أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-3-2021
3291
التاريخ: 6-11-2017
5254
التاريخ: 6-11-2017
6991
التاريخ: 5-11-2017
47268
|
قال تعالى : {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (133) إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (134) قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [الأنعام : 133 - 135] .
لما أمر سبحانه بطاعته ، وحث عليها ، ورغب فيها ، بين أنه لم يأمر بها لحاجة ، لأنه يتعالى عن النفع والضر ، فقال : {وربك} أي : خالقك وسيدك {الغني} عن أعمال عباده لا تنفعه طاعتهم ، ولا تضره معصيتهم ، لأن الغني عن الشيء هو الذي يكون وجود الشيء وعدمه ، وصحته وفساده ، عنده بمنزلة . {ذو الرحمة} أي : صاحب النعمة على عباده بين سبحانه أنه مع غناه عن عباده ، ينعم عليهم ، وأن إنعامه وإن كثر ، لا ينقص من ملكه ، ولا من غناه .
ثم أخبر سبحانه عن قدرته فقال : {إن يشأ يذهبكم} أي : يهلككم ، وتقديره يذهبكم بالإهلاك ، {ويستخلف من بعدكم ما يشاء} أي : وينشئ بعد هلاككم خلقا غيركم ، يكون خلفا لكم {كما أنشأكم} في الأول {من ذرية قوم آخرين} تقدموكم . وهذا خطاب لمن سبق ذكره من الجن والإنس . ويحتمل أن يكون معناه : ويستخلف جنسا آخر ، أي : كما قدر على اخراج الجن من الجن ، والإنس من الإنس ، فهو قادر على أن يخرج قوما آخر لا من الجن ولا من الإنس .
وفي هذه الآية دلالة على أن خلاف المعلوم يجوز أن يكون مقدورا ، لأنه سبحانه بين أنه قادر على أن ينشئ خلقا ، خلاف الجن والإنس ، ولم يفعل ذلك .
{إن ما توعدون} من القيامة والحساب ، والجنة والنار ، والثواب والعقاب ، وتفاوت أهل الجنة في الدرجات ، وتفاوت أهل النار في الدركات ، {لآت} لا محالة {وما أنتم بمعجزين} بفائتين . ويقال : بسابقين . ويقال : بخارجين من ملكه وقدرته .
والإعجاز : أن يأتي الانسان بشيء يعجز خصمه عنه ، ويقصر دونه ، فيكون قد جعله عاجزا عنه ، فعلى هذا يكون المعنى لستم بمعجزين الله سبحانه عن الإتيان بالبعث والعقاب ، {قل} يا محمد لهم {يا قوم اعملوا على مكانتكم} أي : على قدر منزلتكم ، وتمكنكم من الدنيا ، ومعناه : اثبتوا على ما أنتم عليه من الكفر ، وهذا تهديد ووعيد بصيغة الأمر . وقيل : على مكانتكم على طريقتكم . وقيل : على حالتكم ، عن الجبائي ، أي : أقيموا على حالتكم التي أنتم عليها فإني مجازيكم .
{إني عامل} إخبار عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أي : عامل بما أمرني الله تعالى به .
وقيل : إخبار عن الله تعالى أي : عامل ما وعدتكم به من البعث والجزاء ، عن أبي مسلم ، والأول الصحيح {فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار} أي : فستعلمون أينا تكون له العاقبة المحمودة في دار السلام ، عند الله تعالى . وقيل : المراد عاقبة الدار الدنيا في النصر عليكم {إنه لا يفلح الظالمون} أي : لا يظفر الظالمون بمطلوبهم ، وإنما لم يقل الكافرون ، وإن كان الكلام في ذكرهم ، لأنه سبحانه قال في موضع آخر : {والكافرون هم الظالمون} وقال : {ان الشرك لظلم عظيم} .
______________________________
1 . تفسير مجمع البيان ، ج4 ، ص 167-168 .
{ ورَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ } بعد أن ذكر سبحانه انه يحاسب الناس وفق أعمالهم ولِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا أشار إلى انه غني عن العالمين ، لا تنفعه طاعة من أطاع ، ولا تضره معصية من عصى ، وان العالم كله بحاجة إلى رحمته لأنه تعالى هو السبب الأول لوجوده { إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ } لأنه غني عنكم { ويَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ } فيبدل بكم غيركم يكونون أطوع إليه منكم ، ولكنه أمهلكم تفضلا منه وكرما { كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ } أي كما هان عليه إيجادكم من جيل مضى يهون عليه إيجاد جيل جديد منكم أو من غيركم . . والقصد من هذه الآية أن ينذر جل ثناؤه الكافرين المعاندين بالهلاك والدمار ، تماما كما فعل بقوم نوح وعاد وثمود .
{ إِنَّ ما تُوعَدُونَ لآتٍ وما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ } بعد أن خوّفهم سبحانه من عذاب الدنيا خوّفهم من القيامة وعذابها وانها آتية لا ريب فيها ، ولا مهرب منها إلا إليه وحده .
{ قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } . بعد أن دعا النبي ( صلى الله عليه وآله ) عرب الجاهلية إلى الإسلام ، واستجاب له منهم من استجاب ، وعاند من عاند أمره اللَّه جل وعز أن يقول للمعاندين : اعملوا على شاكلتكم التي أنتم عليها ، وأنا عامل بهداية ربي ، وبعد حين تعلمون لمن تكون العاقبة الحسنى ، تماما كما تقول لمن يرفض النصيحة : ابق على طريقتك ، وسترى عاقبة أمرك .
{ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } لأنفسهم بالكفر ، أو لغيرهم بالعدوان ، ولو أفلح الظالم لكان العادل أسوأ حالا من الظالم ، وكانت ألفاظ القيم ترادف النفاق والرياء .
___________________________
1. تفسير الكاشف ، ج3 ، ص 266-267 .
قوله تعالى : {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ} إلى آخر الآية . بيان عام لنفي الظلم عنه تعالى في الخلقة .
وتوضيحه : أن الظلم وهو وضع الشيء في غير موضعه الذي ينبغي أن يوضع عليه وبعبارة أخرى إبطال حق إنما يتحقق من الظلم بأخذ شيء أو تركه لأحد أمرين إما لحاجة منه إليه بوجه من الوجوه كأن يعود إليه أو إلى من يهواه منه نفع أو يندفع عنه أو عما يعود إليه بذلك ضرر ، وإما لا لحاجة منه إليه بل لشقوة باطنية وقسوة نفسانية لا يعبأ بها بما يقاسيه المظلوم من المصيبة ويكابده من المحنة ، وليس ذلك منه لحاجة بل من آثار الملكة المشومة .
والله سبحانه منزه من هاتين الصفتين السيئتين فهو الغني الذي لا تمسه حاجة ولا يعرضه فقر ، وذو الرحمة المطلقة التي ينعم بها على كل شيء بما يليق بحاله فلا يظلم سبحانه أحدا ، وهذا هو الذي يدل عليه قوله : {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ} إلخ ، ومعنى الآية :
وربك هو الذي يوصف بالغني المطلق الذي لا فقر معه ولا حاجة ، وبالرحمة المطلقة التي وسعت كل شيء ومقتضى ذلك أنه قادر على أن يذهبكم بغناه ويستخلف من بعدكم ما يشاء من الخلق برحمته والشاهد عليه أنه أنشأكم برحمته من ذرية قوم آخرين أذهبهم بغناه عنهم .
وفي قوله : {ما يَشاءُ} دون أن يقال : من يشاء ، إبهام للدلالة على سعة القدرة .
قوله تعالى : {إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} أي الأمر الإلهي من البعث والجزاء وهو الذي توعدون من طريق الوحي لآت البتة وما أنتم بمعجزين لله حتى تمنعوا شيئا من ذلك أن يتحقق ففي الكلام تأكيد للوعد والوعيد السابقين .
قوله تعالى : {قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ} إلى آخر الآية . المكانة هي المنزلة والحالة التي يستقر عليها الشيء ، وعاقبة الشيء ما ينتهي إليه ، وهي في الأصل مصدر كالعقبى على ما قيل ، وقولهم : كانت له عاقبة الدار كناية عن نجاحه في سعيه وتمكنه مما قصده ، وفي الآية انعطاف إلى ما بدئ به الكلام ، وهو قوله تعالى قبل عدة آيات : {اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} .
والمعنى : قل للمشركين : يا قوم اعملوا على منزلتكم وحالتكم التي أنتم عليها من الشرك والكفر ـ وفيه تهديد بالأمر ـ ودوموا على ما أنتم عليه من الظلم إني عامل ومقيم على ما أنعم عليه من الإيمان والدعوة إلى التوحيد فسوف تعلمون من يسعد وينجح في عمله ، وأنا الناجح دونكم فإنكم ظالمون بشرككم والظالمون لا يفلحون في ظلمهم .
وربما قيل : إن قوله : {إِنِّي عامِلٌ} إخبار عن الله سبحانه أنه يعمل بما وعد به من البعث والجزاء ، وهو فاسد يدفعه سياق قوله : {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ} .
___________________________
1. تفسير الميزان ، ج7 ، ص 302-303 .
الآية الأولى تستدل على ما سبق في الآيات التي مرّت بشأن عدم ظلم الله تعالى ، ويؤكّد أنّ الله لا حاجة له بشيء وهو عطوف ورحيم ، وعليه لا دافع له على أن يظلم أحدا أبدا ، لأن من يظلم لا بدّ أن يكون محتاجا ، أو أن يكون قاسي القلب فظا : {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ} كما أنّه لا حاجة له بطاعة البشر ، ولا يخشى من ذنوبهم ، بل إنّه قادر على إزالة كل جماعة بشرية ووضع آخرين مكانها كما فعل بمن سبق تلك الجماعة : {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ} .
بناء على ذلك فهو غني لا حاجة به إلى شيء ، ورحيم ، وقادر على كل شيء ، فلا يمكن إذن أن نتصوره ظالما .
وإذا أدركنا قدرته التي لا حدود لها يتّضح لنا أنّ ما وعده بشأن يوم القيامة والجزاء سوف يتحقق في موعده بدون أي تخلف : {إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ} .
كما أنّكم لا تستطيعون أن تخرجوا عن نطاق حكمه ولا أن تهربوا من قبضته العادلة : {وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} (2) .
ثمّ يؤمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يهددهم : {قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} .
هنا أيضا نلاحظ أنّ كلمة «الكفر» استعيض عنها بكلمة «ظلم» ، وهذا يعني أنّ الكفر وإنكار الله نوع من الظلم الصريح ، فهو ظلم بحق النفس ، وظلم بحق المجتمع ، ولما كان الظلم يناقض العدالة العامّة في عالم الوجود ، فهو محكوم بالإخفاق والهزيمة .
__________________
1. تفسير الأمثل ، ج4 ، ص 221-222 .
2. «معجزين» من «أعجز» أي جعله عاجزا ، فالآية تقول : إنّكم لا تستطيعون أن تجعلوا الله عاجزا عن بعث الناس وتحقيق العدالة ، وبعبارة أخرى : أنتم لا تستطيعون مقاومة قدرة الله .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|