أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-12-2015
4791
التاريخ: 15-4-2022
1845
التاريخ: 25-09-2014
5432
التاريخ: 25-09-2014
5059
|
إنّ الإضطراب والقلق من أكبر المصاعب في حياة الناس، والنتائج الحاصلة منهما في حياة الفرد والمجتمع واضحة للعيان، والإطمئنان واحد من أهمّ إهتمامات البشر، وإذا حاولنا أن نجمع سعي وجهاد الإنسانية على طول التأريخ في بحثهم للحصول على الإطمئنان بالطرق الصحيحة غير الصحيحة، فسوف تتكوّن لدينا كتب كثيرة ومختلفة تعرض تلك الجهود.
يقول بعض العلماء : عند ظهور بعض الأمراض المُعدية ـ كالطاعون ـ فإنّ من بين العشرة الأفراد الذين يموتون بسبب المرض ـ ظاهراً ـ أكثرهم يموت بسبب القلق والخوف، وعدّة قليلة منهم تموت بسبب المرض حقيقة. وبشكل
عام «الإطمئنان» و «الإضطراب» لهما دور مهمّ في سلامة ومرض الفرد والمجتمع وسعادة وشقاء الإنسانية، وهذه مسألة لا يمكن التغافل عنها، ولهذا السبب أُلّفت كتب كثيرة في موضوع القلق وطرق التخلّص منه، وكيفيّة الحصول على الراحة، والتاريخ الإنساني مليء بالمواقف مؤسفة لتحصيل الراحة، وكيف أنّ الإنسان يتشبّث بكلّ وسيلة غير مشروعة كأنواع الإعتياد على المواد المخدّرة لنيل الإطمئنان النفسي.
ولكن القرآن الكريم يبيّن أقصر الطرق من خلال جملة قصيرة ولكنّها كبيرة المعنى حيث يقول: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } [الرعد: 28]
ولتوضيح هذا المعنى ومعرفة عوامل القلق والإضطراب لابدّ من ملاحظة ما يلي:
أوّلا : يحدث الإضطراب مرّةً بسبب ما يجول في فكر الإنسان عن المستقبل المظلم، فيحتمل زوال النعمة، أو الأسر على يد الأعداء، أو الضعف والمرض، فكلّ هذه تؤلم الإنسان، لكن الإيمان بالله القادر المتعال الرحمن الرحيم، الله الذي تكفّل برحمة عباده .. هذا الإيمان يستطيع أن يمحو آثار القلق والإضطراب ويمنحه الإطمئنان في مقابل هذه الأحداث ويؤكّد له أنّك لست وحيداً، بل لك ربّ قادر رحيم.
ثانياً : ومرّةً يشغل فكر الإنسان ماضيه الأسود فيمسي قلقاً بسبب الذنوب التي إرتكبها وبسبب التقصير والزلاّت، ولكن بالنظر إلى أنّ الله غفّار الذنوب وقابل التوبة وغفور رحيم، فإنّ هذه الصفات تمنح الإنسان الثقة وتجعله أكثر إطمئناناً وتقول له: إعتذر إلى الله من سوالف أعمالك السيّئة واتّجه إليه بالنيّة الصادقة.
ثالثاً : ضعف الإنسان في مقابل العوامل الطبيعيّة، أو مقابل كثرة الأعداء يؤكّد في نفسه حالة القلق وأنّه كيف يمكن مواجهة هؤلاء القوم في ساحة الجهاد أو فيالميادين الأُخرى؟
ولكنّه إذا تذكّر الله، وإستند إلى قدرته ورحمته .. هذه القدرة المطلقة التي لا يمكن أن تقف أمامها أيّة قدرة أُخرى، سوف يطمئنّ قلبه، ويقول في نفسه: نعم إنّني لست وحيداً، بل في ظلّ القدرة الإلهيّة المطلقة!
فالمواقف البطولية للمجاهدين في ساحات القتال، في الماضي أو الحاضر، وشجاعتهم النادرة حتّى في المنازلة الفردية لهم، كلّها تبيّن حالة الإطمئنان التي تنشأ في ظلّ الإيمان.
نحن نشاهد أو نسمع أنّ أحد الضبّاط المؤمنين فقد بصره مثلا أو أصابته جراحات كثيرة بعد قتال شديد مع أعداء الإسلام ولكن عندما يتحدّث كأنّه لم يكن به شيء، وهذه نتيجة الإستقرار والطمأنينة في ظلّ الإيمان بالله.
رابعاً : ومن جانب آخر يمكن أن يكون أصل المشقّة هي التي تؤذي الإنسان، كالإحساس بتفاهة الحياة أو اللاهدفية في الحياة، ولكن المؤمن بالله الذي يعتقد أنّ الهدف من الحياة هو السير نحو التكامل المعنوي والمادّي، ويرى أنّ كلّ الحوادث تصبّ في هذا الإطار، سوف لا يحسّ باللاهدفيّة ولا يضطرب في المسيرة.
خامساً : ومن العوامل الأُخرى أنّ الإنسان مرّةً يتحمّل كثيراً من المتاعب للوصول إلى الهدف، ولكن لا يرى من يُقيّم أعماله ويشكر له هذا السعي، وهذه العملية تؤلمه كثيراً فيعيش حالة من الإضطراب والقلق، وأمّا إذا علم أنّ هناك من يعلم بهذا السعي ويشكره عليه ويثيبه، فليس للإضطراب والقلق هنا محل من الإعراب.
سادساً : سوء الظنّ عامل آخر من عوامل الإضطراب والذي يصبّ كثيراً من الناس في حياتهم ويبعث فيهم الألم والهمّ، ولكنّ الإيمان بالله ولُطفه المطلق وحُسن الظنّ به التي هي من وظائف الفرد المؤمن سوف تزيل عنه حالة العذاب
والقلق وتحلّ محلّها حالة الإطمئنان والإستقرار.
سابعاً : الهوى وحبّ الدنيا من أهمّ عوامل القلق والإضطراب، وقد تصل الحالة في عدم الحصول على لون خاص في الملبس، أو أي شيء آخر من مظاهر الحياة البرّاقة أن يعيش الإنسان حالة من القلق قد تستمر أيّاماً وشهوراً.
ولكن الإيمان بالله وإلتزام المؤمن بالزهد والإقتصاد وعدم الإستئسار في مخالب الحياة المادية ومظاهرها البرّاقة ينهي حالة الإضطراب هذه، وكما قال الإمام علي (عليه السلام) : «دُنياكم هذه أهون عندي من ورقة في فمّ جرادة تقضمها» (1) فمن كانت له مثل هذه الرؤية كيف يمكن أن تحدث عنده حالة الخوف والقلق نتيجة لعدم الحصول على شيء من وسائل الحياة الماديّة أو فقدانها؟!
ثامناً : من العوامل المهمّة الأُخرى الخوف من الموت، وبما أنّ الموت لا يحصل فقط في السنّ المتأخّرة، بل في كافّة السنين وخصوصاً أثناء المرض والحروب، والعوامل الأُخرى فالقلق يستوعب كافّة الأفراد. ولكن إذا إعتقدنا أنّ الموت يعني الفناء ونهاية كلّ شيء (كما يعتقده المادّيون) فإنّ الإضطراب والقلق في محلّه، ولابدّ أن يخاف الإنسان من هذا الموت الذي يُنهي عنده كلّ الآمال والأماني والطموحات. ولكن الإيمان بالله يمنحنا الثقة بأنّ الموت هو باب لحياة أوسع وأفضل من هذه الحياة، وبرزخ يمرّ منه الإنسان إلى دار فضاؤها رحب، فلا معنى للقلق حينئذ، بل إنّ مثل هذا الموت ـ إذا ما كان في سبيل الله يكون محبوباً ومطلوباً.
إنّ عوامل الإضطراب لا تنحصر بهذه العوامل، فهناك عوامل كثيرة أُخرى، ولكن كلّ مصادرها تعود إلى ما ذكرناه أعلاه.
وعندما رأينا أنّ كلّ هذه العوامل تذوب وتضمحلّ في مقابل الإيمان بالله سوف نصدّق أنّه {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } [الرعد : 28] (2).
_____________________
1. نهج البلاغة ، الخطبة 224.
2. للاستفادة أكثر راجع كتاب (طرق التغلب على الاضطراب والقلق).
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|