المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
ماشية اللحم في الولايات المتحدة الأمريكية
2024-11-05
أوجه الاستعانة بالخبير
2024-11-05
زكاة البقر
2024-11-05
الحالات التي لا يقبل فيها الإثبات بشهادة الشهود
2024-11-05
إجراءات المعاينة
2024-11-05
آثار القرائن القضائية
2024-11-05



مقياس الجَودة  
  
2187   12:11 مساءً   التاريخ: 23-3-2018
المؤلف : د. عبد الرسول الغفاري
الكتاب أو المصدر : النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق
الجزء والصفحة : ص:54-57
القسم : الأدب الــعربــي / النقد / النقد القديم /

 

وفي هذا العنوان يدخل المعنى المبتكر الذي يصعب تقليده وادعاؤه، كما كان يصنع الشعراء في المعاني الشعرية.

وخير مثال نسوقه هنا قول الجاحظ في بيان مقياس الجودة فقال:

ما كان من عنترة في صفة الذباب فإنه وصفه فأجاد صفته فتحاشى معناه جميع الشعراء فلم يعرض له أحد منهم، قال عنترة:

جادت عليها كل عينٍ ثَرَّةٍ     فتركنَ كل حديقة كالدرهم

فتري الذباب بها يغني وحده هزجاً كفعل الشارب المترنم

غرداً يحك ذراعه بذراعه     فعل المكب على الزناد الأجذم

يعقب الجاحظ فيقول: يريد الشاعر فعل الاقطع: المكب على الزناد. والاجذم: المقطوع اليدين فوصف الذباب إذا كان واقعاً ثم حكّ إحدى يديه بالأخرى فشبّهه عند ذلك برجل مقطوع اليدين يقدح بعودين ومتى سقط الذباب فهو يفعل ذلك ولم أسمع في هذا المعنى بشعر أرضاه غير شعر عنترة (1).

وربما تناول الناقد المعنى من زاوية اخرى.

فهذا الجاحظ قد عاب على الشاعر (العمي) قوله:

فإنك فيما قد أتيت من الخنا   سفاهاً وما قد زدت فيه بإفراط

كسنور عبداللّه بيع بدرهم      صغيراً فلما شبّ بيع بقيراط

وهكذا عاب على أبي عمرو الشيباني لمّا استجاد هذين البيتين:

لا تحسبن الموت موت البلى فإنما الموت سؤال الرجال

كلاهما موت ولكن ذا أفظع من ذاك لذل السؤال

لكون الجاحظ ركز على المعنى فإنه سخر من الشاعر حيث لم يوفّق في استخدام الكلمات.

وقد عاب بعضهم على ابي تمام قوله في مدح احمد بن المعتصم إذ

إقدامُ عمرو في سماحة حاتم في حلم أحنفَ في ذكاء إياسِ

والبيت من قصيدة مطلعها:

ما في وقوفك ساعةً من بَاسِ         تقضي ذِمامَ الأربعِ الأدراس

قال الحكيم الكندي: وأيّ فخر في تشبيه ابن أمير المؤمنين بأجلاف العرب؟

فأطرق أبو تمام ثم انشد بيتين آخرين معتذراً عن تشبيهه إياه بعمرو وحاتم وأحنف وإياس، فقال:

لا تنكِروا ضربي له مِن دونه         مثلاً شروداً في النَدى والباس

فاللّه قد ضرب الأقلّ لنوره    مثلاً من المِشكاة والنِّبراس

وممّا عيب على علقمة قوله:

فوة كشَقّ العصا لأياً تبينه     اسكّ ما يسمع الاصوات مصلوم

حيث جاء بالحرف الزائد (ما) قبل (يسمع)، وربما يوحي هذا للاَخرين ان للنعام الصمم. وهو غير صحيح، لذا لا يصلح أن تكون (ما) في الموضع الذي ذكر، لأن ذلك يصير كقول القائل: الشمس. مضيئة، والنار حارقة، والثلج بارد و...

إذاً لا يحتاج الى أن يخبر أن الذي يُسمَع هذا الصوت، لأنه لا مسموع إلا الصوت(2).

وقد عيب على ابي نواس بقوله:

كأن عينه إذا التهبت   بارزة الجفن عين مخنوق

انه وصف عين الاسد بالجحوظ، والعرب لم تعرف لعين الاسد صفة البروز، بل هم يصفون عينه بالغؤور، قال الراجز:

(كأنما ينظر من جوف حجر)

مقياس الجَودة في الاغراض

افخر بيت قالته العرب قول حسان:

وبيومِ بَدْرٍ إذْ يَردّ وجوهَهم    جِبريل تحت لِوائهم ومحمَّد

 

وأما احكم بيت قالته العرب قول حسان:

فإن امْرأً يمسِي وَيصْبِحُ سَالماً         مِنَ النَّاسِ إلّا ما جَنَى لَسَعِيدُ (3)

وقالوا اهجى بيت قالته العرب قول جرير:

والتَّغْلبي إذا تَنَحْنَحَ للقِرى      حَكَّ استَهُ وتمثَّلَ الأمثَالا

وأصدق بيت قالته العرب قول لبيد:

أَلا كلُّ شيءٍ ما خَلا اللّه باطل         وَكلّ نعيمٍ لا مَحالةَ زائِل

ومما يلاحظ في شعر عَدِيِّ بنِ زَيدٍ العِبادي، وهو شاعر نصراني وكان في ديوان كسرى يكتب له بالعربية، سكن الحيرة. قال فيه محمد بن سلاّم: كان عدي يسكن الحيرة ومراكز الريف، فلان لسانه وسهل منطقه فحُمل عليه شيء كثير وتخليصه شديد. واضطرب فيه خلف الأحمر، وخلَّط فيه المفضّل فأكثر(4).

وعن المفضّل قال: كانت الوفود تَفِد على الملوك بالحيرة فكان عديّ ابن زيد يسمع لغاتِهم فيُدخِلها في شعره(5).

وقد عابوا على قيس بن الخطيم شاعر الأوس قوله:

حَوراءُ جيداً يستضاء بها      كآنها عودُ بانةٍ قَصِفُ

قصِفَ: انكسر. والمرأَة تُشبّه بالعود الملتوي المتثنّي، لا بالمتقصّف(6).

ونجد صوراً من النقد عند ربيعة: بن حذار الأسدي فهو يحكم بين الزبرقان والمخبّل السعدي وعبده بن الطبيب وعمرو ابن الأهتم (7). فقد كان النقد على ألسنة الشعراء يمارس في أسواق العرب كسوق عكاظ. وفي يثرب عيب على النابغة لمّا دخلها، وفي مكة أثنت قريش على علقمة الفحل، وقد روي عن حمّاد الرواية ان العرب كانت تعرض شعرها على قريش فما قبلوه منها كان مقبولاً وما ردّوه منها كان مردوداً، فقدم عليهم علقمة بن عبده فأنشدهم قصيدته التي مطلعها:

هل ما علمت وما استودعت مكتوم.................................

فقالوا: هذه سمط الدهر.

ثم عاد إليهم في العام المقبل فأنشدهم:

طحا بِكَ قلب في الحسانِ طروب...................................

فقالوا: هاتان سمطا الدهر.

 

ــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحيوان 3/ 311.

(2) الحيوان 4/ 383.

(3) يروى البيت:

وإن أمرأ أمسى وأصبح سالماً..... الخ.

(4) الطبقات 117، الموشح 103.

(5) الموشح 103.

(6) الموشح 117.

(7) تأريخ النقد الأدبي عند العرب.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.