيب هذه الأمة حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم ، فيبعث الله رجلاً من عترتي من أهل بيتي فيملأ به الأرض قسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض ، لا تدع السماء من قطرها شيئاً إلا صبته مدراراً ، ولا تدع الأرض من مائها شيئاً إلا أخرجته ، حتى تتمنى الأحياء الأموات . يعيش في ذلك سبع سنين أو ثمان أو تسع سنين » .
ورواه ابن حماد : 1 / 358 ، بدون الفقرة الأخيرة عن مدة ملكه عليه السلام . والحاكم : 4 / 465 وصححه ، وتذكرة القرطبي : 2 / 700 ، وشرح المقاصد : 2 / 307 ، أوله كعبد الرزاق ، وقال : فذهب العلماء إلى أنه إمام عادل من ولد فاطمة رضي الله عنها يخلقه الله تعالى متى شاء ويبعثه نصرة لدينه . والدر المنثور : 6 / 58 ، وابن حجر / 63 في الصواعق .
وهذا الحديث من أوضح أحاديث الفتن ، وهو ينص على أن الفتنة الأخيرة تَعُمُّ المسلمين وتمتدُّ حتى يظهر المهدي عليه السلام ، وفيه دلالات على المسار العام للأمة .
يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل
روى أحمد : 3 / 37 : « عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أبشركم بالمهدي يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل ، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض ، يقسم المال صحاحاً . فقال له رجل : ما صحاحاً ؟ قال بالسوية بين الناس ، قال : ويملأ الله قلوب أمة محمد غنى ، ويسعهم عدله حتى يأمر منادياً فينادي فيقول : من له من مال حاجة ؟ فما يقوم من الناس إلا رجل فيقول : إئت السدان يعني الخازن فقل له إن المهدي يأمرك أن تعطيني مالاً ، فيقول له : أحثُ ، حتى إذا جعله في حجره وأحرزه ندم ، فيقول : كنت أجشع أمة محمد نفساً ، أوَ عجز عني ما وسعهم ! قال : فيرده فلا يقبل منه ، فيقال له : إنا لا نأخذ شيئاً أعطيناه ، فيكون كذلك سبع سنين أو ثمان سنين أو تسع سنين ، ثم لاخير في العيش بعده ، أو قال ثم لاخير في الحياة بعده » .
والمقصود بالزلازل : الاجتماعية منها ، بقرينة ذكرها بعد اختلاف الناس . وصحاحاً : أي كاملة . وأحْثُ : أي خذ منه بغير عد . والجشع : الحرص والنهم . ورواه أحمد بنحوه : 3 / 52 ، وملاحم ابن المنادي / 42 ، بتفاوت يسير . ومجمع الزوائد : 7 / 313 ، وقال : رواه الترمذي وغيره باختصار كثير ، ورواه أحمد بأسانيد ، وأبو يعلي باختصار كثير ورجالهما ثقات . والدر المنثور : 6 / 57 ، عن رواية أحمد الأولى ، وصواعق ابن حجر / 166 ، كرواية أحمد الثانية ، وعن الماوردي . إلى آخر المصادر .
ورواه من مصادرنا : دلائل الإمامة / 249 : « عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أبشروا بالمهدي ، فإنه يأتي في آخر الزمان على شدة وزلازل ، يسع الله له الأرض عدلاً وقسطاً » . وفي / 252 ، بنحو حديث أحمد .
وغيبة الطوسي / 111 ، عن أبي سعيد ، أوله كرواية أحمد الأولى إلى قوله : وساكن الأرض . ثم روى بالسند المتقدم : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « أبشروا بالمهدي ، قالها ثلاثاً ، يخرج على حين اختلاف من الناس وزلزال شديد ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، يملأ قلوب عباده غنى ويسعهم عدله » .
ويظهر من رواية الطوسي ، أن رواة الحكومة زادوا في رواية أبي سعيد ، وهذا هو دأبهم !
يكون على تظاهر العمر وانقطاع من الزمان
روى أبو يعلى : 2 / 356 ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : « يكون في آخر الزمان على تظاهر العمر وانقطاع من الزمان إمام يكون أعطى الناس ، يجيئه الرجل فيحثو له في حجره يهمه من يقبل عنه صدقة ذلك المال ما بينه وبين أهله ، لما يصيب الناس من الخير » .
ومسند ابن الجعد : 2 / 795 وفي الحاوي : 2 / 63 : أخرج أبو يعلى ، وابن عساكر ، عن أبي سعيد . وجمع الجوامع : 1 / 1012 ، عن حلية الأولياء ، وابن عساكر ، عن أبي سعيد .
وفي ابن حماد : 1 / 361 ، عن أبي سعيد الخدري ، قال النبي صلى الله عليه وآله : « يخرج رجل من أهل بيتي عند انقطاع من الزمان وظهور من الفتن ، يكون عطاؤه حَثْياً يقال له السفاح » .
وحثياً : مقداراً كثيراً دون عد ، أو يقول للآخذ : أُحْثُ ، أي إحمل مقداراً كما في بعض الأحاديث ، وفي بعض الروايات : حسياً بالسين وهو قريب منه . والسفاح : سفاك دماء أعدائه . وقد ورد اسم السفاح صفة للمهدي عليه السلام في أحاديث من طرق الفريقين ، لكن قد يكون من إضافة رواة العباسيين لينطبق على سفاحهم ، فقد رواه عدد من المصادر بدونها ، كابن أبي شيبة : 8 / 678 . . الخ .
إذا كثرت الشرط ، وملكت الإماء
الطبراني الكبير : 18 / 51 : « عن عوف بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : كيف أنت يا عوف إذا افترقت هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ، واحدة في الجنة وسائرهن في النار ! قلت : ومتى ذلك يا رسول الله ؟ قال : إذا كثرت الشرط ، وملكت الإماء ، وقعدت الحملان على المنابر ، واتخذ القرآن مزامير ، وزخرفت المساجد ، ورفعت المنابر ، واتخذ الفئ دولاً ، والزكاة مغرماً ، والأمانة مغنماً ، وتفقه في الدين لغير الله ، وأطاع الرجل امرأته ، وعق أمه وأقصى أباه ، ولعن آخر هذه الأمة أولها ، وساد القبيلة فاسقهم ، وكان زعيم القوم أرذلهم ، وأكرم الرجل اتقاء شره . فيومئذ يكون ذلك ، ويفزع الناس يومئذ إلى الشام يعصمهم من عدوهم ، قلت : وهل يفتح الشام ؟ قال : نعم وشيكاً ، ثم تقع الفتن بعد فتحها ، ثم تجئ فتنة غبراء مظلمة ، ثم يتبع الفتن بعضها بعضها حتى يخرج رجل من أهل بيتي يقال له المهدي ، فإن أدركته فاتبعه وكن من المهتدين » . ومجمع الزوائد : 7 / 323 ، ووثقه على مبنى ابن حبان .
ثم تكون فتنة كلما قيل انقطعت تمادت !
ابن حماد : 1 / 57 : « عن أبي سعيد الخدري : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ستكون بعدي فتن : منها فتنة الأحلاس يكون فيها حرب وهرب ، ثم بعدها فتن أشد منها ، ثم تكون فتنة كلما قيل انقطعت تمادت ، حتى لا يبقى بيت إلا دخلته ولا مسلم إلا صكته ، حتى يخرج رجل من عترتي » . ورواه في المعجم الأوسط : 5 / 338 : « ستكون فتنة لا يهدأ منها جانب إلاجاش منها جانب ، حتى ينادي مناد من السماء إن أميركم فلان » .
أقول : يتعجب الإنسان من رواية طلحة بن عبيد الله حديث النداء باسم المهدي عليه السلام مع أن المهدي عليه السلام من ولد علي وفاطمة عليها السلام ، وموقف طلحة من العترة معروف ! لكن يزول العجب عندما نعرف أن بني تيم كانوا يعملون للوصول إلى الخلافة بعد أبي بكر ، وما زالت رواية عائشة في صحيح مسلم : « قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله في مرضه : ادعي لي أبا بكر أباك وأخاك حتى أكتب كتاباً ، فإني أخاف أن يتمنى متمنٍّ ويقول قائل أنا أولى » ! « صحيح مسلم : 7 / 110 » .
ثم تنازلت عائشة عن النص النبوي بالخلافة لأبيها وأخيها ، وأرادتها لابن عمها طلحة فلم تنجح . ثم ادعى أنصارها أن ابنه موسى بن طلحة هو المهدي الموعود ! فحديث طلحة يقع في هذا السياق !
شرُّ الفتن كلها تكون قبل ظهوره عجل الله تعالى فرجه الشريف !
سنن الداني / 161 ، أن الحكم بن عتيبة سأل الإمام الباقر عليه السلام : « سمعنا أنه سيخرج منكم رجل يعدل في هذه الأمة ؟ فقال : إنا نرجو ما يرجو الناس ، وإنا نرجو لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد سيطول ذلك اليوم حتى يكون ما ترجو هذه الأمة . وقبل ذلك فتنة شر فتنة ، يُمسي الرجل مؤمناً ويصبح كافراً ، ويصبح مؤمناً ويمسي كافراً ! فمن أدرك ذلك منكم فليتق الله ، وليحرز دينه وليكن من أحلاس بيته » .
7 - فتنة كنز الكعبة وجبل الذهب في مجرى الفرات
روت مصادر السنيين أحاديث عديدة صحيحة ، عن نزاع يقع بين فئتين أو أكثر على كنز مدفون في بئر تحت الكعبة ، وأنه يكون على أثره ظهور المهدي عليه السلام .
كما رووا عن نزاع يقع على جبل من ذهب ينحسر عنه مجرى الفرات ، وقتال عليه بين فئات ولا يصلون اليه ، ويكون على أثره ظهور المهدي عليه السلام . ولم ترد في هذا رواية في مصادرنا .
وقد اختلطت أحاديث كنز الكعبة وكنز الفرات عند بعضهم . روى ابن ماجة : 2 / 1367 ، عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة ، ثم لا يصير إلى واحد منهم ، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلاً لم يقتله قوم ، ثم ذكر شيئاً لا أحفظه فقال : فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج فإنه خليفة الله المهدي » . وفي هامشه : « وفي الزوائد : هذا إسناد صحيح رجاله ثقات ، ورواه الحاكم في المستدرك « 4 / 463 » وقال : صحيح على شرط الشيخين . والروياني في مسنده / 123 ، عن ثوبان . وابن المنادي في الملاحم / 44 ، والبيهقي في دلائل النبوة : 6 / 515 ، والشافعي في البيان / 489 ، وصححه .
وقال الشافعي / 520 : حديث حسن المتن ، وقع إلينا عالياً من هذا الوجه بحمد الله وحسن توفيقه ، وفيه دليل على شرف المهدي عليه السلام بكونه خليفة الله في الأرض على لسان أصدق ولد آدم .
وقال السقاف في تناقضات الألباني : 1 / 43 : « ضعفه الألباني في تخريج مشكاة المصابيح : 3 / 1495 برقم 5429 فقال : بسند ضعيف . ثم وجدنا أنه تناقض حيث صححه في صحيحته : 2 / 415 ، حديث رقم 772 . ! ! انتهى .
ورواه ابن كثير في الفتن : 1 / 42 ، عن ابن ماجة وقال : « تفرد به ابن ماجة ، وهذا إسناد قوي صحيح ، والمراد بالكنز المذكور في هذا السياق كنز الكعبة يقتتل عنده ليأخذه ثلاثة من أولاد الخلفاء ، حتى يكون آخر الزمان ، فيخرج المهدي ويكون ظهوره من بلاد المشرق ، لا من سرداب سامراء كما يزعمه جهلة الرافضة » .
ملاحظات
1 - المتواتر عند الفريقين أن المهدي عليه السلام يظهر من مكة ، ولا بد أن يكون المقصود بظهوره من المشرق أن أمره يبدأ من المشرق كما ف ي روايتنا ، وذلك على يد أصحابه الممهدين الخراسانيين . وما ذكره ابن كثير عن ظهوره من سرداب سامراء لم يَدَّعِهِ جَهَلة الشيعة فضلاً عن علمائهم ، فهو من نبز خصومهم وافترائهم !
2 - ادعى الوهابيون المهدية لشخص من مدينة بريدة في نجد ، اسمه محمد بن عبد الله ، وأيد ذلك وباركه إمامهم ابن باز ، وأرسلوه إلى الشيشان لينطبق عليه أنه خرج من المشرق ، وأعرضوا عن الأحاديث الصحيحة التي تنص على خروجه من مكة ، وفسروا رايات خراسان التي تأتي لنصرته برايات الطالبان . وهذا غاية التعصب والإعراض عن الأحاديث الصحيحة عندهم !
3 - مما يتناقله أهل مكة أنه يوجد كنز للكعبة مدفون تحتها ، وقد روت كتب التاريخ والسيرة والحديث حوله روايات كثيرة ، ولا نعرف مدى صحة ذلك .
راجع : تاريخ الطبري : 2 / 36 ، وابن هشام : 1 / 124 ، وسبل الهدى للصالحي : 10 / 190
وحديث كنز الكعبة خارج عن موضوعنا لأنه لا ربط له صريحاً بالإمام المهدي عليه السلام ، كما لا يصح الأخذ به لأنه يوافق مزاعم كعب بأن الكعبة ستهدم !
أما حديث كنز الفرات وجبل الذهب فيه ، فرواه عبد الرزاق : 11 / 382 ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « يحسر الفرات عن جبل من ذهب ، فيقتتل الناس عليه ، فيقتل من كل مئة تسعون ، أو قال : تسعة وتسعون ، كلهم يرى أنه ينجو » . وفي ابن حماد : 1 / 57 ، عن عبد الله بن زرير الغافقي : سمعت علياً رضي الله عنه يقول : « الفتن أربع : فتنة السراء ، وفتنة الضراء ، وفتنة كذا ، فذكر معدن الذهب ، ثم يخرج رجل من عترة النبي يصلح الله على يديه أمرهم » .
ورواه السلمي في عقد الدرر / 57 ، عن ابن حماد ، والحاوي : 2 / 67 ، وصححه بشرط مسلم . ومثله جمع الجوامع : 2 / 30 . ونحوه ابن حماد : 1 / 239 ، وفيه : من ذهب وفضة ، فيقتل عليه من كل تسعة سبعة ، فإن أدركتموه فلا تقربوه . وفي رواية : تدوم الفتنة الرابعة اثنا عشر عاماً ، تنجلي حين تنجلي وقد أحسرت الفرات عن جبل من ذهب ، فيقتل عليه من كل تسعة سبعة . وفي رواية : الفتنة الرابعة ثمانية عشر عاماً ، ثم تنجلي حين تنجلي وقد انحسر . . . تكب عليه الأمة فيقتل علىه من كل تسعة سبعة . وأحمد : 2 / 261 .
وفي أحمد : 5 / 139 ، عن عبد الله بن الحرث قال : « وقفت أنا وأبي بن كعب في ظل أَجَمٍ حِسَان فقال لي أبي : ألا ترى الناس مختلفة أعناقهم في طلب الدنيا ؟ قال قلت : بلى ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : يوشك الفرات أن يحسر عن جبل من ذهب فإذا سمع به الناس ساروا إليه ، فيقول من عنده : والله لئن تركنا الناس يأخذون فيه ليذهبن ، فيقتتل الناس حتى يقتل من كل مائة تسعة وتسعون ! وقال : وهذا اللفظ حديث أبي عن عفان » .
ورواه بخاري : 9 / 73 ، كرواية أحمد ، وفيه : عن كنز من ذهب ، فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً . والحميدي : 3 / 98 ، عن أبي هريرة وفيه : « لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب ، يقتتل الناس عليه فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون » .
وروى ابن حماد : 1 / 239 ، عن كعب قال : « يكون ناحية الفرات في ناحية الشام أو بعدها بقليل مجتمع عظيم فيقتتلون على الأموال ، فيقتل من كل تسعة سبعة ، وذاك بعد الهدة والواهية في شهر رمضان ، وبعد افتراق ثلاث رايات يطلب كل واحد منهم الملك لنفسه فيهم رجل اسمه عبد الله » . انتهى .
أقول : وقت الصراع على كنز الفرات بقول كعب ، بعد النداء السماوي . لكن لا يمكننا الأخذ بأحاديث الصراع على كنز الفرات ، لأنه لم يثبت بنص صحيح عن أهل البيت عليهم السلام .
والحديث اليتيم في مصادرنا حول كنز الكعبة ، ما رواه الحميري في قرب الإسناد / 82 : عن الإمام الباقر عن آبائه عليهم السلام : « أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : تاركوا الحبشة ما تاركوكم ، فوالذي نفسي بيده لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين » .
ولا يمكن الأخذ به على قواعدنا لأنه موافق لما روته رواة السلطة . وقد رواه أحمد : 5 / 371 ، عن أبي أمامة عن رجل ، قال : « سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : اتركوا الحبشة ما تركوكم ، فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة » .
والنسائي : 9 / 176 ، وأبو داود : 2 / 316 ، والمستدرك : 4 / 453 وصححه .
8 - الفتنة التي تكون بعد موت الخامس من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله
روى ابن حماد : 1 / 117 ، حديثاً عجيباً ، لا يتم معناه إلا على مذهبنا ، قال : « حدثنا ابن أبي هريرة عن أبيه ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا مات الخامس من أهل بيتي فالهرج الهرج ، حتى يموت السابع ، ثم كذلك حتى يقوم المهدي . قال بلغني عن شريك أنه قال : هو ابن العَفَر ، يعني هارون وكان الخامس . ونحن نقول هو السابع ، والله أعلم » .
ورواه السيوطي في الحاوي : 2 / 83 ، وفيه : حتى يموت السابع قالوا : وما الهرج ؟ قال : القتل كذلك . وكنز العمال : 11 / 247 ، وفيه : حتى يموت السابع ، قالوا : وما الهرج ؟ قال : الفتن ، كذلك حتى يقوم المهدي » . انتهى .
أقول : طبَّق ابن حماد كثرة القتل بعد الخامس إلى أن يموت السابع ، على ملوك بني عباس ، فاعتبر السابع الرشيد المتوفى قبل المئتين ، ولذلك استبشر بقرب ظهور المهدي عليه السلام ! وقد توفي ابن حماد سنة 227 .
ولا يصح به معنى الحديث ، لأنه إن كان المقصود أنه لا يحكم من بني العباس أكثر من سبعة ، فقد حكم أكثر ، وإن أراد أن المهدي عليه السلام يظهر بعد السابع ، فلم يظهر !
كما لا يصح من جهة أخرى ، لأن النبي صلى الله عليه وآله قال : « مات الخامس من أهل بيتي » وبنو العباس ليسوا من أهل بيته ، فقد حددهم صلى الله عليه وآله بعلي وفاطمة والحسنين والأئمة من ذريتهما عليهم السلام . وقد روى أحمد : 4 / 107 : « اللهم هؤلاء أهل بيتي وأهل بيتي أحق » . وروى في : 6 / 323 : « قال لفاطمة إئتيني بزوجك وابنيك فجاءت بهم ، فألقى عليهم كساء فدكياً ، قال : ثم وضع يده عليهم ثم قال : اللهم إن هؤلاء آل محمد ، فاجعل صلواتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد إنك حميد مجيد . قالت أم سلمة : فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي وقال إنك على خير » . انتهى .
وعليه فلا بد أن يكون في الحديث سقطاً ، لأنه لا يصح إلا بالخامس والسابع من الأئمة الربانيين الاثني عشر من عترته عليهم السلام ، الذين بشر بهم ، وأولهم علي وخاتمهم المهدي عليهم السلام . فالحديث محرفٌ عن أحاديث مصادرنا الآتية .
9 - الفتنة في العقيدة بعد فقدان الخامس من ولد السابع
روى الخزاز كفاية الأثر / 156 ، عن محمد بن الحنفية قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : « سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ، في حديث طويل في فضل أهل البيت عليهم السلام : وسيكون بعدي فتنة صمَّاء صيْلم يسقط فيها كل وليجة وبطانة ، وذلك عند فقدان شيعتك الخامس من السابع من ولدك ، يحزن لفقده أهل الأرض والسماء ، فكم مؤمن ومؤمنة متأسف متلهف حيران عند فقده ! ثم أطرق ملياً ثم رفع رأسه ، وقال : بأبي وأمي سميي وشبيهي وشبيه موسى بن عمران عليه جيوب النور « أو قال جلابيب النور » تتوقد من شعاع القدس !
كأني بهم آيس ما كانوا ثمَّ نودي بنداء يسمع من البعد كما يسمع من القرب ، يكون رحمة على المؤمنين وعذاباً على المنافقين . قلت : وما ذلك النداء ؟ قال : ثلاثة أصوات في رجب أولها : ألا لعنة الله على الظالمين ، والثاني : أزفت الأزفة ، والثالث : ترون بدرياً بارزاً مع قرن الشمس ، ينادي : ألا إن الله قد بعث فلان بن فلان حتى ينسبه إلى علي عليه السلام ، فيه هلاك الظالمين ، فعند ذلك يأتي الفرج ويشفي الله صدورهم ويذهب غيظ قلوبهم . قلت : يا رسول الله ، فكم يكون بعدي من الأئمة ؟ قال : بعد الحسين تسعة والتاسع قائمهم » .
ومعنى الحديث : أن الناس سيفقدون الإمام الخامس بعد السابع من عترة النبي صلى الله عليه وآله ، وهو الإمام المهدي بن الحسن العسكري عليه السلام ، ويبتلى المؤمنون بفتنة غيبة إمامهم عليه السلام ، ويسقط في الفتنة من لا بصيرة له في دينه ، ولا يثبت على القول بولادته وغيابه إلا القليل ، المتلهفون لفقده المؤمنون به مهما طال الزمان .
لاحظ قوله صلى الله عليه وآله : « وسيكون بعدي فتنة صماء صيلم يسقط فيها كل وليجة وبطانة ، وذلك عند فقدان شيعتك الخامس من السابع من ولدك ، يحزن لفقده أهل الأرض والسماء ، فكم مؤمن ومؤمنة متأسف متلهف حيران عند فقده » .
وروت مصادرنا أحاديث أخرى صحيحةً بمعناه ، منها ما رواه الخزار رحمه الله في كفاية الأثر / 147 ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى : قال علي عليه السلام : كنت عند النبي صلى الله عليه وآله في بيت أم سلمة إذ دخل علينا جماعة من أصحابه ، منهم سلمان وأبو ذر والمقداد وعبد الرحمن بن عوف ، فقال سلمان : يا رسول الله إن لكل نبي وصياً وسبطين فمن وصيك وسبطاك ؟ فأطرق ساعة ثم قال : يا سلمان إن الله بعث أربعة آلاف نبي وكان لهم أربعة آلاف وصي وثمانية آلاف سبط ، فوالذي نفسي بيده لأنا خير الأنبياء ووصيي خير الأوصياء ، وسبطاي خير الأسباط . في حديث طويل عدَّد فيه النبي صلى الله عليه وآله الأئمة من أهل بيته ، ثم قال : « ثم يغيب عنهم إمامهم ما شاء الله ، ويكون له غيبتان إحداهما أطول من الأخرى . ثم التفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال رافعاً صوته : الحذر إذا فقد الخامس من ولد السابع من ولدي ! قال علي : فقلت : يا رسول الله فما تكون هذه الغيبة ؟ قال : الصمت حتى يأذن الله له بالخروج فيخرج من اليمن من قرية يقال لها أكرعة على رأسه غمامة ، متدرع بدرعي متقلد بسيفي ذي الفقار ، ومناد ينادي هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، ذلك عندما تصير الدنيا هرجاً ومرجاً يَغار بضعهم على بعض ، فلا الكبير يرحم الصغير ولا القوي يرحم الضعيف ، فحينئذ يأذن الله له بالخروج » .
ملاحظات
1 - المتفق عليه في مصادر الجميع أن عدد الأنبياء عليهم السلام مئة وأربع وعشرون ألفاً ، وعدد الرسل منهم ثلاث مئة وستون ، وفي رواية ثلاث مئة وثلاثة عشر . وعندنا أن لكل نبي وصياً ، والأربعة آلاف نبي عليهم السلام قد يكونون كبار الأنبياء ، ولكل واحد منهم وصي وسبطان .
2 - وردت في مصادرنا أحاديث صحيحة السند عن أئمة أهل البيت عليهم السلام حول اليماني الذي يظهر قبل الإمام المهدي عليه السلام ، ويكون من خاصة أنصاره . أما المصادر السنية فنصوصها في اليماني أو القحطاني متعارضة منتاقضة .
10 - تربية الشيعة على مواجهة الفتن وانتظار الإمام المهدي عليه السلام
كفاية الأثر / 260 ، عن مسعدة قال : « كنت عند الصادق عليه السلام إذ أتاه شيخ كبير قد انحنى متكئاً على عصاه ، فسلم فرد أبو عبد الله عليه السلام الجواب ، ثم قال : يا ابن رسول الله ناولني يدك أقبلها ، فأعطاه يده فقبلها ثم بكى ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : ما يبكيك يا شيخ ؟ قال : جعلت فداك أقمت على قائمكم منذ مائة سنة أقول هذا الشهر وهذه السنة ، وقد كبرت سني ودق عظمي واقترب أجلي ، ولا أرى ما أحب ، أراكم مقتلين مشردين ، وأرى عدوكم يطيرون بالأجنحة ، فكيف لا أبكي ! فدمعت عينا أبي عبد الله عليه السلام ثم قال : يا شيخ إن أبقاك الله حتى ترى قائمنا كنت معنا في السنام الأعلى ، وإن حلت بك المنية جئت يوم القيامة مع ثقل محمد ونحن ثقله ، قال صلى الله عليه وآله : إني مخلف فيكم الثقلين فتمسكوا بهما لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي . فقال الشيخ : لا أبالي بعد ما سمعت هذا الخبر .
قال : يا شيخ ، إن قائمنا يخرج من صلب الحسن « أي العسكري » والحسن يخرج من صلب علي ، وعلي يخرج من صلب محمد ، ومحمد يخرج من صلب علي ، وعلي يخرج من صلب ابني هذا ، وأشار إلى موسى عليه السلام ، وهذا خرج من صلبي . نحن اثنا عشر كلنا معصومون مطهرون .
فقال الشيخ : يا سيدي بعضكم أفضل من بعض ؟ قال : لا ، نحن في الفضل سواء ، ولكن بعضنا أعلم من بعض . ثم قال : يا شيخ ، والله لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج قائمنا أهل البيت ، ألا وإن شيعتنا يقعون في فتنة وحيرة في غيبته ، هناك يثبت الله على هداه المخلصين ، اللهم أعنهم على ذلك » .
وروى نحوه في أمالي الطوسي / 161 ، وفيه : « ثم قال يا شيخ ما أحسبك من أهل الكوفة ؟ قال : لا ، قال : فمن أين ؟ قال : من سوادها جعلت فداك . قال : أين أنت من قبر جدي المظلوم الحسين عليه السلام ؟ قال : إني لقريب منه . قال : كيف إتيانك له ؟ قال : إني لآتيه وأكثر . قال عليه السلام : يا شيخ دمٌ يطلب الله تعالى به . وما أصيب ولد فاطمة ولا يصابون بمثل الحسين عليه السلام . ولقد قتل في سبعة عشر من أهل بيته نصحوا لله وصبروا في جنب الله ، فجزاهم الله أحسن جزاء الصابرين . إنه إذا كان يوم القيامة أقبل رسول الله ومعه الحسين ، ويده على رأسه تقطر دماً فيقول : يا رب سل أمتي فيمَ قتلوا ولدي ! » .
وفي كمال الدين : 2 / 510 ، خرج « توقيع » إلى العمري وابنه رضي الله عنهما ، رواه سعد بن عبد الله قال : قال الشيخ أبو عبد الله جعفر رضي الله عنه وجدته مثبتاً عنه رحمه الله : وفقكما الله لطاعته وثبتكما على دينه وأسعدكما بمرضاته . انتهى إلينا ما ذكرتما أن الميثمي أخبركما عن المختار ومناظراته من لقي ، واحتجاجه بأنه لا خلف غير جعفر بن علي وتصديقه إياه ، وفهمت جميع ما كتبتما به مما قال أصحابكما عنه ، وأنا أعوذ بالله من العمى بعد الجلاء ، ومن الضلالة بعد الهدى ، ومن موبقات الأعمال ومرديات الفتن ، فإنه عز وجل يقول : ألم . أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ . كيف يتساقطون في الفتنة ، ويترددون في الحيرة ، ويأخذون يميناً وشمالاً ، فارقوا دينهم أم ارتابوا أم عاندوا الحق ، أم جهلوا ما جاءت به الروايات الصادقة والأخبار الصحيحة ؟ ! أو علموا ذلك فتناسوا ؟ ما يعلمون أن الأرض لا تخلو من حجة ، إما ظاهراً وإما خائفاً مغموراً ؟ ! أولم يعلموا انتظام أئمتهم بعد نبيهم صلى الله عليه وآله واحداً بعد واحد ، إلى أن أفضى الأمر بأمر الله عز وجل إلى الماضي ، يعني الحسن بن علي عليه السلام ، فقام مقام آبائه عليهم السلام يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ! كان نوراً ساطعاً ، وشهاباً لامعاً ، وقمراً زاهراً ، ثم اختار الله عز وجل له ما عنده فمضى على منهاج آبائه عليهم السلام حذو النعل بالنعل على عهد عهده ، ووصية أوصى بها إلى وصي ستره الله عز وجل بأمره إلى غاية ، وأخفى مكانه بمشيئة للقضاء السابق والقدر النافذ ، وفينا موضعه ولنا فضله ، ولو قد أذن الله عز وجل فيما قد منعه عنه ، وأزال عنه ما قد جرى به من حكمه ، لأراهم الحق ظاهراً بأحسن حلية ، وأبين دلالة ، وأوضح علامة ، ولأبان عن نفسه ، وقام بحجته . ولكن أقدار الله عز وجل لا تغالب ، وإرادته لا ترد ، وتوفيقه لا يسبق ، فليَدعوا عنهم اتباع الهوى ، وليقيموا على أصلهم الذي كانوا عليه ، ولا يبحثوا عما سترعنهم فيأثموا ، ولا يكشفوا ستر الله عز وجل فيندموا ، وليعلموا أن الحق معنا وفينا ، لا يقول ذلك سوانا إلا كذاب مفتر ، ولا يدعيه غيرنا إلا ضال غوي . فليقتصروا منا على هذه الجملة دون التفسير ، ويقنعوا من ذلك بالتعريض دون التصريح ، إن شاء الله » .
11 - فتنة بلاد الشام الموعودة قبل ظهور المهدي عليه السلام
عبد الرزاق : 11 / 361 : « تكون فتنة بالشام ، كأن أولها لعب الصبيان ، تطفو من جانب وتسكن من جانب ، فلا تتناهى حتى ينادي مناد : إن الأمير فلان . وقال : فيُقَلِّبُ ابن المسيب يديه حتى أنهما لتنتفضان ، ثم يقول : ذاكم الأمير حقاً ذاكم الأمير حقاً » .
وفي ابن حماد : 1 / 338 : « ولا تكون لهم جماعة حتى ينادي مناد من السماء عليكم بفلان وتطلع كف تشير . . عن المغيرة بن عبد الرحمن عن أمه وكانت قديمة : قال : قلت لها في فتنة ابن الزبير : إن هذه الفتنة يهلك فيها الناس ؟ فقالت : كلا يا بنيَّ ولكن بعدها فتنة يهلك فيها الناس ولا يستقيم أمرهم حتى ينادي مناد من السماء عليكم بفلان » .
12 - شدة الفتنة قبل ظهور المهدي عليه السلام وحدث يكون في الحجاز
ذكرت أحاديث الطرفين فتنة تكون في الحجاز ، حيث يموت حاكمهم ويختلفون بعده على السلطة ، وينتهي ملك السنين ، ويكون ملك الشهور والأيام ، ولا يجتمع أمرهم على أحد ، فيبحث الناس عن الإمام عليه السلام ويطلبون منه أن يقبل بيعتهم ، وسيأتي ذلك في فصل الحجاز .
13 - نصوص كثيرة تشبه الأحاديث وليست بها
وكلها تصف فتنة تتصل بظهور الإمام المهدي عليه السلام ، كالذي رواه عبد الرزاق : 11 / 372 ، عن أبي الجلد قال : « تكون فتنة ثم تتبعها أخرى ، لا تكون الأولى في الآخرة إلا كثمرة السوط تتبعه ذباب السيف ، ثم تكون فتنة فلا يبقى لله محرم إلا استحل ، ثم يجتمع الناس على خيرهم رجلاً ، تأتيه إمارته هنيئاً وهو في بيته » .
وعنه ابن حماد : 1 / 344 ، وابن أبي شيبة : 8 / 702 ، وفيه : « ثم تأتي الخلافة خير أهل الأرض وهو قاعد في بيته هنياً » . وثمرة السوط : طرفه من أسفله . وذباب السيف : طرفه الذي يضرب به ، والمقصود تفاقم الفتن من الشديد إلى الأشد .
وفي القول المختصر / 70 : « لا يخرج حتى تكون قبله فتنة تستحل فيها المحارم كلها ، ثم تأتيه الخلافة وهو قاعد في بيته ، وهو خير أهل الأرض » .
وفي ملاحم ابن طاووس / 121 ، من كتاب الفتن للسليلي ، عن عبد الله بن عمر قال : « تكون فتنة يقال لها السبيطة قتلاها في النار ، فقلت : وهما مسلمان ؟ قال : وهما مسلمان ، قلت : وهما مسلمان ! قال : وهما مسلمان ، قلت : لمَ ؟ قال : لأنهم تغالبوا على أمر الدنيا ولم يتغالبوا على أمر الله ، فقلت قد كان ذلك . قال : متى لله أبوك ؟ فقلت فتنة عثمان . قال : كلا والذي بعث محمداً بالحق حتى يدخل على العرب كلهم حجرها وحتى يأتي الرجل القبر فيقول : يا ليتني كنت مكانك ! وحتى تملأ الأرض ظلماً وجوراً ! قلت ثم مَهْ ؟ قال : ثم يبعث الله رجلاً يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، يعيش بضع سنين ، فقلت : وما البضع ؟ قال : زعم أهل الكتاب أنه تسع أو سبع » . والجمع بين الصحيحين : 3 / 203 ، عن أبي هريرة . والسبيطة : الطويلة ، ولعلها من السباطة أي الكناسة ، شبهت بها لاجتماع الصفات السيئة فيها . وقد تكون السبيتة من السبت والسكون ، لاستقرارها ودوامها .
وفي الداني / 95 ، والسنن / 1042 ، عن قتادة قال : « يجاء إلى المهدي وهو في بيته والناس في فتنة تهراق فيها الدماء ، فيقال له : قم علينا فيأبى حتى يُخَوَّف القتل ، فإذا خُوِّفَ بالقتل قام عليهم فلا يهراق في سببه محجمة دم .
وقد فسرت الأحاديث التخويف بالقتل في هذا الحديث وغيره بالتخويف بانكشاف أمره عليه السلام قرب مجيء جيش السفياني ، لا أن الذين يريدونه للبيعة يخوفونه بالقتل .