1 - الخطر على الأمة هم الأئمة المضلون وليس الدجال !
يوجد عددٌ من الأحاديث النبوية لا يحبها رواة الخلافة القرشية أبداً ، رغم أنها صحيحة ومتواترة ، ومنها أحاديث التحذير من الأئمة المضلين ، وقد نص بعضها على أن الأمة تُبتلى بهم بعد النبي صلى الله عليه وآله ، وأن فتنتهم تستمر حتى يبعث الله المهدي عليه السلام ! فقد روى أحمد : 4 / 123 ، عن شداد بن أوس أن النبي صلى الله عليه وآله قال : « إن الله عز وجل زَوَى لي الأرض « جَمَعَها » حتى رأيت مشارقها ومغاربها ، وإن مُلك أمتي سيبلغ ما زُوِيَ لي منها ، وإني أعطيت الكنزين الأبيض والأحمر ، وإني سألت ربي عز وجل أن لا يُهلك أمتي بِسِنةٍ بعامة ، وأن لا يُسلّط عليهم عدواً فيهلكهم بعامة ، وأن لا يُلبسهم شيعاً ، ولا يُذيق بعضهم بأس بعض . قال : يا محمد إني إذا قضيت قضاءً فإنه لا يُرد ، وإني قد أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة بعامة ، ولا أسلِّط عليهم عدواً ممن سواهم فيهلكوهم بعامة ، حتى يكون بعضهم يُهلك بعضاً ، وبعضهم يقتل بعضاً ، وبعضهم يسبي بعضاً ! قال : وقال النبي صلى الله عليه وآله : وإني لا أخاف على أمتي إلا الأئمة المضلين ، فإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة » !
وروى نحوه « 5 / 278 » عن ثوبان . ورواه أبو داود : 4 / 97 ، والترمذي : 4 / 410 ، وصححه . والبيهقي : 9 / 181 . والألباني : 7 / 2 ، أوله . ومجمع الزوائد : 5 / 239 ، آخره بلفظ أحمد . وزاد فيه ابن ماجة « 2 / 1304 » : « وستعبد قبائل من أمتي الأوثان ، وستلحق قبائل من أمتي بالمشركين . وإن بين يدي الساعة دجالين كذابين ، قريباً من ثلاثين كلهم يزعم أنه نبي . ولن تزال طائفة من أمتي على الحق منصورين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله عز وجل » . وقال عنه ابن ماجة : ما أهْوَله !
وروى ابن أبي شيبة : 8 / 653 ، عن علي قال : « كنا عند النبي صلى الله عليه وآله جلوساً وهو نائم فذكرنا الدجال ، فاستيقظ مُحْمَرّاً وجهُهُ فقال : غيرُ الدجال أخوف عليكم عندي من الدجال : أئمةٌ مضلون » . وفي رواية أحمد : 5 / 389 ، عن حذيفة : « ذُكر الدجال عند رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : لأنا لفتنة بعضكم أخوف عندي من فتنة الدجال » .
وصححه في مجمع الزوائد : 7 / 335 . ونحوه الفردوس : 3 / 131 ، وفي هامشه : قال الإمام العراقي : روى أحمد عن أبي ذر بإسناد جيد : « لأنا من غير الدجال أخوف عليكم من الدجال ، فقيل : وما ذلك ؟ قال : من الأئمة المضلين » .
وروى أحمد : 5 / 145 ، عن أبي ذر قال : « كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : لَغَيْرُ الدجال أخوفني على أمتي ، قالها ثلاثاً ، قال : قلت : يا رسول الله ما هذا الذي غير الدجال أخوفك على أمتك ؟ قال : أئمة مضلون » .
وروى أحمد : 1 / 98 ، عن علي رضي الله عنه قال : « ذكرنا الدجال عند النبي صلى الله عليه وآله وهو نائم فاستيقظ مُحْمَرَّاً لونه فقال : غير ذلك أخوف لي عليكم . ذكر كلمة » !
وقد خاف الراوي أن يذكر الكلمة فتنطبق على حكام عصره !
وفي صحيحة الألباني : 2 / 271 ح 54 ، عن شداد بن أوس : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من أخوفُ ما أخاف على أمتي أئمة مضلون . إذا وضع السيف لم يرفع إلى يوم القيامة » .
وفي سبل الهدى : 10 / 138 : « أبو يعلى وابن حبان ، عن أبي سعيد وأبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : ليأتينَّ على الناس زمانٌ يكون عليهم أمراءُ سفهاء ، يقدمون شرار الناس ويظاهرون بخيارهم ، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها ، فمن أدرك ذلك منكم فلا يكونن عريفاً ولا شرطياً ولاجابياً ولا خازناً . . وروى أحمد بن منيع برجال ثقات ، وابن أبي شيبة ، وأبو يعلى ، عن أبي هريرة : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : تعوذوا بالله من رأس السبعين ومن أمارة الصبيان . وروى عن ابن عباس ووثقه : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يكون عليكم أمراء ، هم شرٌّ من المجوس » .
وفي حلية الأولياء : 7 / 69 : « عن سفيان : قال رسول الله صلى الله عليه وآله لسلمان : إن طعام أمرائي بعدي مثل طعام الدجال ، إذا أكله الرجل انقلب قلبه » .
أقول : وردت كلمة المضلين في أحاديث منصوبة وحقها الرفع ، ويصح نصبها تأكيداً بتقدير : أعني
2 - الأئمة المضلون يسفكون دماء العترة والأمة
أخبر النبي صلى الله عليه وآله في أحاديثه عن الأئمة المضلين بأنهم سيسفكون دماء عترته عليهم السلام ، لكن أتباع الحكام المضلين حذفوا أحاديث ظلمهم لأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله !
ففي أمالي الطوسي : 2 / 126 ، وفي طبعة / 512 ، عن الحضرمي قال : « سمعت علياً عليه السلام يقول : كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وآله وهو نائم ورأسه في حجري ، فتذاكرنا الدجال ، فاستيقظ النبي مُحْمَرّاً وجهه ، فقال : غير الدجال أخوف عليكم من الدجال : الأئمة المضلون ، وسفك دماء عترتي من بعدي ، أنا حربٌ لمن حاربهم ، وسلمٌ لمن سالمهم » .
وفي أمالي الطوسي / 65 ، وأمالي المفيد / 288 ، عن علي عليه السلام قال : « لما نزلت على النبي صلى الله عليه وآله : إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ، قال لي : يا عليُّ لقد جاء نصر الله والفتح ، فإذا رأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً . يا علي ، إن الله تعالى قد كتب على المؤمنين الجهاد في الفتنة من بعدي ، كما كتب عليهم جهاد المشركين معي . فقلت : يا رسول الله وما الفتنة التي كتب علينا فيها الجهاد ؟ قال : فتنة قوم يشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، وهم مخالفون لسنتي وطاعنون في ديني ! فقلت : فعلى مَ نقاتلهم يا رسول الله ، وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ؟ فقال : على إحداثهم في دينهم وفراقهم لأمري ، واستحلالهم دماء عترتي . قال : فقلت : يا رسول الله ، إنك كنت وعدتني الشهادة ، فسلِ الله تعجيلها لي . فقال : أجل قد كنت وعدتك الشهادة ، فكيف صبرك إذا خُضبت هذه من هذا ؟ وأومى إلى رأسي ولحيتي ، فقلت : يا رسول الله أمَّا إذا بَيَّنْتَ لي ما بينت ، فليس هذا بموطن صبر ، لكنه موطن بشرى وشكر ! فقال : أجل فأعدَّ للخصومة ، فإنك تخاصم أمتي . قلت : يا رسول الله أرشدني إلى الفَلَج . قال : إذا رأيت قوماً قد عدلوا عن الهدى إلى الضلال فخاصمهم ، فإن الهدى من الله والضلال من الشيطان . يا عليُّ إن الهدى هو اتَّباع أمر الله دون الهوى والرأي . وكأنك بقوم قد تأولوا القرآن وأخذوا بالشبهات ، واستحلوا الخمر بالنبيذ ، والبخس بالزكاة ، والسحت بالهدية ! قلت : يا رسول الله فما هم إذا فعلوا ذلك ، أهم أهل ردة أم أهل فتنة ؟ قال : هم أهل فتنة يعمهون فيها إلى أن يدركهم العدل ! فقلت : يا رسول الله ، العدل منا أم من غيرنا ؟ فقال : بل منا ، بنا يفتح الله وبنا يختم ، وبنا ألف الله بين القلوب بعد الشرك ، وبنا يؤلف الله بين القلوب بعد الفتنة . فقلت : الحمد لله على ما وهب لنا من فضله » .
أقول : روت مصادرهم جزءً من حديث أمالي المفيد والطوسي ، وحذفوا منه ذكر الأئمة المضلين ، على عادة رواة السلطة في تغييب ذم النبي صلى الله عليه وآله للحكام بعده !
فقد روى الحاكم : 3 / 149 ، عن أبي هريرة قال : « نظر النبي صلى الله عليه وآله إلى علي وفاطمة والحسن والحسين فقال : أنا حربٌ لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم » . وصححه ، واستشهد له بحديث مشابه عن زيد بن أرقم ، وفيه : « أنا حربٌ لمن حاربتم وسلمٌ لمن سالمتم » . كما رووه عن زيد بن أرقم ، والخدري ، وأم سلمة وغيرهم ، وأن النبي صلى الله عليه وآله كرره عندما نزلت آية التطهير ، فكان أربعين صباحاً يذهب إلى باب دار علي ويقرأ الآية ، ويقول هذا الكلام .
كما رووا أنه صلى الله عليه وآله قاله في حيٍّ في المدينة ، وفي مناسبات أخرى ، وفي مرض وفاته ، كما في أحمد : 2 / 442 ، وابن ماجة : 1 / 52 ، والترمذي : 5 / 360 ، والزوائد : 9 / 169 ، وابن أبي شيبة : 7 / 512 ، ولمحاملي / 447 ، وابن حبان : 15 / 434 ، وأوسط الطبراني : 3 / 179 ، و : 5 / 182 ، و : 7 / 197 ، والأصغر : 2 / 3 ، والأكبر : 3 / 40 ، و : 5 / 184 ، وفضائل سيدة النساء لعمر بن شاهين / 29 ، وتفسير الثعلبي : 8 / 311 ، وشواهد التنزيل : 2 / 44 ، وتاريخ بغداد : 7 / 144 ، وتاريخ دمشق : 13 / 218 ، و : 14 / 144 ، وسير الذهبي : 2 / 122 .
3 - محاولات تبرئة الصحابة من صفة المضلين
أحمد : 1 / 458 ، عن ابن مسعود ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « ما من نبي بعثه الله عز وجل في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ، ثم إنها تُخْلَفُ من بعدهم خلوفٌ يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون » .
ونحوه في أحمد : 1 / 461 ، عن ابن مسعود ، ومسلم : 1 / 51 ، وفيه : « قال أبو رافع : فحدثت عبد الله بن عمر فأنكره عليَّ ، فقدم ابن مسعود فنزل بقناة فاستتبعني إليه عبد الله بن عمر يعوده فانطلقت معه ، فلما جلسنا سألت ابن مسعود عن هذا الحديث ، فحدثنيه كما حدثته ابن عمر » .
والحواريون والحواري : الأصحاب الخاصون . والخُلوف : جمع خليفة ، أي أجيال .
وروى الطبراني الكبير : 22 / 362 ، و 373 : « ستكون عليكم أئمة يملكون أرزاقكم ، يحدثونكم فيكذبونكم ، ويعملون ويسيئون العمل ، لا يرضون منكم حتى تُحَسِّنُوا قبيحهم وتصدقوا كذبهم ، فأعطوهم الحق ما رضوا به ، فإذا تجاوزوا ، فمن قتل على ذلك فهو شهيد » .
وفي الطبراني الكبير : 22 / 375 ، عن الصدفي أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : « سيكون من بعدي خلفاء ، ومن بعد الخلفاء أمراء ، ومن بعد الأمراء ملوك ، ومن بعد الملوك جبابرة ، ثم يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً » . انتهى .
أقول : لا يمكن إبعاد أحاديث الأئمة المضلين عن الصحابة ، لأن البخاري روى في صحيحه « 7 / 208 » أحاديث الحوض التي نصت على أن أكثر الصحابة ينحرفون بعد النبي صلى الله عليه وآله فيدخلون النار ولا ينجو منهم إلا أفراد ! قال صلى الله عليه وآله : « بينا أنا قائمٌ فإذا زمرةٌ حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال : هلمَّ ، فقلت أين ؟ قال إلى النار والله ! قلت : وما شأنهم ؟ ! قال : إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى ! ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال : هلمَّ ! قلت : أين ؟ قال : إلى النار والله ! قلت : ما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى فلا أراه يخلص منهم إلا مثلُ هَمَل النعم » .
هذا ، وقد تدخلت السلطة في أحاديث الخروج على المضلين فتناقض رواتها ، فبعضهم روى النهي عن الخروج عليهم مهما ظلموا ، وبعضهم روى الأمر بالخروج حتى الشهادة ، وبعضهم روى النهي عن الخروج ما أقاموا الصلاة . . الخ .
4 - إن أطعتموهم أضلوكم وإن عصيتموهم قتلوكم !
روى الطبراني ، الكبير : 8 / 176 ، عن أبي أمامة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : « لستُ أخاف على أمتي جوعاً يقتلهم ، ولا عدواً يجتاحهم « يستأصلهم » ولكني أخاف على أمتي أئمة مضلين ، إن أطاعوهم فتنوهم « أضلوهم » وإن عصوهم قتلوهم » .
وفي الطبراني الصغير : 1 / 264 : عن معاذ أن النبي صلى الله عليه وآله قال : « خذوا العطاء ما دام عطاء ، فإذا صار رشوةً على الدين فلا تأخذوه ، ولستم بتاركيه ، يمنعكم الفقر والحاجة ! ألا إن رحى بني مرح قد دارت ، وقد قتل بنو مرح . ألا إن رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الكتاب حيث دار . ألا إن الكتاب والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب . ألا إنه سيكون أمراء [ يقضون لأنفسهم ما لا ] يقضون لكم فإن أطعتموهم أضلوكم ، وإن عصيتموهم قتلوكم ! قال : يا رسول الله فكيف نصنع ؟ قال كما صنع أصحاب عيسى بن مريم نُشِّروا بالمناشير وحُملوا على الخشب ! موتٌ في طاعة الله خير من حياة في معصية الله عز وجل » .
والمطالب العالية : 4 / 267 ، كالطبراني بتفاوت يسير ، والدر المنثور : 2 / 300 ، ووثقه مجمع الزوائد : 5 / 227 . وبنو مرح : أهل الفرح والزهو ، كناية عن المشركين . وافتراق السلطان والقرآن : يعني أن الحكام سيحكمون بغير ما أنزل الله تعالى ، كما حصل .
وفي مصنف عبد الرزاق : 11 / 329 : « إنها ستكون عليكم أمراء يتركون بعض ما أمروا به ، فمن ناواهم نجا ومن كره سلم أو كاد يسلم ، ومن خالطهم في ذلك هلك أو كاد يهلك » . وفي عبد الرزاق : 11 / 330 : عن الحسن البصري بنحوه ، وفيه : « قالوا : أفلا نقاتلهم يا رسول الله ؟ قال : لا ، ما صلوا » .
ونحوه ابن أبي شيبة : 15 / 71 ، و / 243 ، عن أم سلمة ، والترمذي : 4 / 529 ، وصححه ، كرواية ابن أبي شيبة الأولى بتفاوت يسير ، وفيه : سيكون عليكم أئمة . ورواه الطبراني في الكبير : 11 / 39 ، كرواية ابن أبي شيبة الثانية بتفاوت يسير . ونحوه البيهقي : 8 / 157 ، عن أبي هريرة . ومثله الطبراني الأوسط : 5 / 374 ، والبزار : 6 / 61 ، وفيه : « قالت يا رسول الله أو لانقتلهم ؟ قال : لا ، ما أقاموا الصلاة » . ومثله الطبراني الأوسط : 1 / 252 ، ومسند الشاميين : 1 / 371 ، وأبو يعلى : 10 / 308 .
5 - تطبيق أمير المؤمنين عليه السلام للأئمة المضلين
في نهج البلاغة : 2 / 188 : « ومن كلام له عليه السلام وقد سأله سائل عن أحاديث البدع ، وعما في أيدي الناس من اختلاف الخبر ؟ فقال عليه السلام : إن في أيدي الناس حقاً وباطلاً ، وصدقاً وكذباً ، وناسخاً ومنسوخاً ، وعاماً وخاصاً ، ومحكماً ومتشابهاً ، وحفظاً ووهماً . ولقد كُذب على رسول الله على عهده حتى قام خطيباً فقال : من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ! وإنما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس : رجلٌ منافق مظهر للإيمان متصنعٌ بالإسلام لا يتأثم ولا يتحرج ، يكذب على رسول الله متعمداً ! فلو علم الناس أنه منافق كاذب لم يقبلوا منه ولم يصدقوا قوله ، ولكنهم قالوا صاحب رسول الله رأى وسمع منه ولقف عنه ، فيأخذون بقوله ! وقد أخبرك الله عن المنافقين بما أخبرك ، ووصفهم بما وصفهم به لك ، ثم بقوا بعده عليه وآله السلام فتقربوا إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى النار ، بالزور والبهتان فولَّوْهم الأعمال ، وجعلوهم حكاماً على رقاب الناس وأكلوا بهم الدنيا ! وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصم الله ، فهو أحد الأربعة . . » . ورواه في الكافي : 1 / 62 .
وفي الكافي : 8 / 62 : عن أمير المؤمنين عليه السلام يشكو حال الأمة ، قال : « قد عملت الولاة قبلي أعمالاً خالفوا فيها رسول الله صلى الله عليه وآله متعمدين لخلافه ، ناقضين لعهده ، مغيرين لسنته ! ولو حَمَلْتُ الناس على تركها وحوَّلتها إلى مواضعها وإلى ما كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله لتفرق عني جندي . . . والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة ، وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة ، فتنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي : يا أهل الإسلام غُيِّرت سنة عمر ، ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوعاً ! ولقد خفت أن يثوروا في جانب عسكري ! ما لقيتُ من هذه الأمة من الفرقة ، وطاعة أئمة الضلالة ، والدعاة إلى النار » !
6 - تطبيق عُبَادَة بن الصامت للأئمة المضلين
روى ابن أبي شيبة : 8 / 696 : « أقبل عُبَادَة بن الصامت حاجاً من الشام فقدم المدينة فأتى عثمان بن عفان فقال : يا عثمان ألا أخبرك شيئاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال : بلى ، قال : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : ستكون عليكم أمراء يأمرونكم بما تعرفون ، ويعملون ما تنكرون ، فليس لأولئك عليكم طاعة » !
وفي المستدرك : 3 / 357 : « ستكون عليكم أمراء يأمرونكم بما تعرفون ويعملون ما تنكرون فليس لأولئك عليكم طاعة . فلا تُعْتِبوا أنفسكم . فوالذي نفسي بيده إن معاوية من أولئك ! فما راجعه عثمان حرفاً » . وصححه الحاكم على شرط الشيخين ، وذكر أن عبادة جاء متظلماً ، المستدرك : 3 / 357 ، ونحوه أحمد : 5 / 329 .
وفي مسند الشاشي : 3 / 172 ، عن رفاعة : « أن عُبَادَة بن الصامت مرت عليه قَطَارة وهو بالشام تحمل الخمر فقال : ما هذه ؟ أزَيْتٌ ؟ قيل : لا بل خمر تباع لفلان « معاوية » ! فأخذ شفرةً من السوق فقام إليها ولم يذر منها راويةً إلا بقرها ، وأبو هريرة إذ ذاك بالشام ، فأرسل فلان إلى أبي هريرة فقال : ألا تمسك عنا أخاك عُبَادَة بن الصامت ! أما بالغدوات فيغدو إلى السوق فيفسد على أهل الذمة متاجرهم ، وأما بالعشي فيقعد بالمسجد ليس له عمل إلا شتم أعراضنا وعيبنا ، فأمسك عنا أخاك .
فأقبل أبو هريرة يمشي حتى دخل على عبادة فقال : يا عبادة مالك ولمعاوية ؟ ذَرْهُ وما حمل ، فإن الله يقول : تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ . قال : يا أبا هريرة لم تكن معنا إذ بايعنا رسول الله صلى الله عليه وآله ، بايعناه على السمع والطاعة في النشاط والكسل ، وعلى النفقة في العسر واليسر ، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأن نقول في الله لا تأخذنا في الله لومة لائم ، وعلى أن ننصره إذا قدم علينا يثرب فنمنعه ما نمنع منه أنفسنا وأزواجنا وأهلنا ، ولنا الجنة ، ومن وفى وفى الله له الجنة بما بايع عليه رسول الله صلى الله عليه وآله ، ومن نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ !
فلم يكلمه أبو هريرة بشيء . فكتب فلان إلى عثمان بالمدينة أنَّ عُبَادَة بن الصامت قد أفسد عليَّ الشام ، فإما أن يكف عنا عُبَادَة بن الصامت وإما أن أخلي بينه وبين الشام .
فكتب عثمان إلى فلان : أرْحِلْهُ إلى داره من المدينة ، فبعث به فلان حتى قدم المدينة ، فدخل على عثمان الدار وليس فيها إلا رجل من السابقين يعينه ، فلم يهم عثمان به إلا وهو قاعد في جانب الدار ، فالتفت إليه فقال : ما لنا ولك يا عبادة ؟ فقام عبادة قائماً وانتصب لهم في الدارفقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله أبا القاسم يقول : سيلي أموركم من بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون ، وينكرون عليكم ما تعرفون ، فلا طاعة لمن عصى الله ، فلا تضلوا بربكم ، فوالذي نفس عبادة بيده إن فلاناً لمن أولئك ! فما راجعه عثمان بحرف » ! ورواه الطبراني في مسند الشاميين : 2 / 282 ، عن ابن عمرو مختصراً ، وصححه الألباني : 2 / 138 ، والذهبي في سيره : 2 / 9 ، وفيه : فكتب إليه أن رحِّل عبادة حتى ترجعه إلى داره بالمدينة . راجع إنكار عبادة على معاوية في المجلد الثاني من جواهر التاريخ .
7 - نص النبي صلى الله عليه وآله على أن من صحابته أئمة مضلون !
روى عبد الرزاق : 11 / 345 ، أن النبي صلى الله عليه وآله قال لكعب بن عجرة : « أعاذك الله يا كعب بن عجرة من أمارة السفهاء ، قال : وما أمارة السفهاء ؟ قال : أمراء يكونون بعدي لا يهتدون بهديي ولايستنون بسنتي ، فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني ولست منهم ، ولايَرِدِون عليَّ حوضي . ومن لم يصدقهم على كذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك مني وأنا منهم ، وسَيَرِدُونَ عليَّ حوضي . يا كعب بن عجرة : الصوم جنة ، والصدقة تطفئ الخطيئة ، والصلاة قربان . يا كعب بن عجرة : إنه لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت أبداً ، النار أولى به . يا كعب بن عجرة : الناس غاديان : فمبتاع نفسه فمعتقها ، أو بائعها فموبقها » . ومثله أحمد : 3 / 231 . وقوله صلى الله عليه وآله : لا يردون عليَّ الحوض ، أي لايسقون منه ولا يدخلون الجنة .
والجُنَّة : الحجاب من النار . والسُّحت : المال الحرام . والغادي : السائر في صبح النهار .
وفي مسند أحمد : 5 / 111 ، عن خباب قال : « إنا لقعودٌ على باب رسول الله ننتظرأن يخرج لصلاة الظهر ، إذ خرج علينا فقال : إسمعوا ، فقلنا : سمعنا ، ثم قال : إسمعوا ، فقلنا : سمعنا ، فقال : إنه سيكون عليكم أمراء فلا تعينوهم على ظلمهم ، فمن صدقهم بكذبهم فلن يَرِدَ عليَّ الحوض » . وروى نحوه « 5 / 384 » عن حذيفة ، وفيه : « فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منهم ولا يرد عليَّ الحوض » .
ونحوه في : 6 / 395 ، وأوسع منه في : 4 / 243 : عن كعب بن عجرة ، قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله أو دخل ونحن تسعة وبيننا وسادة من أدم فقال . . . وفي : 4 / 267 ، عن النعمان بن بشير قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله ونحن في المسجد بعد صلاة العشاء ، فرفع بصره إلى السماء ثم خفض حتى ظننا أنه قد حدث في السماء شئ ، فقال : ألا إنه سيكون بعدي أمراء يكذبون ويظلمون فمن صدقهم بكذبهم ومالأهم على ظلمهم فليس مني ولا أنا منه . الخ .
وفي مسند ابن المبارك / 163 ، عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله : ستكون أمراء يغشاهم غواش أو حواش من الناس يظلمون ويكذبون ، فمن أعانهم على ظلمهم وصدقهم بكذبهم فليس مني . . الخ .
ونحوه الترمذي : 2 / 512 ، عن ابن عجرة . وفي : 2 / 137 ، بعضه ، عن جابر بن عبد الله ، وعن ابن عمر ، قال : خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله ونحن أربعة من العرب وخمسة من الموالي ، فقال : هل سمعتم أنه سيكون بعدي أمراء فمن أعانهم على ظلمهم وصدقهم بكذبهم وغشى أبوابهم . . . ونحوه صحيح ابن حبان : 5 / 9 .
وفي الطبراني الكبير « 3 / 135 » عن ابن عَجْرة قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله ونحن تسعة ، خمسة من العرب وأربعة من العجم فقال : اسمعوا ، أما سمعتم أنه سيكون بعدي أمراء فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم .
ونحوه المسند الجامع : 10 / 749 ، عن ابن عمر ، والحاكم : 1 / 78 ، عن خباب ، وفي : 4 / 126 ، كما في عبد الرزاق وصححه ، وتاريخ بغداد : 5 / 361 . وفي الزوائد : 5 / 248 : أحمد والبزار ، وأحد أسانيد البزار رجاله الصحيح ، ورجال أحمد كذلك . . الخ .
وروى مسلم : 6 / 20 ، أنهم يكونون بعد النبي صلى الله عليه وآله مباشرة ! « عن حذيفة : قلت : يا رسول الله إنّا كنا بِشَرٍّ فجاء الله بخير فنحن فيه ، فهل من وراء هذا الخير شرٌّ ؟ قال : نعم . قلت هل وراء ذلك الشر خيرٌ ؟ قال : نعم ! قلت : فهل وراء ذلك الخير شر ؟ قال : نعم . قلت كيف ؟ قال : يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولايستنون بسنتي ، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان الآدميين ! قال قلت : كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك ؟ قال : تسمع وتطيع للأمير ، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك ، فاسمع وأطع » .
8 - وقال عمر إن النبي أسرَّ اليه كلاماً عن الأئمة المضلين !
مسند أحمد : 1 / 42 : قال عمر لكعب : « إني أسألك عن أمر فلا تكتمني ! قال : والله لا أكتمك شيئاً أعلمه ، قال : ما أخوف شئ تخوفه على أمة محمد ؟ قال : أئمة مضلين . قال عمر : صدقت قد أسر ذلك إليَّ وأعلمنيه رسول الله » .
وفي الزوائد : 5 / 239 : رواه أحمد ورجاله ثقات . وفي مسند الشاميين : 2 / 97 : « عن عمر قال : أسرَّ إليَّ رسول الله فقال : إن أخوف ما أخاف على أمتي أئمة مضلين ! قال كعب : فقلت : والله ما أخاف على هذه الأمة غيرهم » .
9 - وجاء النبي صلى الله عليه وآله إلى بيت عمر مرة وحيدة !
في حلية الأولياء : 5 / 119 ، عن عمر بن الخطاب قال : « أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بلحيتي وأنا أعرف الحزن في وجهه ، فقال : إنا لله وإنا اليه راجعون ! أتاني جبريل آنفاً فقال لي : إنا لله وإنا اليه راجعون ! فقلت : أجل إنا لله وإنا اليه راجعون ، فمِمَّ ذاك يا جبريل ؟ فقال : إن أمتك مفتتنة بعدك بقليل من دهر ، غير كثير ! فقلت : فتنة كفر أو فتنة ضلالة ؟ فقال : كلٌّ سيكون ! فقلت : ومن أين وأنت تاركٌ فيهم كتاب الله ؟ ! قال : فبكتاب الله يفتنون ، وذلك من قبل أمرائهم وقرائهم ! يمنع الناسَ الأمراءُ الحقوق فيظلمون حقوقهم ولا يعطونها ، فيقتتلون ويفتتنون . ويتَّبع القراء أهواء الأمراء فيمدونهم في الغي ثم لا يقصرون ! فقلت : كيف يسلم من سلم منهم ؟ قال : بالكف والصبر . إن أعطوا الذي لهم أخذوه ، وإن منعوه تركوه » .
وفي الدر المنثور : 3 / 155 : « وأخرج الحكيم الترمذي عن عمر بن الخطاب قال : أتاني رسول الله صلى الله عليه وآله وأنا أعرف الحزن في وجهه فأخذ بلحيتي فقال . . الخ . ورواه في الجليس الصالح / 599 ، والمعرفة والتاريخ / 580 .
ولم يُرْوَ أن النبي صلى الله عليه وآله ذهب إلى بيت عمر أبداً ، غير تلك المرة !
10 - سبب ابتلاء الأمة بهؤلاء الأئمة المضلين
سببه أن الأمة خالفت أمر نبيها صلى الله عليه وآله ورفضت أعظم عرض قدمه نبيٌّ لأمته !
فقد أحضرهم في مرض وفاته وعرض عليهم أن يكتب لهم عهداً يؤمِّنهم من الضلال إلى يوم القيامة ، ويجعلهم سادة العالم إلى يوم القيامة ! فأحسَّت قريش أنه يريد أن يكتب ولاية علي والعترة عليهم السلام رسمياً ، ويأخذ منهم إقراراً والتزاماً بالطاعة . فقام عمر وواجه النبي صلى الله عليه وآله قائلاً لا حاجة لنا بعهدك ، كتاب الله يكفينا ! وصاح الطلقاء القرشيون مؤيدين لعمر : القول ما قاله عمر ، القول ما قاله عمر ! حسبنا كتاب الله . لا تقربوا له شيئاً ، ولا يكتب شيئاً ، وقالوا كلمة الكفر : إن نبيكم يهجر ! وعلا صياحهم ولغطوا ! فصاح بعض الصحابة وبعض نساء النبي صلى الله عليه وآله : قربوا له يكتب لكم ! فقالوا : لا تُقَربوا له شيئاً ، استفهموه ، إنه يهجر ! وكانوا مستعدين إذا أصرَّ النبي صلى الله عليه وآله على كتابة عهده ، أن يعلنوا ردتهم عن الإسلام ويقولوا إنه لم يكن نبياً ، بل كان يريد تأسيس ملك لبني هاشم ! ولذلك أمره جبرئيل أن يطردهم فقال صلى الله عليه وآله : قوموا عني ! وهي المرة الوحيدة التي طرد فيها أصحابه ، فقال لهم كما في البخاري : « قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع ما أنا فيه خيرٌ مما تدعوني اليه » ! والذي يدعونه اليه أن يصرَّ على الكتابة ليكون مبرراً لهم لإعلان الردة ! فكان ابن عباس يقول : إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين كتابه » !
ورواه بخاري : 1 / 36 ، وفي ست مواضع وخفف منه ما استطاع ! ورواه غيره بأوسع منه .
11 - أحاديث الشجرة الملعونة في القرآن تفسر المضلين
قال الله تعالى : وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلا طُغْيَاناً كَبِيراً .
وروى السنة تفسير النبي صلى الله عليه وآله الآية بالأئمة المضلين من بني أمية ، كما في مجمع الزوائد : 5 / 243 ، عن أبي يعلى ووثقه : « عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله رأى في منامه كأن بني الحكم ينزون على منبره وينزلون ! فأصبح كالمتغيظ فقال : ما لي رأيت بني الحكَم ينزون على منبري نَزْوَ القردة ؟ ! قال : فما رؤي رسول الله صلى الله عليه وآله مستجمعاً ضاحكاً بعد ذلك حتى مات » !
ورواه في مجمع الزوائد : 5 / 240 ، عن ابن عمرو ، وصححه ، قال : « كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وآله وقد ذهب عمرو بن العاص يلبس ثيابه ليلحقني فقال صلى الله عليه وآله ونحن عنده : ليدخلنَّ عليكم رجل لعين ! فوالله ما زلت وجلاً أتشوَّف خارجاً وداخلاً ، حتى دخل فلان . يعني الحكم » .
وفي معجم الطبراني الكبير : 3 / 90 ، عن الحسن بن علي رضي الله عنه أنه قالَ لِمن اعترض على صلحه مع معاوية : « رحمك الله فإن رسول الله قد أريَ بني أمية يخطبون على منبره رجلاً فرجلاً فساءه ذلك ، فنزلت هذه الآية : إنَّا أعطيناك الكوثَرْ ، نهر في الجنة . ونزلت : إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ، تملكه بنو أمية ! قال القاسم : فحسبنا ذلك فإذا هو ألفٌ لا يزيد ولا ينقص » .
والبيهقي في فضائل الأوقات / 211 ، والترمذي : 5 / 115 ، والحاكم : 3 / 170 ، وصححه . ونحوه في : 3 / 175 ، و 4 : / 74 .
وفي فتح الباري : 8 / 287 : « عن ابن عباس أنه سأل عمر عن هذه الآية : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ؟ فقال مَن هم ؟ قال : هم الأفجران من بني مخزوم وبني أمية ، أخوالي وأعمامك ! فأما أخوالي فاستأصلهم الله يوم بدر ، وأما أعمامك فأملى الله لهم إلى حين » !
وقال عن حديث علي عليه السلام : « وهو عند عبد الرزاق أيضاً ، والنسائي ، وصححه الحاكم » .
أقول : يقصد عمر بأخواله : بني مخزوم ، وكان ينسب إليهم أمه حنتمة ، وكان خالد بن الوليد لا يقر له بذلك . ويشير عمر إلى قوله تعالى : لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ ، لكن معنى الآية : أن الإرادة الإلهية أن يُمهل بعض قبائل قريش ، وأن يقطع طرفاً منهم كبني عبد الدار ، ويستأصلهم ويخرجهم من ساحة الصراع مع الإسلام ! لذلك لم نرَ لهم أيَّ دور مهم في التاريخ وقد كانوا فرسان قريش وأصحاب حربها ، وقد قَتَلَ علي عليه السلام منهم في بدر وأحُد بضعة عشر فارساً ، كلهم أبطالٌ حَمَلةُ الراية !
وبنو المغيرة هم العائلة المالكة في بني مخزوم ، وقد انطفأوا بعد مقتل أبي جهل في بدر ، وبرز منهم عسكري واحد هو خالد بن الوليد ، وطمع ابنه عبد الرحمن بالخلافة فقتله معاوية ! كما انتهت تيْمٌ وعديٌّ بعد أبي بكر وعمر ، فلم يبق في الساحة السياسية إلا بنو أمية وهاشم !
أما مصادرنا فروت أن كل قريش مسؤولة عن تبديل نعمة الله كفراً ، وليس بني أمية وبني مخزوم فقط ! قال الإمام الصادق عليه السلام لأحدهم : « ما تقولون في ذلك ؟ فقال : نقول : هما الأفجران من قريش بنو أمية وبنو المغيرة . فقال عليه السلام : بل هي قريش قاطبة ! إن الله خاطب نبيه فقال : إني قد فضلت قريشاً على العرب وأتممت عليهم نعمتي ، وبعثت إليهم رسولاً ، فبدلوا نعمتي وكذبوا رسولي » . « العياشي : 2 / 229 » .
وقال الإمام الباقر عليه السلام « الكافي : 8 / 345 » : « أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله يوماً كئيباً حزيناً فقال له علي عليه السلام : ما لي أراك يا رسول الله كئيباً حزيناً ؟ فقال : وكيف لا أكون كذلك وقد رأيت في ليلتي هذه أن بني تيم وبني عدي وبني أمية يصعدون منبري هذايردُّون الناس عن الإسلام القهقرى ! فقلت : يا رب في حياتي أوبعد موتي ؟ فقال : بعد موتك » !
12 - صححوا حديث : الخلافة بعدي ثلاثون سنة
أحمد : 4 / 273 : عن النعمان بن بشير قال : « كنا قعوداً في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وكان بشير رجلاً يكفُّ حديثه ، فجاء أبو ثعلبة الخشني فقال : يا بشير بن سعد ، أتحفظ حديث رسول الله في الأمراء ؟ فقال حذيفة : أنا أحفظ خطبته ، فجلس أبو ثعلبة فقال حذيفة : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ، ثم تكون ملكاً عاضاً فيكون ما شاء الله أن يكون ، ثم يرفعه إذا شاء أن يرفعه ، ثم تكون ملكاً جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ، ثم سكت .
قال حبيب : فلما قام عمر بن عبد العزيز ، وكان يزيد بن النعمان بن بشير في صحابته ، فكتبت إليه بهذا الحديث أذكره إياه فقلت له : إني أرجو أن يكون أمير المؤمنين يعني عمر ، بعد الملك العاض والجبرية . فأدخل كتابي على عمر بن عبد العزيز فسُرَّ به » .
وفي الطيالسي / 31 ، عن معاذ عن النبي صلى الله عليه وآله قال : « إن الله عز وجل بدأ هذا الأمر نبوة ورحمة ، وكائناً خلافة ورحمة ، وكائناً ملكاً عضوضاً ، وكائناً عنوةً وجبريةً وفساداً في الأرض ، يستحلون الفروج والخمور والحرير ، ويُنصرون على ذلك ويُرزقون أبداً ، حتى يلقوا الله » .
وفي الدارمي : 2 / 114 ، عن أبي عبيدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « أول دينكم نبوة ورحمة ، ثم ملك ورحمة ، ثم ملك أعفر ، ثم ملك وجبروت ، يستحل فيها الخمر والحرير . قال أبو محمد : سئل عن أعفر فقال : يشبه بالتراب وليس فيه خير » .
ونحوه أبو يعلى : 2 / 177 ، وفيه : عتواً وجبرية وفساداً في الأمة . ونحوه الطبراني الكبير : 11 / 88 ، وفيه : ثم يتكادمون عليها تكادم الحُمُر » .
ومعنى : ملكاً جبرية : تسلطاً غير شرعي بالإجبار والقهر . وملكاً عاضاً أو عضوضاً : شديد الظلم على الناس ، يعضهم كالكلب ! وهو حديث صحيح يُفسر الأئمة المضلين ببني أمية وينص على أن حكم معاوية ومن بعده إلى عمر بن عبد العزيز حكمٌ جبري ظالم ، غير شرعي !
وقال في فتح الباري : 8 / 61 : « وإشارته بهذا الكلام تطابق الحديث الذي أخرجه أحمد وأصحاب السنن ، وصححه ابن حبان وغيره من حديث سفينة أن النبي صلى الله عليه وآله قال : الخلافة بعدي ثلاثون سنة ، ثم تصير ملكاً عضوضاً » . وقال في : 1 / 543 : « وغالب طرقها صحيحة أو حسنة » . وفي صحيحة الألباني : 1 / 742 : « رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم ، وهذا من دلائل صدق نبوة النبي صلى الله عليه وآله فإن أبا بكر تولى عام 11 ، وتنازل عنها الحسن بن علي عام 41 . وهي ثلاثون عاماً كاملة » .
ونحن نُلزمهم بهذا الحديث الذي ينفي شرعية حكم معاوية وأمثاله ، لكنا لا نقبل خلافتهم ولا هذا الحديث ، لأنه يناقض وصية النبي الصحيحة صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام . كما نعتبره محاولة لإخراج ابن عبد العزيز من ذم النبي صلى الله عليه وآله لكل بني أمية !
13 - حكم الأئمة المضلين يستمر حتى ظهور المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
في عقد الدرر للسلمي / 62 ، عن حذيفة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : « ويحُ هذه الأمة من ملوك جبابرة كيف يقتلون ويخيفون المطيعين إلا من أظهر طاعتهم ، فالمؤمن التقي يصانعهم بلسانه ويفرُّ منهم بقلبه . فإذا أراد الله عز وجل أن يعيد الإسلام عزيزاً قصم كل جبار ، وهو القادر على ما يشاء أن يصلح أمة بعد فسادها . فقال صلى الله عليه وآله : يا حذيفة لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يملك رجل من أهل بيتي ، تجري الملاحم على يديه ، ويُظهر الإسلام ، لا يخلف وعده ، وهو سريع الحساب . أخرجه الحافظ أبو نعيم الأصفهاني في صفة المهدي » . والعرف الوردي : 2 / 2 ، والبرهان / 92 ، وينابيع المودة / 448 . وقوله صلى الله عليه وآله : لطول الله ذلك اليوم : كناية عن حتمية ظهور المهدي عليه السلام . والملاحم : جمع ملحمة وأصلها المعركة التي يلتحم فيها الناس ، وتطلق على الأحداث الكبيرة .
الاكثر قراءة في قضايا عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة