المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

جوهر العمل في العلاقات العامة
4-8-2022
التبرج، اشاعة الفحشاء
2024-04-20
معنى كلمة عيب
17-12-2015
المقدار الواجب تعلمه من المسائل الفقهية
6-9-2016
علم الدين أبو علي محمد بن أحمد بن يحيى بن علي بن الشاطر
21-1-2018
الحسن بن محمد المهلبي أبو محمد
21-06-2015


موقف الإسلام من الشعر والشعراء  
  
82812   02:01 مساءً   التاريخ: 4-6-2017
المؤلف : مصطفى عبد الرحمن إبراهيم
الكتاب أو المصدر : في النقد الأدبي القديم عند العرب
الجزء والصفحة : ص60-68
القسم : الأدب الــعربــي / النقد / النقد القديم /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-3-2018 1323
التاريخ: 23-7-2016 2373
التاريخ: 18-1-2020 1831
التاريخ: 25-03-2015 3922

هناك هدف أساسي من الحديث عن موقف الاسلام من الشعر والشعراء، وهذا الهدف هو الرد على الوهم الشائع بين بعض النقاد، وفحواه ان الشعر ضعف في عصر النبوة عن مستواه الفني، وذلك لأن الاسلام يكره الشعر بل ويحرمه، واستدل هؤلاء بالأدلة الآتية :

1- قال تعالى : (والشعراء يتبعهم الغاوون، ألم تر أنهم في كل واد يهيمون، وأنهم يقولون مالا يفعلون)(1).

2- وقال تعالى (وما علمناه الشعر وما ينبغي له) (2) استخلصوا من هذا أن القرآن يحط من قدر الشعر بدليل ان الله كرم نبيه ولم يعلمه الشعر، وما ذلك إلا لأن الشعر ينقص من قدره ويحط من منزلته.

3- وقوله – صلى الله عليه وسلم – فيما رواه أبو هريرة " لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا يريه، خير من أن يمتلئ شعراً " (3).

4- متابعة هؤلاء النقاد الاصمعي الذي يرى : ان الشعر نكد بابه الشر، فإذا دخل في الخير ضعف، ألا ترى ان حسان بن ثابت كان قد علا في الجاهلية والاسلام، فلما دخل شعره في الخير – من مراثي النبي صلى الله عليه وسلم وحمزة وجعفر – رضوان الله عليهم – لأن شعره وطريق الشعر هو طريق شعر الفحول مثل امرئ القيس وزهير والنابغة من صفات الديار والرحيل والهجاء والمديح، والتشبيب بالنساء، وصفة الخمر والخيل والحروب والافتخار، فإذا أدخلته من باب الخير لان " (4).

والحق أننا إذا نظرنا الى الأدلة السابقة نظرة تأمل وتدقيق نستطيع ان ندفع تلك الشبهة من خلال النظرة الصائبة لهذه الأدلة.

فالآية الأولى : لا تقصد الى تهجين الشعر بعامة، وذم الشعراء أجمعين، فالاستدلال بها على ما ذكروه تعميم خاطئ، وتأويل للآية على غير وجهها الصحيح، ذلك ان أولى الأقوال بالصواب في تأويلها ما ذهب إليه اهل التأويل من المفسرين، من أن المراد بالشعراء المذمومين في الآية الكريمة شعراء المشركين، الذين يتبعهم غواة الناس او سفهاؤهم (5).,

وتعلل الآية لهذا الحكم بان هؤلاء الشعراء (في كل واد يهيمون، وأنهم يقولون ما لا يفعلون)، أي أنهم يذهبون في شعرهم على غير قصد، بل يجورون عن الحق، وطريق الرشاد، وقصد السبيل، وهذا " مثل ضربه الله لهم في افتتانهم في الوجوه، والتي يفتنون فيها بغير حق، فيمدحون بالباطل قوماً، ويهجون آخرين كذلك بالكذب والزور " (6).

ومما يدل على أن المعنى بالشعراء في الآية شعراء المشركين خاصة قوله تعالى بعد هذا التعليل : (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات)، وهو استثناء للمؤمنين من الشعراء بعامة، قصد به شعراء رسول الله بخاصة، الذين نافحوا عنه وعن دعوته وأصحابه ضد شعراء المشركين، بدليل قوله تعالى بعد ذلك : (وانتصروا من بعد ما ظلموا)، أي انتصروا ممن هجاهم من شعراء المشركين ظلما، بشعرهم وهجائهم أيام، واجابتهم عما هجوهم به (7).

وإذا دققنا النظر في آية الاستثناء نجد ان القرآن الكريم – كما لاحظ الفخر الرازي – استثنى الموصوفين بأربعة أمور : الإيمان، والعمل الصالح، وان شعرهم في التوكيد والنبوة ودعوة الخلق الى الخير، وهو قوله تعالى : (وذكروا الله كثيرا) وألا يذكروا هجو أحد الاعلى سبيل الانتصار ممن يهجوهم، وهو قوله تعالى : (وانتصروا من بعد ما ظلموا)(8)

ونؤيد كلامنا بما قاله ابن رشيق يقول : " فأما احتجاج من لا يفهم وجه الكلام بقوله تعالى : (والشعراء يتبعهم الغاوون، ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون) فهو غلط، وسوء تأول؛ لأن المقصود بهذا النص شعراء المشركين الذين تناولوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجاء، ومسوه بالأذى، فأما من سواهم من المؤمنين فغير داخل في شيء من ذلك : الا تسمع كيف استثناهم الله عز وجل ونبه عليهم : (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا) يريد شعراء النبي صلى الله عليه وسلم الذين ينتصرون له، ويجيبون المشركين عنه، كحسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة، وقد قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم : هؤلاء أشد على قريش من نضح النبل " (9) .. فلو ان الشعر حرام او مكروه ما اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم شعراء يثيبهم على الشعر، ويأمرهم بعمله ويسمعه منهم (10).

وخلاصة القول إن الآية لا يصح الاستدلال بها على كراهية القرآن للشعر، لأن القرآن لم يكره الشعر من حيث هو شعر، وإنما يكره شعراً معيناً ويكره شعراء بعينهم وهم الذين يؤذون الرسول والمؤمنين وأما الشعراء الذين دافعوا عن الاسلام، وذادوا عن حوضه وترسموا الأخلاق الفاضلة والقيم العالية فهذه الطائفة التي يجلها القرآن.

وأما الآية الثانية التي تنفي الشعر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فليس في نفيه عنه غض لقيمة الشعر، أو تقليل من شأنه، بل في نفيه عند دلالة إعجاب أشد، فقد نفى الله عن نبيه الشعر الذي عرف بين العرب بقوة التأثير، وبلاغة الدلالة، والقدرة على الفصاحة، فلئن كان نثر العرب أقل تأثيرا فقد علمه الله سبحانه وتعالى نبيه كلاما من جنس سائر النثر (11)، ولكنه أقوى تأثيراً.

وأعظم بيانا من الشعر وأما قوله تعالى (وما ينبغي له) فالمقصود، وما ينبغي له ان يبلغ عنا ما لم نعلمه، لأمانته ومشهور صدقه (12)

ولابن رشيق كلام طيب في معرض الرد على من لم يفهم الآية على وجهها، حيث يقول : " ولو كان كون النبي صلى الله عليه وسلم غير شاعر غض من الشعر، لكانت أميته غضا من الكتابة، وهذا أظهر من أن يخفى على أحد " (13)

ونرى ان الله سبحانه ينزه رسوله عن كونه شاعراً، حين نسبت قريش فضيلة الرسول، وحجته البالغة الى تأثير الشعر، لا إلى فضل الرسالة، وزعمت ان يتلوه ليس وحياً من عند الله ،بل إلهاما من شيطان الشعر.

وأما قول الرسول صلى الله عليه وسلم : "لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا يريه خير من أن يمتلئ شعراً" .. فيرد على الذين استدلوا به بأمرين :

الأول : إن مفهوم الحديث ان من غلب الشعر على قلبه، وملك نفسه حتى شغله عن دينه واقامة فروضه، ومنعه من ذكر الله تعالى وتلاوة القرآن، والشعر وغيره – مما جرى هذا المجرى من شطرنج وغيره – سواء، وأما غير ذلك ممن يتخذ الشعر أدباً وفكاهة وإقامة مروءة فلا جناح عيله وقد قال الشعر كثير من الخلفاء الراشدين، والجلة من الصحابة والتابعين والفقهاء المشهورين (14).

الثاني : يتعلق برواية الحديث وهي منقوصة بدليل قول عائشة – رضي الله عنها – يرحم الله أبا هريرة حفظ أول الحديث ولم يحفظ آخرة، وإن المشركين كانوا يهاجمون رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ شعراً من مهاجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم " (15).

فحديث النبي صلى الله عليه وسلم ليس مقصوداً به الشعر عامة، وإنما قصد به الشعر الذي لا يتفق مع آداب الإسلام، والدليل القاطع على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم استمع الى الشعر واستنشده، بل ورواه وكافأ عليه.

ومن ذلك أنه لما أنشده النابغة الجعدي :

أتيت رسول الله إذ جاء بالهدى       ويتلو كتابا كالمجرة نيرا

بلغنا السماء مجدنا وجدودنا       وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الى أين أبا ليلى؟ فقال : إلى الجنة فقال : الى الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله (16).

وأنشده حسان بن ثابت حين جاوب عنه أبا سفيان بن الحارث بقوله :

هجوت محمدا فأجبت عنه      وعند الله في ذاك الجزاء

فقال جزاؤك عند الله الجنة يا حسان (17).

وأما ما قاله الأصمعي فهذا رأي لا نقره عليه؛ لان الغرض الشعري لا ينبغي أن يكون أساسا للحكم على ضعف الشاعر او قوته، وإلا ترتب على ذلك أن تكون كل الاشعار في مجال الشر قوية، وكل الاشعار في مجال الخير ضعيفة، وهذا ما لم يقل به أحد، وما يخالف واقع الشعر في القديم والحديث.

كذلك فإن يترتب على هذا الحكم أيضاً أن يسقط الناقد من حسبانه عاطفة الشاعر وانفعاله النفسي، ومدى ارتباطه بالموضوع الذي يعبر عنه إحساسه به، حيث يصدر حكمه على شعر الشاعر ..

علما بأن قوة العاطفة وصدق الانفعال هما اللذان يكسبان الشعر القوة والجودة بصرف النظر عن الموضوع ذاته في المديح كان أو في الهجاء، وفي التهنئة كان أو في الرثاء. (18).

فإذا كان الأصمعي قد اتخذ من هبوط المستوى الفني في مراثي حسان سببا للحكم على الشعر الاسلامي بالضعف، فليس هذا بصحيح؛ لأنه ليس شرطاً أن يجيد الشعر في كل فنون الشعر، وما زلنا نتذكر أن الفحول أنفسهم من شعراء الجاهلية لم يبرعوا جميعا في كل فنون الشعر وأغراضه، وما زال القول المشهور يتردد في كتب الأدب عن أشهر شعراء الجاهلية وهم :

امرؤ القيس إذا ركب، وزهير اذا رغب، والأعشى اذا طرب والنابغة إذا رهب " (19).

كذلك فإن حسان بن ثابت لم يكثر من النظم في الرثاء في جاهليته، وأكثر من الفخر في جاهليته وإسلامه، فأبدع في العصرين، وإذا كان الشعر صناعة يجيد صاحبها ويجود فيها إذا رغب أو رهب، كما يرى النقاد من معاصري الأصمعي، فإن " أصعب الشعر الرثاء؛ لأنه لا يعلم لرغبة ولا لرهبة " (20).

ثم ما رد الأصمعي بضعف الشعر في الاسلام وهو يستشهد بشعر حسان، وذلك فيما نقله ابن قتيبة عنه من أن الشعر نكد بابه الشر، فإذا دخل في الخير ضعف .. هذا حسان بن ثابت فحل من فحول الجاهلية، فلما جاء الاسلام سقط شعره ؟ (21)

هل يريد الاصمعي بذلك الضعف او تلك الليونة ما يظهر على الشعر الاسلامي من سهولة الألفاظ ووضوح العبارات، وبعده عن غرابة الألفاظ ووعورة الأساليب، بشكل أكثر مما عليه الشعر الجاهلي؟

اذا كان الأمر كذلك، فليس هذا بالعيب الذي يمكن أن يؤخذ على شعر حسان، بل إن الأمر على العكس؛ لأنه يدل على مدى تأثر حسان بالظروف الجديدة التي ظهرت آثارها واضحة على الحياة العربية، كما ظهر أثرها أيضاً في أسلوب التعبير عن هذه الحياة، ولا يمكن ان تعد استجابة الشاعر لبيئته فكرا وأسلوباً من مظاهر الضعف أو اللين. (22)

ثم إذا كان الأصمعي يعد مراثي حسان حين وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ضعيفة لخلوها من صور التفجع والجزع الشديد بألفاظ طنانة رنانة على غرار المراثي الجاهلية، فإن الاصمعي يدرك جيداً ان الاسلام لا يرضى ذلك النوع من الرثاء القديم في صخبه وجزعه وعويله وتفجعه، وأحاله الى تأبين وإشادة بالمناقب الإسلامية الرفيعة، مع تقبل ورضا بقضاء الله وقدره واستبشار بما وعد الله به عباده الصابرين، ومن ثم غدا الرثاء يصدر عن نفس مؤمنة متعلقة، لا عن عاطفة متطيرة مسرفة في حزنها.. فإذا كان الأصمعي يرمي هذه الروح بالسهولة واللين والضعف فتلك روح الاسلام التي ترفض في الرثاء، بل وفي غير الرثاء ذلك الصخف وهذا العويل؛ لأنه ينافي ما ينبغي أن يكون عليه الإنسان من الثبات ومن الوقار. (23)

بعد هذا العرض يتضح لنا موقف الاسلام من الشعر، فنرى ان الاسلام لم يضعف كما زعم بعض النقاد، وإنما وقف منه موقف الموجه إلى الطريق الأقوم الذي يتفق مع مبادئ هذا الدين، ليكون الشعر وسيلة بناء للمجتمع الاسلامي، ودعوة للأخلاف الفاضلة لا وسيلة تفويض وهدم، ولم يقف الاسلام من الشعر موقف الجمود الذي يؤدي الى خمود جذوته، وإنما طور وجدد في معاني الشعر وموضوعاته وأسلوبه وصياغته، ولم يعد فيه مجال للمعاني الساقطة التي تشيع عواطف البعض، وإنما هي معاني تتكأ على الالتزام بالعقيدة والدين والدعوة الى الفضائل، وبهذا أشاعت الحب والتآخي وإنما انتقل بها الى طور جديد يلتئم مع طبيعته السمحة وآدابه العالية.

ولم يتوقف الأثر الاسلامي في تطوير فن الشعر عند المعاني والأغراض، وإنما طور أيضاً في الأسلوب والصياغة فقد تأثرت بروح الاسلام، وبعدت عن الغريب والوحشي حتى يستطيع الناس فهمها وتذوقها واتجه الشعر في صوره وتشبيهاته وأساليبه الى بعض ما اشتمل عليه القرآن من صور بديعة وأساليب جديدة.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1)الشعراء : 223.

2)يس : 69.

3)صحيح مسلم 4/1769 تحقيق الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي ط دار الكتب العربية فيصل الحلبي.

4)الشعر والشعراء 1 / 311، والموشح ص 71.

5)الأدب في عصر النبوة والخلافات الراشدين د / صلاح الدين الهادي، ص 221 ط الثانية 1979.

6)تفسير الطبري 19/78 ط دار الريان للتراث.

7)نفس المرجع 19/80.

8)مفاتيح الغيب 12 / 180 ط دار الغد العربي.

9)نضح النبل : الرمي بها.

10)العمدة 1 / 31.

11)النقد الأدبي د / محمد إبراهيم نصر ص 127.

12)العمدة 1 / 21.

13)نفس المرجع والصفحة.

14)العمدة 1/32، ويرجع أيضاً العبارة وتأليفها في كتابي نقد النثر والبرهان بشرح د / محمد السعدي فرهود ص 132.

15)روح المعاني 11/225 ط دار الفكر.

16)الشعر والشعراء 1/295، والعمدة 1/53.

17)العمدة 1/53.

18)موقف الاسلام من الشعر، د/ صلاح الدين محمد عبد التواب ص 58 ط مطبعة السعادة

19)العمدة 1/95.

20)الشعر في الاسلام د. أحمد فؤاد الغول ص58، ط لوران للطباعة والنشر الإسكندرية

21)الشعر والشعراء 1 / 311 ، والموشح ص 71.

22)موقف الاسلام من الشعر، د , صلاح الدين محمد عبد التواب ص59.

23)نفس المرجع ص 60.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.