المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24
من آداب التلاوة
2024-11-24
مواعيد زراعة الفجل
2024-11-24
أقسام الغنيمة
2024-11-24
سبب نزول قوله تعالى قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون الى جهنم
2024-11-24

الطرق المتبعة لتحسين جودة ثمار (حبات) العنب
2023-12-14
Atoms, Molecules, and Ions
30-10-2020
مرض اصفرار الدردار (نخر اللحاء)
27-1-2023
Subject Pronoun
25-5-2021
تعيين عسر الماء بالمعايرة المعقدة
2024-02-18
نسخ الحكم دون التلاوة
8-11-2020


ابن زيدون  
  
6429   01:54 مساءً   التاريخ: 7-2-2018
المؤلف : عمر فرّوخ
الكتاب أو المصدر : تأريخ الأدب العربي
الجزء والصفحة : ج4، ص589-600
القسم : الأدب الــعربــي / تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-3-2016 2913
التاريخ: 14-11-2021 4414
التاريخ: 10-04-2015 1910
التاريخ: 30-12-2015 3386


هو أبو الوليد أحمد بن عبد اللّه بن أحمد بن غالب بن زيدون المخزوميّ، أصل أهله من بني مخزوم من قريش. تقع حياته في ثلاثة أدوار: من ولادته إلى اتصاله ببلاط بني جهور-حياته في بلاط بني جهور (4٢٢-44٢ ه‍) -حياته في بلاط بني عبّاد. 
(أ) ولد ابن زيدون في رصافة قرطبة، في بيت علم و جاه و غنى، سنة 394 ه‍ (١٠٠٣-1004 م) ، فبدأ تلقّي العلم على أبيه، و كان أبوه فقيها مشهورا معروفا بالنباهة و العلم و الأدب. و لمّا توفّي أبوه (في إلبيرة، سنة 4٠5 ه‍) كفله جدّه لأمّه القاضي أبو بكر محمّد بن ابراهيم بن سعيد القيسيّ (355-4٣٢ ه‍) فأخذ عن جدّه هذا أيضا شيئا من العلم. و قد كان من شيوخه (أساتذته) : الفقيه القاضي أبو العبّاس أحمد بن عبد اللّه بن ذكوان (343-4١٣ ه‍) و أبو بكر مسلم بن أحمد القرطبيّ النحوي (ت 4٣٢ ه‍) . و لكن يبدو أن عبقريّة ابن زيدون قد صقلت بدراساته الخاصّة و بالاختبار في الحياة. و قد ظهر ذلك واضحا في مرثيته لشيخه ابن ذكوان-و هو بعد في العشرين من عمره. 
(ب) لمّا اضطرب أمر بني أميّة في قرطبة-قبل سقوط الخلافة نهائيّا-و فرّ هشام الثالث عنها، سنة 4٢٢ ه‍، كان أبو الحزم جهور بن محمّد بن جهور وزيرا له. خاف أهل قرطبة من عواقب الاضطراب و الفوضى و وجدوا في أبي الحزم بن جهور حاكما قديرا فولّوه أمر المدينة. و قد أنشأ أبو الحزم في قرطبة دويلة من دويلات الطوائف. 
و اتّصل ابن زيدون بالدويلة الناشئة باكرا و وزر لأبي الحزم جهور (وزارة استشارة لا وزارة عمل) . و قد كان أبو الحزم و ابن زيدون صديقين من قبل ثمّ كانت لابن زيدون، من أوّل أمره، آمال سياسيّة سنحت الآن فرصة الوصول إلى شيء منها. بذلك قذفت ريح السياسة بابن زيدون في تيّار الحياة العامّة بما فيها من خصومة و مكائد. و في هذا التيّار التقى شراع ابن زيدون-في الحياة-بشراع ولاّدة ابنة المستكفي. 
و أعظم الاحداث أثرا في حياة ابن زيدون و في أدبه كان اتّصاله بولاّدة. كانت ولاّدة ابنة للخليفة المستكفي من أمة له مستعربة من أهل مورور اسمها سكرى. كان الخليفة المستكفي نفسه رجلا جاهلا ضعيف الإرادة و الرأي منغمسا في اللهو مستهترا به. و كانت سكرى امرأة خبيثة شرّيرة. أما ولاّدة فكانت فتاة جميلة بيضاء شقراء مائلة إلى الصهبة (الحمرة) ، كما كانت ذكية متأدّبة بالفنون و الآداب قوية الشخصية؛ و لكنّ جمالها و ذكاءها كانا يطغيان على ثقافتها و أدبها. و يروى لولاّدة شيء من الشعر يغلب عليه الفحش و الاستهتار. و لمّا قتل المستكفي (4١6 ه‍-1025  م) انفلتت ولاّدة من القيود الاخلاقية و الاجتماعية و جعلت دارها منتدى لرجال الأدب و انصرفت إلى كثير من أسباب اللّهو. 
في هذه الفترة اتّصلت ولاّدة بابن زيدون-و يبدو أنّها كانت لدة له أو تصغره قليلا-أغراها به أدبه و شبابه. و لقد نعم الحبيبان بأيّام و ليال مشهورة عند الناس كان من المنتظر أن يقع ابن زيدون في حبّ ولاّدة. و كذلك كان من المنتظر أن تستجيب ولاّدة لدعوة الحبّ التي تمثّلت في شباب ابن زيدون و في جاهه الاجتماعي و مكانته الأدبية. و لعلّ ولاّدة كانت ذات آمال سياسيّة-كابن زيدون نفسه-فساقها ذلك إلى أن توثّق صلتها به، و خصوصا بعد أن أصبح ابن زيدون أثيرا في بلاط بني جهور. هذا على رأي من يعتقد أن صلة ولاّدة بابن زيدون قد نشأت قبل قيام الدويلة الجهوريّة. 
غير أنّ هذا الحبّ الذي بدأ باكرا ثمّ اشتعل بأشدّ ما يكون من السرعة و بأشدّ ما يكون من العنف لم يعش في صفائه و وفائه سوى بضعة أشهر ثمّ أخذ يفتر بمثل السرعة التي كان قد نشأ بها. انّ قلب ولاّدة تغيّر قبل قلب ابن زيدون. و مردّ ذلك إلى عدد من الاسباب فيما قيل. و لكنّ أقرب تلك الأسباب الى التصديق الظاهر على الأقلّ أنّ ابن زيدون تعلّق بجارية سوداء بارعة في الغناء كانت لولاّدة، قيل ليثير غيرة ولاّدة فتعود اليه. و قد عاتبت ولاّدة في ذلك ابن زيدون، كما أنّ ابن زيدون قد أقرّ على نفسه بأنّ ميله إلى الجارية السوداء كان ذنبا له، و لكنّه ذنب أجبرته ولاّدة نفسها على ارتكابه. و بعد، فنحن لا نعلم اليوم مبلغ هذا الحبّ: أ كان حبّا صريحا للجارية السوداء نفسها أو حبّا عذريا لوقع غنائها في قلبه. 
و حاول ابن زيدون أن يستردّ عطف ولاّدة ببراعته الشعرية، و لكنّ ولاّدة لم تأبه به. و لا ريب في أن حبّ ابن زيدون لولاّدة-برغم ما يقال فيه-قد أوحى إلى ابن زيدون أجمل قصائده. و لقد أخطأ ابن زيدون في الطريق التي أراد أن يسلك بها إلى. قلب ولاّدة، كما ضلّ عنترة الطريق إلى قلب عبلة لمّا ظنّ أن الفخر بنفسه و بقوّة طعنه و ضربه في ميادين القتال يقرّبه من قلب الفتاة اللعوب. إنّ ابن زيدون و عنترة لم يرزقا براعة امرئ القيس و براعة عمر بن أبي ربيعة في خطاب المحبوبة! 
و أرادت ولاّدة أن تغيظ ابن زيدون و تجازيه غيظا بغيظ فألقت شباك هواها على رجل قليل الذكاء واسع الثراء قليل العلم عظيم الجاه هو الوزير أبو عامر بن عبدوس-و كانت في حاجة إلى رجل من مثله تفرض عليه إرادتها و يطيعها في كلّ شيء-ثمّ قطعت صلتها بابن زيدون مرّة واحدة. غير أن تعلّق ابن زيدون بولاّدة ظلّ شديدا، كما أنّ شعره ظلّ يفيض بذكرها. أمّا هي فأخذت في هجائه هجاء فاحشا مرّا (راجع عددا من أبيات هجائها في نفح الطيب 4:٢٠5-٢٠6) . 
ثمّ أطلّت محنة ابن زيدون. 
كثر حسّاد ابن زيدون و خصومه في بلاط بني جهور و في خارج بلاط بني جهور. و كان أشدّ هؤلاء عداوة له و أعظمهم أثرا الوزير أبو عامر بن عبدوس. فكتب ابن زيدون رسالته الجدّيّة و حاول فيها أن يحطّ من مقام ابن عبدوس في عيون ولاّدة. و مع أن هذه الرسالة راجت بين الأدباء الذين أخذوا يتفكّهون بما سرده ابن زيدون فيها من معايب ابن عبدوس، فإنّ ولاّدة نفسها لم تتأثّر بهذا الأسلوب الجديد: فلا هي رقّت للمحبّ القديم و لا هي نفرت من المحبّ الجديد. و غيظ ابن عبدوس فجعل يلصق بابن زيدون تهما منها أنّه كان ميّالا إلى ردّ الحكم إلى بني أمية-تهمة كانت شائعة يومذاك-فأمر أبو الحزم جهور بحبس ابن زيدون (في ١4 من رجب سنة 4٣٣ ه‍) . 
جعل ابن زيدون يوالي القصائد إلى أبي الحزم و إلى نفر آخرين ليشفعوا له عند أبي الحزم: كتب إلى أبي الوليد بن أبي الحزم و إلى الشاعر ابن برد و إلى شيخه القديم أبي بكر مسلم بن أحمد القرطبي فلم يستطع أحد منهم أن يعطف قلب أبي الحزم على ابن زيدون. و اقترحوا على ابن زيدون أن يهرب من سجنه، فلم يقبل في أوّل الأمر، و لكنّه عاد فقبل و استطاع الهرب (بمساعدة أبي الوليد بن أبي الحزم) . 
و طاف ابن زيدون في قرطبة متخفّيا لعلّه يلقى ولاّدة فلم يلقها، فكتب إليها بقصيدته المشهورة «أضحى التنائي بديلا من تدانينا» فلم تردّ عليه. ثمّ بعث إليها بالقصيدة «إنّي ذكرتك في الزهراء مشتاقا» فلم تردّ عليه أيضا. و أخيرا بعث بقصيدته الطائية «شحطنا و ما للدار نأي و لا شحط» إلى شيخه القديم أبي بكر مسلم ابن أحمد يشكو حاله و يستشفع به إلى أبي الحزم. فنجحت الشفاعة فاستعاد ابن زيدون رضا أبي الحزم و استقرّ في قرطبة. 
و في سنة 4٣5 ه‍ توفّي أبو الحزم بن جهور و خلفه ابنه أبو الوليد في حكم قرطبة فقرّب ابن زيدون. و يبدو أن ابن زيدون لم ينس حبّ ولاّدة فأراد أبو الوليد أن ينسيه ذلك الحبّ فجعله سفيرا له عند ملوك الطوائف فأرسله إلى إدريس العالي باللّه صاحب مالقة (4٣4-4٣٨ ه‍) ، فطال مكث ابن زيدون في مالقة حتّى عتب عليه أبو الوليد بن جهور. و أرسله أيضا إلى بطليوس إلى المظفّر أبي بكر محمّد بن عبد اللّه (4٣٧-46٠ ه‍) و إلى بلنسية إلى عبد العزيز المنصور بن عبد الرحمن بن أبي عامر (4١٢-45٣ ه‍) ، فيما أظنّ. 
(ج‍) ثمّ عاد قلب أبي الوليد بن جهور فتغيّر على ابن زيدون لأنّ نفرا من أصحاب ابن زيدون قاموا في قرطبة بمحاولة لإعادة دعوة الامويّين إلى قرطبة، سنة 44٠ ه‍. خاف ابن زيدون مغبّة الرجوع إلى قرطبة فذهب إلى إشبيلية و لحق بالمعتضد عبّاد (4٣4-46١ ه‍) فنال عنده حظوة كبيرة و أصبح وزيرا و نديما و شاعرا للمعتضد ثمّ لابنه المعتمد من بعده. 
و لمّا حدثت فتنة العامة في قرطبة (بين المسلمين و اليهود) أرسل المعتمد نفرا من رجال الدولة لتهدئة الخواطر و جعل فيهم ابن زيدون. و كان ابن زيدون مريضا فاستعفى المعتمد فلم يعفه-قيل لأن قلب المعتمد كان قد تغيّر على ابن زيدون، و قيل إنّ ابن مرتين و ابن عمّار أوغرا صدر المعتمد على ابن زيدون ففعل المعتمد ذلك-اشتدّ المرض على ابن زيدون من أثر تلك الرحلة ثمّ توفّي، في اشبيلية، في نصف رجب من سنة 46٣ ه‍(١٨/4/١٠٧٠ م) . و نقل جثمانه إلى قرطبة و دفن فيها. 
ابن زيدون أديب بارع، فهو شاعر مجيد محسن و ناثر مقتدر حسن التصرّف في النثر المرسل و النثر الأنيق المسجوع. و ابن زيدون في شعره ثم في نثره خاصّة كثير الاقتباس و التضمين من القرآن الكريم و الحديث الشريف و من الأمثال و الأشعار، و له إشارات واضحة إلى نتاج الشعراء و النّاثرين منذ الجاهلية إلى معاصريه من العصر العبّاسيّ. و أثر البحتري واضح جدّا في شعر ابن زيدون، كما أنّ أثر الجاحظ واضح جدّا في نثره. و لابن زيدون ديباجة شعر رائقة تلقي على شعره وضوحا و حلاوة و موسيقى و تظهر فيها البراعة في الصناعة حتّى سمّاه النقّاد «بحتريّ المغرب» . و هو أفضل شعراء الاندلس الذين حافظوا على عمود الشعر العربي، و لسنا نعلم أنّه نظم موشّحات مع أن عصره كان قد امتلأ بالوشّاحين. 
و فنون ابن زيدون في شعره الغزل و النسيب (أوسع فنون شعره و أجملها و أصدقها تعبيرا عن نفسه و ألصقها بأحداث حياته) ثمّ المديح و لم تكن غايته التكسّب، لاستغناء ابن زيدون عن الكدح في سبيل المعاش، و لكنّه كان يتقرّب بمديحه من رجال الدولة و ذوي الوجاهة و خصوصا لمّا نزلت به محنته ثمّ أراد أن يدفعها عن نفسه باستشفاع هؤلاء إلى الذين كانوا السبب في تلك المحنة. و له أيضا أشياء في وصف الطبيعة و شيء من الرثاء العاديّ. 
و ابن زيدون كاتب مترسّل في أسلوب جزل متين و لكنّه نتاج قدرة لا فيض وجدان. و هو يميل إلى الصناعة و يتّكئ على السجع و الموازنة بين الجمل مع شيء من الترديد. غير أن السجع في رسالته الهزلية أكثر منه في الرسالة الجدّية. و في الرسالتين كثير من الإشارات التاريخية من أسماء الرجال و أحداث الزمان و من التلاعب بأقوال الشعراء و الناثرين - يورد هذه الاقوال أحيانا إيرادا أمينا أو ينثرها أحيانا ثمّ يسلكها في خلال جمله - من أجل ذلك تغمض غاياته في كثير من الأحيان حتّى على المثقّف الذي لم يحط بأصول الأدب إحاطة وافية. و ربّما ألحق برسائله القصار مقاطع من الشعر تطول أو تقصر. و له أيضا كتاب التبيين في خلفاء بني أميّة في الأندلس (نفح الطيب ٣:١٨٢) و قيل إن هذا الكتاب لابنه ابي بكر (راجع نفح الطيب ١:٣٣٢ في الحاشية) . 
مختارات من آثاره :
- لمّا هرب ابن زيدون من سجنه كتب إلى ولاّدة بهذه القصيدة، و هي أشهر ما يحفظه الناس له. من هذه القصيدة: 
أضحى التنائي بديلا من تدانينا... و ناب عن طيب لقيانا تجافينا
من مُبلغ المبلسينا بانتزاحهم ... حزنا مع الدهر لا يبلى و يبلينا (1) 
أنّ الزمان الذي ما زال يضحكنا ... أنسا بقربهم قد عاد يبكينا
غيظ العدى من تساقينا الهوى فدعوا...  بأن نغصّ، فقال الدهر: آمينا
و قد نكون و ما يخشى تفرّقنا...  فاليوم نحن و ما يرجى تلاقينا
لم نعتقد بعدكم إلاّ الوفاء لكم ... رأيا، و لم نتقلّد غيره دينا (2) 
ما حقّنا أن تقرّوا عين ذي حسدٍ ... بنا، و لا أن تسرّوا كاشحا فينا (3) 
بنتم و بنّا فما ابتلّت جوانحنا ... شوقا اليكم و لا جفّت مآقينا (4) 
نكاد، حين تناجيكم ضمائرنا... يقضي علينا الأسى لو لا تأسّينا (5) 
حالت لفقدكم ايامنا فغدت ... سودا؛ و كانت بكم بيضا ليالينا (6) 
إذ جانب العيش طلقٌ من تألّفنا ... و مورد اللهو صافٍ من تصافينا
و إذ هصرنا فنون الوصل دانيةً ... قطوفها، فجنينا منه ما شينا (7)
ليسقِ عهدكم عهد السرور، فما ... كنتم لأرواحنا إلاّ رياحينا
لا تحسبوا نأيكم عنّا يغيّرنا ... إن طال؛ ما غيّر النأي المحبينا
و اللّه، ما طلبت أهواؤنا بدلاً ... منكم، و لا انصرفت عنكم أمانينا 
يا ساري البرق، غاد القصر و اسق به ... من كان صرف الهوى و الودّ يسقينا (8) 
و يا نسيم الصّبا، بلّغ تحيّتنا ... من لو على البعد حيّا كان يحيينا
يا روضة طالما أجنت لواحظنا ... وردا- جلاه الصّبا غضّا - و نسرينا (9) 
و يا حياة تملّينا بزهرتها ... منى ضروبا و لذّات أفانينا (10) 
لسنا نسمّيك إجلالا و تكرمةً ... و قدرك المعتلي عن ذاك يغنينا 
يا جنّة الخلد أبدلنا بسلسلها... و الكوثر العذب زقّوما و غسلينا (11)
كأنّنا لم نبت و الوصل ثالثنا ... و السعد قد غضّ من أجفان و اشينا (12) 
سرّان في خاطر الظلماء يكتمنا ... حتّى يكاد لسان الصبح يفشينا
إنا قرأنا الأسى يوم النوى سوراً ... مكتوبة و أخذنا الصبر تلقينا (13) 
دومي على العهد، ما دمنا، محافظة... فالحرّ من دان إنصافا كما دينا (14) 
فما استعضنا خليلا منك يحبسنا... و لا استفدنا حبيبا عنك يثنينا 
و لو صبا نحونا من علو مطلعه ... بدر الدّجى لم يكن، حاشاك، يصبينا (15) 
ابلى وفاء، و ان لم تبذلي صلة ... فالطيف يقنعنا و الذكر يكفينا (16) 
عليك منّا سلام اللّه ما بقيت ... صبابة منك نخفيها فتخفينا (17)
- بعد لقاء ابن زيدون بولاّدة ثمّ انفصاله عنها في اليوم التالي كتب إليها «هذا الوداع» : 
ودّع الصبر محبّ ودّعك ... ذائع من سرّه ما استودعك 
يقرع السنّ على ان لم يكن ... زاد في تلك الخطى اذ شيّعك (18) 
يا اخا البدر سناء وسنا... حفظ اللّه زمانا اطلعك (19) 
ان يطل بعدك ليلي فلكم ... بتّ اشكو قصر الليل معك 
- لمّا فرّ من سجنه و توارى في نواحي قرطبة جاء يوما إلى الزهراء (20) ليتذكّر أيامه في تلك المعاهد مع ولاّدة. ثمّ كتب إليها: 
إنّي ذكرتك بالزهراء مشتاقا ... و الأفق طلق و وجه الأرض قد راقا (21) 
و للنسيم اعتلال في أصائله ... كأنما رقّ لي فاعتلّ إشفاقا (22) 
و الروض عن مائه الفضّيّ مبتسم ... كما حللت عن اللّبّات أطواقا (23) 
يوم كأيام لذّات لنا انصرمت ... بتنا لها-حين نام الدهر-سرّاقا (24) 
نلهو بما يستميل العين من زهرٍ ... جال الندى فيه حتى مال أعناقا (25) 
لا سكّن اللّه قلبا عن ذكركم ... فلم يطر بجناح الشوق خفّاقا (26)
لو شاء حملي نسيم الريح حين هفا ... وافاكم بفتى أضناه ما لاقى 
يا علقي الأخطر الأسنى الحبيب الى ... نفسي اذا ما اقتنى الأحباب أعلاقا (27) 
كان التجاري بمحض الودّ مذ زمنٍ ... ميدان أنس جرينا فيه اطلاقا (28) 
فالآن أحمد (؟) ما كنّا لعهدكُمُ ... سلوتُمُ و بقينا نحن عشّاقا (29) 
- من رسالته الهزلية التي كتب بها إلى ابن عبدوس يهزأ به -على لسان ولاّدة -: أمّا بعد، أيّها المصاب بعقله المورّط بجهله البيّن سقطه الفاحش غلطه. . . الساقط سقوط الذباب على الشراب المتهافت تهافت الفراش على الشهاب (30) ، فإنّ العجب أكذب و معرفة المرء نفسه أصوب (31). و انّك راسلتني مستهديا من صلتي ما صفرت منه أيدي أمثالك. . . مرسلا خليلتك مرتادة. . . كاذبا نفسك أنّك ستنزل عنها إليّ و تخلف بعدها عليّ (32). . . 
و لا شكّ إذ لم تضنّ بك، و ملّتك إذ لم تغر عليك، فإنّها أعذرت في السفارة لك و ما قصّرت في النيابة عنك: زاعمة أن المروءة لفظ أنت معناه و الإنسانية اسم أنت جسمه و هيولاه (33)؛ قاطعة أنّك انفردت بالجمال و استأثرت بالكمال. . . حتّى خيّلت أنّ يوسف عليه السلام حاسنك فغضضت منه و أنّ امرأة العزيز رأتك فسلت عنه (34)، و أن قارون (35) أصاب بعض ما كنزت و أن. . . كليب بن ربيعة إنّما حمى المرعى بعزّتك و جسّاسا انّما قتله بأنفتك و مهلهلا انما طلب ثأره بهمّتك (36). . . و (أنّ) أفلاطون أورد على أرسططاليس ما نقل عنك، و بطليموس سوّى الاصطرلاب بتدبيرك. . . و بقراط علّم العلل و الأمراض بلفظ حسّك (37). . . و أن صناعة الألحان اختراعك. . . و أن عبد الحميد بن يحيى باري أقلامك، و سهل بن هارون مدوّن كلامك، و عمرو بن بحر مستمليك (38)، و مالك بن أنس مستفتيك (39). . . 
ليس على اللّه بمستنكر... أن يجمع العالم في واحد (40). 
. . . و ذكرت أنك علق لا يباع ممّن زاد، و طائر لا يصيده من أراد، و غرض لا يصيبه إلاّ من أجاد. . . 
- من الرسالة الجدّيّة التي كتب بها من السجن يستعطف أبا الحزم بن جهور و يتنصّل ممّا نسب اليه: 
يا مولاي و سيّدي الذي ودادي له و اعتدادي به (41) و امتدادي منه، أبقاك اللّه ماضي حدّ العزم واري زند الامل ثابت عهد النعمة. إن سلبتني-أعزّك اللّه-لباس نعمائك و عطّلتني من حلي إيناسك (42). . . و غضضت عنّي طرف حمايتك بعد أن نظر الأعمى الى تأميلي لك و سمع الاصمّ ثنائي عليك (43). . . فلا غرو، قد يغصّ بالماء شاربه، و يقتل الدواء المستشفي به، و يؤتى الحذر من مأمنه و تكون منيّة (44) المتمنّي في أمنيّته، . . . 
كلّ المصائب قد تمرّ على الفتى ... و تهون غير شماتة الحسّاد. 
و انّي لأتجلّد و أري الشامتين أنّي لريب الدهر أتضعضع (45)، فأقول (46): هل أنا إلاّ يد أدماها سوارها، و جبين عضّه إكليله. . . 
هذا العتب محمود عواقبه، و هذه النبوة غمرة ثمّ تنجلي، و هذه النكبة سحابة صيف عن قليل تقشّع. و لن يريبني من سيّدي أن أبطأ سيبه أو تأخّر-غير ضنين-غناؤه فأبطأ الدلاء فيضا أملأها و أثقل السحائب مشيا أحفلها. . . و مع اليوم غد، و لكلّ أجل كتاب. . . 
و أعود فأقول: ليت شعري، ما هذا الذنب الذي لم يسعه عفوك، و الجهل الذي لم يأت من ورائه حلمك! . . . و لا أخلو من أن أكون بريئا فأين العدل أو مسيئا فأين الفضل؟ . . . 
_______________________
١) المبلسينا: الذين أبلسونا (قطعوا حجتنا و حيرونا) لأننا لا نستطيع أن نسوغ (ان نجد مبررا) لانتزاحهم (لابتعادهم عنا و هجرنا) . يبلى: يفنى (ينتهي) 
2) الدين: العادة، السلوك. 
3) الكاشح: المبغض. قرت عين فلان (سكنت) : أصبح مسرورا. 
4) ما جفت مآقينا (اطراف عيوننا) : لم ننقطع عن البكاء. الجوانح: الأطراف. ما ابتلت جوانحنا: كانت الدموع تنهمر بكثرة على صدورنا، و لكن حر صدورنا (من الحزن على فراقكم كان شديدا إلى درجة كانت تجفف هذه الدموع فورا) . 
5) حين تناجيكم ضمائرنا (حين نفكر بابتعادكم عنا و نتمنى قربكم من جديد) . الاسى: الحزن. التأسي: الاقتداء بغيرنا (لم يقض علينا الحزن لأننا نعرف محبين مثلنا عاملهم المحبوبون مثل المعاملة التي تعاملوننا بها الآن) . 
6) حالت: تغيرت. 
7) هصر فلان الغصن: شده إليه ليقطف ثمره. 
8) غاد (اذهب باكرا) . 
9) أجنى فلان فلانا ثمرا (اعطاه، منحه) . النسرين: الورد الابيض. كنا قد نلنا منكم جميع أنواع السرور. 
10) الضرب (بفتح فسكون) : النوع. الافانين جمع أفنان جمع فنن: غصن (صنف، نوع) 
11) السلسل: الماء العذب. الكوثر: ماء نهر في الجنة. الزقوم (طعام أهل جهنم) و الغسلين: الصديد (القيح) الذي يخرج من الجسم عند أول احتراقه (في جهنم) . 
12) غض: كسر، خفض. ان الواشي المبغض لما رأى سرورنا المتبادل انكسرت نفسه و لم يستطع أن ينقل عنا أن أحدا منا لم يكن مسرورا بصاحبه. 
13) الأسى: الحزن. النوى: البعاد، الفراق. سورا (كأنها من القرآن الكريم-نقرأ باستمرار لأنها فرض علينا) . تلقينا: تعليما (لطول ما صبرنا) . 
14) دان: قضى، حكم. عاملينا بالحب كما نعاملك. 
15) صبا: مال (احب) . اصبى: استمال (اوقع في الحب) . حاشاك: الاك. لو ملت إلينا انت لأسرعنا في الميل إليك. 
16) في جميع المصادر التي بين يديّ «أبلي» (باختلاف في التنقيط و التحريك) . و جميع هذه الوجوه غامضة. فأنا اقترح «أبدي» (فعل أمر من «أبدى» : أظهر) ليكون فيه شيء من التجنيس مع «تبذلي» . فيكون المعنى حينئذ: (تظاهري بشيء من الوفاء، إن لم تستطيعي أن تمنحيني وصالا (وفاء لما كنت أعاملك به من الحبّ من قبل) . الطيف: الخيال في النوم. الذكر (هنا) ذكرك لنا. 
17) الصبابة (بالضمّ) : البقية (بقية من حبك عندي) -و مع ذلك فإن هذه البقية القليلة التي لا نحاول اظهارها للناس تكاد تخفينا عن الناس (تقتلنا) . 
18) قرع فلان سنه: ندم. شيّع فلان فلانا: رافقه (في اثناء سفره) ، الخ
19) السناء: العلو. الرفعة. السنا: ضوء القمر. 
20) الزهراء (راجع، فوق، ص ١٧٨) . 
21) طلق: (هنا) واسع (ليس فيه ضيق أو حزن) . راق: صفا و حسن و اصبح يسر النفس. 
22) الاعتلال (الاولى) : اللطف، الرقة. اعتل (الثانية) مرض. 
23) اللبة: اعلى الصدر. الطوق: العقد. 
24) انصرمت: مضت. بات: قضى الليل. بتنا لها سراقا: نسرع في اغتنام اللذات فيها قبل ان تمضي. 
25) جال: طاف، تحرك (كثر) الندى: قطرات الماء التي تتكوّن ليلا (بعد برودة الجو) . مال اعناقا: مالت اعناقه، انحنت الازهار على عروقها. حتى نعس الزهر مثلنا (؟) . 
26) اذا كان قلبي لا يطير (يضطرب كلما جرى ذكركم) فلا جعله اللّه ساكنا ابدا. 
27) العلق: الشيء النفيس (الغالي) الثمين. الاخطر: الاعلى خطرا (شرفا و قيمة) . الاسنى: العالي القدر. 
28) كان التجاري (الجري معا بمحض الود. .) : احب بعضنا بعضا زمنا طويلا. الطلق (بفتح فسكون) : الشوط. جرينا اطلاقا: تمتعنا بالحب كثيرا. 
29) حالي الحاضرة احمد (افضل) شيء لكم انتم: انتم نسيتم حبنا (و احببتم آخرين) و نحن لا نزال نحبكم (فاصبح لكم حبيبان مكان الحبيب الواحد) 
30) المورط بجهله: الذي يورطه (يوقعه) جهله بما لم يحسب له حسابا ثم لا يستطيع الخلاص منه. الورطة (بالفتح) : الحفرة العميقة، الوحل. . . على الشراب (الحلو) . تهافت الفراش على الشهاب (الضوء، النار) : اسرع (فاحترق) . 
31) العجب: الكبر و التكبر. 
32) صفرت: خلت، فرغت (بفتح فكسر) . خليلتك: عشيقتك. مرتادة: طالبة. تريد ان توهمني انك ستترك عشيقتك لي لا عشقها انا. تخلف هي او انت (؟) . 
33) الهيولى: المادة الاصلية في الوجود (المقصود هنا: مادة الجسد) . 
34) حاسنك: باراك، نافسك في الحسن. غض فلان من فلان: قلل من قيمته. امرأة العزيز هي زليخا (امراة فرعون الذي كان يوسف بن يعقوب في ايامه) . سلت عنه: نسيت زوجها (اعجابا بجمالك) . 
35) قارون: اغنى الناس في ايامه. 
36) كان كليب بن ربيعة من العزة (القوة) انه كان عنده جرو كلب يلقيه في ارض فيها عشب. فيعوي ذلك الجرو فلا يجسر احد ان يرعى في مكان من تلك الارض يسمع فيه صوت ذلك الجرو. جساس بن مرة قتل كليب في حديث طويل. مهلهل اخو كليب طالب بثار كليب فوقعت حرب البسوس (بفتح الباء) و دامت العداوة فيها بين بكر و تغلب اربعين سنة.
37) افلاطون استاذ ارسطوطاليس، و هما أكبر فلاسفة اليونان أو أكبر-الفلاسفة. بطليموس عالم بالرياضيات و الفلك. الاصطرلاب اداة تشبه الزاوية يقاس بها ارتفاع النجوم فوق الافق. بقراط او ابقراط اكبر الاطباء اليونانيين القدماء. 
38) عبد الحميد بن يحيى و سهل بن هارون و عمرو بن بحر (الجاحظ) من كبار الكتاب و المنشئين العرب. 
39) مالك بن انس فقيه اهل المدينة و قد ضرب المثل به في الفتيا (بالضم) فقيل: أ يفتى و مالك في المدينة؟ 
40) في الفلسفة القديمة ان الإنسان هو العالم الاصغر (ان كل ما في العالم موجود بصورة مصغرة في الإنسان: الصورة و المادة و العناصر الأربعة. . . الخ) . 
41) اعتدادي به: جعلته عدة لي (استعين به في المستقبل على كل شيء) . 
42) الزند: قطعة من الحديد تقدح بها النار من حجر الصوان. وري (بفتح فكسر) الزند يري (بفتح فكسر) : اخرج نارا من حجر الصوان عند القدح. عطلتني: سلبتني الحلى التي ألبسها. 
43) في هاتين الجملتين تضمين من بيت المتنبي: انا الذي نظر الأعمى إلى أدبي و أسمعت كلماتي من به صمم. 
44) المنية: الموت .
45) هاتان الجملتان اقتباس من بيت ابي ذؤيب الهذلي: و تجلدي للشامتين اريهم اني لريب الدهر لا اتضعضع. 
46) و في الجمل التالية اقتباس من الامثال و الأشعار و من أي القرآن الكريم. 

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.