1 - عقيدة الدجال في أحاديث أهل البيت عليهم السلام
1 . أولها أن الدجال عندنا يهودي يقوم بحركة عالمية ضد الإمام المهدي عليه السلام بعد ظهوره وإقامته دولته العالمية ونزول عيسى عليه السلام . وأتباع الدجال يهود ونواصب ، ويظهر أنه يستفيد من تطور العلوم يومها ، ويستعمل الدجل والشعبذة .
وفي كمال الدين / 528 ، عن ابن عمر : « أكثر أتباعه اليهود والنساء والأعراب » .
2 . لا وجود في أحاديثنا لمخاريق الدجال ، التي امتلأت بها مصادر غيرنا .
3 . جعل كعب الأحبار خروج الدجال بعد فتح القسطنطينية مباشرة ، وجعل قيام الساعة بعده ! ورفضت ذلك مصادرنا ، لأن دولة العدل الإلهي تستمر طويلاً .
4 . الدجال في مصادرنا آخر الطواغيت وآخر أئمة الضلال ، ففي الكافي : 8 / 296 ، عن الإمام الباقر عليه السلام ، من حديث : « وإنه ليس من أحد يدعو إلى أن يخرج الدجال ، إلا سيجد من يبايعه . ومن رفع راية ضلالة فصاحبها طاغوت » .
وعن علي عليه السلام قال : « سلوني قبل أن تفقدوني ، فوالله لا تسألوني عن فئة تهدي مائة ، إلا أخبرتكم بسائقها وناعقها ، حتى يخرج الدجال » . « البصائر / 317 » .
فتعبير : إلى أن يخرج الدجال ، أو حتى يخرج ، يدل على أنه آخر الطواغيت .
5 . عامة أعداء أهل البيت عليهم السلام أتباع الدجال ، ففي أمالي الطوسي : 1 / 59 ، عن رافع مولى أبي ذر قال : « رأيت أبا ذر رحمه الله آخذاً بحلقة باب الكعبة ، مستقبل الناس بوجهه وهو يقول : من عرفني فأنا جندب الغفاري ، ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر الغفاري ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : من قاتلني في الأولى ، وقاتل أهل بيتي في الثانية ، حشره الله تعالى في الثالثة مع الدجال . إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ، ومثل باب حطة من دخله نجا ، ومن لم يدخله هلك » . ونحوه أمالي الطوسي : 2 / 74 ، والكشي 1 / 115 .
وروت نحوه مصادر السنيين بدون ذكر الدجال ، كمسند الشهاب : 2 / 273 ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي ذر . والطبراني الصغير : 1 / 139 ، وفيه : مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح في قوم نوح ، من ركبها نجا ، ومثل باب حطة في بني إسرائيل . والحاكم : 3 / 150 ، وفيه : عن حنش الكناني قال : سمعت أبا ذر رضي الله عنه يقول وهو آخذ بباب الكعبة : من عرفني فأنا من عرفني ، ومن أنكرني فأنا أبو ذر . . . ورواه ابن المغازلي / 68 و / 134 ، والشجري : 1 / 151 ، وميزان الإعتدال : 1 / 482 ، ومقتل الخوارزمي : 1 / 104 ، وكشف الهيثمي : 3 / 222 ، كلها كمسند الشهاب . والزوائد : 9 / 168 .
وفي المحاسن 1 / 90 ، عن الإمام الصادق عليه السلام : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يهودياً . قيل : يا رسول الله وإن شهد الشهادتين ! قال : نعم إنما احتجب بهاتين الكلمتين عن سفك دمه ، أو يؤدي الجزية وهو صاغر . ثم قال : من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يهودياً ! قيل : وكيف يا رسول الله ؟ قال : إن أدرك الدجال آمن به » .
وفي رجال الكشي : 2 / 697 ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : خلق الله الأرواح قبل الأجساد بألفي عام ثم أسكنها الهواء ، فما تعارف منها ائتلف هاهنا ، وما تناكر منها ثَمَّ اختلف هاهنا ، ومن كذب علينا أهل البيت حشره الله يوم القيامة أعمى يهودياً ، وإن أدرك الدجال آمن به ، وإن لم يدركه آمن به في قبره » .
وفي مشارق أنوار اليقين / 52 : « عن أبي سعيد ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أيها الناس من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يهودياً لا ينفعه إسلامه ، وإن أدرك الدجال آمن به ، وإن مات بعثه الله من قبره حتى يؤمن به » .
ورواه البسوي في المعرفة والتاريخ / 833 ، عن حذيفة ، وفي نسخته تصحيف . ومعنى ذلك أن النواصب سيكونون حلفاء اليهود وأتباعهم في زمن المهدي عليه السلام !
6 . وروينا تحريم المدينة على الدجال ، ورووا شبيهاً به ، ففي من لا يحضره الفقيه : 2 / 564 : « وروي أن الصادق عليه السلام ذكر الدجال فقال : لا يبقى منها سهل إلا وطأه إلا مكة والمدينة ، فإن على كل نقب من أنقابها ملكاً يحفظهما من الطاعون والدجال » .
لكنا لم نرو استثناءاتهم ، التي نقضوا بها ذلك وجعلوا الدجال يدخل المدينة !
7 . توجد رواية مرسلة قد يفهم منها أن الدجال يفتك بأهل البصرة ، ففي شرح النهج لابن ميثم البحراني : 1 / 289 ، أن علياً عليه السلام : « لما فرغ من حرب أهل الجمل أمر منادياً ينادي في أهل البصرة أن الصلاة جامعة لثلاثة أيام من غد إن شاء الله ، ولا عذر لمن تخلف إلا من حجة أو علة ، فلا تجعلوا على أنفسكم سبيلاً ، فلما كان في اليوم الذي اجتمعوا فيه خرج فصلى في الناس الغداة في المسجد الجامع ، فلما قضى صلاته ، قام فأسند ظهره إلى حائط القبلة عن يمين المصلي ، فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، وصلى على النبي صلى الله عليه وآله واستغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ، ثم قال : يا أهل المؤتفكة ، ائتفكت بأهلها ثلاثاً وعلى الله تمام الرابعة ، يا جند المرأة وأعوان البهيمة ، رغا فأجبتم وعقر فهربتم ، أخلاقكم دقاق وماؤكم زعاق ، بلادكم أنتن بلاد الله تربة ، وأبعدها من السماء ، بها تسعة أعشار الشر ، المحتبس فيها بذنبه ، والخارج منها بعفو الله ، كأني أنظر إلى قريتكم هذه وقد طبقها الماء حتى ما يرى منها إلا شرف المسجد ، كأنه جؤجؤ طير في لجة بحر !
فقام إليه الأحنف بن قيس فقال : يا أمير المؤمنين ومتى يكون ذلك ؟
قال : يا أبا بحر إنك لن تدرك ذلك الزمان ، وإن بينك وبينه لقروناً ، ولكن ليبلغ الشاهد منكم الغائب عنكم ، لكي يبلغوا إخوانهم إذا هم رأوا البصرة قد تحولت أخصاصها دوراً وآجامها قصوراً ، فالهرب الهرب ، فإنه لا بُصَيْرَةَ لكم يومئذ ! ثم التفت عن يمينه فقال : كم بينكم وبين الأبلة ؟ فقال له المنذر بن الجارود : فداك أبي وأمي ، أربعة فراسخ . قال له : صدقت فوالذي بعث محمداً وأكرمه بالنبوة وخصه بالرسالة وعجل بروحه إلى الجنة ، لقد سمعت منه كما تسمعون مني أن قال : يا علي هل علمت أن بين التي تسمى البصرة والتي تسمى الأبلة أربعة فراسخ ، وقد يكون في التي تسمى الأبُلَّة موضع أصحاب العشور ، يقتل في ذلك الموضع من أمتي سبعون ألفاً ، شهيدهم يومئذ بمنزلة شهداء بدر !
فقال له المنذر : يا أمير المؤمنين ومن يقتلهم فداك أبي وأمي ؟ قال : يقتلهم إخوان الجن ، وهم جيل كأنهم الشياطين ، سود ألوانهم ، منتنة أرواحهم ، شديد كَلَبُهم ، قليل سلبهم ، طوبى لمن قتلهم ، وطوبى لمن قتلوه ، ينفر لجهادهم في ذلك الزمان قوم هم أذلة عند المتكبرين من أهل ذلك الزمان ، مجهولون في الأرض معروفون في السماء ، تبكي السماء عليهم وسكانها والأرض وسكانها ، ثم هملت عيناه بالبكاء ، ثم قال : ويحك يا بصرة من جيش لارهَجَ له ولا حس ! قال له المنذر : يا أمير المؤمنين وما الذي يصيبهم من قبل الغرق مما ذكرت ، وما الويح ، وما الويل ؟ فقال : هما بابان ، فالويح باب الرحمة والويل باب العذاب .
يا ابن الجارود ، نعم ، ثارات عظيمة منها عصبة يقتل بعضها بعضاً ، ومنها فتنة تكون بها خراب منازل ، وخراب ديار ، وانتهاك أموال ، وقتل رجال ، وسبي نساء يذبحن ذبحاً ، يا ويل أمرهن حديث عجب ، منها أن يستحل بها الدجال الأكبر الأعور الممسوح العين اليمنى والأخرى كأنها ممزوجة بالدم لكأنها في الحمرة علقة ، ناتئ الحدقة كهيئة حبة العنب الطافية على الماء ، فيتبعه من أهلها عدة من قتل بالأبلة من الشهداء ، أناجيلهم في صدورهم ، يقتل من يقتل ويهرب من يهرب . ثم رجف ثم قذف ، ثم خسف ، ثم مسخ ، ثم الجوع الأغبر ، ثم الموت الأحمر وهو الغرق .
يا منذر ، إن للبصرة ثلاثة أسماء سوى البصرة في الزبر الأول ، لا يعلمها إلا العلماء منها الخريبة ، ومنها تدمر ، ومنها المؤتفكة . يا منذر ، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، لو أشاء لأخبرتكم بخراب العرصات ، عرصة عرصة ، ومتى تخرب ومتى تعمر بعد خرابها إلى يوم القيامة ، وإن عندي من ذلك علماً جماً ، وإن تسألوني تجدوني به عالماً ، لا أخطئ منه علماً .
قال : فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين أخبرني من أهل الجماعة ومن أهل الفرقة ، ومن أهل السنة ، ومن أهل البدعة ؟ فقال : ويحك إذا سألتني فافهم عني ولا عليك أن لا تسأل أحداً بعدي : أما أهل الجماعة فأنا ومن اتبعني وإن قلوا ، وذلك الحق عن أمر الله وأمر رسوله ، وأما أهل الفرقة فالمخالفون لي ولمن اتبعني وإن كثروا ! وأما أهل السنة فالمتمسكون بما سنه الله ورسوله صلى الله عليه وآله لا العاملون برأيهم وأهوائهم وإن كثروا » .
لكنها خطبة مرسلة ، لا يمكن الأخذ بها ، ما عدا القسم الأول إلى قوله عليه السلام : « كأنه جؤجؤ طير في لجة بحر » لأن المؤرخين رووه ، ورواه ابن أبي الحديد ، وابن منظور .
ثم إن الفقرة التي ذكرت الدجال فيها مبهمة وهي : « يستحل بها الدجال الأكبر الأعور الممسوح العين اليمنى . . » فلعل المقصود دجال حركة الزنج التي وصفها الإمام عليه السلام في مطلع الخطبة ، وقد تحققت وانطبقت عليه أوصافه : « سودٌ ألوانهم منتنة أرواحهم ، أي رائحتهم ، شديد كَلَبُهم ، قليل سلبهم ، طوبى لمن قتلهم » .
8 . وصح عندنا أن بداية حركة الدجال من بلخ ، في أفغانستان ، ففي البصائر / 141 ، أن رجلاً من أهل بلخ دخل على الإمام الباقر عليه السلام فقال له : « ياخراساني تعرف وادي كذا وكذا ؟ قال : نعم قال له : تعرف صدعاً في الوادي من صفته كذا وكذا ؟ قال : نعم ، قال : من ذلك يخرج الدجال ! في حديث طويل جاء فيه : « وخروج رجل من ولد الحسين بن علي ، وظهور الدجال يخرج بالمشرق من سجستان ، وظهور السفياني » .
ومعناه أن حركته تبدأ من قرى ذلك الوادي .
9 . وروينا أن الذي يقتل الدجال هو الإمام المهدي عليه السلام ، ويساعده نبي الله عيسى عليه السلام ففي كمال الدين : 2 / 335 ، عن المفضل : قال الصادق جعفر بن محمد عليه السلام : « إن الله تبارك وتعالى خلق أربعة عشر نوراً قبل خلق الخلق بأربعة عشر ألف عام ، فهي أرواحنا ، فقيل له : يا ابن رسول الله ، ومن الأربعة عشر ؟ فقال : محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولد الحسين ، آخرهم القائم الذي يقوم بعد غيبته فيقتل الدجال ، ويطهر الأرض من كل جور وظلم » .
وفي منتخب الأثر للشيخ الصافي / 172 ، عن الكامل في السقيفة لعماد الدين الطبري ، عن الإمام زين العابدين عليه السلام قال : « إن الله تعالى أعطانا الحلم والعلم والشجاعة والسخاوة والمحبة في قلوب المؤمنين ، ومنا رسول الله ووصيه ، وسيد الشهداء ، وجعفر الطيار في الجنة ، وسبطا هذه الأمة ، والمهدي الذي يقتل الدجال » .
10 . وروينا أن المسيح يساعد المهدي عليه السلام على الدجال ، ففي أمالي الصدوق / 224 ، عن حماد ، عن عبد الله بن سليمان ، وكان قارئاً للكتب ، قال : « قرأت في الإنجيل : يا عيسى جِدَّ في أمري ولا تهزل ، واسمع وأطع ، يا ابن الطاهرة الطهر البكر البتول ، أتيتَ من غير فَحْل ، أنا خلقتك آية للعالمين ، فإياي فاعبد وعليَّ فتوكل . خذ الكتاب بقوة . فَسِّرْ لأهل سوريا بالسريانية . بَلِّغْ من بين يديك أني أنا الله الدائم الذي لا أزول . صدقوا النبي الأمي صاحب الجمل والمدرعة والتاج والنعلين والهراوة ، الأنجل العينين ، الصلت الجبين ، الواضح الخدين ، الأقنى الأنف ، المفلج الثنايا . . ذو النسل القليل ، إنما نسله من مباركة لها بيت في الجنة لا صخب فيه ولا نصب ، يكفلها في آخر الزمان كما كفل زكريا أمك ، لها فرخان مستشهدان . كلامه القرآن ، ودينه الإسلام ، وأنا السلام . طوبى لمن أدرك زمانه ، وشهد أيامه وسمع كلامه . قال عيسى : يا رب وما طوبى ؟ قال : شجرة في الجنة أنا غرستها ، تُظِلُّ الجنان ، أصلها من رضوان ، ماؤها من تسنيم ، برده برد الكافور ، وطعمه الزنجبيل ، من يشرب من تلك العين شربةً لا يظمأ بعدها أبداً . فقال عيسى : اللهم اسقني منها . قال : حرام يا عيسى على البشر أن يشربوا منها حتى يشرب ذلك النبي ، وحرام على الأمم أن يشربوا منها حتى تشرب أمة ذلك النبي . أرفعك إليَّ ثم أهبطك في آخر الزمان ، لترى من أمة ذلك النبي العجائب ، ولتعينهم على اللعين الدجال ، أهبطك في وقت الصلاة لتصلي معهم . إنهم أمة مرحومة » .
11 . وروينا أن الحياة تستمر بعد الدجال ، رداً على الذين زعموا أن يأجوج ومأجوج يأتون بعده ، ثم تنتهي الحياة وتقوم القيامة ! ففي الكافي : 5 / 260 ، عن سيابة أن رجلاً سأل الصادق عليه السلام فقال : « جعلت فداك أسمع قوماً يقولون إن الزراعة مكروهة ! فقال له : إزرعوا واغرسوا ، فلا والله ما عمل الناس عملاً أحل ولا أطيب منه ، والله ليزرعن الزرع وليُغْرَسَنَّ النخلُ بعد خروج الدجال » .
12 . وجاء في بعض رواياتنا ، ما يوافق رواياتهم الكثيرة من أن الدجال من علامات القيامة ، لكن بعض أسانيدها يلتقي بأسانيدهم التي لا تصح عندنا ، فلا نقول بصحتها ، ولا بترتيب علامات القيامة التي ذكرت فيها .
من ذلك ما في غيبة الطوسي / 267 ، عن علي عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « عشر قبل الساعة لا بد منها : السفياني ، والدجال ، والدخان ، والدابة ، وخروج القائم ، وطلوع الشمس من مغربها ، ونزول عيسى ، وخسف بالمشرق ، وخسف بجزيرة العرب ، ونار تخرج من قعر عدن ، تسوق الناس إلى المحشر » .
والظاهر أن مقصوده صلى الله عليه وآله أنه لا قيامة قبل هذه الأمور ، لا أنها علاماتها بالترتيب .
13 . ووصفت رواياتنا المنافق في تشيعه بأنه أضر على الشيعة من الدجال ، ففي صفات الشيعة للصدوق / 14 ، عن الإمام الرضا عليه السلام قال : « إن ممن يتخذ مودتنا أهل البيت لَمَنْ هو أشد فتنة على شيعتنا من الدجال ! فقلت : يا ابن رسول الله بماذا ؟ قال : بموالاة أعدائنا ومعاداة أوليائنا ! إنه إذا كان كذلك ، اختلط الحق بالباطل واشتبه الأمر ، فلم يعرف مؤمن من منافق » .
كما وصفت الكذابين بأنهم مهيؤون ليتبعوا الدجال ! ففي كتاب سليم / 405 ، عن أمير المؤمنين عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله قال : « إحذروا على دينكم ثلاثة رجال : رجل قرأ القرآن حتى إذا رأى عليه بهجته ، كاد الإيمان ، واخترط سيفه على أخيه المسلم ورماه بالشرك . قلت : يا رسول الله ، أيهما أولى بالشرك ؟ قال : الرامي به منهما .
ورجل استخفته الأحاديث ، كلما انقطعت أحدوثة كذب مثلها أطول منها ، إن يدرك الدجال يتبعه . ورجل آتاه الله عز وجل سلطانا فزعم أن طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله ، وكذب ، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، لا طاعة لمن عصى الله ، إنما الطاعة لله ولرسوله ولولاة الأمر الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه فقال : أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ، لأن الله إنما أمر بطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله لأنه معصوم مطهر لا يأمر بمعصية الله ، وإنما أمر بطاعة أولي الأمر لأنهم معصومون مطهرون لا يأمرون بمعصية الله » . وروى ابن حماد : 2 / 520 بعضه ، وفيه : « كلما وضع أحدوثة كذب وانقطعت ، مدها بأطول منها ، إن يدرك الدجال يتبعه » .
14 . وروينا أن أشر الناس أئمة الضلال وهم اثنا عشر ، ستة من الأولين ، وستة من الآخرين أحدهم الدجال ، ففي الخصال / 457 عن النبي صلى الله عليه وآله : « اثنا عشر ، ستة من الأولين وستة من الآخرين ، ثم سمى الستة من الأولين : ابن آدم الذي قتل أخاه ، وفرعون ، وهامان ، وقارون والسامري ، والدجال ، اسمه في الأولين ، ويخرج في الآخرين » .
وفي كتاب سليم رحمه الله / 161 عن علي عليه السلام : « فسألت رسول الله صلى الله عليه وآله عنهم وأنتم شهود ، فقال : أما الأولون فابن آدم الذي قتل أخاه ، وفرعون الفراعنة ، والذي حاج إبراهيم في ربه ، ورجلان من بني إسرائيل بدَّلا كتابهم وغيَّرا سنتهم ، أما أحدهما فهوَّدَ اليهود ، والآخر نَصَّرَ النصارى . وإبليس سادسهم . وفي الآخرين الدجال » .
2 - عقيدة اليهود في الدجال !
1 . الدجال هو المهدي الموعود عند اليهود : قال المناوي في فيض القدير : 3 / 718 : « قال البسطامي : الدجال مهدي اليهود ، ينتظرونه كما ينتظر المؤمنون المهدي ! ونقل عن كعب الأحبار أنه رجل طويل عريض الصدر ، مطموسٌ ، يدعي الربوبية ، معه جبل من خبز ، وجبل من أجناس الفواكه ، وأرباب الملاهي جميعاً يضربون بين يديه بالطبول والعيدان والمعازف والنايات ، فلا يسمعه أحد إلا تبعه ، إلا من عصمه الله ! قال : ومن أمارات خروجه تهب ريح كريح قوم عاد ويسمعون صيحة عظيمة ، وذلك عند ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وكثرة الزنا ، وسفك الدماء ، وركون العلماء إلى الظلمة ، والتردد إلى أبواب الملوك .
ويخرج من ناحية المشرق من قرية تسمى دسر أبادين ، ومدينة الهوازن ، ومدينة أصبهان ، ويخرج على حمار ، وهو يتناول السحاب بيده ويخوض البحر إلى كعبيه ، ويستظل في أذن حماره خلق كثير ، ويمكث في الأرض أربعين يوماً ، ثم تطلع الشمس يوماً حمراء ، ويوماً صفراء ، ويوماً سوداء ، ثم يصل المهدي وعسكره إلى الدجال ، فيلقاه فيقتل من أصحابه ثلاثين ألفاً ، فينهزم الدجال ، ثم يهبط عيسى إلى الأرض ، وهو متعمم بعمامة خضراء ، متقلد بسيف ، راكب على فرسه ، وبيده حربة ، فيأتي إليه فيطعنه بها فيقتله » . انتهى .
2 . وسَمَّوْه : ملك آخر الزمان ! « أخرج ابن المنذر ، عن ابن جريج في قوله تعالى : لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ، قالوا : يكون منا ملك في آخر الزمان : البحر إلى ركبتيه والسحاب دون رأسه ، يأخذ الطير بين السماء والأرض ، معه جبل خبز ونهر ، فنزلت : لخلق السماوات والأرض أكبر . . . » . « الدر المنثور : 5 / 353 » .
وفي الإقبال للسيد ابن طاووس : 2 / 319 ، في حديث مناظرة النبي صلى الله عليه وآله لوفد علماء نجران أن أحدهم واسمه حارثة أسلم ، وقال لهم : « وأحذركم يا قوم أن يكون مَن قَبْلكم من اليهود أسْوَةً لكم ، إنهم أُنذروا بمسيحين : مسيح رحمة وهدى ، ومسيح ضلالة ، وجعل لهم على كل واحد منهما آية وأمارة ، فجحدوا مسيح الهدى وكذبوا به ، وآمنوا بمسيح الضلالة الدجال ، وأقبلوا على انتظاره ، وأضربوا في الفتنة وركبوا نَتَجَهَا . ومن قبل نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم ، وقتلوا أنبياءه والقوامين بالقسط من عباده ، فحجب الله عز وجل عنهم البصيرة بعد التبصرة ، بما كسبت أيديهم ، ونزع ملكهم منهم ببغيهم ، وألزمهم الذلة والصغار » .
وفي الرواية أن كبيرهم واسمه العاقب لم يردَّ كلام صاحبه ، بل ناقشه في تطبيق مسيح الهدى على النبي صلى الله عليه وآله ، ومعناه أنه أقر بوجود بشارة نبوية عندهم بنبي ودجال . وستعرف أنهم سموا المسيح عليه السلام المشيح ، وسموه المجدف ، يقصدون أنه مسيح الضلالة أو الدجال ، معاذ الله . فاسم المسيح الدجال تسمية يهودية !
وقال الطبري في تاريخه : 1 / 12 : « وزعموا أن اليهود إنما نقصوا ما نقصوا من عدد سني ما بين تاريخهم وتاريخ النصارى ، دفعاً منهم لنبوة عيسى بن مريم عليه السلام ، إذ كانت صفته
ووقت مبعثه مثبتة في التوراة ، وقالوا لم يأت الوقت الذي وقت لنا في التوراة ، أن الذي صفته صفة عيسى يكون فيه ! وهم ينتظرون بزعمهم خروجه ووقته . فأحسب أن الذي ينتظرونه ويدعون أن صفته في التوراة مثبتة هو الدجال الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وآله لأمته ، وذكر لهم أن عامة أتباعه اليهود ، فإن كان ذلك هو عبد الله بن صياد ، فهو من نسل اليهود » .
3 . والدجال الذي أنذر به الأنبياء عليهم السلام شخص مذموم ، لكن اليهود تعصبوا له لأنه « ملك يهودي » يبعثه الله ليأكل أعداءهم كالوحش ! ونشروا الرعب منه في المسلمين بواسطة الصحابة المتهوكين !
وجاء الحاخام كعب الأحبار فجعلته الخلافة مرجعاً دينياً للمسلمين ، فنشر الإسرائيليات وعقيدة الدجال اليهودية ، وحاول تطويرها لئلا ينكشف أمره للمسلمين ، فوقع في التناقض والتهافت !
4 . وزعم كعب الأحبار أن الدجال شيطان مقيَّد في جزيرة ، وسوف يُطلق ! فقد روى ابن حماد : 2 / 541 ، عن الكلاعي صاحب كعب : « ليس الدجال إنساناً ، إنما هو شيطان في بعض جزائر البحر ، موثق بسبعين حلقة ، لا يُعلم من أوثقه أسليمان أم غيره ؟ فإذا كان أول ظهوره فكَّ الله عنه في كل عام حلقة ، فإذا برز أتته أتان عرض ما بين أذنيها أربعون ذراعاً بذراع الجبار ! وذلك فرسخ للراكب المحثّ ، فيضع على ظهرها منبراً من نحاس ويقعد عليه فتبايعه قبائل الجن ويخرجون له كنوز الأرض ، ويقتلون له الناس » . وفتح الباري : 13 / 277 .
5 . ونشر اليهود التخويف من الدجال من زمن النبي صلى الله عليه وآله ! « جاء أعرابي فقال : يا رسول الله بلغنا أن المسيح يعني الدجال ، يأتي الناس بالثريد وقد هلكوا جميعاً جوعاً ! أفتَرى بأبي أنت وأمي أن أكُفَّ عن ثريده تعففاً وتزهداً ؟ ! فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال : يغنيك الله بما يغني به المؤمنين » . « المناقب : 1 / 129 » .
وروى ابن حماد : 2 / 581 ، ووثقه في الزوائد : 7 / 338 ، عن الشيباني قال : « كنت مع حذيفة بن اليمان في المسجد ، إذ جاء أعرابي يهرول حتى وقف بين يديه فقال : أخَرَجَ الدجال ؟ ! فقال حذيفة : أنا لما دون الدجال أخوفُ مني للدجال . وما الدجال ! إنما فتنته أربعون يوماً . . » . ونحوه عبد الرزاق : 11 / 392 ، وابن أبي شيبة : 8 / 653 ، وأحمد : 6 / 454 . ولفظ الطبري في الأحاديث الطوال / 125 ، أصح .
أقول : لاحظ أن دعاية اليهود عن الدجال وصلت إلى الأعراب ، وقد سماه الأعرابي المسيح فقط كما سمعه من اليهود ، أو من الصحابة المتهوكين . ومعناه أن اليهود أوصلوا ثقافة الرعب من الدجال حتى إلى الأعراب ، وأن المتهوكين من الصحابة كتموا تطمينات النبي صلى الله عليه وآله ونشروا تخويفات اليهود !
ثم اقرأ وتعجب في مصنف ابن شيبة : 8 / 649 ، وأحمد : 6 / 75 : « عن عائشة قالت : دخل عليَّ النبي صلى الله عليه وآله وأنا أبكي ، فقال : ما يبكيك ؟ فقلت يا رسول الله ذكرت الدجال ، قال : فلا تبكي فإن يخرج وأنا حي أكفيكموه ، وإن أمت فإن ربكم ليس بأعور ، وإنه يخرج معه يهود أصبهان فيسير حتى ينزل بضاحية المدينة ، ولها يومئذ سبعة أبواب على كل باب ملكان ، فيخرج إليه شرار أهلها ، فينطلق حتى يأتي لُدّ فينزل عيسى بن مريم فيقتله ، ثم يمكث عيسى في الأرض أربعين سنة أو قريباً من أربعين سنة ، إماماً عادلاً وحكماً مقسطاً » .
فبكاء عائشة يدل على تأثرها بأحاديث اليهود وتصديقها لها ، فطمأنها النبي صلى الله عليه وآله ! لكنها بقيت تُخوِّف الناس بالدجال !
فقد روى الضحاك في الآحاد والمثاني : 6 / 208 ، أن عائشة وحفصة رأتا سَوْدة وقد تزينت ، فقالتا لها : خرج الدجال ، خرج الدجال ! فخافت سودة : « وكانت امرأة طويلة ، فدخلت خباء كان لوقودهم ! قالت : واستضحكنا ، فدخل رسول الله فإذا سودة تنتفض فقال : مالك ؟ فقالت : يا رسول الله خرج الدجال ؟ فقال : لا ، وهو خارج ؟ فأخذ بيدها وأخرجها وجعل ينفض بكم قميصه عن وجهها ، وعن خمارها أثر الدخان ونسج العنكبوت » ! ورواه ابن كثير في سيرته : 4 / 644 ، عن عائشة ، وفيها : « فاختبأت في بيت كانوا يوقدون فيه . . . فخرجت وجعلت تنفض عنها بيض العنكبوت » .
6 . وزاد تخويفهم للمسلمين من الدجال في حجة الوداع ! فقد روى البخاري في صحيحه : 5 / 125 ، عن ابن عمر قال : « كنا نتحدث بحجة الوداع والنبي بين أظهرنا ولا ندري ما حجة الوداع ! فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر المسيح الدجال فأطنب في ذكره ، وقال : ما بعث الله من نبي إلا أنذر أمته ، أنذره نوح والنبيون من بعده ، وإنه يخرج فيكم ، فما خفي عليكم من شأنه فليس يخفى عليكم أن ربكم « ثلاثاً » ليس بأعور ، وإنه أعور عين اليمنى كأن عينه عنبة طافية ! ألا إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا . ألا هل بلغت ؟ قالوا : نعم . قال : اللهم اشهد ثلاثاً ، ويلكم أو ويحكم : أنظروا لا ترجعوا بعدي كفاراً ، يضرب بعضكم رقاب بعض » . ونحوه أحمد : 2 / 135 ، وصححه في الزوائد : 7 / 338 ، والطبراني الكبير : 12 / 275 ، وأبو يعلى : 9 / 435 ، وتاريخ دمشق : 45 / 324 .
ومعناه أن أحاديث الدجال كانت منتشرة قرب وفاة النبي صلى الله عليه وآله ، ولعل مجئ الأعرابي كان في تلك الفترة أيضاً ، وكذا تخويف عائشة وحفصة لسودة ، وكذا مقولات بعض الصحابة ، كمقولة : « عبد الله بن الحرث بن جزء ، قال : ما كنا نسمع فزعة ولا رجة في المدينة إلا ظننا أنه الدجال ، لِما كان رسول الله يحدثنا عنه ويقربه لنا » ! « الزوائد : 7 / 336 » .
فلا يبعد أن تكون إشاعة قرب خروج الدجال ، من الأدوات التي استعملها اليهود والطلقاء في الشهرين الأخيرين من حياة النبي صلى الله عليه وآله ، للسيطرة على دولته !
7 . سمى اليهود المسيح عليه السلام بالدجال ! وتبعهم رواة السلطة فسموا الدجال المسيح ، وعللوا ذلك بأن « إحدى عينه مطموسة ، والأخرى ممزوجة بالدم كأنها الزهرة » . « ابن حماد : 2 / 518 » . ونسبوه إلى النبي صلى الله عليه وآله ! أما أهل البيت عليهم السلام فسمَّوه الدجال فقط ، ولم يسموه المسيح أبداً ! وهذا دليلٌ على أن سنة النبي صلى الله عليه وآله الصافية عند أهل بيته عليهم السلام .
8 . ذكرت مصادر اليهود والنصارى الدجال المنتظر ، بما يؤيد قول أسقف نجران الذي أسلم إن اليهود بشرهم أنبياؤهم بمسيحيْن ، مسيح هدى ومسيح ضلالة . وورد التعبير عنهما بالمشيح الموعود والمجدف ، وعبروا عن الدجال بالنبي الكذاب الذي يمهد للنبي الوحش ! ففي الكتاب المقدس ، لمجمع الكنائس الشرقية / 126 : « كتب في سفر النبي أشعيا : ها أنذا أرسل رسولي قدامك ليعد طريقك . [ النبي الكذاب يخدم الوحش ] ورأيت وحشاً آخر خارجاً من الأرض ، وكان له قرنان أشبه بقرني الحمل ولكنه يتكلم مثل تنين . وكل سلطان الوحش الأول يتولاه بمحضر منه . فجعل الأرض وأهلها يسجدون للوحش الأول ، الذي شفي من جرحه المميت ، ويأتي بخوارق عظيمة ، حتى أنه ينزل ناراً من السماء على الأرض ، بمحضر من الناس . ويضل أهل الأرض بالخوارق التي أوتي أن يجريها بمحضر من الوحش » .
وفي هامشه : « سيسمى هذا الوحش الثاني الذي في خدمة الوحش الأول ، نبياً كذاباً « راجع رؤ : 16 / 13 و 19 / 20 و 20 / 10 »
وهذا النبي الكذاب يذكر بالأنبياء الكذابين والمسحاء الدجالين الذين ينبئ بمجيئهم في متى 24 / 11 و 24 ، ليكون علامة تبشر بعودة المشيح الحقيقي .
وفي إنجيل متى / 53 : « قال لهم بيلاطس : فماذا أفعل بيسوع الذي يقال له المسيح ؟ قالوا جميعاً : ليصلب ! قال لهم : فأي شر فعل ؟ فبالغوا في الصياح : ليصلب ! فلما رأى بيلاطس أنه لم يستفد شيئاً بل ازداد الاضطراب ، أخذ ماء وغسل يديه بمرأى من الجمع ، وقال : أنا برئ من هذا الدم ، أنتم وشأنكم فيه . فأجاب الشعب بأجمعه : دمه علينا وعلى أولادنا ! فأطلق لهم باراباس ، أما يسوع فجلده وأسلمه ليصلب » .
وفي هامشه : لهتاف اليهود هذا جذور في العهد القديم أيضاً « 2 صم 1 / 13 - 16 و 3 / 29 وار 51 / 55 وراجع أيضاً لو 23 / 28 » .
واليهود أمام خيار ديني يتجاوز اتخاذ موقف سياسي : فعليهم ، إما أن يعترفوا بأن يسوع هو المشيح الموعود به ، وإما أن يطلبوا موته لأنه مجدف » .
وقد فسر الشراح الغربيون عقيدة المسيح الدجال ، بأنها نشأت من اضطهاد اليهود ، ففي مقدمة الكتاب المقدس طبعة مجمع الكنائس الشرقية / 19 : « فقد ترسخ يوماً بعد يوم في يقين اليهود ، أن الله لن يلبث أن يرد على تحدي وجود الوثنية في الأرض المقدسة ، فيعود إلى إقامة عدله ويعيد إلى مختاريه امتيازاتهم ، إذ يبسط ملكوته على الأرض بسطاً يبهر العيون ، وهذا التدخل يجعل حداً للشدائد الحاضرة ، ويفتح عهداً جديداً خالياً من الشر والإثم ، ويؤذن بقدوم ذلك العهد آخر الأمر تضاعف الكوارث والنكبات يرافقها ابتلاع جميع أعداء الله من غير رجعة . . .
إن جملة هذه المعتقدات تؤلف آراء اليهودية المتأخرة في أمور الأزمنة الأخيرة . . .
ففي ذلك المشهد لرؤيا الأزمنة الأخيرة ليس للمشيح نصيب كبير جداً في جميع الآراء ، فإن مؤلفي الرؤى عندما يتكلمون عليه كفُّوا على ما يبدو عن أن يروه شأنهم في الماضي مشيحاً دنيوياً مسحه يهوه ، وبعبارة أخرى ملكاً من ذرية داود ، يقوم بأعمال سياسية وعسكرية في جوهرها ليحقق بعون الله تحرير الشعب وازدهاره » .
أقول : هذا تحليل مثقفين غربيين ، أما الصحيح فهو ما تقدم من أن أنبياء اليهود بشروهم باثنين سموهم مسيحين : مسيح هدى ، ومسيح ضلال ، فكان مسيح الهدى المسيح عليه السلام لأنه يشفي بمسحة يده . ومسيح الضلالة الدجال الموعود ، وهو آخر أئمة الضلال ، ويخرج في مواجهة المهدي الموعود عليه السلام .
3 - عقيدة الدجال عند الخلافة بؤرة الإسرائيليات !
1 . أحاديثهم في الدجال كثيرة ومتناقضة ، وكلها عندهم صحيحة ! وأكثرها عن كعب الأحبار ، وعمر بن الخطاب ، وتميم الداري . وقد قبلوها بما فيها من خرافة وتناقض ، فصارت الهرطقة ديناً نسبوه إلى الإسلام ورسوله صلى الله عليه وآله !
قال لهم كعب إن الدجال محبوس في إحدى جزائر اليمن . وقال تميم الداري إنه محبوس في جزيرة في البحر المتوسط . وقال عمر إنه ولد في المدينة ورآه . وصدقوهم جميعاً !
2 . خالفوا النبي صلى الله عليه وآله وجعلوا الدجال أخطر من الأئمة المضلين ! مع أنهم رووا بأسانيد صحيحة أنهم أخطر من الدجال ، وتقدم توثيقهم لقول حذيفة للأعرابي الذي سأل عن الدجال : « وما الدجال ! إنما فتنته أربعون يوماً » .
لكنهم أصروا على أن الدجال أخطر الفتن ! فانظر إلى ما روى ابن حماد : 2 / 518 ، عن هشام بن عامر قال : « سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمرٌ أكبر من الدجال » !
وفي طبقات ابن سعد : 7 / 26 ، عن هشام بن عامر قال : « إنكم تجاوزوني إلى رهط من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ما كانوا بألزم لرسول الله مني ، ولا أحفظ مني ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : ما بين خلق آدم والقيامة فتنة أعظم من الدجال » !
وابن أبي شيبة : 8 / 648 ، وأحمد : 4 / 19 ، ومسلم : 8 / 207 ، كابن حماد ، عن عمران بن حصين . وأبو يعلى : 3 / 126 ، بروايتين عنه وعن هشام بن عامر . والطبراني الكبير : 22 / 174 ، عن هشام بن عامر ، والمعجم الأوسط : 5 / 27 ، نحوه ، ولفظه : ما أهبط الله إلى الأرض منذ خلق آدم إلى أن تقوم الساعة فتنة أعظم من فتنة الدجال ! والحاكم : 4 / 528 ، كابن أبي شيبة وصححه على شرط بخاري ، والفردوس : 4 / 340 ، كابن حماد ، والجامع الصغير : 2 / 489 ، عن أحمد ومسلم وصححه . الخ .
لاحظ أن راوي الحديث هشام بن عامر يغضب من الرواة لأنهم يتركونه ولا يروون عنه ، ويدعي أنه أحفظ من الذين يقصدونهم ويفضلونهم عليه ! وهو صحابي صغير ، يروج لبني أمية ، وهذا كاف لترك الرواة العقلاء له .
وروى ابن حماد : 2 / 517 ، عن أبي أمامة الباهلي ! قال : « خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله فكان أكثر خطبته ما يحدثنا عن الدجال يحذرناه ، وكان من قوله : يا أيها الناس إنها لم تكن فتنة في الأرض أعظم من فتنة الدجال ، وإن الله تعالى لم يبعث نبياً إلا حذره أمته ، وأنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم وهو خارج فيكم لا محالة ، فإن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيج كل مسلم ، وإن يخرج بعدي فكل امرئ حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم ، فمن لقيه منكم فليتفل في وجهه وليقرأ بفواتيح سورة الكهف » .
3 . وقد تبارى علماء السلطة في نشر الرعب الديني في المسلمين ! وأولهم البخاري ، ثم مسلم الذي قال في صحيحه : 4 / 2250 ، عن نواس بن سمعان قال : « ذكر رسول الله الدجال ذات غداة ، فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل ، فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا فقال : ماشأنكم ؟ قلنا : يا رسول الله ذكرت الدجال غداةً ، فخفضت فيه ورفعت ، حتى ظنناه في طائفة النخل ! فقال : غير الدجال أخوفني عليكم ، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه ، والله خليفتي على كل مسلم ، إنه شاب قطط عينه طافئة ، كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن ، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتيح سورة الكهف . إنه خارج من خلة بين الشام والعراق ، فعاث يميناً وعاث شمالاً . يا عباد الله فاثبتوا . قلنا : يا رسول الله وما لبثه في الأرض ؟ قال : أربعون يوماً ، يومٌ كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم . قلنا : يا رسول الله ، فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال : لا ، أقدروا له قدره . قلنا : يا رسول الله وما إسراعه في الأرض ؟ قال : كالغيث استدبرته الريح ، فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له ، فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت ، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت دَرّاً ، وأسيغه ضروعاً ، وأمده خواصر ، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله ، فينصرف عنهم فيصبحون مملحين ليس بأيديهم شئ من أموالهم ، ويمر بالخربة فيقول لها : أخرجي كنوزك ، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ، ثم يدعو رجلاً ممتلئاً شباباً فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ، ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك ! فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح بن مريم ، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين ، واضعاً كفيه على أجنحة ملكين ، إذا طأطأ رأسه قَطَرَ ، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ ، فلا يجد ريح نَفَسه أحد إلا مات ، ونَفَسُه ينتهي حيث ينتهي طرفه ، فيطلبه حتى يدركه بباب لُد فيقتله .
ثم يأتي عيسى بن مريم قومٌ قد عصمهم الله منه ، فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة ، فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى : إني قد أخرجت عباداً لي لا يَدَانِ لأحد بقتالهم فحرِّز عبادي إلى الطور ، ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ، فيمرأوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ويمر آخرهم فيقولون لقد كان بهذه مرة ماء ، ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيراً من مائة دينار لأحدكم اليوم ، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه فيرسل الله عليهم النغف « الدود » في رقابهم فيصبحون فَرْسَى « صرعى » كموت نفس واحدة ! ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض ، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم ، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل الله طيراً كأعناق البخت ، فتحملهم فتطرحهم حيت شاء الله ، ثم يرسل الله مطراً لا يكنُّ منه بيت مدر ولا وبر ، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة ، ثم يقال للأرض : أنبتي ثمرتك وردي بركتك ، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها ، ويبارك في الرَّسل « قطعة الإبل » حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس ، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس ، واللقحة من الغنم لتكفي النفر من الناس ، فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحاً طيبة فتأخذهم تحت آباطهم ، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ، ويبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الحُمَر ، فعليهم تقوم الساعة » .
ثم رواه مسلم في : 8 / 199 ، وابن ماجة : 2 / 1356 ، وأبو داود : 4 / 117 ، والترمذي : 4 / 510 ، والبدء والتاريخ : 2 / 193 ، والطبراني الكبير : 8 / 171 ، والحاكم : 4 / 492 ، وصححه على شرط الشيخين . وفي / 536 ، وصححه على شرط مسلم .
وذُرَى الحيوان : سنامه وأعلاه . والخواصر والذروع : جمع خاصرة . وذرعه أي ضرعه الذي فيه الحليب ، وصف لجودته وكثرة حليبه . ويعسوب النحل : ملكتها . والغرض : الهدف . والنَّغَف : في الأصل الحزام الجلدي ، شُبِّهت به الحشرات التي تبعث على جيف يأجوج ومأجوج بزعمهم . والزَّهم بفتح الزاي : الوغف والنتن .
ومعنى : فلا يجد ريح نَفَسه أحد إلا مات ، ونَفَسُه ينتهي حيث ينتهي طرفه :
أن كل من يصل اليه نفس المسيح عليه السلام يموت . ونفسه يصل إلى حيث ينتهي طرفه !
والباحث المطلع يعرف أن هذه الأحاديث إسرائيليات ، وقد خلطها الرواة البدو بخيالهم ، وبعضهم لا يعرف اللغة ، لأن اليعاسيب يتبعها النحل ولا تَتَبع . ومن الغريب أن هذه الأحاديث عندهم في أعلى درجات الصحة !
وتلاحظ في رواية مسلم قول النبي صلى الله عليه وآله : « غير الدجال أخوفني عليكم » لكنها عبارة ضائعة في حشد الكذب والتضخيم للدجال !
4 . وجعلوا للدجال معجزات ومخاريق ، وتبنى ذلك الأمويون ! ففي مجموع فتاوى ابن تيمية : 35 / 118 : « وقد قال صلى الله عليه وآله : لا تقوم الساعة حتى يكون فيكم ثلاثون دجالون كذابون كلهم يزعم أنه رسول الله . وأعظم الدجاجلة فتنةً الدجال الكبير الذي يقتله عيسى بن مريم فإنه ما خلق الله من لدن آدم إلى قيام الساعة أعظم من فتنته ! وأمَرَ المسلمين أن يستعيذوا من فتنته في صلاتهم ! وقد ثبت أنه يقول للسماء أمطري فتمطر وللأرض أنبتي فتنبت ! وأنه يقتل رجلاً مؤمناً ثم يقول له قم فيقوم فيقول أنا ربك ، فيقول له كذبت بل أنت الأعور الكذاب الذي أخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه وآله ، والله ما ازددت فيك إلا بصيرة ، فيقتله مرتين فيريد أن يقتله في الثالثة ، فلايسلطه الله عليه » .
فقد جعل ابن تيمية فتنة الدجال أعظم من فتنة الأئمة المضلين ، وأبطل الأحاديث الصحيحة التي نصت على أن فتنتهم أكبر وأخطر ! كما جزم بأن الله سبحانه يعطي الدجال المعجزة والولاية التكوينية ، فيأمر السماء فتمطر ، والأرض فتنبت ، والميت فيحيا ! وهي قدرات لا يقبلون بها للنبي وآله عليهم السلام ، فهل الدجال عندهم أفضل ؟ !
وروى ابن حماد : 2 / 536 ، عن حذيفة ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : « الدجال أعور العين اليسرى ، جِفَالُ الشعر ، معه جنة ونار ، فناره جنة وجنته نار . . . وعن ابن عمر يرفعه : الدجال إحدى عينيه مطموسة والأخرى ممزوجة بالدم كأنها الزهرة ، ويسير معه جبلان : جبل من أنهار وثمار وجبل دخان ونار ، يشقُّ الشمس كما يشق الشعرة ، ويتناول الطير في الهواء » .
ورواه أحمد : 5 / 324 ، و / 397 ، ومسلم : 8 / 195 ، وأبو داود : 4 / 116 ، وابن ماجة : 2 / 1353 ، وحلية الأولياء : 5 / 157 ، و : 9 / 235 ، والبغوي : 3 / 498 ، من صحاحه . . إلى آخر القائمة الطويلة !
ونلاحظ العمل اليهودي في هذا الحديث المزعوم ! فقد كان من معجزات نبينا صلى الله عليه وآله أنه دعا الله تعالى فشق له القمر آيةً للمشركين ، فادعى اليهود للدجال بأنه يشق الشمس كما يشق الشعرة ، أي نصفين متساوين بالشعرة !
وروى ابن أبي شيبة : 8 / 657 ، عن النبي صلى الله عليه وآله : « الدجال يخوض البحار إلى ركبتيه ، ويتناول السحاب ، ويسبق الشمس إلى مغربها ، وفي جبهته قرن يخرص منه الحيات ، وقد صور في جسده السلاح كله ، حتى ذكر السيف والرمح والدرق . قال قلت : وما الدرق ؟ قال : الترس » .
وفي / 648 : « لأنا أعلم بما مع الدجال من الدجال ، معه نهران يجريان أحدهما رأي العين ماء أبيض ، والآخر رأي العين نار تأجج ، فإما أدرك أحد ذلك فليأت النهر الذي يراه ناراً ، فليغمص ثم ليطأطئ رأسه وليشرب ، فإنه ماء بارد . وإن الدجال ممسوح العين عليها ظفرة غليظة ، مكتوب بين عينيه كافر ، يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب » .
ورواه أحمد : 5 / 386 ، والحاكم : 4 / 491 ، وصححه ، والطبراني في طواله / 125 ، والكبير : 8 / 146 .
ومعنى يَخْرُصُ الحيات من قرنه : يقطفها منه قطفاً مرة بعد مرة ويحارب بها أعداءه ! ورواه عبد الرزاق : 11 / 391 ، عن أسماء بنت يزيد الأنصارية « وهي زميلة فاطمة بنت قيس في رواية الدجال » قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وآله في بيتي فذكر الدجال فقال : « إن بين يديه ثلاث سنين سنة تمسك السماء ثلث قطرها ، والأرض ثلث نباتها ، والثانية تمسك السماء ثلثي قطرها ، والأرض ثلثي نباتها ، والثالثة تمسك السماء قطرها كله والأرض نباتها كله ، فلا تبقى ذات ظلف ولاذات ضرس من البهائم إلا هلكت . وإن من أشد الناس فتنة أنه يأتي الأعرابي فيقول : أرأيت إن أحييت لك إبلك ألست تعلم أنني ربك ؟ قال فيقول : بلى ، فيتمثل له الشيطان نحو إبله ، كأحسن ما تكون ضروعاً وأعظمه أسنمة . قال : ويأتي الرجل قد مات أخوه ومات أبوه فيقول : أرأيت إن أحييت لك أباك وأحييت لك أخاك أليس تعلم أني ربك ؟ فيقول : بلى ، فيتمثل له الشيطان نحو أبيه ونحو أخيه .
قالت : ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وآله لحاجة له ثم رجع ، قالت : والقوم في اهتمام وغم مما حدثهم به ، قالت فأخذ بلحمتي الباب وقال : مهيم أسماء « ماذا يا أسماء » ؟ قالت : قلت يا رسول الله لقد خلعت أفئدتنا بذكر الدجال ، قال : إن يخرج وأنا حي فأنا حجيجه ، وإلا فإن ربي خليفتي من بعدي على كل مؤمن . قالت أسماء : فقلت يا رسول الله والله إنا لنعجن عجينتنا فما نخبزها حتى نجوع فكيف بالمؤمنين يومئذ ؟ قال : يجزئهم ما يجزئ أهل السماء من التسبيح والتقديس » وابن حماد : 2 / 527 ، وغيره عن ابن عمر ، وأحمد : 6 / 455 ، عن عائشة ، وقالت : فأين العرب يومئذ ؟ قال صلى الله عليه وآله : العرب يومئذ قليل . . يعني أقل منهم في عهد النبي صلى الله عليه وآله إلى آخر هرطقتها ومن شاكلها !
5 . وقد أكثر البخاري من حديث الدجال ، فروى « 4 / 105 » أن النبي صلى الله عليه وآله قال : « يجئ معه بمثال الجنة والنار ، فالتي يقول إنها الجنة هي النار » . وفي « 4 / 143 » : « إن مع الدجال إذا خرج ماء وناراً ، فأما الذي يرى الناس أنها النار فماء بارد ، وأما الذي يرى الناس أنه ماء بارد فنار تحرق ! فمن أدرك ذلك منكم فليقع في الذي يرى أنها نار فإنه عذب بارد » .
وفي « 8 / 101 » : « فناره ماء بارد ، وماؤه نار » .
وروى في : 1 / 202 ، و : 7 / 159 / و 161 ، و : 8 / 103 ، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله كان يستعيذ في صلاته من الدجال ! فيقول : اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال ، وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات .
ونحوه في : 2 / 103 عن أبي هريرة ، وفي : 5 / 223 ، عن أنس ، وفي : 7 / 158 ، أن سعداً كان يستعيذ « من فتنة الدنيا ، أي فتنة الدجال » .
6 . وناقض البخاري نفسه في أحاديث الدجال « 8 / 103 » بل من جهله اتهم النبي صلى الله عليه وآله بالتناقض ! فقد روى عن أنس أنه صلى الله عليه وآله قال : « المدينة يأتيها الدجال فيجد الملائكة يحرسونها ، فلا يقربها الدجال ولا الطاعون » .
وروى « 2 / 223 ، و 8 / 101 » : « لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال ، لها يومئذ سبعة أبواب ، على كل باب ملكان » .
ثم نقض ذلك فروى « 8 / 101 » أنه صلى الله عليه وآله قال : « يجئ الدجال حتى ينزل في ناحية المدينة ، ثم ترجف المدينة ثلاث رجفات ، فيخرج إليه كل كافر ومنافق » .
وروى في « 8 / 103 » : « ينزل بعض السباخ التي بالمدينة ، فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس أو من خير الناس ، فيقول أشهد أنك الدجال الذي حدثنا عنك رسول الله صلى الله عليه وآله حديثه فيقول الدجال : أرأيت إن قتلت هذا ثم أحييته ، هل تشكون في الأمر ؟ فيقولون : لا ، فيقتله ثم يحييه » .
فصار تحريم المدينة عليه أنه ينزل في ضاحيتها فيهرب أهلها ، ويأتيه منافقوها ويسلط على مؤمنيها ، ويقتل منهم رجلاً صالحاً ! فماذا بقي من حفظها منه ! بل روى الطيالسي / 183 ، عن النبي صلى الله عليه وآله أن كل أهلها يفرون ! قال : « ويل أمها من قرية يوم يدعها أهلها أعمرَ ما كانت ! يجئ الدجال فيجد على كل باب منها ملكاً مصلتاً فلا يدخلها » !
وروى البخاري : 8 / 101 ، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله صَدَّق قول عمر وابنه في أن الدجال قد وُلد وأنه صلى الله عليه وآله رآه عند الكعبة وقال : « بينا أنا قائم أطوف بالكعبة فإذا رجل آدم سبط الشعر ينطف أو يهراق رأسه ماء قلت : من هذا ؟ قالوا : ابن مريم ، ثم ذهبت التفت فإذا رجل جسيم أحمر جعد الرأس أعور العين ، كأن عينه عنبة طافية ، قالوا : هذا الدجال ! أقرب الناس به شبهاً ابن قطن رجل من خزاعة » .
7 . وكل أحاديثهم مردودة عندنا ، بل عليهم هم أن يردوها ، لأنهم صححوا أن فتنة الأئمة المضلين أشد الفتن ! ولأن العقل يحكم باستحالة أن يعطي الله تعالى المعجزة لعدوه الدجال وإحياء الموتى كالأنبياء عليهم السلام !
8 . ورووا حديثاً صحيحاً يطابق قول أهل البيت عليهم السلام لكنهم خالفوه ! ففي البخاري « 8 / 101 » عن المغيرة بن شعبة أنه سأل النبي صلى الله عليه وآله عن الدجال فقال له : « ما يضرك منه ؟ ! قلت : لأنهم يقولون إن معه جبل خبز ونهر ماء ! فقال صلى الله عليه وآله : هو أهون على الله من ذلك » . فهذا يُكذب تضخيمات البخاري وغيره للدجال ، ويدلك على أن الصحابة المتهوكين أشاعوا أساطيره في المسلمين ورفضوا سنة النبي صلى الله عليه وآله ! ولهذا سماهم النبي صلى الله عليه وآله « المُتَهَوِّكِين » أي المتهودين إلا قليلاً !
9 . ثم أعجب من أن مشايخهم ما زالوا إلى عصرنا ينشرون « الرعب الديني » اليهودي بين المسلمين قربة إلى الله تعالى ! وينشرون مخاريق الدجال فيصدقها عوام المسلمين ، وأنه ينفخ جلده فيملأ الطريق ، وحماره سبعون ذراعاً بذراع الله ، ومعه جنة ونار وجبل ثريد . . الخ . ويُخفون عن المسلمين تطمينات النبي صلى الله عليه وآله التي تكذب ذلك !
10 . وقد تواصل خوف المسلمين من الدجال حتى طبقه بعضهم على المغول ! فرووا عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : « ليهبطن الدجال خوز وكرمان في ثمانين ألفاً ، كأن وجوههم المجان المطرقة ، يلبسون الطيالسة وينتعلون الشعر » .
« ابن حماد : 2 / 579 . ورواه ابن أبي شيبة : 8 / 654 ، عن أبي هريرة بتفاوت يسير . وأحمد : 2 / 337 وأبو يعلى : 10 / 380 ، وفتن ابن كثير : 1 / 143 و 144 ، والزوائد : 7 / 345 ، كرواية أحمد » . والمجان المطرَّقة : التروس المضروبة عند الحداد أو المخططة ، وهو وصف ورد في صفات المغول فقط ، وكذا انتعال الشعر .
11 . قبلوا طول عمر الدجال واعترضوا على عمر المهدي ! روى الصدوق رحمه الله في كمال الدين / 528 ، حديث ابن عمر عن الدجال ، وقد زعم فيه أن النبي صلى الله عليه وآله صلى ذات يوم بأصحابه الفجر ، ثم قام مع أصحابه حتى أتى باب دار بالمدينة ، فطرق الباب فخرجت إليه امرأة فقالت : ما تريد يا أبا القاسم ؟ فقال رسول الله : يا أم عبد الله إستأذني لي على عبد الله ، فقالت : يا أبا القاسم ، وما تصنع بعبد الله ، فوالله إنه لمجهود في عقله يُحدث في ثوبه ، وإنه ليراودني على الأمر العظيم ! فقال : إستأذني عليه فقالت : أعلى ذمتك ؟ قال : نعم ، فقالت : أدخل ، فدخل فإذا هو في قطيفة له يهينم فيها « أي في عباءة وهو يغني » فقالت أمه : أسكت واجلس هذا محمد قد أتاك ، فسكت وجلس . فقال النبي صلى الله عليه وآله : ما لها لعنها الله لو تركتني لأخبرتكم أهوَ هو ، ثم قال له النبي صلى الله عليه وآله : ما ترى ؟ قال : أرى حقاً وباطلاً ، وأرى عرشاً على الماء ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فقال : بل تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فما جعلك الله بذلك أحق مني . فلما كان اليوم الثاني صلى صلى الله عليه وآله بأصحابه الفجر ثم نهض فنهضوا معه ، حتى طرق الباب . . . فقالت له أمه : أسكت وانزل هذا محمد قد أتاك ، فسكت فقال النبي صلى الله عليه وآله : ما لها لعنها الله لو تركتني لأخبرتكم أهو هو . فلما كان في اليوم الثالث صلى النبي صلى الله عليه وآله بأصحابه الفجر ثم نهض ونهض القوم معه . . . فقال النبي صلى الله عليه وآله إني قد خبأت لك خبيئاً فما هو ؟ فقال : الدُّخّ الدخ ! « أي سورة الدخان » فقال النبي صلى الله عليه وآله : إخسأ فإنك لن تعدو أجلك ، ولن تبلغ أملك ، ولن تنال إلا ما قدر لك . ثم قال لأصحابه : أيها الناس ما بعث الله عز وجل نبياً إلا وقد أنذر قومه الدجال ، وإن الله عز وجل قد أخره إلى يومكم هذا ، فمهما تشابه عليكم من أمره فإن ربكم ليس بأعور ، إنه يخرج على حمار عرض ما بين أذنيه ميل ، يخرج ومعه جنة ونار ، وجبل من خبز ونهر من ماء ، أكثر أتباعه اليهود والنساء والأعراب . يدخل آفاق الأرض كلها إلا مكة ولابَّتيها ، والمدينة ولابتيها » . أي طرفيها .
قال الصدوق رحمه الله : « إن أهل العناد والجحود يصدقون بمثل هذا الخبر ويروونه في الدجال وغيبته ، وطول بقائه المدة الطويلة ، وخروجه في آخر الزمان ، ولا يصدقون بأمر القائم عليه السلام ، وأنه يغيب مدة طويلة ، ثم يظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، مع نص النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام بعده عليه ، باسمه وغيبته ونسبه وإخبارهم بطول غيبته !
إرادةً لإطفاء نور الله عز وجل ، وإبطالاً لأمر ولي الله ، وَيَأْبَى اللهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ .
وأكثر مايحتجون به في دفعهم لأمر الحجة عليه السلام أنهم يقولون : لم نرو هذه الأخبار التي تروونها في شأنه ولا نعرفها ، وهكذا يقول من يجحد نبوة نبينا صلى الله عليه وآله من الملحدين والبراهمة واليهود والنصارى والمجوس إنه ما صح عندنا شئ مما تروونه من معجزاته ودلائله ولا نعرفها ، فنعتقد ببطلان أمره لهذه الجهة ، ومتى لزمنا ما يقولون لزمهم ما تقوله هذه الطوائف ، وهم أكثر عدداً منهم !
ويقولون أيضاً : ليس في موجب عقولنا أن يُعَمِّرَ أحد في زماننا هذا عمراً يتجاوز عمر أهل الزمان ، فقد تجاوز عمر صاحبكم على زعمكم عمر أهل الزمان . فنقول لهم : أتصدقون على أن الدجال في الغيبة يجوز أن يعمر عمراً يتجاوز عمر أهل الزمان وكذلك إبليس اللعين ، ولا تصدقون بمثل ذلك لقائم آل محمد عليهم السلام ، مع النصوص الواردة فيه بالغيبة وطول العمر والظهور بعد ذلك ، للقيام بأمر الله عز وجل ، وما روي في ذلك من الأخبار التي قد ذكرتها في هذا الكتاب ، ومع ما صح عن النبي صلى الله عليه وآله إذ قال : كل ما كان في الأمم السالفة يكون في هذه الأمة مثله حذو النعل بالنعل والقُذَّة بالقذة . وقد كان فيمن مضى من أنبياء الله عز وجل وحججه معمرون ، أما نوح عليه السلام فإنه عاش ألفي سنة وخمس مائة سنة ، ونطق القرآن بأنه لبث قومه أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَاماً . وقد روي في الخبر الذي قد أسندته في هذا الكتاب أن في القائم عليه السلام سُنَّةٌ من نوح وهي طول العمر ، فكيف يدفع أمره ولا يدفع ما يشبهه من الأمور التي ليس شئ منها في موجب العقول ، بل لزم الإقرار بها لأنها رويت عن النبي صلى الله عليه وآله ، وهكذا يلزم الإقرار بالقائم عليه السلام من طريق السمع .
وفي موجب أي عقل من العقول ، أنه يجوز أن يلبث أصحاب الكهف في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعاً ، هل وقع التصديق بذلك إلا من طريق السمع ؟ فلمَ لا يقع التصديق بأمر القائم عليه السلام أيضاً من طريق السمع ؟ ! وكيف يصدقون ما يرد من الأخبار عن وهب بن منبه ، وعن كعب الأحبار ، في المحالات التي لا يصح شئ منها في قول الرسول صلى الله عليه وآله ولا في موجب العقول ، ولايصدقون بما يرد عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام في القائم وغيبته وظهوره ، بعد شك أكثر الناس في أمره وارتدادهم عن القول به ، كما تنطق به الآثار الصحيحة عنهم عليهم السلام ؟ ! هل هذا إلا مكابرة في دفع الحق وجحوده .
كيف لا يقولون : إنه لما كان في الزمان غير محتمل للتعمير ، وجب أن تجري سنة الأولين بالتعمير في أشهر الأجناس تصديقاً لقول صاحب الشريعة صلى الله عليه وآله ، ولا جنس أشهر من جنس القائم عليه السلام لأنه مذكور في الشرق والغرب على ألسنة المقرين به ، وألسنة المنكرين له . ومتى بطل وقوع الغيبة بالقائم الثاني عشر من الأئمة عليهم السلام مع الروايات الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه أخبر بوقوعها به بطلت نبوته ، لأنه يكون قد أخبر بوقوع الغيبة بمن لم يقع به ، ومتى صح كذبه في شئ لم يكن نبياً ! وكيف يُصَدَّقُ صلى الله عليه وآله فيما أخبر به في أمر عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه تقتله الفئة الباغية ، وفي أمير المؤمنين عليه السلام أنه تخضب لحيته من دم رأسه ، وفي الحسن بن علي عليه السلام أنه مقتول بالسم ، وفي الحسين بن علي عليه السلام أنه مقتول بالسيف ؟ ولا يصدق فيما أخبر به من أمر القائم عليه السلام ووقوع الغيبة به ، والتعيين عليه باسمه ونسبه ؟ ! بلى ، هو صادق في جميع أقواله صلى الله عليه وآله ، مصيب في جميع أحواله ، ولا يصح إيمان عبد حتى لا يجد في نفسه حرجاً مما قضى ، ويسلم له في جميع الأمور تسليماً ، ولا يخالطه شك ولا ارتياب ، وهذا هو الإسلام ، والإسلام هو الاستسلام والانقياد . وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ .
ومن أعجب العجائب أن مخالفينا يروون أن عيسى بن مريم عليه السلام مرَّ بأرض كربلا فرأى عدة من الظباء هناك مجتمعة ، فأقبلت إليه وهي تبكي ، وأنه جلس وجلس الحواريون ، فبكى وبكى الحواريون ، وهم لا يدرون لم جلس ولم بكى ، فقالوا : يا روح الله وكلمته ما يبكيك ؟ قال : أتعلمون أي أرض هذه ؟ قالوا : لا ، قال : هذه أرض يقتل فيها فرخ الرسول أحمد ، وفرخ الحرة الطاهرة البتول شبيهة أمي ، ويُلْحَد فيها ، هي أطيب من المسك لأنها طينة الفرخ المستشهد ، وهكذا تكون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء ، وهذه الظباء تكلمني وتقول : إنها ترعى في هذه الأرض شوقاً إلى تربة الفرخ المستشهد المبارك ، وزعمت أنها آمنة في هذه الأرض ، ثم ضرب بيده إلى بعر تلك الظباء فشمها فقال : اللهم أبقها أبداً حتى يشمها أبوه ، فتكون له عزاء وسلوة ، وإنها بقيت إلى أيام أمير المؤمنين عليه السلام حتى شمها وبكى ، وأخبر بقصتها لما مر بكربلاء .
فيصدقون بأن بعر تلك الظباء تبقى زيادة على خمس مائة سنة لم تغيرها الأمطار والرياح ومرور الأيام والليالي والسنين عليه ، ولا يصدقون بأن القائم من آل محمد عليهم السلام يبقى حتى يخرج بالسيف فيبير أعداء الله عز وجل ، ويظهر دين الله . . . هل هذا إلا عناد وجحود للحق ؟ ! » .
وفي غيبة الطوسي / 113 : « وروى أصحاب الحديث أن الدجال موجود ، وأنه كان في عصر النبي صلى الله عليه وآله وأنه باق إلى الوقت الذي يخرج فيه وهو عدو الله ، فإذا جاز في عدو الله لضرب من المصلحة ، فكيف لا يجوز مثله في ولي الله ! إن هذا من العناد » .
أقول : يعتقد أتباع المذاهب بالدجال ، وبعضهم يعتقد بدجال عمر وأنه ابن صياد ، لأن أحاديثه الصحيحة أقسم عليها عمر وأولاده ! وبعضهم بدجال تميم الداري الذي أرشدته اليه جساسته في الجزيرة ، لأن أحاديثه صحيحة أيضاً . وبعضهم بدجال كعب الأحبار . فكلهم يعتقدون بأن الدجال حيٌّ غائب عن الأنظار ، وأن الله تعالى مدَّ في عمره مئات السنين حسب عقيدة عمر ، أو ألوف السنين حسب عقيدة تميم وكعب ، فلا يصح أن يُشَنِّعوا علينا لاعتقادنا بأن الإمام المهدي عليه السلام حيٌّ يرزق حتى يأذن الله تعالى بظهوره ، ويظهر به الإسلام على العالم .
فكيف يكون تمديد الحياة لأعداء الله ممكناً ، ولأوليائه مستحيلاً ؟ ! وهل أن روايات تميم وكعب وأمثالهم ، أوثق من روايات أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله ؟ !
4 - نشروا أحاديث الدجال وغيبوا أحاديث الاثني عشر !
1 . أجمع المسلمون على أن النبي صلى الله عليه وآله تحدث عن ثلاثة موضوعات ، فبشر باثني عشر إماماً من بعده ، وحذر من أئمة مضلين اثني عشر ، وحذر من الدجال . وصرت تجد في مصادر السلطة بضعة أحاديث عن الأئمة الاثني عشر عليهم السلام ، والمضلين الاثني عشر ! وقد اعتذروا بأن الناس لغطوا أثناء خطبة النبي صلى الله عليه وآله فضاع على الراوي اسم هؤلاء الأئمة الربانيين ، والمضلين ! ونفس الأمر حدث لما حدَّث النبي صلى الله عليه وآله عنهم في المدينة ، فلم يسمعوا تحديد هويتهم ، وقد سأل الراوي عمر فقال له : كلهم من قريش ، من قريش !
لقد ضاعت أسماء أئمة الهدى الاثني عشر ، وأئمة الضلال الاثني عشر ! أما أحاديث الدجال فلم يضع منها شئ ، وهي محفوظة في دارالخلافة وصدور رواتها ! ولهذا نشرتها الخلافة القرشية !
2 . زعمت بعض أحاديثهم أن الله يبعث مع الدجال نبيين في خدمته وأن أحدهما يصدقه ! فقد روى الطيالسي / 150 ، حديثاً صحيحاً ، عن سفينة قال : « خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله قال : إنه لم يكن نبي إلا وقد أنذر الدجال أمته ، إلى أن قال : فيقول الدجال للناس : ألست بربكم أحيى وأميت ؟ ومعه نبيان من الأنبياء إني لأعرف إسمهما واسم آبائهما ، لوشئت أن أسميهما سميتهما ، أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره فيقول : ألست بربكم أحيى وأميت ؟ فيقول أحدهما : كذبت ، فلا يسمعه أحد من الناس إلا صاحبه ، ويقول الآخر : صدقت ويسمعه الناس وذلك فتنة » !
فانظر إلى هرطقة رواة الخلافة وتقليدهم اليهود في افترائهم على أنبياء الله تعالى !
3 . وزعموا أن الدجال يشبه الله تعالى ، فيشتبه أمره على المسلمين ! فأعطاهم النبي صلى الله عليه وآله علامة للدجال بأنه أعور ليميزوه عن الله تعالى ، والله تعالى ليس أعور بل عيناه سالمتان !
فقد روى عبد الرزاق : 11 / 390 ، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال : « ما من نبي إلا قد أنذره قومه ، لقد أنذره نوح قومه ! ولكني سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه ، تعلمون أنه أعور وأن الله ليس بأعور » !
ورواه ابن حماد : 2 / 518 ، والطيالسي / 73 ، وابن أبي شيبة : 8 / 646 و 8 / 647 ، وفيه : إنه أعور العين اليمنى . . . وإنه يتبعه من كل قوم يدعونه بلسانهم : إلهاً ! رووا ذلك بعشرات الروايات ، وأكثرها عن ابن عمر ، ومنهم البخاري في : 4 / 163 ، ومسلم : 8 / 193 ، وأبو داود : 4 / 116 ، والترمذي : 4 / 508 ، و / 514 ، وأبو يعلى : 2 / 78 و : 5 / 368 . وأبو نعيم : 4 / 334 ، والخطيب : 3 / 118 ، والبغوي : 3 / 497 ، إلى آخر القائمة الدجالية !
4 . وزعموا أن الدجال عنده معجزات ، وأنه يحيي الموتى ! روى عبد الرزاق : 11 / 393 ، عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وآله قال : « وهو محرم عليه أن يدخل أنقاب المدينة ، فيخرج إليه رجل يومئذ هو خير الناس أو من خيرهم فيقول : أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وآله حديثه . فيقول الدجال أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته أتشكون في الأمر ؟ فيقولون : لا ، فيقتله ثم يحييه ، فيقول حين يحيى : والله ما كنت قط أشد بصيرة فيك مني الآن . قال : فيريد قتله الثانية فلا يسلط عليه . قال معمر : وبلغني أنه يجعل على حلقه صفيحة من نحاس . وبلغني أنه الخضر الذي يقتله الدجال ثم يحييه » .
ورواه ابن حماد : 2 / 546 ، وأحمد : 3 / 36 وبخاري : 9 / 76 ، ومسلم : 8 / 199 ، كعبد الرزاق بتفاوت يسير ، وفيه : « فيأمر به فينشر بالمنشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه ! قال : ثم يمشي الدجال بين القطعتين ثم يقول له : قم فيستوي قائماً ! قال ثم يقول له : أتؤمن بي ؟ فيقول : ما ازددت فيك إلا بصيرة . قال : ثم يقول : يا أيها الناس إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس قال : فيأخذه الدجال ليذبحه ، فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاساً فلا يستطيع إليه سبيلاً ، قال : فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به فيحسب الناس أنما قذفه إلى النار وإنما ألقي في الجنة . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين » .
فاعجب للذين يشنعون علينا لاعتقادنا بالمعجزة لعترة النبي المعصومين عليهم السلام ثم يزعمون أن الله أعطاها لأعدائه كالدجال والجن والسحرة ! فينقضون بذلك النبوات لأن دليل النبوة المعجزة .
5 . ورووا عشرات الروايات عن الدجال ، منها أنه من يهود المشرق ، أو يهود أصفهان ، ففي الطبراني الكبير : 18 / 155 ، عن عمران بن حصين قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « يخرج الدجال من قبل أصبهان » .
وفي الطبراني الصغير : 1 / 260 ، عن أبي بردة أن النبي صلى الله عليه وآله قال : « يجئ من ها هنا لا بل من ها هنا ، وأومى نحو المشرق » . ورواه الحاكم : 4 / 528 ، وصححه ! قال : « يخرج الدجال من ها هنا أو ها هنا أو من ها هنا ، بل يخرج ها هنا يعني المشرق » .
وروى ابن حماد : 2 / 532 ، وابن أبي شيبة : 8 / 654 : « إن أبا بكر سأل : هل بالعراق أرض يقال لها خراسان ؟ قالوا نعم ، قال : فإن الدجال يخرج منها » . وأحمد : 1 / 4 ، ورفعه ابن ماجة : 2 / 1353 ، والترمذي : 4 / 509 والحاكم : 4 / 527 ، والبغوي : 3 / 508 ، كرواية أحمد الأولى وقال في الدر المنثور : 5 / 354 : وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، والترمذي ، وصححه ، وابن ماجة .
وفي تهذيب تاريخ دمشق : 1 / 195 : « روى ابن مندة عن عبد الله بن معتمر مرفوعاً قال : إن الدجال ليس به خفاء ، يجئ من قبل المشرق ، فيدعو لنفسه فيتبع ويقاتل ناساً فيظهر عليهم ، لا يزال على ذلك حتى يقدم الكوفة فيظهر عليهم » .
ورواه عبد الرزاق : 11 / 396 ، عن كعب : أنه يخرج الدجال من العراق ! وفي / 395 ، وابن أبي شيبة : 8 / 656 ، عن ابن عمرو أنه يخرج من العراق ، وفي ابن حماد : 2 / 530 عن النبي صلى الله عليه وآله : يخرج الدجال من خلة بين الشام والعراق ! والنهاية : 2 / 73 ، عن الهروي .
والخلة : منخفض بين جبلين . وتقدم حديث أنه يخرج من بلخ بأفغانستان .
6 . ورووا وروينا أن أتباعه اليهود ، وقد تقدمت رواية مسلم « 8 / 207 » « يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً عليهم الطيالسة » . وسيأتي أن كعب الأحبار جعل أتباعه من صلب العرب !
وفي أحمد : 3 / 224 : « يخرج الدجال من يهودية أصبهان ، معه سبعون ألفاً من اليهود عليهم التيجان » .
إلى عشرات الروايات ومئاتها التي غصت بها مصادرهم ، بما فيها من تهافت وتناقض !
لكن في كمال الدين من مصادرنا / 528 ، عن ابن عمر : « أكثر أتباعه اليهود والنساء والأعراب » .
الأبطال الثلاثة في تحريف عقيدة الدجال
أبرز الشخصيات الذين تبنوا أحاديث الدجال ونشروها في المسلمين ، ثلاثة : عمر بن الخطاب ، وتميم الداري ، وكعب الأحبار ، فقد اتفقوا على أسطورة الدجال ومخاريقه ، واختلفوا في تحديده فجعله عمر شخصاً وُلد في عهده وقال إنه عبد الله بن صياد ، وهو يهودي أمه من الخزرج من جماعة سعد بن عبادة . وجعله تميم الداري شخصاً طويلاً عريضاً ، مقيداً بالسلاسل في جزيرة من البحر المتوسط . وجعله كعب الأحبار شيطاناً مقيداً بالسلاسل في جزيرة باليمن .
وكان التأثير الأكبر لعمر ، الذي نشر عقيدته بالدجال ، وسمح لتميم وكعب أن ينشروا عقيدتهم أيضاً ! فتحير الناس بين دجال عمر ودجال تميم ودجال كعب ، لأن أحاديثهم كلها صحيحة ، فصدقوهم جميعاً وجعلوا دجاجيلهم واحداً !
ثم تحيروا في أحاديث كعب وجماعته التي تربط خروج الدجال بفتح القسطنطينية ، وبالمهدي ، وبالقيامة ، وفيها حشدٌ من التفاصيل والتناقضات !
والعجب من علماء الخلافة لم ينتقدوا روايات الدجال لأنها عندهم صحيحة بل حاولوا توحيد الدجالي ، كابن حجر وهو من كبار أئمتهم ، فقد قَبِلَ دجال كعب المحبوس في إحدى جزائر اليمن وقبل رواية تميم في الجساسة وتحير في الجمع بينهما وبين دجال عمر ! وتخبط في ذلك « فتح الباري « 13 / 277 » . ومما قاله : « ذكر نعيم بن حماد شيخ البخاري في كتاب الفتن أحاديث تتعلق بالدجال وخروجه ، إذا ضمت إلى ما سبق ذكره في أواخر كتاب الفتن ، انتظمت منها له ترجمة تامة . منها : ما أخرجه من طريق جبير بن نفير وشريح بن عبيد وعمرو بن الأسود وكثير بن مرة ، قالوا جميعاً : الدجال ليس هو إنسان وإنما هو شيطان موثق بسبعين حلقة في بعض جزائر اليمن ، لا يعلم من أوثقه سليمان النبي أو غيره ، فإذا آن ظهوره فك الله عنه كل عام حلقة ، فإذا برز أتته أتان عرض ما بين أذنيها أربعون ذراعاً ، فيضع على ظهرها منبراً من نحاس ويقعد عليه ، ويتبعه قبائل الجن ، يخرجون له خزائن الأرض ! قلت : وهذا لا يمكن معه كون ابن صياد هو الدجال » .
وابن صياد الذي استبعده ابن حجر هو دجال عمر ، وأحاديثه عندهم في أعلى درجات الصحة ! ثم قال ابن حجر : « ولعل هؤلاء مع كونهم ثقات تلقوا ذلك من بعض كتب أهل الكتاب !
وأخرج أبو نعيم أيضاً من طريق كعب الأحبار أن الدجال تلده أمه بقوص من أرض مصر ، قال : وبين مولده ومخرجه ثلاثون سنة . قال : ولم ينزل خبره في التوراة والإنجيل وإنما هو في بعض كتب الأنبياء . . وذكر ابن وصيف المؤرخ أن الدجال من ولد شق الكاهن المشهور ، قال : بل هو شق نفسه أنظره الله ، وكانت أمه جنية عشقت أباه فأولدها ، وكان الشيطان يعمل له العجائب ، فأخذه سليمان فحبسه في جزيرة من جزائر البحر . . . » .
وقال ابن حجر : « ولشدة التباس الأمر في ذلك ، سلك البخاري مسلك الترجيح ، فاقتصر على حديث جابرعن عمر في ابن صياد ، ولم يخرج حديث فاطمة بنت قيس في قصة تميم ، وقد توهم بعضهم أنه غريب فرده ، وليس كذلك » .
ثم رد ابن حجرأن الدجال مصري ، فقال في : 13 / 277 : « وأخلق بهذا الخبر أن يكون باطلاً ، فإن الحديث الصحيح أن كل نبي قبل نبينا أنذر قومه الدجال . وكونه يولد قبل مخرجه بالمدة المذكورة مخالف لكونه ابن صياد ، ولكونه موثوقاً في جزيرة من جزائر البحر » .
وقد أطال ابن حجر ومال إلى دجال تميم أكثر من دجال عمر ! وحاول أن يجمع بينهما بقوله : « وأقرب ما يجمع به بين ما تضمنه حديث تميم ، وكون ابن صياد هو الدجال أن الدجال بعينه هو الذي شاهده تميم موثوقاً ، وأن ابن صياد شيطان تبدَّى في صورة الدجال في تلك المدة إلى أن توجه إلى أصبهان فاستتر مع قرينه ، إلى أن تجئ المدة التي قدر الله تعالى خروجه فيها » ! انتهى . ولا يصح هذا الجمع ، لأن ابن صياد مات في المدينة ، بينما دجال تميم ودجال كعب مكتفان ، لايطلقان إلا عند خروجهما !
لقد غرق ابن حجر في أحاديثهم في الدجال رغم علمه ، فكيف ببقية علمائهم ! فمشكلة كبارعلمائهم ليست ضعف ذهن الواحد منهم بل في المادة المفروضة عليه بحجة صحتها ، التي تجبره على قبول التناقض والحشوية والهرطقة !
5 - عقيدة الدجال التي نشرها عمر بن الخطاب
روى أصح كتاب عندهم أن عمر كان يحلف أن الدجال هو عبد الله بن صياد ! وهو يهودي من المدينة . ففي البخاري : 8 / 158 ، و 9 / 133 ، أن جابراً قال : « سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي فلم ينكره النبي صلى الله عليه وآله » . يعني أن النبي صلى الله عليه وآله أقر دجال عمر ! والعجيب أن عمر لم يسأل النبي صلى الله عليه وآله عنه ، بل كان يحلف أمامه على رأيه ، فيسكت النبي صلى الله عليه وآله مقراً له ! ثم كذبوا على جابر وأبيّ أنهما كانا يحلفان مثل عمر ، أما أبو ذر فكان يحلف عشر مرات ! ثم افتروا على النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يظنه أن الدجال ابن صياد ، وكان حريصاً على معرفة كلامه ونواياه ، حتى ذهب مرات متخفياً يتلصص عليه ويتجسس ! قال بخاري في صحيحه : 7 / 113 : « أخبرني سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر أخبره أن عمر بن الخطاب انطلق مع رسول الله صلى الله عليه وآله في رهط من أصحابه قِبَل ابن صياد ، حتى وجده يلعب مع الغلمان في أطم بني مَغَالة ، وقد قارب ابن صياد يومئذ الحلم ، فلم يشعر حتى ضرب رسول الله ظهره بيده ، ثم قال : أتشهد أني رسول الله ؟ فنظر إليه فقال : أشهد أنك رسول الأميين . ثم قال ابن صياد : أتشهد أني رسول الله ؟ فرضَّه النبي ، ثم قال : آمنت بالله ورسله . ثم قال لابن صياد : ماذا ترى ؟ قال : يأتيني صادق وكاذب . قال رسول الله : خلط عليك الأمر . قال : رسول الله : إني خبأت لك خبيئاً ، قال : هو الدخّ . قال : إخسأ فلن تعدو قدرك ! قال عمر : يا رسول الله أتأذن لي فيه أضرب عنقه ؟ قال رسول الله : إن يكن هو لا تُسلط عليه ، وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله » .
قال سالم : فسمعت عبد الله بن عمر يقول : « انطلق بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وأبي بن كعب الأنصاري يؤمان النخل التي فيه ابن صياد ، حتى إذا دخل رسول الله طفق رسول الله صلى الله عليه وآله يتقي بجذوع النخل وهو يَخْتِل أن يسمع من ابن صياد شيئاً قبل أن يراه ، وابن صياد مضطجع على فراشه في قطيفة له فيها رمرمة أو زمزمة ، فرأت أم ابن صياد النبي وهو يتقي بجذوع النخل فقالت لابن صياد : أي صاف وهو اسمه ، هذا محمد ، فتناهى ابن صياد . قال رسول الله : لو تركَتْهُ بَيَّن ! قال سالم : قال عبد الله : قام رسول الله في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال : إني أنذركموه ، وما من نبي إلا وقد أنذر قومه ، لقد أنذره نوح قومه ، ولكني سأقول فيه قولاً لم يقله نبي لقومه : تعملون أنه أعور وإن الله ليس بأعور » .
ورواه عبد الرزاق : 11 / 389 ، بثلاث روايات ، وفي الثالثة : 11 / 389 عن الحسين بن علي عليه السلام ! قال : « إن النبي صلى الله عليه وآله خبأ لابن صياد دخاناً فسأله عما خبأ له فقال : دخّ ، فقال : إخسأ فلن تعدو قدرك ، فلما ولى قال النبي ما قال ، فقال بعضهم : دُخّ ، وقال بعضهم : بل قال ريح ! فقال النبي : قد اختلفتم وأنا بين أظهركم وأنتم بعدي أشد اختلافاً » .
وفي رواية أحمد : 3 / 368 ، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وآله مشفقاً أنه الدجال .
ومعنى حديث بخاري أن الله تعالى له عينان سالمتان ، وبذلك يتميزعن الدجال !
وأدلى أبو بكرة أخ زياد بن أبيه بدلوه في الدجال لتأييد قسم عمر ، فروى عنه الطيالسي / 116 : قال رسول الله : يمكث أبَوَا الدجال ثلاثين عاماً لا يولد لهما ، ثم يولد لهما غلام أعور أضر شئ وأقله نفعاً ، تنام عيناه ولا ينام قلبه . قال : ونعت رسول الله صلى الله عليه وآله أباه فقال : أبوه رجل طوال مضطرب اللحم كأن أنفه منقار ! وأما أمه فامرأة طويلة فرضاخية عظيمة الثديين . قال أبو بكرة : فسمعنا بمولود ولد بالمدينة في اليهود ، فذهبت أنا والزبير بن العوام فدخلنا على أبويه فإذا نعت رسول الله فيهما فقلت : هل ولد لكما من ولد ؟ فقالا : مكثنا ثلاثين عاماً لا يولد لنا ، ثم ولد هذا لنا أضر شئ وأقله نفعاً ، تنام عيناه ولا ينام قلبه ، فخرجنا من عندهما فإذا هو منحول في قطيفة في الشمس له همهمة فكشف عن رأسه فقال : ما قلتما ؟ قلنا : أو سمعت ؟ قال : إني أنام ولا ينام قلبي » ! ورواه ابن أبي شيبة : 8 / 651 ، وأحمد : 5 / 49 ، كما في الطيالسي بتفاوت يسير ، ونحوه في / 51 ، والترمذي : 4 / 518 ، ومصابيح البغوي : 3 / 514 ، من حسانه . . إلى آخر القائمة الدجالية .
والفرضاخ والفرضاخة والفرضاخية : بكسر الفاء للرجل والمرأة العظيم البدن .
ثم زعموا أن النبي صلى الله عليه وآله كان شاكاً واحتاج إلى علم اليهود ، وبما أن عمر كان يحضر دروسهم وتعلم منهم علم الدجال ، فعلمه للنبي صلى الله عليه وآله وأكد ذلك بيمين ، فتيقن النبي صلى الله عليه وآله من يمين عمر ، واستغنى بعلم اليهود ويمين عمر عن نزول الوحي !
قال في عمدة القاري : 25 / 69 : « فهذا يدل على شكه فيه وترك القطع عليه أنه الدجال . قلت : يمكن أن يكون هذا الشك منه كان متقدماً على يمين عمر بأنه الدجال » ! لكن ابن حجر قال إن النبي صلى الله عليه وآله لم يؤيد دجال عمر وسكت ، وبقي شاكاً حتى جاءه تميم الداري فأخبره أنه رأى الدجال ، فشكره ودعا المسلمين وخطب بهم ، وعلمهم عقيدة الدجال ، فكان الفضل فيه لتميم وليس لعمر ! إلى آخر هرطقتهم !
6 - كان أولاد عمر يؤكدون عقيدة أبيهم !
روى أبو داود : 4 / 120 ، أن عبد الله بن عمر كان يقول : « والله ما أشك أن المسيح الدجال ابن صياد » . وروى أحمد : 6 / 283 ، أن ابن عمر « رأى ابن صائد في سكة من سكك المدينة فسبه ابن عمر ووقع فيه ، فانتفخ حتى سد الطريق ! فضربه ابن عمر بعصاً كانت معه حتى كسرها عليه ! فقالت له حفصة : ما شأنك وشأنه ، ما يولعك به ؟ أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إنما يخرج الدجال من غضبةٍ يغضبها » !
وروى مسلم : 8 / 194 ، عن نافع قال : « لقي ابن عمر ابن صائد في بعض طرق المدينة فقال له قولاً أغضبه فانتفخ حتى ملأ السكة ، فدخل ابن عمر على حفصة وقد بلغها فقالت له : رحمك الله ما أردت من ابن صائد أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : إنما يخرج من غضبة يغضبها » !
وروى عبد الرزاق : 11 / 396 ، عن ابن عمر ، قال : « لقيت ابن صياد يوماً ومعه رجل من اليهود فإذا عينه قد طفيت ، وكانت عينه خارجة مثل عين الجمل ، فلما رأيتها قلت : يا ابن صياد أنشدك الله متى طفيت عينك أو نحو هذا ؟ قال : لا أدري والرحمن ، فقلت : كذبت لا تدري وهي في رأسك ؟ قال : فمسحها ، قال : فنخر ثلاثاً ! فزعم اليهودي أني ضربت بيدي على صدره ، قال : ولا أعلم أني فعلت ذلك ! قلت : إخس ، فلن تعدو قدرك ، قال : أجل لعمري لا أعدو قدري .
قال : فذكرت ذلك لحفصة فقالت : إجتنب هذا الرجل ، فإنا نتحدث أن الدجال يخرج عند غضبة يغضبها » !
أقول : هذا يدلنا على أن بدعة عمر أو خيالاته قد نجحت ، وآمن بها أولاده وبعض المسلمين !
7 - محنة المسكين عبد الله بن صياد وابنه عمارة !
وقد تناقض علماء الخلافة فيما كتبوه في ترجمة ابن صياد وابنه عمارة ، فقد تحيروا في قبول يمين عمر إنه الدجال فقال بعضهم : كلام عمر صحيح ، وابن صياد هو الدجال ، ونسبوا إلى جابر الأنصاري رحمه الله وغيره تصديق عمر رغم أن ابن صياد أسلم وشارك في فتح أصفهان ، فأجابوا بأنه غاب عند يهود أصفهان ، لأن النبي أخبر أنه يخرج من هناك : « وأن اليهود تلقوه وقالوا : هذا ملكنا الذي نستفتح به على العرب ، وأدخلوه البلد ليلاً ومعه الطبول والشموع ، ثم لم يعرف له خبر بعد ذلك » . « تهذيب ابن حجر : 7 / 367 » .
لكنهم كذبوا أنفسهم فرووا أنه كان في المدينة يوم الحرة ! وقال بعضهم : كيف يكون ابن صياد الدجال وقد أسلم وشارك في الفتوحات ومات في المدينة ، وابنه عمارة إمام وَثَّقَهُ ابن معين وابن حبان ، وغيرهما !
وقد تجرأ البيهقي وابن حجر والذهبي وابن تيمية والشوكاني فقالوا إن ابن صياد ليس الدجال ، وإنَّ عمر أخطأ في يمينه وإن النبي صلى الله عليه وآله لم يقره لأنه كان « شاكاً » فيه ، فنزل عليه الوحي بأن الدجال هو دجال تميم الداري المسجون في جزيرة ، فخطب في الناس وأخبرهم ! قال في الإصابة : 5 / 148 : « في الصحيحين عن جابر أنه كان يحلف أن ابن صياد الدجال ، وذكر أن عمر كان يحلف بذلك عند النبي صلى الله عليه وآله . . لكنه إن كان مات على الإسلام يكون كما قال ابن فتحون « صحابياً عادلاً » على شرط كتاب الإستيعاب » .
وقال الذهبي في الكاشف : 2 / 54 : « عمارة بن عبد الله بن صياد : هو ولد الذي ظُنَّ أنه الدجال ، عن جابر ، وعن ابن المسيب ، وعنه مالك ، وجماعة . وثقه ابن معين » .
وقال الشوكاني في نيل الأوطار : 8 / 19 : « قال الخطابي : اختلف السلف في أمر ابن صياد بعد كبره ، فروي أنه تاب من ذلك القول ومات بالمدينة ، وأنهم لما أرادوا الصلاة عليه كشفوا وجهه حتى يراه الناس ، وقيل لهم : اشهدوا !
وقال النووي : قال العلماء قصة ابن صياد مشكلة وأمره مشتبه ، ولكن لا شك أنه دجال من الدجاجلة ! والظاهر أن النبي صلى الله عليه وآله لم يوح إليه في أمره بشئ ، وإنما أوحيَ إليه بصفات الدجال وكان في ابن صياد قرائن محتملة ، فلذلك كان صلى الله عليه وآله لا يقطع في أمره بشئ » .
وقال البيهقي في نيل الأوطار : 8 / 19 : « يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وآله كان متوقفاً في أمره ، ثم جاءه التثبت من الله تعالى بأنه غيره ، على ما تقتضيه قصة تميم الداري ، وبه تمسك من جزم بأن الدجال غير ابن صياد وطريقه أصح » .
وقال في نيل الأوطار : 8 / 20 : « وهذا الحديث ينافي ما استدل به على أن ابن صياد هو الدجال ولا يمكن الجمع أصلاً ، إذ لا يلتئم أن يكون من كان في الحياة النبوية شبه المحتلم ويجتمع به النبي ويسأله ، أن يكون شيخاً في آخرها مسجوناً في جزيرة من جزائر البحر موثوقاً بالحديد يستفهم عن خبر النبي صلى الله عليه وآله : هل خرج أم لا ، فينبغي أن يحمل حلف عمر وجابر ، على أنه وقع قبل علمهما بقصة تميم » .
لكنهم رووا عن جابر رحمه الله نقيض ذلك وأنه قال : « ما زلت في شك من عبد الله بن صائد حتى قبر » ! « رسالة الصاهل لأبي العلاء المعري / 100 » .
وقال ابن تيمية في فتاويه : 11 / 283 : « ظن بعض الصحابة أنه الدجال وتوقف النبي في أمره حتى تبين له فيما بعد أنه ليس هو الدجال ، لكنه كان من جنس الكهان » .
وقال ابن قتيبة في المعارف / 272 : « وأبوه عبد الله بن صياد هو الذي قيل فيه إنه الدجال لأمور كان يفعلها ، وأسلم عبد الله ، وحج ، وغزا مع المسلمين ، وأقام بالمدينة ! ومات ابنه عمارة في خلافة مروان بن محمد » .
وفي الجرح والتعديل : 6 / 367 : « عن يحيى بن معين أنه قال : عمارة بن عبد الله بن صياد ثقة ، نا عبد الرحمن قال : سألت أبي عن عمارة بن صياد فقال : هو صالح الحديث » .
وفي تهذيب الكمال : 21 / 249 : « وقال محمد بن سعد : كان ثقة قليل الحديث ، وكان مالك بن أنس لا يقدم عليه في الفضل أحداً . . . ومات عمارة في خلافة مروان بن محمد . وذكره ابن حبان في كتاب الثقات » .
وفي أسد الغابة : 3 / 187 : « عبد الله بن صياد . . كان أبوه من اليهود لا يدرى ممن هو ، وهو الذي يقول بعض الناس إنه الدجال . ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله أعور مختوناً . من ولده عمارة بن عبد الله بن صياد من خيار المسلمين ، من أصحاب سعيد بن المسيب ، روى عنه مالك وغيره »
ثم ذكر يمين عمر وقال : « الذي صح عندنا أنه ليس الدجال ، لما ذكره في هذا الحديث ، ولأنه توفي بالمدينة مسلماً ، ولحديث تميم الداري » .
« كان مالك بن أنس لا يقدِّم عليه أحداً في الفضل ، وروى عنه وروى عمارة عن سعيد بن المسيب . وكانوا يقولون نحن بنو أشيهب . ثم قال ابن سعد عن أبيه عبد الله : وهو الذي قيل إنه الدجال لأمور كان يفعلها » . « الطبقات ، القسم المتمم / 302 » .
أقول : يبدو أن أم ابن صائد خزرجية ، وقد يكون أبوه يهودياً ، ولم أجد بني أشيهب الذين نسبوه إليهم ، وربما كانوا أخواله من الخزرج . فهو محسوب على الخزرج ورئيسهم سعد بن عبادة ، الذي هو العدو اللدود لعمر ، لأنه وقف ضد بيعة أبي بكر فنفاه عمر إلى الشام ، ثم بعث له خالداً فقتله !
قال في الطبقات : 3 / 503 : « إن النبي صلى الله عليه وآله رأى ابن صياد وهو صبي مراهق يلعب في حي بني مَغَالة ، وهم بطن من بني عبد النجار » . لكن عمر جعله يهودياً ، ولَبَّسَهُ تهمة الدجال ! وكان مسلماً مجاهداً ، وكان قائد الخيل في معركة نهاوند « الطبري : 3 / 187 » وكان يصرخ من تهمة عمر له ، وتهمة ابنه عبد الله بن عمر وابنته حفصة !
وروى أحمد : 3 / 79 : أن أبا سعيد الخدري كان ذاهباً في جيش الفتح : « قال : أقبلنا في جيش من المدينة قبل هذا المشرق ، قال : فكان في الجيش عبد الله بن صياد ، وكان لايسايره أحد ، ولا يرافقه ولا يؤاكله ولا يشاربه ، ويسمونه الدجال ! فبينا أنا ذات يوم نازل في منزل لي إذ رآني عبد الله بن صياد جالساً ، فجاء حتى جلس إليَّ فقال : يا أبا سعيد ألا ترى إلى ما يصنع الناس ؟ ! لايسايرني أحد ولا يرافقني أحد ولا يشاربني أحد ولا يؤاكلني أحد ، ويدعوني الدجال ! وقد علمت أنت يا أبا سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : إن الدجال لا يدخل المدينة ، وإني ولدت بالمدينة . وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إن الدجال لا يولد له وقد وُلد لي ! فوالله لقد هممتُ مما يصنع بي هؤلاء الناس أن آخذ حبلاً فأخلو فأجعله في عنقي ، فأختنق فأستريح من هؤلاء الناس ! والله ما أنا بالدجال » !
لكن الرواة أرادوا إثبات صدق عمر ، وقالوا : عنزة ولو طارت ! فأضافوا في الحديث : « ثم قال لي في آخر قوله : أما والله إني لأعلم مولده ومكانه وأين هو ! قال فلبَّسني » . « مسلم : 8 / 190 » . يقصد أنه غشه في أول حديثه ، ثم أقر في آخره !
8 - عقيدة الدجال التي نشرها تميم الداري
تميم الداري مسيحي من بلاد الشام ، وقد جاء هو وجماعته إلى النبي صلى الله عليه وآله في السنة العاشرة للهجرة ، أي بعد انتصار النبي صلى الله عليه وآله وشمول الإسلام الجزيرة . وكان تميم وجماعته تجار خمر فأهدى إلى النبي صلى الله عليه وآله أدناناً من الخمر فرفضها ، لأن الله حرمها ، فقال له تميم : خذها وانتفع بثمنها ، فأجابه إذا حرم الله شيئاً حرم ثمنه .
وسكن تميم المدينة ، وكان مقرباً من الخليفة عمر الأنه يقص قصص أهل الكتاب التي تعجب عمر ! وقد طلب منه تميم أن يقصها في المسجد ، فقال له عمر : إن النبي نهى عن ثقافة القصاصين : « إني أخاف أن يجعلك الله تحت أقدامهم »
يعني أخاف عليك غضب المسلمين ، إذا قَصَصْتَ في مسجدهم ! لكن تميماً استغل ليونة عمر فواصل طلبه ، كما في تاريخ المدينة : 1 / 9 ، فأصدر له مرسوماً بالقص في مسجد النبي صلى الله عليه وآله ! وحضر عمر تحت منبره ، وقال إنه أراد أن يسأله عن توضيح كلمة ، لكنه احترمه وكره أن يقطع كلامه !
وقد اختار له عمر يوم الجمعة ، ثم أضاف اليه يوم السبت ، فصارت النتيجة مزيجاً طريفاً : قسيسٌ وتاجر خمر ، مسيحي سابقاً ومسلم حالياً حسب قوله ، يقصُّ على المسلمين قصص اليهود والنصارى ، في مسجد نبيهم صلى الله عليه وآله في يوم السبت ! في حين أن عمر منع من أي تحديث عن النبي صلى الله عليه وآله تحت طائلة العقوبة !
وروى أحمد : 3 / 449 : « لم يكن يقصُّ على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ولا أبي بكر ، وكان أول من قص تميماً الداري ، استأذن عمر بن الخطاب أن يقص على الناس قائماً ، فأذن له عمر » .
وقال عمر بن شبَّة في تاريخ المدينة : 1 / 11 : « ثم استخلف عثمان فاستزاده ، فزاده مقاماً آخر ، فكان يقوم ثلاث مرات في الجمعة » . انتهى . وبهذا صار تميم الواعظ الرسمي للمسلمين ، وكان عمر يحترمه كثيراً ويسميه « خير المؤمنين » واخترعوا له كرامات ومعجزات ، فقالوا : ذات يوم ثار بركان في المدينة فطلب عمر من تميم أن يرد البركان ويطفئه ، فذهب معه وحاش فوهة البركان بيديه وطرد النار إلى شعب من شعاب الجبال ، وركض وراءها ، حتى اختفت !
قال البيهقي في دلائل النبوة : 6 / 80 : « باب ما جاء في الكرامة التي ظهرت على تميم الداري رضي الله عنه . . . عن معاوية بن حرمل قال : قدمت المدينة فلبثت في المسجد ثلاثاً لا أطعم ، قال : فأتيت عمر فقلت : يا أمير المؤمنين تائب من قبل أن تقدر عليه ، قال : من أنت ؟ قلت : أنا معاوية بن حرمل « صهر مسيلمة الكذاب وكان معه في حركة نبوته ، الإصابة : 10 / 35 » قال : إذهبْ إلى خير المؤمنين فانزل عليه . قال : وكان تميم الداري إذا صلى ضرب بيده عن يمينه وعن شماله ، فأخذ رجلين فذهب بهما ، فصليت إلى جنبه فضرب يده فأخذ بيدي ، فذهب بي فأتينا بطعام فأكلت أكلاً شديداً وما شبعت من شدة الجوع ! قال : فبينا نحن ذات يوم إذ خرجت نار بالحرة ، فجاءه عمر إلى تميم فقال : قم إلى هذه النار ، فقال : يا أمير المؤمنين ومن أنا وما أنا ! قال : فلم يزل به حتى قام معه ، قال : وتبعتهما فانطلقا إلى النار فجعل تميم يحوشها بيديه حتى دخلت الشعب ودخل تميم خلفها ! قال : فجعل عمر يقول : ليس من رأى كمن لم يرَ ، قالها ثلاثاً » . انتهى .
هذا هو تميم الداري الذي زعموا أن النبي صلى الله عليه وآله أخذ منه عقيدة الدجال ! وقد طوَّرها تميم عن أسطورة الدجال اليهودي وادعى أنه رآه مقيداً في جزيرة في البحر ! وقد بلغت بهم الجرأة أن زعموا أنه أخبر النبي صلى الله عليه وآله فسارع إلى المنبر وخطب في المسلمين وقص عليهم قصة تميم ، وجعلها جزء من الإسلام وعقائده ! ثم روجوها في أهم مصادرهم ، وعرفت باسم : « حديث الجساسة » .
وأقدم من رواها قبل ابن أبي شيبة : 8 / 658 ، وأشهر رواتها فاطمة بنت قيس الفهرية ، أخت الضحاك المتقرب إلى معاوية ، قالت : « صلى النبي صلى الله عليه وآله ذات يوم الظهر ثم صعد المنبر فاستنكر الناس ذلك ، فبيْنَ قائم وجالس ، ولم يكن يصعده قبل ذلك إلا يوم الجمعة ، فأشار إليهم بيده أن اجلسوا ، ثم قال : والله ما قمت مقامي هذا لأمر ينفعكم ، لا لرغبة ولا لرهبة ، ولكن تميماً الداري أتاني فأخبرني خبراً منعني القيلولة من الفرح وقرة العين ، ألا إن بني عمٍّ لتميم الداري أخذتهم عاصف في البحر ، فألجأتهم الريح إلى جزيرة لا يعرفونها ، فقعدوا في قوارب السفينة فصعدوا فإذا هم بشئ أسود أهدب كثير الشعر ، قالوا لها : ما أنت ؟ قالت : أنا الجساسة قالوا : فأخبرينا ، قالت : ما أنا بمخبرتكم ولا سائلتكم عنه ، ولكن هذا الدير قد رمقتموه فأتوه فإن فيه رجلاً بالأشواق إلى أن يخبركم وتخبروه ، فأتوه فدخلوا عليه فإذا هم بشيخ موثق في الحديد شديد الوثاق كثير الشعر ، فقال لهم : من أين ؟ قالوا : من الشام قال : ما فعلت العرب ؟ قالوا : نحن قوم من العرب ، قال : ما فعل هذا الرجل الذي خرج فيكم ؟ قالوا : خير ، ناواه قوم فأظهره الله عليهم ، فأمرهم اليوم جميع وإلههم واحد ودينهم واحد ، قال : ذلك خير لهم ، قال : ما فعلت عين زَغَر ؟ قالوا : يسقون منها زروعهم ويشربون منها لسقيهم . قال : ما فعل نخل بين عمان وبيسان ؟ قالوا : يطعم من جناه كل عام ، قال : ما فعلت بحيرة طبرية ؟ قالوا : تدفق جانباها من كثرة الماء . فزفر ثلاث زفرات ثم قال : إني لو قد انفلتُّ من وثاقي هذا لم أترك أرضاً إلا وطأتها بقدمي هاتين ، إلا طيبة ليس لي عليها سلطان . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إلى هذا انتهى فرحي ! هذه طيبة ، والذي نفس محمد بيده ما منها طريق ضيق ولا واسع إلا عليه ملك شاهر بالسيف إلى يوم القيامة » .
ونحوه أحمد : 6 / 416 ، وابن ماجة : 2 / 1354 ، وأبو داود : 4 / 118 ، مختصراً ، بخمس روايات . والترمذي : 4 / 521 ، بتفاوت ، وأبو يعلى : 4 / 119 ، بثلاث روايات . . . إلى آخر القائمة .
لكن مسلماً صاحب الصحيح ، أفاض « 8 / 203 » في جساسة تميم ودجاله بتفصيل فرواها بعدة روايات عن بطلة الرواية فاطمة بنت قيس ، قالت : « فلما انقضت عدتي سمعت نداء المنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وآله ينادى : الصلاة جامعة ، فخرجت إلى المسجد فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله ، فكنت في صف النساء التي تلي ظهورالقوم فلما قضى رسول الله صلاته جلس على المنبر وهو يضحك فقال : ليلزم كل إنسان مصلاه ، ثم قال : أتدرون لم جمعتكم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ، ولكن جمعتكم لأن تميماً الداري كان رجلاً نصرانياً فجاء فبايع وأسلم ، وحدثني حديثاً وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال ! حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلاً من لخم وجذام ، فلعب بهم الموج شهراً في البحر ، ثم أرفأوا إلى جزيرة في البحرحتى مغرب الشمس فجلسوا في أقرب السفينة فدخلوا الجزيرة ، فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر لا يدرون ما قُبله من دُبره من كثرة الشعر ، فقالوا : ويلك ما أنت ؟ فقالت : أنا الجساسة ! قالوا : وما الجساسة ؟ ! قالت : أيها القوم ، انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق . قال : لما سمَّت لنا رجلاً فرقنا منها أن تكون شيطانة ، قال فانطلقنا سراعاً حتى دخلنا الدير فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقاً وأشده وثاقاً ، مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد ! قلنا : ويلك ما أنت ؟ قال : قد قدرتم على خبري فأخبروني ما أنتم ؟ قالوا : نحن أناس من العرب ركبنا في سفينة بحرية ، فصادفنا البحر حين اغتلم ، فلعب بنا الموج شهراً ، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه فجلسنا في أقربها ، فدخلنا الجزيرة فلقيتنا دابة أهلب كثير الشعر لا يدرى ما قبله من دبره من كثرة الشعر ، فقلنا : ويلك ما أنت ؟ فقالت : أنا الجساسة . قلنا : وما الجساسة ؟ قالت : إعمدوا إلى هذا الرجل في الدير ، فإنه إلى خبركم بالأشواق ، فأقبلنا إليك سراعاً وفزعنا منها ، ولم نأمن أن تكون شيطانة !
فقال : أخبروني عن نخل بيسان ؟ قلنا : عن أي شأنها تستخبر ؟ قال : أسألكم عن نخلها هل يثمر ؟ قلنا له : نعم . قال : أما إنه يوشك أن لا تثمر . قال : أخبروني عن بحيرة الطبرية ؟ قلنا : عن أي شأنها تستخبر ؟ قال : هل فيها ماء ؟ قالوا : هي كثيرة الماء . قال : أما إن ماءها يوشك أن يذهب . قال : أخبروني عن عين زغر ؟ قالوا : عن أي شأنها تستخبر ؟ قال : هل في العين ماء وهل يزرع أهلها بماء العين ؟ قلنا له : نعم هي كثيرة الماء وأهلها يزرعون من مائها . قال : أخبروني عن نبي الأميين ما فعل ؟ قالوا : قد خرج من مكة ونزل يثرب . قال : أقاتله العرب ؟ قلنا : نعم . قال : كيف صنع بهم ؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه . قال لهم : قد كان ذلك ؟ ! قلنا : نعم . قال : أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه ، وإني مخبركم عني : إني أنا المسيح « ! » وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غيرمكة وطيبة ، فهما محرمتان عليَّ كلتاهما كلما أردت أن أدخل واحدة أو واحداً منهما استقبلني ملك بيده السيف مصلتاً يصدني عنها ، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها .
قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وطعن بمخصرته في المنبر : هذه طيبة هذه طيبة هذه طيبة يعنى المدينة ، ألا هل كنت حدثتكم ذلك ؟ فقال الناس : نعم . قال صلى الله عليه وآله : فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة ! ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن ، لا بل من قبل المشرق ، ما هو من قبل المشرق ما هو من قبل المشرق ما هو . وأومأ بيده إلى المشرق . قالت : فحفظت هذا من رسول الله » .
أقول : هذه القصة واضحة الكذب والتناقض ، ويظهر أنها واضعتها بنت قيس وهي كذابة ولا حافظة لكذوب ، ففي بعضها أن تميماً كان في السفينة وفي بعضها لم يكن ! وفي بعضها أخذهم موج البحر شهراً ، وفي بعضها كانوا يسيرون فظهرت لهم جزيرة ، فذهبوا ليشتروا خبزاً ! وفي بعضها أن الجزيرة في ساحل فلسطين ، وفي بعضها في المغرب ! وفي بعضها أن النبي صلى الله عليه وآله تحير فيها أين هي ! كما أن الجساسة عند بنت قيس مرة دابة ومرة امرأة ! أما الدجال فإنسان ضخم ، أو شيطان ، مقيدٌ في دير في جزيرة . ثم تتعجب لماذا سألهم الدجال عن مناطق ، ولم يرسل أحداً ليتعرف خبرها . . الخ . !
9 - عقيدة الدجال التي نشرها كعب الأحبار
عمل اليهود للتأثير الثقافي على المسلمين فترجموا توراتهم إلى العربية وكلفوا عمر بن الخطاب أن يقنع النبي بأن يعتمدها كتاباً للمسلمين ! فغضب النبي صلى الله عليه وآله وقال : « والذي نفس محمد بيده ، لو أصبح موسى فيكم ثم اتبعتموه وتركتموني ، لضللتم » ! وفي عبد الرزاق : 6 / 113 : « فتغير وجه رسول الله ! قال عبد الله : فقلت : مسخ الله عقلك ! ألا ترى ما بوجه رسول الله ؟ ! » . وفتح الباري : 13 / 438 .
وكان لليهود في المدينة مدرستان : المدراس لتدريس التوراة ، والمشنا لتدريس التلمود ، وكان عمر ومعه جماعة يحضرون عندهم كل سبت ، وطلب من النبي صلى الله عليه وآله أن يأذن لهم بكتابة أحاديثهم فنهاه وقال : كيف يهدونكم وقد أضلوا أنفسهم ! لكنهم تابعوا حضورهم ! فاستنفر النبي صلى الله عليه وآله المسلمين وخطب وحذرهم من المتأثرين باليهود وأطلق عليهم اسم « المُتَهَوِّكين » ! « الدر المنثور : 4 / 3 » .
ومعنى ذلك أن نشر الإسرائيليات كان من زمن النبي صلى الله عليه وآله وعندما جاء كعب في عهد عمر ، وجد الإسرائيليات في الدجال قائمة ، فطورها ونفى أن يكون الدجال يهودياً وجعله عربياً عراقياً ، وزاد من تخويف المسلمين منه ، كما خوفهم من فتح القسطنطنية لأنه يوجب خروج الدجال وقيام الساعة ! وجعل فتح القسطنطينية بيد اليهود من بني إسحاق كما روى مسلم ! لا بيد المسلمين . . الخ . وتجد من العجائب أن كعباً يروي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله مع أنه لم يره ! لكن تلاميذه أبا هريرة وعبد الله بن عمر وابن عمرو العاص ، جعلوا كلامه أحاديث نبوية !
10 - جعل كعب حركة الدجال حركة عربية !
رووا عن أنس أن الدجال يهودي ، ففي مسند أحمد : 3 / 224 ، عن أنس : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « يخرج الدجال من يهودية أصبهان ، معه سبعون ألف من اليهود عليهم التيجان » . ويهودية أصفهان : محلة فيها يسكنها اليهود .
وفي مسلم : 8 / 207 : « يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً ، عليهم الطيالسة » .
لكن كعباً جعل أتباعه من العرب الأقحاح ! ففي مصنف ابن أبي شيبة : 8 / 671 : « كأني بمقدمة الأعور الدجال ست مائة ألف من العرب يلبسون السيجان » . وفي كنى البخاري / 65 : « يتبع الدجال أربعون ألفاً من صلب العرب » .
ثم جعل الدجال عراقياً ، لأن كعباً كان يكره العراق لأن القبائل اليمانية فيه يعرفون زيفه ، ففي مصنف عبد الرزاق : 11 / 396 ، عن كعب قال : « يخرج الدجال من العراق » . وفي / 251 : أراد عمر أن يسكن العراق فقال له كعب : « لا تفعل ، فإن فيها الدجال ، وبها مردة الجن ، وبها تسعة أعشار السحر ، وبها كل داء عضال يعني الأهواء » .
وتكرم كعب على بني تميم فقال لابن فاتك التميمي : « إن أشد أحياء العرب على الدجال قومك يعني بني تميم » . « الآحاد والمثاني : 2 / 372 » . ولعله خاف من ابن فاتك ! وبذلك خالف كعب عمر لأنه قال إن الدجال مولود ويعيش حتى يخرج .
كما رد حديث النبي صلى الله عليه وآله المعروف عندهم أن الدجال من يهود أصفهان ! فزعم كعب أنه ، ليجعله يهودياً شبيهاً بموسى عليه السلام لأنه المهدي المنتظر عندهم !
قال في فتح الباري : 13 / 277 : « وأخرج أبو نعيم أيضاً من طريق كعب الأحبار ، أن الدجال تلده أمه بقوص من أرض مصر ، قال : وبين مولده ومخرجه ثلاثون » .
11 - من لم يؤمن بدجال كعب فقد كفر !
في فرائد السمطين : 2 / 334 : « عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من أنكر خروج المهدي فقد كفر بما أنزل على محمد ، ومن أنكر نزول عيسى فقد كفر ، ومن أنكر خروج الدجال فقد كفر » .
والمقصود بهذا الدجال دجال كعب ، وقد قال ذلك لأن هرطقته واجهت رفضاً من عقلاء المسلمين ، فأعلن بعضهم كفره بهذا الدجال أو موافقتهم لأهل البيت عليهم السلام ، فوضع لهم كعب وتلاميذه هذا الحديث وربط دجاله بالمهدي عليه السلام !
ولو سلَّمنا جدلاً صحة هذا الحديث ، فلا بد أن يكون الكفر فيه بمعناه اللغوي ، أي تغطية الحق ، وليس الكفر المصطلح المُخرج عن الدين .
12 - حرف كعب أحاديث المهدي والدجال ليطعن بالإسلام !
أخذ كعب البشارة النبوية بالمهدي ونزول عيسى صلى الله عليه وآله وخلطها بهرطقة اليهود ، وأضاف إليها أكاذيب لمصلحة الروم تمنع المسلمين من فتح القسطنطينية ، فزعم أن الدجال يخرج بعد فتحها مباشرة ، وأن المهدي عليه السلام سيقتل ، والكعبة ستهدم ، ومكة تخرب ، ولا تسكن أبداً !
والعجيب أن عمر قبل هرطقاته وتبعه رواة الخلافة وجعلوها أحاديث نبوية ، ودونوها في أصح مصادرهم ، فصارت ديناً ، بل فضيحةً موصوفة !
روى ابن حماد : 2 / 457 ، عن كعب قال : « المنصور مهدي يصلي عليه أهل السماء والأرض وطير السماء ، يبتدي بقتال الروم والملاحم عشرين سنة ، ثم يقتل شهيداً في الملحمة العظمى هو وألفان معه كلهم أمير وصاحب راية . ولم يصب المسلمون بمصيبة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله أعظم منها » .
وفي : 1 / 393 ، قال كعب : « بلغني أن المهدي يمكث أربعة عشر سنة ببيت المقدس ، ثم يموت ، ثم يكون من بعده شريف الذكر ، من قوم تُبَّع يقال له منصور ببيت المقدس ، إحدى وعشرين سنة ، خمسة عشر منها عدل وثلاث سنين جور ، وثلاث سنين منها حرمان الأموال ، لا يعطي أحداً درهماً » .
وفي معارج الوصول للزرندي الشافعي / 198 : « وعن كعب قال : يموت المهدي موتاً ثم يلي الناس بعده رجل من أهل بيته ، فيه خير وشر ، وشره أكثر من خيره ، يُغضب الناس يدعوهم إلى الفرقة بعد الجماعة ، بقاؤه قليل ، يثور به رجل من أهل بيته يقتله ويقتل الناس بعده قتلاً شديداً . وبقاء الذي قتله بعده قليل ، ثم يموت موتاً ويليهم رجل من مضر من الشرق ، يُكفر الناس ويخرجهم من دينهم » ! انتهى .
فانظر كيف وجَّه كعب طعنته إلى قلب عقيدة الإسلام بدولة العدل الإلهي وإنهاء الظلم ! فجعلها لعبةً ، ونسب إلى الله تعالى أن المهدي عليه السلام يقتل ويعود الظلم ! ثم لاحظ كيف قبل ابن عمر وابن عمرو وابن منبه والزهري ، أفكار كعب ونشروها ، ولم يسألوا من أين جاء علم الغيب إلى كعب ، إلا من أمنيات اليهود ؟ !
13 - زعم كعب أن اليهود سيفتحون القسطنطينية !
من عجائب ما رواه مسلم النيسابوري : 8 / 187 عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال : « سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر ؟ قالوا : نعم يا رسول الله ، قال : لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفاً من بني إسحاق ، فإذا جاؤها نزلوا فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم ، قالوا : لا إله إلا الله والله أكبر ، فيسقط أحد جانبيها . قال ثور : لا أعلمه إلا قال : الذي في البحر ، ثم يقولوا الثانية : لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط جانبها الآخر ثم يقولوا الثالثة : لا إله إلا الله والله أكبر فيفرج لهم فيدخلوها فيغنموا فبينما هم يقتسمون المغانم ، إذ جاءهم الصريخ فقال : إن الدجال قد خرج فيتركون كل شئ ويرجعون » .
ورواه الحاكم : 4 / 476 ، والبغوي : 3 / 482 ، من صحاحه ، وجامع الأصول : 11 / 75 ، وتذكرة القرطبي / 707 .
وقال النووي في شرح مسلم : 18 / 43 : « قال القاضي : كذا هو في جميع أصول صحيح مسلم « من بني إسحاق » قال بعضهم : المعروف المحفوظ من بنى إسماعيل وهو الذي يدل عليه الحديث وسياقه ، لأنه إنما أراد العرب وهذه المدينة هي القسطنطينية » . انتهى .
أقول : سمع كعب أن المهدي عليه السلام يفتح مدينة غربية بالتكبير ، وقال بعض الرواة : إنها القسطنطينية ، وكان المسلمون يتحفزون لفتحها ، فنسب كعب فتحها إلى قومه . وعلَّمَ كعب ذلك لأبي هريرة فجعله حديثاً عن النبي صلى الله عليه وآله ، كما سترى !
14 - كعب يخوِّف المسلمين بالدجال إن فتحوا القسطنطينية !
أوردنا في المجلد الثالث من جواهر التاريخ رد الإمام زين العابدين والإمام الباقر عليه السلام على افتراء كعب بأن قبلة اليهود صخرة بيت المقدس أفضل من الكعبة ، وأوردنا في المجلد الثاني في فصل الذين قتلهم معاوية ، سخرية رشيد الهجري ومحمد بن أبي حذيفة رحمهما الله من كعب وتنبؤاته ! راجع تدوين القرآن / 429 .
وقد وجد كعب أن الدجال حقلٌ حيويٌّ لأكاذيبه ، فبث سمومه في نفوس المسلمين ، وأقنعهم بأن هذه الأمة ستنتهي قريباً ! وأقنع عمر بذلك ، وأن الكعبة ستهدم ومكة تخرب ، فلا تَعمر بعدها أبداً ! وتحوَّل هذيانه بأيدي تلاميذه إلى أحاديث نبوية ! قال ابن حماد : 2 / 529 : « عن كعب قال : يفتتحون القسطنطينية ، فيأتيهم خبر الدجال فيخرجون إلى الشام فيجدونه لم يخرج ، ثم قلَّ ما يلبثُ حتى يخرج » . وفي : 2 / 522 : عن كعب قال : « يأتيهم الخبر وهم يقسمون غنائمهم إن الدجال قد خرج ، وإنما هو كذب ، فخذوا ما استطعتم ، فإنكم تمكثون ست سنين ، ثم يخرج في السابعة » . وفي / 147 ، عن كعب قال : « لا يخرج الدجال حتى تفتح القسطنطينية » .
وروى الحاكم : 4 / 462 ، عن كعب : « الجزيرة آمنة من الخراب حتى تخرب أرمينية ، ومصر آمنة من الخراب حتى تخرب الجزيرة ، والكوفة آمنة من الخراب حتى تخرب مصر ، ولا تكون الملحمة حتى تخرب الكوفة ، ولا تفتح مدينة الكفر حتى تكون الملحمة ، ولا يخرج الدجال حتى تفتح مدينة الكفر » .
وروى ابن حماد : 2 / 548 ، عن ابن عمر قال : « ملاحم الناس خمس : فثنتان قد مضتا وثلاث في هذه الأمة : ملحمة الترك وملحمة الروم وملحمة الدجال . ليس بعد ملحمة الدجال ملحمة » .
وفي : 2 / 161 ، عن كعب : « بينما هم يقتسمون غنائم القسطنطينية ، إذ يأتيهم خبر الدجال فيرفضون ما في أيديهم ثم يقبلون فيلحقون ببيت المقدس ، فيصلي خلف من يلي أمر المسلمين ، ثم يوحي الله تعالى إلى عيسى بن مريم أن يسير إلى يأجوج ومأجوج ، ثم يرجع إلى بيت المقدس . ثم إن الأرض تخرج زكاتها على ما كانت في أول الدنيا ، ثم يلبث سبعاً ، ثم يبعث الله ريحاً فتقبض أرواح المؤمنين » .
وروى ابن حماد : 2 / 499 ، عن كعب قال : « الملحمة العظمى وخراب القسطنطينية وخروج الدجال في سبعة أشهر ، أو ما شاء الله من ذلك » .
ثم صار كلام كعب هذا قولاً لصحابي ! قال ابن حماد : 2 / 469 ، عن بشير بن عبد الله بن يسار قال : « أخذ عبد الله بن بسر المازني صاحب رسول الله بأذني فقال : يا ابن أخي لعلك تدرك فتح قسطنطينية ، فإياك إن أدركت فتحها أن تترك غنيمتك منها ، فإن بين فتحها وبين خروج الدجال سبع سنين » .
ثم ترقى كلام كعب فصار حديثاً نبوياً « ص 147 و 148 » ! فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : « الملحمة العظمى وفتح القسطنطينية وخروج الدجال في سبعة أشهر » ! ورواهما أحمد « 4 / 189 » عن عبد الله بن بسر أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : « بين الملحمة وفتح المدينة ست سنين ، ويخرج مسيح الدجال في السابعة » .
ورواه أحمد : 5 / 234 ، عن معاذ بن جبل ! ومثله تاريخ بخاري : 8 / 431 ، عن بسر . وفي ابن ماجة : 2 / 1370 ، عن معاذ بن جبل ، وابن بسر . وفي سنن أبي داود : 4 / 110 ، كرواية ابن حماد الثالثة ، عن معاذ ، وبرواية أخرى ، وقال : هذا أصح من حديث عيسى . وفي الترمذي : 4 / 509 ، كرواية ابن حماد الثالثة عن معاذ .
وفي البدء والتاريخ : 2 / 185 : « قالوا : وبين فتح القسطنطينية وخروج الدجال سبع سنين ، فبينا هم كذلك إذ جاء الصريخ أن الدجال في داركم ، فيرفضون ما في أيديهم وينفرون إليه » .
وفي الحاكم : 4 / 426 ، كرواية ابن حماد الثالثة ، عن معاذ بن جبل . وفي مصابيح البغوي : 3 / 483 كرواية ابن حماد الثالثة ، من حسانه . وفي الدر المنثور : 6 / 59 ، كرواية ابن حماد الثانية ، وقال : وأخرج أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجة ، وأبو يعلى ، ونعيم بن حماد ، والطبراني ، والبيهقي في البعث ، والضياء المقدسي عن عبد الله بن بسر . وفيه : بين الملحمة وفتح القسطنطينية ست سنين . ثم رواه كرواية ابن حماد الثالثة ، وقال : وأخرج أحمد ، وأبو داود ، والترمذي وحسنه ، وابن ماجة .
ومن هذه الخرافات ما رواه مسلم : 8 / 175 عن أبي هريرة : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق ، فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ ، فإذا تصافوا قالت الروم : خلوا بيننا وبين الذين سبقوا منا نقاتلهم ، فيقول المسلمون : لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا ، فيقاتلونهم فيهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبداً ، ويقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله ، ويفتح الثلث لا يفتنون أبداً فيفتحون قسطنطينية ، فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون ، إذ صاح فيهم الشيطان أن المسيح قد خلفكم في أهليكم فيخرجون وذلك باطل ، فإذا جاءوا الشام خرج حينما هم يعدون للقتال يسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة فينزل عيسى بن مريم عليه السلام فأمهم ، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء ، فلو تركه لذاب حتى يهلك ولكن يقتله الله بيده ، فيريهم دمه في حربته » .
ومثله ابن حبان : 8 / 286 ، والحاكم : 4 / 482 ، وصححه . وكذا البغوي : 3 / 480 . وقال الحاكم : 4 / 476 ، بعد حديث فتح بني إسحاق : يقال إن هذه المدينة هي القسطنطينية ، وقد صحت الرواية أن فتحها مع قيام الساعة » .
وبذلك صار كذب كعب أحاديث نبوية صحيحة ، روتها المصادر المعتمدة ! فهل رأيت كيف استحمر اليهود رواة الخلافة الأغرار لخدمة مؤامرتهم ؟ ! وكيف قبلت الحكومات هرطقة اليهود إلى يومنا هذا ، ثم لا تجد أحداً منهم يسأل نفسه : لقد فتحت القسطنطينية ومضت سبع سنوات ، وسبعون ، وست مائة سنة ، فأين دجال كعب ، ومهديه ، وقيامته ؟ !
15 - كان كعب بن ماتع يتفنن في تأييد مكذوباته
في فائق الزمخشري : 2 / 185 : قال كعب لأبي عثمان النهدي : « إلى جانبكم جبل مشرف على البصرة يقال له سنام ؟ فقال : نعم ، قال : فهل إلى جانبه ماء كثير السافي ؟ قال : نعم . قال : فإنه أول ماء يرده الدجال من مياه العرب » !
ورواه عنه أبو نعيم في الحلية : 6 / 13 . وروى ابن حماد : 2 / 325 : « أول ما يَرِدُهُ الدجال سنام ، جبل مشرف على البصرة وماء إلى جنبه ، كثير الساف يعني الرمل ، هو أول ما يرده الدجال » !
ثم صار كلامه حديثاً عن النبي صلى الله عليه وآله ! « ابن حماد / 149 »
16 - كعب يرد على رسول الله صلى الله عليه وآله وأتباع الخلافة يطيعونه !
تقدم أن المغيرة بن شعبة سأل النبي صلى الله عليه وآله : « إن الناس يزعمون أن معه الطعام والشراب ، قال : هو أهون على الله تعالى من ذلك » ! لكن كعباً أكد أساطير اليهود وصدقه المسلمون في جبل الثريد ! « ومنه حديث كعب : والدجال يُسَخَّرُ معه جبل ماتعٌ خلاطه ثريد ، أي طويل شاهق » ! « لسان العرب : 8 / 328 ، وغريب ابن قتيبة : 1 / 271 ، ونهاية ابن الأثير : 4 / 293 » . فجعله جبلاً ماتعاً شاهقاً ، ليكفي قبائل العرب ! فالجبل على اسم أبيه ، لأنه كعب بن ماتع !
17 - رد أهل البيت عليه السلام مكذوبات كعب !
قالت مصادرنا إن ظهور المهدي عليه السلام مرحلة جديدة في حياة الناس على الأرض ، تستمر إلى يوم القيامة فلا ظلم بعدها أبداً . وروينا أن الإمام المهدي عليه السلام يملك طويلاً بعدد سنيِّ أهل الكهف ، ثم يرجع النبي صلى الله عليه وآله وبعض الأئمة عليهم السلام ويحكمون . . الخ . فتسلسل الأحداث : ظهور المهدي ثم نزول المسيح عليه السلام ، ثم خروج الدجال في عصرهما والقضاء عليه ، ثم وفاة عيسى ثم المهدي عليه السلام ، وتستمر ودولة العدل إلى يوم القيامة .
فخروج الدجال يكون بعد ظهور المهدي ونزول المسيح عليه السلام . بينما تبنت مصادر السنيين مقولات اليهود التي زعمت أن المسلمين إذا فتحوا القسطنطينية وغلبوا الروم قُتِلَ المهدي عليه السلام ، وخرج الدجال ، ثم نزل المسيح عليه السلام ، ثم ظهرت يأجوج ومأجوج ، ثم قامت القيامة ! فقد جعلوا هذه الأحداث العظيمة المتباعدة متتابعة ، وجمعوها في سبعة أشهر أو سنين ، ثم جعلوها أحاديث نبوية !
ويواجهك في أمر القسطنطينية سؤال عن موقف كعب المريب لمصلحة الروم ؟ ! فبعد هزيمتهم في سورية واتجاه المسلمين إلى فتح القسطنطينية ، جعل كعب فتحها يستوجب خروج الدجال ، وقتل مهدي المسلمين ، وقيام القيامة ، ونهاية العالم ؟ ! إقرأ ما رواه ابن أبي شيبة : 8 / 650 ، عن معاذ بن جبل قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : عُمْرَانُ بيت المقدس خرابُ يثرب ، وخرابُ يثرب خروج الملحمة ، وخروجُ الملحمة فتح القسطنطينية ، وفتحُ القسطنطينية خروج الدجال ! ثم ضرب بيده على فخذ الذي حدَّثه أو منكبيه ، ثم قال : إن هذا هو الحق كما أنك ها هنا ، أو كما أنت قاعد ، يعني معاذاً » !
ومثله أحمد : 5 / 232 و 245 ، وأبو داود : 4 / 110 ، كرواية أحمد الثانية بتفاوت يسير ، والحاكم : 4 / 420 ، وصححه وفيه : ثم ضرب معاذ على منكب عمر بن الخطاب فقال : والله إن ذلك لحق كما أنك جالس ! والبغوي : 3 / 482 ، والدر المنثور : 6 / 60 .
أقول : إن صحت روايتهم عن معاذ ، فهي تدل على أنه من مجموعة المتهوكين تلاميذ الحاخامات ، وممن أخذوا عنهم أحاديث التخويف بالدجال !
واقرأ ما رواه ابن ماجة : 2 / 1370 ، عن عمرو بن عوف قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « لا تقوم الساعة حتى تكون أدنى مسالح المسلمين ببولاء ، ثم قال : يا علي ، يا علي ، يا علي ، قال : بأبي وأمي ، قال : إنكم ستقاتلون بني الأصفر ويقاتلهم الذين من بعدكم ، حتى تخرج إليهم رُوقة الإسلام أهل الحجاز الذين لا يخافون في الله لومة لائم ، فيفتتحون القسطنطينية بالتسبيح والتكبير ، فيصيبون غنائم لم يصيبوا مثلها حتى يقتسموا بالأترسة ، ويأتي آت فيقول : إن المسيح قد خرج في بلادكم ، ألا وهي كذبة ، فالآخذ نادم والتارك نادم » .
وفي فتن ابن حماد : 1 / 55 ، عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وآله قال : « تكون أربع فتن ؛ الأولى يستحل فيها الدم ، والثانية يستحل الدم والمال ، والثالثة يستحل فيها الدم والمال والفرج ، والرابعة الدجال » .
وفي فتن ابن حماد : 2 / 555 : « يخرج الدجال في الفتنة الرابعة ، بقاؤه أربعون سنة » .
وفي فتن ابن حماد : 2 / 517 : « عن كعب قال : كان يقال كلب الساعة الدجال » . أي خروجه ملازم للقيامة كما يلازم الكلب صاحبه ! ولا بد أن يكون كعب ترجم ذلك من تلمودهم ، لأن أحاديث الدجال لم ترد في التوراة ، كما قال ابن حجر .
وقد حذف كعب الأحبار تطبيق قومه اليهود للدجال على نبي الله المسيح عليه السلام ! كما أضاف اليه ظهور المهدي ونزول المسيح عليه السلام وقتالهما للدجال وذلك مداراة للمسلمين ! لكنه في نفس الوقت أدخل مفاهيم يهوديته في عقيدة المهدي والدجال ، مثل أن الدجال عربي ، وأن المهدي لا يحقق هدفه ، بل يُقتل ، وأن الكعبة تُهدم ، ومكة تخرب !
ختاماً ، اتضح لك خطورة أحاديث كعب ، وأنها تحولت إلى أحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله مع أنه لم يره ! وقد ذكرنا تقديس عمر لكعب ، ثم عثمان بعده ، ثم معاوية ، وكان يتنقل بين المدينة والشام ومصر والقسطنطينية !
وقد بلغ تقديس كعب عند رواة الخلافة أنه يقول ما شاء فيحوله أبو هريرة ، وعبد الله بن عمرو العاص ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن سلام ، ووهب بن منبه ، وغيرهم ، إلى حديث يسنده إلى النبي صلى الله عليه وآله ، تصديقاً لكعب !
18 - الكذابون قبل الدجال !
روى السنيون أنه يكون قبل الدجال ثلاثون كذاباً ، أو سبعون . ورواية الثلاثين عندهم صحيحة . وورد عندنا أنه يكون في هذه الأمة اثنا عشر إمام هدى ، واثنا عشر إمام ضلال ، وثلاثون كذاباً . والمقصود الدجالون البارزون قبل الدجال الأصلي ، وإلا فهم مئات ! ومنهم بعض رواة أحاديث الدجال !
روى عبد الرزاق : 11 / 392 ، عن أبي بكرة قال : « أكثرَ الناسُ في مسيلمة قبل أن يقول رسول الله صلى الله عليه وآله فيه شيئاً ، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله خطيباً فقال : أما بعد ، ففي شأن هذا الدجال الذي قد أكثرتم فيه فإنه كذاب من ثلاثين كذاباً يخرجون بين يدي المسيح ، وإنه ليس من بلد إلا يبلغه رعب المسيح إلا المدينة ، على كل نقب من أنقابها ملكان يذبان عنها رعب المسيح » . انتهى . فهم يعبرون عن الدجال عن لسان النبي صلى الله عليه وآله بالمسيح وهو تعبير كعب واليهود ! ومعنى أنقابها : مداخلها من بين الجبال . وابن حماد : 2 / 551 ، وأحمد : 5 / 41 ، وبخاري : 9 / 75 ، وابن حبان : 8 / 225 ، والحاكم : 4 / 541 ، والزوائد : 7 / 332 .
وروى ابن أبي شيبة : 8 / 665 ، عن عبيد بن عمير الليثي قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذاباً ، كلهم يزعم أنه نبي قبل يوم القيامة » .
ونحوه أحمد : 2 / 95 و 103 ، و 117 و 236 و 312 و 429 و 530 ، وصحيح بخاري : 4 / 243 ، كرواية أحمد الرابعة بتفاوت يسير ، عن عبد الرزاق ، وفي : 9 / 74 ، كرواية أحمد الخامسة ، ورواه في عدة مواضع . ومسلم : 8 / 189 ، كرواية أحمد الرابعة ، وفي ابن أبي شيبه : 8 / 655 ، عن أنس : إن بين يدي الدجال لستاً وسبعين دجالاً . وفي مجمع الزوائد : 7 / 333 ، عن أبي يعلى : نيف وسبعون دجالاً . . .
هذا ، وتزيد أحاديثهم في الدجال على مجلد ! وهي من نوع ما قدمناه ، وأسوأ .
ختام في دابة الأرض ويأجوج ومأجوج
خلط رواة الخلافة أحاديث المهدي عليه السلام بأحاديث الدجال وأحاديث علامات القيامة ، فجعلوها قطعة واحدة !
وكذلك فعلوا بآية دابة الأرض ، ويأجوج ، المذكورتين في القرآن ، فجعلوا وقتهما عند ظهورالمهدي ونزول عيسى عليه السلام . بل زعموا أن عيسى عليه السلام يقاتل الدجال ثم يأجوج ومأجوج ! مع أن وقت دابة الأرض في الرجعة أي بعد ظهور المهدي عليه السلام ، ويأجوج قرب القيامة ! وقد جاءتهم هذه التصورات للمستقبل ، من الإسرائيليات وخيالات كعب !
آية دابة الأرض التي تُكلم الناس !
قال الله تعالى : إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ . وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ . إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ . فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ . إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ . وَمَا أَنْتَ بِهَادِى الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ . وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرض تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ . وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ . حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِى وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ . وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ » . سورة النمل : 76 - 85
فالآيات خطاب لليهود ومعهم المعاندون الذين تعمدوا أن لا يسمعوا ولا يَرَوْا حقائق الكون ! فسماهم الله موتى وأمر رسوله صلى الله عليه وآله أن يصرف النظر عنهم ، لأنهم سيبقون هكذا حتى يقع القول عليهم ، ويخرج الله لهم دابة من الأرض تكلمهم !
ولم تحدد الآية وقت هذه الحدث ، فقد يكون قرب القيامة ، وقد يكون قبلها بألوف السنين ، كما أن تعبير : وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ ، لم يستعمل في القرآن إلا في دابة الأرض ، واستعمل : حَقَّ القَوْل للقيامة : وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لامْلأنَّ جَهَنَّمَ . « السجدة : 13 » لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ . « يس : 7 » . قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ . « القصص : 62 » .
كما أن كلمة « وقع » استعملت في القرآن لوقوع الرجز « الأعراف 134 » والرجس « الأعراف 71 » ووقوع العذاب الدنيوي « يونس 51 » .
وهذا يقرِّب ما في أحاديثنا من أن دابة الأرض تكون في الرجعة ، وهي مرحلة من الحياة تبدأ بظهورالمهدي عليه السلام ويرجع فيها النبي صلى الله عليه وآله وعدد من الأنبياء والأئمة عليهم السلام إلى الدنيا ، بعضهم زائراً لمدة قصيرة ، وبعضهم يحكم في الأرض مدة . ويدل على ذلك الآية التي تليها فقد نصت على حشرٍ خاص لفئات قبل الحشر العام : وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ .
وفي تفسير القمي : 1 / 198 : « عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : إِنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً . . وسيريكم في آخر الزمان آيات ، منها دابة في الأرض ، والدجال ، ونزول عيسى بن مريم ، وطلوع الشمس من مغربها » .
وقد استعمل تعبير آخر الزمان لفترة كبيرة من عمر الحياة تبدأ من بعثة النبي صلى الله عليه وآله إلى آخر الدنيا . كما أن التسلسل في الرواية جاء من الراوي ، لأن الأئمة عليهم السلام نصوا على أن ظهور المهدي عليه السلام قبل الدجال ودابة الأرض .
وفي الكافي : 1 / 197 ، والبصائر / 199 ، وطبعة / 219 ، عن أبي جعفر عليه السلام أن علياً عليه السلام قال في حديث طويل : « ولقد أعطيتُ الستَّ : علم المنايا والبلايا والوصايا والأنساب وفصل الخطاب . وإني لصاحب الكرَّات ودولة الدول ، وإني لصاحب العصا والميسم ، والدابة التي تكلم الناس » .
وهو نصٌّ على أن علياً عليه السلام يكرُّ أي يرجع إلى الدنيا مع النبي صلى الله عليه وآله ويكون صاحب الدابة أي تأتمر بأمره فتكلم الناس ، والعصا هنا لعلها عصى موسى عليه السلام وقد ورد أنها عصا آدم عليه السلام ، فتكون آية في الرجعة . ويكون المَيْسَم أي الآلة التي تضع علامة على جبهة بعض الكفار ، ومعناه تصنيف الناس الذين لايؤمل صلاحهم في دولة الإمام المهدي عليه السلام ليعرفهم الناس ويحذروا منهم ، لأن الميسم يرافق دابة الأرض والدابة آية للمعاندين من اليهود وأمثالهم ، فلعل الوسم لهم أيضاً .
وقد نصت أحاديث أهل البيت عليهم السلام على أن دابة الأرض من آيات الرجعة ، وليست من آيات القيامة ، قال الله تعالى : يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً .
ففي مختصر البصائر / 210 عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن العذاب الأدنى الدابة والدجال .
وفي المحاسن / 236 ، عن عبد الله بن سليمان العامري ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « ما زالت الأرض ولله فيها حجة يعرف الحلال والحرام ويدعو إلى سبيل الله ، ولا تنقطع الحجة من الأرض إلا أربعين يوماً قبل يوم القيامة ، فإذا رفعت الحجة أغلق باب التوبة ولم يَنْفَع نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْل أن ترفع الحجة . وأولئك شرار من خلق الله ، وهم الذين تقوم عليهم القيامة » .
دابة الأرض في مصادر السنيين
تكثر في مصادرهم الإسرائيليات ، وتتشابه عناصر الأسطورة في أحاديثهم في الدجال ودابة الأرض ويأجوج ومأجوج ! وأول ما تلاحظه أنهم ربطوا دابة الأرض بآية : يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً . فقد روى ابن أبي شيبة : 8 / 669 ، عن أبي هريرة ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل : طلوع الشمس من مغربها ، والدجال ، والدابة » . ومثله أحمد : 2 / 445 ومسلم : 1 / 95 ، وأبو عوانة : 1 / 107 ، والترمذي : 5 / 264 ، وصححه ، وتفسير الطبري : 8 / 76 ، وكثير من مصادرهم .
وفي الطبراني الكبير : 9 / 214 ، عن ابن عمر قال : « التوبة معروضة على ابن آدم إن قبلها ، ما لم يخرج إحدى ثلاث : ما لم تطلع الشمس من مغربها ، أو تخرج الدابة ، أو تخرج يأجوج ومأجوج » .
مع أنهم رووا ما يوافق مذهب أهل البيت عليهم السلام وأن التوبة تبقى مفتوحة ، وصححوه ، لكنهم أعرضوا عنه حباً بأحاديث كعب وتلاميذه ! فقد روى الحاكم : 4 / 485 ، في وصف دابة الأرض : « ثم يخرج الدجال فيأخذ المؤمن منه كهيئة الزكمة ، وتدخل في مسامع الكافر والمنافق حتى يكون كالشئ الحنيذ ، وإن التوبة لمفتوحة ، ثم تطلع الشمس من مغربها . هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه » .
من مبالغاتهم وإسرائيلياتهم في دابة الأرض
1 . في كيفية خروج الدابة : في الطبراني الأوسط : 1 / 98 ، عن عبد الله بن عمرو العاص قال : قال النبي صلى الله عليه وآله : « إذا طلعت الشمس من مغربها يخر إبليس ساجداً ينادي إلهي مرني أن أسجد لمن شئت فتجتمع إليه زبانيته فيقولون : ياسيدهم ما هذا التضرع ؟ فيقول : إنما سألت ربي أن ينظرني إلى الوقت المعلوم وهذا الوقت المعلوم ، ثم تخرج دابة الأرض من صدع في الصفا فأول خطوة تضعها بأنطاكية ، ثم تأتي إبليس فتلطمه » .
وعلق عليه ابن كثير في تفسيره : 2 / 202 : « حديث غريب جداً وسنده ضعيف ، ولعله من الزاملتين اللتين أصابهما عبد الله يوم اليرموك ! فأما رفعه فمنكر ، والله أعلم » .
وهذا الكلام من ابن كثير يوجب الشك في كل ما رواه عبد الله بن العاص ، لأنه كان عنده حمل بعير أو حملان من كتب حصل من الشام وكان يحدث منها ! وأخطر ما في الأمر أن ابن كثير يقول إن ابن العاص قد يكذب على النبي صلى الله عليه وآله في نسبته اليه ما يرويه من الزاملتين ! ويسري هذا الشك إلى عبد الله بن عمر ، فهو مثله ، بل قد يختلط مع ا بن العاص عندما يقال في السند « عن عبد الله » بدون اسم أبيه !
2 . زعموا أن دابة الأرض تطارد الناس ! روى الطيالسي / 144 ، عن طلحة ، قال : « ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله الدابة فقال : لها ثلاث خرجات من الدهر ، فتخرج في أقصى البادية ولا يدخل ذكرها القرية يعني مكة ، ثم تكمن زماناً طويلاً ثم تخرج خرجة أخرى دون ذلك ، فيعلو ذكرها أهل البادية ويدخل ذكرها القرية يعني مكة . قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ثم بينما الناس في أعظم المساجد على الله حرمة وخيرها وأكرمها المسجد الحرام ، لم يَرُعْهم إلا وهي ترغو بين الركن والمقام ، تنفض عن رأسها التراب فأرفض الناس معها شتى ومعاً ، وثبت عصابة من المؤمنين وعرفوا أنهم لن يعجزوا الله ، فبدأت بهم فجلت وجوههم حتى تجعلها كأنها الكوكب الدري ، وولت في الأرض لا يدركها طالب ولا ينجو منها هارب ، حتى أن الرجل ليتعوذ منها بالصلاة فتأتيه من خلفه فتقول : يا فلان يا فلان الآن تصلي ! فيقبل عليها فتسِمُه في وجهه ثم تنطلق ، ويشترك الناس في الأموال ويصطحبون في الأمصار يعرف المؤمن من الكافر حتى أن المؤمن يقول : يا كافر إقضني حقي ، وحتى أن الكافر يقول : يا مؤمن إقضني حقي » .
ورواه ابن حماد في : 2 / 666 وبعدها ، بصيغ أخرى وإضافات ، وفيها : فيهريق الأمراء فيها الدماء . وفي تفسير الطبري : « تخرج الدابة من الصفا أول ما يبدو رأسها ملمعة ذات وبر وريش ، لم يدركها طالب ولن يفوتها هارب » والطبراني الكبير : 3 / 193 ، والحاكم : 4 / 484 ، وصححه ، وبسند آخر وصححه على شرط الشيخين ! ونحوه الدر المنثور : 5 / 116 ، وفيه : « ولها عنق مشرف يراها من بالمشرق كما يراها من بالمغرب ، ولها وجه كوجه إنسان ومنقار كمنقار الطير ، ذات وبر وزغب ، معها عصا موسى وخاتم سليمان بن داود ، تنادي بأعلى صوتها : إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ، ثم بكى رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقيل : يا رسول الله وما بعد ؟ قال : هنات وهنات ثم خصب وريف حتى الساعة » .
وفي زهر الفردوس 4 / 64 : قال صلى الله عليه وآله : « مثل أمتي ومثل الدابة التي تخرج كمثل حِيزٍ بُنيَ ورفعت حيطانه وسُدت أبوابه وطُرح فيه من الوحوش كلها ، ثم جئ بالأسد فطرح وسطها فانذعرت وأقبلت إلى النفق تلمسه من كل جانب ، كذلك أمتي عند خروج الدابة لا يفر منها أحد إلا مثلت بين عينيه ، ولها سلطان من ربنا عظيم » .
3 . واخترعوا لها صفات أسطورية : قال ابن حماد : 2 / 665 ، عن الشعبي قال : « دابة الأرض ذات وبر ، تنال رأسها السماء » .
وفي الدر المنثور : 5 / 116 ، عن الشعبي : « إن دابة الأرض ذات وبر تناغي السماء . وعن ابن عباس : الدابة مؤلفة ذات زغب وريش ، فيها من ألوان الدواب كلها » !
وفي التبيان 8 / 119 ، عن ابن عمر : « تخرج حتى يبلغ رأسها الغيم فيراها جميع الخلق » .
وفي تفسير ابن كثير : 3 / 388 ، عن أبي الزبير : « رأسها رأس ثور ، وعينها عين خنزير ، وأذنها أذن فيل ، وقرنها قرن إبل ، وعنقها عنق نعامة ، وصدرها صدر أسد ، ولونها لون نمر ، وخاصرتها خاصرة هر ، وذنبها ذنب كبش ، وقوائمها قوائم بعير ، بين كل مفصلين اثنا عشر ذراعاً ، تخرج معها عصا موسى وخاتم سليمان ، فلا يبقى مؤمن إلا نكتت في وجهه بعصا موسى نكتة بيضاء فتفشو تلك النكتة حتى يبيض لها وجهه ، ولا يبقى كافر إلا نكتت في وجهه نكتة سوداء بخاتم سليمان ، فتفشو تلك النكتة حتى يسود بها وجهه . وعن أبي هريرة : ما بين قرنيها فرسخ للراكب » .
وفي سنن الداني / 104 ، حديث في عدة صفحات عن حذيفة قال : « قلت : يا رسول الله وما الدابة ؟ قال : ذات وبَر وريش ، عظمها ستون ميلاً ، ليس يدركها طالب ، ولا يفوتها هارب ، تَسِمُ الناس مؤمناً وكافراً ، فأما المؤمن فتترك في وجهه كالكوكب الدري ، وتنكت بين عينيه مؤمن ، وأما الكافر فتكتب بين عينيه نكتة سوداء ، وتكتب بين عينيه كافر » .
وفي تاريخ بخاري : 3 / 316 : عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله : « تخرج الدابة فتصرخ ثلاث صرخات » ! وفي الزوائد : 8 / 6 ، عن أحمد : « فَتَسِمُ الناس على خراطيمهم ، ثم يعمرون فيكم حتى يشتري الرجل البعير فيقول : ممن اشتريته ؟ فيقول : اشتريته من أحد المخطَّمين » . ويفهم منه أن خَطْمَها على الجباه خاص بفئة من الناس ، وهذا يردُّ ما نصوا عليه من أن خطمها شامل . فانظر إلى خيال هؤلاء البدو الكذبة ، كيف اختلط مع الإسرائيليات !
4 . وكذَبوا على النبي صلى الله عليه وآله فقالوا إنه حدد مكان خروجها ، للصحابي بريدة الأسلمي ، فروى عنه أحمد : 5 / 357 ، أنه قال : « ذهب بي رسول الله صلى الله عليه وآله إلى موضع بالبادية قريباً من مكة فإذا أرض يابسة حولها رمل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : تخرج الدابة من هذا الموضع ، فإذا فِتْرٌ في شبر » !
وفي الدر المنثور : 5 / 117 : أخرج البخاري في تاريخه ، وابن ماجة ، وابن مردويه عن بريدة . . لكن ابن عمرو العاص صاحب الزاملتين جعل مكان خروجها الصفا ، فقال كما في تفسير الطبري : 20 / 10 : « لو شئت لانتعلت بنعليَّ هاتين فلم أمس الأرض قاعداً حتى أقف على الأحجار التي تخرج الدابة من بينها ، ولكأني بها قد خرجت في عقب ركب من الحاج . قال : فما حججت قط إلا خفت أن تخرج بعقبنا » !
وفي ابن حماد : 2 / 662 ، وبعدها ، عن عطاء ، قال : « رأيت عبد الله بن عمرو وكان منزله قريباً من الصفا ، رفع قدمه وهو قائم وقال : لو شئت لم أضعها حتى أضعها على المكان الذي تخرج منه الدابة » !
ثم أبعدها ابن العاص قليلاً عن الصفا وزعم أنها تخرج من مكة من « شعب بالأجياد » ! كما في ابن حماد ، وابن أبي شيبة : 15 / 67 ، ووافقه أبو هريرة : 7 / 2569 .
أما زميله ابن عمر فوافقه على أنها تخرج من الصفا ، وقال إنها لاتكلم الناس ! بل تختمهم في الحج وتنتهي مهمتها ، فترفع قدمها من مكة وتضع أول خطوة لها في أنطاكية وتذهب ! وروى عنه ابن حماد : 2 / 667 ، قال : « ألا أريكم المكان الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن دابة الأرض تخرج منه ؟ فضرب بعصاه الشق الذي في الصفا » .
وأنت ترى الكذب والهرطقة في هذه الروايات في دابة الأرض والدجال ويأجوج ، حتى لو صححوها على شرط الشيخين وشرط كل الشيوخ ! والعجيب أنهم أكثروا منها وقللوا الرواية في القضايا المصيرية التي سفكت فيها دماء المسلمين ، كالخلافة بعد النبي صلى الله عليه وآله !
رواية أن علياً عليه السلام دابة الأرض ورواية نفي ذلك
في الدر المنثور : 5 / 117 : وأخرج ابن أبي حاتم ، عن النزال بن سبرة قال : « قيل لعلي بن أبي طالب : إن ناساً يزعمون أنك دابة الأرض ، فقال : والله إن لدابة الأرض ريشاً وزغباً وما لي ريش ولا زغب ، وإن لها لحافراً وما لي من حافر ، وإنها لتخرج حضر الفرس الجواد ثلاثاً ، وما خرج ثلثاها » .
وابن سبرة عثماني الهوى ، ويقصد أن بعض الشيعة في زمن أمير المؤمنين عليه السلام كانوا يقولون إن علياً هو دابة الأرض الموعودة ! وإنه سأل علياً عليه السلام فنفى ذلك ووصف دابة الأرض كما يصفها رواة الخلافة ، وأن طولها أكثر من ميدان تقطعه الفرس السريعة حتى تتعب ، وهو نحو خمسة كيلو مترات !
وقد روت مصادرنا أن معاوية سأل الأصبغ بن نباتة نفس سؤال ابن سبرة ، قال الأصبغ : « قال لي معاوية : يا معشر الشيعة تزعمون أن علياً دابة الأرض ؟ فقلت : نحن نقول ! اليهود تقوله ! قال : فأرسل إلى رأس الجالوت فقال : ويحك تجدون دابة الأرض عندكم ؟ فقال : نعم . فقال : وما هي ؟ فقال : رجل . فقال : أتدري ما اسمه ؟ قال : نعم ، اسمه إيليا ، قال : فالتفت إليَّ فقال : ويحك يا أصبغ ، ما أقرب إيليا من علي » ! « مختصر البصائر / 208 ، تأويل الآيات 1 / 404 » .
ويبدو أن الأمويين كانوا يشيعون ذلك لتشويه صورة علي عليه السلام بسبب أنه صاحب دابة الأرض فجعلوه نفس دابة الأرض ! وقد يكون ذلك تسرب منهم إلى مصادرنا ! ففي رواية تفسير القمي : 2 / 130 : « عن علي عليه السلام وأبي ذر وعمار ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله جاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو نائم في المسجد قد جمع رملاً ووضع رأسه عليه فحركه برجله ثم قال له : قم يا [ صاحب ] دابة الله ! فقال رجل من أصحابه : يا رسول الله أيسمي بعضنا بعضاً بهذا الاسم ؟ فقال : لا والله ما هو إلا له خاصة وهو الدابة التي ذكر الله في كتابه : وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرض تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لايُوقِنُونَ ، ثم قال : يا علي إذا كان آخر الزمان أخرجك الله في أحسن صورة ، ومعك مَيْسَمٌ تَسِمُ به أعداءك . فقال رجل لأبي عبد الله عليه السلام : إن الناس يقولون هذه الدابة إنما تَكلِمُهم . فقال أبو عبد الله عليه السلام : كلمهم الله في نار جهنم ، إنما هو يُكَلِّمُهم من الكلام ! والدليل على أن هذا في الرجعة قوله : وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ . حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْماً أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ؟ !
قال : الآيات أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام . فقال الرجل لأبي عبد الله عليه السلام : إن العامة تزعم أن قوله : وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا ، عنى يوم القيامة ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : أفيحشر الله من كل أمة فوجاً ويدع الباقين ؟ لا ، ولكنه في الرجعة ، وأما آية القيامة فهي : وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً » .
أقول : يحتمل أن يكون أصل الرواية « صاحب دابة الله » ! فسقطت كلمة « صاحب » التي جاءت في رواية الكافي وبصائر الدرجات . وفي مقابلها روى مصدران هما تفسير القمي ومختصر البصائر ، أن دابة الأرض هي علي عليه السلام ! ففي مختصر البصائر / 206 ، عن أبي عبد الله الجدلي قال : « دخلت على علي بن أبي طالب عليه السلام فقال : ألا أحدثك ثلاثاً قبل أن يدخل علي وعليك داخل ؟ أنا عبد الله أنا دابة الأرض صدقُها وعدلُها وأخو نبيها ، ألا أخبرك بأنف المهدي وعينه ؟ قال : قلت : نعم ، فضرب بيده إلى صدره فقال : أنا » .
وعن الجدلي أيضاً في / 207 ، قال : « دخلت على علي عليه السلام فقال : أحدثك بسبعة أحاديث إلا أن يدخل علينا داخل ، قال : قلت : إفعل جعلت فداك ، قال : أتعرف أنف المهدي وعينه ؟ قال : قلت : أنت يا أمير المؤمنين . فقال : الدابة وما الدابة ، عدلها وصدقها وموقع بعثها والله مهلك من ظلمها ، وذكر الحديث » .
وفي / 208 ، عن الأصبغ بن نباتة قال : « دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام وهو يأكل خبزاً وخلاً وزيتاً فقلت : يا أمير المؤمنين قال الله عز وجل : وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهم دَابَّةً مِنَ الأرض تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لايُوقِنُونَ ، فما هذه الدابة ؟ قال : هي دابة تأكل خبزاً وخلاً وزيتاً » !
أما رواية تفسير القمي : 2 / 131 ، فهي عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال رجل لعمار بن ياسر : « يا أبا اليقظان آية في كتاب الله قد أفسدت قلبي وشككتني ، قال عمار : وأي آية هي ؟ قال : قول الله وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهم دَابَّةً مِنَ الأرض الآية ، فأي دابة هي ؟ قال عمار : والله ما أجلس ولا آكل ولا أشرب حتى أريكها ، فجاء عمار مع الرجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو يأكل تمراً وزبداً ، فقال له : يا أبا اليقظان هلمَّ ! فجلس عمار وأقبل يأكل معه ، فتعجب الرجل منه ، فلما قام عمار قال له الرجل : سبحان الله يا أبا اليقظان حلفت أنك لا تأكل ولا تشرب ولا تجلس حتى ترينيها ؟ ! قال عمار : قد أريتكها إن كنت تعقل » .
أقول : القدر المتيقن من الروايات أن علياً عليه السلام صاحب دابة الأرض ، وأنها تخرج في رجعته مع النبي صلى الله عليه وآله ، ولعل أصل القول بأن علياً عليه السلام دابة الأرض جاء من قوله عليه السلام : « وإني لصاحب العصا والميسم والدابة التي تكلم الناس » أي في الرجعة . ولعل الشبهة من قراءة الدابة بالضم مع أنها بالكسر ، عطفٌ على الميسم والعصا .
آيات يأجوج ومأجوج
قال الله تعالى في قصة ذي القرنين : « ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا . حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا . كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا . ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا . حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لايَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً . قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يأجوج وَمأجوج مُفْسِدُونَ فِي الأرض فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً . قَالَ مَا مَكَّنِّى فِيهِ رَبِّى خَيْرٌ فَأَعِينُونِى بِقُوَةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً . آتُونِى زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِى أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً . فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً . قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّى فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّى جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّى حَقّاً . وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً . وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضاً . « الكهف : 89 - 100 » .
والمعنى : أن ذا القرنين رحمه الله الذي بعثه الله في مهمة عالمية ، توجه بوسائله نحو مشرق الشمس فبلغ منطقة فيها قومٌ تحت أشعة الشمس الحارقة ، وقد يكونون يأجوج ومأجوج ، فلم يصنع لهم شيئاً . ثم سار بوسائله حتى وصل إلى منطقة بين السدين ، فوجد قوماً شكوا له هجوم يأجوج ومأجوج عليهم ، فصنع السد لحمايتهم منهم وعرف باسمه « سد ذي القرنين » فعجزت يأجوج عن نقبه أو تسلقه ، وأخبرهم ذو القرنين أن السد رحمة لهم ، وأن الله سيدكه قرب يوم القيامة .
قال تعالى في سياق كلامه عن بعثة الأنبياء عليهم السلام : إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ . وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ . فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ . وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ . حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يأجوج وَمأجوج وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ . وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ . « الأنبياء : 92 - 97 » .
والمعنى : أن الله تعالى أرسل الأنبياء عليهم السلام وأمر الناس أن يهتدوا بهم ويكونوا أمة واحدة ، لكنهم اختلفوا وسلكوا طرق التفرق ، وأنهم سيرجعون إلى الله فيجازيهم . ثم تحدث عز وجل عن القرى التي أهلكها بظلمها ، أي الحضارات الجائرة ، وقال إنه حرَّم عليهم الرجوع !
وتحير المفسرون في هذا الرجوع المحرم ، فقال بعضهم : « ممتنع عليهم أن يرجعوا فيتداركوا ما فاتهم من السعي المشكور والعمل المكتوب المقبول » . « الميزان : 14 / 325 » . وفالصحيح ما قاله أهل البيت عليهم السلام أنه تحريم رجوع المهلكين في الرجعة لا في القيامة . ففي تفسير القمي : 2 / 75 ، بسند صحيح عن الصادق والباقر صلى الله عليه وآله : « كل قرية أهلك الله أهلها بالعذاب لا يرجعون في الرجعة » . ثم قال القمي : « فهذه الآية من أعظم الدلالة في الرجعة لأن أحداً من أهل الإسلام لا ينكر أن الناس كلهم يرجعون إلى القيامة ، من هلك ومن لم يهلك » . انتهى .
وتحدثت الآية التالية عن انفتاح يأجوج ومأجوج وانسيابهم في الأرض قرب القيامة ، التي هي الوعد الحق ! ولم تذكر أن يأجوجاً يأتون من جهة السد أو غيره ، ولا أنهم يخوضون قتالاً مع أحد ! ونسجل حولهم ملاحظات :
1 - الظاهر أن يأجوج ومأجوج في مكان آخر غير أرضنا ، ويشير اليه قوله تعالى : « ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ . . » ، فقد يكون هذا السبب وسيلة فضائية ويكون مطلع الشمس الذي وصل اليه في غير الأرض . . الخ .
2 - ورد أن يأجوجاً ليسوا من أبناء آدم عليه السلام ، ففي الكافي : 8 / 220 عن علي عليه السلام قال : « وأجناس بني آدم سبعون جنساً ، والناس ولد آدم ما خلا يأجوج ومأجوج » . وهنا أدخل كعب أنفه فقال : « هم نادرة من ولد آدم ، وذلك أن آدم احتلم ذات يوم وامتزجت نطفته بالتراب ، فخلق الله من ذلك الماء والتراب يأجوج ومأجوج ، فهم متصلون بنا من جهة الأب دون الأم » . « شرح مسلم : 3 / 98 ، وفتح الباري : 13 / 94 » .
3 - لم تذكر روايات أهل البيت عليهم السلام أي حرب مع يأجوج ومأجوج ، بينما طفحت مصادر السنيين بمعارك خيالية معهم ، بقيادة عيسى بن مريم عليه السلام .
4 - وصف أمير المؤمنين عليه السلام المغول وغزوهم للأمة ، ولم يربطهم بيأجوج أو بالقيامة ، بينما طبقت مصادرأتباع الخلافة يأجوج على المغول ! وقد انتهى المغول ولم تقم القيامة فثبت كذبهم ! ففي مسند أحمد : 5 / 271 : « خطب رسولالله صلى الله عليه وآله وهوعاصب إصبعه من لدغة عقرب فقال : إنكم تقولون لا عدو وإنكم لا تزالون تقاتلون عدواً حتى يأتي يأجوج ومأجوج ، عراض الوجوه صغار العيون شهب الشعاف ، من كل حدب ينسلون ، كأن وجوههم المجان المطرقة » .
الشِّعَاف : جمع شَعْفَة : أعلى الشئ والمعنى صفر الشعور . والمجان المطرَّقة : أي وجوههم مبقعة كترس الحديد المبقع من الطرق . ومثله الفائق : 2 / 204 ، وعنه فتن ابن كثير : 2 / 183 ، وتفسيره : 3 / 205 ، ومجمع الزوائد : 8 / 6 ، وعن الطبراني ، والدر المنثور : 4 / 336 . . الخ .
5 - روى أتباع الخلافة أن النبي صلى الله عليه وآله أخبر بقرب هلاك العرب وخروج يأجوج ، في أقل من قرن ! ولا شئ من ذلك في أحاديث أهل البيت عليهم السلام ! ففي صحيح بخاري : 8 / 88 : « استيقظ النبي صلى الله عليه وآله من النوم محمراً وجهه يقول : لا إله إلا الله ، ويلٌ للعرب من شرٍّ قد اقترب ! فُتِحَ اليوم من رَدْمِ يأجوج ومأجوج مثل هذه ! وعقد سفيان « بأصابعه » تسعين أو مائة . قيل : أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم إذا كثر الخبث » . ورواه أيضاً في : 4 / 176 وفي : 4 / 109 ، عن أم حبيبة بنت أبي سفيان ، وكأنها تطبقه على قتل عثمان ، لكن رواه عن أبي هريرة أيضاً وطبقه على غَلَمَة قريش الذين تهلك الأمة بأيديهم !
ومعنى عقد تسعين أو مئة ، أنه رسم دائرة بضم الخنصر والإبهام .
نموذج من مبالغاتهم في يأجوج ومأجوج
أكثرت رواياتهم عن يأجوج ومأجوج غثٌّ ينادي بأنه موضوع ، لكنه صحيح على شرط الشيخ والشيخين والشيوخ ! بينما لا تجد في قضايا الأمة المصيرية كقضية الخلافة ومستقبل الأمة عشر معشارها !
وتقدم من صحيح بخاري : 4 / 167 ، أن رجلاً أخبر النبي أنه رأى السد ووصفه له كأنه البُرْد المحبر ، أي العباءة المخططة فصدقه النبي صلى الله عليه وآله ! ثم عقد بخاري باباً بعنوان : باب قصة يأجوج ومأجوج : 4 / 108 ، وباباً آخربعنوان : باب يأجوج ومأجوج : 8 / 104 ، وروى عنهم في : 5 / 241 ، و : 6 / 175 ، و : 7 / 196 .
وروى أحمد : 2 / 510 ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : « إن يأجوج ومأجوج ليحفرون السد كل يوم ، حتى إذا كان شعاع الشمس قال الذي عليهم : إرجعوا فستحفرون غداً ، فيعودون إليه كأشد ما كان . حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله عز وجل أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم : إرجعوا فستحفرونه غداً إن شاء الله ، ويستثني فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس فينشفون المياه ، ويتحصن الناس منهم في حصونهم فيرمون بسهامهم إلى السماء فترجع وعليها كهيئة الدم فيقولون : قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء ، فيبعث الله عليهم نغفاً في أقفائهم فيقتلهم بها . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : والذي نفس محمد بيده إن دواب الأرض لتسمن شَكَراً من لحومهم ودمائهم » . والنغف بفتح الغين : دودٌ يظهر في أنوف الجمال . وشَكِرَت الدابة شَكَراً بفتحها : سمنت وكثر لبنها . ونحوه ابن ماجة : 2 / 1364 ، والترمذي : 5 / 313 .
وروى الطبري في تفسيره : 17 / 71 ، عن كعب حديثاً طويلاً جاء فيه : « حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم فإذا كان الليل قالوا نجئ غداً فنخرج فيعيدها الله كما كانت ، فيجيئون من الغد فيجدونه قد أعاده الله كما كان ، فيحفرونه حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم فإذا كان الليل ألقى الله على لسان رجل منهم أن يقول نجئ غداً فنخرج إن شاء الله ، فيجيئون من الغد فيجدونه كما تركوه فيحفرون ثم يخرجون ، فتمر الزمرة الأولى بالبحيرة فيشربون ماءها ، ثم تمر الزمرة الثانية فيلحسون طينها ، ثم تمر الزمرة الثالثة فيقولون قد كان ههنا مرة ماء ، وتفر الناس منهم فلا يقوم لهم شئ . فيدعو عليهم عيسى بن مريم فيقول : اللهم لا طاقة ولا يَدَينِ لنا بهم فاكفناهم بما شئت ، فيسلط الله عليهم دوداً يقال له النغف فتفرس رقابهم ، ويبعث الله عليهم طيراً فتأخذهم بمناقرها فتلقيهم في البحر ، ويبعث الله عيناً يقال لها الحياة تطهر الأرض منهم وتنبتها ، حتى أن الرمانة ليشبع منها السكن ! قيل : وما السكن يا كعب ؟ قال : أهل البيت ! قال : فبينا الناس كذلك إذ أتاهم الصريخ أن ذا السويقتين يريده ، فيبعث عيسى طليعة سبع مائة أو بين السبع مائة والثمان مائة حتى إذا كانوا ببعض الطريق بعث الله ريحاً يمانية طيبة فيقبض الله فيها روح كل مؤمن ، ثم يبقى عجاج من الناس يتسافدون كما يتسافد البهائم ، فمثل الساعة كمثل رجل يطيف حول فرسه ينتظرها حتى تضع ، فمن تكلف بعد قولي هذا شيئاً أو على هذا شيئاً فهو المتكلف » .
ونحوه الحاكم : 4 / 488 ، وصححه على شرط الشيخين ، والدر المنثور : 4 / 250 ، وقال : « وأخرج أحمد ، والترمذي ، وحسنه ، وابن ماجة ، وابن حبان ، والحاكم ، وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي عن أبي هريرة » . وقال في / 252 : « وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن كعب » .
وروى في سنن الداني / 104 ، عن حذيفة : قال رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث طويل : « يأجوج أمة ، ومأجوج أمة ، كل أمة أربعمائة ألف أمة ، لا يموت الرجل منهم حتى ينظر إلى ألف عين تطرف بين يديه من صلبه . قال : قلت : يا رسول الله صف لنا يأجوج ومأجوج ، قال : هم ثلاثة أصناف صنف منهم أمثال الأرز الطوال ، وصنف آخر منهم عرضه وطوله سواء عشرون ومائة ذراع في مائة وعشرين ذراعاً ، وهم الذين لا يقوم لهم الحديد ، وصنف يفترش إحدى أذنيه ويلتحف بالأخرى » .
والفردوس : 5 / 441 ، وتهذيب ابن عساكر : 1 / 196 ، ومجمع الزوائد : 8 / 6 ، عن الطبراني في الأوسط . والدر المنثور : 4 / 155 ، عن ابن مردويه ، وفي / 250 ، عن ابن حماد ، وابن مردويه وقال : وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه وابن عدي وابن عساكر وابن النجار ، عن حذيفة قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن يأجوج ومأجوج فقال . . . الخ .
وعلى هذا فقس عشرات من أمثالها .
والنتيجة : أن يأجوج ومأجوج بنص القرآن من علامات الساعة ، ولا علاقة لهما بعلامات الإمام المهدي ولا بنزول المسيح عليه السلام ، وقد تكون الفاصلة بينهما مئات السنين أو ألوفها ! ولا صحة لأساطير بني إسرائيل وبني الخلافة القرشية عنهم . أما دابة الأرض فهي آية لليهود وأمثالهم من المكذبين ، تكون في فترة رجعة النبي صلى الله عليه وآله وأميرالمؤمنين عليه السلام إلى الدنيا ، ويكون هو صاحبها .
الاكثر قراءة في قضايا عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة