1 - تحذير النبي صلى الله عليه وآله لأمته من الفتن بعده !
عرض النبي صلى الله عليه وآله وهو على فراش المرض على أمته كنزاً ، لم يعرضه نبي على أمته أبداً ! وهو أن تطيعه فيكتب لها عهداً يضمن لها أن تكون على الهدى فلا تضل أبداً ، وتكون سيدة الأمم إلى يوم القيامة ، فواجهه عمر ورفض ذلك ! وأيده طلقاء قريش وكانوا كثروا في المدينة وصاحوا : القول ما قاله عمر ، لا تقربوا له دواة ولا قرطاساً ، حسبنا كتاب الله ، أي نرفض سنته ، ولا نريد أن يكتب لنا عهداً وأماناً من الضلال ! وروى البخاري موقف عمر هذا ضد النبي صلى الله عليه وآله في ست مواضع من صحيحه ! ودافع أتباع الخلافة عن عمر وما زالوا يدافعون عنه إلى اليوم !
وهكذا واجهت الأمة نبيها صلى الله عليه وآله بالمعصية في حياته ، ورفضت قيادته واختارت قيادة عمر ، ورفضت تأمين مستقبلها من الضلال والفتن ! وهو أغرب موقف لأمة مع رسولها .
وقد قال لهم النبي صلى الله عليه وآله كما في مسند الشاميين : 1 / 56 : « يوحى إليَّ أني مقبوضٌ غير مُلَبَّث ، وأنكم مُتِّبِعِيَّ أفناداً ، يضرب بعضكم رقاب بعض » ! أي تطمعون في رئاسة دولتي ، وتتقاتلون !
وقال كما في الطبراني في الكبير : 22 / 69 ، ومسند الشاميين : 3 / 124 صلى الله عليه وآله : « إنكم تزعمون أني آخركم موتاً ! وإني أولكم ذهاباً ، ثم تأتون من بعدي أفناداً ! يقتل بعضكم بعضاً » .
وهو إخبار من النبي بما فعله عمر وقال إن النبي لم يمت ، وإنه آخرنا موتاً . لغرض عنده وعند أبي بكر !
2 - استغلال رواة الخلافة أحاديث الفتن !
أضاف رواة الخلافة إلى أحاديث الفتن من عاميتهم وإسرائيلياتهم ، ثم وظفوها لخدمة الخلافة !
وقد وصف الحسن البصري الذين سقطوا في الفتن فقال : « والله لقد رأيتهم صوراً ولاعقول ، أجساماً ولا أحلام ، فراش نار وذبان طمع ، يغدون بدرهمين ، ويروحون بدرهمين ، يبيع أحدهم دينه بثمن عنز » . « حلية الأولياء : 10 / 170 » .
وقد اعترف أبو هريرة في آخر عمره بأن النبي صلى الله عليه وآله حذر المسلمين من فتنة قريش ! واعترف بأنه أخفى هذه الأحاديث ، خوفاً من القتل ! « راجع البخاري : 8 / 88 » .
ومن أشهر المحرفين لأحاديث الفتن أبو موسى الأشعري ، فقد حرفها ليخذل المسلمين عن نصرة أمير المؤمنين عليه السلام في حربه للبغاة في البصرة بحجة أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن القتال ! « راجع المجلد الأول من جواهر التاريخ » .
رواه أحمد : 4 / 416 ، قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً ، القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي ! فاكسروا قسيكم وقطعوا أوتاركم واضربوا بسيوفكم الحجارة ، فإن دخل على أحدكم بيته فليكن كخير ابني آدم » . أي كهابيل الذي تحمَّل القتل ولم يبسط يده لأخيه !
ونحوه : نعيم بن حماد : 1 / 30 ، وابن ماجة : 2 / 1310 ، وأبو داود : 2 / 305 ، والحاكم : 4 / 555 ، وسنن البيهقي : 8 / 191 ، وصححه الألباني في إرواء الغليل : 8 / 102 .
وتتعجب من حكمهم بصحته مع أنه يحكم على الطرفين باستحقاق النار ، ويخالف القرآن في قوله تعالى : وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخرى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِئَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ . « الحجرات : 9 » .
ورواه بخاري في صحيحه : 4 / 177 ، و : 8 / 91 ، عن أبي هريرة ، تحت عنوان : باب تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم ، ثم عقد عنواناً : باب إذا التقى المسلمان بسيفيهما ، وروى فيه قصة الحسن البصري مع أبي بكرة أخ زياد بن أبيه ، قال : « خرجت بسلاحي ليالي الفتنة فاستقبلني أبو بكرة فقال : أين تريد ؟ قلت : أريد نصرة ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله . قال : قال رسول الله : إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فكلاهما من أهل النار ! قيل : فهذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : إنه أراد قتل صاحبه » .
ومن أعمال البخاري أنه تغافل عن رد أبي سعيد الخدري وعبد الله بن جارية لأبي بكرة ، قالا : « لعن الله أبا بكرة ، أساء سمعاً فأساء إجابة ! إنما قال النبي صلى الله عليه وآله لأبي موسى : تكون بعدي فتنة ، أنت فيها نائم خير منك قاعد ، وأنت فيها قاعد خير منك ساع » . فقد شهدا بأن أبا موسى حرف الحديث وشهد بذلك عمار ، كما روى الطبري في تاريخه : 3 / 497 ، والغارات : 2 / 918 ، عندما أرسله أمير المؤمنين عليه السلام إلى الكوفة : « فقال : يا أبا موسى لمَ تُثَبِّط الناس عنَّا ؟ فوالله ما أردنا إلا الإصلاح ، ولا مثل أمير المؤمنين يخاف على شئ ! فقال : صدقت بأبي أنت وأمي ولكن المستشار مؤتمن سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إنها ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي خير من الراكب . فغضب عمار وساءه وقام وقال : يا أيها الناس ، إنما قال له خاصة : أنت فيها قاعداً خير منك قائماً » .
وفي تاريخ دمشق : 32 / 93 ، أن عماراً واجهه بأنه من أهل ليلة العقبة الذين تآمروا لقتل النبي صلى الله عليه وآله : « جاء أبو موسى فقال ما لي ولك ، ألست أخاك ؟ قال : ما أدري إلا أني سمعت رسول الله يلعنك ليلة الجبل ! قال : إنه قد استغفر لي . قال عمار : قد شهدت اللعن ولم أشهد الاستغفار » ! وقد ضعفوا الحديث بالعطار ، لكن الخطيب وثقه .
والنتيجة أنهم شهدوا على أبي موسى أنه حرف حديث الفتنة ، وقد عزله أمير المؤمنين عليه السلام عن ولاية الكوفة وسماه السامري لأنه قال لاقتال ، كقول السامري : لامساس ! بل اعترف أبو موسى على نفسه بأن النبي صلى الله عليه وآله وصفه بأنه مُضِلّ !
ففي المناقب : 2 / 363 ، وشرح النهج : 13 / 507 ، عن ابن مردويه بأسانيده : « عن سويد بن غفلة أنه قال : كنت مع أبي موسى على شاطئ الفرات فقال : سمعت رسول الله يقول : إن بني إسرائيل اختلفوا فلم يزل الاختلاف بينهم حتى بعثوا حكمين ضالين ضلَّ من اتبعهما ولا تنفك أموركم تختلف حتى تبعثوا حكمين يضلان ويضل من تبعهما ! فقلت : أعيذك بالله أن تكون أحدهما ! قال : فخلع قميصه فقال : برأني الله من ذلك كما برأني من قميصي » . وفي اليعقوبي : 2 / 190 : « فقال سويد : لربما كان البلاء موكلاً بالمنطق . ولقيته بعد التحكيم فقلت : إن الله إذا قضى أمراً لم يغالب » !
أقول : كيف يمكن أن نثق بأحاديث الفتن التي يرويها أمثال أبي موسى ، وقد حرفوها جهاراً نهاراً فجعلوا أعظم الفتن قتل عثمان ، وجعلوا معركهم مع علي عليه السلام ومع الأمة أخذاً بثأره .
والذي يدخل في غرضنا هنا : الفتن المتصلة بظهورالإمام المهدي عليه السلام ، وقد نصت الأحاديث على أنها تستمرحتى ظهوره عليه السلام ، رواه الطرفان وصححوه ، كالذي في الطبراني الكبير : 18 / 51 ، عن عوف بن مالك : « قلتُ : وهل يفتح الشام ؟ قال : نعم وشيكاً ثم تقع الفتن بعد فتحها ، ثم تجئ فتنة غبراء مظلمة ، ثم تتبع الفتن بعضها بعضاً ، حتى يخرج رجل من أهل بيتي يقال له المهدي ، فإن أدركته فاتبعه وكن من المهتدين » .
3 - الفتنة العالمية وامتلاء الأرض بظلم الجبارين وجورهم
اتفقت المصادر على أن مهمة الإمام المهدي عليه السلام أن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن يملأها الجبارون ظلماً وجوراً . فظهوره عليه السلام يكون بعد فتنة عامة .
وامتلاء الأرض بالظلم مفهوم عرفي ، يصدق على أكثرعصورالأرض ، فقد قال الله تعالى : ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ . « الروم : 41 »
أما في عصرنا فقد ظهر الفساد في البر والبحر والجو ، وامتلأت الأرض بالجور حتى غصت !
وهذه نماذج من أحاديث الطرفين : روى الصدوق في كمال الدين : 1 / 286 ، عن جابر قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : المهدي من ولدي ، اسمه اسمي وكنيته كنيتي ، أشبه الناس بي خَلْقاً وخُلُقاً ، تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الأمم ، ثم يقبل كالشهاب الثاقب يملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً »
وفي كمال الدين : 1 / 287 ، عن أمير المؤمنين : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : المهدي من ولدي ، تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الأمم ، يأتي بذخيرة الأنبياء عليهم السلام فيملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً » .
أي تكون له غيبة وتكون في أثنائها حيرة الأمم وضلالها . وذخيرة الأنبياء : مواريثهم من الكتب والعلم وآثار النبوة .
وفي مسند أحمد : 3 / 37 ، عن أبي سعيد الخدري قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أبشركم بالمهدي يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل ، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً . . الخ . » .
وفي مسند أحمد : 3 / 17 : « لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي ، أجلى أقنى يملأ الأرض عدلاً ، كما ملئت قبله ظلماً » .
4 - أهل البيت عليهم السلام أمان الأمة وسفينة النجاة من الفتن
تواترعند الجميع حديث وصية النبي صلى الله عليه وآله بالقرآن والعترة ، ووصف أهل بيته عليهم السلام بأنهم سفينة نجاة أمته من الفتن والضلال ، فقال : « مَثَلُ أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق » !
قال الصدوق رحمه الله في الإعتقادات / 94 : « واعتقادنا فيهم عليهم السلام : أنهم أولوا الأمر الذين أمر الله تعالى بطاعتهم ، وأنهم الشهداء على الناس ، وأنهم أبواب الله ، والسبيل إليه ، والأدلاء عليه ، وأنهم عيبة علمه ، وتراجمة وحيه ، وأركان توحيده ، وأنهم معصومون من الخطأ والزلل ، وأنهم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ، وأن لهم المعجزات والدلائل ، وأنهم أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء ، وأن مثلهم في هذه الأمة كسفينة نوح أو كباب حطة ، وأنهم عباد الله المكرمون ، الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون » .
وفي الخصال / 573 : « يا علي ، مثلك في أمتي كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق » . وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام : 1 / 30 : « ومن تخلف عنها زج في النار » .
وفي كفاية الأثر / 29 ، عن أبي سعيد الخدري قال : « سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : أهل بيتي أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء . قيل : يا رسول الله فالأئمة بعدك من أهل بيتك ؟ قال : نعم الأئمة بعدي اثنا عشر ، تسعة من صلب الحسين أمناء معصومون ، ومنا مهدي هذه الأئمة ، ألا إنهم أهل بيتي وعترتي من لحمي ودمي . ما بال أقوام يؤذونني فيهم ! لا أنالهم الله شفاعتي » .
وروى الجميع أن أبا ذر رحمه الله كان يأخذ بحلقة الكعبة ويخطب بالمسلمين هذه الخطبة . . ففي الطبراني الكبير : 3 / 46 : « عن حنش بن المعتمر قال : رأيت أبا ذر الغفاري أخذ بعضادتي باب الكعبة وهو يقول : من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر الغفاري ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله قال : مَثَلُ أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح في قوم نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها هلك ، ومثل باب حطة في بني إسرائيل » .
والطبراني الأوسط : 4 / 9 ، و : 5 / 306 ، والصغير : 1 / 139 و : 2 / 22 ، ومجمع الزوائد : 9 / 168 ، وشواهد التنزيل : 1 / 360 ، وتاريخ بغداد : 12 / 90 ، وإكمال الخطيب / 59 ، وصححه . وقال الصالحي في سبل الهدى : 11 / 11 : قواه السخاوي .
وقد بحث السيد الميلاني في نفحات الأزهار : 1 / 60 ، طرقه وأثبت صحته عند علمائهم على اختلاف مذاهبهم ، وأثبت أن تضعيفه مكابرة بدون حجة !
وقال الشيخ الصافي في أمان الأمة من الاختلاف / 171 : « روى أحاديث الأمان بطرق كثيرة وألفاظ متقاربة جمع كثير من أعلام أهل السنة عن أمير المؤمنين عليه السلام وأنس وأبي سعيد الخدري وجابر وأبي موسى وابن عباس وسلمة بن الأكوع . . . قال ابن حجر : الآية السابعة « من الآيات الواردة في أهل البيت عليهم السلام » قوله تعالى : وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ، أشار صلى الله عليه وآله إلى أنه وجد ذلك المعنى في أهل بيته عليهم السلام وأنهم أمان لأهل الأرض كما كان هو صلى الله عليه وآله أماناً لهم ، وفي ذلك أحاديث كثيرة » .
لكن تعال انظر إلى الفخر الرازي كيف تحايل على الحديث ليفرغه من معناه !
قال في تفسيره : 27 / 167 : « والحاصل أن هذه الآية « آية المودة » تدل على وجوب حب آل رسول الله صلى الله عليه وآله وحب أصحابه ! وهذا المنصب لا يسلم إلا على قول أصحابنا أهل السنة والجماعة الذين جمعوا بين حب العترة والصحابة . وسمعت بعض المذكرين قال إنه صلى الله عليه وآله قال : مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ، وقال : صلى الله عليه وآله أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم . ونحن الآن في بحر التكليف ، وتضربنا أمواج الشبهات والشهوات وراكب البحر يحتاج إلى أمرين : أحدهما ، السفينة الخالية عن العيوب والثقب . والثاني ، الكواكب الظاهرة الطالعة النيرة ، فإذا ركب تلك السفينة ووقع نظره على تلك الكواكب الظاهرة ، كان رجاء السلامة غالباً ، فكذلك ركب أصحابنا أهل السنة سفينة حب آل محمد ، ووضعوا أبصارهم على نجوم الصحابة ، فرجوا من الله تعالى أن يفوزوا بالسلامة والسعادة في الدنيا والآخرة » .
ونلاحظ أنه جعل سند حديث أهل بيتي كسفينة نوح ، قولَ واعظٍ مُذَكِّر ، مع أنه حديث صحيح عندهم !
وجعل أصحابي كالنجوم حديثاً نبوياً صحيحاً مع أن كبار علمائهم حكموا بأنه موضوع !
فهو يعرف أن حديث السفينة صحيح ، وحديث أصحابي كالنجوم ، مكذوبٌ ! لكنه ارتكب التعصب والتزوير !
قال ابن حزم في الاحكام : 6 / 810 : « وأما الرواية : أصحابي كالنجوم فرواية ساقطة . . . وسلام بن سليمان يروي الأحاديث الموضوعة ، وهذا منها بلا شك » . وفي تحفة الأحوذي : 10 / 125 : « قال أبو بكر البزار : هذا الكلام لم يصح عن النبي صلى الله عليه وآله » . والرازي يعرف ذلك ، لكنه لتعصبه جعل أهل البيت عليهم السلام سفينةً لا تهدي الراكب فيها ! وجعل الصحابة نجوماً تهدي ركاب السفينة !
5 - اختلاف الروايات في عدد الفتن في هذه الأمة
اختلفت الأقوال في عدد الفتن الموعودة في هذه الأمة ، لكن ذلك لا يضرُّ ببحثنا الذي هو معرفة الفتنة الأخيرة المتصلة بظهور الإمام المهدي عليه السلام .
عدَّتها بعض النصوص ثلاث فتن
في تاريخ ابن معين : 1 / 317 ، عن أبي هريرة ، قال النبي صلى الله عليه وآله : « أتتكم الدهيماء ترمي بالنشف ، والثانية ترمى بالرضف ، والثالثة سوداء مظلمة إلى يوم القيامة قتلاها قتلى الجاهلية » .
وقال ابن حماد : 1 / 234 : عن كعب قال : « ثلاث فتن تكون بالشام : فتنة إهراقة الدماء وفتنة قطع الأرحام ونهب الأموال ، ثم يليها فتنة المغرب وهي العمياء » .
وفيه : 1 / 57 : « عن كعب قال : تكون فتن ثلاث كأمسكم أنه الذاهب : فتنة تكون بالشام ، ثم الشرقية هلاك الملوك ، ثم تتبعها الغربية وذكر الرايات الصفر . قال والغربية هي العمياء » . كأمسكم الذاهب : أي حتمية كأمسكم الذي حدث وتحقق . والرضَف : الحجارة المحماة ، فكأن الذي تصيبه يجلس عليها . والنشَف : البلل فكأن الذي تصيبه مبلل الثياب . وأكثر الروايات قدمت فتنة النشف على الرضف وطبقوها على قتل عثمان . ومقصود الراوي بالفتنة الغربية والرايات الصفر التي رواها عن كعب : حركة الفاطميين ، لأنهم أقبلوا من مغرب العالم الإسلامي إلى مصر وغيرها . وهذا يوجب الشك في أن الرواية مكذوبة على كعب ضد حركة الفاطميين التي يسميها أعداؤها : فتنة المغرب ، وكانت راياتهم صفراء كراية الأنصار ، وفي رواية القرطبي أن رايات الإمام المهدي عليه السلام فيها رايات صفر ، وفسرها بعض إخواننا براية المقاومة في لبنان .
وأنت تلاحظ أن هذه النصوص ليست أحاديث ، بل أقوال لكعب وأبي هريرة وحذيفة ، ومن هو دونهم ، فقد كان المسلمون يهتمون بأي كلام للصحابة في الفتن ، خاصة كلام حذيفة لأنه موضع سر النبي صلى الله عليه وآله ويعرف أسماء المنافقين وأخبار الفتن . بل لعل الرواية كانت لأبي هريرة ونسبوها إلى حذيفة !
ولا قيمة علمية لهذه الأقوال مضافاً إلى توظيفها لفتن ذلك العصر ، كما رأيت من أبي موسى الأشعري .
ويوضح ما قلناه ما رواه في تاريخ دمشق « 39 / 478 » « عن زيد بن وهب قال . . فدخلنا على أبي موسى وهو أمير الكوفة فكان قوله نهياً عن الفتنة والأمر بالجلوس في البيوت ، فخرجنا فأتينا منزل حذيفة فلم نجده ، فأتينا المسجد فوجدناه مسنداً ظهره إلى سارية ، ومعه رجل فقلت : إني أظن أن له حاجة فجلسنا دونهما ، فجاء رجل فجلس إليهما فقمنا فجلسنا إليه وهو عاض على إبهامه ، وهو يقول : أتتكم ترمى بالنشف ، ثم يليها أخرى ترمى بالرضف ، ثم المظلمة التي يصبح المرء فيها مهتدياً ويمسي ضالاً ، ويمسي مهتدياً ويصبح ضالاً ، والعاقل حيران بين ذلك لا يدري أضل أم اهتدى ؟ ألا إن لها دفعات ومثاعب ، فإن استطعت أن تموت أو تكون في وقفاتها فافعل ! فقال الرجل الذي جلس إليه : جزاكم الله أصحاب محمد شراً ، فوالله لقد لبَّستم علينا ، حتى ما ندري أنقعد أم نقوم ، فهلا نهيت الناس يوم الجرعة « لما اعترض أهل الكوفة على عثمان » قال : قد نهيت عنها نفسي وابن الخضرامة ، ولو لم أنهه لكان من القائمين فيها والقائلين » .
ويقصد الراوي : بالفتنة الأولى التي ترمى بالنشف فتنة قتل عثمان ، والتي ترمي بالرضف فتنة الحروب على علي عليه السلام ، والثالثة التي لها دفعات ومثاعب أي ميازيب تصب فيها : فتنة بني أمية .
وغرضه أن يثبت أن حذيفة رحمه الله كان ضد قتل عثمان وضد حروب علي عليه السلام ! مع أن حذيفة رحمه الله كان والياً لعثمان على المدائن ، وعندما وصل اليه خبر بيعة علي عليه السلام فرح بذلك وكان مريضاً ، فقال : إحملوني إلى المنبر وخطب مبيناً حق علي عليه السلام بالخلافة بوصية النبي صلى الله عليه وآله وأعلن بيعته له وأمر المسلمين أن يبايعوه ، وأوصى ولديه أن يكونا معه ويحرصا على الشهادة بين يديه ، وقد عملا بوصيته واستشهدا مع علي عليه السلام في صفين .
ومات حذيفة رحمه الله بعد أيام في المدائن ، بينما زعمت الرواية أنه كان في الكوفة ، وهذا دليل على الوضع !
وروى ابن حماد : 1 / 53 : « عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : تكون فتنة ثم تكون جماعة ، ثم فتنة ثم تكون جماعة ، ثم فتنة تعوج فيها عقول الرجال » .
وقصده بالفتنة الأولى : قتل عثمان ، وبالثانية : حروبهم على علي عليه السلام ، وبالثالثة فتنة بني أمية ! وهذا يتفق مع عقيدة الخوارج .
وبعض النصوص عدَّتها أربعاً
ففي فتن ابن حماد : 1 / 54 ، عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وآله قال : « تكون أربع فتن : الأولى يستحل فيها الدم ، والثانية يستحل فيها الدم والمال ، والثالثة يستحل فيها الدم والمال والفروج ، والرابعة الدجال » .
ورواه الطبراني الكبير : 18 / 180 ، بنحوه وليس فيه : والرابعة الدجال ، مما يشير إلى أصابع كعب ! والأوسط : 8 / 109 و : 9 / 55 ، وحلية الأولياء : 6 / 23 ، وجامع الجوامع : 1 / 481 وجامع المسانيد : 9 / 434 والزوائد : 7 / 308 ، عن الطبراني وضعفه بابن لهيعة ، مع أن عدداً منهم وثقه .
وروى ابن حماد : 1 / 57 ، عن حذيفة : « الفتن ثلاث تسوقهم الرابعة إلى الدجال : التي ترمي بالرضف ، والتي ترمي بالنشف ، والسوداء المظلمة والتي تموج موج البحر » .
وفي ابن حماد : 1 / 53 : عن عبد الله قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : تكون في أمتي أربع فتن : يكون في الرابعة الفناء . . . في الإسلام أربع فتن تسلمهم الرابعة إلى الدجال » .
وفي ابن حماد : 1 / 67 : عن أبي هريرة : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « تأتيكم من بعدي أربع فتن ، فالرابعة منها الصماء العمياء المطبقة تعرك الأمة فيها بالبلاء عرك الأديم ، حتى ينكر فيها المعروف ويعرف فيها المنكر ، تموت فيها قلوبهم كما تموت أبدانهم » .
وفي : 1 / 55 : « قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أربع فتن تكون بعدي ، الأولى تسفك فيها الدماء ، والثانية يستحل فيها الدماء والأموال ، والثالثة يستحل فيها الدماء والأموال والفروج والرابعة عمياء صماء تعرك فيها أمتي عرك الأديم » .
وفي : 1 / 56 : « والرابعة صماء عمياء مطبقة ، تمور مورالموج في البحر ، حتى لا يجد أحد من الناس منها ملجأ . تطيف بالشام وتغشى العراق وتخبط الجزيرة بيدها ورجلها ، وتعرك به الأمة فيها بالبلاء عرك الأديم ، ثم لا يستطيع أحد من الناس يقول فيها مه مه . ثم لا يرفعونها من ناحية إلا انفتقت من ناحية أخرى . . .
ثم قال ابن حماد : قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وآله في قوله تعالى : قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ . قال : أربع فتن تأتي : الفتنة الأولى : يستحل فيها الدماء ، والثانية : تستحل فيها الدماء والأموال ، والثالثة : تستحل فيها الدماء والأموال والفروج . والرابعة : عمياء مظلمة تمور مَوْرَ البحر ، تنتشر حتى لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته . .
عن أرطاة بن المنذر قال : بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : تكون في أمتي أربع فتن ، يصيب أمتي في آخرها فتن مترادفة ، فالأولى : تصيبهم فيها بلاء حتى يقول المؤمن هذه مهلكتي ثم تنكشف . والثانية : حتى يقول المؤمن هذه مهلكتي ثم تنكشف ، والثالثة : كلما قيل انقضت تمادت . والفتنة الرابعة : تصيرون فيها إلى الكفر ، إذا كانت الأمة مع هذا مرة ، ومع هذا مرة بلا إمام ولا جماعة ، ثم المسيح ، ثم طلوع الشمس من مغربها . ودون الساعة اثنان وسبعون دجالاً ، منهم من لا يتبعه إلا رجل واحد » .
أقول : هذه « الأحاديث » ليست إلا خيالات وأمنيات من كعب وأمثاله بقرب انتهاء هذه الأمة بخروج الدجال ملك اليهود ! وقد صيرها الحمقى أحاديث نبوية ! ويشهد على كذبها أن الدجال الذي وعدت به عند فتح القسطنطينية لم يخرج ! ويشهد أيضاً ما رواه ابن حماد نفسه : 1 / 57 : « عن عمير بن هانئ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : فتنة الأحلاس فيها حرب وهرب ، وفتنة السراء يخرج دخنها من تحت قدمي رجل يزعم أنه مني وليس مني ، إنما أوليائي المتقون « يقصد علياً عليه السلام » ! ثم يصطلح الناس على رجل « يقصد معاوية » . ثم تكون فتنة الدهيماء ، كلما قيل انقطعت تمادت حتى لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته ، يقاتل فيها لا يدرى على حق يقاتل أم على باطل « يقصد فتنة ابن الزبير وغيره » فلا يزالون كذلك حتى يصيروا إلى فسطاطين فسطاط إيمان لا نفاق فيه ، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه ، فإذا هما اجتمعا فأَبْصِرِ الدجال اليوم أو غداً » .
وغرضهم أن حرب علي عليه السلام للبغاة الخارجين عليه « فتنة » يتحمل هو مسؤوليتها وإن النبي صلى الله عليه وآله تبرأ منه ! فكان الواجب عليه برأيهم أن يسكت على الخارجين عليه حتى يأخذوا البلاد وينتصروا عليه ! أما أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية ، فالخارج عليهم كافر باغ شاق لعصا المسلمين ، ويجب عليهم وعلى المسلمين أن يقاتلوه ، ليمنعوا الفساد في الأمة ! وقد أكثروا من رواية هذه العبارة المحببة إلى قلوبهم : « فتنة السراء دَخْلها أو دُخْنُها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس مني » . فرواه أحمد : 2 / 133 ، عن عبد الله بن عمر ولفظه : « كنا عند رسول الله قعوداً فذكر الفتن فأكثر ذكرها حتى ذكر فتنة الأحلاس ، فقال قائل : يا رسول الله وما فتنة الأحلاس ؟ قال : هي فتنة هرب وحرب ، ثم فتنة السراء دخلها أو دُخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي ، يزعم أنه مني وليس مني إنما وليي المتقون ، ثم يصطلح الناس على رجل كورك على ضَلَع « عَرَج » ثم فتنة الدهيماء ، لا تدع أحداً من هذه الأمة إلا لطمته لطمة ، فإذا قيل انقطعت تمادت ، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً ، حتى يصير الناس إلى فسطاطين فسطاط إيمان لا نفاق فيه وفسطاط نفاق لا إيمان فيه وإذا كان ذاكم فانتظروا الدجال من اليوم أو غد » .
وأبو داود : 2 / 299 ، والحاكم : 4 / 466 وصححه ، وحلية الأولياء : 5 / 158 ، ومسند الشاميين : 3 / 401 وعلل الحديث لابن أبي حاتم : 2 / 417 والدر المنثور : 6 / 56 . وفي معالم السنن : 4 / 336 : أضيفت الفتنة إلى الأحلاس لدوامها وطول لبثها ، يقال للرجل إذا كان يلزم بيته لا يبرح منه هو حلس بيته ، لأن الحلس يفترش فيبقى على المكان ما دام لا يرفع . . . والحَرَب ذهاب المال والأهل . . والدخن الدخان » .
أقول : وأصل كل هذه الفرية ما رواه بخاري عن عمرو العاص أن النبي صلى الله عليه وآله أعلن براءته من آل أبي طالب !
قال بخاري في صحيحه : 7 / 73 : « عن قيس بن أبي حازم أن عمرو بن العاص قال : سمعت النبي صلى الله عليه وآله جهاراً غير سر يقول : إن آل أبي « قال عمر : وفي كتاب محمد بن جعفر بياض » ليسوا بأوليائي ، إنما وليي الله وصالح المؤمنين » . وقد حاول ابن القيم في زاد المعاد : 5 / 158 ، أن يُرقِّع كلام بخاري فزعم أن النبي صلى الله عليه وآله يقصد بآل أبي . . . ليسوا لي بأولياء : آل أبيه صلى الله عليه وآله ! لكن ابن حجر « 10 / 352 » اعترف بأن أصل نص بخاري « آل أبي طالب » وحاول أن يرقِّعه من جانب آخر فقال : « وقال الخطابي : الولاية المنفية ولاية القرب والاختصاص ، لا ولاية الدين ، ورجح ابن التين الأول وهو الراجح ، فإن من جملة آل أبي طالب علياً وجعفراً ، وهما من أخص الناس بالنبي صلى الله عليه وآله لما لهما من السابقة والقدم في الإسلام ، ونصر الدين . وقد استشكل بعض الناس صحة هذا الحديث ، لما نسب إلى بعض رواته من النصب ، وهو الانحراف عن علي وآل بيته . . . وأما عمرو بن العاص وإن كان بينه وبين علي ما كان فحاشاه أن يُتَّهم « ! » وللحديث محمل صحيح لا يستلزم نقصاً في مؤمني آل أبي طالب ، وهو أن المراد بالنفي المجموع كما تقدم ، ويحتمل أن يكون المراد بآل أبي طالب أبو طالب نفسه ، وهو إطلاق سائغ » !
فالقضية عند النواصب أن لا تتهم ابن العاص بالكذب بينما تراهم مستبشرين بحديث بخاري ، كأنه إعلان نبوي للبراءة من علي والعترة عليهم السلام ! إنهم يتمنون أن يتراجع النبي عن حديث الثقلين ، وعن فرض الصلاة على آله صلى الله عليه وآله معه ، وعن عشرات الأحاديث في فضلهم ! بل يتمنون أن تنسخ آيات القرآن فيهم !
قال ابن تيمية في منهاجه : 7 / 76 : « كما ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وآله قال : إن آل بني فلان ليسوا لي بأولياء ، وإنما وليي الله وصالح المؤمنين ، فبيَّنَ أن أولياءه صالح المؤمنين . وكذلك في حديث آخر : إن أوليائي المتقون ، حيث كانوا وأين كانوا » .
وطبَّلَ به في فتاويه : 10 / 543 ، وتفسيره : 2 / 48 ومجموع الفتاوى : 11 / 164 ، و : 27 / 435 , و : 28 / 227 ، و 543 ، وجامع الرسائل / 510 . وطبَّل معه ابن قيم في جلاء الأفهام / 226 ، وابن رجب في جامعه / 347 ، وابن حجر في التغليق : 5 / 86 . لكن الله تعالى كشف كذبهم ، لأن حديثهم نص على خروج الدجال بعد « فتنة علي عليه السلام » بأربعين سنة ! فقد روى ابن حماد في الفتن : 2 / 686 : « عن حذيفة قال : الفتن بعد رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أن تقوم الساعة ، أربع فتن : فالأولى خمس « يقصد خلافة علي عليه السلام وكانت خمس سنين » والثانية عشرون ، والثالثة عشرون ، والرابعة الدجال » . ولم يظهر الدجال بعد أربعين سنة من خلافة أمير المؤمنين عليه السلام ، كما زعم الكذابون !
وبعض النصوص عدَّتها خمساً
في علل الحديث لابن أبي حاتم : 2 / 411 : « عن عمارة بن عبيد شيخ من جشعم كبير قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يذاكرنا خمس فتن ، أعلم أربعة قد مضت ، والخامسة هي فيكم يا أهل الشام ، قال : إن أدركت الخامسة واستطعت أن تقعد في بيتك فافعل ، وإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض فتدخل فيه فافعل » .
وفي ابن حماد : 1 / 51 : « عن حزن بن عبد عمرو ، قال : دخلنا أرض الروم في غزوة الطوانة ، فنزلنا مرجاً فأخذت أنا برؤوس دواب أصحابي فطولت لها ، فانطلق أصحابي يتعلفون ، فبينا أنا كذلك إذ سمعت : السلام عليك ورحمة الله ، فالتفت فإذا أنا برجل عليه ثياب بياض فقلت : السلام عليك ورحمة الله فقال : أمن أمة أحمد ؟ قلت : نعم ، قال : فاصبروا فإن هذه الأمة أمة مرحومة ، كتب الله عليها خمس فتن وخمس صلوات . قال قلت : سمِّهِنَّ لي . قال أمْسِكْ : إحداهن موت نبيهم واسمها في كتاب الله تعالى بغتة ، ثم قتل عثمان واسمها في كتاب الله الصماء ، ثم فتنة ابن الزبير واسمها في كتاب الله العمياء ، ثم فتنة ابن الأشعث واسمها في كتاب الله البتيراء . ثم تولى وهو يقول : وبقيت الصيلم وبقيت الصيلم ، فلم أدر كيف ذهب » . والطوانة : قرب أنطاكية داخل بلاد الروم ، تراوح حكمها بين المسلمين والروم ، وأصاب المسلمين فيها شدة وهزيمة سنة 88 هجرية . تاريخ ابن عساكر : 26 / 444 .
وابن الأشعث : هو عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي ، وكان الأشعث رأس المنافقين في عهد علي عليه السلام وتاريخه غدرٌ ونفاق ، فقد جاء في وفد كندة إلى النبي صلى الله عليه وآله وأعلن إسلامه ، ثم أعلن ارتداده مع بني وليعة فأسره المسلمون وطلب منهم أن يأخذوه إلى أبي بكر ، فأطلقه وأكرمه وزوجه أخته ! ثم ندم أبو بكر لأنه لم يقتله !
فقد روى اليعقوبي : 2 / 137 ، أنه كان يتحسر في مرض وفاته على أشياء يتمنى أنه لم يفعلها منها هجومه على بيت فاطمة الزهراء عليها السلام ، وأشياء ليته فعلها منها قتل الأشعث قال : « فليتني قدمت الأشعث بن قيس تضرب عنقه ، فإنه يخيل إليَّ أنه لا يرى شيئاً من الشر إلا أعان عليه » !
وكان الأشعث أشد عداوةً لأمير المؤمنين عليه السلام من ابن سلول للنبي صلى الله عليه وآله ! قال الإمام الصادق عليه السلام : « إن الأشعث بن قيس شَرِكَ في دم أمير المؤمنين عليه السلام ، وابنته جعدة سمَّت الحسن ، ومحمد ابنه شرك في دم الحسين عليهم السلام » . « الكافي : 8 / 167 » .
وكان الأشعث عميلاً لمعاوية ، وبعد هلاكه صار ولده محمد مكانه رئيس كندة ، ثم ابنه عبد الرحمن ، وكانا مع معاوية ثم مع يزيد . ثم خرج عبد الرحمن على المروانيين في البصرة وجنوب إيران ، وطالت حربه معهم حتى قتله عبد الملك بن مروان . فحركته محدودة في المكان والزمان ، ولا يصح أن تكون فتنة للأمة كلها ، لكن الراوي حرف رواية الخمس فتن وعدَّها الخامسة الموعودة ، ثم زعم أن الهاتف كلمه بذلك في مرج الطَّوَّانة .
فهذه النصوص كلها لا قيمة لها ، والنص الوحيد الذي يستحق الاهتمام هنا ، رواه ابن حماد : 1 / 51 ، عن عاصم بن ضمرة ، عن علي قال : « جعل الله في هذه الأمة خمس فتن : فتنة عامة ، ثم فتنة خاصة ، ثم فتنة عامة ، ثم فتنة خاصة ، ثم الفتنة السوداء المظلمة التي يصير الناس كالبهائم ، ثم هدنة ، ثم دعاة إلى الضلالة ، فإن بقي لله يومئذ خليفة فالزمه » . ورواه عبد الرزاق : 11 / 356 ، بلفظ : « جعلت في هذه الأمة خمس فتن : فتنة عامة ، ثم فتنة خاصة ، ثم فتنة عامة ، ثم فتنة خاصة . ثم تأتي الفتنة العمياء الصماء المطبقة التي يصير الناس فيها كالأنعام » . وابن أبي شيبة : 8 / 599 ، والحاكم : 4 / 437 و 504 ، وصححه ، وابن المنادي / 75 . ويصعب تفسير معنى الخاص والعام في هذه الفتن ، وأصعب منه تحديد زمنها .
وبعض النصوص جعلتها سبعاً
في فتن ابن حماد : 1 / 55 : « عبد الله بن مسعود : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله : أحذركم سبع فتن تكون بعدي : فتنة تقبل من المدينة ، وفتنة بمكة ، وفتنة تقبل من اليمن ، وفتنة تقبل من الشام ، وفتنة تقبل من المشرق ، وفتنة من قبل المغرب ، وفتنة من بطن الشام ، وهي فتنة السفياني . قال فقال ابن مسعود : منكم من يدرك أولها ، ومن هذه الأمة من يدرك آخرها . قال الوليد بن عياش : فكانت فتنة المدينة من قبل طلحة والزبير ، وفتنة مكة فتنة ابن الزبير ، وفتنة اليمن من قبل نجدة ، وفتنة الشام من قبل بني أمية ، وفتنة المشرق من قبل هؤلاء » . وصححه الحاكم : 4 / 468 . والوليد بن عياش أموي الهوى . وقوله من قبل هؤلاء : يقصد العباسيين .
6 - الفتن المتصلة بظهور المهدي عليه السلام
وهي التي تنفع في بحثنا ، ويتضمَّن نصها صراحة أو بقرائن أن زمنها متصل بظهور الإمام المهدي عليه السلام . وأحاديثها كثيرة ، منها ما رواه عبد الرزاق : 11 / 371 ، عن أبي سعيد الخدري قال : « ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله بلاء يصيب هذه الأمة حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم ، فيبعث الله رجلاً من عترتي من أهل بيتي فيملأ به الأرض قسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض ، لا تدع السماء من قطرها شيئاً إلا صبته مدراراً ، ولا تدع الأرض من مائها شيئاً إلا أخرجته ، حتى تتمنى الأحياء الأموات . يعيش في ذلك سبع سنين أو ثمان أو تسع سنين » .
ورواه ابن حماد : 1 / 358 ، بدون الفقرة الأخيرة عن مدة ملكه عليه السلام . والحاكم : 4 / 465 وصححه ، وتذكرة القرطبي : 2 / 700 ، وشرح المقاصد : 2 / 307 ، أوله كعبد الرزاق ، وقال : فذهب العلماء إلى أنه إمام عادل من ولد فاطمة رضي الله عنها يخلقه الله تعالى متى شاء ويبعثه نصرة لدينه . والدر المنثور : 6 / 58 ، وابن حجر / 63 في الصواعق .
وهذا الحديث من أوضح أحاديث الفتن ، وهو ينص على أن الفتنة الأخيرة تَعُمُّ المسلمين وتمتدُّ حتى يظهر المهدي عليه السلام ، وفيه دلالات على المسار العام للأمة .
يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل
روى أحمد : 3 / 37 : « عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أبشركم بالمهدي يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل ، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض ، يقسم المال صحاحاً . فقال له رجل : ما صحاحاً ؟ قال بالسوية بين الناس ، قال : ويملأ الله قلوب أمة محمد غنى ، ويسعهم عدله حتى يأمر منادياً فينادي فيقول : من له من مال حاجة ؟ فما يقوم من الناس إلا رجل فيقول : إئت السدان يعني الخازن فقل له إن المهدي يأمرك أن تعطيني مالاً ، فيقول له : أحثُ ، حتى إذا جعله في حجره وأحرزه ندم ، فيقول : كنت أجشع أمة محمد نفساً ، أوَ عجز عني ما وسعهم ! قال : فيرده فلا يقبل منه ، فيقال له : إنا لا نأخذ شيئاً أعطيناه ، فيكون كذلك سبع سنين أو ثمان سنين أو تسع سنين ، ثم لاخير في العيش بعده ، أو قال ثم لاخير في الحياة بعده » .
والمقصود بالزلازل : الاجتماعية منها ، بقرينة ذكرها بعد اختلاف الناس . وصحاحاً : أي كاملة . وأحْثُ : أي خذ منه بغير عد . والجشع : الحرص والنهم . ورواه أحمد بنحوه : 3 / 52 ، وملاحم ابن المنادي / 42 ، بتفاوت يسير . ومجمع الزوائد : 7 / 313 ، وقال : رواه الترمذي وغيره باختصار كثير ، ورواه أحمد بأسانيد ، وأبو يعلي باختصار كثير ورجالهما ثقات . والدر المنثور : 6 / 57 ، عن رواية أحمد الأولى ، وصواعق ابن حجر / 166 ، كرواية أحمد الثانية ، وعن الماوردي . إلى آخر المصادر .
ورواه من مصادرنا : دلائل الإمامة / 249 : « عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أبشروا بالمهدي ، فإنه يأتي في آخر الزمان على شدة وزلازل ، يسع الله له الأرض عدلاً وقسطاً » . وفي / 252 ، بنحو حديث أحمد .
وغيبة الطوسي / 111 ، عن أبي سعيد ، أوله كرواية أحمد الأولى إلى قوله : وساكن الأرض . ثم روى بالسند المتقدم : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « أبشروا بالمهدي ، قالها ثلاثاً ، يخرج على حين اختلاف من الناس وزلزال شديد ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، يملأ قلوب عباده غنى ويسعهم عدله » .
ويظهر من رواية الطوسي ، أن رواة الحكومة زادوا في رواية أبي سعيد ، وهذا هو دأبهم !
يكون على تظاهر العمر وانقطاع من الزمان
روى أبو يعلى : 2 / 356 ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : « يكون في آخر الزمان على تظاهر العمر وانقطاع من الزمان إمام يكون أعطى الناس ، يجيئه الرجل فيحثو له في حجره يهمه من يقبل عنه صدقة ذلك المال ما بينه وبين أهله ، لما يصيب الناس من الخير » .
ومسند ابن الجعد : 2 / 795 وفي الحاوي : 2 / 63 : أخرج أبو يعلى ، وابن عساكر ، عن أبي سعيد . وجمع الجوامع : 1 / 1012 ، عن حلية الأولياء ، وابن عساكر ، عن أبي سعيد .
وفي ابن حماد : 1 / 361 ، عن أبي سعيد الخدري ، قال النبي صلى الله عليه وآله : « يخرج رجل من أهل بيتي عند انقطاع من الزمان وظهور من الفتن ، يكون عطاؤه حَثْياً يقال له السفاح » .
وحثياً : مقداراً كثيراً دون عد ، أو يقول للآخذ : أُحْثُ ، أي إحمل مقداراً كما في بعض الأحاديث ، وفي بعض الروايات : حسياً بالسين وهو قريب منه . والسفاح : سفاك دماء أعدائه . وقد ورد اسم السفاح صفة للمهدي عليه السلام في أحاديث من طرق الفريقين ، لكن قد يكون من إضافة رواة العباسيين لينطبق على سفاحهم ، فقد رواه عدد من المصادر بدونها ، كابن أبي شيبة : 8 / 678 . . الخ .
إذا كثرت الشرط ، وملكت الإماء
الطبراني الكبير : 18 / 51 : « عن عوف بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : كيف أنت يا عوف إذا افترقت هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ، واحدة في الجنة وسائرهن في النار ! قلت : ومتى ذلك يا رسول الله ؟ قال : إذا كثرت الشرط ، وملكت الإماء ، وقعدت الحملان على المنابر ، واتخذ القرآن مزامير ، وزخرفت المساجد ، ورفعت المنابر ، واتخذ الفئ دولاً ، والزكاة مغرماً ، والأمانة مغنماً ، وتفقه في الدين لغير الله ، وأطاع الرجل امرأته ، وعق أمه وأقصى أباه ، ولعن آخر هذه الأمة أولها ، وساد القبيلة فاسقهم ، وكان زعيم القوم أرذلهم ، وأكرم الرجل اتقاء شره . فيومئذ يكون ذلك ، ويفزع الناس يومئذ إلى الشام يعصمهم من عدوهم ، قلت : وهل يفتح الشام ؟ قال : نعم وشيكاً ، ثم تقع الفتن بعد فتحها ، ثم تجئ فتنة غبراء مظلمة ، ثم يتبع الفتن بعضها بعضها حتى يخرج رجل من أهل بيتي يقال له المهدي ، فإن أدركته فاتبعه وكن من المهتدين » . ومجمع الزوائد : 7 / 323 ، ووثقه على مبنى ابن حبان .
ثم تكون فتنة كلما قيل انقطعت تمادت !
ابن حماد : 1 / 57 : « عن أبي سعيد الخدري : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ستكون بعدي فتن : منها فتنة الأحلاس يكون فيها حرب وهرب ، ثم بعدها فتن أشد منها ، ثم تكون فتنة كلما قيل انقطعت تمادت ، حتى لا يبقى بيت إلا دخلته ولا مسلم إلا صكته ، حتى يخرج رجل من عترتي » . ورواه في المعجم الأوسط : 5 / 338 : « ستكون فتنة لا يهدأ منها جانب إلاجاش منها جانب ، حتى ينادي مناد من السماء إن أميركم فلان » .
أقول : يتعجب الإنسان من رواية طلحة بن عبيد الله حديث النداء باسم المهدي عليه السلام مع أن المهدي عليه السلام من ولد علي وفاطمة عليها السلام ، وموقف طلحة من العترة معروف ! لكن يزول العجب عندما نعرف أن بني تيم كانوا يعملون للوصول إلى الخلافة بعد أبي بكر ، وما زالت رواية عائشة في صحيح مسلم : « قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله في مرضه : ادعي لي أبا بكر أباك وأخاك حتى أكتب كتاباً ، فإني أخاف أن يتمنى متمنٍّ ويقول قائل أنا أولى » ! « صحيح مسلم : 7 / 110 » .
ثم تنازلت عائشة عن النص النبوي بالخلافة لأبيها وأخيها ، وأرادتها لابن عمها طلحة فلم تنجح . ثم ادعى أنصارها أن ابنه موسى بن طلحة هو المهدي الموعود ! فحديث طلحة يقع في هذا السياق !
شرُّ الفتن كلها تكون قبل ظهوره عجل الله تعالى فرجه الشريف !
سنن الداني / 161 ، أن الحكم بن عتيبة سأل الإمام الباقر عليه السلام : « سمعنا أنه سيخرج منكم رجل يعدل في هذه الأمة ؟ فقال : إنا نرجو ما يرجو الناس ، وإنا نرجو لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد سيطول ذلك اليوم حتى يكون ما ترجو هذه الأمة . وقبل ذلك فتنة شر فتنة ، يُمسي الرجل مؤمناً ويصبح كافراً ، ويصبح مؤمناً ويمسي كافراً ! فمن أدرك ذلك منكم فليتق الله ، وليحرز دينه وليكن من أحلاس بيته » .
7 - فتنة كنز الكعبة وجبل الذهب في مجرى الفرات
روت مصادر السنيين أحاديث عديدة صحيحة ، عن نزاع يقع بين فئتين أو أكثر على كنز مدفون في بئر تحت الكعبة ، وأنه يكون على أثره ظهور المهدي عليه السلام .
كما رووا عن نزاع يقع على جبل من ذهب ينحسر عنه مجرى الفرات ، وقتال عليه بين فئات ولا يصلون اليه ، ويكون على أثره ظهور المهدي عليه السلام . ولم ترد في هذا رواية في مصادرنا .
وقد اختلطت أحاديث كنز الكعبة وكنز الفرات عند بعضهم . روى ابن ماجة : 2 / 1367 ، عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة ، ثم لا يصير إلى واحد منهم ، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلاً لم يقتله قوم ، ثم ذكر شيئاً لا أحفظه فقال : فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج فإنه خليفة الله المهدي » . وفي هامشه : « وفي الزوائد : هذا إسناد صحيح رجاله ثقات ، ورواه الحاكم في المستدرك « 4 / 463 » وقال : صحيح على شرط الشيخين . والروياني في مسنده / 123 ، عن ثوبان . وابن المنادي في الملاحم / 44 ، والبيهقي في دلائل النبوة : 6 / 515 ، والشافعي في البيان / 489 ، وصححه .
وقال الشافعي / 520 : حديث حسن المتن ، وقع إلينا عالياً من هذا الوجه بحمد الله وحسن توفيقه ، وفيه دليل على شرف المهدي عليه السلام بكونه خليفة الله في الأرض على لسان أصدق ولد آدم .
وقال السقاف في تناقضات الألباني : 1 / 43 : « ضعفه الألباني في تخريج مشكاة المصابيح : 3 / 1495 برقم 5429 فقال : بسند ضعيف . ثم وجدنا أنه تناقض حيث صححه في صحيحته : 2 / 415 ، حديث رقم 772 . ! ! انتهى .
ورواه ابن كثير في الفتن : 1 / 42 ، عن ابن ماجة وقال : « تفرد به ابن ماجة ، وهذا إسناد قوي صحيح ، والمراد بالكنز المذكور في هذا السياق كنز الكعبة يقتتل عنده ليأخذه ثلاثة من أولاد الخلفاء ، حتى يكون آخر الزمان ، فيخرج المهدي ويكون ظهوره من بلاد المشرق ، لا من سرداب سامراء كما يزعمه جهلة الرافضة » .
ملاحظات
1 - المتواتر عند الفريقين أن المهدي عليه السلام يظهر من مكة ، ولا بد أن يكون المقصود بظهوره من المشرق أن أمره يبدأ من المشرق كما ف ي روايتنا ، وذلك على يد أصحابه الممهدين الخراسانيين . وما ذكره ابن كثير عن ظهوره من سرداب سامراء لم يَدَّعِهِ جَهَلة الشيعة فضلاً عن علمائهم ، فهو من نبز خصومهم وافترائهم !
2 - ادعى الوهابيون المهدية لشخص من مدينة بريدة في نجد ، اسمه محمد بن عبد الله ، وأيد ذلك وباركه إمامهم ابن باز ، وأرسلوه إلى الشيشان لينطبق عليه أنه خرج من المشرق ، وأعرضوا عن الأحاديث الصحيحة التي تنص على خروجه من مكة ، وفسروا رايات خراسان التي تأتي لنصرته برايات الطالبان . وهذا غاية التعصب والإعراض عن الأحاديث الصحيحة عندهم !
3 - مما يتناقله أهل مكة أنه يوجد كنز للكعبة مدفون تحتها ، وقد روت كتب التاريخ والسيرة والحديث حوله روايات كثيرة ، ولا نعرف مدى صحة ذلك .
راجع : تاريخ الطبري : 2 / 36 ، وابن هشام : 1 / 124 ، وسبل الهدى للصالحي : 10 / 190
وحديث كنز الكعبة خارج عن موضوعنا لأنه لا ربط له صريحاً بالإمام المهدي عليه السلام ، كما لا يصح الأخذ به لأنه يوافق مزاعم كعب بأن الكعبة ستهدم !
أما حديث كنز الفرات وجبل الذهب فيه ، فرواه عبد الرزاق : 11 / 382 ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « يحسر الفرات عن جبل من ذهب ، فيقتتل الناس عليه ، فيقتل من كل مئة تسعون ، أو قال : تسعة وتسعون ، كلهم يرى أنه ينجو » . وفي ابن حماد : 1 / 57 ، عن عبد الله بن زرير الغافقي : سمعت علياً رضي الله عنه يقول : « الفتن أربع : فتنة السراء ، وفتنة الضراء ، وفتنة كذا ، فذكر معدن الذهب ، ثم يخرج رجل من عترة النبي يصلح الله على يديه أمرهم » .
ورواه السلمي في عقد الدرر / 57 ، عن ابن حماد ، والحاوي : 2 / 67 ، وصححه بشرط مسلم . ومثله جمع الجوامع : 2 / 30 . ونحوه ابن حماد : 1 / 239 ، وفيه : من ذهب وفضة ، فيقتل عليه من كل تسعة سبعة ، فإن أدركتموه فلا تقربوه . وفي رواية : تدوم الفتنة الرابعة اثنا عشر عاماً ، تنجلي حين تنجلي وقد أحسرت الفرات عن جبل من ذهب ، فيقتل عليه من كل تسعة سبعة . وفي رواية : الفتنة الرابعة ثمانية عشر عاماً ، ثم تنجلي حين تنجلي وقد انحسر . . . تكب عليه الأمة فيقتل علىه من كل تسعة سبعة . وأحمد : 2 / 261 .
وفي أحمد : 5 / 139 ، عن عبد الله بن الحرث قال : « وقفت أنا وأبي بن كعب في ظل أَجَمٍ حِسَان فقال لي أبي : ألا ترى الناس مختلفة أعناقهم في طلب الدنيا ؟ قال قلت : بلى ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : يوشك الفرات أن يحسر عن جبل من ذهب فإذا سمع به الناس ساروا إليه ، فيقول من عنده : والله لئن تركنا الناس يأخذون فيه ليذهبن ، فيقتتل الناس حتى يقتل من كل مائة تسعة وتسعون ! وقال : وهذا اللفظ حديث أبي عن عفان » .
ورواه بخاري : 9 / 73 ، كرواية أحمد ، وفيه : عن كنز من ذهب ، فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً . والحميدي : 3 / 98 ، عن أبي هريرة وفيه : « لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب ، يقتتل الناس عليه فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون » .
وروى ابن حماد : 1 / 239 ، عن كعب قال : « يكون ناحية الفرات في ناحية الشام أو بعدها بقليل مجتمع عظيم فيقتتلون على الأموال ، فيقتل من كل تسعة سبعة ، وذاك بعد الهدة والواهية في شهر رمضان ، وبعد افتراق ثلاث رايات يطلب كل واحد منهم الملك لنفسه فيهم رجل اسمه عبد الله » . انتهى .
أقول : وقت الصراع على كنز الفرات بقول كعب ، بعد النداء السماوي . لكن لا يمكننا الأخذ بأحاديث الصراع على كنز الفرات ، لأنه لم يثبت بنص صحيح عن أهل البيت عليهم السلام .
والحديث اليتيم في مصادرنا حول كنز الكعبة ، ما رواه الحميري في قرب الإسناد / 82 : عن الإمام الباقر عن آبائه عليهم السلام : « أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : تاركوا الحبشة ما تاركوكم ، فوالذي نفسي بيده لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين » .
ولا يمكن الأخذ به على قواعدنا لأنه موافق لما روته رواة السلطة . وقد رواه أحمد : 5 / 371 ، عن أبي أمامة عن رجل ، قال : « سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : اتركوا الحبشة ما تركوكم ، فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة » .
والنسائي : 9 / 176 ، وأبو داود : 2 / 316 ، والمستدرك : 4 / 453 وصححه .
8 - الفتنة التي تكون بعد موت الخامس من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله
روى ابن حماد : 1 / 117 ، حديثاً عجيباً ، لا يتم معناه إلا على مذهبنا ، قال : « حدثنا ابن أبي هريرة عن أبيه ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا مات الخامس من أهل بيتي فالهرج الهرج ، حتى يموت السابع ، ثم كذلك حتى يقوم المهدي . قال بلغني عن شريك أنه قال : هو ابن العَفَر ، يعني هارون وكان الخامس . ونحن نقول هو السابع ، والله أعلم » .
ورواه السيوطي في الحاوي : 2 / 83 ، وفيه : حتى يموت السابع قالوا : وما الهرج ؟ قال : القتل كذلك . وكنز العمال : 11 / 247 ، وفيه : حتى يموت السابع ، قالوا : وما الهرج ؟ قال : الفتن ، كذلك حتى يقوم المهدي » . انتهى .
أقول : طبَّق ابن حماد كثرة القتل بعد الخامس إلى أن يموت السابع ، على ملوك بني عباس ، فاعتبر السابع الرشيد المتوفى قبل المئتين ، ولذلك استبشر بقرب ظهور المهدي عليه السلام ! وقد توفي ابن حماد سنة 227 .
ولا يصح به معنى الحديث ، لأنه إن كان المقصود أنه لا يحكم من بني العباس أكثر من سبعة ، فقد حكم أكثر ، وإن أراد أن المهدي عليه السلام يظهر بعد السابع ، فلم يظهر !
كما لا يصح من جهة أخرى ، لأن النبي صلى الله عليه وآله قال : « مات الخامس من أهل بيتي » وبنو العباس ليسوا من أهل بيته ، فقد حددهم صلى الله عليه وآله بعلي وفاطمة والحسنين والأئمة من ذريتهما عليهم السلام . وقد روى أحمد : 4 / 107 : « اللهم هؤلاء أهل بيتي وأهل بيتي أحق » . وروى في : 6 / 323 : « قال لفاطمة إئتيني بزوجك وابنيك فجاءت بهم ، فألقى عليهم كساء فدكياً ، قال : ثم وضع يده عليهم ثم قال : اللهم إن هؤلاء آل محمد ، فاجعل صلواتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد إنك حميد مجيد . قالت أم سلمة : فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي وقال إنك على خير » . انتهى .
وعليه فلا بد أن يكون في الحديث سقطاً ، لأنه لا يصح إلا بالخامس والسابع من الأئمة الربانيين الاثني عشر من عترته عليهم السلام ، الذين بشر بهم ، وأولهم علي وخاتمهم المهدي عليهم السلام . فالحديث محرفٌ عن أحاديث مصادرنا الآتية .
9 - الفتنة في العقيدة بعد فقدان الخامس من ولد السابع
روى الخزاز كفاية الأثر / 156 ، عن محمد بن الحنفية قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : « سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ، في حديث طويل في فضل أهل البيت عليهم السلام : وسيكون بعدي فتنة صمَّاء صيْلم يسقط فيها كل وليجة وبطانة ، وذلك عند فقدان شيعتك الخامس من السابع من ولدك ، يحزن لفقده أهل الأرض والسماء ، فكم مؤمن ومؤمنة متأسف متلهف حيران عند فقده ! ثم أطرق ملياً ثم رفع رأسه ، وقال : بأبي وأمي سميي وشبيهي وشبيه موسى بن عمران عليه جيوب النور « أو قال جلابيب النور » تتوقد من شعاع القدس !
كأني بهم آيس ما كانوا ثمَّ نودي بنداء يسمع من البعد كما يسمع من القرب ، يكون رحمة على المؤمنين وعذاباً على المنافقين . قلت : وما ذلك النداء ؟ قال : ثلاثة أصوات في رجب أولها : ألا لعنة الله على الظالمين ، والثاني : أزفت الأزفة ، والثالث : ترون بدرياً بارزاً مع قرن الشمس ، ينادي : ألا إن الله قد بعث فلان بن فلان حتى ينسبه إلى علي عليه السلام ، فيه هلاك الظالمين ، فعند ذلك يأتي الفرج ويشفي الله صدورهم ويذهب غيظ قلوبهم . قلت : يا رسول الله ، فكم يكون بعدي من الأئمة ؟ قال : بعد الحسين تسعة والتاسع قائمهم » .
ومعنى الحديث : أن الناس سيفقدون الإمام الخامس بعد السابع من عترة النبي صلى الله عليه وآله ، وهو الإمام المهدي بن الحسن العسكري عليه السلام ، ويبتلى المؤمنون بفتنة غيبة إمامهم عليه السلام ، ويسقط في الفتنة من لا بصيرة له في دينه ، ولا يثبت على القول بولادته وغيابه إلا القليل ، المتلهفون لفقده المؤمنون به مهما طال الزمان .
لاحظ قوله صلى الله عليه وآله : « وسيكون بعدي فتنة صماء صيلم يسقط فيها كل وليجة وبطانة ، وذلك عند فقدان شيعتك الخامس من السابع من ولدك ، يحزن لفقده أهل الأرض والسماء ، فكم مؤمن ومؤمنة متأسف متلهف حيران عند فقده » .
وروت مصادرنا أحاديث أخرى صحيحةً بمعناه ، منها ما رواه الخزار رحمه الله في كفاية الأثر / 147 ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى : قال علي عليه السلام : كنت عند النبي صلى الله عليه وآله في بيت أم سلمة إذ دخل علينا جماعة من أصحابه ، منهم سلمان وأبو ذر والمقداد وعبد الرحمن بن عوف ، فقال سلمان : يا رسول الله إن لكل نبي وصياً وسبطين فمن وصيك وسبطاك ؟ فأطرق ساعة ثم قال : يا سلمان إن الله بعث أربعة آلاف نبي وكان لهم أربعة آلاف وصي وثمانية آلاف سبط ، فوالذي نفسي بيده لأنا خير الأنبياء ووصيي خير الأوصياء ، وسبطاي خير الأسباط . في حديث طويل عدَّد فيه النبي صلى الله عليه وآله الأئمة من أهل بيته ، ثم قال : « ثم يغيب عنهم إمامهم ما شاء الله ، ويكون له غيبتان إحداهما أطول من الأخرى . ثم التفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال رافعاً صوته : الحذر إذا فقد الخامس من ولد السابع من ولدي ! قال علي : فقلت : يا رسول الله فما تكون هذه الغيبة ؟ قال : الصمت حتى يأذن الله له بالخروج فيخرج من اليمن من قرية يقال لها أكرعة على رأسه غمامة ، متدرع بدرعي متقلد بسيفي ذي الفقار ، ومناد ينادي هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، ذلك عندما تصير الدنيا هرجاً ومرجاً يَغار بضعهم على بعض ، فلا الكبير يرحم الصغير ولا القوي يرحم الضعيف ، فحينئذ يأذن الله له بالخروج » .
ملاحظات
1 - المتفق عليه في مصادر الجميع أن عدد الأنبياء عليهم السلام مئة وأربع وعشرون ألفاً ، وعدد الرسل منهم ثلاث مئة وستون ، وفي رواية ثلاث مئة وثلاثة عشر . وعندنا أن لكل نبي وصياً ، والأربعة آلاف نبي عليهم السلام قد يكونون كبار الأنبياء ، ولكل واحد منهم وصي وسبطان .
2 - وردت في مصادرنا أحاديث صحيحة السند عن أئمة أهل البيت عليهم السلام حول اليماني الذي يظهر قبل الإمام المهدي عليه السلام ، ويكون من خاصة أنصاره . أما المصادر السنية فنصوصها في اليماني أو القحطاني متعارضة منتاقضة .
10 - تربية الشيعة على مواجهة الفتن وانتظار الإمام المهدي عليه السلام
كفاية الأثر / 260 ، عن مسعدة قال : « كنت عند الصادق عليه السلام إذ أتاه شيخ كبير قد انحنى متكئاً على عصاه ، فسلم فرد أبو عبد الله عليه السلام الجواب ، ثم قال : يا ابن رسول الله ناولني يدك أقبلها ، فأعطاه يده فقبلها ثم بكى ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : ما يبكيك يا شيخ ؟ قال : جعلت فداك أقمت على قائمكم منذ مائة سنة أقول هذا الشهر وهذه السنة ، وقد كبرت سني ودق عظمي واقترب أجلي ، ولا أرى ما أحب ، أراكم مقتلين مشردين ، وأرى عدوكم يطيرون بالأجنحة ، فكيف لا أبكي ! فدمعت عينا أبي عبد الله عليه السلام ثم قال : يا شيخ إن أبقاك الله حتى ترى قائمنا كنت معنا في السنام الأعلى ، وإن حلت بك المنية جئت يوم القيامة مع ثقل محمد ونحن ثقله ، قال صلى الله عليه وآله : إني مخلف فيكم الثقلين فتمسكوا بهما لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي . فقال الشيخ : لا أبالي بعد ما سمعت هذا الخبر .
قال : يا شيخ ، إن قائمنا يخرج من صلب الحسن « أي العسكري » والحسن يخرج من صلب علي ، وعلي يخرج من صلب محمد ، ومحمد يخرج من صلب علي ، وعلي يخرج من صلب ابني هذا ، وأشار إلى موسى عليه السلام ، وهذا خرج من صلبي . نحن اثنا عشر كلنا معصومون مطهرون .
فقال الشيخ : يا سيدي بعضكم أفضل من بعض ؟ قال : لا ، نحن في الفضل سواء ، ولكن بعضنا أعلم من بعض . ثم قال : يا شيخ ، والله لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج قائمنا أهل البيت ، ألا وإن شيعتنا يقعون في فتنة وحيرة في غيبته ، هناك يثبت الله على هداه المخلصين ، اللهم أعنهم على ذلك » .
وروى نحوه في أمالي الطوسي / 161 ، وفيه : « ثم قال يا شيخ ما أحسبك من أهل الكوفة ؟ قال : لا ، قال : فمن أين ؟ قال : من سوادها جعلت فداك . قال : أين أنت من قبر جدي المظلوم الحسين عليه السلام ؟ قال : إني لقريب منه . قال : كيف إتيانك له ؟ قال : إني لآتيه وأكثر . قال عليه السلام : يا شيخ دمٌ يطلب الله تعالى به . وما أصيب ولد فاطمة ولا يصابون بمثل الحسين عليه السلام . ولقد قتل في سبعة عشر من أهل بيته نصحوا لله وصبروا في جنب الله ، فجزاهم الله أحسن جزاء الصابرين . إنه إذا كان يوم القيامة أقبل رسول الله ومعه الحسين ، ويده على رأسه تقطر دماً فيقول : يا رب سل أمتي فيمَ قتلوا ولدي ! » .
وفي كمال الدين : 2 / 510 ، خرج « توقيع » إلى العمري وابنه رضي الله عنهما ، رواه سعد بن عبد الله قال : قال الشيخ أبو عبد الله جعفر رضي الله عنه وجدته مثبتاً عنه رحمه الله : وفقكما الله لطاعته وثبتكما على دينه وأسعدكما بمرضاته . انتهى إلينا ما ذكرتما أن الميثمي أخبركما عن المختار ومناظراته من لقي ، واحتجاجه بأنه لا خلف غير جعفر بن علي وتصديقه إياه ، وفهمت جميع ما كتبتما به مما قال أصحابكما عنه ، وأنا أعوذ بالله من العمى بعد الجلاء ، ومن الضلالة بعد الهدى ، ومن موبقات الأعمال ومرديات الفتن ، فإنه عز وجل يقول : ألم . أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ . كيف يتساقطون في الفتنة ، ويترددون في الحيرة ، ويأخذون يميناً وشمالاً ، فارقوا دينهم أم ارتابوا أم عاندوا الحق ، أم جهلوا ما جاءت به الروايات الصادقة والأخبار الصحيحة ؟ ! أو علموا ذلك فتناسوا ؟ ما يعلمون أن الأرض لا تخلو من حجة ، إما ظاهراً وإما خائفاً مغموراً ؟ ! أولم يعلموا انتظام أئمتهم بعد نبيهم صلى الله عليه وآله واحداً بعد واحد ، إلى أن أفضى الأمر بأمر الله عز وجل إلى الماضي ، يعني الحسن بن علي عليه السلام ، فقام مقام آبائه عليهم السلام يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ! كان نوراً ساطعاً ، وشهاباً لامعاً ، وقمراً زاهراً ، ثم اختار الله عز وجل له ما عنده فمضى على منهاج آبائه عليهم السلام حذو النعل بالنعل على عهد عهده ، ووصية أوصى بها إلى وصي ستره الله عز وجل بأمره إلى غاية ، وأخفى مكانه بمشيئة للقضاء السابق والقدر النافذ ، وفينا موضعه ولنا فضله ، ولو قد أذن الله عز وجل فيما قد منعه عنه ، وأزال عنه ما قد جرى به من حكمه ، لأراهم الحق ظاهراً بأحسن حلية ، وأبين دلالة ، وأوضح علامة ، ولأبان عن نفسه ، وقام بحجته . ولكن أقدار الله عز وجل لا تغالب ، وإرادته لا ترد ، وتوفيقه لا يسبق ، فليَدعوا عنهم اتباع الهوى ، وليقيموا على أصلهم الذي كانوا عليه ، ولا يبحثوا عما سترعنهم فيأثموا ، ولا يكشفوا ستر الله عز وجل فيندموا ، وليعلموا أن الحق معنا وفينا ، لا يقول ذلك سوانا إلا كذاب مفتر ، ولا يدعيه غيرنا إلا ضال غوي . فليقتصروا منا على هذه الجملة دون التفسير ، ويقنعوا من ذلك بالتعريض دون التصريح ، إن شاء الله » .
11 - فتنة بلاد الشام الموعودة قبل ظهور المهدي عليه السلام
عبد الرزاق : 11 / 361 : « تكون فتنة بالشام ، كأن أولها لعب الصبيان ، تطفو من جانب وتسكن من جانب ، فلا تتناهى حتى ينادي مناد : إن الأمير فلان . وقال : فيُقَلِّبُ ابن المسيب يديه حتى أنهما لتنتفضان ، ثم يقول : ذاكم الأمير حقاً ذاكم الأمير حقاً » .
وفي ابن حماد : 1 / 338 : « ولا تكون لهم جماعة حتى ينادي مناد من السماء عليكم بفلان وتطلع كف تشير . . عن المغيرة بن عبد الرحمن عن أمه وكانت قديمة : قال : قلت لها في فتنة ابن الزبير : إن هذه الفتنة يهلك فيها الناس ؟ فقالت : كلا يا بنيَّ ولكن بعدها فتنة يهلك فيها الناس ولا يستقيم أمرهم حتى ينادي مناد من السماء عليكم بفلان » .
12 - شدة الفتنة قبل ظهور المهدي عليه السلام وحدث يكون في الحجاز
ذكرت أحاديث الطرفين فتنة تكون في الحجاز ، حيث يموت حاكمهم ويختلفون بعده على السلطة ، وينتهي ملك السنين ، ويكون ملك الشهور والأيام ، ولا يجتمع أمرهم على أحد ، فيبحث الناس عن الإمام عليه السلام ويطلبون منه أن يقبل بيعتهم ، وسيأتي ذلك في فصل الحجاز .
13 - نصوص كثيرة تشبه الأحاديث وليست بها
وكلها تصف فتنة تتصل بظهور الإمام المهدي عليه السلام ، كالذي رواه عبد الرزاق : 11 / 372 ، عن أبي الجلد قال : « تكون فتنة ثم تتبعها أخرى ، لا تكون الأولى في الآخرة إلا كثمرة السوط تتبعه ذباب السيف ، ثم تكون فتنة فلا يبقى لله محرم إلا استحل ، ثم يجتمع الناس على خيرهم رجلاً ، تأتيه إمارته هنيئاً وهو في بيته » .
وعنه ابن حماد : 1 / 344 ، وابن أبي شيبة : 8 / 702 ، وفيه : « ثم تأتي الخلافة خير أهل الأرض وهو قاعد في بيته هنياً » . وثمرة السوط : طرفه من أسفله . وذباب السيف : طرفه الذي يضرب به ، والمقصود تفاقم الفتن من الشديد إلى الأشد .
وفي القول المختصر / 70 : « لا يخرج حتى تكون قبله فتنة تستحل فيها المحارم كلها ، ثم تأتيه الخلافة وهو قاعد في بيته ، وهو خير أهل الأرض » .
وفي ملاحم ابن طاووس / 121 ، من كتاب الفتن للسليلي ، عن عبد الله بن عمر قال : « تكون فتنة يقال لها السبيطة قتلاها في النار ، فقلت : وهما مسلمان ؟ قال : وهما مسلمان ، قلت : وهما مسلمان ! قال : وهما مسلمان ، قلت : لمَ ؟ قال : لأنهم تغالبوا على أمر الدنيا ولم يتغالبوا على أمر الله ، فقلت قد كان ذلك . قال : متى لله أبوك ؟ فقلت فتنة عثمان . قال : كلا والذي بعث محمداً بالحق حتى يدخل على العرب كلهم حجرها وحتى يأتي الرجل القبر فيقول : يا ليتني كنت مكانك ! وحتى تملأ الأرض ظلماً وجوراً ! قلت ثم مَهْ ؟ قال : ثم يبعث الله رجلاً يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، يعيش بضع سنين ، فقلت : وما البضع ؟ قال : زعم أهل الكتاب أنه تسع أو سبع » . والجمع بين الصحيحين : 3 / 203 ، عن أبي هريرة . والسبيطة : الطويلة ، ولعلها من السباطة أي الكناسة ، شبهت بها لاجتماع الصفات السيئة فيها . وقد تكون السبيتة من السبت والسكون ، لاستقرارها ودوامها .
وفي الداني / 95 ، والسنن / 1042 ، عن قتادة قال : « يجاء إلى المهدي وهو في بيته والناس في فتنة تهراق فيها الدماء ، فيقال له : قم علينا فيأبى حتى يُخَوَّف القتل ، فإذا خُوِّفَ بالقتل قام عليهم فلا يهراق في سببه محجمة دم .
وقد فسرت الأحاديث التخويف بالقتل في هذا الحديث وغيره بالتخويف بانكشاف أمره عليه السلام قرب مجيء جيش السفياني ، لا أن الذين يريدونه للبيعة يخوفونه بالقتل .
الاكثر قراءة في قضايا عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة