تبدو بعض الحيتان مذهلة للغاية إلى حد يجعلها تحظى بالشهرة. وفي الآونة الأخيرة، أسر ظهور مثير لحوت نادر أبيض اللون مخيلة وألباب الكثيرين على شبكة الإنترنت. وبالرغم من أن الحيتان قد أثارت انتباه واهتمام الكثيرين، إلا أن بعضاً منها فقط بات في مصاف النجوم.
وفي السطور التالية؛ نتحدث عن تسعة من أكثر الحيتان شهرة على مر التاريخ.
الحوت صاحب التردد 52 هيرتزيُطلق على هذا الحوت الغامض اسم الحوت الأكثر شعورا بالوحدة في العالم، لأنه يصدر أصواتا شبيهة بالغناء؛ بذبذبة لا يصل إليها صوت أي حوت أخر. ومنذ عام 1989، يجري تسجيل نداءات هذا الحوت؛ التي تنطلق حينا وتصمت حينا آخر.
وما من أحد يعلم إلى أي نوع من أنواع الحيتان ينتمي ذاك الحوت الوحيد، وذلك لأنه لا يوجد من رآه من قبل قط. ورغم أن أغانيه تتشابه كثيرا مع تلك التي تطلقها الحيتان المنتمية لنوع الحوت الأزرق، فإنها لا تتطابق معها تماما في الوقت نفسه.
وربما يكون ذلك الكائن الغامض حوتا هجينا؛ أي نتاج تزاوج بين حوتين، من نوعيّ الحوت الأزرق والحوت الزعنفي.
ويقول علماء الأحياء البحرية إنه لا يوجد دليل دامغ يثبت أن هذا الحوت يعاني من الوحدة. ويشيرون إلى أن غناءه غير المألوف ربما لا يشكل مؤشرا على كونه كائنا منبوذا.
ميغالويختلف الأمر بالنسبة لـ ميغالو؛ فهو حوت يمكن مشاهدته بالفعل، وينتمي إلى نوع الحوت الأبيض. في بادئ الأمر، كان يُعتقد أن ميغالو هو ذاك الحوت الذي رُصد مرة أخرى مؤخرا، رغم وجود لبس بشأن هوية ذلك الكائن.
على أي حال، فـميغالو حوت أحدب أبيض اللون تماما. وعندما عُثر عليه كان الحوت الوحيد المعروف بهذا الشكل في العالم. رغم ذلك فإن هناك عددا محدودا من الحيتان الأخرى التي يغلب عليها اللون الأبيض.
وقد رُصد للمرة الأولى عام 1991 قرب خليج بايرون بولاية نيو ساوث ويلز الأسترالية. واشتُق اسمه من كلمة بلغة السكان الأصليين لأستراليا تعني الرجل الأبيض، أو الرجل الغريب عن هؤلاء السكان.
وسرعان ما أصبح ميغالو الحوت المفضل بالنسبة لهواة مراقبة الحيتان، إلى حد دفع الحكومة الأسترالية لأن تعلن عام 2009 إقامة منطقة حظر حوله، للحيلولة دون أن يتعرض لأي إزعاج.
وفي عام 2012، اكتشف علماء - عكفوا على دراسة مكونات الحمض النووي لهذا الحوت - أن لديه تحورا في جين يُعرف باسم تايروسيناز، وهو من بين العوامل المسئولة عن تكوين الألوان التي يصطبغ بها الجلد. وأدت هذه الطفرة الجينية إلى وقف عمل هذا الجين بشكل كامل، مما يفسر سبب ذاك اللون الأبيض البراق الذي يصطبغ به جلد ميغالو.
حوت نهر التايمزفي يوم الخميس التاسع عشر من يناير/كانون الثاني 2006، تلقى غطاسون بريطانيون تقارير عن وجود حوت يسبح عكس اتجاه مجرى نهر التايمز، ويقترب تدريجيا من لندن.
وسبح الحوت البالغ طوله خمسة أمتار، وهو من نوع الحوت الشمالي ذو الأنف الشبيهة بالزجاجة (هيبرودون أمبيولاتس)، عكس التيار صوب منطقة باترسي، والتي مكث فيها إلى أن حوصر في نهاية المطاف، مع حلول اليوم التالي.
وعلى مدار الأيام التالية، تابع الملايين في مختلف أنحاء العالم الجهود الرامية لإنقاذ الحوت على شاشات محطات التليفزيون الإخبارية، وعبر أثير الإذاعة وكذلك من خلال شبكة الإنترنت. كما تدفق آلاف آخرون على ضفتي نهر التايمز لمشاهدة عملية الإنقاذ المثيرة وهي تمضي قدما.
وكانت هذه هي المرة الأولى التي يُشاهد فيها هذا النوع من الحيتان في التايمز منذ بدء تسجيل مثل هذه المشاهدات عام 1913.
وبُعيّد الساعة السابعة بتوقيت غرينتش من مساء الحادي والعشرين من يناير/كانون الثاني من ذلك العام، نفق الحوت – وكان أنثى - جراء الإصابة بتشنجات انتابته خلال عملية الإنقاذ. وعُرض جسد ذلك الحوت في متحف التاريخ الطبيعي ببريطانيا، في بلدة ترينغ بمقاطعة هارتفوردشير.
حوت موكا ديكنعلم جميعا أن (موبي ديك) هو عمل روائي من وحي الخيال، ولكنه مستوحى من قصة مثيرة تناولت مواجهة مأساوية ذات أبعاد ملحمية (بولغ فيها بلا ريب) بين حوت وصيادي حيتان.
وقد نشر هيرمان ملفيل روايته (موبي ديك) عام 1851، ولكن قبل عقود من ذلك؛ هاجم حوت أمهق عملاق من نوع حوت العنبر – قيل إن طوله يصل إلى 85 قدما – مركبا لصيد الحيتان، حملت اسم (آسيكس).
وغرق المركب، تاركا بحارته في مراكب صيد أصغر حجما تتقاذفها الأمواج لنحو ثلاثة آلاف ميل قبل أن يصلوا لسواحل أمريكا الجنوبية، بعد نحو 80 يوما. ولم ينج من أفراد الطاقم البالغ عددهم 21 بحارا، سوى ثمانية أشخاص فحسب.
أما الحوت المُهاجم، والذي أُطلق عليه اسم (موكا ديك)، فقد اصطيد في نهاية المطاف وقُتل عام 1838، وقيل إنه كانت على جسده علامات على عشرات الهجمات الأخرى.
حوت أزرق مجهول الهويةنتحدث هنا عن حوت، مجهول الهوية، ظهر على شاشات التليفزيون في منازل ملايين البشر في مختلف أنحاء العالم.
ينتمي هذا الحوت إلى نوع الحوت الأزرق، الذي تشكل حيتانه الكائنات الأضخم التي تعيش على وجه الأرض على الإطلاق. وقد ظهر ذلك الكائن البحري، الذي يزيد طوله على 30 مترا، في السلسلة الوثائقية ذات الطابع الملحمي ذي بلو بلانيت (الكوكب الأزرق)، التي انتجتها (بي بي سي إيرث).
وقد قام هذا الحوت، وحده، بالكثير من أجل كشف النقاب عن عجائب أعماق المحيطات أمام جموع غفيرة من المشاهدين.
ولكن ثلاثة من أشهر الحيتان في العالم ليست حيتانا من الأصل بحسب التصنيف الإحيائي، ولكنها من نوع الحوت القاتل، المعروف باسم دلافين الأُركة، وهي في واقع الأمر النوع الأضخم من الدلافين الذي لا يزال باقيا حتى الآن على قيد الحياة.
توم العجوزظل صيد الحيتان نشاطا اقتصاديا رائجا خلال معظم فترات القرن التاسع عشر. وفي نفس الحقبة التي عاش فيها حوت موكا ديك، ولكن على الجانب الآخر من العالم؛ تحديدا قبالة سواحل أستراليا، كان هناك كائن ينتمي إلى نوع الحوت القاتل يعيش حياة مختلفة تماما. فبدلا من أن يكون هو عرضة للصيد، كان يساعد الصيادين على اصطياد الحيتان الأخرى.
فقد ساق توم العجوز، ومجموعة حيتان قاتلة أخرى كانت تتبعه، الحيتان إلى المياه الواقعة قبالة منطقة إيدٍن باي حيث كان يتم اصطيادهم وقتلهم من جانب الصيادين المنتظرين هناك. وكان توم ومجموعته ينالون مكافآت سخية على جهودهم تلك، إذ كان الصيادون يمنحونهم شرائح من لحم الحوت اللذيذ لالتهامها، بما في ذلك أجزاء من شفاه الحيتان وألسنتها. وأُطلق على هذه المقايضة اسم قانون اللسان. ولا يزال توم العجوز باقيا في الذاكرة بكثير من الود، كما أن هيكله العظمي لا يزال محفوظا في متحف الحوت القاتل في منطقة إيدِن الاسترالية.
كيكوربما يكون كيكو هو أكثر الحيتان القاتلة شهرة على الإطلاق.
فقد وجد هذا الكائن البحري، الذي اصطيد عام 1979 وهو في نحو الثانية من العمر، طريقه إلى الشهرة عبر المشاركة في فيلم ذي طابع عائلي أُنتج عام 1993 وحمل اسم فري ويلي. وبعد ذلك، تصاعدت الضغوط الشعبية لإطلاق سراح كيكو وإعادته إلى الحياة في بيئته الطبيعية.
وفي عام 1996 بدأت عمليات تدريبه على العودة إلى هذه البيئة. وبعد عام 2000، بدأ مدربوه في اقتياده إلى المحيط ليسبح في مياهه المفتوحة، بهدف تحضيره لمواجهة متطلبات الحياة خارج الأسر.
ولكن كيكو لم يتفاعل سوى نادرا مع الحيتان القاتلة الأخرى. كما لم يندمج قط في أي تجمع لها. فضلا عن ذلك، عانى كيكو كثيرا فيما يتعلق بتعلم كيف يصطاد فرائسه ليعيش، وظلت غطساته أقل عمقا وعددا من تلك التي يقوم بها أقرانه.
وفي نهاية المطاف، ورغم الجهود المضنية التي بذلها مدربوه، لم يستطع كيكو التخلص من حاجته للاتصال بالبشر، ودأب على ملاحقة القارب الذي يستقله مدربوه، أو العودة إليه. وفي عام 2003؛ نفق هذا الحوت القاتل وهو لا يزال قيد الأسر تقريبا.
وفي عام 2009، نشرت دورية (علوم الثدييات البحرية) دراسة أجراها علماء أمريكيون ودنماركيون لتوثيق المحاولات التي بُذِلت لإعادة كيكو للعيش في مياه المحيط.
تيليكومهو حوت قاتل ذكر، أو بالأحرى أحد دلافين الأُركة. ورغم أنه لا يحظى بالشهرة ذاتها التي نالها كيكو، فإن تيليكوم بات شهيرا بدوره جراء أفعاله، وما أعقبها من إنتاج فيلم وثائقي بشأنها عام 2013 باسم بلاك فيش (السمكة السوداء).
ففي عام 2010، هاجم تيليكوم – وهو يعيش في الأسر - مدربه وقتله، في متنزه ترفيهي للألعاب المائية تابع لشركة (سي وورلد)، بمدينة أورلاندو في ولاية فلوريدا الأمريكية، وذلك في حادث حظي بتغطية واسعة من قبل وسائل الإعلام الدولية. وبحسب الفيلم الوثائقي الذي أنتج عن هذا الحادث في وقت لاحق، فإن تيليكوم سبق له وأن قتل مدربيه من قبل. وقد ذهب بعض الخبراء للقول إن مثل هذا السلوك يشكل نتيجة مباشرة للظروف التي يُحتجز في ظلها.
ولا يزال تيليكوم يؤدي عروضه حتى الآن، ولكن في إطار منظومة تختلف عن تلك التي كانت مطبقة قبل شنه الهجمات القاتلة على مدربيه.
ويمكن القول إنه من النادر للغاية أن تشن دلافين الأُركة مثل هذه الهجمات القاتلة على البشر في بيئتها الطبيعية. فخلافا للتصور الشائع، ورغم وجود هجمات موثقة في هذا الصدد بالفعل؛ فإنها لم تؤدِ لإصابة أحد بجروح مميتة.
فخلال مهمة عمل في القطب الجنوبي، تعرض باحث في جمعية تُعنى برصد ومراقبة الثدييات البحرية، يدعى كريس بيربوينت لهجوم بدا مخططا ومحكما إلى حد ما من قبل مجموعة من الحيتان القاتلة.
ففي تلك المنطقة، كانت دلافين الأُركة الفتاكة تتضافر لاصطياد فرائسها عبر السباحة معا صوب الفقمات المستلقية على قطع الجليد الطافية لنيل قسط من الراحة.
وتعرض بيربوينت لهجوم من هذا النوع بينما كان على أحد النتوءات الجليدية في القطب الجنوبي.
وفي ستينيات القرن الماضي وقع حادث شهير من هذا النوع، عندما أُسقِطَ أحد ممارسي رياضة ركوب الأمواج من على لوحه، لكنه خرج سالما، ولم يُطبق الأُركة فكيه عليه.
وفي عام 2008، وتحديدا في منطقة آلاسكا، وصف طفل كان يسبح في البحر كيف اتجه إليه حوت قاتل بأقصى سرعة وعلى نحو مباشر، قبل أن يتراجع عما بدا هجوما وشيكا في اللحظة الأخيرة.
وهناك من يقولون إن الحيتان القاتلة ربما لا تستطيع إدراك أنها تتجه صوب إنسان ما، وذلك لأن الفقاقيع الهوائية التي تنبعث من سترات الغطس المصنوعة من المطاط الصناعي، قد تشوش على قدرتها على تحديد مواقع ما حولها عبر صدى الصوت.
الحوت الطيار الغاضبوبالعودة إلى ما يمكن أن نُصنِفَهُ بالفعل كـحيتان، سنجد أن هناك حادثا موثقا وقع عام 1991 لهجوم شنه أحد أنواعها على البشر.
فحينذاك، كانت ليسا كوستيللو تمارس الغوص السطحي باستخدام أنبوبٍ للتنفس قبالة سواحل هاواي، عندما حاصرتها مجموعة حيتان تنتمي إلى نوع الحوت الطيار قصير الزعنفة.
وقد أطبق أحد هذه الحيتان فكيه على إحدى ساقيها ثم سحبها من كاحلها، جاذباً إياها إلى أسفل حتى بلغت عمقاً يناهز 40 قدما. وقبل أن تلقى حتفها غرقا، أعادها الحوت إلى السطح، لتخرج من هذا الحادث المروع سالمة؛ إلا من بعض الجروح الطفيفة.
ولم يُشاهد هذا الحوت ثانيةً قط بعد هذه المواجهة غير العادية، التي أعقبتها سنوات حافلة بالتغطية الإعلامية للحادث في مختلف أنحاء العالم.